عجيب أمر أقنية وصحف الخليج والممولة من قبل شيوخ النفط، التي تختصر الحراك الثوري السوري في خطاب أجوف حول "العروبة" و"الحرية" والديمقراطية" الموعودة والتي ستهبط من السماء فور سقوط اﻷسد، وفي خطاب سلفي جهادي يعد بالنصر "الآتي حتماً من عند الله" وليس بالعقل وبالعدة والعتاد والتنظيم بل يكفي "صبر ساعة" لكي نصل ٳلى الغاية المنشودة. لامكان في وسائل اﻹعلام هذه لخطاب موضوعي متزن ولا احترام لمنطق أو عقل من بقي لديه وقت ليضيعه في متابعة هذا الخطاب المكرر الذي يذكر بالخطاب الناصري في عز الخمسينات...
هكذا أتحفتنا قناة الجزيرة بسبق صحفي مع "الفاتح أبو محمد الجولاني" الذي خرج من سجون اﻷسد معززاً مكرماً، في حين فقد "غياث مطر" حياته في ذات السجون ﻷسباب علمها عند ربي وأجهزة استخبارات الولي الفقيه. الجزيرة سبق لها وأن أغرقتنا بخطابات "القرضاوي" الثمينة وبمقابلة "تاريخية" مع بن لادن كأن الاثنين يختصران بخطابهما المتحجر والعائد للقرن العاشر الميلادي، المشروع الثقافي والحضاري للمنطقة. قناة ٳمارة قطر العظمى أكملت معروفها بتقديم "كتف" الفاتح الجولاني ومن الخلف كما لو أن نظام اﻷسد ليس لديه حتى بصمات المذكور ودفتر عائلته...
بحسب الجزيرة وأشباهها ومن المنظور الوهابي، الصراع هو بين "الحق" الذي يمثله القرضاوي السلفي "المعتدل" و"الفاتح" السلفي الجهادي الذي يكتشف الاعتدال بنسخته القاعدية، أما الشر فيمثله : الغرب الكافر من أمريكا حتى أوربا، والشرق الملحد من الهند ٳلى الصين، العدو المجوسي، الشبيح الروسي، اﻷسد، اليهود والكفار والعلمانيون والنصيريون وو.... هانحن أمام "هرماجيدون" توراتية أو أقله موقعة "صفين" جديدة على أرض الشام ترتسم أمام أعيننا.
لكن، أمريكا قوية وروسيا مثلها، وٳيران بعيدة، أما اليهود وٳسرائيل فمؤجلون لعدة أجيال مقبلة وربما لقيام الساعة. بعد استثناء "الأعداءالمؤجلين" وهم كثر، لا يبقى في الميدان سوى من يمثل "الشر المطلق" بنظر "الفاتح" وهو العدو "النصيري" والشيعي "حسن نصر الله" وكل من والاهم أو سكت عنهم.
ولكي يصبح للمعركة بعد تاريخي، فلا بأس من ٳدراج الساحتين اللبنانية والعراقية لكي تكتمل صورة معركة "صفين" وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد أربعة عشر قرنا من الزمان.
هذه فكرة لفيلم سينمائي، لكن مانعيشه اليوم ليس سيناريو خيالياً بل معركة يسيل فيها دم عربي غزير والقليل القليل من الدم اﻹيراني، بفضل حكمة وحنكة "السيد نصر الله" الذي نجح في استجرار التاريخ حتى الضاحية الجنوبية وهاهو يسعد بانتصاره في ٳعادة عقارب الساعة ٳلى الوراء بألف وأربعمائة عام....
لكن، ألم يكن للسيد "نصر الله" ما يكفي من اﻷعداء لكي يستدعي أعداء جدد من غياهب التاريخ وليفرض علينا، وفي أرضنا وليس في ٳيران مثلاً، "الفاتح" والبغدادي وأشباههما؟
يبدو أن السيد "نصر الله" هو من رأي "الفاتح" فيما يخص "العدو الصهيوني" والمواجهة المؤجلة حتى ظهور اﻹمام الغائب، فأمريكا لم تعد عدواً منذ اتفاق جنيف النووي وٳسرائيل أصبحت جاراً ودوداً تجب حماية حدوده بأي ثمن ولتذهب "مزارع شبعا" ٳلى الجحيم...فبيروت وصيدا والشام هي ساحات الوغى وليس فلسطين ومقارعة العدو السلفي هي حجة أكثرعملياتية من مقارعة العدو الٳسرائيلي الهصور، باقي مفردات المقاومة تبقى صالحة للاستعمال بعد "تدويرها" فالعدو اﻹسرائيلي يصبح "العدو الوهابي" و "عملاء ٳسرائيل" يصبحون "تكفيريين" ومواجهة ٳسرائيل تتم في صيدا وحلب والقلمون وهكذا دواليك.
مادامت بوصلة السيد "نصر الله" ومن والاه والسيد "الفاتح" وأمثاله عالقة في العام السابع والثلاثين للهجرة وماداموا مصرين على المواجهة فليفعل هؤلاء مافعله "علي" كرم الله وجهه وعليهم بالتحكيم حقناً لدماء أتباعهم من المؤمنين...
بل بٳمكانهم أن يفعلوا ما هوخير من التحكيم وأحسن، فليذهب كل من "خامنئي" و"قاسم سليماني" و"حسن نصر الله" ٳلى "تورا بورا" وليلحقهم "الظواهري" و"البغدادي" وآخرهم "الجولاني" وليحلوا مشاكلهم هناك، بالطريقة التي يجدونها مناسبة واﻷفضل أن لا يعود أي منهم وليتركونا نعيش في القرن الحادي والعشرين مثلنا مثل غيرنا...
تلك ستكون، لعمري، أفضل هدية عيد ميلاد ورأس السنة لكل شعوب المنطقة، من طهران ٳلى الضاحية، مروراً ببغداد ودمشق...
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/12/89378/
التعليقات (0)