مواضيع اليوم

العبد يقرع بالعصا

علي الحارس

2011-08-03 22:36:34

0

العبد يقرع بالعصا.. يقرعه صدام حسين، ثم قصي صدام، ثم مصطفى قصي، ثم صدام مصطفى، والمهم في كل ذلك أن العصا تبقى، فالقرع يتحول إلى القاعدة، والإشارة هي الاستثناء؛ أما الحر فتكفيه الإشارة ويغادر العراق في العام 1941.

العبد يقرع بالعصا، ولكنه يتدبر أموره، فـ"ليس هنالك من يموت جوعا في مجتمعاتنا"، وهكذا يصبح دابة (همها علفها)، ويكوّن علاقة خاصة مع الجدران، فيمشي بإزائها لا يلتفت يمنة ولا يسرة حتى ينتقل إلى لعنة الله تعالى. أما الحر فتكفيه الإشارة، فيموت جوعا قبل الآخرين، ويأبى أن يهتم بالعلف فتأكله الدواب، ويصطدم بالجدران واحدا تلو الآخر لأن بوصلته في مكان آخر، وإشارات الجهات لا تعترف بالحواجز والمعوقات.

العبد يقرع بالعصا، فيرى جانبا أبيض لحسني مبارك، فهو الذي قدم لنا الاستقرار والسلام والعيش والملح والفول والطعمية وكل حاجة "نفسك فيها" ما دامت "نفسه ليست فيها"، وهذا بالإضافة إلى جانب أسود لا ينكر، ولكنه لا يبرر الفوضى البناءة "بتاعت الست كوندوليزا". أما الحر فتكفيه الإشارة، ولا يهتف لمبارك منذ اليوم الأول، ويجد "القرف" في كل ما "نفسه فيه"، لأن الفيروس يمسخ كل شيء: فالأمن رعب، والاستقرار فوضى، والعيش والملح زقوم لا يستساغ؛ وهكذا تنعكس الأمور تاليا: فالفوضى استقرار قادم، والرعب الحاضر أمن في المستقبل؛ والعراق أكبر الأدلة.

العبد يقرع بالعصا، ثم يتحول إلى العصا: استخبارات وأمن وأعضاء فرق وشعب وتجمع دستوري وحزب وطني، وعندما يزول السيد المهيب، تبقى العصا تقرع خبط عشواء لأنها عصا اجتثت من منبتها فلا أمل لها بالاخضرار، وتركها سيدها دون من يتسيدها بعده، فتتحول إلى (البلطجة) كمرحلة أخيرة قبل احتراقها الذاتي. أما الحر فتكفيه الإشارة، ويرى في العبد عصا وهو في مرحلة (ذرف الدموع)، ولا يعبأ بإغراءات (الصعلكة) وقصائد التمجيد، فينجو من العصا قبل أن يشتد عودها، أو يواجهها بعد ذلك في مشهد من مشاهد التعذيب التي اعتدنا عليها، أو يكسرها وهذا مما قل أن يجود به الزمان.

العبد يقرع بالعصا، فتتطور لديه خبرة قل نظيرها بكشف مؤامرات الاستعمار والامبريالية والصهيونية والماسونية والعثمانية والصفوية، وذلك بغض النظر عن المكان الذي تؤدبه العصا، كما يحصل بذلك على قدرة كشف المندس والعميل والخائن والطابور الخامس دون جهد يذكر. أما الحر فتكفيه الإشارة مهما كانت خفية، فيمضي عمره حائرا بين الأسئلة والأجوبة، مبحرا بين التفاصيل الدقيقة، مقاوما (شيطانها)، راضيا بتشتتها وتنوعها ودقتها.

العبد يقرع بالعصا، فتنفتح قريحته لنظم الشعر في مدح "قادسية صدام المجيدة" و"انتصارات أكتوبر" و"ثورة الفاتح"، ويقضي وقته في البحث عن "مكامن الإبداع" في "زبيبة والملك" و"الأرض الأرض القرية القرية الخ"، ويحصل على شهادة دكتوراه في "الجوانب الجيوبوليتيكية في الخطاب الرئاسي بتاريخ 5/5" و"التحليل السياسي لما بين السطور في الخطاب الرئاسي بتاريخ 6/6"، ويملأ رفوف المكتبات بتحليل أقوال "سيد الحكمة". أما الحر فتكفيه الإشارة، ولا يحتاج إلى من يقول له بأن (الامبراطور لا يرتدي شيئا)، وأن كل هذه (الجعجعة) قادمة بطحين مستقبلي قوامه (الجماجم والدم).

العبد يقرع بالعصا، ولا ريب؛ والحر تكفيه الإشارة، ولا ريب؛ فكل إناء ينضح بما فيه، ويبقى أن نقرر نحن أي (معسكر) نختار، وما أحرانا بذلك في هذه اللحظات التاريخية النادرة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !