أخيراً انقشع غبار المعركة الانتخابية اﻷمريكية وسيبقى الرئيس اﻷسمر متربعاً على عرش المكتب البيضاوي لأربعة سنوات مقبلة دون أن تُذرف قطرة دم أمريكية واحدة. المرشح الخاسر هنأ الفائز وتمنى له التوفيق لما فيه مصلحة البلاد. ليست هناك عروض "لخروج آمن" ولا "ٳعادة عد للأصوات" ولا حتى تبادل للشتائم. الديمقراطية اﻷمريكية انتصرت هذه المرة أيضاً وأعطت المناضلين من أجل الحرية في العالم كله درساً في احترام الآخر وحرية التعبير وحق تقرير المصير.
ليس في مقدورنا كسوريين سوى أن "نحسد" اﻷمريكيين على الحرية التي ينعمون بها وأن نتمنى ﻷنفسنا ولشعبنا ديمقراطية وازدهاراً مماثلين، خاصة حين تتلخص "ديمقراطية" آل اﻷسد في سياسة البراميل المتفجرة والمذابح المتدحرجة على مبدأ أن السوري الجيد هو السوري الميت، سواء حين يموت ضميره ويناصر نظام القتلة في دمشق، أو حين يتكفل شبيحة اﻷسد بٳسكاته ٳلى اﻷبد لكي لا يطالب لا هو ولا أولاده ولا حتى أحفاده بالحرية ولكي لا يحلموا يوماً بأن يختاروا هم أنفسهم من يحكمهم. اﻷمريكيون قد اختاروا حاكمهم بمطلق الحرية وهاهو وقد "تحرر" من أرق عدم ٳعادة انتخابه ولا عذر لديه كي يستمر في التسويف ٳلى ما لا نهاية.
أصدقاء الرئيس "اوباما" لن يتمكنوا بعد الآن من اختلاق اﻷعذار لتبرير تقاعسه عن نصرة الضحايا اﻷبرياء في سوريا، فهاهي الانتخابات قد انتهت والرئيس "اوباما" أمامه أربعة أعوام وهو مطلق اليدين في الموضوع السوري كما في غيره. المقربون من الرئيس اﻷمريكي لم يضيعوا الوقت، فهاهو السيد كاميرون يتصرف كصديق حقيقي للشعب السوري و يقوم بما لم يقم به أي رئيس عربي، ما عدا عاهل المغرب وهو، بالمناسبة، استثناء بين الحكام العرب. السيد "كاميرون"، سليل الديمقراطية البريطانية العريقة، لم يبال بالغبار و"التعتير" وهاهو يزور مخيم الزعتري سيء الذكر في اﻷردن ليطالب من هناك الرئيس "اوباما" بالعمل معه بجدية من أجل ٳيجاد حل لمعاناة السوريين.
قبله وعشية الانتخابات اﻷمريكية، صرح المبعوث الدولي والعربي، السيد اﻷخضر الابراهيمي، بما يفكر فيه كل من لديه حس بالمسؤولية في هذا العالم وهو أن استمرار العصابة اﻷسدية في التحكم بمقادير اﻷمور في سوريا وٳطالة نزف الدماء البريئة هناك، بدعم لا محدود من محور الشر وفي ظل صمت أمريكي يرقى ٳلى درجة التواطؤ، هي وصفة من أجل تحويل سوريا ٳلى "صومال" جديد في شرق المتوسط.
بكلمة أخرى، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة، أجمع اثنان من كبار أصدقاء أمريكا على خطورة الوضع في سوريا والذي قارب درجة التعفن، أي "الصوملة" في ذات الوقت الذي بدأ فيه الصومال يخرج من شرنقة التفكك ويخطو في اتجاه استعادة عافيته بعد عشرين عاما على رحيل "أسد" الصومال، محمد سياد بري.
ساعة الحقيقة قد أزفت ٳذاً بالنسبة للرئيس اﻷسمر، الحائز سلفاً على جائزة نوبل للسلام، وعليه أن يختار موقعه في التاريخ، فٳما أن يذكره التاريخ والبشرية في موقع مماثل للرئيس "كلينتون" الذي وضع حداً للمجازر الطائفية والتصفيات العرقية في البوسنة وكوسوفو، أو أن ينضم ٳلى أمثال الرئيس "بوش" اﻷب ثم الابن الذين ساهموا مباشرة أو بشكل غير مباشر في سفك الدماء البريئة وفي التواطؤ مع مجازر الطغاة.
حسناً فعل الثوار السوريون على اﻷرض حين لم يضيعوا وقتهم في متابعة أخبار الانتخابات اﻷمريكية واستمروا في "مخاطبة" عصابة اﻷسد باللغة الوحيدة التي تفهمها هذه العصابة، لغة السلاح.
هناك أنظمة متحضرة تخاطب شعوبها عبر اﻹعلام والسياسة، عبر المقالات واستطلاعات الرأي وتحترم قرارات مواطنيها في انتخابات حرة ونزيهة. في حالة هذه اﻷنظمة، كل عنف مرفوض بالمطلق ﻷنه يصادر حرية الآخرين، ممن لا يمارسون العنف، ولا يحترم قرارهم. من لديه رأي أو مظلمة في هذه الدول عليه أن يتبع الطرق المشروعة والسلمية للتعبير عن وجهة نظره وتحصيل حقوقه عبر العمل السياسي والنقابي والاجتماعي. على الطرف الآخر من المعادلة، هناك أنظمة عصابات تخاطب شعوبها بالعصا وبالبراميل المتفجرة و"تداوي" جراح مواطنيها عبر قطعان الشبيحة والتعذيب والقتل المنهجيين.
نظام العصابة في دمشق هو التجلي اﻷمثل للأنظمة المارقة والقاتلة، مع هذه اﻷنظمة لا ينفع الخطاب ولا السياسة، وحده السيف سوف يداوي وجع الشام. ٳن كان الرئيس "اوباما" يريد مساعدة السوريين على التحرر من ربقة نظام العصابة في دمشق فهو يعرف تماماً ما ينتظره منه السوريون الذين لا يريدون تدخلاً ولا منة من أحد، يريدون فقط "سيوفاً" ودروعاً تقيهم شر طائرات ومدرعات اﻷسد.
نقول للسيد "اوباما" بعد تهنئته بالفوز ما قاله "ونستون تشرشل" للرئيس "روزفلت" ٳبان معركة لندن وصعود النازية في أوربا أثناء الحرب العالمية الثانية : "فقط أعطنا المعدات وسنقوم نحن بالعمل...Just give us the tools and we will do the job".
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر :الخميس 8 تشرين الثاني 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=85578:2012-11-08-04-11-52&catid=39:features
التعليقات (0)