لست أدرى هل أكتب سياسة أم فلسفة ؟ ذلك أن الأمر فيه كثير من الإلتباس . , أشعر بأن الأقدار لا تصنع الأعاجيب فى حياة الأفراد فقط , ولكنها تفعل ما هو أعجب فى حياة الشعوب , من هنا فأنا أعترض على من يقولون : إن على الانسان ان يعتبر من قراءة التاريخ , أنا أرى أن التاريخ لا يصنعه العقل , ولا يصوغ أحداثه المنطق , وأن الإنسان الفرد هو جزء من رحلة عبثية غير خاضعة للعقل , مع أن العقل كما يقولون هو من خصائص الإنسان . أقول ذلك بمناسبة احتفال مصر اليوم بعيد تحرير سيناء , ويالسخرية الأقدار يتكرر السيناريو العبثى الذى حدث فى احتفالات نصر أكتوبر الماضية , حيث احتفل بالمناسبة من لم يصنعوها, بل الذين شمتوا فى الهزيمة واعتبروها انتقام لله من عبد الناصر بسبب ما ينسبونه إليه من ظلمهم ومطاردتهم , والجميع يذكر هذا المشهد العبثى فى استاد القاهرة , حينما حضر احتفال النصر قتلة السادات الذى يُنسب إليه صنع هذا النصر عملا وصبرا وتخطيطا . اليوم تتكرر المناسبة حيث يحتفل الإخوان المسلمون وحكومتهم بيوم تحرير سيناء , بينما مبارك الذى أسهم فى صنع هذا التحرير بين القضبان , - هنا أريد أن أؤكد أننى كنت فى مقدمة من انتقدوا نظام مبارك , ولكن هذا لا يمنع من النظر فى المفارقة . إنهم يقولون إن مبارك متهم بقتل ثوار يناير , ومع ذلك فقد تم قتل عدد كبير من الشباب المصرى بعد الثورة , على امتداد العامين الماضيين , وحتى الآن لم يُعرف من القتلة ؟ ,ولم يُقدم أحد للمحاكمة . يجرى الاحتفال بعيد تحرير سيناء من قِبل التنظيم الذى لا يؤمن بحرمة حدود الوطن الذى يستبدل به حدود الأمة , ويغيب عن الاحتفال مبارك الذى شارك فى معركة التحرير العسكرية فى أكتوبر 73 , , والذى أشرف على المعركة الدبلوماسية بعد أن اغتال تلاميذ الإخوان الرئيس السادات . حيث رفع مبارك علم مصر يوم 25 ابريل من عام 82 على مدينة رفح عند الحدود الشرقية لمصر , ولما تلكأت إسرائيل وماطلت فى الجلاء عن طابا مدعية ملكيتها لها ,خاض مبارك معركة سياسية وقانونية صلبة ,وذلك باللجوء إلى المحكمة الدولية التى حكمت بأحقية مصر فى طابا فى 30 سبتمبر 1988 . وفى 19 مارس 89 رفع مبارك علم مصر على منتجع طابا : آخر قطعة تم تحريرها من ارض الوطن . هذا ما قدمه الرجل لمصر , أعرف أن له أخطاء بل خطايا , ولكن من الواضح أن حكم الإخوان يعامل الرجل معاملة انتقامية , وكلما صدر له حكم بالبراءة من إحدى التهم أقام نائبهم العام ضده تهمة أخرى , مع أننى أرى أن من اخطر أخطاء مبارك أن هؤلاء الذين يريدون أن يبقى فى سجنه حتى النفس الأخير , هؤلاء لم يكونوا ليصلوا إلى الحكم لولا سياسة مبارك حيالهم التى مكنتهم من اللعب بعواطف الناس والعبث بعقولهم , . كنت أتصور أن الرئيس مرسى الذى أصدر أكثر من عفو رئاسى عن تجار المخدرات وعن المتهمين فى قضايا إرهابية , وعفا عن عناصر من تنظيم القاعدة كانوا مطلوبين من قبل الأمن المصرى , وسمح بعودتهم إلى مصر . الذى فعل كل ذلك كان من الممكن أن يستغل مناسبة عيد تحرير سيناء ليعلن عفوا عن الرجل الذى شارك فى هذا التحرير , وكان يمكنه أن يكون عفوا صحيا فالرجل متقدم فى العمر ويقع تحت طائلة عدة أمراض . ومهما قيل أو يقال عن أخطائه فيكفيه أنه كان بإمكانه أن يُجرى فى مصر أنهارا من الدم كما فعل القذافى ويفعل بشار , وأنا واثق أنه كان سينتصر لو استمر فى عناده لأن المجلس العسكرى لم يكن أمامه إلا أن يقف بجانب قائده لو تطورت الأمور , كما أنه لا يغيب عن الذهن أن الحرس الجمهورى كان مع مبارك إلى آخر لحظة , . بالإضافة إلى ذلك فقد كان باستطاعة الرجل أن يغادر مصر كما فعل الرئيس التونسى , ولكنه كما قال آثر أن يموت على أرض مصر التى دافع عنها . لقد وقف الرجل موقف فارس نبيل مهزوم ,وسلم الراية لمن سلموها لأصحاب المشروع الأممى , الذين يتظاهرون بالاحتفال بتحرير سيناء, ويرفعون أعلام الوطن فى هذه المناسبة . , فليرفعوا أعلام الوطن الذى اغتصبوا السلطة فيه بالخداع والتضليل , ولكن أعلام الوطنية المصرية هى التى ستُنكس فى هذا اليوم وفى كل الأيام التى نشقى فيها بحكمهم
التعليقات (0)