الحَج رِحلة العُروج والوحدةِ المنشودة... الصرخي مؤكدًا
يعيش العَالم الإسلامي اليوم نفحات تلك الأيام التي فرَّضها الله لعبادهِ، تلك المناسك المباركة والبقعةِ الطاهرة التي تهوي إليها النفوس، وتتهافت إليها القلوب، وتسير إليها الرُكبان فُرادى وجماعات يأتون من كُلِ فجٍ عميق؛ إنه الحج ونفحاته الإيمانية التي تنقل الإنسان من الإنسانية التي لا معنى لها إلى معنى الربانية الحقة بكل جوارحهِ وقلبه وكيانه، والذي يدهشك أكثر -عندما تراهم وتنقلك أفعالهم إلى عالم عباد الله الذين أسلموا وجوههم لله حقًّا- هو ذلك الخضوع التام، والاستسلام الكامل في فعل كافةِ شعائر الحج ومناسكهِ، فالحج كفريضة عظمى قام على فلسفة اجتماع المسلمين كل عام بأكبر عددٍ مُستطيع منهم لإظهار قوة الإسلام من جهة ولتوحيدهم فكريًا وعقائديًا وآيدلوجيًا ومنافع أخرى قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، الحج: 28.
فالحج هو التجمع العالمي الوحيد الذي يُجسد معنى الوحدة والمساواة بين الناس، تجمُع لا مثيل له... ويمثلها واقعًا يعيشونه بينهم، لا نظير له في كافة التجمعات البشرية والمؤتمرات العالمية بمختلف أشكالها وأنواعها وأهدافها، تلك الدروس المستوحاة من هذه الفريضة إنها وحدة في المشاعر، ووحدة في الشعائر، ووحدة في الهدف، ووحدة في القول والعمل؛ لا اقليمية، ولا عنصرية، ولا عصبية للون، أو جنس، أو طبقة بعينها؛ كما هو مرفوض في الإسلام: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هذا هو دين الأسلام وهذا هو إسلام محمد -صلى الله عليه واله-.كما جاء ذلك في خطبته وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كما رواه احمد ونقلاً عن موسوعة النابلسي للعلوم الأسلامية..الألباني في السلسلة الصحيحة، وفي حديث آخر، رواه أبو داود والترمذي
وعلى هذا الأمر سار المحقق الصرخي ببرنامجه التقوائي وهو يحث الناس عليه كما جاء هذا خلال المحاضرة العقائدية الاولى (الدولة المارقة..في عصر الظهور منذ عهد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)) بتاريخ 9 محرم 1438قائلاً(المقياس هي التقوى ، التقوى هي المحك لا يفيد تشيع او تسنن او انتماء للنبي او انتماء للاله او انتماء لهذه الطائفة او تلك الطائفة هذا غير يجدي مهما قدم من اعمال المقياس هو التقوى هذا هو المائز ، لا يفيد الانتماء لا يفيد الانتماء القبلي أو القومي أو الطائفي أو الحزبي هذا غير مجدي ، المقياس هو التقوى”)
إنه يوم أبان فيه الرسول لهذه الأمة مناسكها، وحرّم فيه الدماء والأموال إلا بالحق، وبيَّن فيه مضامين صون الحقوق والأعراض، وأعلن فيه المساواة بين البشرية "كلكم لآدم وآدم من تراب"، كما جاء في خطبة للرسول في حجة الوداع رواه الألباني في السلسلة الصحيحة، وفي حديث آخر، رواه أبو داود والترمذي(الناس بنو آدم وآدم من تراب) قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات الاية 13 ،وأقر فيه حقوق الإنسان وكرامته قبل أن يعرفها الغرب المفتري وأعوانه الذين يجهلون التاريخ عنوة وتكبرًا، ويكيدون العداء للإسلام حسدًا وتحسرًا. وعلى خُطى المصطفى -عليه الصلاة والسلام- انبرى المحقق الصرخي الحسني لتنقية النفوس وتوحيد الصفوف والدعوة لنداء الله في كل حين ببحوث إسلامية تارة يدعو فيها إلى مراجعة للنفس وتهذيب الفكر وإعادة قراءة التاريخ بإنصاف وحكمة حتّى نتعظ مما حصل وتقترب الأفكار والنفوس وتتحد تحت عنوان جامع يرجع إلى ثوابت الإسلام ومبادئ الإنسان والأخلاق وكان ذلك في احدى المحاضرات والتي كانت الثانية والعشرين من بحثه (وقفات مع … توحيد التيمية الجسمي الأسطوري)
وتارة ببرامج تربوية توعوية تحتضن الشباب المسلم الواعد وأشبال الأسلام من الوقوع في خطر الإنحراف والتغرير الذي اشاعت له أفكار الإلحاد بكل قوتها للسيطرة على عقول الناشئة المسلمة والتغرير بهم فكان لهيئات الشور مهرجانات قيمة تجسد قيم الإسلام الأصيل وتدعو للوحدة والتآلف بين القلوب وتدعو بالأمل لنصرة الحق وصاحب الحق الإمام المأمول -عجل الله فرجه الشريف- التي تأمل به البشرية إنقاذها من براثن الطغيان فكان نداء التلبية نداء إسلام واستسلام، هي استجابة مُتكررة لخالق عظيم رحيم، لبيك استسلامًا وخضوعًا وإنقيادًا لك يا رب... هي تلخص لكل ما في الفريضة من معانٍ ودلالات (لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك) يتردد على كل لسان من رجال وأشبال وشباب منهاج شور آل الرسول وبأوصاف متعددة تزامنًا مع الحجيج في منهاجهم العبادي مُرددين في مجالس العزاء تلبيات الحجيج، حتى للائمة وجدهم النبي -عليهم السلام-: لبيك لبيك لبيك .. يا داعي الحق لبيك...لبيك موعود... بارواحنا نجود .. .. لبيك لبيك لبيك ... يا باريء الخلق لبيك.. لبيك ربي .. اغفرلي
إنها لحظات التجرد من العالم المادي بكل مافيه من متع وزينة، وعندما تحظى الروح بمدادها وقوتها وكل ما تصبو إليه، اعتقد أنها الحياة الحقة الخالية من عبادة النفس واتباع شهواتها. إنها الحياة بمعناها الحقيقي الخالية من صراعات الدنيا الزائلة والخالية من الهموم والأحزان والأنفس الظلمانية.
التعليقات (0)