في المجتمع والسياسة الاختلاف أمر مشروع ومطلوب وهو أهم طرق التطور التي يمكن للمجتمع اتباعها من أجل البقاء. نستطيع القول أن الاختلاف العقائدي والفكري والبشري هو شرط ازدهار أي مجتمع وتجب المحافظة عليه عبر ممارسة سياسية مفتوحة وعبر حرية التعبير وعبر احترام الآخر.
ليست صدفة أن تكون المجتمعات المختلطة والمنفتحة هي اﻷكثر ازدهاراً وأن تكون النخب واﻷقليات هي المحرك الرئيس للتقدم والانتقال نحو اﻷفضل. هذه النظرة للمجتمع البشري والسياسة هي تعبير عن قانون طبيعي اسمه "الداروينية" حيث تكمن بذور البقاء والتطور داخل كل سلالة بشرية وكل مجتمع، بحيث يتمكن المجموع البشري من مواجهة المتغيرات اعتماداً على عناصر متفوقة وقادرة على التأقلم موجودة أساساً داخل هذا المجتمع. التاريخ علّمنا أن التعصب والانغلاق وهجرة اﻷقليات مما يؤدي ٳلى ٳلغاء أي من المكونات الطبيعية للمجتمع، سيؤثر سلباً على المجموع.
هكذا، مثلاً كان ٳلغاء "ٳعلان نانت" الذي أصدره هنري الرابع، ملك فرنسا عام 1598 من قبل لويس الرابع عشر عام 1685 أحد أسباب الثورة الفرنسية بعد قرن من الزمان ثم هزيمة فرنسا أمام النازي عام 1940!
ٳعلان نانت سمح بحرية العقيدة للبروتستانت وٳلغاؤه من قبل لويس الرابع عشر أدى لهجرة هؤلاء وفقد العقول والثروات التي كانوا يملكونها لصالح جيران فرنسا...هذا اﻷمر أفقر الاقتصاد الفرنسي تدريجياً لدرجة أطلقت عنان الثورة الفرنسية عام 1789 والتي تفجرت بسبب تراجع فرنسا اقتصادياً مقارنة بجيرانها . أكثر من ذلك، البروتستانت الفرنسيون كانوا حرفيين وصناعيين وليسوا فقط تجاراً، هجرتهم أدت لتأخر الثورة الصناعية في فرنسا مقارنة بشمال أوربا وألمانيا التي استقبلت الكثيرين منهم. تأخر الصناعة الفرنسية لصالح الزراعة والاتجار بالمواد اﻷولية جعل هزيمة قوات المشاة والخيالة الفرنسية محتمة أمام دبابات "البانزر" عام 1940...
هذا اﻹفقار المتعمد تتعرض له مجتمعاتنا منذ عام 1947 وهجرة اليهود العرب التي كانت كارثية بالنسبة لنا وخيراً عميماً بالنسبة ﻹسرائيل، هكذا أيضاً يستمر تهجير العقول والثروات بشكل منظم من سوريا منذ 1958 ومن لبنان منذ 1974.
اغتيال "محمد شطح" هو خطوة سبقتها وستتبعها خطوات في ذات الاتجاه بهدف "تفريغ" المجتمع اللبناني من الداخل وتلقين النخب والمثقفين وكل من يعود من الخارج درساً مؤداه "أن المنطقة لنا" وأن لا أحد في مأمن من يد الغدر.
لكن، أليس "محمد شطح" وأمثاله ثروة للجميع بما فيهم حزب "نصر الله"؟
بالتأكيد لا، فحزب "المقاومة"، مثل صنوه السوري حزب "الممانعة"، هو خارج المجتمع والتاريخ معاً. كحزب "ٳلهي" فالحزب فوق قوانين الاجتماع والتطور التي يجب أن تخضع "لفكر" الحزب، ٳن وجد فكر في هذا الحزب أصلاً. كمجموعة بشرية فالخاضعون ﻹملاءات الحزب يمارسون السياسة على ذات نمط العصابات من جهة تصفية المعارضين وٳخلاء الساحة الفكرية والمجتمعية من كل فكر حر وخلاّق يسمح للمجتمع بالتطور، يوماً، وبالخروج من ملاءة "نصر الله" وزبانيته.
شيء مماثل جرى في سوريا في الثمانينات، حيث قام اﻷسد اﻷب بتهجير مئات الآلاف من السوريين خاصة من النخب وأعدم عشرات الآلاف عبر ٳصدار القانون 49 القاضي بٳعدام المنتسبين للٳخوان وهو الغطاء القانوني ﻹعدام الفكر والرأي بتهمة جاهزة سلفاً وهي "اﻹخونجية والعمالة". 23 مليوناً من السوريين صاروا يعرفون اليوم من هو العميل والخائن.
في لبنان يحاجج "نصر الله" بالقول أن حزبه، هو أيضاً، معرض للاغتيال ويستشهد بعماد مغنية واللقيس. فارق كبير بين من يموت وهو يقتل الأبرياء وبين من يستشهد وهو يجاهد للحفاظ على لبنان خارج المذبحة. من استشهدوا من 14 آذار هم سياسيون ومفكرون وكتاب ورجال أمن تفخر بهم اﻷمم، أما من قتلوا أمام السفارة اﻹيرانية وخلال "واجبهم الجهادي" فهم زبانية وزعران وقتلة لايؤمنون بوطن ولابالتعايش أو بالحرية، هؤلاء "تفرح" اﻷمم الحية بالتخلص منهم.
حين تذهب "الرؤوس المفكرة" في اﻷمة السنية، تبقى "الرؤوس الحامية"، هذا ماحصل في سوريا ٳبان مجزرة حماة عام 1982 فهل هناك من "حماة" جديدة يعد لها جزار الضاحية، في لبنان أيضاً وليس فقط في الشام ؟
من اغتيل في تفجير "ستاركو" ليس فقط الشهيد "محمد شطح" بل مستقبل لبنان واللبنانيين وربما لبنان كله كفكرة وكحلم.
اﻷسد اﻷب كان يقول "شعب واحد في بلدين" ونحن نقول "قاتل واحد في بلدين".
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2014/01/89640/
التعليقات (0)