مواضيع اليوم

6،5،4،3،2،1 ...قصة قصيرة لسعيف علي الظريف

سعيف علي

2009-07-01 12:28:27

0

6،5،4،3،2،1  ...قصة قصيرة لسعيف علي الظريف

 

كنت أحاول أن أعالج الشرود و ضياع خيوط الفهم بين صفحات الكتاب الذي كان بين يدي ،فقد حاولت أن اربط بين المعاني لكنها كانت تتمنع . كان التشتت الذي ينتابني يزيدني إصرارا على محاولة التركيز وتجميع ما بقي عندي جهد من ذهني لترتيب الأفكار واتساق الإحداث .
كان حال الوهن و الاكتئاب الذي يلزمني منذ فترة بدأت تطول و تزداد وطأته حدة، يمنعني أن انتبه أن خطأ حادا في ترتيب الصفحات هو السبب الحقيقي وراء هذا الاختلال وتشتت الحدث .كان يصعب علي أن انتبه إلى كل هذا لولا أن صوتا نبهني و هو يأتي من أول العربة الأولى للقطار . كان الصوت الرجالي 1 مزيجا من الحشرجة و البكاء .
التفت عن القراءة إلى الرجل الذي كان يستجدي الراكبين أن يأخذوا حبة من التمر وان يدعوا لابنه بالرحمة .
"أرجوكم خذوا . بلي يعز عليكم 2. ادعوا لابني بالرحمة . إن حرقة فقده مازالت تتقد في قلبي
لقد دهسته كرهبة 3 وهو راجع من المعهد...
أحسست بقشعريرة تستبد بي وكادت آن تقفز دمعة من مقلتي لولا أني اجتهدت في قبضها 4،وإنا اخذ حبتي تمر من الوعاء . كان للموت حكايات عندي . وللحزن مكامن عديدة في كتلتي الشعورية وفي خزائني .مثل كل البشر و مثل كل الأنفاس الرتيبة التي تستهلك الهواء في القطار .وقد يكون الحزن مثل الفرح الأكثر قسمة بين جميع البشر .....

انتبهت عندما عدت إلى الكتاب ابحث عن الصفحة التي كنت أتردد على كلماتها أن الصفحة
السبعين كانت تجاور الصفحة الواحدة و الثمانين. قلبت الصفحات المجاورة فاكتشفت أن خطا في التصفيف يمتد بين الصفحات العشرين السباقة للتسعين . الحق أني لم امتعض أبدا من هذا الخلل الفني، فقد كان يكفي أن انتبه إلى التعرج الذي يصيب الحدث و إلى عدم موافقة الكلمات الأخيرة و الكلمات الأولى للصفحات الموالية .لكني كنت دائما حسن النية في مطالعاتي مما جعلني ازداد حيرة في الفهم و تقصي المعنى .كان شكي في قدرتي على إدراك نوايا الكاتب و التعرف على النسق الذي اختاره لقصه كما أن الاحتفاء النقدي الذي صاحب توزيعه زادني غشاوة ارتد فيه العيب لى وكنت أنا أحب كثيرا ميلان كونديرا .
كانت كل كراسي العربة مشغولة بالركاب .كان أكثرهم على هيئة الطلب يتوردون بحب الحياة ويعالجون بالضحك و الاستهزاء والنكتة اللاذعة كل ما يعترض أحاديثهم و صخبهم المتعالي .وكان يبدوا أن ضغط الامتحان كان يزيد انفعالهم وحدة القهقهة، وكان كل هذا يبعث جوا من الحياة في القاطرة .و يهز الابتسام في وجه المسافر الذي كان يجاورني و يحاول أن ينتبه إلى كل دقائق أحاديثهم 5.
انغمست مجددا في القراءة وقد ترتبت عندي الأحداث و تكشف لي بعض المعنى و أنا أعيد قراءة الصفحات الملتبسة 6.استرددت بعض الثقة في اتزان الذهن عندي .كانت الحكاية تحملني أحيانا إلى أقاصيا و توغل بي في طوارئ الأفكار و تنزعني عن المكان على الرغم من أن الحسرة تتوعدني بالعودة، كلما تذكرت أني لم استطع العودة إلى الكتابة منذ مدة طويلة
تنبه الراكب الذي يجاورني إلى تنهدي و إلى صوت صفارة القطار و هي تعلن وصولها إلى المحطة النهائية بساحة برشلونة .
إنها تونس العاصمة
ملاحظات
1
. كان الرجل نحيفا و قصير القامة فيه سمرة أهل الجنوب التونسي و قد نسيت ان اذكر انه كان يجلس ورائي .
2. بلي يعز عليكم في الدارجة التو نسية تعني اعز ما تملكون
3. الكر هبة تعني السيارة.
4. كنت البس قميصا ابيض غير مكوي .
5. الحق أني كنت استمتع باختلاس النظر إلى سائحة أجنبية مستغرقة في نوم خفيف.
6. اشتريت الكتاب من مكتبة للكتب القديمة و قد غرني الثمن البخس و لم الحض الخطاء في التصفيف رغم انه صادر عن دار باريسية معروفة.

7. الاقصوصة بعنوان القاطرة

سعيف علي الظريف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !