الإنغــلاق الفكــري وتقديــس المــاضي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ليس خفياً علينا ولا خافياً عن التأريخ أن الإسلام دين العقلانية والبحث والإقتناع بالحقيقة، وهو دين دعا إلى المعرفة والحقيقة منذ فجره الأول ودعا أيضا إلى الحوار والإنفتاح ولم يقف يوماً ضد العقل أو الفكر فهو ما برح يدعوا إلى التلاقي والحوار والاستفادة من الآخر ويعمل على تحقيق كل ذلك فالمصدر الأول للمسلمين وهو القرآن قرر في عدد من آياته أهمية التفكير والتدبر.وهو لا يخضع للتقييم والجدل نظرًا لقدسيته واعجازه ..فالعقل ميزة الإنسان، وهبة من الله؛ وهو منبع الفكر. والفكر أساس العمل؛ فالعمل بلا فكر عملٌ لا يحمل الصبغة الإنسانية، وتعطيلٌ لنعمة وَهَبَها الله للإنسان دون غيره، ألا وهي العقل. فكيف يُنسَب للإسلام ما يحاصر العقل ويعطِّل هبة الله؟! وهنا تأتي مهمة المفكر المسلم الواعي، ليفنِّد كلَّ ما علق بالإسلام من مظاهر تحدُّ من ميزات فكره في التعاطي مع كلِّ جديد، وليثير في المجتمع ما يمكن له أن يعمل على إحياء الفكر الإسلامي، ويزيل القيود عن العقل., وخصوصاً في قضية إجلال الماضي التي باتت تمثل حلقة جمود لهذا الفكر فكل ما يأتي من الماضي فهو مقدس ولا يمكن لأحد الخوض فيه !! بلا شك ان احترام الماضي سائدٌ في مختلف الثقافات والمجتمعات الإنسانية إلى الحدِّ الذي يصل إلى التقديس؛ لكن ما يعانيه المسلم اليوم من تقديس الماضي يتمثل في أن قدسية الماضي هذه تحولت إلى جدار يطوِّق عقله ويحاصر فكره. عندما اصبح تقديس الماضي يدعو للجمود والتحجُّر السماتِ الأساسيةَ للفكر، ليصير مجتمعُ الماضي هو الحاضر بعينه، يُرفَضُ الحوارُ والتغييرُ رفضًا مطلقًا، ويُقدَّس الماضي تقديسًا مطلقًا، إلى أن يصير المجتمعُ خاملاً، يحمل ثقافةً تعاني من جمود مميت وقيود زائفة... حتى انغلق العقلُ المسلم على نفسه، فأمسى الطرحُ العقلاني كفرًا، والافتراضُ تناقضًا مع الإيمان، بل والبحثُ العلمي خَرْقًا لدائرة المقدس والمسلَّمات، حتى بلغ الحدُّ ظهورَ تيارات فكرية تكفيرية، تُطلِق الأحكامَ على كلِّ مَن لا يسير على دربها أو يأتي بما يخالف نصوصها: فتارة يوصف بالـ"كافر"، وتارة بالـ"مرتد"، وأخرى بالـ"فاسق"!....ومــا الى ذلك من المسميــات
لذا يرفض الإسلام أخذ الأمور عن طريق التقليد الأعمى، ويطلب أخذها عن طريق المعرفة والاقتناع وهذا لا يتأتى إلا بعد الانفتاح على مجمل الآراء ومعرفة الصواب منها؛ في حقيقة الامر أن الإسلامَ بعيدٌ كلَّ البعد عن كلِّ ما ينسبه إليه دعاةُ الجمود والانغلاق وأصحاب النهج التكفيري المتعصب. فالإسلام دين يحتكم إلى العقل، ويرفض الالتزام به من باب التقليد والمسايرة، أو من باب "ما ورثنا عليه آباءنا". الإسلام لا يضع نفسه حارسًا على العقل، بل يضع العقل أساسًا لاستيعاب الإسلام وحارسًا عليه, وهذا مادعا رجل الدين الصرخي منغمساً في تحليل الماضي وكشف ملابساته عبر تدقيق ودراسة واقعية لإحداثه وحتى لا يكون تقديس الماضي وما يتبعه من مظاهر ذا تاثير كبير على ضعف البحث العلمي او حتى غيابه بل يسعى الى تضييق دائرة المقدس الموروث ويجعله وفق منظور العقل والفكر, وقلة هم من اتخذ دائرة التضييق نصب عينيه حتى اصبح عرضة للإتهامات عواقب هذا الخيار , بعد ان ابتدأ بالمختار الثقفي واعماله الغير شرعيه وغلوه وما الى ذلك تعرّج للسيستاني وقدسيته الزائفة التي شغلت بال الكثير واوقعت المغرر بهم في مسالك الردى ومهاوي الخذلان فكان بحثه الموسوم السيستاني من المهد الى اللحد دليل على تحرير الفكر من جمود التحجر والانزواء ضمن دائرة التقديس الشخصي ..قد يغرر الى الناس أن مَن يسيطر على المجتمع اليوم ليس السلطة الدينية فحسب؛ ولذلك فإن مَن يتحمل مسؤولية ما حلَّ بالأمة من مُلمَّات ليس التيارات الدينية فقط، بل إن كافة شرائح المجتمع تشاركها المسؤولية. فمن الصواب أن نقول إن الجميع مشترك في المسؤولية عما تعانيه الأمة؛ لكن ليس من الصواب أن نقول إن الجميع يعترف بمسؤوليته تجاه ما نزل بالأمة: إذ نجد أن معظم شرائح المجتمع تعترف بمسؤوليتها، في حين نجد التيارات الدينية، أو ما أسميناه سابقًا "السلطة الدينية"، تنأى بنفسها عن تحمُّل مسؤوليتها، وتستثني نفسها من إمكانية الوقوع في الخطأ، لأن مرجعيَّتها هي الإيديولوجيا، ولأنها تعمل وفق تسيير الله لها، وتستغل هذه المقولات والشعارات لتتلاعب بعواطف الناس وتعبِّئها بما يخدم مصالح هذه السلطة الدينية المنقسمة إلى تيارات مختلفة: فهي مع نظام الحكم تارةً، ومع المعارضة تارةً أخرى، ومع قوى خارجية في حالات اخرى وهكذا ولعل أهم خدمة تقدِّمها السلطةُ الدينية للسلطة السياسية هي إضفاء الشرعية الدينية على أعمال الأخيرة. والدلائل على ذلك كثيرة: فقد اختلفت الفتاوى الدينية باختلاف المواقف السياسية؛ وتعدَّى الأمر ذلك إلى أن أضحت هذه الجهات الدينية منخرطةً في مؤسَّسات رسمية، كجزء من السلطة السياسية. وهذا ينطبق أيضًا على الأحزاب السياسية ، وخاصة منها ذات التوجُّهات الدينية، فتحاكم مَن يعارضها بناءً على الدين – فالحكم إما حلالاً أو حرامًا – وتسيِّرُ أمورَها ونشاطاتِها بناءً على المنطق السياسي. فالموقف إما متوافق مع مصالح الحزب أو متعارض معها، دون أن يخضع هذا الموقف أو النشاط للتشريح الفقهي.. وهذا ما أشار اليه الصرخي في بحثه السيستاني من المهد الى اللحد ومحاضرته العاشرة وشرحه اياه واصفا الواقع الذي صار مزريا ببركة السيستاني ومواقفه وفتاواه حيث قال "(صار في عصرنا الفلنتاين مباحا ومستحبا والمثلية حرية وتطورا وانفتاحا وحلالا، وصار الاحتلال والتسلّط والفساد وسفك الدماء وأكل لحوم البشر والتمثيل بجثث الأموات وتدمير البلاد وتهجير وتشريد العباد، صار حلالًا ومستحبًا وواجبًا ببركة السيستاني ومواقفه وفتاواه"
حتى أضحى من المعتاد أن تلجأ هذه التيارات الدينية الموالية لجهات سياسية إلى استخدام آياتٍ من القرآن الكريم لتسويغ أعمالها: فتارة تلجأ إلى اجتزاء بعض الأحكام بما يغيِّر من مضمونها، أو تعمِّم الأحكام الخاصة بما يناسب مصالحها.
التعليقات (0)