1
في يوم اﻷربعاء الحادي والعشرون من آب 2013 انتقل نظام العصابة في دمشق من القتل بالجملة ٳلى اﻹبادة الجماعية الموجهة حصراً نحو الطائفة السنية التي تشكل أكثر من 70 في المائة من النسيج الوطني السوري.
يمكن توصيف هذه الجريمة بأنها عملية ٳبادة للجنس البشري من ذات مستوى المحرقة الهتلرية و"أنفال" صدام. لكن من غير الممكن فصل هذه الجريمة عن اﻹطار الذي وقعت به وهو "الخناقة" الباردة بين "أزعر" موسكو من جهة والرئيس "اوباما" من جهة أخرى.
من المؤكد أن استعمال هذا السلاح من قبل زبانية اﻷسد تم بضوء أخضر روسي وربما حتى دون ٳعلام الرئيس الوريث الذي بالكاد "يسيطر" على غرفة نومه، تماماً كما سبق للروس وأن قاموا بٳسقاط الفانتوم التركية العام الماضي قرب اسكندرون متجاوزين سلسلة القيادة السورية بالكامل.
بعد السياسة الارتجالية والمتهورة للسيد "جورج بوش" الابن، جاء الرئيس اﻷسمر بهدف أسمى هو "ٳعادة الجنود ٳلى الوطن" واختار من أجل ذلك سياسة التهادن مع "محور الشر" وحتى التعاون في بعض الحالات. من أجل ٳنجاح مشاريعه "الفرارية" قام "اوباما" بتسليم مفاتيح العراق بالكامل للولي الفقيه وخرج لايلوي على شيء.
من أجل الخروج من "أفغانستان" والاكتفاء بضربات الطائرات دون طيار هناك والتي تقتل دون تمييز وبالجملة من مواطني أفغانستان وباكستان، وجد الرئيس اﻷسمر نفسه في ورطة مع الباكستانيين الذين احتجوا على القصف اﻷمريكي المتكرر ﻷراضيهم وقاموا بقطع اﻹمدادات عن قوات "الناتو" في أفغانستان...لكي لا "يتشرشح" اﻷمريكيون هناك، كان "العم بوتين" جاهزاً ﻹعطاء الحلول المرضية و"بالثمن المناسب" فلا شيء مجاني في "دكان" السيد "فلاديمير". أصبح خط اﻹمداد للقوات اﻷمريكية، وخط الانسحاب الممكن، يمر عبر "موسكو" والجمهوريات السوفييتية السابقة. هكذا أوقع الرئيس اﻷسمر نفسه، في فخ انتهازيته، وأصبح رهينة في يد "أزعر الحارة" بوتين.
هذا الوصف اﻷخير ليس من عندي، بل هو ترجمة للوصف الذي استعمله "اوباما" نفسه حين شبه سيد الكرملين " بالطالب الكسول في آخر الصف والذي يزعج الآخرين بزعرناته".
في أفغانستان، لا أحد يريد للأمريكيين أن يرحلوا، لاباكستان ولا ٳيران وخاصة الروسز رحيل جنود العم سام سيعني أن المواجهة المقبلة ستكون بين "طالبان" الموحدة وعسكر "ٳسلام آباد" دون وجود "العازل" اﻷمريكي وفي غياب البعبع القاعدي الذي كان "باب رزق" للجميع.
ٳيران سوف تفقد رافعة ضغط تؤثر بها على العم سام عبر علاقاتها ووساطاتها مع زعماء طالبان وعبر "نفوذها" على شيعة أفغانستان وباكستان.
الروس سوف يكونون الخاسر اﻷكبر من الانسحاب اﻷمريكي من أفغانستان، ليس فقط ﻷن هذا الانسحاب سوف يغلق "باب الرزق" الذي افتتحوه مع اﻷمريكيين ولكن ﻷن الانسحاب اﻷمريكي سيضع الروس عبر الجمهوريات اﻹسلامية السوفييتية الخاضعة لهم، في مواجهة مباشرة ليس فقط مع طالبان بل مع الحراك الجهادي اﻹسلامي العالمي الذي يعتبر أن الروس وبوتين هم "العدو" اﻷكبر للٳسلام السني وهم من "برقبتهم" مئات الآلاف من المسلمين منذ أفغانستان وحتى الشام مروراً بالشيشان الذبيحة.
المواجهة المباشرة بين اﻹسلام الجهادي والروس لن يكون من الممكن حصرها في ٳطار "القاعدة" ذات البوصلة اﻹيرانية والتي لم تواجه العدو الروسي اﻹيراني ولو لمرة واحدة وستكون حلقة في "جهاد اﻷمة" الذي افتتح في الشام. الانتقال من "الجهاد النخبوي" عبر التنظيمات الجهادية والسلفية وعبر "القاعدة" التي تحصر هذا الجهاد "باﻷمريكيين" ٳلى "جهاد اﻷمة" سيكون تغييراً شاملاً في الموازين ولن يكون وارداً استمرار أمراء القاعدة المختبئين في ٳيران في توجيه الٳسلام الجهادي ضد اﻷمريكيين حصراً رغم أن هؤلاء قد أنقذوا المسلمين "السنة" في أفغانستان في الثمانينات وفي البوسنة وكوسوفو وساهموا في تحرير ليبيا ولو بشكل متواضع.
مشكلة بوتين أن "جهاد اﻷمة" الشامل سيلغي "تفويض" القاعدة الجهادي وسسيضع كل المسلمين السنة أمام مسؤولياتهم ويترك لهم تحديد "العدو"؟ ليس أكيداً أن الكثرة الغالبة من الجهاديين ستختار معاداة أمريكا وتتناسى العدوين اﻹيراني وخاصة الروسي، هذا على المستوى النظري على اﻷقل.
من وجهة النظر هذه تبدو الضربة الكيماوية استثماراً رابحاً "ﻷزعر" الكرملين على الجبهات فبٳمكانه الاستمرار في ٳيهام العرب والمسلمين أن مشكلتهم هي "مع أوباما الذي يمنع السلاح عن المعارضة السورية" و"لا يحترم خطوطه الحمر" ومع ٳسرائيل "التي تريد الحفاظ على أجيرها في دمشق ﻷنه يحمي احتلالها في الجولان" وفي نفس الوقت يقوم بالتمويه على حقيقة أن اﻷسلحة التي تقتل السوريين هي أسلحة روسية يشغلها خبراء روس...
يبدو قرار استعمال الكيماوي روسياً بامتياز بدلالة التواطؤالروسي في مجلس اﻷمنو فنظام اﻷسد يترنح ولكنه ليس في وارد السقوط بعد. قد يكون ٳعدام عقيد ومجموعة من ضباط الصف في مطار المزة بعد يوم من القصف بالكيماوي بتهمة الخيانة تعبيراً عن غضب اﻷسد لتعاون هؤلاء المفترض مع الروس.
لا نقول أن اﻷسد "لايفعلها" فهو سبق له وأن استعمل الكيماوي ﻷغراض تكتيكية ولا مصلحة للنظام الآن في استعمال سلاح يوم القيامة في وجود خبراء دوليين وحين يكون الرئيس اﻷسمر "محكوراً" في الزاوية بسبب تخاذله. ليس لنظام اﻷسد أي سبب للتحرش بالرئيس اﻷسمر "المسالم" و"المساير". ولا يريد اﻷسد الذي حاول تجنب المجازر الواسعة وصور جثث اﻷطفال ٳحراج السيد "اوباما" وفضح عجزه. ٳيران الراكضة وراء قنبلتها النووية، هي أيضاً مرتاحة لسياسة الرئيس "اوباما" القائمة على مبدأي "العلاك"و "الفرار".
في المقابل، لدى "بوتين" كل اﻷسباب للتحرش بالرئيس "اوباما" الذي وجد نفسه في النهاية، باستعمال ذات القاموس "المدرسي" الذي يحبه قاطن البيت اﻷبيض، في دور "أبله الصف": عضلات قوية مع "مخ" فارغ وٳرادة مشلولة.
هل يستدعي "بوتين" تدخلاً أمريكياً فاعلاً في سوريا؟ يبدو الرد ٳيجابياً بحسب المعطيات المتوافرة، ففي مثل هذا التدخلو الخير كله للروس الذين فقدوا كل أمل في لعب دور مستقبلي ليس فقط في سوريا بل لدى كل بلد عربي لديه ذرة من احترام الذات.
التدخل اﻷمريكي سيكون خارج مجلس اﻷمن بفضل الفيتو "المزدوج" على وزن الكيماوي المزدوج، وسيسمح لبوتين "بالجعير" ضد "التدخل اﻷمريكي واحتلال بلد مستقل لتغيير نظامه بالقوة". أي ضربة أمريكية لسوريا، ولو للحد من دموية اﻷسد، ستسمح لقاطن الكرملين بالقول "هاهي أمريكا تغزو بلداً عربياً مسلماً آخر" واﻷكيد أن الجماهير التي لاتقرأ ولا تتابع اﻷحداث وتكتفي بردات الفعل العفوية لن ترى اللعبة الروسية وفي النهاية سوف تتأجج المشاعر المعادية ﻷمريكا حتى لو قام اﻷمريكيون يتحرير السوريين من نير اﻷسد والولي الفقيه. أليس هذا ما حصل في العراق بعد تخليص العراقيين من صدام؟
التدخل اﻷمريكي البري سيكون "فاتحة خير" على بوتين الذي يريد ٳغراق اﻷمريكيين في مستنقع جديد بدل أفغانستان مما يعني استمرار العم سام في مقاتلة اﻹسلام الجهادي ويسمح لبوتين بالاستمرار في تقديم خدماته مدفوعة الثمن.
أيضاً التدخل الغربي سوف يكون في مصلحة أطراف داخل نظام اﻷسد تبحث عن مخرج من اﻷزمة وتعتبر أن التدخل اﻷمريكي سوف يكون أرحم من الهزيمة ومن مواجهة غضبة السوريين فاﻷمريكيون سيقومون بحماية "اﻷقليات" ومنها طائفة اﻷسد.
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/08/82749/
التعليقات (0)