مواضيع اليوم

الإبداع الفلسفي والترجمة

ناجم مولاي

2011-02-20 22:49:32

0

تمهيد/
بادئ ذي بدء، لا يمكننا التحدث عن الإبداع الفلسفي في سياق الترجمة ما لم نقم برفع التعارض بين الفلسفة والترجمة. ولما كان المطلوب عند "طه" هو مراجعة الفلسفة قبل الترجمة سنوضح في هذه المراجعة ما هو مطلوب فقط لأن العمل على منواله يؤدي بنا إلى تجاوز التعارض المبدئي للفلسفة مع الترجمة على الرغم من أن الترجمة مورست عليها منذ فترة مبكرة، فالترجمة العربية للفلسفة نجدها منذ «كانت فتوحات "الأسكندر المقدوني" لكثير من بلاد آسيا وإفريقيا سببا كبيرا من أسباب انتشار الثقافة اليونانية في الشرق، فقد كانت مملكة بلاد اليونان مقدونية في أوروبا ومصر، وليبيا، وفي جميع إفريقيا وسوريا وفلسطين والعراق وبلاد الفرس وتركستان وأفغانستان وقسم من بلاد الهند في آسيا...ولكن اللغة اليونانية لغة العلم، وأصبح الفكر اليوناني منهل كل تثقيف. ذاك الفكر الذي امتزج بكل تراث الشرق الديني والعلمي والخرافي وكون ما يسمى"الثقافة الهيلنية"».
وهنا يتجلى لنا بوضوح الخبرة الفلسفية الفعلية في الممارسة عند "طه عبد الرحمن" من خلال تدريسه لمادتي :"المنطق واللغة" التي جعلته يدرك بوضوح ذلك التأثير والتأثر بين الفلسفة والترجمة من خلال اللغة الناقلة واللغة المنقول إليها وعلاقة ذلك بالمجال التداولي، وأول مطلوب في هذه المراجعة هو:
- الشمولية النموذجية:
التي تمتاز بالأخذ الجامع بين الاشتراك الدلالي الإطلاقي والاشتراك الاستعمالي الإطلاقي، وكون هذه الشمولية هي المطلوبة لأن الاشتراك خال من التعيين بحيث أن المفهوم المشترك الذي يصدق على جميع الأفراد لا واحد بعينه كما يستعمله جميع الناطقون. الشيء الذي يجعل النهوض بالانطباق الدلالي وبالاستعمال الخطابي، كما يجعلها خاصة أيضا بنموذج معين لأنه يفضي إلى سقوط الانطباق الدلالي والاستعمال الخطابي في غيرها من العناصر المختلفة بين النماذج لا سيما عنصر اللغة، وعليه في الفلسفة الإسلامية العربية تقتضي في شموليتها أسبقية الفكر الإسلامي كنموذج دون غيره، و«ربما تكون الإديولوجيا الإسلامية أكبر منافس فعلي أو مرشح الإيديولوجيا المهيمنة وحيدة اليوم في العالم، ففي وجه الثنائية القطبية القديمة للعالم، أو في محاولة محتملة قادمة أو قائمة أو عائدة للسيطرة السياسية المسكونة، تبقى الرغبة الإسلامية بالاستقلال الإسهامي وطرح نفسها كمنافس أو بديل رغبة قوية تتمتع بما هو أكثر من طموح» وهذا كمثال عند التوضيح الرفضاني المشروع لبعض النماذج وهيمنة نموذج في الواقع العالمي الراهن، واللغة كعنصر قائم بالنموذج قد تتعدد نسبته بين الانغلاق والانفتاح من نموذج لآخر. والحقيقة الفلسفية - في شموليتها النموذجية- وفي خصوصيتها المنفتحة نجدها تعترض مع النسبيات المنغلقة في هذا الميدان. لأنها آخذة بالحقيقة التماثلية لاختلاف اللغات هذا ما يبعدها عن الانغلاق القائل بتباين عوالم الألسن، وهكذا نجدها مهدت السبيل للترجمة الممكنة مع عدم التعارض بالشمولية النموذجية المثبتة لحقيقة الفلسفة. هذا وعلى العكس، وهكذا يمكننا الإبداع الفلسفي المستقل والمنفتح في الوقت نفسه هذا على العكس ما يميز إنتاجاتنا منذ القديم إلى اليوم ما يجعلنا نقول بإمكانية « أن الشكل الأدبي أكثر تميزا للفلسفة واللاهوت في العصور الوسطى، و للعلم المدرسي الشبيه، وبالفعل المدرسي، التي تجعلنا طرفا مندمجا في الحياة الأكاديمية للعصور الوسطى فهي ليست إذن دراسة أحادية للفكر ولكن إذا أردنا أعمالا أكثر»
- المعنوية القصدية:
قد نتساءل عن علاقة المعنى بالقصد فـ"طه عبد الرحمن" يفصل لنا هذه العلاقة في كتابه "الفلسفة والترجمة" عندما يتكلم عن خصائص المعنوية القصدية، وهي مقبولة عنده لا لشيء إلا أنها لا تعني الانقطاع عن ما هو مادي كليا عكس المعنوية التجريدية لأنها تعني رفع المادة وهنا يقع التعارض فهو رفع الصورة اللفظية في ذاتها، ونعرف أن الألفاظ إما هي رموز مكتوبة أو منطوقة ولا شك أن هاذين المرتبتين التجريديتين تخالفان حقيقتين من حقائق الممارسة الفلسفية هما: "الصلة بين الفلسفة والفيلسوف" و"الصلة بين الفلسفة واللغة"
وهنا الصلتان تذكرنا بالتعارض الذي عرف عند الفلاسفة الأوائل أمثال "أفلاطون" و"أرسطو" حول فهم القراءة الفلسفية وبأن « واحدة من الطرق التقليدية التي تعارض فيها "أرسطو" مع " أفلاطون" التي تدور حول طريقة المحافظة في فهم القراءة الفلسفية، "أفلاطون" أو هي بالخطاب الشفهي، محدد المكتوب في استشهاده حول هجوماته المتكررة ضد الكتابة مع أنه مشهور "بالمذهب الشفهي"»
وهذا يدل على أن إحدى هذه الطرق أمين في نقل المعنى الفلسفي الشيء الذي حدده "أفلاطون" في "المذهب الشفهي" معتبرا أن الكتابة كطريق يمكن أن يدخل فيه نوع من التحريف للمعنى المقصود في الفلسفة، هذا وقد نجد أن "أرسطو" « بخلاف ذلك كان من أحسن المدافعين عن المكتوب، ودليل التخلي عن شكل الحوار لصالح الكتابة بأقل "شفهية" في واقعنا المدون، سيكون الدليل كذلك الاتفاق المشتركة لأغلبية الشراح، والتي حسبها "أرسطو" يجب أن يعتبر " "كأب لتاريخ الفلسفة" كأول وأكبر مفكر استطاع ضمان دور للكتابة الفلسفية، في حين "أفلاطون" أظهر سخريته للقراء».4: من هنا ينكشف لنا أن صفة الانقطاع قد خالفت إذن عن استعمالها لمبدأ الصلة بين الفيلسوف وفلسفته ومبدأ الصلة بين الفلسفة واللغة، ومن هنا يرى "طه عبد الرحمن" أنه يتأدى لنا ما نطلبه الذي هو الموافقة بين "معنوية الفلسفة" و"لفظية الترجمة" لتحقيقنا الإبداع على هذا المستوى، والمعنوية والقصدية إذا كانت في طبيعتها قصدية، فهي توجب اللافظ والملفوظ. لأن القصد لا استغناء له عن هذا – اللفظ - كوسيلة بمختلف بناءاته المعجمية والنصية واللافظ أيضا كمتوسل بها بمختلف قدراته الاستعمالية منها الإفهامية.
وهذا ما سيتضح في المرحلة المتقدمة من هذا البحث. وعليه نجد أن المعنوية قصدية كما لفظية أيضا وبهذا توافق الترجمة لأنها المقتفى نفسه، وهذا ما نستنتجه أيضا من خصائص المعنوية والقصدية المتمثلة في الجمع بين المعنى والفهم.
-العقلانية الإتساعية:
في البداية ينبغي أن نميز بين العقلانية العلمية والعقلانية الفلسفية، فالأولى يغلب فيها استعمال مفهوم التعليل، أما الثانية فيغلب فيها استعمال مفهوم التدليل ونحن غرضنا هنا هو بيان العقلانية الفلسفية وليس العقلانية العلمية وعليه نقف عند مفهوم التدليل الذي تتوقف عليه النسبية العقلانية للخطاب الفلسفي من خلال ميزتين له هما "النقد" و"البرهان" وعليه نجد أن الاستعمال العربي تعلق بالتدليل - وهذا الذي يؤسس عليه "طه عبد الرحمن" مطلوبه في التأصيل- في مقابل الاستعمال الغربي وقد تعلق التعليل وإن المقابلة بين التعليقين يقول "طه عبد الرحمن": «إنها كالمقابلة بين المرآة وبين الشيء الذي تعكسه ويدل هذا على اقترانهما في كلا الاستعمالين ولو ثبت التقدم لأحدهما عن الآخر فيه، ثم استنتاج هذا الاقتران لدعاوي فلسفية مشتركة كدعوى "مطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان" المتأصلة في الاستعمال العربي ودعوى"أن العقل مرآة الطبيعة" المتأصلة في الاستعمال الغربي»
وخلاصة هذا القول نوجزه في: العقلانية الفلسفية لها أصول توجب علينا إبعاد العقلانية الضيقة المبنية على النقد المجرد والبرهان المضيق، وقبول العقلانية المتسعة كونها تأخذ بالنقد المستند إلى القصد والعمل والبرهان الموسع الذي يشمل المضمون والاستعمال. فالواجب علينا كباحثين أو مبدعين إذن ترك النقدية المجردة والأخذ على منوال النقدية المستندة حيث لا استقامة للمتفلسف في نقد كما يقول "طه عبد الرحمن": « حتى يستند، ولا استناد له إلا بتعلق نظره بالمقصد ورسوخ قدمه في
العمل».
تعارض الدين إذا كان يعارض اتساع العقل، وهذا دليل كافي لإثبات عدم التعارض بين الترجمة والفلسفة مما يسمح للمتفلسف أن يحقق إبداعيته الفلسفية للتعلق بالعقلانية الفلسفية المتسعة. وكمثال يوضح لنا ذلك هو ما تعرضت له: « الإيديولوجية الدينية، تلقت عدما من طرف العلمانيين أو العدمانيين أو أنصار فصل الدين عن الدولة ما يشبهها في الفلسفة العربية و الغربية، فالعربية نجدها عند "الرازي"(864-925م)و "السرخسي" (ت889م) والراوندي (ت910م) و"البيروني" (973-1048م)، وفي الغرب نجدها عند "سبينوزا" Spinoza Bruch(1632-1677م) المتأثر بابن رشد، وكذا فعل "رينان" وكان تأثير "سبينوزا" على "ماركس" Marks Karl (1818-1883م) نفسه غير ضعيف ولا بدون أهمية» من هنا نستشف أهمية الإيديولوجية في تحقيق الإبداعية الفلسفية المستقلة حتى وإن كان أم لم تكن لها علاقة بالترجمة - وهنا نلمس محاولة أنسنة الفلسفة من خلال التأصيلية الرحمانية المقترحة- ولذا فالعقلانية المتسعة قد تكون الطريق الأوحد في تجنب مثل هذا الخطأ سواء عند العرب أو الغرب أيضا. فتوقفنا عند هذه النقطة باعتبارها الأكثر ضرورة في بداية معالجة ظاهرة اجتماعية متأصلة. إنها عند البعض حل نافع وممكن لكنها عند آخرين حل هادم للمجتمع يوجب إزالة الدين كظاهرة مغلقة وإن كان بحسب مقاييس فيها كثير من اللاإنسانية.


- التبعية الاتصالية للفلسفة:
في الحديث عن هذا المطلب عند "طه عبد الرحمن" ضمن الأصول العامة للإبداع الفلسفي يمكن أن نذكر أن القول بالتبعية ليس معناه الرفض التام لكل أشكال الأصالة في الفكر العربي إذ أن هناك فلسفة أصيلة أو مواقف متأصلة « في الكثير مما تقول فلسفتنا اليوم في الإنسان والأمة أو في الجماعة والأرض, مواقف تتكافأ أو تتشارك, تثير أو تستدعي مواقف متأصلة في الفكر العربي المتدين أو في الكلاميات والفقهيات في التصوف وفي الفلسفة العربية».لكن إلزامية العلاقة بين الفلسفة والترجمة والتي لولا النقل ما كانت عندنا الفلسفة التي نعرف وعليه السؤال يطرح على التبعية الاتصالية للفلسفة وشكلها المطلوب ؟
الشيء نفسه أثبته لنا "طه عبد الرحمن" في هذه الصفة الرابعة "التبعية". هذا وإن كان بعض المفكرين قد حذروا من خطورة الاتباع والتقليد -مثل "علي زيعور" في كتابه "الدراسة التقنية الاجتماعية بالعينة للذات العربية" فهو يرى أن تقليد عدونا جزء من ديالكتيك النكبة الثوري،وأهمية وجود العدو– القائمة بالفلسفة العربية مع صفة الاستقلالية "فطه" وضح لنا هذه المسألة من خلال ما يجعل الحقيقتين الفلسفية والترجمية لا متعارضتان، من خلال ثلاث نقاط هي:
1) التوفيق بين الفلسفة والشريعة, 2) مبدأ اتباعية الفلسفة للترجمة, 3) مبدأ اتصالية الفلسفة بالترجمة.
فالنقطة الأولى تبين فعلا أنه لا يوجد توفيقا من هذا النوع عند اليونان, وهذا دليل على عدم قراءة ذلك القطاع كميدان قائم بذاته وكان مراده تغطية حاجات فكرية واجتماعية خاصة بالوعي الفلسفي وبالحكمة العملية في الفكر العربي الإسلامي. والموقف للنظر كما يقول"طه" يدرك أن الإبداع يجب رده لمخالفته غرض الفلسفة كما رغب اليونان في الصلة بالفكر الأسطوري الذي يتضمن كل معرفة لا تقبل التعليل أو التدليل_وهناك تظهر لنا بوضوح المرجعية التي استند إليها "طه" في تأسيسه لهذا الأصل –وعدم التفريق بين فكر خرافي وديني ، بما يجب قطع الصلة بدين التوحيد وهذا ما نلحظه عند الأوائل المتفلسفة وهذا الانقطاع كان من بين أسباب فشل التأصيل في الفكر العربي بالإضافة إلى عدم الدين هنا أسباب أخرى مثل: عدم الاستقرار وعدم الأرض وعدم التأمل، ومظاهر الفكر الجاهلي "الأمثال والحكم" وهذا له علاقة وطيدة بالأصول العربية الجاهلية.
لكن اليوم نلاحظ أن الحضارة العربية متعددة ومتنوعة الأصول من أصول عربية وأعجمية والترجمة إلى العربية، لكن هناك أصلان يطغيان على سائر الأصول هما الإسلام وفلسفة اليونان. وكما يرى البعض أن هنا أصولا معينة مستندة إلى حكماء الفرس واليونان ومصر وبابل والهند وهؤلاء في نظرهم هم الأصول الأولى للمدرسة الإشراقية وهذا ما يبين أثر التعاليم الإشراقية في الحياة العقلية عند المسلمين.
وخلاصة القول هنا أن نعارض رغبة الطبيعيين اليونان لنخرج بهذا من دائرة الاتباع والتقليد إلى دائرة الإبداع الفلسفي وهذا يكون بمراجعة الأصلين اللذين قام عليهما التفلسف عند نشأته وهما "التعليل" و"التدليل". إن أحدهما يوافق الانفصال على الشريعة يجب رده والثاني يوافق الاتصال يجب قبوله حيث يقول "طه":«للأسف لا أحد ممن تقلدوا هذه المهمة من متفلسفة المسلمين قاموا بهذا التمييز إيمانا منهم بأن لا عمل عقلي يخرج عن التعليل و التدليل ». وهو في تأسيسه لهذا الطرح يرجع إلى الأصول العربية كما طرحها الأوائل أمثال: أبي "حامد الغزالي" (1059-1111م) و"الشاطبي أبو إسحاق" (ت790هـ) و"ابن تيمية" (1263-1328م)»
أما في النقطة الثانية-مبدأ اتباعية الفلسفة للترجمة- يوضح لنا "طه عبد الرحمن" في هذه النقطة الطريق للخروج بالفلسفة العربية من التبعية الضرورية للترجمة إلى اختيارية تمهد لها طريق الإبداع والتجديد وفي مراجعتنا للفلسفة هنا يوقفنا الاستشكال الآتي:
هل التبعية للترجمة دليل على أن الفلسفة المنقولة لازمة أم أنها مطلقة ؟
أن المتلقي العربي للمنقول الفلسفي لو تمكن من تجاوز الغرض الذي وضعه المنقول الفلسفي لأمكنه التحرر من مبدأ الإطلاق الذي يشكل جانب أساسي من جوانب إلزامية تبعية الفلسفة للترجمة و"طه" يرى أنه يكون بمعرفتنا باستقلال الفلسفة عن العلم، مع أن حاجة هذا الأخير لها لا تنفي استقلاله عنها ولأن اليقين منتهي في الفلسفة يجب رفع النسق - كما يقول الفيلسوف الألماني "نيتشه" Wilhelm Nietzsche friedrich (1844-1900م) "الفلسفة اللانسقية" وهذا حتى نخضع فلسفتنا لمجالنا التداولي بكل قيمة، واقتناع المتلقي العربي بهذه الإلزامية هنا لأنه لم يكن ليعرف الفلسفة دون هذا المنقول وهذا من خلال فكرتين أساسيتين وهما فكرة "التبرير" و"التأسيس" فالأول مثل تبرير "معتقد البلبلة" وتبرير "معتقد المثال" عند "أفلاطون" خصوصا وهذا يوقع في العقلنة والثاني أن يجعل المنقول الفلسفي دليلا تأصيليا مثل ما هو عند "الفارابي" Alfarabi (872-950)
وهذا قد يكون سببا في تبعية الفلسفة للترجمة يجب رفضه كما يقول "طه عبدالرحمن". وهنا مفكرين عرب يدعمون "طه" في هذه المسألة لكن برؤى أخرى فـ:"علي زيعور" مثلا يرى في كتابه "فلسفة الحضارة ومعنية المجتمع والعلائقية" أن الفكر العربي المعاصر متأثر بالتيار الوضعي تياره التأسيسي حيث نجد بعض ممثلي التيار العلماني أمثال( "أودنيس"، "هشام شرابي" (1927-2005)، "فؤاد زكريا"، "ناصف نصار"...) يقدمون نمطا علائقيا غير متأسس على الرؤية الدينية ومناقضا للتيار الذي يتحرك اليوم تحت اسم الحل الإسلام الذي يطرح نفسه كبديل للحركة القومية والنظرية الاشتراكية والنظام الليبيرالي (الأورو أمريكي). وخلاف هذا التأسيس القائل بالإلزامية للمنقول الفلسفي كأصل يؤسس الفيلسوف أصوله عنه، هنا من يقول باستغناء الأصول الفلسفية بعضها عن بعض كدليل على بطلان هذه الإلزامية، بحيث يكون في إحدى الثقافتين أصل ليس له مقابل يوازيه في الأخرى ومقتضى التفلسف عند الأخرى يغني عنه مثل: "الواحد الذي لا يصدر عنه إلا واحد" وهذا ما يفرضه "ابن تيمية" وهنا من يقول في هذه المسألة بصدور الكثرة عن الواحد بدليل:« إن المصنوعات تدل بصنعتها على الصانع». كما يقول "ابن رشد"، Averroe’s، أما "الغزالي" فيقول بالانقسام إلى الواحد والكثرة إذ يقول: « اعلم أن الواحد اسم للشيء الذي لا يقبل القسمة من الجهة التي قيل أنه واحد»
فإذا كانت هذه آراء حول اختلاف الأصول فإنه يمكن القول بمبدأ جواز التبعية في الفروع كما يقول "طه". لأن العلاقة بين الأصول والفروع تكون علاقة طبيعية وتداولية تستوفي مقتضيات المجال التداولي من خصائص لغوية وخصوصيات عقدية واختصاصات معرفية. والأكثر دلالة على عدم إلزامية المنقول الفلسفي هو وجود فلسفات أخرى غير الفلسفة الغربية ذات الأصل اليوناني اللاتيني مثل "الفلسفة الصينية" و"الفلسفة الهندية" حتى "الفلسفة الإفريقية" لا شك قد وجدوا فيها مفاهيم ومعاني لا نظائر لها في المنقول الفلسفي الغربي وهذا كان أكبر دليل عند "طه" في رفضه مبدأ إلزامية الفلسفة المنقولة والقائمة على فكرة "التأسيس والتبرير" وهنا تكمن في رأينا قوة التأسيس للرأي الطاهوي في هذه المسألة والتي تجعل هناك مقدورية للتفلسف عند المسلمين. كما نجد من ينكر هذا مثلا :عبد الرحمن بدوي". (Abderrahmane Badawi) (1917-) القائل:« إن الفلسفة منافية لطبيعة الروح الإسلامية، لهذا لم يقدر لهذه الروح أن تنتج فلسفة بل لم تستطع أن تفهم روح الفلسفة اليونانية وأن تنفذ إلى لبابها».
و تجاوزا لهذا الموقف يركز "طه عبدالرحمن" على نقطتين أساسيتين هما:
التدليل الجامع بين العقل والنقل والاستناد إلى المجال التداولي في تقويم الممارسة التراثية حتى تكون هناك مشروعية لاتباعية الفلسفة للترجمة. تمكننا من وضع أصل أو العودة له في تراثنا أو تأصيله من تراث آخر محققين مقصدنا في هذا العمل الذي هو الإبداع الفلسفي الذاتي والمستقل.
- مبدأ اتصالية الفلسفة بالترجمة:
وإذا كانت تبعية الفلسفة العربية للترجمة تحدد من جهتين من جهة كونها "تبعية اتباعية" ومن جهة أخرى "تبعية اتصالية". يرى "طه" أن تبعية الاتباع هي الغالب لحد الآن على الممارسة العربية وهي التي يعتبرها أيضا مردودة لمبدأ إطلاقية الفلسفة وإلزاميتها وعند التبعية الاتصالية يحدد "طه" نقطتين أولها: وجود استقلال الفلسفة عن الترجمة في الأصول، وهذا حتى تكون عند حقائقنا الفلسفية المتميزة بصفة الاستقلال عن الترجمة. إضافة إلى البداهة والتقدم وهذا كما أشرنا له في الفصل الأول للخروج بالفلسفة العربية من دائرة الاتباع إلى نقيضتها الإبداعية والأخذ بذلك بالصفات والخصائص الواقعية لها ومن هذا نكشف إمكانية إيجاد أصول فلسفية تختلف عن أصول المنقول الفلسفي ولا تعود له. وهذا يتجلى عندنا وبوضوح إلزامية التأثيلية التي اقترحها "طه" في عملية الترجمة أو نقول عنها التأثيلية الترجمية الغير مخالفة لأصولنا الفلسفية وهذا ما هو مطلوب من كل مترجم، فلا تبعية إذن في الأصول الفلسفية للترجمة بينما يمكن أن تكون تبعية الترجمة في الفروع.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والإحالات:
- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة، ص(137-140)
- أبو نصر الفارابي، الجمع بين رأيي الحكمين، ص47.
- زيعور علي، فلسفة الحضارة ومعنية المجتمع والعلائقية، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، 1994، ص181.
- Revue : philosophes médievaux tom , xxxvI,Editer, traduire, Interprieter. Essais de méthodologie philosophique sousla direction de (steve G- lofts et philpp.w. R osenann). Editions de l’institut supérieur de philosophie. Louvain. Paris. 1997.p.13.(الباحث).
راجع أيضا ابن رشد، كتاب المقولات والعبارة، در،تح: جرار جهامي، دار الفكر اللبناني، بيروت، ط1، 1996. -
- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة والفلسفة والترجمة، ص165.
-Ibid, p.171 (الباحث)
- راجع: علي محمد الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات ، ص 176. وأيضا: محمد بن علي بن محمد التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، ص(474، 476 ).
- طه عبد الرحمن، الفلسفة والترجمة، ص184. نقلا عن الفيلسوف الأمريكي "روتي" في كتابه الأساس في تاريخ الفلسفة يحمل عنوان «الفلسفة ومرآة الطبيعة». Rorty. R, philosophy and the mirror of nature.
- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة، ص206.
- يوحنا قمير، أصول الفلسفة العربية، ص (11-139).
- راجع أبو ريان محمد علي، أصول الفلسفة الاشراقية، دار المعرفة الجامعية، ط2، د س.
- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة، ص 210.
-.الشاطبي أبو إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص(88،87)، أنظر أيضا ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، تح: رشاد سالم، مطبعة دار الكتب، 1971، ج1، قسم1، ص198.
- الفارابي أبونصر، كتاب الحروف، تح: محسن مهدي، دار المشرق، بيروت، 1969، ص(153-157).
- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة- الفلسفة والترجمة، ص227
- ابن تيمية، الرد على المنطقيين، تق وضب وتع: رفيق العجم، دار الفكر اللبناني، ط1، 1993، ص(63-65)، وراجع أيضا: ابن تيمية نقض المنطق، حقق الأصل المحفوظ وصححه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة واشيخ سلمان عبد الرحمان الضيع صححه محمد حامد الفقى وأخرج أحاديثه عبد الله محمود عمر.
- ابن رشد، فصل المقال، مد، ومق، تح : محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997، ص(85-86).
- الغزالي أبو حامد، معيار العلم في المنطق، شرحه أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1990، ص328.
- عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، ط2، 1993، ص243 وما بعدها.
- طه عبد الرحمن، الفلسفة والترجمة، ص230 نقلا عن Wirdu, K : philosophy and an African culture, Cambridge, press,1980.
-بدوي عبد الرحمن، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1965، ص(و،ز).
- عبد الرحمن طه، العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي،ط2، 1997، ص(27-28). أنظر أيضا :06 عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص243.
-طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الفلسفة والترجمة، ص281 وما بعدها
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !