مواضيع اليوم

أبشّركم باستعمار إنساني!

محمد ياسين رحمة

2016-01-19 14:07:25

0

 

 

 
 
أبحث عن صوتي في خيبات هذا العالم المجنون وضجيجه المفزع، فلا أسمعني، ولا أجد لغة تقولني، لغة سليمة من الأمراض النفسية ومن ضوضاء الحروف المزيدة والحروف المستعجلة التي التهمها اقتصاد الكتابة.. أبدا، ليس هذا صوتي، ولا أتحمّل مسؤولية الآراء التي تتدفّق مني فتكتبني خلسة عنّي.
في هذه اللحظة، أزعم أنني في حالة وعي الوعي وحاضر في ذاتي بقواي العقلية والنفسية في طبعتها الأصلية غير المزيدة والمنقّحة. وأعتقد أن ما يُفلت منّي الآن هو صوتي الحقيقي الذي جال في جيوب التاريخ وساح على تضاريس الجغرافيا وشرب قهوة العصر مع جدّتي واستمع إلى موشّح ' جادك الغيـث' في ليلة قمراء ليس في سماواتها أقمار اصطناعية تضج بالأخبار.
في حالة وعي الوعي هذه، أقرّ بأنني أتحمّل مسؤولية هذا الرأي الذي أكتبه بصوتي وبلغتي. وأغتنم هذه اللحظة التي قد لا تتكرّر، كي أعترف أنني في معظم أوقات يومياتي أكون في حالة وعي اللاوعي، أو ذاك الوعي المُصطنع الذي تشكّل من رسوبيات ما يتدفّق في دخليتني كل دقيقة، من أخبار أتلقّفها - رغما عني- ولا أملك قدرة على صدّها أو رفض استقبالها.. فقد أحدثت القنوات الفضائية والوسائط الإعلامية وفضاءات الإنترنت.. ثقوبا في جدار دخيلتي لم يعد في وسعي سدّها.
لقد أفرغوني من المحتوى الأصلي لذاتي ثم ملؤوني بمحتويات أخرى، لقد أعادوا تأثيث أعماقي وزرعوا ديكورا جديدا فيه نافورة للإنسانية وستائر للحرية وأرائك للديمقراطية وكراس للـــعدالة وسرير للفضيلة، ولم يفتهم أن يُعطــــــّروا أعمـــــاقي بعطــــر المواطن العالمي.
فصرت ذلك الأنا الذي لا يشبهني، الأنا المزيّف الذي يعرف كل شيء ولا يعرف شيئا، ذلك الأنا الفقيه والسياسي والاقتصاديّ والفنان والناقد.. وكلما استوقتُني على صفحتي الفيسبوكية، أقــــــرأني ذلك 'العارف' الذي يسفّه ويجرّم ويحاكم ويدين.. ولا ينسى أن يكتب ما يُسمّيه شــــعرا، فتأتيه الردود: أيها الشاعر الجميل، مزيدا من الإبداع.
ولكن في لحظة وعي الوعي أدرك أنني مجرد بيدق في لعبة استغباء واستبغال وتدجين.. ربما هي لعبة استعمار جديد ينطلق من أعماقي أولاّ، فيحوّلني إلى كائن بشريّ قابل للفرمطة والبرمجة، أو لنقل، يحوّلني إلى مواطن عالميّ مسكون بغواية المصطلحات (ديمقراطية، عدالة، حرية)، ويقنعني بانقلاب المفاهيم والقيم، فذلك الذي قتّل أجدادي ونهب ثرواتي، هو اليوم من يحرّرني ويضحّي كي يهبني ' إنسانيتي'.. وأما من أسهم في تحرير أرضي فهو الخائن المجرم...
في لحظة وعي الوعي هذه التي قد لن تعاودني، ، أبشّركم بالاستعمار الإنساني الجديد وأعلنها: أبدا ليس هذا صوتي، وهذا المواطن العالمي الذي صرتُه، هو كائن بشريّ يشبهني، مُبرمج كي يكون الوطنّي الذي يرهن وطنه أو يبيعه بكل حرية وديمقراطية ومحبّة.



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات