الثنائي الجهنّمي : هل تلاقي ساحة ٳسحا ق رابين ساحة العاصي؟
التسونامي العربي هل سيكتمل دون أن تعيش إسرائيل ربيعها الخاص؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة منذ وصول الثورة إلى أبواب دمشق. هل هناك علاقة بين الحراك الشعبي العربي وبين الاعتصامات في المدن الإسرائيلية؟
قد يبدو هذا السؤال غير معقول بل هناك من قد يعتبره خيانة "للقضية" المقدسة التي تعتاش منها أنظمة الصمود و التصدي بشعاراتها الطنّانة ، والفارغة. هناك من سيرى في مجرد طرح السؤال دليلاً على عمالة وخيانة كل من يطالب بالتغيير بل و ٳثباتاً لوجود مؤامرة تستهدف النيل من ثبات نظام الممانعة.
مع ذلك، يستحيل فهم التطورات الجارية شرق المتوسط دون أخذ العامل اﻹسرائيلي بعين الاعتبار ودون ٳدراك الارتباط والتوافق بين النظامين السوري والإسرائيلي منذ اتفاقية سعسع عام 1974، طبعاً مع مراعاة وجود فرق بين النظامين في آليات العمل السياسي وفي اﻷهداف.
يشترك النظامان السوري والإسرائيلي في رفض الاختلاف وفي نفي الآخر. المواطن في سوريا والفلسطيني في إسرائيل. مقابل قانون الغائبين والحكم العسكري نجد القانون 49 و حالة الطوارئ الدائمة. إسرائيل، كما سوريا، تحكمها نخبة أمنية ذات خلفية عسكرية تحتاج ﻹدامة سيطرتها ٳلى اجتراح اﻷعداء وإلى ٳدامة حالة الحرب والاستنفار، وٳلا كيف نفسر عودة شخص محدود الكفاءة والمواهب، كنتانياهو، ٳلى الحكم في بلد "ديموقراطي" و متطور كٳسرائيل ثلاث مرّات؟!
منافسوه كلهم من نفس الطينةً من باراك ٳلى موفاز، مروراً بليفني "وريثة" شارون. بل ٳننا نراهن أن شارون لو خرج من غيبوبته و رشّح نفسه في الانتخابات، لفاز بها لا لشيء سوى لأنه "يخوّف" الآخر العربي "الذي ﻻ يفهم سوى لغة القوة".
السلطة في إسرائيل تخدم هدف ٳدامة الاحتلال وقمع الآخر الفلسطيني و العربي عموماً لصالح مستوطنين متدينين و متطرفين، لا تهمهم غير مصالحهم الخاصة في سلب حقوق الآخر و استعباده. في سوريا السلطة تقمع الشعب لتديم حكم العائلة و مصالح المقربين.
هكذا رأينا الجندي الإسرائيلي يطلق الرصاص الحي على متظاهرين عزّل في الجولان، في حين كان الرصاص المطاطي كافياً، تماماً كما يفعل "أخوة السلاح" من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري السوريين، كل في "جبهته" الخاصة.
كيف كان وجه المنطقة سيكون لو صرح رئيس وزراء إسرائيل مثلاً "أن إسرائيل وشعبها الذي ذاق المحرقة، لن تقبل بمحرقة لشعب آخر على حدودها، حتى لو كان هذا الشعب لا يضمر لها الود..." هذا ما قاله، مع بعض التصرف، اردوغان...
أي مستقبل، مزدهر حتماً، كان سينتظر منطقة تتعاضد فيها الشعوب في وجه الطغيان والفقر ومشاكل البيئة.
منذ اغتيال اسحق رابين وقعت إسرائيل، من حسن حظ عمقها العربي من أنظمة القمع والمواجهة اللفظية، في يد قاتلي رابين ومن يريدون لحالة النزاع أن تستمر للأبد، لكي يدوم نفوذ المركب العسكري-الاقتصادي الإسرائيلي الحاكم في ظل وهم العربي الإرهابي والقاتل، الذي لا يفهم سوى القمع ويقبل بالطغيان "ﻷنه متخلف بالفطرة و سيء بالمطلق".
أليست هذه ذات الصفات التي اعتمدها نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وقبله النازي؟ ألا يرى الناجون من غيتو وارسو ومن القتل النازي في مذابح حماة ودرعا ذات مظاهر القتل التي عانوا منها هم وآباؤهم من قبل؟
جاء اغتيال رابين ليضع حداً "لحلم" الشرق اﻷوسط الجديد على النمط الجنوب أفريقي. كان رابين قد أدرك ضرورة ٳنقاذ ٳإسرائيل من نفسها ومن ارتهانها لقطعان المستوطنين "الذين يتعاملون مع التلمود كما لو كان صك ملكية". رابين كان خطراً على جميع المنتفعين من ٳدامة النزاع. هؤلاء لم يحتملوا خطر أن يصبح الجنرال السابق مشروع "دوكليرك" الشرق اﻷوسط. باغتياله ثم بانتخاب "قاتله" نتنياهو زال خطر سقوط ورقة التوت التي تغطي عورة حالة حرب عبثية تعاني منها شعوب المنطقة لصالح أقليات عديمة المسؤولية من جانبي "الجبهة".
مثلاً، ما مبرر أن يقضي شباب إسرائيل أجمل سني حياتهم وهم يحملون السلاح لقمع شعب أعزل؟ ثلاث سنوات خدمة عسكرية لحماية مستوطنين مهووسين همهم اﻷوحد قضم أراضي "الآخر" المستضعف.
ٳسرائيل تعيش حلماً مجنوناً، بين إسبارطة المتعسكرة حتى النخاع و مسعدة التي تستعد للانتحار كل يوم "كي لا تقع في يد المعتدي الغاصب". كلا الحلمين مجنون لن يجر سوى الدمار للجميع.
لنتذكر أن سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تبعه انهيار منظومة "الدفاع" اﻷفريقية التي كانت تحيط به. هذه المنظومة المكونة "من أنظمة صمود و تصدي" أفريقية تشبه نظيراتها العربية الحالية. بعد سقوط النظام العنصري في جنوب أفريقيا تبدت أنظمة الصمود الأفريقية على حقيقتها وبان عقمها وفسادها للجميع، بعدما كانت "تستر" عورتها بشعار التصدي للنظام العنصري البائد، وما مثال "البرت موغابي" ببعيد.
من هنا يمكننا ٳدراك الارتباط العضوي بين النظامين الإسرائيلي و العربي. هذه المقاربة تلقي الضوء على تشبيه الرئيس أوباما للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمعركة حرية اﻷغلبية في جنوب أفريقيا.
هل يستتبع سقوط "دول الطوق" العربية في حضن الديمقراطية انهيارَ المركب العسكري-الاقتصادي الإسرائيلي الذي يقتات من حالة الحرب والعداء "إلى الأبد" كنظرائه من عرب الممانعة المنتفعين من المقاومة دون أن يقاوموا ودون أن يحرروا شبراً من أرض سليبة؟
هل تخشى النخبة الحاكمة في إسرائيل من انتقال عدوى الحرية، وليس فقط الديمقراطية، ٳليها؟
كيف سيتصرّف المواطن الإسرائيلي العادي، الذي أُشبع حديثاً حول "تخلف العرب و همجيتهم" و هو يرى خيرة شبان و شابات سوريا وهم يواجهون الرصاص والطغيان بصدورهم العارية طلباً للحرية والكرامة؟ أم أن الرقيب الإسرائيلي سيعتبر نشر صور هؤلاء الأبطال الذين يخرجون لملاقاة الموت طلباً للحياة نشراً لمعلومات توهن عزيمة اﻷمة "الإسرائيلية" هذه المرة ..."و ما حدا أحسن من حدا"...
هل تسهم الثورة السورية في تحرير ثلاثة شعوب دفعة واحدة؟ وليس فقط الشعبين السوري و اللبناني على حد نبوءة الشهيد "سمير قصير"؟
د. أحمد الشامي- فرنسا ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 28 تموز 2011
التعليقات (0)