3 ـ قراءة في كتاب "علم اللغة العام لفردينان سوسير" إستناداً إلى علم الألمنتك
ــــــــــــ
نذير حبش
22-03-2013
يتخذ اللغة المكتوبة ذات نظام ثابت معياراً لجميع مظاهر الكلام (النطق) وهي لديه ((اللغة متجانسة، فهي نظام من الاشارات جوهره الوحيد الربّط بين المعاني والصور الصوتية، وكلا طرفي الاشارة سايكولوجي. ص33)). رغم أنها جزء معروف من الكلام المنطوق فهي مستقلة ويمكن تحديدها وإتخاذها كركيزة. فهي أي اللغة ((جزء محدد من اللسان، جوهري، نتاج إجتماعي لملكة اللسان ومجموعة من التقاليد التي تبناها مجتمع ما ليساعد أفراده على ممارسة هذة الملكة. ص 27)).
أما الكلام المنطوق غير متجانس له عدة أوجه الفيزيائي (الطبيعي) والفسلجي (الوظيفي) والسايكولوجي (النفسي). ويتبع الفرد والمجتمع. لا يمكن تصنيفه لدى سوسير. ((أما اللغة لها كيان موحد قائم بذاته، تخضع للتصنيف، وتحتل المركز الاول بين عناصر اللسان، وهذا التصنيف يضفي نظاماً طبيعيا ص 27 على كتلة غير متجانسة (اللسان) لا يمكن ان تخضع لأي تصنيف آخر. 28)).
يبرر سوسير لماذا اللغة رغم أنها مكتسبة وتقليدية هي المعيار وذات منزلة أولى وليس الكلام المنطوق الذي (يعتمد على الملكة الطبيعية. ص 28)) يبرر إعتراضه على من يرى أنه من المفترض أن تخضع للملكة الفطرية أي الكلام المنطوق. هنا ما يقصده بلفظ (لسان) هو الجهاز الصوتي البشري بكامله ـ لا يوضحها المترجم ـ فيبني مبرره عدم وجود برهان على أن جهاز النطق هو شيء طبيعي وقد خصصت أعضاءه للتكلم كوظيفة القدمين للمشي.
يعرض لفكرة الجهاز الصوتي ووظيفة النطق ولغة الإشارة ويعرض لفكرة (وتني) ((عالم بفقه اللغة، أمريكي 1827 – 1894philologist William Dwight Whitney (1827–1894) was an American linguist. ويكيبيديا)) بهذا الخصوص التي يرى وتني أن الجهاز الصوتي إتخذ هذه الوظيفة مصادفة. وكان بإستطاعة الإنسان الإعتماد على وسيلة الإشارات والرموز المرئية عوضاً عن الرموز الصوتية. يرفض سوسير فكرة المصادفة وفرض الطبيعة على إعتمادنا على الجهاز الصوتي ويتفق معه في أن اللغة تقليد ولا أهمية للإشارة التي يتفق عليها المجتمع فهي بالتالي إعتباطية. ويرى أن الجهاز الصوتي له مكانة ثانوية بالنسبة للكلام نفسه. ص 28.
قبل فترة ليست ببعيدة كتبتُ في مقدمة مقال : "كل شيء منطقي يمكن أن يصبح واقعاً، لكن للأسف ليس كل واقع منطقياً بمعنى عادلاً". ما يهمني الشطر الأول من المقولة: "كل شيء منطقي يمكن أن يصبح واقعاً". هذه المقولة يمكنني أن أعتمد عليها هنا حول تطوير الإنسان لجهازه الصوتي من أجل النطق والكلام. هل كان من الممكن أن يسير الكائن البشري على أذنيه مثلاً ؟ أو لنطرح السؤال بطريقة أخرى: هل كان بإستطاعة الكائن البشري "تطوير" أذنيه التي تتموضع في رأسه، من أجل المشيء مع وجود الأرجل في طرف جسده الآخر ؟
هنا نرى الواقع المنطقي سيقف بجانب الأرجل وليس الأذنين للمشي. لا نستغرب من هكذا أسئلة فبعض القردة قد تطور لها أجنحة للطيران مثلاً. عما يخص وسيلة الإشارة والرموز المرئية فقد إعتمدها الكائن البشري فعلاً. وبالتأمل الفلسفي نجد أنه قد إستخدمها قبل أن يتخذ الرموزالصوتية المتطورة ويطور جهازه الصوتي بالتوازي مع نمو وعيه. والسبب لعدم سيادتها على الرموز الصوتية هي عدم "إيفاءها" بحاجة الكائن البشري في التعبير عما يريده. وعدم "إستيعابها" لفكر الإنسان الذي كان يريد أن ينبثق. والدليل أنها مازلت مستخدمة حتى هذه اللحظة، وتلعب دوراً مهماً جداً في الجانب السايكولوجي للغة.
ومن تابع نظرية الألمنتك عرف أن الإنسان لم يطور الرموز الصوتية دفعة واحدة، بل تدريجياً. وكلما كانت تؤدي مهامها في إستيعاب الفكر كلما كانت ترسخ مكانتها "كمادة" يتجلى فيها الفكر أولاً، ومن ثم "كوسيلة" لأستيعاب والتعبير عنه ثانياً.
يعود سوسير ليتكلم عن اللسان بمعنى الكلام المنطوق وإلى تعريفه لدعم رأيه السابق الذكر ((فكلمة articulus تعني في اللاتينية عضوا أو جزءاً او مقطعا من سلسلة، فإذا طبقنا هذا على اللسان يعني تقسيم سلسلة منطوقة الى مقاطع أو تقسيم سلسلة من المعاني في واحدات "ات معنى، وتستخدم الالمانية gegliederte sprache للتعبير عن المعنى الثاني. ص 28)).
يساند سوسير الرأي الألماني بأن ميزة الكائن البشري كانت قدرته على تنظيم معانٍ في سلسلة إشارات ـ كلمات ، الكاتب ـ لها معانٍ معروفة.
ألديباجة التي يعطيها المترجم، والمُراجع، في الحقيقة لا تصح دائماً إذ يتكلم سوسير عن اللسان بمعانٍ عدة ولم توصلها الترجمة. تكلم عن اللسان كضو فيزيولوجي ((ليس لدينا برهان على ان اللسان....اي ان اعضاء النطق. ص 28))، وكهجاز صوتي بشري كامل ((اللغويون يختلفون...يقول وتني... اننا نستخدم جهاز النطق للتكلم....ص28))، وكلام منطوق ((ان الاضطرابات المختلفة في اللسان الشفوي ترتبط....ص28))، وكلام مكتوب ((...كثيرا ما ترتبط باللسان المكتوب. ص28)). وسوف يظهر لفظ (لسان) وكل حالة في معنى مختلف. ليس هذا فحسب بل لفظ (لغة) تظهر بمعان وهذا صلب الموضوع في فكر سوسير كما في ص 29 ((إن وضع اللغة في منزلة الصدارة في دراسة اللسان....)) فهنا المفترض أللغة المكتوبة المستقلة ذات نظام محدد ! مع هذا تبقى ترجمة هكذا أعمال مشكور عليها.
ملكة الإرتباط والتنسيق ((إن هذه الملكة لها دور اساسي في ترتيب اللغة بهيئة نظام. ص31)) ((للتعبير عن اشارات نظام محدد من أنظمة اللسان....يمكن وراه ملكة عامة تتحكم بالاشارات، وهي الملكة اللغوية الحقيقية. ص 29)). وحسب سوسير لفهم هذه الملكة من خلال الوسط الإجتماعي. يرى سوسير أن للإنسان ((ملكة لغوية حقيقية. ص29)). طبعاً لا ندري إلى الآن إذا كانت فطرية أم لا وإن كانت فطرية فليس لديهم جواب كيف نشأت اللغة، أي كيف بَنَت هذه الملكة محتواها، وهذا الجواب يعطيه علم الألمنتك. ومن ثم ـ والكلام سيكون بحذر كي لا أكشف سر منهجي في تعليم أية لغة ـ إذا أردنا الدقة أن هذه الملكة هي مكتسبة وليست فطرية. ولو سأل سائل لمن قال بفطرية هذه الملكة سؤال وهو : إذن لماذا لدينا أنظمة لغوية متعددة إذا كانت هذه الملكة فطرية وواحدة للكائن البشري ؟
في الحقيقة في هذه المسألة خرجنا من علم الألمنتك. لي (منهج لتعليم لغة أجنبية) غير منشور لحد الآن، يظهر لي ثلاثة مصلحات فيه وسأذكر منهم إثنين وهما (البنية Gestalt = Ges-t/Al-t = قِتت قلت) وهي أي البنية على ثلاث مستويات ـ ولا أستطيع البوح أكثر ـ ومصطلح (الإحالة Arrive = Ar-r/Iv-e = قرر قفِ). أختير المصطلحان باللغة الإنكليزية بعد إخضاعهما لتفكيكيتي في الألمنتك فقد كانت باللغة العربية فقط. هذه المصطلحات الثلاثة تلعب دوراً أساسياً في بناء هذه الملكة التي يتكلم عنها سوسير هنا. والمصطلح الثالث سأتركه الآن. والمستوى الأول من (البنية) في منهجي قد تكون تقابل (الإشارة) لدى سوسير، لكن البنية عندي على ثلاث مستويات كما قلت وتلعب دوراً هاماً في تعليم الإنسان اللغة. وطبيعة (البنية) المستوى الأول هي رباعية الأركان، وهذا ما لم تستطع أي مدرسة منهجية عربية معرفته، لهذا كان ـ وما زال ـ تعليم اللغات الأجنبية يقوم على منهج method غير علمي.
في عبارته هذه ((فاستخدام الكلمات من أجل تحديد الاشياء أسلوب غير صحيح. ص33))، يؤكد فكرتي في (الكنية) و(التعريف) بالنسبة للأشياء. فأي لفظ مثال لفظ "ظهر" ـ عكس الوجه ـ (ظَهر => ظ / هـ ر => ث/ ء ر => ت ـ قر) هو كنية نسبة إلى وظيفة الظهر وهو حمل الأشياء والإستقرار عليه، حسب جذر (قر). كما قلت سابقاً أن الكنية هي سمة أو صفة بارزة أو وظيفة إلخ وكما يبدو أنه سمي أولاً للحيوانات. هنالك تحليل آخر لـ(قر) وأن يكون جذر السلبية والقذارة وفي كلا الحالتين الكنية تخص صفة ما أو ميزة أو وظيفة إلخ.
أللغة محددة بشكل واضح وهي إتفاقية حسب مجتمع معين. هذا الوصف سليم بالفعل ولكن لم تبدأ إعتباطياً. فالإتفاق كما برهنه علم الألمنك كان له ما يبرره. أي بمعنى أن تجلي الفكر وظهوره (debut = De/Bu/T => دِ فق ـ ت => دِ فقت) لأول مرة في التاريخ كان "قصدياً" واعياً حسب الألمنتك، مع وجود الوسط الإجتماعي بعد الخطوة الأولى بالتأكيد. وسلبية دور الفرد في اللغة كنظام محدد الذي يزعمه سوسير ليس سليماً بالكامل، إلا في مرحلة من مراحل عمر الفرد. فدور الفرد لعب الدور الأول في تجلي وبزوغ الفكر ـ اللغة ـ أولاً ودوره في اللغة كنظام بعد إكتمال إنسانية الإنسان ولغته ليس منفعلاً سلبياً مئة بالمئة دائماً، وإلا لأصاب الأنظمة اللغوية الجمود والتحجر. وخير مثال أن اللغة كنظام ثابت ومحدد تضطر بين الحين والآخر أن تتبع الكلام المنطوق وتنسجم مع تغيراته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات (0)