«سارة» قصة قصيرة للقاص موسى الثنيان كاتب فيلم «بقايا طعام» الحائز على عدة جوائز.. وتُعد القصة «سارة» رائعة من روائع الكاتب موسى لعمق وتعدد ما تحمل بين طياتها من مضامين..
فظاهر القصة يحكي وضعاً إنسانياً لطفلة تعيش ظروفاً صعبة بين معاناة الفقر والبؤس وغياب الوالد الحنون وهذا ما أشارت إليه التعابير «ثوبها الأزرق القديم، فراشها الخشبي المهترئ والكيس الصوفي العتيق المثقوب..» فكانت تخرج من قسوة الحياة إلى عالم حلمها الواسع.. حيث التمني والأمل والسعادة..
أما جوهر القصة وهو الأهم.. ذلك لإيماننا بأن القصة فن صعب جداً لما لها من المقدرة على اختزان معاني بداخلها وهي تقوم بإعادة تكويــن الحدث وإبرازه كحدث حي ومدهش للمتلقي وهذا يرجع إلى مهارة الكاتب، وتمكنه من اللغة السردية، وعلى إسقاطه للمعاني التي تخدم موضوعه باحتراف، والقاص يستطيع إخفاء ما يريد قوله خلف سطوره القليلة، بينما يرى القارئ أمامه عدة تأويلات للنص، فالقاص ليست مهمته القول فقط كما نتصور إنما كيف يقول فالقصة تكمن أهميتها في كشفها لضمير المجتمع والمسكوت عنه وقصة سارة نقرؤها قراءة جوهرية إذ أنها تحمل عدة محاور ولعل أبرزها تجسيد فلسفة الانتظار وبتعبير أصح عمومية فكرة انتظار المصلح والمنقذ وكأن الكاتب أرد القول حتى الأطفال ينتظرون شخصاً ما ينشر عليهم السعادة والأمان ولكن وفق إدراكهم ورؤيتهم المحدودة.. وربما أراد الكاتب هنا وببراعة أن يعكس من خلال الطفولة البريئة الفطرة النقية للإنسان والتي تؤمن بوجود هذا الشخص العادل الذي سينتشلهم من عالم الشقاء والفقر والبؤس.. فالطفولة لا تعرف التعصب أو الانتماء لدين أو مذهب معين.. بل تنتظر ببراءة لا متناهية وتمزج بين طقوس متعددة ولكن الغاية واحدة فهي تخرج للقريقعان وفي ذات الوقت تنتظر قدوم بابا نويل ليقدم لها هديتها..!
وهنا لفتة رائعة من الكاتب في ربط الأحداث ببراعة لدعم الفكرة «عمومية انتظار المصلح» فبابا نويل شخصية تعود لقديس كان يوزع الطعام على الفقراء والمساكين دون أن يعرفوه وله جذور تاريخية عند المسيحيين وله ارتباط بعيد رأس السنة الميلادية والتي فيها تقام احتفالات ذكرى ميلاد المسيح الذي يُعد هو المصلح والمنتظر بالنسبة للمسيحيين.. وفي مستهل القصة ربط الكاتب بعدها الزمني بالقريقعان والذي يمثل ليلة المنتصف من شهر شعبان حيث ذكرى ولادة المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف... وهو المصلح الذي تنتظره الأمة الإسلامية.. فالانتظار لا يختص بعقيدة أو دين محدد بل أن انتظار المصلح فكرة تعم الأديان المختلفة..
في القصة تبقى الصغيرة سارة في الظلام إلا من ضوء الشموع.. ولعله العالم المظلم بين سطوة الطواغيت والجبابرة حيث ينتشر الظلم والفساد ويجوب العالم.. وللقلوب المنكسرة أمل الانتظار يضيء لهم كضوء الشموع له مدة زمنية مؤقتة وينفد وبنفاد هذا الشمع ينفلق عمود الصبح وتنتفي الحاجة للشموع.. والهدية المتدلية هي الفرج المتدلي وتدليه تعبير عن قربه..
أيضاً أرد الكاتب التعبير من خلال الكيس الصوفي المثقوب عن ألام الفقراء والمحرومين والمساكين وما يحيط بهم من محن وبلايا وكأنه أرد القول لهم.. "كلما اتسع الثقب كلما تدلت الهدية وكلما اشتدت المحن كلما قارب الفرج.. "
ننتهي من حيث بدأت القصة وذلك عند عنوانها.. فلماذا اسم «سارة» بالذات هل أن ذلك عبثاً..؟!!
لا أظن.. فسارة.. من السرور.. والمصلح سينشر السرور والسعادة في هذا الكون..
وكذلك سارة من السر والكتمان والمنتظر أمره بيد الله عز وجل مكتوم لا يعلمه غيره..
سارة أيضاً تعني البقية الباقية.. والمنتظر هو بقية الله في أرضه..
ولعله معنى آخر...
مذهل هذا الاختيار للعنوان الذي اختزل محور النص وحمل عدة معاني كلها تلائمت ومضمون القصة.. إنه الإبداع حينما يقل نظيره...!
أتمنى رؤية هذا النص على خشبة المسرح أو فيلماً قصيراً خلف أضواء الشاشة خصوصاً ضمن المهرجانات والاحتفالات المنعقدة في مناسبة ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه.. فهو يحمل بين طياته الكثير..
لقراءة القصة..
http://r100.webhop.net/artc.php?id=45178
التعليقات (0)