مواضيع اليوم

القرضاوي وخلط المفاهيم

عيسى رمضان

2011-10-23 17:35:45

0

في موجة اللحاق بالحراك الثوري الجاري في العديد من الدول العربية , وفي محاولة لاخراج المسيرة الثورية الشعبية عن طريقها الثورية ,تصدر عن القرضاوي دعوة الى: اقامة جمهورية اسلامية ديمقراطية مدنية , حيث قال في خطبة صلاة الجمعة في العاصمة القطرية, الدوحة في تعليقه على مقتل القذافي وانتصار الثورة في ليبيا ::
"ننتظر قيام الجمهورية الديمقراطية الإسلامية المدنية في ليبيا، ولا تعارض بين الإسلام وكل من المدنية والديمقراطية،"
وتمنى القرضاوي وجود اتحاد ما بين ليبيا وتونس ومصر قائلاً: "هذه الدول الثائرة المتصلة، لا بد من أن يكون بينها نوع من التوحد والتكتل، فلماذا لا يتكتل المؤمنون الثوريون بعضهم مع بعض،" وذكر وجوب أن يشارك الشعب في تلك الدول بالانتخابات المقبلة على نطاق واسع.
عفوا يا شيخ يا قرضاوي , ان مفاهيم جمهورية , و ديمقراطية , و مدنية , و اسلامية لا يمكن أن تجتمع في كل واحد , في بلد واحد .
فمفهوم جمهورية يأتي من الجمهور ، والجمهور كل ٌ , لا يفترض التجانس الديني أو العرقي ، بل الاختلاف ، التعددية ، وقد تكون التعددية الدينية , أو المذهبية ،أو الحزبية , أو العرقية . وفوق هذا فالاسلام لا يعترف بالجمهور , بل بالأًمة ، حيث نرى أن كل الدعاة لا يذكرون ولا يربطون مفهوم " جمهورية " بالاسلام ، بل مفهوم " أًمة " بالاسلام .
لهذا فان ربط مفهوم "جمهورية " بالاسلام لايمكن حيث أن مفهوم " جمهورية " مفهوم سياسي , اجتماعي وحقوقي , له مدلولات تطبيقية لايقبلها الاسلام .
كذلك نرى القرضاوي يخلط مفهوم " الديمقراطية " بالاسلام , وبهذا يبدو أن الشيخ لا يدرك معنى الديمقراطية في الممارسة والتطبيق . اولا : انها تعني : "حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه " ، ومفهوم الشعب هنا يفترض التعددية والاختلاف , الديني والمذهبي والعرقي والحزبي .
كذلك فان " الديمقراطية " تعني , بل وتفترض الدورية في الحكم , وليس ديكتاتورية الحزب الديني الاسلامي الدائمة وحتى موت الخليفة , أو الامام ,التي يؤمن بها الاسلام .
كذلك " الديمقراطية " تعني " الحرية " , التحرر من السلطة الفوقية ، ودولة اسلامية تفترض سلطة الأئمة والمشايخ وأجهزة مخابرايهم الرهيبة - مثل ايران-

من هنا لا يمكن أن تجتمع الديمقراطية مع الاسلام في بلد واحد , الا أن يكون خدش لأحدهما ، أو تشويه لأحدهما لحساب الآخر .
فاذا قلنا " ديمقراطية " , فيجب أن تكون "ديمقراطية " حقيقية , غير مزيفة , أو معدومة , كما هو حادث في الدول العربية وأنظمتها الخائنة لشعوبها .
وقد يقول قائل : أن مبدأ "الشورى " في الاسلام يعني " الديمقراطية " .
ان هذا ليس خلطا للمفاهيم بل تشويه صارخ , فهناك فرق كبير بين المفهومين في الممارسة والتطبيق , ففي الديمقراطية الكلمة الأولى والأخيرة للشعب الذي ,يشترك بأسره في الانتخاب ، والاختيار لمن سيكون على رأس الدولة .
أما في الشورى , فيجري التشاور بين عدد ضئيل من الأئمة , وقد لا يتعدى عدد أصابع اليد لتحديد من الخليفة المقبل , وقد يكون محدد سلفا , وفي الشورى هذه , لا مكان للشعب , ولا للمرأة ولا لأصحاب الديانات الأخرى في الوطن الواحد . فالفرق شاسع بين مفهومي " الشورى " والديمقراطيه " في النظرية والتطبيق .
كما نرى أن هناك خلطا لمفهوم " مدنيه " عند الشيخ القرضاوي . فهو يلصقها بالاسلام بطريقة غير مسبوقة وفظه , وتدل على عدم فهم المعنى المقصود من "دولة مدنية " , أو هناك قصد تشويهي للمفهوم لادخاله الى ثقافة وعقول الجماهير .
أن دولة مدنية تعني أن هذه الدولة للجميع ، أي لجميع سكان هذه الدوله دون استثناء , أي أن الجميع متساوون أمام القانون ،بغض النظر عن الدين والجنس والعقيدة , والقانون الوضعي غير نابع من أي دين ، أي أن الدولة المدنية تؤمن بفصل الدين عن الدولة , أي " علمانية " ولا تستوحي قوانينها من أي دين ولا شرائع سماوية ، بل تسن القوانين وفق ما تراه مناسبا للناس , لجميع الناس في هذا المجتمع ، والتي تكفل للشعب التعايش الآمن الطبيعي , و لا تعيق تطوره الحضاري والفكري والاجتماعي .

كذلك الدولة المدنية تفترض المساواة في المواطنة للجميع بغض النظر عن اللون والدين والجنس ، وهناك تفرقة في الاسلام بين كل هذه الفئات .
ان دولة بهذه المواصفات لا يمكن أن تكون للجميع ، ولنفترض أن امرأه نجحت في الانتخابات , فهل سيسمح لها برئاسة الدولة ؟
كذلك ما الموقف من المسيحيين والأرمن ؟ وغيرهم من النحل والملل ؟
ان دعوتك هذه هي دعوة لحرب من نوع آخر لا تبقي ولا تذر ، انها دعوة تدميرية لهذه الدول وليست دعوة بنائية . انها تحرف الثورة عن مسارها الصحيح .
ان دعوة القرضاوي الى قيام جمهورية ديمقراطية مدنية مضيفا عليها اسلامية , هو اٍما عدم فهم مدلولات هذه المفاهيم في التطبيق , أو خلط فاضح , وتشويه مقصود للمفاهيم في عقول الناس .
ان صدور مثل هذا عن القرضاوي الذي هو رئيس رابطة العالم الاسلامي , والذي بحكم موقعه له تأثير كبير في عقول الناس , والمفاهيم اذا دخلت عقول الناس تصبح قوة اجتماعية , فاذا كانت مشوهه , فهنا الطامة الكبرى , حيث تتصرف الناس وفق هذه المفاهيم التي نقلت لهم بصورة منقوصة , مشوهه , فتتعمق الخلافات بينهم ، ويحتاج التوضيح لأجيال , حتى تتضح المعاني الحقيقية والتطبيقية لكل مفهوم .
ان أنظمة الحكم الظالمة لشعوبها تحتاج الى الأئمة وممثلي الدين والدعاة والساسة الدًهاه لكي يشوهوا المفاهيم في عقول الناس .
لا يمكن لأي حكم فردي أو ديكتاتوري ، ملكي ، أو جمهوملكي ، سلطاني ، أو ولي فقيه أن يستمر في ظلم الشعب الا بطريقتين ,
أولا : تشويه المفاهيم في عقول الشعب وتزييف الحقيقة لهم .
ثانيا : تقوية أجهزة القمع والمخابرات والارهاب للبطش بالناس واذلالهم ومحاربتهم في رزقهم ووسائل عيشهم . ولكن هذا لا يدوم , فعندما تعرف الناس الحقيقة لا يهمها جميع أجهزة النظم الفاسدة , الظالمة , الفردية , العشائرية .

ان خلط المفاهيم لا يعيق الثورات فحسب , بل يحرف الثورات الشعبية عن مسارها الثوري , ويجعلها تتيه في مسارات عسيرة ومؤلمة , وتستنزف القوى الثورية وترهقها , وتدخل اليأس الى بعض نفوس الشعب .
والخطورة الكبرى , هى استغلال القوى المعادية للثورة لهذا المناخ , ومحاولة القيام بثورة مضادة , والعودة الى القديم .
ان معرفة الشعب للمفاهيم ومدلولاتها الحقيقية وأبعادها الاجتماعية والحياتية لهي الحاجز الصلب الذي يفضح الظلمة وتشويهاتهم ويكسر حاجز الخوف من قول الحق في وجوههم , ولن يستطيع أي شيخ سلطوي أن يخدع الجماهير ويزين وجه النظام الديكتاتوري , أو الفردي .
ان الجماهير حينما تعرف المفاهيم الثورية وتؤمن بها , تتململ وتثور وترفع شعار :
" لن نُخدع بعد اليوم " .ولن ترهبنا كل وسائل القمع والارهاب .

والعجيب في الشيخ القرضاوي أنه دائما يلحق ولا يسبق , وهذه عادة الأئمة , حيث عهدناهم دائما اصدار الفتاوي على الأحداث والمكتشفات العلمية .
وتجربة الشعوب في هذا الزمن مع مُصدري الفتاوي هؤلاء مُربكة للتفكير , فلم يحدث أن دعا أحدهم الى ثورة على هذه الدول التي قامت فيها الثورات ونجحت , بل لحقوا بها بعد حين وبتردد .
والآن يا شيخ ورئيس رابطة العالم الاسلامي , أنت تعلم ان هناك شعوبا عربية ترزح تحت نير أنظمة حكم ظالمة و التي لديها أجهزة مخابرات تتحكم في مصائر الناس وأرزاقهم .
و ان دولا عربية تتخذ من توريث الحكم موازيا للمقدسات وفوق الدستور ، وكأن هذه العائلة خلقت لتحكم والى الأبد .

لماذا يا رئيس رابطة العالم الاٍسلامي لا تقل لهؤلاء : لا توريث في الحكم !!!
لماذا لا تصدر فتوى فقهية تحرم التوريث في الحكم ؟ .
لماذا لا تصدر فتوى بتحديد فترة الحكم ، فالعصر وتطور المجتمعات قد تجاوز هذه الممارسات في الحكم ، و تقول أن الاٍسلام متطور ويرفض الحكم مدى الحياة . !!!
لماذا لم تسم الأصنام وكهنة الأصنام الرابضين على صدور شعوبهم .
لماذا الكيل بمكيالين ، وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها , وخلط المفاهيم وتزييفها في عقول الناس .

انك تظهر دائما على شاشة الجزيرة في حلقات " الشريعة والحياة " .
أليست مسائل مثل : الظلم ، والحرية ، والديمقراطية وحرية الانتخاب ، والمفهوم الصحيح للمواطنة وتحريم سرقة المال العام , وعدم توريث الحكم ، ورفض الحكم مدى الحياة ، ورفض تسلط أجهزة المخابرات على الشعوب في الدول العربية - من الحياة ، والأجدى أن تنال حظا من حلقاتك ؟

اريدك أن تتحلى بالجرأة وتصدر فتاويك حول هذه القضايا التي تهم ليس كل عربي بل كل مسلم .
وأنت تعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس !!!
وأن الساكت عن الحق فهو اٍما خائف أو مستفيد !!!
وأنت تعلم أن الساكت عن الحق من " كهنة الصنم !!!

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !