هيئة سوق المال والتبادل الامريكية ومقرها نيويورك قدمت عريضة اتهام إلى المحكمة الأمريكية أول الشهر الجاري تنص على قيام شركة "ديملر مرسيدس بنز" للسيارات بتقديم رشوة لمسئول مصري حكومي كبير لتسهيل شراء سيارات ومعدات من الشركة الالمانية، ووفق نص الاتهام الواقع في 27 صفحة، فان الشركة الالمانية قدمت رشوتين الاولى بمبلغ 1.1 مليون مارك الماني ثم رشوة اخرى بمقدار 322 الف يورو (حوالي 2.5 مليون جنيه) للمسئول المصري الذي لم تسمه العريضة بغرض تسهيل أعمال ومبيعات الشركة في مصر، غير ان العريضة قالت ان الدفع تم عن طريق شركة تسمى نفسها "كونسالتنج ايجيت" او "مصر للإستشارات" عمل فيها هذا المسئول كغطاء لعملية الرشوة، بحسب العريضة.
هذه القضية الكبرى التي أطلق عليها إعلامياً "قضية الرشوة الكبري" تم طرحها على الساحة الإعلامية العالمية للنقاش منذ أواخر شهر فبراير الماضي عندما فجرتها وكالة الأنباء الأمريكية " أمريكا إن أرابيك"، وهو الأمر الذي أثار إهتمام دوائر السلطة العليا في مصر، وبناء عليه تم تكلف وزارة الداخلية أواخر شهر مارس الماضي بالبحث والتحري حول "صفقة مرسيدس" تحديدا وصفقات "التويد" الكبرى الأخرى التي تقوم بها الوزارات المختلفة خلال العشر سنوات الماضية وحول شركة "مصر للإستثمارات" التي ورد ذكرها في عريضة الإتهام الأمركية وحول أنشطتها خلال العشر سنوات الماضية.
أكد مصدر قريب الصلة بالقضية في مصر أن اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية كلف الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة يوم السبت 13 مارس الماضي – بناء على تعليمات عليا – بالبحث والتحري حول التوريدات الكبرى للوزارات خلال العشر سنوات الماضية وخاصة التوريدات القادمة من الخارج والصفقات الدولية الكبرى المستوردة من شركات كبرى والشركات المصرية الوسيطة، على أن تنتهي فترة التحريات منتصف شهر إبريل الجاري لتقديمها لدوائر السلطة صاحبة قرار البحث والتحري.
ويشير المصدر إلى أن تكليف البحث والتحري رقم 143 لسنة 2010 بتاريخ 13 مارس الماضي، حول العشر سنوات الماضية منذ تكليف الوزارة وحتى اليوم - 26 يوم تقريبا- أسفر عن إكتشاف "بلاوي" – بحسب تعبير المصدر- حيث تبين أن شكرات ألمانية وإيطالية كبرى قامت بتوريدات "مشبوهه" لعدد من الوزارات خلال العشر سنوات الماضية وتم دفع رشاوى تقدر بملايين الجنيهات لمسئولين وموظفين كبار بهذه الوزارات خلال العشر سنوات الماضية لتسهيل عمل هذه الشركات الكبرى في مصر.
وأشار المصدر أن هذه الرشاوى تم دفعها بوساطة شركات إستشارات وخدمات مصرية وجمعيات مجتمع مدني، وقدرت الرشاوي التي تم الوقوف عليها والتوصل إليها خلال فترة البحث والتحري بحوالي "25 مليار جنيه" خلال العشر سنوات الماضية، أغلبها عمولات ورشاوي من شركات سيارات عالمية وشركات الألات والمعدات العالمية، وهذه العمولات ذهبت لموظفين كبار بالدولة وخاصة في الوزارات التي تعتمد في عملها على السيارات..!، وسيارات الوزراء وكبار المسئولين "الفئات العليا" وسيارات النقل والخدمات، وهي تكبد الوزارات سنويا ملايين الجنيهات.
ويضيف المصدر أن رشاوى الشركات الألمانية والإيطالية والأمريكية الشهيرة سبق وأن تطرقت إليها تقارير صحفية نشرتها صحف ومجلات ومواقع إليكترونية أوروبية خلال العامين الماضيين، لكن الأمر لم يعيره احد أي إهتمام، فقد نشرت مجلة "Made in Germane" الألمانية تقريرا في شهر أغسطس 2008 أشارت فيه إلى تنافس شركتي السيارات "mercedes" و "B.M.W" على تسويق منتجاتها في الأسواق المصرية وخاصة التوريدات الحكومية التي تتطلب سيارات الفئات العليا لآستخدام كبار المسئولين وأيضا قطع الغيار هذه السيارات، وأشارت المجلة إلى أن الشركتان لجأتا لأساليب مشروعة غير مشروعة للفوز بالسوق المصري، حيث تم منح عدد من كبار الموظفين بالدولة عمولات وهدايا ورشاوى تقدر بالملايين من أجل هذا الغرض، كما نشرت مجلة "نادي السيارات الألماني – عالم المحرك" تقريرا في شهر إبريل 2009 يحمل نفس المعنى موضحا فيه أسماء شركات السمسرة وقدر العمولات التي تم منحها لشركات الوساطة هذه، وذكر التقرير أيضا أسماء عدد من شركات المنتجات العالمية التي تعمل في مجالات عديدة وليس السيارات فقط وتطمح في السيطرة على السوق المصري وخاصة التوريدات الحكومية وذكر أيضا حجم العمولات والرشاوي التي تم دفعها للموظفين الكبار دون أن يرد أسماء هؤلاء الموظفين الكبار بالتقرير.
كما ذكرت مجلة "دير شبيجل" الألمانية من خلال تقرير مفصل تم نشره في الصفحة الثالثة مع إشارة للموضوع بصفحة الغلاف، حول السوق المصري وطموح الشركات الألمانية العاملة في إنتاج السيارات والعدد والآلات الثقيلة في الدخول إليه والسيطرة عليه وخاصة التوريدات الحكومية التي تعتبر أسهل أبواب الدخول إلى السوق المصري وذلك لكون هذه الجهات الحكومية يتم السيطرة عليها عن طريق منح كبار الموظفين بها المسئولين عن التوريد عمولات وهدايا ورشاوي وبالتالي تحقيق النتيجة المرجوه بمنتهي السهولة وهو الأمر الذي بدى واضحا خلال صراع شركتي "مرسيدس وبي إم دبلو" خلال الشهور القليلة الماضية – على حسب ماجاء بالتقرير الصحفي بالمجلة - ، كما تطرقت المجلة إلى رصد حجم جزء من العمولات التي تم دفعها لمسئولين بالوزارات المصرية مع ذكر هذه الوزارات، وهي "المالية والداخلية والخارجية والصحة والنقل و التعليم" ، وأشار التقرير إلى أن الجهات الرقابية بمصر غير مهتمه بالأمر برغم "علم المسئولين" – بحسب تعبير محرر التقرير بالمجلة – إلا أنهم غير مهتمين وذلك لكون العمولات والرشاوي لقبول توريد السلع للجهات الحكومية باتت أمرا طبيعيا وعرفا متبعا بين المورد والجهه الموردة ولا غضاضه في ذلك من قبل المسئول!!.
ويضيف المصدر .. كما تبين بالبحث والتحري أن مجلات إيطالية أيضا تطرقت لموضوع العمولات والرشاوى في الوزارات والمصالح الحكومية مقابل توريد البضائع لها، وأن شركات إيطالية تبحث غزو سبل غزو سوق التوريدات الحكومية تماما كما تفعل الشركات الألمانية، حيث نشر موقع هسبريس الإليكتروني المغربي الناطق بالإيطالية أن شركات كبرى إيطالية ويابانية تسعى جاهدة نحو الفوز بسوق التوريدات الحكومية المصرية للمصالح والهيئات والوزارات وأن هذه الشركات قامت على سبيل الدعاية خلال عام 2008 والنصف الأول لعام 2009 بدفع رشاوي باهظة لمسئولين كبار بالحكومة المصرية على سبيل "الدعاية" لمنتجاتها ولتسهيل مرور منتجاتها لقوائم التوريد السنوي لهذه الجهات والمصالح الحكومية، كما نشرت مجلة "أوجي" الإيطالية تقريرا في شهر يناير الماضي جاء فيه أن الشركات الإيطالية الكبرى المنتجة للسيارات والآلات والمعدات الثقيلة والآثاث الفاخر تسعى نحو الوصول إلى قوائم التوريد الحكومي المصري وفتح آفاق جديدة في الأسواق المصرية عن طريق عمل "فرشة تمهيدية" لدى الحكومة ثم نشر توكيلات لها في مصر عوضا عن التوكيلات القديمة التي فشلت في ترويج منتجاتها خلال السنوات الماضية وخاصة سنوات الأزمة الإقتصادية العالمية بالإضافة إلى دعم التوكيلات الفاعلة في السوق المصري عن طريق تمهيد المصالح والجهات الحكومية الكبري لوضع المنتجات الخاصة بهذه الشركات على قوائم التوريدات الحكومية وذلك عن طريق تقديم رشاوى وهدايا وعمولات لكبار الموظفين المصريين المسئولين عن التوريد.
ويؤكد المصدر على أن مذكرة البحث والتحري سوف تقدم إلى وزير الداخلية في منتصف إبريل الجاري للإطلاع والتوجيه "بالحذف والإضافة" ورفعها إلى دوائر السلطة العليا - صاحبة قرار البحث والتحري- للإطلاع أيضا والتوجيه باللازم، وذلك خلال فترة لن تتعدى أول مايو القادم وأظن – والكلام للمصدر – أن الأمر سوف ينتهي بنقل هؤلاء الموظفين الكبار وإصدار قرارات بإلزام الوزارات والجهات والمصالح الحكومية بترشيد إستيراد السلع والآلات والسيارات من الخارج، لتحفظ مذكرة التحريات كما حفظ ماقبلها.
التعليقات (0)