إغتيال النهضة الحسينية بإسم الدفاع عنها
ألا يثير التساؤل هذا الحضور المليوني من الناس مرتدية الحداد ؛ زاحفة صوب كربلاء ؛ قاطعة المسافات الطويلة متحملة التعب والعناء ؛ ماهي الأسباب التي جعلت الشباب منهم ـ والذين لا يستجيبون بسهولةٍ لطلب الآخرين ـ إلى الطرق، بخضوع وخشوع وانسجاماً ؛ ألا يعدّ هذا السلوك الفردي والجماعي في شهر محرم وصفر أمراً عادياً، بل يستدعي الالتفات والإنتباه ، نعم ماهو السر من بقاء النهضة الحسينية مستمرة دائمة الحضور ؟
بالطبع أن ماسنقوله لاُيفسر على الذين يدافعون بحماس وعشق ووعي واندفاع كبير نحو ماهية النهضة الحسينية ..بما تحملها من مظلومية وقوة وعنفوان في ابقاء الدين سالماً وغير مشوهاً والحفاظ عليه بفضل تلك الثلة المؤمنة الصابرة المحتسبة ..فـ نحن كلامنا ليس بهذا المقام ..لكوننا قد قرأنا الكثير عنه وعن الحب والعشق الذي يلتهب في قلوب المحبين لتلك الفئة المؤمنة التي جاهدت بما تملك لكي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
لاشك ان هناك دوافع نفسية لهذا الحضور الحسيني أضافة للأبعاد المعنوية ؛ ألايمكننا القول ان لكل طقس أو شعيرة ؛ أو مسيرة يمكن لهذا الفرد ان يبرز شخصيته ونفسه وينال الحضوة أمام الآخرين ؛ بصورة أوضح بما أنّ الجميع يستطيع المساهمة في هذه الطقوس بشكل مؤثر، وإثبات حضوره، فلدى الجميع دافع قوي للخروج والحضور إلى جانب الآخرين، دون إجبار أو إكراه. وبنظرة أخرى نعلم إنّ رسالة عاشوراء روحية ومجبولة بالفضائل ؛ لكن مايميزها عن غيرها من الطقوس أنها مُنعت من أقامتها في بعض الفترات التأريخية منذ أستشهاد الحسين عليه السلام وطوال العهد الاموي والعباسي فقد تعرض قبر الآمام للغرق ايام المتوكل وواجه زواره شتى العذاب ؛ لهذا تزيد رغبة الإنسان بالممنوع من الناحية النفسية، وكما يقول المثل " الإنسان حريص على ما مُنع " فحين سعت الحكومات لمنع التعازي، حرص الناس على تقويتها وإقامتها في الخفاء، إن لم يتمكّنوا من إعلانها؛ من هذه الناحية، يغدو الدافع لإقامة الطقوس الحسينية فردياً ونفسياً، وحتى لو كانت هذه الحاجة روحية ، لكنّها ليست سماوية وأخروية بالضرورة ؛ لهذا، فحتى لو كان الناس ـ كما يصفهم الحسين عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، لكنّهم يشاركون في هذه الحركات الجماعية، تلبيةً لحاجاتهم الفردية والنفسية، ويحصلون من خلالها على نتائج لا تتوفر من طرق أخرى؛ فهنا يتلقون الدعم والحماية والاهتمام والتشجيع، بخلاف سائر المجالات.
ولاخلاف هنا ان قلنا ان كان المنع الحكومي ينتهي بنتيجة معكوسة ؛ فكذلك تصدي الحكومات لترويج نهضة عاشوراء يُقلل من عمقها وقد تتسبب ردة فعل معكوسة من قبل الناس واذا اردنا ربط انتشار طقوس عاشوراء بما يجري اليوم من خروقات وأساطير بأسم الحسين فأننا سنجد أن الامر سيقضي على ماهية النهضة الحسينية وهذا مايسعى المغرضون للترويج عنه بأسم الدفاع عن الحسين والحب الحسيني ؛ لهذا يجاهد رجال الدين الشرفاء بكل مايملكون من فهم وعلم ودراية لتوعية الناس وحثهم المستمر على بقاء النهضة الحسينية متقدة بنبل سماتها وأوصافها التي حملها الحسين عليه السلام وأهل بيته واصحابه وهو القائل «فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي»
وهنا يشير المرجع الصرخي الحسني في بيانه محطات في مسير كربلاء قائلا( والآن ايها الأعزاء الأحباب وصل المقام الذي نسال فيه أنفسنا ، هل سرنا ونسير ونبقى نسير ونثبت ونثبت ونثبت على السير ونختم العمر بهذا السير المبارك المقدس السير الكربلائي الحسيني الالهي القدسي في النصح والأمر والإصلاح والنهي عن المنكر وإلزام الحجة التامة الدامغة للجميع وعلى كل المستويات فنؤسس القانون القرآني الإلهي وتطبيقه في تحقيق المعذرة الى الله تعالى أو لعلهم يتقون..... وايضا قال سماحته ولنسأل انفسنا عن الأمر والنهي الفريضة الالهية التي تحيا بها النفوس والقلوب والمجتمعات هل تعلمناها على نهج الحسين ((عليه السلام)) وهل عملنا بها وطبقناها على نهج الحسين الشهيد وآله وصحبه الاطهار ((عليهم السلام)) وسيرة كربلاء التضحية والفداء والابتلاء والاختبار والغربلة والتمحيص وكل انواع الجهاد المادي والمعنوي والامتياز في معسكر الحق وعدم الاستيحاش مع قلة السالكين والثبات الثبات الثبات .)
نعم ..النهضة الحسينية فرصةً ثمينة لمن يريد مقارعة سلاطين عصره، ليبرّر موقفه بالاستناد إلى نهضة عاشوراء، وفرصة للغربلة والتمحيص ،ولكي نخلق كربلاء جديدة بالاستفادة من تمام أجزاء تلك الواقعة، وإحياء ذكراها.
التعليقات (0)