تمهيد:
من المواضيع التي باتت من اهتمام المفكرين العرب والغرب موضوع الهوية ..!؟ فإذا كان الغرب يبحث عن هويته في الماضي فإننا نحن العرب نبحث عنها في خيالات المستقبل, وبالضبط في حلم العولمة؛ وفي أبعاده المختلفة. حيث أنقسم المهتمون بها بين مِؤيد ورافض, ومتشدد ومتساهل؛ ومتحفظ ومنفتح. كونها تشكل محكا مهما من شأنه أن يؤثر على الوعي الجماعي, والحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية ....حيث شاع هذا المصطلح في البداية مثل غيره من المصطلحات التي شاعت في هذه السنين الأخيرة مثل الحداثة, وما بعد الحداثة,وما بعد الاستدمار, وما بعد الإمبريالية وغيرها.
ولما كان الاغتراب واحد من الأسباب المؤدية إلى غياب هوية الفرد أو الجماعة في مجتمعاتنا المحلية أو الإقليمية؛ وهذا ما نلمسه من خلال أشكال تمظهرها في السلوك و الأفعال وفي بعض الأحيان حتى في الثقافة.
ومن هنا تأتي هذه المداخلة لتجيب على جملة من التساؤلات هي:
- ما معنى الهوية وما معنى الاغتراب؟ وما مدى تأصيلهما في المجتمع المحلي خصوصا والعربي على وجه العموم؟
- ما أسباب تشكل أزمة الهوية في ظل علاقتها بالاغتراب؟
- وما هي أهم نتائج هذا الاغتراب في الفعل والوعي الفردي أو الجماعي لدى المجتمعات المحلية والإقليمية؟
- هل انتهت تلك المخاطر؟ أم أنه يعاد إنتاجها من جديد من خلال تلامذة مستغربين؟
- وكيف يمكن للفرد والمجتمع المستنير أن يتصدى لتلك المخاطر ويكشف عن حقيقتها، وما هي الآفاق المتوخاة لمعالجة هذا السلوك الفردي والمجتمعي في ظل التنشئة السوسيولوجية الإيجابية ؟
و إذا كنا قد حددنا عنوان هذه المداخلة بـ : أزمة الهوية في ظل تحدي الاغتراب- مأزق وعي ومحنة شخصية ، فإن الاشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن نحدد في البداية مصطلحا ته الأساسية و التي التزمنا في تحديدها بمصطلحين أساسيين لضرورة تداولهما في مقدمة هذه المداخلة ؛ و هما مصطلح " الهوية " و "الاغتراب" .
- التأثيل المفاهيمي :
1- مفهوم الهوية:
1-1- في اللغة العربية:
- اسم الهوية وليس عربيا في أصله, وإنما أضطر إليه بعض المترجمين؛ فأشتق هذا الاسم من حرف الرباط أعني يدل عند العرب على ارتباط المحمول بالموضوع في جوهره, وهو حرف هو في قولهم: زيد حيوان أو إنسان.( 1 )
- كما هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب, والهوية السارية في جميع الموجودات ما إذا أخذ حقيقة الوجود لا بشرط شيء ولا بشرط لا بشيء. ( التعريفات الجرجاني)
1-2- في اللغة الفرنسية : (Identité - Identity –Identitas)
- هوية هذه الشخصية هو متطابقة ، وهي فريدة من نوعها ، على الرغم من أن العديد من المتصورات من نفس الطريقة.
- كما تعين وحدة علم النفس للفرد لديها شعور أن تظل مماثلة لنفسها من خلال تنوع الدول لأنه يعلمها الفرد رغم تعدد الموجودات.( 2 )
1-3- عند القدماء:
للهوية عندهم عدة معان وهي:
• التشخيص, والشخص نفسه,والوجود الخارجي, قالوا:« ما به الشيء هوهو باعتبار تحققه يسمى حقيقة وذاتا, وباعتبار تشخصه يسمى هوية, وإذا أحذ أكثر من هذا الاعتبار يسمى هوية ».
• « وقد سمي ما به الشيء هوهو ماهية إذا كان كليا كماهية الإنسان, وهوية إذا كان جزئيا
• كحقيقة زيد,وحقيقة إذا لم يعتبر كليته وجزئيته »؛ وقالوا:« الأمر المتعلق من حيث أنه معقول في جواب ماهو يسمى ماهية, ومن حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة؛ ومن حيث امتيازه عن الأعيان يسمى هوية, ومن حيث حمل اللوازم عليه يسمى ذاتا ». لذلك قيل إن: « الأحق باسم الهوية من كان وجود ذاته من نفسها, وهو المسمى بواجب الوجود؛ والمستلزم للقدم والبقاء ». ( كليات أبي البقاء)
وقريب من هذا المعنى قولهم: أن الهوية هي الوجود المحض الصريح المستوعب لكل كمال وجدي شهودي, قال الشاعر( 3 ) :
إن الهوية عين ذات الواحد رغم اختلاف قيم الحروف التي
ومن المحال ظهورها في شاهد تتقوم منها كما في العلاقة الجبرية
1-4- وللهوية عند المحدثون أربعة معان:
1 - تطلق على الشيء من جهة مما هو واحد كقولنا: أن الشيء الرئيس هو أبو علي أبن سينا, وتسمى هذه الهوية بالهوية العددية (Identité numérique ).
2 – تطلق الهوية على الشخص, أو على الموجود المشتبه بالإنسان , إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده؛ ومنه قولنا : هوية الأنا, وهوية الفاعل,وتسمى هذه الهوية بالهوية الشخصية (Identité personnelle ).
3 – الهوية صفة موضوعين من موضوعات الفكر إذا كان رغم اختلافهما في الزمان والمكان متشابهين في كيفيات واحدة؛ وتسمى هذه بالهوية الكيفية (Identité qualitative ), أو الهوية النوعية (Identité spécifique ).
4 – والهوية علاقة منطقية بين شيئين متحدين كالهوية الرياضية, والمساواة الجبرية التي تظل صادقة رغم اختلاف قيم الحروف التي تتقوم منها, كما في العلاقات الجبرية بين متساوين؛ التي تدل على وحدة الطرفين ويعبر عن هذه الهوية في المنطق الصوري برمز المساواة (=) كما في قولنا : (ب=ب) أو قولنا : الإنسان = حيوان ناطق.
أما في جبر المنطق الصوري فيعبر عن الهوية بهذا الرمز( Ξ ) كما في قولنا ( ب Ξ ب ) وهذا أصدق لأن الرمز ( = ) يدل على المساواة في الكم لا على اّلإتحاد بين الشيئين. ( 4 )
1-5- وفي الاصطلاح:
• نجد تعاريف متعددة حيث إن الفلاسفة وضعوا عدة مفاهيم منها:
قول الفارابي:« هوية الشيء, وعينيته, وتشخصه, وخصوصيته, ووجوده المنفرد له, كل واحد, وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته, وخصوصيته, ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيه اشتراك » ( 5 )
• مصدر صناعي من كاملة ( هو) للدلالة على أن الشيء هوهو, وليس غيره؛ أو بأنه هوهو لم يصير شيئا آخر؛ أو هي الذات الثابتة من خلال تغير أحوالها مثل هوية الأنا. ( 6 )
• وهناك مصطلح الهوية الجزئية: ( Identité partielle) يطلق اصطلاح الهوية الجزئية عند " لاروميغير"
) Discours sur l’identité dans le raisonnement Laromi-guière )
على قسم من العناصر التي يتألف منها الكل المشخص, ماديا كان أو نفسيا.
• كما نجد مفهوم أخر هو " فلسفة الهوية " ( philosophie de L’identité ) اصطلاح فلسفة الهوية على مذهب ( شيلينغ ) القائل بوحدة الطبيعة والفكر, ووحدة المثل الأعلى والواقع, وكل فلسفة من هذا القبيل, لأنها تجمع بينهما في وحدة لتنفصل, وترجعهما إلى شيء واحد هو المطلق.( 7 )
2 - مفهوم الاغتراب:
- ما معنى الاغتراب؟
2-1- لغويا (جنيالوجيا) :
أ - في المفهوم العامي :
للاغتراب عدة وجوه من المعاني والدلالات, فمنه الاغتراب عن الوطن إلى جهات بعيدة ونائية عنه, ومنه أيضا اغتراب المرء عن نفسه, وذلك حين يشعر المرء أنه يعيش غريبا بين أبناء مجتمعه, ومنه أيضا اغتراب المرء عن نفسه, وذلك حينما تنفصم عرى الوثائق بين الإنسان ونفسه، وهناك أيضا الاغتراب الذي ينفصم فيه الإنسان عن أهله وأصدقائه, ويهرب إلى مجتمعات أخرى بعيدة عنه من ناحية الصلات والقربى- والهروب هنا قد لا يكون زمكا نيا (ماديا) بقدر ما يكون(معنويا) – فيهرب إلى مجتمع آخر غير مجتمعه؛ وهنا تكون تأصيلية هذا المفهوم قريبة من إشكالية ومفهوم الهوية المتعددة في معانيه ومدلولاته .(8)
ب - في اللغة العربية :
والاغتراب لغة هو : " الغربة الاغتراب " تقول (تغرب) و (أغترب) بمعنى هو (غريب) و(غرب) بضمتين, والجمع (الغرباء), والغرباء أيضا الأباعد, و(التغريب) النفي عن البلد. و(أغرب) جاء بشيء غريب, وأغرب صار غريبا, (9) ويقال الغربة النزوح عن الوطن؛ و(غربت) الشمس تغرب غروبا: بعدت توارت في مغيبها. و(غرب) الشخص بالضم (غرابة) بعد عن وطنه, فهو (غريب) فعيل بمعنى فاعل, وجمعه (غرباء), و(غربته أنا تغريبا) فتغرب، وأغترب, و(وغرب بنفسه تغريبا): أيضا, و (أغرب): بالألف دخل في الغربة. (10)
وفي اللغة أيضا:«الاغتراب معناه الابتعاد عن الوط- أو البعد عن الأهل و الوطن-(11), وتوحي كلمة الغروب والاغتراب بالضعف والتلاشي فهي عكس النمو,الذي منه الانتماء؛ فتقول غربت شمس العمر إذا كانت المرحلة هي الشيخوخة, كما نلاحظ ارتباط الاغتراب أيضا بفقدان السند وبالتالي بالضعف, لأن الغريب ضعيف لا سند له من قرابة ينتمي إليها ولا ملجأ يحتمي به». (12)
ج- أما في اللغة الأجنبية: Alienation (E) (F) (Aliénation
- في الفرنسية:« في البداية هذا المصطلح يعني نقل الملكية القانونية من شخص لآخر». (13)
2-2- وفي الاصطلاح:
أرتئينا التركيز في هذه النقطة على علمين أساسيين لضرورة علاقتهما بالموضوع أكثر من العلوم الأخرى وهما علم النفس وعلم الاجتماع:
أ- في علم النفس:
- أوضحت الباحث " هوراني"_Horny _: « بأن الاغتراب يعبر عما يعانيه الفرد من انفصال عن ذاته حيث ينفصل الفرد عن مشاعره الخاصة ورغباته ومعتقداته وهو فقدان الإحساس بالوجود الفعال». (14)
- كما أوضح " أستوكلز"-Sokols-:« أن الاغتراب ينشأ من خبرات الفرد التي يمر بها مع نفسه ومع الآخرين, ولا تتصف بالتواصل والرضا ويصاحبها كثير من الأعراض مثل العزلة والإحساس بالتمرد والرفض و الانسحاب والخضوع». (15)
ب- في علم الاجتماع:
- يقول الباحث "منصور":« نجد أم المجتمع يحدد (الغريب) بأنه من لم يكن من أبنائه, وبالتالي فهو غير مرتبط بهم بقرابة أو أصرة فكرية ثقافية تشده إليهم. ولكن في المجال النفسي قد يكون الإنسان بين أهله وأبناء مجتمعه. ولكنه يشعر بأنه غريب بسب العوامل النفسية الداخلية, والتي هي انعكاس لما في المجتمع أولا ولما في جسمه من النواحي البيولوجية والفكرية المعقدة ثانيا ». (16)
تاريخياً (كرنولوجيا):
إن تتبعنا لمفهوم الاغتراب كفكرة أو كلمة نجدها وردت في قواميس ومعاجم وكلام العرب وعلم الفقه ...(17), وهو ما يؤكد لنا أن العرب قد تداولوا معنى الاغتراب قبل اتصالهم بالحضارة الغربية. (18)
وفي المعنى الحقوقي القديم تعني: بيع أو تنازل عن حق إلى شخص آخر. (19)
أما في المعنى الحديث و المعاصر فتعني: (20)
_ عند "هيجل:" «هو العالم الموضوعي الذي يمثل الروح المغتربة, وغاية الفلسفة إن تقهر الاغتراب عن طريق المعرفة وتقدم الوعي ».
- وعند "ماركس":« متأثر بـ "هيجل,فكرة أساسية, وتتلخص في أن يفقد الإنسان ذاته؛ و يصبح غريبا أمام نفسه تحت تأثير قوى معادية وإن كانت من صنعه كالأزمات والحروب, ففي الاغتراب يستنكر الإنسان أعماله ويفقد شخصيته؛ وفي ذلك ما يدفعه إلى الثورة لكي يستعيد كيانه ».
وللاغتراب في رأي "ماركس"صور شتى أهمها:
أ- الاغتراب الاقتصادي: وفيه تسود الرأسمالية, وتستولي طبقة خاصة على وسائل الإنتاج جميعها؛ وعلاجها يتم بتملك الطبقة العاملة لهذه الوسائل ويدفع الإنتاج دفعة قوية.
ب- الاغتراب الذهني: (Aliénation Mentale) مرض نفسي يحول سلوك المريض سلوكا سويا, وكأنه غريب عن مجتمعه , ولذلك يلجأ إلى عزله عنه.
- وبلغة الأدباء: هو مجاز حال المنتسب إلى آخر {مولى مملوك} كما يعبر على ذلك الفيلسوف "مونير" في كتاب"الروح":«أن الشخصانية جهد متواصل ، بحثا عن الأماكن الني يمكن فيها الانتصار الحاسم على كل الأشكال القمعية والأرتهانية , الاقتصادية والاجتماعية والفكروية؛ أن يؤدي إلى تحرير حقيقي للإنسان».(E-Mounier .Esprit.1946 .P13 ).
_ وبلغة علم النفس يعني: المصطلح الأشمل للتدليل اضطرابات الذهن العميقة "إنسلاب عقلي", إذ من الخطأ ومن الوجهة البيولوجية والاجتماعية أيضا تميز الأنسلاب العقلي بالقول أن الإنسان العقلي المعافى يكون متكيفا مع بيئته؛ بينما لا يكون المنسلب متكيفا معها, والأصح يقول "لالاند" في موسوعته الفلسفية:« اعتبار الصحة توافق أحكامنا واستدلالاتنا وأفكارنا وصورنا....مع العالم المادي والاجتماعي غير أن هذ التوافق لا يكون تاما أبدا, حتى عند السوي ذاته؛ إذ لا يوجد للتكيف الكامل. ومنه يمكن القول أن المنسابين أو المتغربين في اعتقادنا هم المبتعدين عن التكيف, إما بتجاوز نسقي ( مضطهدون أو غيورين), وأما بنقص في التماسك (مثارون مهووسون), وأما بتقلب العوامل النفسية ( أوجاع), و أما بالكبح والصد (معتوهون و أو متزنون بإفراط) كما قال الفيلسوف " دوماس" ». (21)
إن ظاهرة الاغتراب لترتبط بمكان ولازمان, وكونها وطيدة بالإنسان فإنها متعددة في أشكالها ومدلولاتها تعدد حالاته ومجتمعاته وثقافته ونذكر أهمها كما أشار لها الباحث " عادل محمد بن محمد العقيلي" في بحثه العلمي ( الاغتراب وعلاقته بالأمن النفسي- رسالة ماجستير, كلية الدراسات العليا , الرياض, جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية .السعودية,2004 ) وهي باختصار:
1 – الاغتراب المكاني.
2 – الاغتراب السياسي.
3 – الاغتراب الاجتماعي.
4 – الاغتراب العاطفي.
5 – الاغتراب النفسي.
6 – الاغتراب في الشعر.
7 – الاغتراب الوظيفي.
ومن خلال المفهوم العام اللغوي والاصطلاحي: ()
- نصل إلى المقصود عندنا من الاغتراب في مداخلتنا هذه: « هو الذي يدخل في إطار البعد عن الوطن, وما يحدثه هذا الاغتراب من أثر في نفس المتغرب سواء عليه؛ أو على أسرته الذين هم يشاركونه في نفس التبعات النفسية سواء أكانوا ممن يعيشون معه, أو منفصلين عنه في بلادهم، مما يفقده هويته الشخصية والجماعية».
- وبصيغة أخرى أكثر اختصار ودقة يمكن أن نقول: «الاغتراب ظاهرة من الظواهر الاجتماعية النسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان حسب المجتمع وتنتشر انتشارا ملموسا فقد تكون ظاهرة الاغتراب نفسيه أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية...».
- النظرة المتعمقة لعلاقة الهوية بالاغتراب:
1- أسباب تشكل أزمة الهوية في ظل تحدي الاغتراب:
تعتبر ظاهرة الاغتراب من الظواهر التي شغلت كثيرا من الفلاسفة والباحثين في كل العصور, وقد ركزت معظم الدراسات على النشأة التاريخية لظاهرة الاغتراب وأهملت الاهتمام بأسبابها لذا نذكر أهمها عنا في علاقتها بالمجتمع المحلي والإقليمي وهي كالآتي: (23)
• فقدان الشعور بالانتماء: للمجتمع سواء في الدين أو الجنس أو العرق أو السلالة ويصبح توحد معها, ولو أردنا مثالا الطالب(ة) الجامعي(ية) عندما يفقد (تفقد) الاعتزاز بالعزلة والوحدة والغربة عن نفسه (ها), وعن أسرته (تها)؛ وعن صديقه(تها) في الكلية...
• عدم الالتزام بمعايير المجتمع: قيمه عادته وتقاليده والعمل بشعار الميكافيلية .
• العجز الشخصي: في الوصول إلى النتائج التي يسعى لتحقيقيها.
• عدم الإحساس بالقيمة.
• فقدان الهدف: بمعنى عدم وضوح الأهداف وعدم القدرة على وضعها وعدم معرفة الغاية من وجوده.
• فقدان المعنى: أي عدم قدرته على فهم الواقع المحيط به, فلا يدرك معنى الحياة ولا ضرورة لوجوده؛ ولا يجد ما يعيش لأجله فتكون لديه عدم الرغبة في الحياة وهذا قد يستلزم الانتحار.
• طغيان العلم عن المادة: ولو أردنا مثالا عن ذلك (أستورد العلماء- النزوح والهجرة من أجل المال لا العلم). (24)
2- نتائج الاغتراب وتمظهراته:
- هل الاغتراب سلوكا سلبي أم منحرف؟ وهل المغترب رابح أم خاسر؟
للإجابة الموضوعية على هذا السؤال لا بد أن نضع الفوائد بمقابل الأضرار حتى نتعرف على حقيقية المغترب في شتى مجالاته من الأسرة حتى المؤسسة, ومن المجتمع المحلي إلى المجتمع الإقليمي؛ بل حتى الدولي إن صح القول.
2-1- فوائد الاغتراب: (25)
فوائد الاغتراب جمة ومتعددة, ولا نستطيع أن نحصيها لذا سنذكر أهمها وبشكل مختصر:
• الاغتراب بمفهومه الإيجابي يطلب يحث على السعي في طلب الرزق بمعنى تنقل وحركة وبركة, ومثل هذه المعايير يحث عليها القرآن الكريم يقول جلا وعلا: " فامشوا في الأرض في مناكبها وكلوا من رزقه".
• فقد كان العالم أو الفقيه أو الشاعر أو الأديب أو الجغرافي, يقطع فيافي الأرض؛ ويخاطر بنفسه أشد مخاطرة من أجل تحصيل العلم, والدليل ما تحويه الثقافة العربية الإسلامية من تراث علمي هائلا.
• يساهم في التعرف على المواطن الأخرى ويجلى فكر الإنسان ويرسم في داخله صورة حية عن واقع هذا البلد أو ذاك وكذلك الاستفادة وأخذ كل ما هو مقبول وجيد من ليضفه المتغرب إلى أرثه الأصلي من عادات أو تقاليد أو علوم...والعمل على إرثه الحضاري.
• تبادل المعلومات الثقافية, يكون إيجابيا في ظل قاعدة الانفتاح و الاستقلال.
• الاستفادة من المهارات والخبرات من خلال الاحتكاك بالجاليات المتنوعة.
• الاغتراب فائدة رئيسية هامة جدا في حياة البشر, إنها تلك الفائدة المادية التي هي عصب الحياة ولن يستطيع أن يطمئن الإنسان لحاضره أو مستقبله في خالة غياب هذا العنصر عن جيبه.
- فكيف حال المغترب يا ترى؟ وكيف حال من هم في مجتمعنا أيضا؟
2-2- 2-2- أضرار الاغتراب: (26)
سيكون الكلام هنا من ناحية علاقة أسرة المغترب في بلاد الاغتراب, ومن ناحية علاقته بباقي أفراد عائلته؛ أو أقربائه في وطنه:
• الذي يعاني الاغتراب لا تكون شخصيته سوية لتعدد صور الإحباط لديه, ومع مرور الزمن لا تصبح تهمه الوقائع الثابتة, والحقائق الصحيحة وعليه تكون أزمة فقدان الهوية (الأنا) – سواء تعلق بنواحي شخصيته؛ أو نواحي الأمور الشخصية الأخرى, مما يسفر على طمس شخصيته وعدم الوعي الكامل بمشاكله وعدم التركيز والبحث على عل ثابت يقاس على أساس من المعيار الخلقي الشامل.
• عدم تمكن المغترب من ممارسة فكره بحرية تامة، أو الكشف على ثقافته الواسعة سواء كانت هذه الثقافة علمية أو سياسية أو اجتماعية.
• الانزواء في دائرة من الكبت والحرمان الثقافي والانغلاق على نفسه منطويا تحت ظلها القاتم مثل ( الحرمان النفسي – الحرمان السياسي- الحرمان الثقافي- الحرمان الفكري وحرمان حق ممارسة بعض الحريات الأخرى..).
• انعكاس المشاكل التي يعانيها المغترب على جميع أفراد أسرته لا على نفسه فقط, بل حتى في الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسة..بل حتى في المجتمع ذاته.
• ومن ناحية أقربائه في وطنه فقد تكون علاقته قوية وراسخة مبنية على أسس قوية من التعاون والتفاهم والوضوح إذا بقية شخصية المغترب متزنة ومتماسكة بأصول هويتها الأصيلة, والعكس صحيح.
• خطر الاغتراب لا يقع على الأسرة وحدها أو الفرد وإنما يتجاوز هذا الخطر لبعض أرجاء المجتمع قاطبة.
• اغتراب الشباب: مثل (اغتراب طلبة الجامعة والمدارس لا سيما في فترة الستينيات من القرن الماضي, حيث شهدت انتفاضات طلابية في أرجاء العالم المتقدم والنامي ؛ وبقدر ما أثار تدهور القيم من قلق لدى الباحثين والمفكرين في أوروبا وأمريكا ودليل ذلك ما كتبه الباحث "كينستون" من خلال نظريته غن الاغتراب لدى الشباب في كتابه " اللاملتزم اغتراب الشباب في المجتمع الأمريكي" ) – فكيف عن المغترب في مجتمعنا المحلي والإقليمي في أسرته ومدرسته بل حتى في ثقافته في أبعد حدودها المعرفية و القيمية بل حتى في لبسه وطريقة عيشه وتعامله مع الآخرين في محيطه. (27)
• الاغتراب وظاهرة الإرهاب في عصر العولمة: أن ما يشعر به المغترب من خلال الأسباب التي أشرنا إليها آنفا يجعله عرضة للانحراف عن الطريق المستقيم, ويكون أسرع في تقبل ما يقال ويعرض عليه إذا وجدت لدى الفرد, ومن ضمن ذلك الإرهاب الذي هو مشكلة العصر الحاضر وذلك يؤثر على المجتمع ككل؛ وعلى العالم كله.
• ويقول الباحث "عبد المنعم محمد بدر": « من المتوقع أن يزداد الاغتراب من الفرد في مرحلة الانتقال من عصر ما قبل العولمة إلى عصر العولمة الذي هو في إرهاصاته الأولى فالمجتمعات الآن تنتقل من تقليدها إلى تقاليدها التي عاشتها طويلا إلى حال جديد من عليها ». (28)
– فأين حالة الستينات التي كان عليها المجتمع المحلي والإقليمي وكيف هي اليوم؟
• لذا فمجتمعاتنا اليوم تعرف ما يسمى "بالاغتراب الثقافي" (Cultural Estrainagement) حيث تخشوا الغزو الثقافي , وتشعر أحيانا بالضياع ؛ وقد تجد المجتمعات نفسها إما في حالة اغتراب أو أنها تنبهر بوسائل الغزو الثقافي فتتمثله (Assinilation), ومن ثم تتقبله(اغتراب التمثل) وهذا ما يشهد مجتمعنا المحلي خصوصا والإقليمي بوجه عام؛ وإذا قاومه فهو يعيش حالة " الصراع الثقافي" (Cultural Conflict). (29)
• كما أن الاغتراب يتمثل في غياب المعايير(Normlessness) أو ضعفها أو اهتزازها في المجتمع وأفراده. (30)
• اغتراب " انعدام السلطة " (Powerlessness), أو نقص وضعف القوة (Social Power) أحساس الشخص بأنه لا حول ولا قوة. (31)
• وفي شكل آخر يعيش نوعا من " العزلة " (Isolation) في شكليها الاجتماعي والنفسي. (32)
- آليات لعلاج الاغتراب على الصعيد المحلي والإقليمي:
• فيما يخص الاغتراب والشباب لا سيما وجود فروق في ظاهرة الاغتراب عند طلبة الجامعة تبعا للكلية والتخصص الأكاديمي توفير المرشد الأكاديمي المؤهل لمساعدة الطلاب ومحاولة حل مشاكلهم, وتسهيل العقبات التي يواجهونها ويعترضونا لها, مع توفير الأخصائي الاجتماعي المؤهل أيضا. مع توفير الأخصائي نفساني المؤهل لمساعدة الطلاب و الأفراد في حل مشاكلهم النفسية.
• تكاثف الجهود بين مؤسسات الدولة والجامعات لوفير الرعاية الصحية والنفسية, وعلاج الحالات التي تحتاج إلى العلاج فورا؛ ودون تأخر في توجيهيهم وعلاجهم.
• نظرا لوجود اغتراب بين الطلاب نرى الاهتمام بالمحضرات والندوات, وعقد اللقاءات الدينية بهدف تحقيق الطمأنينة.
• ضرورة المتابعة للأفراد وإجراء برمج واختبارات علمية حديثة سنويا لمعرفة مستوى شعور طلاب الجامعات بالاغتراب, وتوجيههم بالحلول المناسبة لتخفيف من آثاره.
• أن نكون دراسات وأبحاث علمية , ووضع مناهج في الجامعات والمدارس كي يتفهم أي إنسان واقعه وموقعه حين تضطره الظروف للهجرة والاغتراب.
خاتمة:
من خلال طرحنا لفكرة الهوية وعلاقتها الجدلية بالاغتراب فيما سبق, نصل إلى أن العلاقة بينهما علاقة تلازم عكسي، رغم القلق الذي يعرفه كلا المصطلحين في العصر الراهن؛ إذ نجد أن أضرار الاغتراب المتسببة في أزمة الهوية والكيان الشخصي والجماعي (الأنا الفردي – والأنا الجمعي) قد طالت الإنسان والأسرة؛ ولكنها لا تقف عند هذا الحد فقط, بل امتدت لتشمل الأمور المعنوية والنفسية والمادية والاقتصادية ...وهذا الأمر الذي قد أبثته أزمة الهوية في العصر الراهن المحدث للخسران المادي والمعنوي. ومنه يبقى " الاغتراب الديني" هو مطلبنا الوحيد في علاج أزمة الهوية التي يبحث المجتمع المحلي والإقليمي على حلها في خيالات العولمة ومستقبلها, في حين تفطن الغرب لأزمة هويته وراح يبحث عنها في ماضيه العريق .
- فهل يمكن اعتبار" المدرسة الصوفية " المخرج الوحيد في ظل التمسك بـ "الاغتراب الديني " كحل للأزمة الهوية في مجتمعاتنا المحلية والإقليمية؟ وإن أمكن فكيف يكون ذلك؟ أم أن " صراع الحضارات " الذي يطرح نفسه في العصر الحالي أكثر يقينية على بطلان ذلك؟
الإحالات و الهوامش:
1- ابن رشد, تفسير ما بعد الطبيعة, ص 557
2 - Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de philosophie. Gérard Durozoi-André Roussel .Nathan. imprime en France par I.M.E 2003 ,P.195 .
3- صليبا جميل, المعجم الفلسفي, دارا لكتاب اللبناني, ج 2, بيروت, 1972, ص 529-532.
4- المرجع نفسه, ص529 وما بعدها.
5– المرجع نفسه, الصفحة نفسها.
6– يعقوبي محمود, معجم الفلسفة, الميزان للنشر والتوزيع, ط2, الجزائر, 1973, ص 174.
7- صليبا جميل, مرجع سابق, ص 532.
8 - طالب ياسين، الاغتراب – تحليل اجتماعي ونفسي لأحوال المغتربين وأوضاعهم, المكتبة الوطنية, ط1, عمان , 1992, ص 09.
9 - الرازي محمد بن أبي بكر, محتار الصحاح, دائرة المعاجم, مكتبة لبنان, دط, ص 197 .
10 - الفيومي أحمد بن محمد بن علي المقري, المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي, مطبعة البابي الحلبى وأولاده، مصر ص96.
11 - إبراهيم مذكور, المعجم الفلسفي, الهيئة العامة للشؤون المطابع الأميرية, دط, 1983, ص16
12 - الفيومي أحمد بن محمد بن علي المقري, المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي,ص 96.
13-Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de philosophie.P13.
14 – المالكي سليمان عطية حمدان, العلاقة بين الاغتراب النفسي وبعض المتغيرات المتعلقة به لدى طلاب وطالبات جامعة أم القرى بمكة المكرمة, رسالة ماجستير, غير منشورة ، جامعة أم القرى _ السعودية.
15- المرجع نفسه.
16 – منصور حسن عبد الرزاق, الانتماء والاغتراب- دراسة تحليلية ,دار جرش للنشر والتوزيع, 1989 ,ص19 .
17- راجع, الهجرة والاغتراب – تأسيس فقهي لمشكاة اللجوء والهجرة, لـ: عادل القاضي، مؤسسة العارف للمطبوعات, بيروت, ط1, 1999. نفاضة الجراب في علالة الاغتراب, لـ: لسان الدين الخطيب، وغرائب الاغتراب, لـ: الآلوسي.
18- طاب ياسين, الاغتراب, ص 10 .
19- أندريه لالاند, الموسوعة الفلسفية,المجلد الأول , منشورات عويدات, تع: خليل أحمد خليل وأحمد عويدات,ط2, بيروت-باريس, 2001, ص 43.راجع أيضا:
20- إبراهيم مذكور, المعجم الفلسفي, ص16.
21- أندريه لالاند, الموسوعة الفلسفية, ص 43.
22- () – الباحث.
23- عادل محمد بن محمد العقيلي, الاغتراب وعلاقته بالأمن النفسي, دراسة ميدانية على عينة من طلاب جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بمدينة الرياض, رسالة ماجستير, جامعة نايف العربية للعلوم الإسلامية , كلية الدراسات العليا,السعودية, 2004, ص 13 وما بعدها.
24- طالب ياسين، الاغتراب – تحليل اجتماعي ونفسي لأحوال المغتربين وأوضاعهم, ص15.
25- المرجع نفسه, ص (119-138).
26- طالب ياسين، الاغتراب – تحليل اجتماعي ونفسي لأحوال المغتربين وأوضاعهم, ص(139-146).
27 – 27 – Keniston .K .the Uncommitted Aliented: Youth in American society. Harcout. Brace ET word I N.C. N. P.495.1965.
28- 32- بدر عبد المنعم محمد, الاغتراب وانحراف الشباب العربي, المجلة العربية لدراسات الأمنية, المجلد 8, العدد6, ص (81-106).
هذه المداخلة قدمت أوراقها في الملتقى الدولي الأول حول:- الهوية والمجالات الاجتماعية في التحولات السوسيوثقافية في المجتمع الجزائري– المنظم من طرف كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية – بجامعة ورقلة – الجزائر – أيام :27-28-أكتوبر2010 .
بقلم:
أ.ناجم مولاي
جامعة عمار ثليجي بالأغواط
قسم علم الاجتماع والديموغرافيـــا
التعليقات (0)