مواضيع اليوم

22 حمار

عادل جبرتي

2010-08-22 06:08:37

0

  

 

كان ياما كان في قريب الزمان . كان هناك حمارا اجتمعت فيه كل خصال الظرف مما جعل الحمير يتفقون على تنصيبه ملكا عليهم . فرح الحمار الظريف بهذا التشريف العظيم ورأى أنه اوتي كل النعم التي في الدنيا إلا أنه بعد مضي وقت قصير عاد يشكو كعادته من إنعدام الذرية مما حدا بإلاتان زوجته أن تذكره , هي التي عرفت بالحكمة , بأن الشكوى والتذمر لا تليق بحمار يؤمن بقضاء الله وقدره مثله وإن الله أعلم منه فربما كانت الذرية التي يريدها مصدر شر له ولجنس الحمير إلا أنه كما يبدو كان حبه للولد قد تملك قلبه فقال في ساعة ضعف أنه يريد الذرية حتى لو جاءت معها كل الشرور .

 استغفرت الإتان الحكيمة لها ولزوجها على ما أظهر من إعتراض على قدر المولى ولكن بعد فوات الاوان فقد قال المولى كن فكان 22 حمارا . سنوات قليلة وصار هذا الحمار الملك معروفا بكثرة الولد وهو الذي كان حتى عهدا قريبا يعرف بالملك العقيم مما حدا بأهم مؤرخ من جنس الحمير ذكر هذه المعلومة في كتابه " تاريخ ملوك الحمير " ولكنه عاد وصححها في الطبعة الثانية من الكتاب واصفا إياه بالملك صاحب الذرية .

ترعرع الابناء أمام ناظري والدهم وكان كلما اشتد عود أحدهم اظهر من الحماقة ما يبز به من سبقه من أخوته . شكا الحمار الملك ذلك لزوجته فذكرته بأن هذا ما جلبه عليه ضعف إيمانه . استغفر الحمار الملك ربه ولكن بعد فوات الاوان فقد اراد المولى أن يعاقبه على عدم الصبر والرضا بالنصيب وذلك حين تحلق ابنائه حوله يطالبونه بأن يولي كل منهم على جزء من ارض الحمير وإلا فأنهم سيعزلونه بالقوة . اضطر الحمار الملك أن يقسم شعبه إلى اثنين وعشرين قبيلة يرأس كل واحدة منها حمارا من ابنائه ثم بعدها ساءت حالته ومات مكسور الخاطر وبعدها بأشهر لحقت به زوجته وهكذا انتهت قصة حمار وبدأت قصة 22 حمارا .

 

قسم الابناء ارض الحمير فيما بينهم وانحاز كل حمار بالقبيلة التي يحكمها الى ارضه ثم تفرغوا بعدها احيانا للترافس فيما بينهم وأحيانا آخرى كان الرفس لمن تحتهم من الرعية مع أن أكثر هؤلاء الرعية كان مطيعا للحمار الحاكم ومشغولا عنه وعن أمور الحكم والسياسة بالبحث عن التبن الذي عز في بعض المناطق مما حدا بآلاف الحمير أن يهاجروا بحثا عنه ومما زاد الطين بلة أن بعض ممن هاجر كان من الحمير اصحاب العقول الذين لم يعد بإمكانهم إحتمال أن يكونوا مجرد حمير لا شغل لها سوى التصدي لرفس الحمار الحاكم في الصيف وضراطه في الشتاء . ساءت الحال في ارض الحمير بعد أن فقدت كل قبيلة إحترامها لحاكمها . تذكر الحمير بكل حسرة زمن الحمار الاب الذي بدا أنه ولى إلى غير رجعة .

وفي يوم من الايام وصل الى ارض الحمير فارسا راكبا حصانا بدا عليه التعب بسبب الحروب التي خاضها الفارس ممتطيا ظهره . طلب الفارس من الحمير أن يسمحوا له ولحصانه أن يستريحا قليلا في ارضهم  فرحب الحمير وأبدى كل منهم طاعة وولاء لهذا الفارس قلما ابداها حمارا تجاه إنسانا .

أما الحصان فقد أتخذ له مكانا صغيرا من ارض الحمير الشاسعة المترامية الاطراف ورغم أن المكان الذي اتخذه كان يحمل معنى أكبر من مساحته في تاريخ الحمير المجيد إلا أن الحمير , إحتراما للفارس وإحتراما لتقاليدهم العتيقة في إكرام الضيف , سكتوا ولم يبد أي منهم إعتراضه على إختيار الحصان هذا المكان بالذات , حتى كما قال يستعيد عافيته وتشفى جروحه .

 وفي أحد الايام استيقظ الحمير ولم يجدوا الفارس فسئلوا الحصان عنه فقال أنه سيعود قريبا . بعد أيام أعاد الحمير السؤال على الحصان في ظل عدم ظهور الفارس أو حتى إشارة تدل على عودته فأظهر الحصان الاستغراب وقال أنه لا يعرف عن أي شئ يتحدثون . طالت آذان الحمير أكثر مما هي طويلة أصلا وهم يسمعون كلام الحصان الذي كان نزقا وهو يتكلم معهم وكأنه صاحب الارض وهم ضيوفه الثقلاء.

بعد أيام عاد جحش من المرعى وهو يبكي والسبب كما أخبر من سأله هو أبن الحصان الذي قال أنه وجه له ضربة في وجهه وعندما سأله الحمار المستفسر عن أي ابن حصان يتحدث وأرض الحمير ليس فيها سوى حصانا واحدا هو ضيفهم الذي آن الآوان لرحيله لأن مكوثه قد طال ولابد له أن يترك أرض الحمير عامة والجزء الذي اتخذه مكانا له , حتى كما قال يستعيد عافيته , خاصة وإلا فأنهم , أي الحمير , سيقذفون به الى البحر الذي يحيط أرض الحمير من كل جانب وعندما أحس الجحش أن هذا الحمار لن يسكت نهق في وجهه فسكت الحمار الذي انتبه أنه لم يعط الجحش المفتوحة جبهته ولا حتى كاتب القصة فرصة في أن يخبراه أن الحصان الضيف قد جاء بزوجته وابنائه منذ اسبوع وأنهم معه الآن في نفس المكان ينعمون بالهواء العليل والظل الظليل فنهق الحمار المهتم في وجه الجحش واتهمه بالغباء فقد كان عليه , كما قال ,أن يخبر الحمير بمجئ ابناء الحصان وزوجته قبل اليوم وتجاوز الى الكاتب واتهمه بالخداع وإلا كان من المفترض ذكر هذه المعلومة في الفقرة السابقة على الاقل حتى تعرف الحمير رؤوسها من اذنابها وتواجه هذا الامر الخطير ولم يسكت إلا عندما هدده الكاتب بإخراجه من هذه القصة فسكت عندها الحمار المنفعل وأنتبه أنه ليس سوى شخصية في قصة وطلب العفو من الكاتب  في هذا التجاوز فقد ظن في لحظة , كما قال , أن الامر حقيقي وأنه حمار حقيقي عليه أن يقف في وجه كل من يمس مصالح الحمير بشر فسامحه الكاتب وعفا عنه وطلب منه أن يستمر في استجواب الجحش الذي كان ينزف فيما الحمار وكاتب القصة يتجادلان ولكنهما عندما انتبها اعتذرا منه عن تشتيتهما لذهن القارئ عنه وهو بطل الفقرة فتقبل الجحش ذلك مكرها وإلا فأنه كان يفضل , كما قال , الانسحاب من القصة برمتها فليس في القيام بدور جحش معفر الوجه ما يغري ولكنه حكم القوى كما تمتم .

الجحش قال أنه أخبر والدته بهذا الامر ولكنها لم تصدقه عندها سأله الحمار لماذا لم يخبر والده فأجابه الجحش أنها المرة الاولى منذ أن بدأت هذه القصة التي يقابل فيها والده فسأله الحمار متعجبا هل تقصد أني أنا والدك فهز الجحش رأسه بإلايجاب عندها امتقع وجه الحمار المخدوع وظهرت عليه الدهشة ثم رفع نهيقه عاليا واصفا كاتب القصة بالفاشل الذي لا يعرف شئ عن فن الحكي وأنه لا يشرفه أن يكون شخصية في قصة لهكذا كاتب معلنا إنسحابه عندها اضطر كاتب القصة أن يتدخل ويصيح في وجه هذا الحمار الثائر كاتبا على مرآى من القراء والجحش

ستكمل هذه القصة يا حمار يا أبن الحمار

فعاد الحمار وأكمل الحوار ولكنه بعد قليل التفت الى الكاتب قائلا بسخرية وتهكم أن وصفه بالحمار وهو الحمار لا يهينه وأن هذا دليل على عدم تمكن الكاتب وإلا كان استحدث شتيمة تجرح مشاعره كحمار عندها اطرق الكاتب رأسه ثم بعد لحظات كتب

ستكمل هذه القصة يا إنسان يا أبن الإنسان

فامتعظ الحمار ايما امتعاظ  ورد على الكاتب

 بل أنت الانسان ابن الإنسان

بعد لحظات هدأ الجميع وعاد الكاتب يكمل هذه القصة التى لاحظ أن خيوطهاعلى وشك أن تنفلت منه وتضيع بسبب هذا الاستعراض متخليا عن الحمار وابنه في منتصف القصة غقابا لهما على حمقهما.

اجتمع الحمير وتدارسوا امر الحصان وقرروا أن يطلبوا منه الرحيل فورا وذهبوا إليه ليجدوا في استقبالهم فارسا شابا غير الفارس الذي جاء من قبل أخبرهم عندما سألوه أنه ابنه وأن والده قد مات وأنه هو الآن صاحب الحصان وعندما طلبوا منه الحمير أن يرحل هو وحصانه اجابهم بأنه راحل لأن لا حاجة له في البقاء في ارض الحمير ولكن الحصان باق في مكانه عندها رد الحمير بأن المكان ليس مكانه بل هبة منهم حتى يستريح فيه عندما كان تعبا وجريحا ولكنه احتله لنفسه وأن والده يشهد بذلك فقال الفارس الشاب أن والده ميت وأنه لا يعرف الآن سوى أن الحصان في أرضه وأنه يدعم هذا الحق وسيدافع عنه وأنه لن يتخلى عن حصانه يواجه هذه الاعداد من الحمير المتوحشة وحده هو وزوجته وابنائه المساكين .

واقع جديد فرض على ارض الحمير الذين كانوا , حتى حينه , ما زالوا يترافسون في بينهم ثم كأن المصيبة جمعتهم فقرروا خوض حرب ضد الحصان ثم ترددوا عندما تذكروا أن الفارس سيكون في صف حصانه ولكنهم ابدوا بعض الشجاعة وخاضوا حربا اكتشفوا في خضمها أن ابناء الحصان ليسوا صغارا كما بدا من الوهلة الاولى بل أنهم كانوا اقوياء وأصحاب شكيمة فهزم الحمير على ايديهم شر هزيمة سجلها بمداد من عار ذات المؤرخ الذي ذكرناه من قبل . نعم هو ذاته صاحب كتاب " تاريخ ملوك الحمير " فلا تحتمل هذه القصة أكثر من مؤرخ عزيزي القارئ . هو مؤرخ واحد . الله وحده يعلم أين عثر عليه الكاتب في ارض الحمير الخالية إلا من الحمير .   

المهم أن الحمير فقدوا الى جانب الارض التي كان يحتلها الحصان ارضا جديدة وهكذا توسع نفوذ الحصان واستقوى اكثر من ذي قبل عندها بدأ الحمير يستخدمون السلاح الذي يتقنونه أكثر من أي سلاح آخر ألا وهو النهيق . في كل يوم كان الحمير ينهقون بأتجاه الحصان وصاحبه الذي كان احيانا يرهف السمع لهذا النهيق أما ما كان حقا يشنف سمعه فهو صهيل حصانه الذي كان نادرا ولكنه مؤثرا ويدوخ صاحبه ويسلطنه و" أنا " أجد أن معه حق في ذلك . " انا " هنا أعني بها نفسي أنا عادل جبرتي فصهيل الاحصنة أجمل من نهيق الحمير ففي القرآن ( إن أنكر الاصوات لصوت الحمير ) أم أنك ترى عزيزي القارئ أن النهيق أجمل من الصهيل ؟!!!

  

عاد الحمير الى سابق حالهم وتناسوا امر الحصان بل أن بعضهم تقرب منه عارضا عليه الصداقة فقد كان في هذا الحصان كل الصفات التي يتمناها الحمير في انفسهم . كان يمثل لهم الصورة التي يريد كل حمار منهم أن تكون صورته . كان حنونا على ابنائه فيما كانوا هم قساة . كان نشيطا ومجتهدا فيما كانوا هم كسالى . كان ذكيا ورزينا فيما كانوا هم حمقى كلمة تذهب بهم شمالا وآخرى تطيح بهم يمينا . وهكذا انتهت قصة 22 حمار وبدأت قصة حصان .

     

                 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !