خلص المنتدى الإقليمي، الأكبر من نوعه في مجال الصحة الجنسية، الذي عقد بالقاهرة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إلى عدة حقائق؛ منها أن المشكلات الجنسية تعد أحد أهم أسباب الطلاق
وانهيار الحياة الزوجية في الشرق الأوسط، التي تتسبب في نحو 30% من تلك الحالات بمصر. كما أسفر المنتدى عن تأسيس «جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسي» (MESSM)، التي تعد امتدادا إقليميا لمثيلتها العالمية «ISSM». شارك في المنتدى لفيف من أبرز الخبراء، ومن بينهم البروفسور إدغاردو بيشرو، رئيس الجمعية العالمية للطب الجنسي، والبروفسور جون دين، الرئيس السابق للجمعية العالمية للطب الجنسي، والبروفسور أحمد عكاشة، الرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسي، والبروفسورات بهجت مطاوع وعمرو المليجي وطارق أنيس وحسين غانم وسامي حنفي، أساتذة أمراض الذكورة بالجامعات المصرية.. بالإضافة إلى المشاركة الواسعة لخبراء من كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وكندا والأرجنتين وأستراليا وهولندا ولبنان والسعودية والأردن وقطر والإمارات.
الصحة الجنسية
وناقش الخبراء في المنتدى، قضايا الصحة الجنسية لدى الرجل والمرأة، وانعكاساتها على رفاهة وإنتاجية الزوجين وتماسك المجتمع. وأكد الحاضرون أن الطلاق يكون في كثير من الحالات ترجمة عملية لعدم اهتمام الطرفين بأن يتمتعا بحياة عاطفية أو جنسية سليمة، حيث إنه من النادر أن يذكر المطلقون أو من يعانون من مشكلات في حياتهم الزوجية الأسباب الحقيقية وراء الانفصال، وعادة ما يتخفون وراء أسباب مختلقة، مثل البخل أو سوء الطباع، وذلك في ظل العادات والتقاليد والخجل والحساسية المفرطة، التي تسود، خاصة منطقة الشرق الأوسط.
وأكدت إحدى الدراسات التي أجرتها الجمعية العربية للصحة الجنسية، أن 98% من الرجال غير راضين بصورة تامة عن حياتهم الجنسية. ولم تكن النسبة أفضل كثيرا لدى السيدات، حيث بلغت النسبة لديهن نحو 96%. وأشارت دراسة أخرى في البحرين ونوقشت بالمنتدى، إلى أن 70% من حالات الطلاق بدأت نواتها الأولى مع عدم الرضا في الفراش.
الضعف الجنسي
وتشير التقارير العلمية إلى أن نحو 50% من الرجال في المرحلة العمرية ما بين 40 إلى 70 عاما، يتعرضون إلى درجة ما من الضعف الجنسي المتمثل في ضعف الانتصاب، وأن 10% فقط ممن يعانون من ضعف الانتصاب هم من يطلبون مشورة طبية، إضافة إلى أن الرجل ينتظر في المتوسط ما بين عامين إلى 5 أعوام قبل أن يقوم بزيارة الطبيب.
وقد تلعب العوامل النفسية دور أحيانا في تفاقم المشكلة، مثل إحساس المريض بالخجل المبالغ فيه من مرضه أو أن يشعر أنه وحده دون الآخرين من يعاني المرض.
واستعرض المنتدى عددا كبيرا من قضايا الضعف الجنسي، مثل «عنة ليلة الزفاف» أو مرض «الوسواس»، بينما استحوذت قضية «ضعف الانتصاب» على النصيب الأكبر من بين النقاشات التي تناولت المشكلات الذكورية، فيما تراوحت المشكلات الجنسية لدى المرأة بين انعدام الرغبة أو الفشل في الوصول إلى مرحلة النشوة وحتى التشنج المهبلي اللاإرادي أو آلام الجماع.
وحسب المشاركين في المنتدى، فإن الإسراع باستشارة الطبيب، وتناول الدواء من جانب المريض، وإشراك الطبيب للمريض في عملية العلاج، قد يكون أفضل السبل في عدم تفاقم الحالة، خاصة من الناحية النفسية.
ووفقا للبروفسور أحمد عكاشة، فإن «عملية ممارسة الجنس تستهلك وقتا قصيرا في حياة الإنسان، بينما تستغرق المشكلات التي قد تنجم عنه الجزء الأكبر من عمره». وبرأيه، فإن القوة الجنسية ليست الأهم في العلاقة الزوجية، بل الحنان والعاطفة، مشيرا إلى أن القلق والتوتر والضغط العصبي تمثل أهم أسباب الضعف الجنسي.
وأوضح عكاشة أن معظم العقاقير المضادة للاكتئاب والأمراض النفسية قد تسفر عن مشكلات جنسية، سواء للرجال في صورة ضعف بالانتصاب، أو للسيدات في صورة الفشل في الوصول إلى مرحلة النشوة، ولكنها تأثيرات مرتبطة بتناول العقار وتزول معظمها عند التوقف عن تناوله.
حاجز نفسي
وأشار عكاشة إلى أن الدراسات تشير إلى أن نحو 68% من مرضى الضعف الجنسي يعتقدون أن الطبيب لن يرحب بمناقشة مشكلاتهم، مؤكدا أنه ينبغي للطبيب في هذه الحالة أن يبادر بكسر هذا الحاجز النفسي. وبحسب عكاشة، فإن التردد في استشارة الطبيب من مرضى الضعف الجنسي لا يقتصر على الرجل الشرقي فقط، إذ إن هناك 30 مليون حالة ضعف انتصاب في الولايات المتحدة الأميركية، 70% منهم لا يذهبون للطبيب.
بدوره، قال البروفسور جون دين، الرئيس السابق للجمعية العالمية للطب الجنسي، إن الخجل من مناقشة الرجل قضايا الضعف الجنسي لا يقتصر على المنطقة العربية فقط؛ فالأمر يمتد إلى جميع أنحاء العالم، حيث يشعر الرجل بالحرج من مناقشة الأمر ويطوي النفس عليه. مشيرا إلى أن الرجل، في كثير من الحالات، قد يستغرق ما بين 3 إلى 5 سنوات حتى يستجمع شجاعته ويذهب للطبيب.
وأوضح دين أنه، بالنسبة للمنطقة العربية، قد تساهم عوامل عديدة مثل الإصابة بمرض السكري وغيرها في الإسراع بإصابة الرجال بضعف الانتصاب، ليبدأ ذلك في عمر مبكر نسبيا. مؤكدا على ضرورة الإسراع باستشارة الطبيب من جانب الرجال أو السيدات في حالات المرض الجنسي، لما في ذلك من زيادة إمكانيات إنقاذ الحياة الزوجية، خاصة أن انهيارها لا تقتصر أضراره على الزوجين فقط؛ بل يمتد إلى الأبناء أيضا.
وقال البروفسور بهجت مطاوع، الرئيس السابق للجمعية المصرية لأمراض الذكورة، إن «الجنس يعد إحدى الغرائز الأساسية التي يولد بها الإنسان، مثله مثل الطعام، وبالتالي لا يمكن تجنبه. وإذا كنا جميعا نتعلم الأساليب الصحيحة لتناول الطعام، خاصة في المراحل الأولى من الحياة، فإن الأمر على صعيد الحياة الجنسية يجب أن يحظى بالاهتمام نفسه؛ فالجنس هو إحدى الغرائز الأساسية ولا يجب التعامي عنه، بل يجب أن يتم في إطار قواعد المجتمع والدين، والثقافة الجنسية ليست مرادفا لقلة الأدب».
إلى ذلك، أثمر المنتدى عن تأسيس «جمعية الشرق الأوسط للطب الجنسي» «MESSM»، التي ستعمل كتجمع لخبراء المنطقة في هذا المجال. وهي تستهدف زيادة الوعي حول تلك الأمراض، وأحدث الاتجاهات والوسائل العلاجية المتاحة. وتعد الجمعية، التي فاز بمقعد رئاستها البروفسور عمرو المليجي، امتدادا لـ«الجمعية العالمية للطب الجنسي» (ISSM).
وقال البروفسور عمرو المليجي إن الجمعية ستعمل، بالتعاون مع المؤسسات والهيئات والأطراف المعنية كافة على مستوى المنطقة، على تطوير استراتيجية لنشر الوعي بقضايا الصحة الجنسية على مستوى المنطقة.
وأكد المليجي أن تطوير الوعي بقضايا الصحة الجنسية يجب أن يبدأ بالآباء، على أن يقوم هؤلاء بتعليم أبنائهم. وأشار إلى ضرورة تطوير التعليم في هذا الصدد، حيث إن مناهج الصحة الجنسية، حتى في كليات الطب، لا تزال محدودة، وربما لا تساهم في تطوير الثقافة الجنسية في المجتمع ككل.
التعليقات (0)