مواضيع اليوم

26يناير .... الفجر البازخ

أميرال الاميري

2011-02-15 11:49:17

0


إن البطولات العظيمة والدعوات الخالدة والنفوس العالية ترتبط دائما ً وابداً اما بزمان "ايام " بعينها تخلد في صفحات التاريخ بأحرف من نور او بمكان " بقعة "حيث تكون بؤرة وقبلة يقصدها البشر تعظيماً واجلالاً واستلهاماً واستشرافاً ، او بـ"شخصية" تقود الامة للخلاص وتنير الدرب لأصحاب القلوب المطمئنة فلا تذيدها المحن الا ثباتاً ومنعة وتوهجاً . فعبقرية الزمان والمكان والشخصية تعطي المبادئ والقيم والمعاني بعداً يتجلى في استمراريتها واستدامتها . اما الثـورات المصطنعة والدعــوات الهلامية والنفوس الضعيفة فحظها زخم فارغ المضمون سرعان ما يذهب جفاءً ترميه الريح في مكان سحيق .
ولعل المهدية في السودان من اعظم الدعوات قادها افذاذ الرجال "محمد احمد المهدي " واحبابه فسجلوا اروع البطولات في تحرير الامة من الاستعمار والوهن والظلم والفساد فظلت نبراس انار الطريق لعشاق الحرية والكرامة والانسانية في العالم .ارتبطت بـ"أيام" و"اماكن " لمعارك وانتصارات من يوم ابا ويوم قدير وشيكان مروراً بفتح الخرطوم وليس ختاماً بموقعة الكرامة والمقاومة والثبات في كرري وام دبيكرات لتبقي الدعوة متقدة الي يومنا هذا ،وقد مجد الشعراء هذه الايام والامكنة والرجال :
كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية
خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية
والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية
ما هان فرسان لنا بل فر جند الطاغية
وقد تجمع خليط من قبائل السودان إلى "ام درمان " تلبية لدعوة قائد المهدية ، فأصبحت بوتقة انصهرت فيها كل مكونات السودان تعبر عن الوحدان القومي والهوية المشتركة :
انا امدرمان تأمل في نجوعى
انا السودان تمثل في ربوعى
انا ابن الشمال سكنته قلبى
علي ابن الجنوب ضميت ضلوعى
انا امدرمان سلوا النيلين عنى
وعن عزمات فتاي عند التجنى
فخير بنيك ياسودان منى
سلو الحادي سلوا الشادي المغنى
انا امدرمان اذا ما قلت اعنى
فما نيل المطالب بالتمنى
نتنسم هذه الايام نفحات الذكري رقم (126) لفتح الخرطوم في 26يناير 1885 نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.، وكسر شوكة وكبرياء الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها ، وقتل غردون باشا علي يد الانصار لإرساء دعائم اول دولة سودانية مستقلة .
بعيداً عن الخوض في السرد التاريخي لحصار وسقوط الخرطوم والخطط العسكرية الناجعة التي غيرت مجري التاريخ علي الرغم من اهميتها لتبيان ما لحق بتاريخ الانصار عموماً من تزوير وتحريف من الغزاة والطغاة لإدراكهم التام بالروح التي يبثها في نفوس الناس فتستنهض الامة للتحرر والاطاحة بجلاديهم ، فهناك دراسات وشخصيات وهبوا انفسهم لإعادة كتابة التاريخ علما بان الوثائق والمصادر والمخطوطات والمدونات لتاريخ وفكر المهدية هي الاوفر تركة وارشفة للبحث والتنقيب من رصيفاتها من الثورات والحركات ، فالحدث يكتب نهاية لدولة الظلم والفساد والاستبداد ويعبر عن ارادة الشعب في التغيير والانتفاض في وجه الطغاة واخذ زمام المبادرة وتفجير الطاقات البشرية .
فالطغيان والاستبداد ملة واحدة و"غردون " سلوك طاغية مستبد وحالة تسلط وتجبر في كل زمان ومكان يستخدم فيها كل الوسائل للحفاظ علي السلطة والتضييق بفرض الضرائب واهانة الكرامة الانسانية واهدار الحقوق وظهور رجال الدين بالفتاوي السلطانية لإكسابه شرعية زائفة بالتحريض والتشكيك في دعوة الاصلاح واستخدام كل انواع المكر والعنف
ولكن انتصرت ارادة الشعب والقيم الفاضلة علي الاجندة الغاصبة والتسلطية وقتل راس الكفر شر قتلة معلناً نهاية حقبة مظلمة في تاريخ السودان ،ومبشراً بقدوم فجر جديد من الحرية والكرامة والتحرر فحق للشعب السوداني ان يحتفل ويفاخر بانصح صفحات التاريخ فقد الهم الشعوب معني للحرية والمساواة والعدالة والخروج عن الحاكم الفاسد والظالم وقوة الارادة الشعبية في مواجهة أي غردون في أي مكان في العالم فتفجرت الثورات وانتصرت الشعوب لكرامتها علي مر الزمان .
لقد بذر غردون بذرة الفساد والظلم وخلف طغاة وعصابات اضاعوا الدنيا والدين تحكموا وتسلطوا علي الشعوب العربية من المحيط الي الخليج فانتشر الفقر والصنك ونهبوا الخيرات واضاعوا كرامة الشعوب . وفي ذات الوقت فقد غرس الامام المهدي بذرة الخلاص ومشاعل الحق والمضادات الحيوية ضد القهر والظلم والفساد. لقد صمدت الدعوة امام احن الزمان وخرجت منتصرة من كل محنة حرجة، انطلاقة من مقولة خليفة المهدي " فلتذهب الدولة ولتبق الدعوة " وقامت انتفاضات مهدوية ضد الظلم ود حبوبة والسحيمي ، وتجددت الدعوة علي يد الامام عبد الرحمن الصادق وقهرت المستعمر الغاشم وحققت الاستقلال الثاني . وانتج ذات الغرس المهدوي ثورة اكتوبر المجيدة وثورة رجب/ ابريل المباركة وانتصرت ارادة الامة ورمت بالغاصبين والمتجبرين الي مزبلة التاريخ ، وتكاثر الغرس المهدوي واصبح بعبعاً يخشاه كل الجبابرة والمستبدين لأنه يحول حياتهم البذخية الي جحيم ، فعملوا بكافة الوسائل لهدم الكيان المعبر عن هذا الغرس "فرد الله كيد الخائنين " فهو الان ذو نفوذ متسع وقوة ضاربة لها التأثير في المجتمع السوداني. وما اشبه الليلة بالبارحة فنفس العوامل والدوافع التي انتجت التحرير الاول علي يد الامام المهدي والثاني علي يد الامام عبد الحمن تقف شاخصة في انتظار تحرير ثالث .فلا غرابة في ربط الامام الصادق المهدي اعلان موقف حزبه في مصير البلاد بحدث في مقام فتح الخرطوم وطرد المستعمر واعادة الامور لنصابها بعد ان ساد فيها الفساد والاستبداد . فيوم 26 يناير استفزاز للحس الوطني والديني للسودانيين لإنقاذ الوطن من النفق المظلم .وتذكير للشعب السوداني وصيه الاجداد والاباء والحفاظ علي ترابه وشعبه .
لقد صرفت الدولة ملايين الجنيهات علي الاحتفالات بأيام لا وجود لها علي ارض الواقع في سبيل البهرجة يوم "الحصاد" اين الحصاد والبلد تستورد قوتها من الخارج ؟؟؟؟ ويوم "السلام "الذي قوض وافرز بؤر توتر دائمة في جسد الوطن وقد انفصل جنوبه نتيجة للحرب ومازالت دارفور متقدة وابيي تنذر بكارثة في ظل التفريط الرسمي والتلاعب بمصالح الناس . ويوم "الاستقلال " الذي اصبح يوما للاستعمار والتفريط في سيادة البلد (اكثر من ثلاثين الف جندي اجنبي ومئات المدنيين الاجانب والمبعثين الخاصين والقرارات والمطاردات الدولية وتدويل كل القضايا فصار اسماء المسؤولين الاجانب الاكثر شهرة) ، مما افقد هذه الايام مضمونها ورونقها وتأثيرها في الوجدان السوداني وتغض الطرف عن الاحتفال بمثل هذا اليوم التاريخي "26ينايرفتح الخرطوم وطرد المستعمر " وتسمي ما شاءت من الطرق والجسور بأسماء واهية ولكنها لم تسمي شارعا او جسراً يخلد ذلك اليوم .
ان الاحتفاء بيوم تحرير الخرطوم يلهم في النفس العزة والشموخ والاعزاز لكل سوداني غيور سليم الفطرة ، وقد عبر محمد المكي ابراهيم في رائعته "بعض الرحيق انا والبرتقالة انت" :
وليسألوا عنك افواج الغزاة رات
نطحاً كنطحك والايام مهدية
خاصة وبلادنا تمر بمنعطف بالغ التعقيد جراء السياسات الاحادية والانفرادية . الامر الذي يستوجب تحرير انفسنا من قبضة ذات الاغلال التي قيد بها السودانيين وتسوده ذات حالة الانحطاط والتفسخ والظلامية في القرن التاسع عشر .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !