مواضيع اليوم

الإسلام وأزمة الهوية في ظل تحديات العولمة ( مأزق مفهوم ومحنة هوية )

ناجم مولاي

2010-04-16 00:18:34

0

الإسلام وأزمة الهوية في ظل تحديات العولمة
( مأزق مفهوم ومحنة هوية )

تمهيد:
من المواضيع التي باتت من اهتمام المفكرين العرب والغرب موضوع الهوية ..!؟ فإذا كان الغرب يبحث عن هويته في الماضي فإننا نحن العرب نبحث عنها في خيالات المستقبل, وبالضبط في حلم العولمة؛ وفي أبعاده المختلفة. حيث أنقسم المهتمون بها بين مِؤيد ورافض, ومتشدد ومتساهل؛ ومتحفظ ومنفتح. كونها تشكل محكا مهما من شأنه أن يؤثر على الوعي الجماعي, والحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية ....حيث شاع هذا المصطلح في البداية مثل غيره من المصطلحات التي شاعت في هذه السنين الأخيرة مثل الحداثة, وما بعد الحداثة,وما بعد الاستدمار, وما بعد الإمبريالية وغيرها .
فإذا كانت العولمة, تعني نظر البعض نزع الحواجز والمسافات بين الشعوب بعضها بعض, وبذلك يقترب الجميع من " ثقافة كونية " و " سوق كونية " و" أسرة كونية ", وبلغة أبسط تحول العالم إلى " قرية كونية "؛ مما يشكل خطرا على هوية الشعوب والدول والمجتمعات الإنسانية.
ومنه كانت هذه المداخلة لتحاول علاج مشكلة الإسلام وأزمة الهوية في ظل تحديات العولمة, متطرقين في ذلك من تبيان مفهومين نراهما المقصودان في هاته الإشكالية وهما: مفهوم " الهوية ", ومفهوم " العولمة " وما العلاقة الجدلية بينهما ؟ وكيف يمكن حلها؛ أو معالجتها في نهاية الأمر؟


التأثيل المفاهيمي :
1- مفهوم الهوية: ( Identity - Identitas Identité -)
1-1- في اللغة العربية:
- اسم الهوية وليس عربيا في أصله, وإنما أضطر إليه بعض المترجمين؛ فأشتق هذا الاسم من حرف الرباط أعني يدل عند العرب على ارتباط المحمول بالموضوع في جوهره, وهو حرف هو في قولهم: زيد حيوان أو إنسان.( 1 )
- كما هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب, والهوية السارية في جميع الموجودات ما إذا أخذ حقيقة الوجود لا بشرط شيء ولا بشرط لا بشيء. ( التعريفات الجرجاني)
1-2- في اللغة الفرنسية :
- هوية هذه الشخصية هو متطابقة ، وهي فريدة من نوعها ، على الرغم من أن العديد من المتصورات من نفس الطريقة.
- كما تعين وحدة علم النفس للفرد لديها شعور أن تظل مماثلة لنفسها من خلال تنوع الدول لأنه يعلمها الفرد رغم تعدد الموجودات.( 2 )

1-3- عند القدماء:
للهوية عندهم عدة معان وهي:
• التشخيص, والشخص نفسه,والوجود الخارجي, قالوا:« ما به الشيء هوهو باعتبار تحققه يسمى حقيقة وذاتا, وباعتبار تشخصه يسمى هوية, وإذا أحذ أكثر من هذا الاعتبار يسمى هوية ».
• « وقد سمي ما به الشيء هوهو ماهية إذا كان كليا كماهية الإنسان, وهوية إذا كان جزئيا
• كحقيقة زيد,وحقيقة إذا لم يعتبر كليته وجزئيته »؛ وقالوا:« الأمر المتعلق من حيث أنه معقول في جواب ماهو يسمى ماهية, ومن حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة؛ ومن حيث امتيازه عن الأعيان يسمى هوية, ومن حيث حمل اللوازم عليه يسمى ذاتا ». لذلك قيل إن: « الأحق باسم الهوية من كان وجود ذاته من نفسها, وهو المسمى بواجب الوجود؛ والمستلزم للقدم والبقاء ». ( كليات أبي البقاء)
وقريب من هذا المعنى قولهم: أن الهوية هي الوجود المحض الصريح المستوعب لكل كمال وجدي شهودي, قال الشاعر( 3 ) :
إن الهوية عين ذات الواحد رغم اختلاف قيم الحروف التي
ومن المحال ظهورها في شاهد تتقوم منها كما في العلاقة الجبرية

1-4- وللهوية عند المحدثون أربعة معان:
1 - تطلق على الشيء من جهة مما هو واحد كقولنا: أن الشيء الرئيس هو أبو علي أبن سينا, وتسمى هذه الهوية بالهوية العددية (Identité numérique ).
2 – تطلق الهوية على الشخص, أو على الموجود المشتبه بالإنسان , إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده؛ ومنه قولنا : هوية الأنا, وهوية الفاعل,وتسمى هذه الهوية بالهوية الشخصية (Identité personnelle ).
3 – الهوية صفة موضوعين من موضوعات الفكر إذا كان رغم اختلافهما في الزمان والمكان متشابهين في كيفيات واحدة؛ وتسمى هذه بالهوية الكيفية (Identité qualitative ), أو الهوية النوعية (Identité spécifique ).
4 – والهوية علاقة منطقية بين شيئين متحدين كالهوية الرياضية, والمساواة الجبرية التي تظل صادقة رغم اختلاف قيم الحروف التي تتقوم منها, كما في العلاقات الجبرية بين متساوين؛ التي تدل على وحدة الطرفين ويعبر عن هذه الهوية في المنطق الصوري برمز المساواة (=) كما في قولنا : (ب=ب) أو قولنا : الإنسان = حيوان ناطق.
أما في جبر المنطق الصوري فيعبر عن الهوية بهذا الرمز( Ξ ) كما في قولنا ( ب Ξ ب ) وهذا أصدق لأن الرمز ( = ) يدل على المساواة في الكم لا على اّلإتحاد بين الشيئين. ( 4 )
1-5- وفي الاصطلاح:
• نجد تعاريف متعددة حيث إن الفلاسفة وضعوا عدة مفاهيم منها:
قول الفارابي:« هوية الشيء, وعينيته, وتشخصه, وخصوصيته, ووجوده المنفرد له, كل واحد, وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته, وخصوصيته, ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيه اشتراك » ( 5 )
• مصدر صناعي من كاملة ( هو) للدلالة على أن الشيء هوهو, وليس غيره؛ أو بأنه هوهو لم يصير شيئا آخر؛ أو هي الذات الثابتة من خلال تغير أحوالها مثل هوية الأنا. ( 6 )
• وهناك مصطلح الهوية الجزئية: ( Identité partielle) يطلق اصطلاح الهوية الجزئية عند " لاروميغير"
) Discours sur l’identité dans le raisonnement Laromi-guière )
على قسم من العناصر التي يتألف منها الكل المشخص, ماديا كان أو نفسيا.
• كما نجد مفهوم أخر هو " فلسفة الهوية " ( philosophie de L’identité ) اصطلاح فلسفة الهوية على مذهب ( شيلينغ ) القائل بوحدة الطبيعة والفكر, ووحدة المثل الأعلى والواقع, وكل فلسفة من هذا القبيل, لأنها تجمع بينهما في وحدة لتنفصل, وترجعهما إلى شيء واحد هو المطلق.( 7 )
2- أما مفهوم العولمة: (Mondialisation )
فمفهوم العولمة لم يعرف إطار تعريفي قار كغيره من المفاهيم المعاصرة, من حيث كونه جديد؛ إذ نجد كل من " هانز بيتر مارتين" و "هارولد شومان " في كتابهما "فخ العولمة" يرسمان له جذوراً تاريخية عميقة تعود إلى أكثر من خمسة قرون، منذ اكتشاف أمريكا وغزوها وكونية عصر الأنوار.( 8 )
وقلق هذا المفهوم يرجع إلى تداخله مع مفاهيم أخرى من قبيل العالمية.( 9 ) وهذا ما يجعل بعض الدراسات الحديثة ترفض مشروعية هدا المفهوم كمصطلح لاعتباره مجرد خرافة وموضة عصر.( 10 )
وبحسب تعبير المفكر الفرنسي" ريجيس دوبري " (regis debri) أننا أمام نظام لا يزال قيد التشكل بأدوات ومحددات نظرية غير موعى بها وعياً تاماً، كما وقع بالنسبة لانتقال العالم من العصور الوسطى إلى عصر التنوير، أو من الموجة الفلاحية إلى الموجة الصناعية، أو من الموجة الصناعية إلى الموجة المعلوماتية، وهي ذروة الحداثة.(11) ولعل هذا ما جعل" روبرتسون" (Robertson)- واحد من أبرز منظري العولمة في العالم- في تحقيبه الشهير لتاريخها يطلق على المرحلة الخامسة التي تتمثل الصورة المعاصرة التي نحن بصدد عيشها مرحلة عدم اليقين،( 12 ) التي تحيلنا إلى الشعور بالقلق الذي يتضمنه هذا المفهوم, وهذا ما سيتضح لنا من تعاريف بعض الباحثين والأكاديميين:
- فقد عرف " سمير أمين" العولمة بكونها: «الاختراق المتبادل في الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة بدرجة أولى، ثم توسيع المبادلات بين الشمال والجنوب على اعتبار أنه يمثل سوقاً مهمة ».( 13)
- فيما يذهب "هوبرت فيدرين" (Hubert vedrine) إلى أن العولمة: « ليست فكراً ولكنها وقائع تقنية فرضت نفسها على الساحة الكونية، وفي فرضها لنفسها أقلقت الجميع، وبخاصة الدول ومؤسسات القطاع الخاص، إنها ظاهرة لا تمس أي اقتصاد، وإنما بالحصر اقتصاد السوق والاستهلاك، واقتصاد تحويلات العملات والتدبير الاستثماري» .( 14)
- أما "صادق جلال العظم" فيعرفها بكونها:« وصول نمط الإنتاج الرأسمالي، عند منتصف القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها».( 15)
- بينما يرى "عزمي بشارة" أنها طغيان قوانين التبادل العالمي المفروضة من قبل المراكز الصناعية الكبرى على قوانين وحاجات الاقتصاد المحلي.(16 )
- بين العولمة والعالمية: ربما كان معنى (العولمة) في ظاهره يقترب من معنى (العالمية) الذي جاء به الإسلام، وأكده القرآن في سوره المكية، مثل قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107)، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} (الفرقان:1)، {إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه بعد حين} (ص: 87،88)؛ ولكن هناك في الواقع فرق كبير بين مضمون (العالمية) الذي جاء به الإسلام، ومضمون (العولمة) التي يدعو إليها اليوم الغرب عامة، وأمريكا خاصة.
فالعالمية في الإسلام تقوم على أساس تكريم بني آدم جميعا {ولقد كرمنا بني آدم} (الإسراء: 70)، فقد استخلفهم الله في الأرض، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه. وكذلك على أساس المساواة بين الناس فـي أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسؤولية، وأنهم جميعًا شركاء في العبودية لله تعالى، وفي البنوّة لآدم،
كما قال الرسول الكريم أمام الجموع الحاشدة في حجة الوداع: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر، إلاّ بالتقوى…"
وهو بهذا يؤكد ما قرره القـرآن في خطابه للناس كل الناس: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات: 13).
ولكن القرآن في هذه الآية التي تقرر المساواة العامة بين البشر، لا يلغي خصوصيات الشعوب فهو يعترف بأن الله تعالى جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، أما العولمة فالذي يظهر لنا من دعوتها حتى اليوم أنها فرض هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية من الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، وخصوصًا عالم الشرق، والعالم الثالث، وبالأخص العالم الإسلامي.
الولايات المتحدة بتفوقها العلمي والتكنولوجي وبقدرتها العسكرية الهائلة، وبإمكاناتها الاقتصادية الجبارة وبنظرتها الاستعلائية.. ترى نفسها أنها سيدة العالم.
إنها لا تعني معاملة الأخ لأخيه كما يريد الإسلام، بل ولا معاملة الند للند كما يريد الأحرار والشرفاء في كل العالم، بل تعني معاملة السادة للعبيد والعمالقة للأقزام والمستكبرين للمستضعفين.
العولمة في أجلى صورها اليوم تعني تغريب العالم, أو بعبارة أخرى أمركة العالم؛ إنها اسم مهذب للاستعمار الجديد الذي خلع أرديته القديمة، وترك أساليبه القديمة ليمارس عهدا جديدا من الهيمنة تحت مظلة هذا العنوان اللطيف العولمة.
إنها تعني فرض الهيمنة الأمريكية على العالم، وأي دولة تتمرد أو تنشر، لا بد أن تؤدب بالحصار أو التهديد العسكري أو الضرب المباشر، كما حدث مع العراق والسودان وإيران وليبيا.
وكذلك تعني فرض السياسات الاقتصادية التي تريدها أمريكا عن طريق المنظمات العالمية التي تتحكم فيها إلى حد كبير، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.
كما تعني فرض ثقافتها الخاصة التي تقوم على فلسفة المادية والنفعية وتبرير الحرية إلى حد الإباحية، وتستخدم أجهزة الأمم المتحدة لتمرير ذلك في المؤتمرات العالمية، وتسوق الشعوب إلى الموافقة على ذلك بسياط التخويف والتهديد، أو بأوراق الوعود والإغراء.
وتجلى ذلك في مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة في صيف 1994، والذي أريد فيه أن تمرر وثيقة تبيح الإجهاض بإطلاق، وتجيز الأسرة الوحيدة الجنس - زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء- وإطلاق العنان للأولاد في السلوك الجنسي، والاعتراف بالإنجاب خارج إطار الزواج الشرعي، إلى غير ذلك من الأمور التي تخالف الأديان السماوية كلها، كما تخالف ما تعارفت عليه مجتمعاتنا، وغدا جزءا من كينونتها الروحية والحضارية.
ومن هنا وجدنا الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في مكة، وجمهورية إيران الإسلامية، والجماعات الإسلامية المختلفة، تقف جنبًا إلى جنب مع الفاتيكان ورجال الكنيسة، لمقاومة هذا التوجه المدمر؛ إذ شعر الجميع أنهم أمام خطر يهدد قيم الإيمان بالله تعالى ورسالاته، والأخلاق التي بعث الله بها رسله عليهم السلام, كما تجلت هذه العولمة في مؤتمر المرأة في بكين سنة 1995 وكان امتدادًا لمؤتمر القاهرة وتأكيدًا لمنطلقاته، وتكميلاً لتوجهاته.
وهذه قضية في غاية الأهمية الاعتراف بالخصوصيات, حتى لا يطغى بعض الناس على بعض، ويحاولوا محو هويتهم بغير رضاهم.
بل نجد الإسلام يعترف باختلاف الأمم، وحق كل أمة في البقاء حتى في عالم الحيوان، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها" رواه أبو داود، وهو يشير إلى ما قرره القرآن في قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} (الأنعام: 38).
وإذا خلق الله أمة مثل أمة الكلاب، فلا بد أن يكون ذلك لحكمة، إذ لا يخلق سبحانه شيئاً إلا لحكمة {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} (آل عمران: 191) فلا يجوز إذن حذف هذه الأمة المخلوقة من خارطة الوجود، فإن هذا تطاول واستدراك على خلق الله تبارك وتعالى.
إذا كان هذا في شأن الأمم الحيوانية، فما بالك بشأن الأمم الإنسانية؟ إلا أن ترتضي أمة باختيارها الانصهار في أمة أخرى: في دينها ورسالتها ولغتها، كما فعلت مصر وبلاد شمال أفريقيا وغيرها، حين اختارت الإسلام دينا، والعربية لغة، بل أصبحت عضوا مهما في جسم هذه الأمة، بل لها دور القيادة في كثير من الأحيان؟
جدل العلاقة بين العولمة وأزمة الهوية:
1 – العولمة في مواجهة الهوية:
أن الحديث عن الهوية لا يقل شأنا من الحديث عن العولمة, إذ نجدها أيضا من المفاهيم التي تضخمت بشأنها الدراسات و الأبحاث العلمية؛ ما جعل المفكر" ألفرد جروسر" (Alfred grosseur) يقول : « بأن القليل من المفاهيم هي التي حظيت بالتضخيم الذي عرفه مفهوم الهوية». (17) والسبب المؤكد لدينا هو تناول هذا المفهوم من طرف تخصصات متعددة في حقل العلوم الإنسانية؛ ولدرجة يصعب ضبطه كمفهوم محدد ويمكن الإشارة هنا بالإضافة إلى ما سبق إلى " معجم روبيرالفرنسي" الذي يقول: « الهوية باعتبارها الميزة الثابتة في الذات », ويختزن هذا التحديد معنيين يعمل على توضيحهما " معجم المفاهيم الفلسفية " الذي جاء فيه: « إنها ميزة ما هو متماثل, سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد مع ذاته؛ أم من جهة العلاقات التي يقيمها مع الواقع على اختلاف أشكالها، ومن ثم تصبح الهوية الثقافية هي الفعل الذي يجعل من واقع ما مساوياً أو شبيها بواقع آخر من خلال الاشتراك في الجوهر، أما أنثروبولوجياً فيحضر المفهوم كعلامة غير منفصلة عن مسلسل الفردنة، أي كشكل من أشكال التمايز بين الطبقات نفسها، فمن أجل إعطاء هوية لفرد ما أو لمجموعة من الأفراد، يبدو لزاماً التمييز بين ما ليسوا هم، وبالمقابل ينبغي فهم الفرد في خصوصيته، كما يجب أخذ هويته التاريخية بعين الاعتبار». ( 18)
ومن هنا يمكن إن نتسأل عن التشبث بالهوية في زمن العولمة؟, والدارس للتاريخ يدرك أهمية هذه المسألة, فتوحد الألمانيتين مثلا لم يمنع منه هذا الجدار الأسمنتي القائم ما يزيد عن أربعين سنة؛ وما إجابة المفكر المغربي " محمد عابد الجابري" على مدى تأثر العالم بالمعاصرة الأمريكية على هامش إطار ملتقى خاص بالحوار العربي الأمريكي في ألمانيا قائلا: « إن وضعنا معكم مقلوب، نحن في العالم العربي شبعنا من التراث ونبحث عن المعاصرة، أما أنتم فيبدو أنكم شبعتم من المعاصرة وتبحثون عن التراث. أنتم تبحثون عن الماضي ونحن نبحث عن المستقبل » . ( 19)
و قد يتداخل مفهوم الهوية في كثير من الأحيان مع مفاهيم أخرى مثل مفهوم الجنسية, إذ يعبر الكثير منا على الهوية بلفظة الجنسية, والجنسية ليست وضعية سياسية قانونية فحسب، فهي كذلك كل ما نعتقد أنها خصائصنا الاجتماعية المميزة، السمات التي نتقاسمها مع المواطنين المماثلين .( 20 )
وهذا يجعلنا أمام تسأل آخر على هامش العلاقة بين العولمة والهوية يتعلق بسؤال المكان, في الانتقال من مجال مغلق ممثلا في الدول الوطنية إلى مجال مفتوحا للتفاعلات أبعد من نطاقه المحدده يدخل فيها غير موجودين بالمكان, وأحداث لا تحدث في المكان ذاته.( 21 ) وهذا ما تسعى العولمة جاهدة لتحقيقه من بالانتقال من الخصوصية إلى العمومية القائمة على إلغاء السيادة على المكان أو إضعافها بوسائل كالغزو الثقافي أو المساهمة في تفكيك عناصر وهوية ومكونات الشعوب لتصبح شعبا بلا هوية تميزه عن غيره من الأمم والشعوب .( 22 ) وعلى أساس ما سبق يقول " محمد عابد الجابري": « أنه إذن أقرب إلى نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى, ويدفع للتفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم أللا وطن وأللاأمة, وأللادولة, أو يفرقهم في أتون الحرب الأهلية ».( 23 ) والمساهم في دعم هذا المسعى العولمي هو الوسائل الحديثة كالأنثرنت والفضائيات التليفزيونية التي من شأنها أن تدمر كل وسائل المقاومة للاكتساح الثقافي الغربي بدءا من اللباس والطعام إلى الفكر واللغة, مادام السياق الجيوبولوتيكي الدولي يسير تعزيز هيمنه الولايات المتحدة الأمريكية على العالم في سياق ما يعرف بالنظام الدولي الجديد, أو عالم الميغا إمبريالية بتعبير عالم الدراسات المستقبلية المغربي " المهدي المنجرة" صاحب كتاب ( صراع الحضارات) في الأصل.
2 – الاختراق العولمي للعالم الإسلامي وآليات المقاومة:
أوجه الاختراق العالمي متعددة بتعدد أوجه الهوية ( اختراقا اقتصادي= أزمة هوية اقتصادية...), كما نجد أن البلدان العربية والمنتمية للدول العالم الثالثة كلها تخضع لما يسمى بالتبعية الاقتصادية؛ فضعف أداء الاقتصاديات العربية في معظم الميادين فرض عليها الاندماج السلبي في لسياسات الغرب الاقتصادية, مما لا يمنحها فرصا لتشكيل هوية اقتصادية محلية بإمكانها حماية هويتها الثقافية – المادة والمعنوية – لأن الإستراد لم يعد محدود بمنتوجات أو آلات؛ بل حتى القيم والسلوكيات صرنا نتلقاها أيضا عن طريق التكنولوجيا المعاصرة والتقنيات الإعلامية المتطورة, والتلفزيون...الخ.( 27 )
إذ نجد الواقع العربي لازال يعش إشكالية الصراع بين التقليد- كما قال المفك ر الواقعي"ابن خلدون":« أن المغلوب مولع بتقليد الغالب »- الذي يدافع عن مكتسباته ضد عمل قوى التغير.( 28 ) والحداثة التي تقدم لنا نماذج جاهزة للسلوك والتفكير متعارضة مع النماذج التقليدية.( 29 ) مثل:"النزعات المادية" للمفكر الماركسي"حسين مروة", و"الوجودية" عند المفكر المصري "بدوي عبد الرحمن" والنماذج في فكرنا العربي كثيرة.
ومن خلال هذا نكون قد رصدنا بعض تأثيرات العولمة الغربية – الأمريكية – التي أسسها المفكر الإستراتيجي "فرانسيس فوكوياما" في مؤلفه " نهاية التاريخ وخاتم البشر".( 30 ) هذا وأن كان قد سبقه في الحديث عن فكرة العولمة العربية الإسلامية – المفكر الجزائري – "مالك بن نبي" بحوالي خمسون سنة تقريبا في مشروعه سلسة مشكلات الحضارة.
ويعرض بعض تجليات العولمة الثقافية في حياتنا اليومية العربية والتي من الصعب عزلها على التأثيرات الأخرى السياسية والاقتصادية فنجدها قد أدت إلى :
1 – التراجع المستمر للغة العربية في شتى المجالات واكتساح اللغات الأجنبية لها, مثل الفرنسية في دول المغرب العربي؛ والإنجليزية في دول المشرق العربي.
2 – تغير كلي إن لم نقل جزئي في القيم والسلوكيات الاستهلاكية من خلال التركيز على ثقافة الإشهار التجاري للمواد الغربية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بل حتى طريقة العيش في الحياة.
3 - فقدان الثقافة العربية لقدرة التجديد, وما أزمة النهضة في الوطن العربي؛ والتي حاولت الإجابة على السؤال: - لماذا تقدم الغر ب وتأخر المسلمون؟ ولت أدراجها اهتمامها بالجانب النظري ليس إلا, المجيب على السؤال لماذا؛ وبعيدة على إجابة السؤال الواقعي كيف مثلما نجده آنفا معا المفكر الواقعي" ابن خلدون".
4 – انكماش مساحة الإعلام العربي أمام نظيره الغربي, وعدم القدرة على تجديد الثقافة العربية الإسلامية .
كانت هذه بعض الآثار الناتجة عن الاختراق الثقافي الأمريكي والأوربي للثقافة العربية الإسلامية, أما آليات المقاومة وتحصين الهوية العربية الإسلامية؛ ونقصد بالحديث هنا آليات العمل السياسي الحكومية والمؤسسات الخاصة والعامة, والرسمية والغير الرسمية و الغير الرسمية التي باتت تلعب دورا أقل ما يمكن القول عليه أنه يسعى لدحض أثار العولمة وتنشيط آليات المقاومة؛ لهذا المشروع الذي لم يكتمل بعد. وهذا ما يشير إليه – الكاتب الصحفي والباحث السوسيولوجي المغربي- " محمد فاضل رضوان" في مقال " نحن والعولمة " عندما يتعلق الأمر بالندوة التي نظمها "مركز دراسات الوحدة العربية " في بيروت حول: " العرب والعولمة " بين 18 و 20 كانون الأول 1997 م, والتي تميزت بمشاركة نخبة من المفكرين العرب حملت مداخلاتهم رؤى عميقة اتجاه العولمة الثقافية, كما قدمت مقترحات نظرية وعلمية لحد من تداعياتها السلبية.( 31 )
والإجابة على سؤال: ما العمل إزاء الأخطار التي تطبع علاقة العرب بالعولمة على مستوى الهوية الثقافية؟ يطرح لنا المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" موقفين نذكرهما باختصار:
1 – يتعلق بالرفض المطلق وسلاحه الانغلاق الكلي, الذي ينقلب إلى موت بطيء؛ لعدم وجود نسبة معقولة من التكافؤ بين العولمة والثقافة المنغلقة عليها.
2 – القبول التام للاستتباع الحضاري, والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة تحت شعار" الانفتاح على العصر والمراهنة على الحداثة " بما يعنيه هذا من دعوة الاغتراب وأللاهوية.
و البديل الذي يقترحه المفكر – محمد عابد الجابري- بداية يكون من :
1 – العمل من داخل الثقافة العربية نفسها, من أجل تجديدها في حدود العلم والديمقراطية, لا في حدود العقلانية وأللاعقلنية والنظرة التجزئية و التفاضلية للتراث وللماضي.( 32 )
كما أكد في الندوة نفسها - الباحث السعودي – "محمد محفوظ " مدير مجلة الكلمة على ضرورة إعادة الاعتبار لعناصر الثقافة العربية الوطنية, والعمل على تنشيطها في النسيج الاجتماعي؛ هذا نحن نلحظ في وقعنا الجزائري اليوم انكماش وانقراض العديد من العادات والتقاليد الثقافية والوطنية مثل الأغواطية والأدرارية...وغيره من مجتمعاتنا المحلية والوطنية, وعناصر هذه الثقافات إذا ألم تتجدد تكون أشبه بأدوات أثرية تطرح في المتاحف وتعرض في المناسبات فقط, والاهتمام الفردي والجماعي بمثل هذه المكتسبات التي هي في خطورة الفقدان, هو الذي يسمح لنا بالحفاظ على أصالتنا؛ ومسايرة عصرنا وتحديد مستقبلنا( لأبنائنا ولبلدنا).
أم الباحث " عبد العزيز بلقزيز" فقد رأى أن الحل ما أسماه ب:" الممانعة الثقافية " , وهذا ماسعت النظريات والدراسات في علم الاجتماع الثقافي الإشارة إليه؛ والمؤكد أن فعل العدوان الثقافي غالبا ما يستنهض نقيضه.( 33 )
خـــاتـــمة:
والموقف الذي يمكن الخروج به من هاته الموقف المتأصلة في الثقافة العربية هوان المعركة بين إشكالية الهوية العربية في مقابل الاكتساح العولمي الغربي يكون من الداخل أكثر من الخارج, وهذا حرصا على إحياء الضمير الفردي والجمعي لأفراد مجتمعنا؛ هذا إذا كانت إرادة الشعب هي إرادة الحياة من أجل بناء وحدة الفضاء الثقافي العربي الإسلامي بما يضمن حرية تناول الأفكار, والمنتجات الفنية والأدبية؛ وتدعيم النشاط الإبداعي وتحريره من الممنوعات والمحرمات, بهدف صبر غورها ومعرفة مدى التعامل معها؛ بحيث يصبح الحوار الثقافي والحضاري العربي الإسلامي مقدما وشرطا لأي ممانعة ثقافية,’ أو مبادرة منتجة للتواصل مع الثقافات الأخرى.( 34 ) والمهم أن مهمات تحصين الهوية الثقافية الداخلية تقوم على كل مؤسسات المجتمع من مدرسة وأسرة وغيرها, من أجل توفير فضاء للمانعة الثقافية الغير العربية هذا بلغة " عبد الإله بلقزيز.( 35 )
- فإلى أي حد يمكن اعتبار المؤسسات التربوية التقليدية - الزوايا, المساجد, الكتاتيب....- جهة ممانعة ثقافية لتحصين الذات العربية ضد آليات العولمة والتنميط الثقافي ؟
الإحالات و الهوامش:
1 - ابن رشد, تفسير ما بعد الطبيعة, ص 557
2 - Gérard Durozoi .André Roussel, DICTIONNAIRE de philosophie; par I.M.E, 2003 ,P.195 .
3- صليبا جميل, المعجم الفلسفي, دارا لكتاب اللبناني, ج 2, بيروت, 1972, ص 529-532.
4 - المرجع نفسه, ص529 وما بعدها.
5– المرجع نفسه, الصفحة نفسها.
6– يعقوبي محمود, معجم الفلسفة, الميزان للنشر والتوزيع, ط2, الجزائر, 1973, ص 174.
7 – صليبا جميل, مرجع سابق, ص 532.
8– هانز بيتر مارتين وهارولد شومان, فخ العولمة, تر: عدنان عباس علي,عالم المعرفة, العدد 295, الكويت آب 2003.
9- الخطيب حسام, العالمية والعولمة من منظور مقارن, عالم الفكر, العدد1, المجلد 34 تموز- أيلول 2005.
10 – هيرست بول وغراهام طومبسون. ما العولمة؟ الاقتصاد العالمي وإمكانات التحكم، ترجمة فاتح عبد الجبار، عالم المعرفة، العدد273، الكويت أيلول 2001.
-11 القباج محمد مصطفى, التربية والثقافة في زمن العولمة، المعرفة للجميع، العدد 24، المغرب، آذار نيسان 2002.
12- روبرتسون رونالد, العولمة، النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية، ترجمة أحمد محمود ونورا أمين، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1998.
13 - سمير أمين, تحديات العولمة، شؤون الأوسط، العدد 71، نيسان 1998.
14 - Hubert vedrine. Mondialisation et pensée unique. In “la méditerranée a l’heur de la mondialisation”, cahiers de la fondation abderrahim bouabid .N 27. 1997.
15 - صادق جلال العظم, ما هي العولمة؟ الطريق، العدد الرابع، تموز- آب 1997.
16 - عزمي بشارة, إسرائيل والعولمة، فكر ونقد، السنة1، العدد 7، آذار 1998.
17 - Alfred grosse, les identités abusives le monde, 28 janvier 1998.
18 - عزيز مشواط, إشكالية الهوية في العلوم الإنسانية, مأزق الإشكال وقلق المفهوم، جريدة المنعطف، العدد 2377، 28 أيلول 2005.
19 - محمد عابد الجابري, العولمة ومسألة الهوية بين البحث العلمي والخطاب الأيديولوجي2، فكر ونقد، السنة الثالثة، العدد 22 تشرين الأول 1999.
20 - مايك كرانغ, الجغرافيا الثقافية، أهمية الجغرافيا في تفسير الظواهر الإنسانية، تر: سعيد منتاق، عالم المعرفة، العدد 317، الكويت، تموز 2005.
21 - أحمد زايد, عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية، عالم الفكر، العدد 1، المجلد 32، الكويت تموز - أيلول 2005.
22 - محمد علي الفرا, العولمة والحدود، عالم الفكر، العدد 4، المجلد 32، الكويت نيسان- تموز 2004.
23 - محمد عابد الجابري, العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات، ورقة مقدمة في إطار ندوة حول: العرب والعولمة, نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بين 18 – 20 كانون الأول 1997.
24 – نبيل علي، العرب وعصر المعلومات، عالم المعرفة، العدد 184، الكويت، نيسان 1994.
25 - G.balandier, Tradition, Conformité, historicité;
كما وردت في:
عز الدين الخطابي. سوسيولوجيا التقليد والحداثة بالمجتمع المغربي- دراسة تحليلية لدينامية العلاقة الاجتماعية، الدار البيضاء: منشورات عالم التربية، 2001.
26 - Guy rocher, Le changement social ; Introduction à la sociologie générale. Coll. point. paris. 1972. tome III.
27 – فرانسيس فوكو ياما, نهاية التاريخ وخاتم البشر, تر: حسين أحمد أمين, مركز الأهرام, للترجمة والنشر, ط1, القاهرة, 1993.
29 - انظر أعمال ندوة, العرب والعولمة, التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بين 18 – 20 كانون الأول 1997.
30 - يتم الحديث عن أن الاكتساح العولمي نفسه من شأنه أن ينشط آليات المقاومة داخل المجتمعات المستهدفة، فالشعور بالخطر علامة على ضرورة التحرك الآني، ولعل تنامي الحركات المتطرفة في مختلف بقاع العالم ليست إلا محاولة يائسة من قبل هؤلاء للتصدي للعولمة الثقافية وإن من خلال الانغلاق على الذات ورفض الآخر بشكل جذري. إننا بصدد آليات مقاومة قاسية وآليات اكتساح قاسية أيضاً.
31 - حامد خليل, الثقافة العربية وحوار الحضارات، كما وردت في: أحمد زايد، عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية، مرجع سابق.
32 - عبد الإله بلقزيز، العولمة والهوية الثقافية, عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة, تقييم نقدي لممارسات العولمة في المجال الثقافي، مرجع سابق.
للاتصال:
moulaynadjem@yahoo.fr
nadjemmoulay@gmail.com
n.moulay@mail.Lagh-univ.dz
moulay03.women-blog.net
skype moulan31
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !