عندما لجأ الرئيس العراقي الاسبق عبدالسلام عارف الى رجال الدين لإصدار فتوى تجيز محاربة الشعب الکوردي و لبى دعوته"الضالة المضلة الباطلة" العديد من وعاظ السلاطين و أصدروا فتاوي بالجملة تصب بذلك الاتجاه الخبيث، الوحيد الذي إنبرى لعارف و رفض إصدار هکذا فتوى مشبوهة کان المغفور له آية الله العظمى السيد محسن الحکيم، وتأتي و تمضي الايام، لتذهب کل فتاوي الجملة المطلية بالرشاوي المتباينة کمجرد فقاعات لم يعد لها أي أثر، و يبقى فقط ذلك الموقف المنصف و الشريف للسيد الحکيم وقبل هذا وذاك بقيت و ستبقى باقية قضية الشعب الکوردي و اجبرت و تجبر کل الاطراف و الجهات المتعنتـة و الرافضة لمشروعية حقوقها بالانصياع لها.
الموقف الشجاع و الجرئ و البالغ الحدية للسيد الحکيم، کان و لايزال بمثابة أبلغ رسالة لجميع رجال الدين و قبلهم الى القادة و الزعماء الذين يسعون لتجاهل حقوق الشعب الکوردي عبر طرق و اساليب ملتوية و من خلال إستغلال الدين او"المبادئ الوطنية و المسائل العرقية"، ولم نسمع خلال العقود المنصرمة و بعد الموقف التأريخي للسيد الحکيم برجل دين أصدر فتوى من ذلك النوع الذي إستصدره عبدالسلام عارف عن طريق"رجاله المعممين"، لکن رغم ذلك، بقيت المسألة قابلة للتوظيف و الاستغلال سيما بعد مجئ النظام الديني للحکم في إيران و ماأرتکبه من مجازر دامية بحق الشعب الکوردي في مدينة سنندج بشکل خاص، لکن الامر الذي کان ينتظره او يتوقعه المرء او المتابع، أن يقوم عادة رجل او رجال دين غير معروفين او جدد على الساحة بإصدار مثل تلك الفتاوي"الورقية"الخالية اساسا من أي بعد او مضمون شرعي، أما ان يقوم رجل دين معروف و مشهور لدى العالمين العربي و الاسلامي و معروف على النطاق الدولي أيضا بإصدار هذا النوع الممجوج من الفتاوي، فقد کان أبعد مايکون عن التوقع.
الدکتور يوسف القرضاوي، صاحب کتاب"الحلول المستوردة و ماجنته على أمتنا"، ورائد"الحل الاسلامي"لقضايا و مشاکل و ازمات الشعوب الاسلامية بشکل خاص، أطل من اسطنبول على العالم من خلال المٶتمر الثالث للأتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي أنعقد في ٢٥/٦/٢٠١٠، المنصرم، ليطلق ظلما و جزافا تصريحا غريبا يلصق من خلاله تهمة الارهاب بمقاومة الشعب الکوردي ضد الاستعلاء و الاستبداد العرقي في ترکيا، هذا التصريح ذو الطابع"الافتائي"الواضح، فاجأ معظم المثقفين و الکتاب الکورد خصوصا وان القرضاوي کان دوما ينأى بنفسه جانبا من الادلاء بأي تصريح"مفيد او مضر"بحق الشعب الکوردي، بل وانه عندما طلب في فترة إحتدام الصراع الطائفي في العراق، من الکورد ان يبذلوا جهودهم من أجل منع تلك المجازر، تصوروا بأن القرضاوي في طريقه الى التقرب من الشعب الکوردي و إجراء ثمة تغيير إيجابي على موقفه، بيد ان تصريحه السئ الصيت في اسطنبول، أکد بوضوح انه لايتمکن مطلقا ان يصرح و يفتي خارج دثاره"القومي ـ ديني"، وانه يفکر و يحلل المسألة الکوردية في ترکيا من خلال الجغرافيا السياسية و الخلافة الاسلامية(التي ثار بوجهها بنو جلدته)، کما انه يبعض و يجزأ في المسائل بالطريقة و الاسلوب الذي يحلو له و يماشي علاقاته و إرتباطاته.
القرضاوي، عندما ينعت الحرکة التحررية الکوردية في ترکيا بصفة الارهاب، و يسعى من خلال ذلك کسب ود حکومة حزب العدالة و التنمية، فإنه يفعل ذلك على حساب الاعتبار المعنوي الذي يمتلکه والذي لم يجازف به الرئيس نيلسون مانديلا و أصر على دعم الشعب الکوردي و حرکته التحررية في ترکيا عندما رفض إختيار الحکومة الترکية له لتقليده جائزة أتاترك و أطلق قوله الشهير:( اذهبوا و جربوا ان تعيشوا في ترکيا کأکراد لمدة ثلاثة أيام فقط، وبعدها تعالوا واسألوني لماذا لم أقبل استلام الجائزة)، کما ان الزعيم الليبي معمر القذافي أيضا قد کانت له اسوة حسنة بهذا السياق عشية إستقباله لزعيم حزب الرفاه نجم الدين اربکان قبل سنين خلت، وطلب منه بصريح العبارة منح الشعب الکوردي في ترکيا حقوقه المشروعة عندما خاطب ضيفه بمنتهى الصراحة قائلا:( أعطوا حق الاكراد فهم أمة، لهم الحق الكامل في تشكيل دولتهم تحت الشمس)، فکيف يقيم الدکتور القرضاوي تصريحه المذکور و يقارنه بموقفي کل من الزعيمين مانديلا و القذافي؟
لکن السٶال الاهم الذي نود طرحه على القرضاوي، هو؛ ماهي المعلومات و المصادر التي إعتمد عليها في إطلاق تصريحه المذکور؟ وهل ان الحرکة التحررية للشعب الکوردي في ترکيا ليس بمستوى العصابات المسلحة لمسلمي إقليم فطاني في تايلند و مانديناوا في الفلبين کي يذکرهم بخير؟ غير ان القرضاوي يجب ان يعلم و سوف يرى قريبا بعون الله کيف سيتم الاقرار بالحقوق المشروعة للشعب الکوردي في ترکيا و من خلال نفس هذه القيادة التي ألصق تهمة الارهاب جزافا بحقها، إذ ان حزب العمال الکوردستاني، ليس مجرد حزب سياسي عارض او حالة طارئة وانما هو کان و لايزال و سيبقى الخيار الافضل الوحيد للشعب الکوردي وان خيارات الشعوب لاتقصى بالفتاوي و التصريحات المعلبة و الموجهة.
التعليقات (0)