د.ازهار رحيم
ـــــــــــــــــــــــ
عندما سقط النظام ،كنا فرحين لأن قضبان السجن انهارت وفر السجانون وخرجنا جميعا من دهاليز الخوف والاستعباد الى ساحات الحرية والنور ، لم نحلم في حينها بان فرحتنا تلك قد تسرق ومن سرقها في الماضي ، يسرق ألان أحلامنا بمساعدة الإرهابيين الذين فشلوا في الحياة ،فعملوا على امتهان تصدير الموت للآخرين ،مستغلين غياب الأمن والفوضى ،محاولين تدمير ما وصلنا إليه من أمل وتفاؤل وان كان بطيئا لكنه يبشر بالخير وسنقطف ثماره في السنوات المقبلة) بعد ان يذهب معظمنا للقبر!) وخلال هذا الزمن ما علينا سوى القفز فوق الخوف والإحباط ، الذي نتقاتل معه يوميا لغرس جذور الثقة بالحاضر والآتي ... والامل هو ما يدفعنا للاستمرار .
في حديث مع طبيب للأمراض النفسية عن الظروف التي مر بها العراقيون وتأثيراتها على المجتمع، وما نتج عنه من تعرض العراقيين لصدمة الأحداث المتسارعة جراء الحرب ،وسقوط النظام ، واحتلال العراق، والصور المذهلة للقبض على صدام ، كل تلك الأحداث ..تفقد اكثر الناس رجاحة عقلا اتزانهم ،إضافة لتعرض العراقيين منذ 35 عاما لضغوط نفسية هائلة ، من الخوف والاستبداد والظلم والحروب وصولا لزمننا هذا ..زمن القلق بشأن المستقبل الغامض والخوف وغياب الأمن، كل تلك الضغوط النفسية جعلت الكثير يعانون من حالات نفسية ،مثل الشعور بالآلام الرأس ، والظهر، والأرق ، والاختلاج خوفا والتوتر المزمن ، لكن الكثيرين يخشون حتى من التعبير عن الآمهم تلك ،خوفا من المجتمع الذي مازال ينظر للالآلم النفسية على انها ضرباً من الجنون ...لذا يخجل الكثير من طلب المساعدة ، او الذهاب للأطباء النفسيين الذين لا يزيدون عن المائة وهم يعملون في ظل ظروف الإهمال في مستشفيات ، اقرب ما تكون لمراكز صحية لصرف الدواء ..
كثير منا يعاني بصمت لئلا يقلق الآخرين... وسحب الكآبة تغطي وجوه الكثيرين ممن نلتقيهم خلال يومنا..تدور معظم احاديثنا اليومية عن حوادث الخطف والاغتيال التي تجري بالعشرات يوميا ،وتعجز وسائل الاعلام عن تغطيتها لكثرتها، عدا عمليات التفجيرات والسيارات المفخخة التي تحصد ارواح العراقيين .
تحدثت عدة أمهات عن حالة الرعب وما يرافقه من الارتعاش والإجفال والتي يصاب بها أولادهن عند سماع دوي او هدير الطائرات الامريكية التي تغازل سطوح المنازل، او حتى صوت غلق الباب ،ورجال تنتابهم نوبات من الغضب تؤدي بهم حتى للاعتداء بالضرب على عائلاتهم لتعقبها نوبات عزلة ،واناس لا يعرفون الحوار الا بالصراخ ،فان فشلوا يلجأون للعصي والركلات ، واحيانا الأسلحة النارية ..تحدثت سيدة عن رفيقة سفرها التي ظلت تصرخ وتبكي من الهلع في وسط سوق شعبي في دمشق بعد ان انفجرت محولة كهرباء بالقرب منها ، وعجز الجميع عن تهدئتها وعندما سألت عن السبب اجابت: "اننا أبناء جمهورية الخوف! ".
في محاولات متواضعة ومستقلة لبعض الباحثين لرسم صورة لما يحدث لسيكولوجية العراقي ، أشارت باحثة في كلية الآداب قسم علم النفس في ندوة ،بان 88% من العراقيين يعانون من أعراض الاكتئاب، وأوصت بفتح مراكز للعلاج النفسي لتقديم الاستشارات النفسية و العلاج من صدمات ما بعد الحرب ، بالدول التي عانت من ويلات الحرب او استحداث برامج اعلامية ترعاها المؤسسات الحكومية او المنظمات التي تعنى بالصحة النفسية ،قد يعتبر البعض هذا الاقتراح ترفا وبطرا في الوضع الراهن ، لكنه منطقي وضروري إذا ما تزامن مع خطوات جدية لرفع المستوى الاقتصادي من اجل انتشالنا من الأنقاض ، ولملمة ما تبقى منا، واعادتنا لمسار الحياة الطبيعي ، وربما ما يحدث من تداعيات الآن من عنف وفوضى وانتشار الجريمة ،ورفض الكثيرين للتغيير هو جزء مما حذر منه الاختصاصيين النفسيين مما يسمى بصدمات ما بعد الحرب ..
كاتبه وصحفية عراقية
التعليقات (0)