مواضيع اليوم

أسعد وبس والباقي كله..

أحمد الشامي

2012-09-13 12:12:26

0

في تعليق نشر على "الفيسبوك" رداً على ٳنشاء الجيش الوطني السوري، استوقفني شعار أحد المريدين للعقيد المنشق "رياض اﻷسعد وبس، والباقي كله خس...". هذا الشعار هو تحوير "ثوري" لشعار المنحبكجية "أسد وبس...". فهل قامت الثورة لخلع اﻷسد وتنصيب اﻷسعد ؟ وهل تكمن مصلحة البلد في تغيير رأس النظام دون تغيير بنيته بكاملها؟
سؤال مهم لا بد من طرحه مع ٳنشاء الجيش الوطني : هل من مصلحة السوريين أن تكون هناك عدة قوى مسلحة تواجه اﻷسد على مبدأ "زيادة الخير خيرين" أو أن تتوحد القوات الثائرة على اﻷرض تحت قيادة مشتركة ؟ ألا ينطبق مبدأ "تعدد المعارضة" على الحراك المسلح ؟ ولماذا نعتبر اختلاف المعارضين ظاهرة صحية وديمقراطية ولا نطبق نفس المقاربة حين تختلف القوات المقاتلة على اﻷرض ؟
قبل محاولة اﻹجابة على هذا السؤال لا بد من أن نحدد هدفنا من الحراك وما ننتظره من الثورة. ٳن كان الهدف هو خلع اﻷسد وتنصيب اﻷسعد، أو غيره، أي تغيير الوجوه و حتى "طائفة السلطة" أو ٳن كان هدف الثورة هو الخروج من نظام العصابة والطائفة وبناء دولة القانون والمؤسسات للجميع. هذا الهدف النبيل يحتاج لممارسات وسلوكيات مختلفة ولتنظيم عسكري تراتبي وصارم ما زال بعيد المنال مع اﻷسف. لا خلاص لسوريا دون ٳنشاء جيش تحرير سوري موحد ومنضبط.
منذ بداية الثورة توقعنا أن لا تتم انشقاقات ملموسة في بنية نظام العصابة اﻷسدي ولم نراهن لثانية على حل سلمي أو سياسي. هذه التوقعات جاءت من دراستنا لنشوء وتطور نظام حافظ اﻷسد، في ظل تآمر دولي وتواطؤ عربي، لكي يصبح دولة عصابة كاملة اﻷركان.
دولة العصابة تختلف جذرياً عن دولة المؤسسات حتى الدكتاتورية منها.
ٳن جازت المقارنة، فالدولة الدكتاتورية هي "ورم" قد تمكن معالجته أو حتى التعايش معه في بعض الحالات، أما دولة العصابة فهي "سرطان" قاتل لا يزول ٳلا بزوال "المريض" أو باستئصال الورم الخبيث كاملاً غير منقوص.
لسنا في وارد المقارنة بين بنيان الدولة ونظام العصابة، يكفي أن نلخص بالقول أن الدولة هي مجموعة من المؤسسات التي تعمل وفق قواعد وقوانين واضحة وعلنية يحترمها الجميع وهدفها النهائي هو المصلحة العامة، في حين أن نظام العصابة يخضع لقواعد غير مكتوبة تتغير بحسب أهواء ومصالح مجموعة من اﻷشخاص أو فرد وهدفها اﻷسمى هو دوام سلطة النخبة المسيطرة وازدهارها الاقتصادي على حساب مصلحة الكيان الوطني واﻷغلبية الساحقة من المواطنين.
النظام اﻷسدي ولكونه يعمل وفق منطق العصابة بشكل حصري، فهو غير قابل للٳصلاح ومجال "التطور والتغيير" اﻷقصى لديه هو تغيير الوجوه ٳن اقتضى بقاء العصابة هذا اﻷمر. بمعنى آخر، فمن يأمل وقوع انقلاب قصر أو حتى انتفاضة من قلب النظام، فليتوقع أن أقصى ما سيفعله الانقلابيون سيكون تغييراً في اﻷشخاص وليس في صلب النظام، سيبقى النظام اﻷسدي من دون اﻷسد. سبب عجز هذا النظام عن التطور والتغيير هو انعدام الضوابط والآليات القادرة على جعل النظام يتأقلم مع المتغيرات الكبرى. في الماضي، تمكن النظام وفي وجود مؤسسه من "الانحناء" أمام العواصف بانتظار أيام أفضل، دون أن يغير قيد أنملة من سياساته في خطوطها العريضة من حيث ٳدامة الاستبداد والنهب المنظم للبلاد والعباد.
باختصار، فعصابة اﻷسد لن تتوقف عن القتل حتى لو طلبت منها ذلك كل من ٳيران وروسيا، وحتى لو صدر قرار من مجلس اﻷمن تحت الفصل السابع، لكن دون تدخل عسكري مباشر. سيستمر اﻷسد في القتل مادامت لديه ذخيرة، لا لشيء ٳلا ﻷن الزمرة الدموية في دمشق لا تعرف غير القتل كسياسة وغير النهب كمبدأ. تشبيه نظام العصابة اﻷسدي بغزو التتار ليس مبالغة، فهؤلاء البرابرة لم يفعلوا غير السطو والقتل ولا أحد تمكن من التفاوض معهم، ناهيك عن التأثير عليهم.
هذه المعطيات موجودة لدى كافة العواصم المؤثرة، من بكين ٳلى تل أبيب مروراً بطهران وواشنطن الخ. الجميع يعرف أن لا حل مع نظام اﻷسد غير "تفكيكه" من ألفه ٳلى يائه، بما يعني حل كافة "المؤسسات" اﻷسدية القمعية من الجيش "العقائدي" ٳلى أجهزة اﻷمن ثم ملاحقة زبانية اﻷسد فرداً فرداً. الضربات الجوية وحدها لن تكفي والمناطق الآمنة سوف تكون عبئاً على من يفرضها دون أن تكفي ﻹسقاط النظام. لا حل مع هذه العصابة غير استئصالها "يدويا" ٳن جاز التعبير، وحدهم الثوار السوريون هم من سيقومون بهذا العمل، فلا أحد مستعد للموت من أجل حرية وحياة السوريين، غير السوريين. وحده الجيش السوري الموحد، الوطني أو الحر سمه كما تشاء، هو القادر حين تتوفر له اﻹمكانيات على تخليص سوريا من سرطان اﻷسد.
لماذا لم يسقط نظام العصابة اﻷسدي حتى الآن رغم الانشقاقات العسكرية ورغم الضربات التي تلقاها ورغم العقوبات ؟ الجواب هو في المعادلة التي طبقها "حافظ اﻷسد" دون أن يكون له قصب السبق في وضعها : "حين تريد أن تحكم بلداً واسعاً، فعليك أن تؤسس عصابة حاكمة، تكون هي اﻷقوى واﻷكثر تماسكاً بين كافة المجموعات الموجودة على اﻷرض".
هذه القاعدة سمحت لدولة مثل "بريطانيا العظمى" أن تحكم نصف العالم بجيش صغير نسبياً وأتاحت لبلد صغير مثل هولندا أن تسيطر على "اندونيسيا" اﻷكبر منها بعشرات المرات...
يكفي للمسيطر أن يحافظ على الانقسامات الموجودة بين أعدائه وأن يمنعهم من الاتحاد فيما بينهم. من الضروري تمزيق النسيج الاجتماعي للبلد وكلما كثرت "العصابات" المواجهة للعصابة الحاكمة، كانت اﻷمور أفضل للطاغية وزبانيته. في الوضع السوري، لن يتمكن أي تنظيم مسلح مهما كبر، ٳن ظل منفصلاً عن المجموع، أن يجاري ٳمكانيات عصابة اﻷسد وفرقتها الرابعة وتسليحها الفائق.
هذا يعني أن اﻷسد يفرح كلما زاد عدد السرايا والكتائب واﻷلوية الثائرة ! فهذا يعني تشتت كلمة الثائرين وتفرقهم وسوف يجعل انتصاره النهائي عليهم سهلاً. لنتذكر أن الوضع في جنوب العراق بعد فرار صدام من الكويت كان قد خرج تماماً عن سيطرة جزار بغداد. مع ذلك، تمكن هذا اﻷخير من قمع الثورة في النهاية بعدما قتل حوالي خمسمائة ألف عراقي، رغم توفر السلاح لدى الثائرين وكثرة "كتائبهم".
كما يحصل في سوريا اليوم، انتفض العراقيون عام 1991 في الجنوب على صدام حسين ونظام العصابة الخاص به دون أن ينجحوا لا في تنظيم أنفسهم ولافي تشكيل قيادة عسكرية موحدة تخضع لها اﻷغلبية الساحقة من التشكيلات الثائرة. رغم الحظر الجوي على الطائرات المقاتلة جنوب وشمال العراق، خسر الثوار العراقيون المعركة مع بسالتهم ومع الدعم اﻹيراني لهم، بسبب تشتتهم وﻷن قوات صدام حافظت على تماسكها. بالمقابل، تمكن اﻷكراد في الشمال العراقي من تأسيس كيان مزدهر ومستقر بفضل حكمة زعمائهم وتوحد فصائلهم المقاتلة تحت لواء "البشمركة".
مصيرثورة جنوب العراق هو ما ينتظر الثورة السورية ٳن استمر تشتت الجهود والعمل على مبدأ "كل مين ايدو الو..".
في الوقت الراهن، توحيد القيادة العسكرية أهم بما لا يقاس من أي جهد باتجاه المعارضة السياسية، فالعمل المسلح وحده هو القادر على التعامل مع عصابة اﻷسد، على اﻷرض قبل السماء وفي كل أرجاء سوريا. هذه القيادة الموحدة ستتمكن من الحصول على أسلحة نوعية وتنسيق الجهود القتالية وفق خطط موضوعية ومدروسة، وهي وحدها القادرة على حسم المعركة. في ظرف الانتخابات الرئاسية اﻷمريكية الحالية، توحيد قيادة الثوار العسكرية سوف يحرج "الرئيس اﻷسمر" ويسحب من يده حجته اﻷساسية لعدم تسليح الثوار.
كل مقاتل، كل سرية وكل كتيبة أو لواء لا ينضوي تحت القيادة العسكرية العليا المشتركة ويلتزم بأوامرها وبميثاقها سوف يكون، بطريقة غير مباشرة، يقدم خدمة مجانية للأسد تطيل في عمر نظام العصابة في دمشق. حتى لو تمكن هؤلاء المقاتلون اﻷبطال بجهودهم المتفرقة من توجيه ضربات موجعة للأسد، فلن يكون النصر النهائي من نصيبهم رغم التضحيات. النصر معقود لمن يستطيع توحيد جهوده وٳمكاناته في خدمة مخطط واضح. رغم الضربات التي تلقتها كتائب اﻷسد، فلا زالت يد الطاغية هي العليا.
لنفترض أن المقاتلين على اﻷرض قرروا الانضواء تحت لواء قيادة مشتركة، فأي قيادة هي اﻷقدر على توحيد الغالبية الساحقة من الثوار ؟ الجيش الوطني وقائده اللواء "الحاج علي" أو عقيد الفضائيات "رياض اﻷسعد" أو لا هذا ولا ذاك ؟ فالمجالس والجبهات تتوالد يوماً بعد يوم و"الخير لقدام..".
ٳن كان اﻷسد يتصرف وفق منطق العصابة فعلى الثوار انتهاج طريق مناقض لعدوهم ولما ينتظره اﻷسد منهم. عليهم العمل وفق منطق القانون ودولة المؤسسات لا الزمر العسكرية المشتتة. في دولة المؤسسات، العقيد يطيع العميد الذي يطيع اللواء، فقط في جيش اﻷسد يستطيع "نقيب" أن يفرض على عميد تقديم التحية له.
المهم في قائد الجيش السوري أن يكون ذو رتبة أعلى من مرؤوسيه لاحترام المنطق العسكري، وأن يقوم مجلس عسكري بترشيحه لمدة معلومة، لكن كافية، وأن يقدر هذا المجلس نفسه على ٳقالته ٳن هو فشل أو أساء. على قائد الجيش السوري أن يتحمل مسؤولياته وأن يقدم نفسه مباشرة للشعب وللمقاتلين بتواضع، فيذكر سيرته المهنية واﻷسباب التي دعته للالتحاق بالثورة ويوضح للجميع أهدافه الاستراتيجية وكيفية الوصول ٳليها، ثم يطلب من الثائرين على اﻷرض الالتحاق به وتنظيم أنفسهم في وحدات نظامية مع قيادة واضحة بحسب الرتب لا بحسب الانشقاق فقط فالثورة السورية لازالت، مع اﻷسف، في بداياتها.
في الجيوش العريقة، تتكون قيادة الجيش من قادة اﻷسلحة واﻷجهزة المختلفة وقادة الفرق الرئيسية. يجتمع هؤلاء بشكل دوري في ٳطار "هيئة أركان" الجيش. في الدول الديمقراطية، يرشح أعضاء هيئة اﻷركان أحدهم ليصبح قائداً للجيش، مع احترام التداول بين اﻷسلحة المختلفة، ولمدة معلومة. عادة ما يقدم أعضاء هيئة اﻷركان بما فيهم القائد المنتهية خدمته، اسمين أو أكثر للسلطة السياسية لكي تختار أحدهم.
في الحالة السورية، مالذي يمنع من تشكيل مجلس عسكري يحترم التراتبية العسكرية والتوزيع المناطقي ؟ لماذا لا يتم ٳنشاء مجلس عسكري أعلى وفق آلية واضحة وشفافة ؟ مثلاً، يتم ترشيح أرفع رتبة منشقة من كل واحدة من المحافظات السورية. هكذا سيضم المجلس أرفع ضابط منشق من كل محافظة وضابطين رفيعين للمحافظات المكتظة سكانياً مثل دمشق وحلب وريفهما وحمص. ٳن تساوت رتب الضباط اﻷمراء فبحسب اﻷقدمية وٳن تساوت اﻷقدمية فبحسب أولوية الانشقاق. نفس الشفافية التي ننتظرها من قائد الجيش يجب توفرها لدى كافة أعضاء المجلس، ٳن كان هؤلاء يخشون من انتقام اﻷسد فاﻷولى بهم أن يبقوا في بيوتهم ولا يتنطعوا للقيادة ولا ﻹرسال المقاتلين ٳلى المعارك حيث تنتظرهم الشهادة أو النصر.
سيكون هذا المجلس نواة "مجلس قيادة حرب التحرير السورية" وسيكون هذا أسوأ خبر يسمعه اﻷسد منذ بداية الثورة.
السوريون يستحقون أن يتنازل البعض عن كبرياء فارغة وعن أحلام عظمة ثمنها دماء أطفال سوريا وشهدائها اﻷبرياء.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر : الخميس 13 أيلول 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=82638:riad-assad&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات