مواضيع اليوم

ماهي البوذيه وبماذا يؤمنون

مي عبد الحفيظ عباس

2019-11-11 18:01:20

0

البوذية هي إحدى ديانات العالم الكبرى من ناحية عدد أتباعها وتوزيعهم الجغرافي وتأثيرهم الثقافي والإجتماعي. بينما البوذية هي ديانة "شرقية" إلى حد كبير إلا أن تأثيرها وإنتشارها آخذ في الإزدياد في العالم الغربي. إنها ديانة عالمية مميزة، إلا أنها تشترك مع الهندوسية في الإيمان بالكارما (أخلاقيات السبب والنتيجة)، والمايا (طبيعة العالم غير الواقعية)، والسامسارا (دورة الحياة وإعادة الحياة). يؤمن البوذيون أن الهدف الأسمى في الحياة هو الوصول الى "التنوير" كما يرونه.

ولد مؤسس البوذية، سيدهارتا جواتاما في العائلة المالكة في الهند حوالى عام 600 قبل الميلاد. وكما تحكي القصة، عاش فى رخاء وتنعم، ولم يتعرض كثيراً للعالم الخارجي. فقد كان هدف والديه أن يبعدوه عن تأثير التدين ويحموه من الألم والمعاناة. ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن يخترق مخبأه، ورأي رؤى عن رجل كبير السن، ورجل مريض، وجثة. وكانت الرؤيا الرابعة لراهب مسالم زاهد (شخص يرفض الرفاهية والراحة). وعندما رأى السلام الذي يغمر الراهب قرر أن يصبح هو أيضاً زاهداً. ترك حياة الغنى والجاه ليسعى وراء التنوير من خلال التقشف. وقد برع في هذا الشكل من إذلال الذات والتأمل العميق. كان قائداً في وسط زملائه. وفي النهاية وصلت جهوده إلى فعل نهائي. فقد "أمتع" نفسه بطبق من الأرز ثم جلس تحت شجرة تين (تسمى أيضاً شجرة بوذا) لكي يتأمل حتى يصل إلى "الإستنارة" أو يموت محاولاً الوصول إليها. بالرغم من التجارب والإغراءات، إلا أنه وصل إلى الإستنارة مع صباح اليوم التالي. وبهذا صار يعرف بأنه "الشخص المستنير" أو "بوذا". أخذ بوذا ما وصل اليه من إدراك جديد وأخذ يعلم زملائه من الرهبان الذين كان قد أصبح له تأثير كبير في وسطهم. وأصبح خمسة من زملائه أول تلاميذ له.

ما الذي إكتشفه جواتاما؟ إكتشف أن الإستنارة تكون في "الطريق الوسط"، ليس في الإنغماس في الرفاهية وكذلك ليس في تعذيب الذات. وفوق هذا إكتشف ما عرف فيما بعد بـ "الحقائق الأربعة النبيلة": 1) الحياة معاناة (دوكا)؛ 2) المعاناة تأتي من الرغبات (تانها، أو "التعلق")؛ 3) يمكن أن ينهي الإنسان كل معاناة بالتخلي عن كل ما يتعلق به؛ 4) هذا يتحقق باتباع الطريق الثماني النبيل. يتكون "الطريق الثماني" من أن يكون لدى الشخص: 1)نظرة صحيحة؛ 2)نية صحيحة؛ 3)كلام صحيح؛ 4)أعمال صحيحة؛ 5)معيشة صحيحة (الرهبنة)؛ 6)المجهود الصحيح (توجيه الطاقة بطريقة صحيحة)؛ 7)التفكير بطريقة صحيحة (التأمل)؛ 8) التركيز الصحيح. وقد تم تجميع تعاليم بوذا الى ما يسمى التريبيتاكا أو "السلال الثلاثة".

ومن وراء هذه التعاليم المميزة توجد التعاليم المعروفة لدى الهندوسية وبالتحديد إعادة التجسد، الكارما، المايا، والإتجاه لفهم الحقيقة على أنها وحدوية في اتجاهها. تقدم البوذية مثل الهندوسية أيضاً مجالاً متسعاً من الآلهة والكائنات الممجدة. ولكنها مثل الهندوسية يصعب تحديد مفهومها عن الله. فيمكن أن توصف بعض فروع البوذية بأنها إلحادية بينما يمكن تسمية البعض الآخر بأنها موحدة، وفروع أخرى أيضاً بأنها تؤمن بوجود إله مثل بوذية الأرض الطاهرة. ولكن البوذية الكلاسيكية تميل لأن تكون صامتة تجاه حقيقة وجود كائن اسمى ومن هنا تعتبر إلحادية.

إن العقيدة البوذية اليوم متنوعة بقدر كبير. يمكن إجمالاً تقسيمها إلى قسمين أساسيين بصورة عامة وهي الثيرافادا (الإناء الصغير) والماهايانا (الإناء الكبير). الثيرافادا هي الشكل الرهباني الذي يجعل الإستنارة والنيرفانا قاصرة على الرهبان، بينما البوذية الماهايانا توصل هذا الهدف من الإستنارة إلى العلمانيين أيضاً، أي من ليسو رهباناً. وفي داخل هذين القسمين نجد فروعاً متعددة بما فيها تنداي، فاجرايانا، نيشيرين، شينجون، بيور لاند، زين، ورويبو وغيرها. لهذا فمن المهم بالنسبة للذين يحاولون أن يفهموا البوذية ألا يفترضوا أنهم يعرفون كل التفاصيل المتعلقة بمدرسة معينة من البوذية بينما يكون كل ما درسوه هو البوذية الكلاسيكية التاريخية.

لم يعتبر بوذا نفسه إلهاً أو مخلوقا سامياً. بل اعتبر نفسه "مرشدا للطريق" بالنسبة للآخرين. فقط بعد موته تم تمجيده كإله من جانب بعض أتباعه، رغم أنه لم ينظر إليه كل أتباعه على أنه إله. بينما في المسيحية يقول الكتاب المقدس بكل وضوح أن يسوع هو إبن الله (متى 3: 17: "وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ")، وأنه هو والله واحد (يوحنا 10: 30). ولا يمكن أن يعتبر الإنسان نفسه مسيحياً بحق دون إعلان الإيمان بأن يسوع هو الله.

قال يسوع أنه هو الطريق وليس مجرد مرشد للطريق ويؤكد إنجيل يوحنا 14: 6 هذا: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي". عند موت جواتاما كانت البوذية قد أصبح لها تأثير كبير في الهند؛ وبعد ثلاثمائة عام كانت البوذية قد غمرت أغلب قارة آسيا. وقد تمت كتابة النصوص والأقوال المأخوذة عن بوذا بعد موته بحوالي أربعمائة عام.

في البوذية تعتبر الخطية بصورة عامة على أنها جهل. وبينما تعرف الخطية بأنها "خطأ أخلاقي"، فإن سياق مفهوم "الخير" و"الشر" يعتبر غير أخلاقي. تعتبر الكارما التوازن الطبيعي ولا تتطلب أن يسعى إليها الفرد. الطبيعة ليست غير أخلاقية؛ لذلك فالكارما ليست قانون أخلاقي والخطية بالتالي ليست غير أخلاقية. لذلك يمكن القول أنه في المفهوم البوذي إن أخطاءنا ليست قضية أخلاقية بما أنها في النهاية خطأ غير شخصي، وليست تعدياً شخصياً. إن نتيجة هذا المفهوم هي نتيجة مدمرة. لأنه في نظر الشخص البوذي فإن الخطية مرادفة للتعثر أكثر منها إثم ضد طبيعة الله المقدسة. هذا الفهم للخطية لا يتوافق مع الإدراك الأخلاقي الفطري أن البشر مذنبون أمام الله القدوس بسبب خطاياهم (رومية 1-2).

بما أن البوذية تقول بأن الخطية مجرد خطأ غير شخصي وقابل للإصلاح، فإنها لا تتفق مع عقيدة الفساد، التي هي من أساسيات الإيمان المسيحي. يخبرنا الكتاب المقدس أن خطية الإنسان هي مشكلة لها عواقب أبدية غير محدودة. في البوذية ليست هناك حاجة لمخلص ينقذ الناس من لعنة خطاياهم. أما بالنسبة للمسيحي فإن الرب يسوع هو الطريق الوحيد للخلاص من العقاب الأبدي. بالنسبة للبوذي يوجد فقط الحياة الأخلاقية والمناجاة التأملية للكائنات الممجدة على أمل ربما الوصول إلى الإستنارة وفي النهاية النيرفانا. ومن المحتمل أن يستلزم الأمر إعادة تجسد الشخص مرات عديدة لكي يستوفي ديونه الكارمية المتراكمة. بالنسبة لأتباع البوذية الحقيقيين، فإن الديانة هي فلسفة أخلاقيات متضمنة في حياة إنكار الذات أو"الأنا". في البوذية فإن الحقيقة هي أمر غير شخصي وغير متصل بالعلاقات؛ لذلك لا تتضمن المحبة. فلا ينظر لله فقط على أنه سراب، ولكن بجعل الخطية مجرد خطأ غير أخلاقي ورفض كل الواقع المادي على أنه "مايا" (وهم) فإننا نحن أنفسنا نفقد "أنفسنا". وتصبح الشخصية ذاتها وهماً.

عندما سئل بوذا عن كيفية بداية العالم، من أو ماذا خلق الكون، يقال أنه ظل صامتاً لأنه في البوذية لا توجد بداية ولا نهاية. بل توجد حلقة لا نهائية من الولادة والموت. هنا يتساءل المرء ما نوع هذا الكائن الذي خلقنا لنعيش ونتحمل هذا المقدار من الألم والمعاناة ثم نموت مرة ومرات؟ قد يجعلنا هذا نفكر قائلين، ما الهدف من الحياة؟ لماذا نهتم بها؟ يعرف المسيحيون أن الله أرسل إبنه ليموت عوضاً عنا، مرة واحدة، لكي لا نتعذب نحن إلى الأبد. أرسل إبنه ليعرفنا أننا لسنا بمفردنا وأننا محبوبين. يعرف المسيحيون أن الحياة أكثر من مجرد المعاناة والموت "... وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (تيموثاوس الثانية 1: 10).

تقول البوذية أن النيرفانا هي أسمى حالات الوجود، حالة من الوجود الطاهر، ويصل إليها كل شخص بطريقته. لا تتوافق النيرفانا مع التفسير العقلاني والنظام المنطقي ولهذا لا يمكن تعلمها بل فقط يتم ادراكها والوصول اليها. وفي المقابل، نجد أن تعليم الرب يسوع عن السماء محدد جداً. قال لنا أن أجسادنا المادية ستموت ولكن أرواحنا تصعد لتكون معه في السماء (مرقس 12: 25). علَّم بوذا الناس أن البشر ليس لهم أرواح منفردة لأن الذات الفردية مجرد وهم. بالنسبة للبوذيين ليس هناك أب رحيم في السماء أرسل إبنه ليموت فداء نفوسنا، من أجل خلاصنا، ليوفر لنا طريقاً نصل به إلى مجده. وهذا، في النهاية ، هو السبب الذي من أجله يجب أن ترفض البوذية
.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !