كثرت الفتاوي هذه الأيام و أثرت سلبيا على سلوك الأفراد بشكل متناقض و الافتاء لا يترك صغيرة و لا كبيرة الا و أفتى بها ، في الحجاب و أشكاله و لباس المرأة من ...... و الى ، و البنطلون ،وعلاقة المرأة بزميل العمل و الاستنساخ و الصعود للقمر و كروية الأرض و حركة الشمس و نظرية التطور ، و ما يصح قراءته و ما لا يصح ، من الكتب و المؤلفات الحديثة ، و مشاهدة التلفزيون و السينما و التمثليات .
فالشاب المسلم هذه الأيام ، تنهال عليه الفتاوي من كل حدب و صوب ، في كل نواحي الحياة صغيرة و كبيرة من غسل الإصبع الى غسل الرأس و من لون اللباس الى شكله و طوله ، و أنواع الأكل و مصدرها ، و المشروبات و ألوانها ، و ما يدخل فيها ، و الأدوية على تعددها و تركيباتها .
و كثرت الفتاوي عن الحجاب و مدى عموميته للرأس ، للوجه ، أو للوجه و اليدين و القدمين ، و الثوب و مدى اتساعه ليصبح خيمة لها ثقبان في الأعلى مقابل العينين .
و كل فتوى تأتي بالأسانيد من الحديث و السنة و القرآن و التاريخ الصحابي ، و أن ما قاله المفتي هو الصحيح و غيره خطأ ،و من لم يعمل بهذه الفتوى مصيره النار ، و لا يشفع له صيامه الدهر كله و لا صلاته .
و الفتاوي حول المال و البنوك متعددة و تجعل الانسان في حيرة ، أيها الصواب .
فالبنوك على تعددها و أشكالها و أسماءها تقول ان ادخار المال الفائض عند أبناء الشعب لديها خدمة للاقتصاد الوطني ، و تشجع المدخرين بالفوائد و الجوائز .
و الفتاوي حول هذه المسألة تنطلق بأشكال مختلفة مشفعة بأسانيد من القرآن و الأحاديث ، فمنهم من يحرم الادخار في البنوك و منهم من يحرم العمل في البنوك ، أو التعامل معها و منهم من يفتي بأن الادخار و العمل في البنوك حلال و يدعم فتواه بأسانيد من الكتاب و السنة و الأحاديث .
و الجهاد في سبيل الله ، كثرت حوله الفتاوي و هل هو جهاد النفس و تدريبها على الامتثال للأوامر و البعد عن النواهي الدينية ، أم هو الجهاد بالمال و إنفاقه في أوجه الخير ، أم هو الجهاد بالجسد أم جميعها ، أم حسب المقدرة .
ففتوى الجهاد بالجسد دفعت الأصوليين لاعتماد أسلوب التفجير ولا يهم كم عدد الأبرياء الذين يموتون ما دام الهدف موجود بينهم ، و ما التفجيرات التي تحدث في أفغانستان و العراق و التي حدثت في 11 سبتمبر إلا تطبيقا لفتاوي الجهاد بالجسد ، و لا يعني الشاب الذي قام بهذا العمل كم عدد الضحايا البشرية و الخسائر المادية جراء عمله هذا ، بل إن جل ما يعنيه هو و ما يحلم به هو ، بنرجسيته و أنانيته في الحصول على مقعد في الجنة .
و ماذا لو كان هو أو زوجته أو ابنه أحد ضحايا هذه التفجيرات من أُصولي آخر ، فهل سيبقى على اعتقاده هذا ، و هل سيتألم لفقدان أحبابه .وهل سيعنيه مدى الخراب والتدمير جراء عمله هذا ؟ .
و الفتاوي لا يهمها العلم التجريبي و ما توصل إليه من استنتاجات يقينية كما هي فتوى المفتي ابن باز الذي أنكر أن الأرض تدور حول الشمس و أفتى بذلك و هذا نص الفتوى :
نص الفتوى
بسم الله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين، القول بدوران الأرض قول باطل والاعتقاد بصحته مخرج من الملة لمنافاته ماورد في القرآن الكريم من أن الأرض ثابته وقد ثبتها الله بالجبال أوتاداً، قال سبحانه وتعالى {والجبال أوتادا} وقوله جل وعلا { وإلى الأرض كيف سطحت} وهي واضحة المعنى فالارض ليست كروية ولاتدور كما بين جل وعلا، وقد يكون دورانها او تغيرها من غضبه سبحانه، كما في قوله سبحانه: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }. والجبال موضوعة في الأرض لترسيتها عن الدوران والتحرك، قال تعالى { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقال سبحانه {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} وَقَوْله " وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِي " أَيْ جِبَالًا أَرْسَى الْأَرْض بِهَا وَقَرَّرَهَا وَثَقَّلَهَا لِئَلَّا تَمِيد بِالنَّاسِ أَيْ تَضْطَرِب وَتَتَحَرَّك فَلَا يَحْصُل لَهُمْ قَرَار.
والأرض تدل على عظمة الخالق سبحانه وهي آية من آياته كبقية آياته العظيمة وقد ذكر الله سبحانه أن الشمس والقمر يجريان في فلك في آيتين من كتابه الكريم وهما قوله عز وجل في سورة الأنبياء { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقوله سبحانه في سورة يس: { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ولم يذكر أن الأرض تدور كما يزعمون.
ولو كانت الأرض تدور لأخبرنا بذلك الله سبحانه أو نبيه عليه الصلاة والسلام الذي تركنا على المححة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك. والحمد لله رب العالمين.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
واضح من نص الفتوى أنها تنكر أن الأرض كروية و أنها تدور حول نفسها و أنها تدور حول الشمس ، و أن الأرض ليست مركزية بالنسبة للكون . و ان من يقول بعكس ما قاله ابن باز فهو كافر .
و واضح أيضا كيف أن هذه الاستنتاجات التي أفتى بها ابن باز بعيدة كل البعد عن العلم و تقيد العلماء عن أن يبحثوا أبعد من النصوص الدينية لأن الآيات التي ساقها ابن باز تمنعهم من الغوص في ما هو أبعد من ما فهمه ابن باز منها .
وهذه الفتوى التى أفتى بها ابن باز لا تختلف عن موقف الكنيسة التي أعلنت رفضها لما قال به "كوبرنيك " (1473 -1543 ) والذي أعلن أن الأرض ليست مركز الكون ، بل هي كوكب عادي في نظامنا الشمسي . ويختلف موقف الكنيسة عن ما قاله جاليلو وأعلنه في شجاعة: "أن نظرية مركزية الأرض ليست سوى خيالات ملفقة".
وفي العام 1632 منع كتابه وحظر نشره، وأدين جاليليو بالفعل من قبل محاكم التفتيش، واستمر هذا المنع حتى عام 1822، وأعلنت محكمة الكرسي المقدس، بعد محاكمة استمرت ستة شهور أنه: "يشتبه لآخر درجة في خروجه عن الدين القويم (الهرطقة) لأنه نادى وآمن بعقيدة كاذبة مخالفة للكتاب المقدس عقيدة مؤداها أن الشمس هي مركز العالم – المجموعة الشمسية -، وأنها تتحرك من الشرق للغرب، وأن الأرض تتحرك وليست مركز العالم".
ان نتيجة هذه الفتاوي الدينية وخيمة ، فتهمة الكفر ، ليس بعدها تهمة ، فهي الحكم بالموت أو بالحرق ، فمن حرق " برونو " ومن حرق كتب ابن رشد ، الا المطبقين لهذه الفتاوي .واليكم الفتوى –القرار- الذي بموجبه أحرقت كتب ابن رشد :
(وقد كان في سالف الدهر قوم، خاضوا في بحور الأوهام ... فخلدوا في العالم صحفاً، مالها من خلاق، مسودة المعاني والأوراق.. يوهمون أن العقل ميزانها، والحق برهانها ... ونشأ منهم شياطين يخادعون الله والذين آمنوا ... فكانوا أضر عليها من أهل الكتاب ... وهؤلاء قصارى همهم الغمومة والتخييل، وبث عقاربهم في الآفاق .. فاحذروا ـ وفقكم الله ـ هذه الشرذمة حذركم من السموم السارية في الأبدان.
ومن عُثر له على كتاب من كتبهم؛ فجزاؤه النار التي بها يعذب أربابه، وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه ...
والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم، ويكتب في صحف الأبرار تضافركم على الحق واجتماعكم، إنه منعم كريم)؟!.
ولا يختلف موقف ابن باز عن موقف البابا لاكتانتيوس الذي كان يسخر من الذين يقولون أن الأرض كروية فيقول:
هل جُنَّ الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار والناس تتدلى من الطرف الآخر؟!! . وكذلك كان موقف "توركويمادا" (1420 – 1498) – أشهر رئيس لمحاكم التفتيش في أسبانيا، كان يبرر إحراق مئات "الزنادقة" و "السحرة" على الخازوق (وتعريف الزنادقة والسحرة كان: كل منشق على الكنيسة الكاثوليكية أو رافض لها في العقيدة أو السلوك أو المصالح) بقوله: "نحن نحرقك في الدنيا رحمة بك، حتى ننقذك من النار الأبدية في الآخرة". حسب ترجمة " لويس عوض " في كتابه " ثورة الفكر في عصر النهضة الأوروبية ".
واليكم فتوى يهودية ضد اسبينوزا : قرار لعنة سيبنوزا الذي أصدره السنهدرين اليهودي:
(بقرار الملائكة وحكم القديسين نحرم ونلعن وننبذ ونصب دعاءنا على باروخ اسبينوزا.. وليكن مغضوباً وملعونا، نهارا وليلا وفي نومه وصبحه، ملعونا في ذهابه وإيابه، وخروجه ودخوله، ونرجو الله أن لا يشمله بعفوه أبدا، وأن ينزل عليه غضب الله وسخطه دائما..
وأن لا يتحدث معه أحدا بكلمة، أو يتصل به كتابة، وأن لا يقدم له أحد مساعدة أو معروفا، وأن لا يعيش معه أحد تحت سقف واحدة، وأن لا يقترب منه أحد على مسافة أربعة أذرع، وأن لا يقرأ أحد شيئا جرى به قلمه أو أملاه لسانه).
وهكذا يتوحد جميع ممثلي المقدس على مدى التاريخ ضد الأفكار الجديدة والاكتشافات العلمية الجديدة ، وضد أي بحث عقلاني .
وفي الطب ، فقد أعاقت الفتاوي تطور علم التشريح ، فالمًسلمة الدينية " اكرام الميت دفنه " تلاقت مع فتوى الكنيسة التي تحرم القيام بتشريح جثة الميت، وأول من تجرأ على تشريح جثة ميت هو طبيب إيطالي في "بادوا" بإيطاليا، وذلك عام (1315)، ولكنه لم يجرؤ على فتح رأسه وتشريح دماغه خوفًا من ارتكاب الخطيئة القائلة والخروج على تعاليم الدين المسيحي أو "المقدسات"، لذا كان يضع فوق طاولة التشريح كرسيًا لراهب يتلو صلوات من أجل راحة نفس الشخص الذي كان يشرحه، واستمر هذا الوضع حتى عام 1405، حين ألغى مجلس شيوخ البندقية سلطة محاكم التفتيش".
ان الفتاوي دخلت في حياة الناس والعلوم والنظريات ، فكم من مرة أعلن الناطقين باسم الدين أن من يؤيد نظرية داروين كافر ، وفي فتواهم هذه لم يأخذوا بعين الاعتبار أن علم الأجنة وعلم الأحافير التي تواجدت خلال العصور الجيولوجية والتشريح ، كلها تثبت أن هناك وحدة في تركيب الطبيعة الحية ، و أن الكائنات الحية وجدت متسلسلة من بعضها البعض و لم يوجد كائن حي لم يسبقه كائن آخر أقل درجة منه في التطور ، لم يستطع هذا السابق أن يصمد ، فانقرض و تبعه نوع آخر من فصيلته يملك مميزات أكثر تطورا أمكنته من الصمود و مقاومة الانقراض .
و في الجانب الآخر يخرج لنا مفتي آخر يقول : إن نظرية دارون في النشوء و الارتقاء لم تأتِ بجديد ، فقد وردت نظرية دارون في القرآن " و خلقناكم أطوارا " أي أن الله لم يخلق الناس و الكائنات بشكل واحد و لا بدرجة واحدة ، و لا بطور واحد و تركيبة واحدة ، بل بدرجات و أطوار وصور مختلفة .
و طبعا هذا فهم خاطئ لنظرية دارون في النشوء و الارتقاء و خلطا بين درجات الناس و درجات النمو ، التطور الدماغي و الجسدي عند الكائنات ، و بين تسلسل الكائنات الحية من بعضها البعض و ارتقائها .أي أن هذا الفهم يؤمن بتجاور الكائنات الحية كما هي منذ شكلها الأول ، الذي هو الحالي ولم يتغير ، وليس تعاقبها التطوري من الأدنى الى الأرقى في القدرة على التكيف .
و بعد هذا فأي موقف يجب أن يقفه المسلم من نظرية دارون ؟ موقف المؤيد ، أم موقف المعارض ، أم الموقف الوسطي وعدم إبداء الرأي في النظريات العلمية، أي فصل المقدس الثابت عن العلم المتغير و الذي يخرج كل يوم بنظريات جديدة.
إن تعدد الفتاوي و تشعبها وضعت الشباب المسلم في حالة من فقدان الاتجاه ، في حالة من فقدان القدرة على التراجع ، على التقدم ،فالدين شبكة ثقوبها متعددة ، أي فتاويها كثيرة ، و هو لا بد واقع أسيرا لهذه الفتاوي ، و التي لا تسمح له بالتفكير خارجها أو الخروج منها ، و تبقى تتحكم في سلوكه ليل نهار ، و لا نعرف ماذا قرأ من فتاوي ، و ما هو سلوكه البعدي ، أي بعد ان قرأ الفتوى و خمرها في دماغه . فالشاب يقرأ الفتوى مساء بدافع البحث و المعرفة و يكون في غاية الاتزان النفسي و السلوكي ، و فجأة يختلف سلوكه في الصباح فقد تراه يغير ملابسه أو ينقطع عن عمله أو يطلق زوجته أو يهجر أولاده أو يفجر نفسه في الأسواق . فلا يمكن معرفة السلوك التالي بعد سماعه أو قراءته لأي فتوى .
ان الأيديولوجية الدينية تجعل الشخص ذو بعد واحد ولا يمكن مغادرته .، أو كما قال أحد المفكرين " الآنسان المتدين هو حيوان مخدر " ونضيف مخدرا في هدوءه وفي عنفه ، في هدوءه يتوحد مع التوكل والتواكل ، وفي عنفه يفقد عقله الأخلاقي والاٍنساني ولا يتعدى سلوكه العنفوي حيوان مفترس يطارد فريسته ، فهي أمامه هدف ولا يهمه شيء بعد ذلك من وازع أخلاقي أو انساني أو حضاري...
التعليقات (0)