هذا الحوار جزء من ملف مفتوح عن التعذيب في اليمن تتبناه منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات التي يرأسها النائب المستقل احمد سيف حاشد،وقد رأت المنظمة نشر هذا الملف في صحيفة (المستقلة)..و رأينا نحن إعادة نشره تباعا بالتنسيق مع (المستقلة ) لإيماننا بأهمية إطلاع الناس على ما حدث من أجل العمل معا على ألا يحدث مجددا.......«يمنات»
..................
في التاريخ اليمني المعاصر، أبت المرأة إلا أن تؤكد دورها في صنع القرار، لكن طاحونة السياسة عملت بأقصى طاقتها على ابتلاع هذه المرأة وراحت تطحن جسدها وحلمها وطموحها.
أمينة.. امرأة داستها في أقبية السجن الحربي بيادات أربعين عسكرياً مرةً واحدة، ووجهوا نحو صدرها الممتلئ محبة للوطن، أربعين بندقية يتسرب منها الموت، استخدم الجلادون معها كل صنوف العذاب كي تشي برفاقها لكنها أثبتت أن هذا الحب صعب أن يصل إليه الجلادون مهما تفننوا بتشويه الجسد، والعبث بالكرامة وتقييد الحرية..
إنها أمينة ما زالت حاضرة تصطحبنا لمشاهدة صور التنكيل البغيض التي رسمتها الأيادي المشوهة للجلادين لتعرضها في معرض
الأقبية.. وها نحن نصطحبكم لمشاهدة هذه الصور كما ترويها لنا الأخت أمينة محمد قاسم..
حاورها: محمد البذيجي- عضو منظمة التغيير
في البداية متى وكيف اعتقلتِ؟
- اعتقلت في عام 1975م، كان عمري آنذاك 16 عاماً وبعد مضي أسبوعين على ولادتي هجم على منزلي ثلاثة أطقم عسكرية يبحثون عن أوراق أو أي شيء يدين زوجي الذي اعتقلوه قبلي.. قبل دخولهم إلى المنزل كنت قد رميت إلى حوش المنزل بطابعة الاستنسل التي كنا نستخدمها في طباعة المجلدات والمنشورات في نشاطنا السياسي لرفضنا للأوضاع التي تمر بها البلاد آنذاك.
هل وجدوا ما يدينون به زوجك؟
- لا لم يجدوا شيئاً سوى أوراق وصور كربونات ليس فيها ما يهم، فعمدوا إلى اتهامنا بأننا نصنع الخمر في المنزل في محاولة لتبرئة أنفسهم وشرعنة المداهمة والاعتقال..
هل اعتقلوك؟
- نعم.. بعدما اقتنعوا أنه لا يوجد شيئ في المنزل عبثوا بمحتوياته، كانوا يخلطون الأرز مع الدقيق مع السكر ويسكبونه على باحة المنزل وذهبوا ثم عادوا في الساعة الثامنة ليلاً وكانت ليلة ممطرة فداهمت المنزل مجموعة من الجنود واقتادوني إلى مقر الاستطلاع الحربي.
هل حققوا معك؟
- نعم.. أدخلوني إلى غرفة التحقيقات وحققوا معي وكان كل التحقيق يدور حول زوجي ونشاطه..
ما الذي لفت نظرك في غرفة التحقيق؟
- ما لفت نظري هو وجود مجموعة من الناس وخاصة من الأحزاب الناصري والاشتراكي "الديمقراطي سابقاً".. كنت لا أدري ما الذي يحدث لأن سني كان صغيراً وكنت أعيش في مرحلة نفاس ما بعد الولادة..
إلى أين ذهبوا بك بعد التحقيق؟
- أدخلوني في غرفة صغيرة وقاموا بضربي بالأيدي والأرجل كانوا ما يقارب أربعين رجلاً كانوا جميعهم يشحنون أربعين بندقية نحوي وهم يركلوني في محاولة لتهديدي وإثارة الرعب في نفسي.
حدثينا أكثر عن ما تعرضت له من تعذيب في السجن؟
- إلى جانب الضرب وتخويفي بالسلاح ما يقرب من أربعين رجلاً وأربعين بندقية على عنقي.. أحضروني إلى جانب زوجي وقاموا بالضرب على أجسادنا وجلدونا أربعين جلدة لي وأربعين أخرى لزوجي بواسطة شابوك(حزمة من الأسلاك او الجلد)، كنت أتألم بشدة وأضع حجابي على فمي حتى لا أصرخ فينهار زوجي لكنني وبعد عشرين جلدة دخلت في غيبوبة ولم أعلم ما الذي حدث لي بعد ذلك..
أيضاً كانوا يعذبونني بإحراق حزمة كبريت أي 24 صندوق كبريت يحرقونها فوق أصابع القدمين واستخدموا الكهرباء وكانوا يضعون الأسلاك على وجهي لتصعقني الكهرباء بشدة ويحرقونني بالسجائر على رقبتي.
كان هذا أمام زوجك فيصل؟
- نعم، كانوا يعذبونه أمامي، كان فيصل ينزف دماً من أنفه نتيجة اللكم الشديد وكانت أصابع رجليه تقطر الدم والقيح نتيجة الحرق، كنت أصرخ وأشجعه حتى يصمد.
وماذا أيضاً؟
- كانوا يقولون لزوجي سوف ندخل زوجتك إلى غرفة ثانية وسوف نهديها لفلان وفلان وكانوا يصنعون حركات سخيفة وكل هذا لمحاولة تليين عزيمة زوجي لإخراج أسرار عن نفسه وأصحابه.. وأخرجوني بعد يومين من السجن والتعذيب وأوصلوني إلى البيت بواسطة سيارة فارهة حتى يوهموا الناس بأن لا شيء حدث لي..
كيف كانت ردة فعل أسرتك؟
- يا عزيزي قالوا لوالدي "نحن سجنا ابنتك لأنها لا تصلي" وقال لهم والدي وهو مريض في ذلك اليوم "أنا قلت لها صلي وهي ما ترضيش" وكان لا يدري ما الذي يحدث لنا بالضبط...
هل اعتقلوك مرة أخرى؟
- نعم اعتقلوني مرة أخرى وأدخلوني مع زوجي في غرفة صغيرة وأسقوا زوجي بالقوة مخدر حتى يتكلم بدون شعور، ولم أرض أن أشرب من المخدر ولم يجبروني عليه، كانوا يفتحون لنا إذاعة صوت الجبهة وإذاعة صوت الجنوب لمحاولة إنعاشنا حتى نرمي ببعض الكلام، وأحضروا لنا كتاب "لينين" وكتاب آخر "لماو" وقالوا لزوجي فيصل لخص الكتاب، وكنت حين أرى زوجي وهو مخدر يحاول مسك الكتاب أصيح عليه وأقول له "أيش عرفك يا فيصل تلخص" ويرد علي "أيوه صح أنا ما اعرفش الخص ولا أعرف أقرأ مثل هذا الكتاب" ومن ثم أفرجوا عني وعدت إلى المنزل.
هل تعرضت للمضايقة أو الاعتقال بعد ذلك؟
- نعم.. اعتقلوني مرة ثالثة وضربوني وعذبوني بالشابوك في الظهر وأحرقوا أصابع قدمي وكانوا يحاولون خلع ملابسنا أنا وزوجي كان (أ.أ.) يتكلم بسوء أخلاق أمام زوجي لكن كانت هناك 9 مظاهرات يقودها أحد أقاربي احتجاجاً على سجني ومطالبين بالإفراج عني وجميع النساء ومن ثم أخرجوني من السجن وعدت إلى البيت مرة أخرى، وكان هناك صحفيون محتجون أيضاً.
هل أفرجوا عن زوجك؟
- لا، وحين ذهبت إلى مقر الاستطلاع الحربي لم أجده وكانوا قد نقلوه إلى سجن الرادع.
هل رأيت أحد المعتقلين وهم يعذبونه في السجن؟
- نعم.. ولكن لا أعرفهم وكانوا يمارسون ضدهم التغطيس بالماء والتعليق لكن الكثير منهم كان يعرفني؛ فأثناء ما كنت أتعرض للتعذيب كانوا يسمعون صوتي وهم في زنازين قريبة مني وكانوا يدقون أبواب الزنازين ويقولون "اصمدي يا أمينة.. اصمدي..." كانوا خائفين لو أخرج عنهم المعلومات ولكن البعض منهم اعترف وفضح زوجي وبعض الزملاء في النضال الوطني.
بعد خروجك من السجن وخروج زوجك هل تعرضتم للتعذيب مرة أخرى؟
- بعد خروج فيصل من السجن أكملت الدراسة وتوظفت في البنك اليمني للإنشاء والتعمير بصنعاء وفي نفس يوم توظيفي توفي ابني مسموماً ولم نعرف من الذي جرعه السم؟
هل لديك شك أن ابنك مات بفعل فاعل؟
- نعم هذا ما أظنه حدث.. لأنهم ظلوا يطاردونني حتى حين كنت في البنك وصل (أ.أ.) "الله لا سامحه" ودخل إلى عند مدير البنك وحين خرج مر إلى عندي وهددني بكلام وسخ، كان هذا الرجل بلطجي بلا ديانة ولا يحزنون.. المهم بعدما خرج مباشرة استدعاني مدير البنك وقال لي أنت مفصولة وبدون أي سبب.. وانتقلت إلى وكالة سبأ للأنباء وهناك كنت أتعرض للمضايقات اللاأخلاقية.. ونجوت بنفسي ونزلت إلى الحديدة وهناك لم أتعرض للمضايقات أو التعذيب ولكن تعرض زوجي للفصل من عمله في البنك المركزي اليمني وبقيت أعمل.
في الحديدة يقول زوجك أنه كانت هناك مناوشات بين الحين والآخر؟
- نعم كانت في ربكة بين الأمن السياسي وأعضاء الحزب، كانوا يريدون اعتقالي وتدخل مسئول في الأمن السياسي لأنه كان قريبي ولكنهم وضعوني تحت المراقبة وتعرضت للمضايقات من قبل أبناء حارة الزبارية في الحديدة.. ولكن وقف معي الشرفاء من أبناء الحارة.
ما هي آثار التعذيب التي تعانين منها؟
- يا عزيزي آثار الشابوك لا زالت موجودة إلى اليوم على ظهري، أيضاً لا زلت أعاني إلى اليوم من انزلاق في العمود الفقري أثناء التعذيب بالشابوك والدعس على ظهري خرجت علي فقرة من العمود، أيضاً أعاني من هزر وذهبت إلى القاهرة للعلاج دون أن يعتمدوا لي أية تقارير طبية أو غيرها، وأيضاً أعاني من آثار نفسية ومعنوية، فمثلاً عندما أتذكر التعذيب الذي تعرضت له تصيبني القرحة في المعدة وما زالت آثار أخرى تطارد حياتي إلى اليوم بصفتي امرأة عكس زوجي الذي ما زال جسوراً وزاده التعذيب بأساً.
هل ما زلت تتعرضين لمضايقات حتى الآن؟
- نعم آثار التعذيب وتلك المرحلة لا زالت تطاردني حيث أنني أجبرت على تقديم طلب التقاعد من عملي قبل عشر سنوات من الفترة المحددة ولا زلت أعاني من الجميع.. حيث لم يقدروا تاريخنا أو نضالنا، وأستلم معاش 29 ألف ريال رغم أن زملائي ومن توظفوا معي يستلمون 75 ألف ريال.
من تعرض للتعذيب معكم؟
- محمد الشيباني، سلطان أمين القرشي، عبد العليم الأغبري، عبد الكريم عبد الوارث.
هل تعرفين من قام بتعذيبك؟
- نعم أعرفهم أحدهم سمين ويدعى (أ.أ.) والآخر الذي عذبني كثيراً هو (أ.أ.) وكذلك (أ.أ.) و(أ.أ.) والبعض لا تسعفني الذاكرة لذكرهم.
هل ستسامحينهم إذا طلبوا منك ذلك؟
- لا لن أسامحهم.. سوف تظل لعناتي تطاردهم.. ليس قليلاً ما تعرضت له..
كلمة أخيرة لك يا أمينة؟
- أتمنى الإنصاف وكشف حقائق كانت مجبرة على التكتيم كما أتمنى من منظمة التغيير أن تنتصر لمظلومين كثر تعرضوا للتعذيب ونحن هنا نقول الحقيقة مهما كلفتنا لأننا اخترنا طريق النضال منذ البداية.. شكراً لكم ولصحيفة المستقلة وللقاضي أحمد سيف حاشد.
....................
عن زوجة عبد العزيز عبد الغني
بعد خروجي من المعتقل زارني إلى البيت الصحفي أحمد راشد وعبد الجبار راشد وكان ظهري يسيل دماً وجسمي متورماً وأخذوني إلى منزل سعيد الجناحي ثم توجهوا بي إلى منزل عبد العزيز عبد الغني وعند وصولنا دخلت مع زوجته إلى إحدى الغرف لتكشف علي ورأت هول التعذيب علي وخرجت تصيح وتقول لزوجها "كذا يا عبد العزيز تفعلوا بالنساء.. قد وصلتم إلى عند الحريم، ما تستحوش..".
وهذا الموقف استفز عبد العزيز عبد الغني وأمر بإطلاق سراح كافة المعتقلين في الاستطلاع الحربي وفصل أعضاء من موظفي السجن الحربي.
.............................
مما قاله زوج أمينة الأستاذ فيصل محمد عبده
أثناء حبسي كان التعذيب الجسدي يمارس بحقي باستخدام الكهرباء والصعق بها والضرب بالعصي واستخدام (الشابوك) وحرق أصابع الأرجل.. أما التعذيب النفسي كانوا يقولون لي أننا رأينا زوجتك مع شخص آخر وكانوا يحضرونها إلى السجن ويقومون بتعذيبها تعذيباً شديداً أمامي.. وكانوا يحاولون أن يجبرونني وزوجتي على خلع ملابسنا..
من الذين عذبوا معي علي قتبي، عبد الحفيظ جازم، درهم سعيد الكبير، محمد علي جازم، عبد العليم الأغبري وآخرون.
كانت هناك نهايات مأساوية لبعض الأشخاص منهم منير علي حاجب الذي مات بسبب التعذيب في الأمن الوطني بالحديدة عام 82م وثابت علي الذي سافر إلى صنعاء لزيارة ابنه فأعتقل وعذب في السجن حتى مات.. وبدر علي الذي عذبوه بالحرق والصعق الكهربائي حتى أصيب بحالة نفسية نتيجة التعذيب في سجن الحديدة ولا زال يجوب الشوارع.
التعليقات (0)