بعد ساعات من تصنيفها لجبهة النصرة على أنها منظمة ٳرهابية، مثلها مثل "الجيش الشعبي اﻷسدي" و "الشبيحة" (والله وحده يعلم ٳن كان هؤلاء قد أنشأووا منظمة رسمية خاصة بهم) أتت اﻹدارة اﻷمريكية لتعيد الروح ٳلى آمال السوريين الثائرين باعترافها، وعلى لسان الرئيس اﻷسمر شخصياً، بالائتلاف الوطني السوري "كممثل شرعي للسوريين الثائرين على نظام اﻷسد". أتبع السيد اوباما اعترافه هذا بتذكير الائتلاف "أن الاعتراف به يقتضي من جانب الثوار السوريين مجموعة من الالتزامات والمسؤوليات التي يتوجب عليهم حملها لكي يحافظوا على هذا الاعتراف ولتطوير العلاقة مع الولايات المتحدة".
بحديثه هذا يضع الرئيس "اوباما" حداً للشائعات التي رافقت "فيروس" السيدة كلينتون المعوي واعتبار غيابها عن مؤتمر أصدقاء سوريا تهرباً من التزامات العم سام تجاه الشعب السوري الذبيح.
القراءة المتأنية للموقف اﻷمريكي تسمح بتلمس وجود تطور جذري في السياسة اﻷمريكية تجاه سوريا وخاصة تجاه النظام اﻷسدي الذي سبق له وفقد الشرعية على لسان الرئيس "اوباما" منذ أكثر من عام. الاعتراف اﻷمريكي بالائتلاف الوطني يعني أن لاعودة ٳلى الوراء فيما يخص نظام اﻷسد واعترافاً من اﻹدارة اﻷمريكية أن اﻷسد لن يعود يوماً كما كان "سيداً" دون منازع لكل سوريا وحاكماً مسلطاً على رقاب كل السوريين. رصاصة الرحمة هذه تأتي بعد ما فهم اﻷمريكيون وغيرهم أن انتصار اﻷسد العسكري صار مستحيلاً، أقله فيما يخص استرداد السيطرة على كامل التراب السوري.
بالنسبة للأمريكيين، لن يكون هناك تعامل مستقبلي مع اﻷسد ونظامه بشكل منفرد وهذا يعد "زلزالاً" سياسياً بالنسبة لنظام يدين للأمريكيين بالكثير، منذ نشأته وفي كل مراحل تطوره حتى الدخول اﻷمريكي للعراق، حيث بدأت بعدها السبل بالتباعد بين عصابة اﻷسد والسيد اﻷمريكي. لا ننسى أن نظام اﻷسد اﻷب ولد من رحم تفاهم أمريكي سوفييتي ٳسرائيلي وكان عرابه الوزير اﻷمريكي "كيسنجر". الاعتراف اﻷمريكي بالائتلاف السوري المعارض يأتي "كعقاب" أمريكي للابن اﻷسدي العاق والذي فشل في انتهاز كل الفرص التي أعطيت له.
مع ذلك، ترك الرئيس اﻷمريكي الباب موارباً من أجل ٳفساح المجال "لحل سياسي" والذي يعرف هو قبل غيره استحالته مع العصابة اﻷسدية. اﻷمريكيون يدركون أن هناك "سلطة أمر واقع" أسدية مسلحة حتى النخاع في دمشق وغيرها وسوف لن تلقي بالسلاح دون سفك دماء عشرات الآلاف من السوريين، ناهيك عن السلاح الكيماوي الذي تمتلكه هذه العصابة. الرئيس "اوباما" يبدو كمن "يأخذ علماً" بأن السوريين "الثائرين" في وجه نظام الأسد قد صار لهم ممثل "شرعي" يتواجد في الطرف المقابل "للطرف الموجود بحكم الواقع على اﻷرض" وهم جماعة اﻷسد ومن ارتضوا هذا النظام ممثلاً شرعياً لهم ومدافعاً عن مصالحهم.
واقع أن الرئيس "اوباما" لم يضف "ممثل شرعي ووحيد" للشعب السوري يعني أنه لم يغلق الباب تماماً أمام "بازار الدم" الذي افتتحه الرئيس "بوتين" وباقي أفراد محور الشر بهدف ابتزاز اﻷمريكيين والغرب عبر نزيف الدم السوري. الرئيس اﻷسمر يوجه باعترافه بالائتلاف رسالة للروس والصينيين واﻹيرانيين بأن زمن المساومات قد قارب على الانتهاء.
الغضب الروسي بعد التصريح اﻷمريكي يدل على أن لافروف وبوتين في طريقهم للخروج من "المولد بلا حمص". الروس غاضبون لانتهاء البازار وليس ﻷن الرئيس "اوباما" ألغى ما تم الاتفاق عليه في "جنيف" فليس هناك ما يمنع من التوصل لحل تفاوضي يضم ممثلين لنظام اﻷسد في سوريا مادام اﻷمريكيون لم يعترفوا بالائتلاف الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري.
عدم اعتراف اﻷمريكيين بالائتلاف كممثل وحيد للسوريين جميعاً يفتح الباب أمام ثلاثة احتمالات في سوريا أولها هو ٳلقاء الكرة في ملعب الروس كي يضغطوا على اﻷسد للوصول ٳلى حل سياسي "تفاوضي" بمشاركتهم وثانيهما هو الاستعداد لسقوط النظام اﻷسدي و"ٳخراج" روسيا، مثل ٳيران، من المنطقة مطرودة بغير رجعة وتلزيم سوريا ما بعد اﻷسد للائتلاف الوطني وهو ما يتوافق مع تصريح السيد "اوباما" حول مسؤوليات هذا الائتلاف. لكن الاحتمال الثالث هو ما قد يفضله اﻷسد وزبانيته وكذلك محور الشر.
عدم اعتراف اﻷمريكيين بالائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري يترك المجال مفتوحاً أمام استمرار الصراع مع احتمال تقسيم الدولة السورية ٳلى مكونين على اﻷقل، أولهما يمثله الائتلاف السوري المعارض على الجزء اﻷكبر المحرر من أراضي سوريا والثاني يمثله اﻷسد وزبانيته في "جيب علوي" أو في "سوريا مفيدة" تضم المناطق الخاضعة لجند اﻷسد وما يستطيع هؤلاء قضمه من اﻷراضي السورية.
حديث الرئيس اﻷمريكي عشية مؤتمر أصدقاء سوريا لا يمكن فصله عن ما سبقه من خطوات قام بها العم سام وحلفاؤه في توزيع للأدوار بين أصدقاء مخلصين للشعب السوري، كتركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا وأخيراً ٳيطاليا، وآخرين صداقتهم "مشروطة" مثل اﻷلمان واﻷمريكيين، شرط الصداقة اﻷمريكية هو في مشاركة اﻷمريكيين مفهومهم وحربهم على اﻹرهاب الذي تمثله "جبهة النصرة" وما يماثلها. فهل للسوريين مصلحة في هكذا مقايضة ؟
صحيح أن ممارسات عناصر جبهة النصرة تنم عن سلوك أخلاقي راق واحترام للمواطنين، حالياً، لكن علينا أن لا ننسى أن "طالبان" فرضت وجودها في أفغانستان عبر ممارسات أخلاقية قياساً ﻷمراء الحرب من قدامى المجاهدين، نفس الشيء جرى في "مالي" وجرى في الصومال مع "الشباب" الذين انتهى بهم اﻷمر ٳلى ترويع الصوماليين لدرجة دعتهم للاتحاد ضد ممارسات "الشباب" الذين يريدون تطبيق الشريعة وٳقامة دولة الخلافة بالقوة، كما تريد "جبهة النصرة".
هل عداء جبهة النصرة ﻷمريكا وللأسد يكفي لوصمها بالنزاهة ولمنحها مركز الريادة في الثورة السورية لدرجة دعت بعض المتسرعين للصراخ "كلنا جبهة النصرة" لمجرد أن أمريكا وضعتها على لائحة اﻹرهاب، ربما على مبدأ "نكاية بالطهارة.." ؟ من يدعي ذلك ينسى أو يتناسى أن جبهة النصرة ولدت من رحم التنظيمات القاعدية في العراق والتي "تربت" على يد مخابرات اﻷسد الذي دعمها طالما كانت تعكر عيش اﻷمريكيين والمالكي في بلاد الرافدين ! جبهة النصرة "عادت" ٳلى حضن الكيان السوري بعناصرها وبتفجيراتها بعدما أصبح المالكي حليفاً للعصابة اﻷسدية برعاية الولي الفقيه في طهران.
ثم هل نسينا أن اﻷسد اﻷب وصل ٳلى السلطة في سوريا بحجة محاربة ٳسرائيل وحمل راية العداء المطلق "للكيان الصهيوني" في ذات الوقت الذي كان خبراء هذا النظام يزورون دمشق دورياً بلباس قوات الفصل الدولية للتنسيق مع مخابرات اﻷسد ولوضع سياسات مشتركة بين عصابة اﻷسد و"العدو" اﻹسرائيلي ؟ هل نريد ان نلدغ من نفس الجحر مرتين ؟ هل نريد أن نستبدل عصابة طائفية تتلحف بالممانعة والعلمانية لنضع محلها مجموعة من المتطرفين الذين يريدون العودة بنا ٳلى الوراء ﻷربعة عشر قرناً وٳقامة دولة الخلافة وحكم الشريعة وفق تفسيرهم، كل ذلك بحجة مقاومة الطغيان اﻷسدي واجتثاث فلول البعث والعصابات الطائفية ؟
على الائتلاف الوطني السوري مواجهة هذه اﻷسئلة والرد عليها بصراحة ووضوح وتحديد موقفه من الحركات الجهادية والسلفية المتطرفة التي تشكل خطراً على سوريا وعلى التعايش المستقبلي بين الطوائف فيها أكثر بكثير مما هي خطر على أمريكا وحتى على ٳسرائيل.
بالمقابل، يتوجب على الائتلاف الوطني أن يطلب العون من اﻷمريكيين بصراحة ويحدد مطالبه خاصة فيما يتعلق بوحدة اﻷراضي السورية وبتقصير معاناة السوريين عبر ٳمداد الثوار بسلاح نوعي يحد من تفوق اﻷسد، انتهاء بالمشاركة الفعالة من قبل اﻷمريكيين والغرب في ٳحقاق سلام عادل بين سوريا وٳسرائيل يضمن عودة الجولان ﻷهله ويتضمن ٳعادة بناء سوريا ما بعد اﻷسد وفق برنامج شبيه بما تم تقديمه لليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية. الدعم اﻷمريكي والغربي الذي أوصل هذه البلاد لدرجة من التحضر والتقدم جعلتها منيعة على الدعوات الغوغائية وعلى دعاة الحروب وسفك الدماء.
أمريكا ليست جمعية خيرية، هذا اﻷمر قد فهمه السوريون وهم يريدون الآن أن تفهم أمريكا أن في سوريا شعباً يريد الحياة والحرية ويستحقهما، وليس فقط المشاركة في "الحرب على اﻹرهاب".
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com 13/12/2012
http://www.elaphblog.com/shamblog
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=87336:chami&catid=39:features
التعليقات (0)