الـعيـد
إن معنى العيد أن فيه معايدة الله عليك بالإحسان ، وبالوصال والوداد والمحبة ، أن يصلك ربُك ويتجلى عليك بالرضا والسرور وهذا هو معنى العيد ، وهذا هو العيد السعيد ، العيد السعيد لمن شملته مغفرة الله ورحمته فمعنى العيد أن فيه معايدة وليس العيد بلبس الجديد والتبرج في مواضع الوعيد .
قال بهلول للرشيد وقد لقيه يوم العيد وعليه ثياب جديدة : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن أمن من الوعيد ، ليس العيد لمن تبخَّرَ بالعود ، وإنما العيد لمن تاب ولايعود ، ليس العيد لمن ركب المطايا ، إنما العيد لمن ترك الخطايا ، ليس العيد لمن جلس على البساط ، إنما العيد لمن جاز الصراط ، ليس العيد لمن بنى القصور ، إنما العيد لمن تجهَّزَ للقبور .
الهي : إذا ماكنت لي عيداً |
|
فما أصنع بالعيد |
جرى حبك في قلبي |
|
جري الماء في العود |
في العيد تتحرك المشاعر والأحاسيس ، فيتذكر الغائب أهله ، والغريب بلده ، والمهجر داره ، والمريض صحته ، والشيخ شبابه ، والثكلى ولدها ، والأرملة زوجها ، واليتيم أباه ، والفقير حاجته ، والمدين دينه ، والسجين حريته ، والأهل فقيدهم ، والوالدة ولدها العاق بها ؟
ياعيـدُ ماذا تفعل مع كل هؤلاء ؟
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ مالك لا تجيب ،آلا إنك مثلنا حزين غريب ؟!
ياعيـدُ أجبني بربك ياعيـدُ ؟!
أأحزين أنت أم متعجب من أمر المسلم في بلدي ، كيف يهجر أخاه ، ويصافح قاتل أباه ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
مالي أراك واجم حزين ؟
أأخرستك صرخات الثكالى ؟
أم أخرستك صرخات الأمهات على أولادها ؟
أم دموع الأرامل على جثث أزواجها ؟
أم صرخات الأطفال التي بـُترت أطرافها ؟
أم أنين الجرحى تحت الأنقاض ، مالي أراك واجم حزين ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرسك تدمير المساجد ؟
أم إحراق المصاحف ؟
أم قتل علماء بلدي ؟
أجبني بربك ياعـيدُ ؟
أأخرستك تلك الجثث الملقاة في الطرقات ؟
أم أحزنتك أحوال الجرحى التي تداس أجسادها بسرفات الدبابات ؟
أم أحزنتك الأجساد التي أكلتها الكلاب والهوام والآفات ؟
أجبني بربك ياعيـدُ ؟
أأخرستك حراب الغزاة ؟
أم سجون الطغاة أجبني بربك ياعيـدُ ؟
ياعيـدُ أأخرستك العقارب والأسود أم الذئاب البشرية ؟
أم قصة قطع لساني بأيديهم بقانون سنته الجمعية الوطنية ؟
أذكر ذات مرة
أن في فمي كان به لسان
وكان ياماكان
يشكو غياب العدل والحرية
ويعلن احتقاره
لاحتلال الأوطان في كل مكان
لكنه حين شكى
أجرى له السلطان
جراحة طبية
من بعد ما أثبت بالأدلة القطعية
أن لساني في فمي زائدة دودية
ينادي بشعارات ثورية ..
ياعيـدُ أحزين أنت على شاب من بلدي اعتقلوه ثم عذبوه :
قالوا له : اعترف
قال عن أيّ شيء أعترف ؟
قالوا اعترف ؟
فتش لم يجد الجواب
فقال له قاضي القضاة المحترف :
الثوب قد قصرته والذقن قد أرسلته
والمارد الشيطان بالتكبير قد أزعجته
وحملت سواكاً
يراه الحاكم المدني أنبوباً
لتخصيب السلاح فيرتجف
وتقول : عمّا أعترف
فالإثُمَّ فيك سجيـّةٌ
والعفو عنك خطيئةٌ
والكل يشهد أن قتلك قربة
تشفي غليل الحاكم الروحي ..
في قم بل قم واعترف .
ياعيـدُ أم أحزنك أمر ذلك الشاب في بلدي :
الذي حبسوه قبل أن يتهموه
عذبوه قبل أن يستجوبوه
أطفئوا سيجارة في مقلتيه
عرضوا بعض التصاوير عليه
قل لمن هذه الوجوه
قال : لا أبصر
طلبوا منه اعترافاً
حول من قد جندوه
لم يقل شيئاً
ولما عجزوا أن ينطقوه
قتلوه بعد شهر برءوه
أدركوا أن الفتى
ليس هو المطلوب أصلاً
قالوا : بل الزرقاوي أخوه
فألقوه في العراء
فصوره إعلامهم
وأخذوا يبكون عليه
وينادون أن آل أبي سفيان
ياويحهم قد قتلوه .
ياعيـدُ أتخشى أن تهمس في أذني قولاً ، فقد ..
دخلت بيتي خلسة من أعين الكلاب
أغلقت خلفي الباب
نزلتُ للسرداب
أغلقت خلفي الباب
دخلت للدولاب
أغلقت خلفي الباب
همستُ همساً خافتاً
فليسقط الأذناب
وشت بي الأبواب
دام اعتقالي سنة بتهمة الإرهاب .
أأحزنك ياعيـدُ أن شبل الأسود في بلدي أصبح ظبيٌ جفول
أم أحزنك ياعيـدُ ، الحر الذي استرقوه بدريهمات قليلة ، ففرح بعبوديته وبعد كل هذا أراك تنشد لأمتنا ؟
ياأمتي صبرا فليلكُ |
|
كاد يُسفر عن صباح |
لابد للكابوس أن |
|
ينزاح عنا أو يزاح |
والليل إن تشتدَّ ظلمتُهُ |
|
نقول الفجرُ لاح |
والفجر إن يبرغ فلا |
|
نومٌ وحيَّ على الفلاح([1]) |
* * *
التعليقات (0)