مواضيع اليوم

2011..عام الحقيقة والربيع العربي(3)

عبدو شامي

2012-02-28 23:19:27

0

2011..عام الحقيقة والربيع العربي(3)

تموز2011..بداية أفول الهلال الشيعي

دخل شهر تموز 2011، حاملاً معه عنوانًا كبيرًا فرضته تطوّرات لبنان والمنطقة: "أفول الهلال الشيعي".
إن إعصار الشرق الأوسط لا يزال في بداياته، وذروته لم تتشكَّل بعد، لعلّها تبلغها مع سقوط النظام الأسدي المرتقب. إيران قلقة من الأوضاع وإن حاولت إيهام الرأي العام أن الأمور جارية لصالحها. تهاب تعاظم النفوذ التركي وتعميم نموذجه الديموقراطي على المنطقة. هي تتحسّب لما يحصل في البحرين، وما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن. ترصد توازنات العراق. تقلق على الورقة الفلسطينية بعد سقوطها من يد الأسد. تستشعر علامات القلق في لبنان، فالقوى الاستقلالية لم تعد تهاب السلاح، وخطابها عالي النبرة، والمحكمة الدولية مصمِّمة على النجاح.
الإيرانيون وحلفاؤهم في حيرة وقلق كبير، يتساءلون عن النيّات الحقيقية للأميركيين، ويقولون في قرارة أنفسهم: ألم نكن حلفاء أميركا في الخفاء، نعاديها وإسرائيل بالخطابات والعنجهيات والمزايدات لا بالأفعال؟! ألم تسهّل لنا اختراق الدول العربية والسيطرة على "الهلال الخصيب" و"تصدير ثورتنا" لشق الصف العربي والإسلامي ومنع المارد العربي السنّي من الاستيقاظ؟ ألم نلعب بإتقان دور "الفزّاعة" في الخليج، لضمان بقاء المصالح الأميركية وسيطرتها على منابع النفط، واستمرار عقود وصفقات التسلّح بمليارات الدولارات؟! ما بالها تدعم الثورات في البلدان الإسلامية بعد طول غض نظر عن الطغاة، علمًا أن صعود التيارات الإسلامية السنّية هو البديل المرجّح، وإذا ما طلع "البدر السنّي" أفل "الهلال الشيعي" وأصيب عقده بالانفرط؟!
اختار رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" أن يفتتح شهر تموز بالكشف عن خارطة طريق "حزبه" للمرحلة الجديدة التي دخل فيها لبنان مع تشكّل حكومة "ربع الساعة الأخير" وصدور القرار الاتهامي في "جريمة العصر"، فقال في الأول من تموز بعنجهية تنمُّ عن توتر وفقدان الأعصاب: "إن المرحلة القادمة تحتّم علينا واجبَين، أولاً إدارة الأذن الصمّاء للكلام الذي سيصدر عن بعض اللبنانيين البسطاء من الفريق الآخر، وعدم الإنصات للاستفزازات مهما سمعنا من شتائم ونعوت، وثانيًا نحن معنيّون بإطالة عمر حكومة نجيب ميقاتي حتى الانتخابات في العام 2013، حتى ولو كان الثمن أن نتحمل صلف بعض الوزراء الذين من الممكن أن نطلب منهم بعض المطالب ولا يلبُّوها، وهذا حتى نرى جماعة المحكمة وإسرائيل في لبنان الى أين سيصلون، ولن يكون باستطاعة فريق المحكمة الدولية أن يفعل شيئًا أمام مسيرتنا التي لن يقدر أحد عليها".
مغربيًا، حلّ في الأول من تموز اليوم المنتظر، جرى الاستفتاء على الدستور المغربي الجديد، ودُعي إليه 13 مليون مواطن من الثامنة صباحًا حتى السابعة مساء، 11ساعة كانت كافية لنجاح العاهل المغربي الملك محمد السادس في اجتياز قطوع الثورات الشعبية، مع تحقيقه نصرًا ساحقًا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي اقترحها لتهدئة محتجي "الربيع العربي"، حيث أظهرت النتائج أن 98.5 في المئة من الناخبين أيَّدوا الدستور الجديد، وأن نسبة المشاركة بلغت نحو 73 في المئة، كانت بمثابة التصويت على الثقة في العاهل المغربي.
بعد عنجهيّات "محمد رعد"، جاء دور "حسن نصر الله" الأمين العام لحزب "القتلة" في لبنان. ففي الثاني من تموز، أعلن "نصر الله" في كلمة متلفزة عبر قناة "المنار" التابعة لـحزبه أن: "هذه المحكمة وقراراتها وما ينتج منها بالنسبة إلينا أميركية إسرائيلية بوضوح. بناء عليه، نرفضها ونرفض كل ما يصدر عنها من اتهامات باطلة أو أحكام باطلة، ونعتبرها عدوانًا علينا وعلى مقاومينا، وظلمًا لشرفاء هذه الأمة". وأضاف: "لن يكون في الإمكان توقيف المتهمين لا في 30 يومًا ولا في ستين ولا في ثلاثين سنة ولا في 300 سنة"، مضيفاً: "ستذهب الامور الى المحاكمة الغيابية والحكم صادر ومنته".
وتابع "نصر الله" تأكيده أن حكومته لن تعتقل المتهمين، فقال: "لا تحمّلوا حكومة ميقاتي في هذا الملف ما لا يجوز ان تحمّلوها، وما لم تكن حكومة الحريري لتحمله (...)، ولو كانت الحكومة برئاسة الحريري أو السنيورة، هل كانت هذه الحكومة تستطيع أن تعتقل هؤلاء الأشخاص؟ هل كانت تستطيع أن تنفّذ مذكرات التوقيف؟ لن تستطيع وكلنا يعرف ذلك(...)، لا أعتقد أنه يمكن أن يعثروا على المتهمين أو يوقفوهم".
ثم سأل عن سبب شحن الحواسيب الخاصة بلجنة التحقيق الدولية من لبنان عبر إسرائيل، عارضًا لوثيقة ادعى أنها من دائرة الضرائب الإسرائيلية تثبت ذلك، قبل أن يتبيَّن زيف ادعائه، مع بيان أن الوثيقة تحمل اسم (UNTSO) أي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة United Nations Truce Supervision Organisation التي تعمل في القدس والجولان ومصر وبيروت ودمشق منذ 1948، ولديها في كل من هذه الأماكن مفرزة لمراقبة الهدنة. وهيئة من هذا النوع لا ترمي في مكب للنفايات أغراضها وما يعود لأفرادها، خصوصًا إذا كان معظمهم عسكريين، وأهمها هي حواسيبهم متى أصبحت قديمة، إذ لا بد أنها تنقلها الى عنوان خاص تابع للأمم المتحدة، حيث يتم إتلافها، أو ربما حفظها في مستودع خاص، بعيدًا عن الدول المتنازعة ولصوصها الرسميين وغيرهم. هذا مع العلم أننا أصبحنا في زمن تطورت في تكنلوجيا المعلوماتية، وإذا أرادت لجنة التحقيق نقل معلومات الى مكان ما، فباستطاعتها نقله بواسطة قطعة (فلاش ميموري) بحجم حبة الفول، لا عبر نقل الحواسيب بأكملها.
وتابع "نصر الله" تصويبه على المحكمة، مع عرض مقطع فيديو نقلاً عن قناة إسرائيلية لمؤتمر صهيوني، قال خلاله أحد الخطباء أن "أنطونيو كاسيزي صديق اسرائيل"، (مع العلم أن كاسيزي لم يقل شيئًا عن نفسه، ولو يحضر المؤتمر! وماذا لو قالت إسرائيل نصر الله صديقنا؟! ألم يقل "مشائي" إيران صديقة كل العالم بما فيه الشعب الإسرائيلي؟!).
كما عرض مقطعًا يظهر فيه نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق الضابط الألماني "غيرهارد ليمان"، وهو يتسلَّم رزمة من الدولارات، قال نصرالله أنها ثمن بيع بعض الوثائق الخاصة بالتحقيق، وأكّد أنه مستعد لتقديم الفيلم الى بلمار ليتحقَّق منه. وقد أعاد هذا المشهد الى الذاكرة شهادة الرئيس سعد الحريري وبعض الشخصيات أمام لجنة التحقيق الدولية التي نشرتها قناة "الجديد" عبر ما أسمته "الحقيقة ليكس"، إذ غالب الظن أن الحزب استطاع اختراق لجنة التحقيق الدولية وشراء تلك الشهادات، خلافًا لتأكيداته المستمرة أن المكحمة لا تعنيه، ومعلوم أن المجرم يحوم حول مكان جريمته.
ردودًا عدة أثارتها مواقف نصرالله التي أتت بعد يومين على صدور القرار الاتهامي، وعشية عقد المؤتمر الخامس لقوى 14 آذار تحت عنوان "المحكمة طريقنا الى العدالة"، ليلِيها لقاء جامع في اليوم التالي لنواب 14 آذار تحضيرًا لجلسات الثقة بالحكومة.
وعلى صعيد المصالحة الفلسطينية، حضّ الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" حركة "حماس" في الثاني من تموز على الليونة في تأليف حكومة وحدة فلسطينية، قائلاً إن جهود القيادة الفلسطينية لإعلان دولة عضو في الامم المتحدة في أيلول مرهونة بذلك(...)، نريد أن نذهب الى الأمم المتحدة موحّدين". وكانت حركتا "فتح" و"حماس" قد أنهتا رسميًا العداء المستمر بينهما منذ أربع سنوات في نيسان، لكنهما ما زالتا منقسمتين في شأن إصرار الرئيس على أن يتولى رئيس الوزراء "سلام فياض" رئاسة الوزراء الجديدة.
في الثالث من تموز، اكتملت حلقات التصعيد السياسي المفتوح على سقوف مرتفعة منذ صدور القرار الاتهامي للمحكمة الخاصة بلبنان قبل ثلاثة أيام، بردٍّ شامل من قوى 14 آذار على التحدي الذي أطلقه الأمين العام لحزب السلاح السيد حسن نصرالله في موقفه الرافض للقرار الاتهامي والمحكمة الدولية والتزامات لبنان تجاهها، أطلقته عبر البيان - الوثيقة الذي أعلنته إثر مؤتمرها الخامس والإستثنائي في فندق "البريستول" تحت صور الشهداء، وشعار "المحكمة طريقنا إلى العدالة"، والذي طغت عليه نبرة المواجهة والتصميم على إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بصفتها "مجرد واجهة للحزب المسلّح ونتيجة لانقلابه، وأداة لعملية وضع يده بالقوة على الدولة". هكذا لم يترك موقف 14 آذار منفذًا ولو افتراضياً للرئيس ميقاتي سوى "إعلان التزامه أمام مجلس النواب القرار 1757 (المتعلق بتشكيل المحكمة الدولية) في شكل صريح ومباشر، وكذلك التزامه الخطوات التنفيذية لهذا القرار، أو فليرحل هو وحكومته غير مأسوف عليهما".
سوريًا، وسط استمرار تصاعد وتيرة وحجم التظاهرات المناؤوة للنظام، واستشراس الأخير في سفك الدماء، خسر الثوار وأحرار العالم شابًا سوريًا من مدينة "حماه" يدعى "ابراهيم قاشوش"، الذي نشط إبان الاحتجاجات الشعبية السورية في قيادة المظاهرات التي تهتف بإسقاط الرئيس السوري "بشار الأسد"، وتأليف الشعارات المناوئة للنظام السوري وقيادته، بما فيهم الرئيس السوري شخصيًا، وشقيقه ماهر، و"حزب البعث"، وإنشادها أمام الجماهير في "ساحة العاصي" في قلب "حماه"، ومن بينها أنشودة باتت أشهر من نار على علم "يالله ارحل يا بشار"، التي غنّاها ملايين السوريين في الشوارع ليل نهار، ولاسيّما في "جمعة ارحل".
ففي خضم الحملة الأمنية التي نفذها الجيش السوري في أعقاب "جمعة ارحل" الموافقة للأوّل من تموز، والتي احتشد فيها زهاء نصف مليون متظاهر في "ساحة العاصي" في "حماه" مطالبين بإسقاط النظام وأقيل على إثرها المحافظ... ظفرت بـ"القاشوش" قوات الأمن السورية، وقامت بذبحه واقتلعت حنجرته، وألقته في "نهر العاصي"، لتشهد حنجرته بعد دم الطفل "حمزة الخطيب" وكثيرون ممن نجهل معاناتهم، على وحشية وبربرية وإجرام وإرهاب وسادية "نظام الأسد".
انتظر رئيس "حكومة القتلة" نجيب ميقاتي، الى الرابع من تموز لكي يرد بعنف على "الحرب المفتوحة" التي شنّتها القوى الاستقلالية ضده. فقد اتهم ميقاتي قوى 14 آذار بـ"تضليل الرأي العام عبر ادعاء المجتمعين في البريستول أن الحكومة تتنكّر لمطلب العدالة الذي التزمته الدولة". وذكّر بأن الفقرة 14 من البيان الوزاري "تؤكد إحقاق الحق والعدالة انطلاقًا من احترام الحكومة القرارات الدولية وحرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها من خلال المحكمة الخاصة بلبنان". كما اعتبر أن اتهام المجتمعين للحكومة "بالتنكر لدماء الشهداء" هو "قمة التضليل وقت يعرف القاصي والداني من عمل في وقت من الأوقات على تسوية، حتى لا نقول أكثر، على حساب دم الشهداء وقضيتهم للتمسك بموقعهم في السلطة" في إشارة عنى بها الرئيس الحريري دون أن يجرؤ على تسميته. وأضاف: "لهؤلاء نقول: المعارضة حق مشروع ولكن التخريب على الوطن جريمة". وتابع "ميقاتي" أن "علينا التعاون بواقعية تامة مع موضوع المحكمة مع تأكيد استقرار لبنان، وعلينا التوفيق بينهما وعدم اعتبار أي منهما متعارضًا مع الآخر". وأكد أن تمويل حصة لبنان في موازنة المحكمة "سيدرج ضمن الموازنة العامة في حينه".
في المقابل، وردّت الأمانة العامة لقوى 14 آذار على رد ميقاتي فاتهمته "بإيهام الرأي العام بأن حكومته العتيدة حريصة على إحقاق الحق والعدالة"، واعتبرت أن ميقاتي "لا علاقة له بالبيان الوزاري وربما لم يطّلع عليه لأن ما ورد فيه يناقض ما ورد في بيانه".
وبدوره، شنَّ "تيار المستقبل" حملة عنيفة على ميقاتي فاتهمه "بتبديل الأثواب وإتقان فنون الاختباء وراء شعارات الاعتدال والوسطية، ويبدو أن الخطاب الأخير لنصر الله قدّم له سلاحًا مجيدًا في مواجهة المحكمة الدولية". وقال: "عجيب أمرك يا نجيب مع حفظ الألقاب وأنت تحاول أن توحي أن الرئيس سعد الحريري كان سباقًا في المساومة على دم الشهداء، وهو الأمر الذي سبقك إليه وليُّ أمرك السياسي المرشد الأعلى للحكومة الجديدة (...)، أنت تعلم وهم يعلمون أن الرئيس سعد الحريري قالها بكل صراحة وجرأة ومسؤولية، إنه يريد مؤتمرًا للمصالحة والمسامحة ينقذ البلاد من واقع الانقسام ويؤسِّس لمرحلة لا مكان فيها لسطوة السلاح والتسلُّط على الدولة ومقدّراتها، لكن الذي أتى بك الى سدَّة رئاسة الحكومة يعتبر نفسه أكبر من البلد ومن العالم ومن العدالة".
وفي اليوم التالي، نجحت قوى 14 آذار النيابية، في جلسات الثقة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية، في إدارة مواجهة سياسية تحت السقف الديموقراطي، فاعطت مثالاً في المعارضة افتقده لبنان منذ زمن طويل في الحياة البرلمانية. وقد حدّد خطباء هذه القوى إطار معركتهم بالهجوم على الحكومة على قاعدة تخلّيها عن المحكمة الخاصة بلبنان، واعتبار رئيسها رهينة لسلاح "حزب ولاية الفقيه"، وبالتالي فهي غير قادرة على اتخاذ قرار مستقل.
واسترعى الانتباه في المداخلات على ضفة 14 آذار، ما قاله النائب مروان حماده، إذ خاطب الرئيس ميقاتي قائلاً: "(...) صديقك رفيق الحريري لم يستشهد مبدئيًا. لقد اغتيل فعليًا بطنّين من المتفجرات ومعه وبعده اغتيلت كوكبة من زملائك ورفاقك واصدقائك ومواطنيك".
كما كشفت هذه الجلسات عن مواهب وقدرات وكفاءة شخصية واعدة للمستقبل، ألا وهي النائب الشاب "سامي الجميّل"، الذي قال في كلمته: "يحق لحزب الله أن يوقف أشخاصًا ويحقّق معهم، من دون أن يَمْثلوا أمام أي جهاز قضائي، إذن في لبنان مواطنون درجة أولى هم أشرف الناس يستطيعون القيام بما يريدون به، وآخرين درجة ثانية هم المواطنون مثلنا. يحق لحزب الله أن يفرض الثلث المعطل في الحكومة ولا يحق لغيره بذلك، وحين يَقتُل عنصر من حزب الله ضابطًا في الجيش، يُسجن 9 أشهر ثم يخرج، يحق له عدم التجاوب مع قرارات الدولة ولا يحق لغيره، يحق له إعلان الحرب وتخطّي صلاحية المجلس النيابي، والحصول على شبكات وخلايا أمنية في مصر مثلاً، ويعكِّر علاقات لبنان مع دول أخرى، وشبكة اتصالات خاصة، والتفاوض مع إسرائيل لاسترجاع الجثث، ولا يحق للدولة اللبنانية أن تقيم مفاوضات غير مباشرة لتحرير أرضها".
وأضاف "الجميّل": "يحاولون تشويه صورة المحكمة الدولية، إذ إن الصور التي عرضها نصر الله ملتقطة قبل العام 1997 في السان جورج، وكاسيزي غاب عن مؤتمر هرتزيليا الذى ذكره نصرالله لأنه اعتبره منحازًا، والوثيقة عن نقل الكمبيوترات للجنة التحقيق الى إسرائيل تبيَّن أنها تابعة لنقل كمبيوترات لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة. فهذه الحجج الثلاثة حجج ساقطة".
من جهتها، استغربت مصادر في المحكمة ما نسبه نصرالله الى كاسيزي السبت الماضي من أنه "صديق اسرائيل" واعتبرت أنه أراد بذلك "تشويه سمعته وسمعة المحكمة". وقالت: "إن القاضي كاسيزي لم يحضر المؤتمر (في هرتزليا بإسرائيل) لأنه لم يكن موافقًا على الكلام الذي قيل فيه واعتبره منحازًا". وخلص الى "أن نصر الله يريد أن يدمّر سمعة الرئيس كاسيزي وسمعة المحكمة في الوقت نفسه(...) من أجل جملة واحدة لا دليل عليها ولا إثبات".
وعلى رغم الانشداد الى وقائع جلسات مناقشة البيان الوزاري النيابية ومجرياتها، استوقف البيان الذي صدر عن مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الأوساط السياسية، وخصوصًا لجهة موقفه من القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الذي بدا مثيرًا للجدل، الى درجة طرح بعض التساؤلات حول "سياسة" البطريرك الجديد نفسه، خصوصًا عندما قوبل هذا الموقف بترحيب من قوى 8 آذار، فيما التزمت قوى 14 آذار الصمت حياله. وكان البيان حض الحكومة التي تمنى لها أن "تنطلق معزّزة بثقة المجلس النيابي" على "احترام المواثيق والاتفاقات والتقيد بالقرارات الدولية". لكنه لفت الى "إصدار المحكمة الدولية قرارها الظني في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الجديدة تستعد لمناقشة بيانها الوزاري، مما أجَّج الجدل وزاد الشرخ بين الفرقاء السياسيين".
في هذه الأثناء، ارتفع الى 22 على الأقل عدد المدنيين الذين سقطوا برصاص قوى الأمن السورية في "حماه" التي يطوّقها الجيش، والذي اعتقل العشرات من سكّانها.
التحدّي الأهم لنظام "الأسد" يتمثّل اليوم بمدينة "حماه"، التي لا تزال مسكونة بذكريات الحملة الشرسة عليها في شباط 1982، يوم قصفها الجيش السوري لقمع الثورة الإسلامية التي اندلعت هناك، فقتل نحو 38ألف مواطن باعتراف "رفعت الأسد" الذي أشرف على العملية...غالبيتهم من المسلمين السنة. فبعد "29"سنة على الإبادة الجماعية، وخلال أيام معدودة، أظهرت هذه المدينة حجم الثورة في سوريا على حقيقتها، كما فضحت عدم وجود استراتيجية لدى النظام لوضع حد لها سوى القتل والقتل ولا شيء سوى القتل.
الناس في المدينة في حال غضب، وهم لا يريدون مغادرة مدينتهم كي لا يحدث لهم ما حدث لسكان "جسر الشغور". لذا نزلوا الى الشوارع ليقفلوا الطرق أمام تقدّم قوى الأمن، وأحرقوا الإطارات، ووضعوا العوائق. لقد كانت الناس تتظاهر في "حماه" كل مساء بعد إقفال المحال، وكل يوم جمعة، وكان كل شيء يجري بهدوء حتى يوم الجمعة الأول من تموز حين فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين بعدما تمكّنوا من حشد نحو نصف مليون متظاهر، وذلك بسبب أجواء الحرية التي عاشها "الحمويون"على خلفية قرار الحكومة غير المعلن الشهر الماضي، سحْب قوّاتها من المدينة، وترك الشوارع للمحتجين الذين حاولوا إيجاد نموذج بديل من السلطة القمعية لنظام البعث، فنظم هؤلاء أنفسهم ضمن مجموعات تعمل معًا بشكل حضاري في الحفاظ على نظافة الساحات العامة، وفي الدفاع عن الأحياء.
في الحادي عشر من تموز، أحبَّ "الأسد" أن يؤكّد انتحاره الذي أنجزه في الخامس من حزيران الماضي، فقد اقتحم شبيحته لفترة وجيزة، مقرّ السفارة الأميركية في دمشق، بينما أطلق حراس السفارة الفرنسية النار لمنع متظاهرين آخرين من اقتحام مقر السفارة، بعد ثلاثة أيام من زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لمدينة "حماه" في خطوة أثارت غضب الحكومة السورية.
بيد أن التطوّر الأبرز على الإطلاق، جاء على لسان وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون"، في ما يعتبر مؤشرًا تصعيديًا وسياسيًا لافتًا لكون واشنطن لم تعد ترى في الرئيس بشار الأسد رئيسًا شرعيًا، فقد قالت "كلينتون": "إن الولايات المتحدة لا تعتبر أن وجود الأسد في السلطة لا غنى عنه(...)، إذا اعتقد أحد بمن فيهم الرئيس الأسد أن الولايات المتحدة تأمل سرًا في أن يخرج النظام من اضطراباته لمواصلة وحشيته وقمعه، فإنهم مخطئون". وأضافت: "ليس صحيحًا أن الرئيس الأسد لا غنى عنه، ونحن ليست لنا مصلحة إطلاقاً في بقائه في السلطة". وأوضحت أن موقف الولايات المتحدة هو أن الأسد "قد فقد شرعيته، وهو أخفق في تنفيذ وعوده، وطلب وقبل المساعدات من إيران في شأن كيفية قمع شعبه، وهناك قائمة بالإجراءات الأخرى التي تقلقنا وتثير التساؤل ليس فقط عن سلوكه، بل عن سلوك الذين يدعمونه في المجتمع الدولي، ونحن نرغب في رؤية دول أخرى تنتقده بشكل أقوى". وكرَّرت كلينتون تأييد حق الشعب السوري بمستقبل أفضل".
لبنانيًا، بدأ سؤال يلوح بالأفق: هل بدأ النائب "وليد جنبلاط" مع دخول الثورة السورية في مرحلة "اللاعودة"، يتحضّر لاستدارة جديدة، يعود بموجبها الى أحضان القوى الاستقلالية؟!
ففي الحادي عشر من تموز، وفيما تترقّب الأوساط السياسية ما سيعلنه الرئيس سعد الحريري في مقابلة متلفزة في 12تموز، كرّر رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب "وليد جنبلاط" التأكيد على "التزامه المحكمة"، إلا أن اللافت إردافه أنه يفضل "انتظار القدر" على الحقيقة، "أنتظر على ضفة النهر، إذ لا بد أن تمرَّ جثة عدوي يومًا أمامي"، في إشارة بعيدة الدلالة تتخطى الحدود اللبنانية الى الأوضاع الدائرة في سوريا. وتساءل: "هل من مجال لعقد مؤتمر أو لقاء مصارحة ومصالحة وربما مسامحة؟". ورأى أن هناك "الكثير من الملائكة الجدد يريدون وضعي كأني خنت ذكرى رفيق الحريري، وأنا لم أخنه، ولن أفعل، ولكن أرى المخاطر على السلم الأهلي التي قد تُستخدم فيها المحكمة"، وخلص الى أن "لا حق يضيع والعدالة قد تؤجل".
مقابلة الحريري التلفزيونية من باريس، في اليوم التالي، تضمّنت أجوبة عن كل التساؤلات التي رافقت غيابه وصمته منذ أسابيع، وجعلت بعض اليائيسين من الوضع السياسي في لبنان يقولون "اليوم، بات لنا زعيم".
كانت أجوبة الرئيس سعد الحريري بمثابة خارطة طريق في التعامل مع قضايا الحكومة، والقرار الاتهامي الصادر عن المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان، وسلاح "حزب ولاية الفقيه". وفي الوقت عينه، كان للحريري أيضًا موقف من التطورات العربية عمومًا، والسورية خصوصًا، الأمر الذي اعتبره مراقبون "الموقف الأول لمسؤول عربي يقارب الحراك الشعبي في المنطقة ويشمل الشعب السوري من دون التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المعنية".
أطل الحريري "متفائلاً"، متحررًا من عبء السلطة التي لم يطلبها يومًا، "لا حين زار سوريا ولا حين زار إيران". أوقف التضليل وصارح الرأي العام بـ"الحقائق" التي يزوّرها "حزب الله" المستقوي بسلاحه لطمس الحقيقة ولإعاقة مسيرة العدالة في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وطمأنه إلى أن "المحكمة الخاصة بلبنان قائمة ولا أحد يمكنه إزاحتها(..)، التضليل هو أن المحكمة اتهمت وكما قال السيد حسن أخيرًا أنها محكمة إسرائيلية وأصدرت قراراتها سابقًا وأنها مخترقة، وكل هذه الأمور التي حكي عنها... ولو عقد (الأمين العام لـ"حزب الله") السيد حسن نصر الله 300 مؤتمر فلا شيء سيغيّر القرار الاتهامي الذي صدر". وسأله: "أليس لديكم شهيد يدعى عماد مغنيّة، فأين اليوم الحقيقة في مسألة مقتله؟"، ومن نصّبكم "قاضيًا ومحكمة ومدعيًا عامًا ودفاعًا؟".
والأبرز أنه كسر الصمت في شأن الأحداث السورية، وأعلن أنه كسعد الحريري، وكرئيس "تيّار المستقبل"، وكابن رفيق الحريري، وكمواطن عربي، "يتعاطف" و"يتفاعل مع أحداث درعا أو حماه أو حمص(..)"، واصفًا ما يحصل بـ"الظلم" بحق الشعب السوري الذي "يقول كلمته"، متوجهًا إلى الرئيس السوري بشار الأسد بالقول: "لا أحد أكبر من بلده".
واللافت أنه توجه إلى نصر الله أيضًا بالعبارة نفسها، داعيًا إيَّاه الى "التواضع"، وكشف أن "قرار إزاحة سعد الحريري عن السلطة هو قرار يعود لشخصَين هما نصرالله والأسد"، واصفًا الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمّد الصفدي بأنهما "كانا أدوات"، قبل أن يضع النقاط على الحروف بتسميته الحكومة الحالية بـ"حكومة حزب الله وبحكومة الدويلة لا الدولة"، مسميًا رئيسها بـ"وكيل حزب الله".
وأكّد أن "لا استقرار من دون عدالة"، قائلاً: "ليضعوا أنفسهم مكاننا، أليس لديهم شهيد يدعى عماد مغنيّة، فأين اليوم الحقيقة في مسألة مقتله لا سيما أن (وزير الخارجية السوري وليد) المعلّم خرج ليقول حينها إننا سنكشف من ارتكب الجريمة خلال 15 يوماً".
وتوقع سقوط الحكومة التي "لن تعيش حتى سنة 2013"، لأنه ستكون هناك "معارضة شديدة"، مذكرًا بما فعله "بعض النواب" عام 2005 وبإسقاط الحكومة آنذاك.
وقد ضخ الزعيم المعارض كمًّا كبيرًا من المعنويات في نفوس "ثوّار الأرز"، مطمئنًا الجميع: "لا لسنا ذاهبين الى مأزق، أنا متفائل جدًا، أنا إنسان متفائل، صار هذا السلاح مشكلة لـ"حزب الله". هذا السلاح ماذا سيفعل به، سيبقى يوجهه الى اللبنانيين، نحن اللبنانيين لن نسكت. نحن في 14 آذار لن نسكت. سعد الحريري لن يسكت إن كانوا يعتقدون أن سعد الحريري سيترك حلفاءه، أنا قلت وما زلت أقول أن لا شيء سيفرق سعد الحريري عن حلفائه، عن سمير (جعجع)، وأمين (الجميل)، وبطرس (حرب)، ونسيب (لحود)، وكل حلفائه، إلا الموت، نحن مستمرون. هذا السلاح هناك انقسام عمودي بشأنه".
وفي شهادة وجدانية وواقعية عبّر الحريري عن تقديره للدكتور سمير جعجع قائلاً: "الحكيم صديق، ودائمًا أنا على اتصال وتواصل معه، وأقول له أكيد أكيد إن سعد الحريري سيكمل هذه المسيرة، ولن يفرقني أحد عنكم إلا الموت. الحكيم رجل يمكن الاتكال عليه، ودائماً كلمته كلمة ولا يخطئ، ودائماً هاجسه الأساسي هو استقلال لبنان وسيادته. هذا ولم يفت الحريري شكر النائب وليد جنبلاط "على كل المراحل السابقة التي كنا مع بعضنا خلالها، وأنا أحترم جمهور وليد بك الذي حمل دم رفيق الحريري عندما استشهد، وأنا لم أقصده بالغدر (خلال كلمتي في 14 آذار)، إنّما فقط الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي بعد غدرهما، ليس بي فقط إنّما بلبنان أيضًا". كما توجّه إلى الرئيس ميشال سليمان بالقول: "هناك خطاب قسم وكنّا نتمنى أن يكمّل في خطابه لعهد أفضل له"، كما خاطب الرئيس نبيه بري: "نريدك شريكًا للوطن وليس شريكًا في تخبئة المتّهمين، وأنت قرّر". أما العماد ميشال عون فخصّه بالقول: "ليته كان في صفوف 14 آذار وليس ضابطًا من الصف الثاني لدى حزب الله"، ودعا "نصر الله" الى "ان يتواضع ويرى لبنان كلبنان وليس فقط مشروع مقاومة، فكل لبنان مقاوم".
بعد نحو أربعة أشهر على اختطافهم في زحلة، جرى إطلاق الأستونيين السبعة في 14/7/2011. ومع أن خيوطًا وتفاصيل كثيرة متصلة بقضية خطف الأستونيين السبعة باتت في عهدة القضاء اللبناني، وتأكيد بعضهم أنهم احتجزوا في لبنان ثم نقلوا الى سوريا، فإن ذلك لم يكفل إماطة اللثام عن أسرار الصفقة الغامضة والسريّة التي أدت الى النهاية السعيدة، والتي تمّت ليس عن طريق الأجهزة الأمنية الللبنانية، بل بين السفارة الفرنسية والأجهزة الأوربية والخاطفين!! وجاءت عملية إطلاقهم في حقل الطيبة وتسلُّم وفد ديبلوماسي–أمني فرنسي إياهم، ونقلهم الى السفارة الفرنسية في بيروت، لترجح الطابع الخارجي المتعدّد الطرف الذي طبع النهاية السعيدة مع ما يمكن أن تتضمنه من تكاليف ومكافآت غير مرئية.
على صعيد مختلف، سجل في شمال لبنان نزوح نحو 200 عائلة سورية من قرى القصير والهيت والبويت السورية، ووزعت على قرى في "وادي خالد"، كما أفادت مصادر أمنية.
في غضون ذلك، وفيما اعتبره بعض المحلّلين على صلة وثيقة بما يجري في سوريا وردًا على مواقف تركيا الضاغطة على النظام "الأسدي"، قتل 13 جنديًا تركيًا وجرح ستة آخرون في مواجهات عنيفة مع متمردين أكراد في جنوب شرق تركيا، الأمر الذي استدعى عقد اجتماع طارئ للمسؤولين الكبار في الحكومة والجيش والشرطة في أنقرة. وأفادت مصادر أمنية أن المواجهات اتسمت بكثافة غير مسبوقة منذ بضعة أشهر، وهي الأعنف منذ ألغى متمردو "حزب العمال الكردستاني" في شباط وقفًا للنار من جانب واحد استمر ستة أشهر، كما أنها الخسارة الأفدح يتكبدها الجيش التركي في النزاع منذ 2008.
أردنيًا، تجرَّأ النــــظام في 15 تموز على تكرار ما فعله في 25 آذار من فض الاعتصام المفتوح بالقوة، مؤكِّدًا بما لا يدع مجالا للشك، أن لا نيّة لديه للإصلاح، ومسقطًا كل مقولاته وادعاءاته في هذا الشأن. فقد أصيب عشرات المحتجين وعدد من الصحافيين خلال الاعتصام المفتوح الذي نفذه "الحراك الشعبي للإصلاح" في وسط البلد بعمان، بعدما فضّت السلطات اعتصامهم بالقوة. ويعتقد مراقبون أن ثمة تفاهمات غير معلنة جرت بين النظام وعواصم صنع القرار الغربي، وخصوصًا واشنطن، أدت إلى إعلان رضاها عن الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها عمان، بينما يرى الإصلاحيون أنها "ديكورية" ولا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالبهم. كما أن الدعم الخليجي الآخذ في التزايد للنظام، خصوصًا في الجانب المالي، الذي كان آخره منحة سعودية بقيمة 400 مليون دولار، والسير قدمًا في ضم المملكة الهاشمية إلى مجلس التعاون الخليجي، يساعدان في تنفيس بعض الاحتقانات الاقتصادية. هذان العاملان كانا سببًا لأنْ يدير النظام ظهره للإصلاحيين ويتجاهلهم ويتخلّى عن الجدية التي أظهرها سابقًا في التورط الحقيقي في الإصلاح.
أربعة أشهر مرت على حركة الاحتجاج في سوريا وسقوط أكثر من ألف قتيل واعتقال وتشريد عشرات الآلاف، وما زال عدد من الدول، وعلى رأسها تركيا والولايات المتحدة(رغم تصريح كلينتون الأخير)، يمهل "الأسد" علّه يقوم بالإصلاحات السياسية التي يطالب بها المحتجون، وتأمين الانتقال الهادىء والسلس من نظام الحزب الواحد إلى نظام ديموقراطي يقوم على التعددية الحزبية، ويضمن الحريات السياسية والفردية، ويحقق المساواة، ويرعى انتخابات حرة تنتج تمثيلاً حقيقيًا لمختلف فئات الشعب السوري. والسؤال الذي يُطرح هنا: هل في إمكان نظام البعث القيام بمثل هذه الإصلاحات، من دون أن يكون ذلك بمثابة انتحار سياسي له؟

تخلّي واشنطن عن "الهلال الشيعي" ذي القيادة الإيرانية، تأكّد مع الرؤية التي طرحتها "وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، من خلال رؤيتها لمستقبل المنطقة بعد "الربيع العربي"، حيث رأت في 16/7/2011، أن "تركيا يمكن أن تكون نموذجًا للديمقراطية في الشرق الأوسط"، وإن تكن أبدت قلقها "من محاولات أنقرة تقييد حرية الإعلام وحرية التعبير". وأكَّدت في ختام زيارة استمرت يومين لتركيا لتحسين العلاقات بعد فترة من التوترات بسبب إيران وقضايا أخرى، أن تركيا والولايات المتحدة حليفان طبيعيان في شأن مجموعة من التحديات العالمية. وصرّحت في لقاء مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو: "الناس في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يسعون إلى التعلم من تجربة تركيا". وأضافت أن من المهم حماية حرية التعبير وحقوق الأقليات".
لبنانيًا، لا تزال المواقف التي أطلقها الرئيس سعد الحريري من باريس في مقابلته التلفزيونية الأخيرة تتفاعل، حيث لم تجد وسائل إعلام قوى 8 آذار وسيلة للرد عليه سوى التعرض لمسائل شخصية وعائلية لا تمت الى السياسة بصلة، سواء عبر وسائلها المكتوبة أو والمرئية أو المسموعة، حيث ضخّت عددًا من التقارير والتحقيقات والمقالات المسمومة.
وفي هذا السياق، اتهم المكتب الإعلامي للحريري في 23تموز "حزب ولاية الفقيه" وأمينه العام بالوقوف وراء الحملات التي وصفها بأنها "ضرب من ضروب الكراهيات الشخصية لكل ما يمت الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعائلته بصلة". وأكّد "أن هذا السيل من الأضاليل الصحافية والإعلامية سيذهب أدراج الرياح أمام إصرار الرئيس سعد الحريري على مواصلة المسيرة والتمسك بالعدالة وبالمحكمة الدولية، وبروح الرابع عشر من آذار، التي دفع في سبيلها والده الرئيس الشهيد الدم فداء للبنان وعروبته وحريته وسيادته. إنهم يستخدمون سلاحًا يضاف الى ترسانة من الأسلحة التي سينتهي مفعولها عاجلاً أم آجلاً".
وقد شرعت "صحيفة المستقبل"، في رد منظّم ومدروس بعناية على أضاليل إعلام الأكثرية الجديدة، حيث باشرت في هذا الشهر بنشر ملف بعنوان " من عهد الوصاية السورية إلى عهد وصاية السلاح...مسلسل حرب الإلغاء ضد الحريري 1998 ـ 2011"، لتوعية الرأي العام بتلك الحقبة وتنشيط ذاكرته، قطعًا للطريق أمام تكرارها اليوم.
من جهته، كان النائب وليد جنبلاط يؤكّد شروعه في الانعطافة الجديدة، مهاجمًا في 24تموز الخيار الأمني في سوريا ويدعو إلى وقف إطلاق النار على المتظاهرين. وذلك في خلال كلمة ألقاها في مهرجان حاشد بمدرسة العرفان. وفي الاحتفال الذي حضره نواب من قوى 14 آذار رأى جنبلاط أن "شفاء سوريا هو بمحاسبة المسؤولين عن الارتكابات والجرائم في حق الشعب السوري التي انطلقت من درعا ومعاقبتهم"، وندّد بـ"كل عمل مسلّح على المنشآت أو المؤسسات أو على الجيش السوري"، ملاحظًا أن "البعض في النظام (السوري) لا يريد ترجمة الوعود المتعاقبة للرئيس السوري من أجل سوريا أفضل".
أما "حزب ولاية الفقيه"، فكان يكشف عن اعتقاد خطير في أيديولوجيته، مفاده أن تطويب القدِّيسين لديه مرهون بكميّة دماء الأبرياء التي يسفكونها!!!
ففي هذا اليوم، وعلى خلفية الصدام المتدحرج بين الحكومة بقيادة الحزب والمحكمة الخاصة بلبنان، برز كلام نافر للنائب "نواف الموسوي"، توعَّد فيه بتعليق صور كل من تتهمه المحكمة الدولية بأي جرم ورفعه الى مصاف الشهداء، والى أعلى من مقام القديسين! فبملء فيه، وبكل وقاحة قال الموسوي: "لن نقبل أن تأتي مكيدة دولية اسمها المحكمة الدولية، فتحوّل الشهداء والمجاهدين إلى مجرمين وقتلة، وسنحافظ على سمعتهم بكل ما أوتينا من قدرات،(...) أي اسم تحاول القرارات الاتهامية تلويثه سيتحول عندنا قديسًا مطوَّبًا لا تعلوه رتبة للقداسة بعد ذلك".
وفي سياق متصل،أوضح الناطق الرسمي باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان "مارتن يوسف"، أن "المحكمة الدولية تتوقع ردّ الحكومة اللبنانية على طلب إلقاء القبض على الأشخاص الواردة أسماؤهم في القرار الإتهامي بعد ثلاثين يوم عمل، أي أنه يصادف في 11 آب المقبل"، لافتًا إلى أنه "إذا لم تستطع الحكومة توقيف المتهمين حينها، يعود إلى قاضي الإجراءات التمهيدية (دانيال فرانسين) إما إعلان القرار الإتهامي كاملاً ونشره في وسائل الإعلام اللبنانية، أو إبقاء بعض الأجزاء أو الأقسام منه سرية".
رسالة سورية جديدة اختار النظام الإرهابي توجيهها في 26تموز عبر ساعي البريد اللبناني حيث صندوقة البريد تتسع لكل ما هبّ ودب من رسائل ومرسلين. فبعد نحو شهرين من اعتداء استهدف في 27 أيار الماضي آلية ايطالية تابعة لـ"اليونيفيل" عند المدخل الشمالي لصيدا، وصلت اليوم رسالة الاعتداء الجديد الذي استهدف "اليونيفيل" وأصاب هذه المرة قوّة الاحتياط الفرنسية،عند المدخل الجنوبي لصيدا. وذلك في رسالة مباشرة الى الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي"، ردًا على موقف فرنسا خصوصًا وأوروبا عمومًا من التطورات في سوريا.
وبالعودة الى الحملة الإعلامية التي تشنّها قوى 8 آذار ضد الحريري، رأت كتلة "المستقبل" "أنها دليل إفلاس وضعف حجّة والهدف منها تحوير الأنظار عن مشكلات الحكومة". وأوضحت أن "حزب الله" يريد مصادرة نتائج الحوار قبل أن يبدأ"، مؤكدة "أن سلاح المقاومة الذي حرّر الجنوب فَقَدَ شرعيته بعد أن تحوّل إلى صدور اللبنانيين في العاصمة والمناطق، وبعد أن احتضن المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه".
في الشأن السوري، وصف الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" في 26 تموز الرئيس السوري بشار الاسد بـ"السفاح الذي يتعين عليه الرحيل"، مشيرًا إلى أن "الشعب السوري شعب عملاق وشجاع"، ومعتبرًا أن "الطموحات الانسانية التي تنادي بالحرية والازدهار ستتفوّق على القمع، وأنه من غير المعقول أن يُصدر أحد أوامره بإطلاق الرصاص الحي على شعبه لأنهم يتظاهرون". وأضاف: "لقد قتل الأسد ما يقارب ألفي مواطن أعزل، وزجَّ بعشرات الآلاف في السجون، وأنا لا أراهن على حكم الأسد، فهو لن يتغلب على الشعب".
بدورها، واصلت الولايات المتحدة في اليوم التالي تصعيد انتقاداتها لممارسات السلطات السورية ضد المتظاهرين المسالمين وتنديداتها بها، معتبرة أن الرئيس بشار الأسد ونظامه باتا جزءًا "من الماضي"، وأن الأسد "الذي فقد شرعيته... يخسر" مع اقتراب التظاهرات من دمشق، وأن "التغيير آت الى سوريا"، وأن الأسد قد يؤخره "لكنه لن يستطيع وقفه". وهي مواقف عكست حقيقة كون إدارة الرئيس باراك أوباما بدأت تحضر لحقبة ما بعد نظام بشار الاسد.
من أبرز المعادلات السياسية الجديدة التي كشفت عن النقاب الثورة السورية، أن قطر باتت أقرب الى قوى 14 آذار، منها الى قوى 8آذار، التي باتت اليوم تخوّنها نظرًا لموقفها الداعم للثورة السورية، مسدلة الستار على شعار "شكرًا قطر".
فلم تمض سنة واحدة على زيارة أمير قطر للجنوب، حتى انقلب الموقف من قطر على شكلٍ لم يكن يتصوره أحد. أُزيلت اللافتات التي تشكر قطر من البلدات الجنوبية فجأة، وانتقل الإعلام التابع لـ "حزب ولاية الفقيه" من شكر قطر وتمجيد دورها، إلى مهاجمة قطر وتخوين أميرها طفرة واحدة!
الانقلاب المذهل بدأ عندما أعلنت قطر في شهر آذار الماضي مشاركتها، إلى جانب السعودية والإمارات، في قوات "درع الجزيرة" التي دخلت البحرين بهدف "الإسهام في حفظ الأمن والنظام". أثار هذا الموقف امتعاض "حزب ولاية الفقيه" على وجه التحديد، باعتبار أن الموقف القطري جاء مخيّباً لآماله، ومحبطًا لجهوده في دعم الاحتجاجات ذات الطابع الشيعي في البحرين.
وبعد نحو شهر على واحد؛ أثار دعم قطر القوي للثوار في ليبيا إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، استياء سوريًا، التي حافظت على موقف داعم للعقيد معمر القذافي، وإن كان بشكل غير معلن.
الملف الثالث -وهو الأخطر- الذي أثار غضب سوريا والحزب؛ هو الموقف القطري من الثورة السورية؛ فقد اعتبرت كل من سوريا و"حزب ولاية الفقيه" أن قطر مسؤولة عن "تغطية قناة الجزيرة المؤيّدة للثوار"، وبالتالي فهي تسهم في تأجيج الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد. كما حُمّلت قطر المسؤولية عن تصريحات العلامة "يوسف القرضاوي"، التي انتقد فيها قمع النظام السوري للمدنيين. وعليه؛ فقد انطلقت حملة شعواء على قطر وأميرها، انخرط فيها الإعلام اللبناني الموالي لسوريا، تمامًا كما الإعلام السوري، بل أكثر.
في المقابل، قطر ممتعضة أيضًا من سوريا والحزب في لبنان، فقد سبق انقلاب الموقف من قطر؛ حركة خطيرة فسّرها القطريون ضدهم بشكل واضح، وذلك عندما نفّذ "حزب ولاية الفقيه" انتشارًا لعدد من مقاتليه بثياب سوداء، ولكن من دون سلاح، في التقاطعات الرئيسة لبيروت، كرسالة تحذير، وتنفيذًا لتهديدات كان قد أطلقها الحزب من أن "مرحلة ما قبل صدور القرار الاتهامي ليست كما بعده". وقد تزامنت هذه الخطوة مع زيارة رئيس الوزراء القطري "حمد بن جاسم آل ثاني" ووزير الخارجية التركي "أحمد داوود أوغلو" إلى بيروت، لبحث الأزمة الناشئة عن إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. وعلى أثر هذه الرسالة غادر رئيس الوزراء القطري –كما وزير الخارجية التركي- بيروت على الفور، فيما أبلغت قطر زوّارها أنها تحمّل سوريا و"حزب الله" مسؤولية إسقاط اتفاق الدوحة، الذي تعب القطريون كثيرًا للوصول إليه.
وفي وقت لاحق اتصل الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بالرئيس نجيب ميقاتي ناصحًا إياه بعدم الترشح لرئاسة الحكومة، لكن ميقاتي لم يستجب. ميقاتي نفسه كشف في حديث صحفي لـ "إيلاف" في 31/5/2011 عن هذا الاتصال، فيما أضافت معلومات صحفية أن رئيس وزراء قطر عاد واتصل بالرئيس نجيب ميقاتي وطلب منه الاعتذار بعد تكليفه، لكنه لم يستجب أيضًا.
وفي سياق التموضعات القطرية الجديدة، أولم النائب "ميشال فرعون" على شرف نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الديوان الأميري في قطر "عبد الله بن حمد العطية"، لمناسبة وجوده في لبنان، وذلك في منزله، وفي حضور شخصيات سياسية لبنانية رسمية وفعاليات، حيث جرت جولة أفق على الصعيد السياسي اللبناني والعربي والإقليمي. فبعدما رحّب "فرعون" بالوزير العطية، مثمنًا دور أمير قطر وحكومتها في دعم لبنان وشعبه، ورعايتها لإتفاق الدوحة الذي منع انزلاق البلد الى متاهة خطرة، وقائلاً: "ان قوى 14 آذار التزمت بمضمون اتفاق الدوحة والضمانات التي رافقتها، ولكن الفريق الآخر انقلب عليه وعلى تعهداته الداخلية والخارجية". رد الوزير "العطية" بكلمة شكر فيها فرعون، مؤكِّدًا أن "دولة قطر لم تغيّر من ثوابتها في لبنان، فسياستها بدعم الدولة والشعب اللبناني قائمة، ولكن الآخرين هم الذين غيّروا مواقفهم"، في إشارة واضحة الى قوى 8آذار.
وفي غضون ذلك، كان "التغيير في سوريا" ندوة في الدوحة حيث التقى عدد من المعارضين السوريين، ورأوا أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد لن يصمد أمام حركة الاحتجاجات التي تواجهه، فركزوا نقاشاتهم على ماهية التغيير المقبل الى هذا البلد.
من جهتها، وبدورها، كانت إسرائيل تكرّر تأكيدها التخلّي عن "الأسد"، مع إعلانها استبدال "جدار الأسد" الحدودي، بجدار من نوع آخر. ففي 28 تموز، أفادت الصحافة الإسرائيلية، أن إسرائيل تعمل حاليًا على بناء سياج في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، تحسّباً لتكرار متظاهرين سوريين وفلسطينيين اقتحام خط وقف النار في اتجاه الشطر المحتل من المرتفعات على غرار ما حصل في ذكرى النكبة في 15 ايار وذكرى النكسة في 5 حزيران.
على الصعيد اللبناني، عاد الى واجهة الاهتمام المهلة المعطاة للسلطات لتوقيف المتهمين في "جريمة العصر" وتسليمهم، والتي حددتها المحكمة رسميًا في 11 آب المقبل، وذلك على أثر نشر المحكمة الخاصة بلبنان في 29 تموز أسماء المتهمين الأربعة وصورهم، ما أحدث تردُّدات على مستويات عدة. واعتبر أن تعميم الصور والتهم الموجهة الى أصحابها، ربما يكون رسالة توجّهها الى المتهمين الأربعة لتسليم أنفسهم الى المحكمة.
نهاية تموز كانت سورية بامتياز. ففي مسعى واضح لاستعادة السيطرة على الأوضاع عشية بدء شهر رمضان، شدّد النظام السوري حملته الأمنية على الاحتجاجات المستمرة منذ خمسة أشهر، فاقتحمت الدبابات فجر الحادي والثلاثين من تموز مدينة "حماه" ومدنًا أخرى في وقت متزامن، مما أسفر عن سقوط 145 قتيلاً، بينهم 113 قتيلاً في حماه وحدها، بينما سقط الآخرون في دير الزور وضواحي دمشق ودرعا وحمص، في خطوة تشير الى عزم الحكومة على قمع التظاهرات بالقوة على رغم حملة التنديد الدولية التي كان أبرزها تعهّد الرئيس الأميركي "باراك أوباما" تصعيد الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لفرض العزلة عليه وعلى حكومته، فيما وصل السفير الأميركي لدى دمشق "روبرت فورد" الى واشنطن لإجراء مشاورات مع حكومته والمثول أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
وقد دعت ألمانيا مجلس الأمن للاجتماع في الأول من آب في جلسة طارئة للبحث في الوضع السوري، وقالت باريس أنه لا يجوز السكوت عما يحصل في سوريا، بينما أعربت أنقرة عن خيبة املها من وعود دمشق بالإصلاح ودعت الى الوقف الفوري للقمع.
وسجل هذا التصعيد عشية رمضان الذي كان المعارضون تعهدوا فيه زيادة تحركاتهم في مواجهة النظام وخصوصاً الاحتجاجات الليلية. وبدا أن النظام سارع الى خطوة استباقية من أجل إخضاع المدن والبلدات المتمردة عليه.
وجاء في بيان صدر عن البيت الأبيض باسم الرئيس أوباما ان "الرئيس بشار الأسد من خلال أعماله يضمن أنه ونظامه سوف يبقيان في الماضي، وأن الشعب السوري الشجاع الذي يتظاهر في الشوارع سوف يقرر مصيره". وقال أوباما أنه "صُعق من جراء استخدام الحكومة السورية العنف والوحشية ضد شعبها". ووصف التقارير الواردة من حماه بأنها "مرعبة وتبيّن حقيقة النظام السوري. مرة أخرى، أظهر الرئيس الأسد أنه غير قادر إطلاقًا وغير راغب في قبول المطالب الشرعية للشعب السوري". وأضاف في تصعيد واضح أن لجوء الأسد "الى استخدام التعذيب، وفساده وإرهابه تضعه في الجانب الخاطئ للتاريخ ولشعبه".
وأكد الرئيس الأميركي أن سوريا "ستكون مكاناً افضل عندما تسير عملية الانتقال الديموقراطي قدمًا". وتعهد الرئيس الاميركي، الذي تجري حكومته الآن اتصالات مكثفة مع حلفائها الأوروبيين بما فيهم تركيا في شأن الأوضاع المتردية في سوريا، أنه "سيواصل الضغوط على النظام السوري، والعمل مع الآخرين في أنحاء العالم لعزل حكومة الأسد والوقوف الى جانب الشعب السوري".
ومع أن ردود الفعل اللبنانية الأولية على التطورات الخطيرة التي شهدتها سوريا عشية اليوم الأول من رمضان اقتصرت على أقطاب من قوى 14 آذار، فيما عمّ الصمت المواقع الرسمية والقوى السياسية الأخرى. ولفت خروج أقطاب اساسيين في قوى 14 آذار عن صمتهم حيال ما جرى، وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، فلم يعد جائزًا أن يبقى لبنان مكموم الصوت، فيما قوى 14 آذار نفسها كانت السبّاقة أصلاً في حركة "الربيع العربي".
وكان الرئيس الحريري استنكر "المذبحة التي تتعرض لها مدينة حماه السورية وباقي أعمال القتل الدموية" التي تشهدها مدن ومناطق سورية "على أبواب شهر رمضان المبارك"، معتبرًا أن "الصمت بكل مستوياته العربية والدولية إزاء ما يحدث في سوريا (…) لا يؤسس للحلول المطلوبة". وشدَّد على "أننا لا يمكن تحت أي ظرف أن نبقى صامتين إزاء هذه التطورات الدموية".


  

 

 

 

 


آب 2011.. العالم يطالب الأسد بالتنحي

الأول من آب 2011، وافق الأول من رمضان 1432هـ، شهر الرحمة حوّله طاغية الشام الى شهر الانتقام والدماء والجثث والركام.
فلليوم الثاني على التوالي، واصلت "كتائب الأسد" وشبّيحته عملياتها الأمنية في "حماه" و"البوكمال" و"دير الزور"، مما أوقع المزيد والمزيد من الشهداء، وذلك غداة يوم دام سقط فيه أكثر من 140 قتيلاً.
وفي مقابل الحملة الأمنية المتصاعدة، بدأ حراك دولي للضغط على النظام. وأعلن الاتحاد الأوروبي فرض مزيد من العقوبات على خمس شخصيات سورية. وقالت الولايات المتحدة إنها تفكّر أيضًا في توسيع عقوباتها، فيما بدأ مجلس الأمن النظر في مشروع قرار وزّعته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال يندِّد بالانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، ولكن من غير أن يصل الى حد فرض عقوبات أو إحالة مسؤولين على المحكمة الجنائية الدولية. وقد شجع الدول الغربية على العودة الى المجلس، التغيير الذي لمسوه في الموقف الروسي الذي ندَّد بالعنف في سوريا، وطالب السلطات بوقف القمع.
في غضون ذلك، هنأ الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة له الجيش السوري "الوطني" بالذكرى السادسة والستين لتأسيسه. وشدّد في الكلمة التي أوردتها مجلة "جيش الشعب" ونقلتها الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا"، على أنه "يخطئ من يظن أن الضغوط وإن اشتدت والمؤامرات وإن تنوّعت، قادرة على أن تدفعنا للتنازل عن بعض حقوقنا ومبادئنا... سنبقى أحرارًا في قرارنا الوطني، وأسيادًا في علاقاتنا الدولية ونهجنا المقاوم لإحلال السلام العادل والشامل، وفق قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران 1967". وجدَّد تصميم بلاده الدعائي على "استعادة الجولان".
أما الأول من آب في لبنان، فلم يكن ببعيد عن الأجواء السورية، بل كان في صميمها، إلا أن الحدث كان في "دار الفتوى"، حيث سفير النظام الأرهابي "علي عبد الكريم علي" زائرًا لأول مرة، في أحد أيام العار التي حلّت على "دار الفتوى"، حيث فتح له مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني أبواب "الدار" في وقت تنهال على روؤس الشعب السوري والمسلمين في "حماه" حمم الحديد والنار! وقد اتخذ سفير الإجرام من "دار الفتوى" منبرًا "بعثيًا" تضليليًا حاول من خلاله تغطية "مجزرة حماه"، إذ دافع بعد اللقاء المعيب والمخزي عن نظامه والإرهاب الذي ما انفك يمارسه على الشعب السوري قبل الثورة وأثناءها. وقد طرح هذا الاستقبال المخزي والمعيب علامات استفهام كبيرة على الخط السياسي للمفتي قباني الذي بدا أنه يتقرّب من المحور السوري-الإيراني لحظة انهياره! سواء من خلال التعيينات التي قام بها مؤخّرًا في "دار الفتوى" لشخصيات تدور في الفلك الاستخباراتي السوري وأخرى مقرّبة من "حزب ولاية الفقيه"، أو من خلال إعلان مفتي المناطق تأييدهم للرئيس "ميقاتي"، فيما بدا بمثابة مبايعة له!
وعلى أثر الإستياء الكبير الذي أثارته الزيارة، ولا سيما في الشارع السني ومن أوساط تيّار المستقبل، نقلت مصادر مقرّبة من "دار الفتوى" عن المفتي قوله: "هل أعرض جدول مواعيدي؟ لقد حرّروني!"، وسألت هذه المصادرالمدافعة عن الباطل بحجج واهية: "إن مفتي الجمهورية يستقبل كل السفراء العرب والأجانب الذين يقدمون أوراق اعتمادهم إلى رئيس الجمهورية، فهل يُعقل أن يرفض استقبال سفير سوريا؟ ثم إن السفير السوري زار في اليوم التالي البطريرك الماروني ولم نسمع الزعماء الموارنة ينتقدون البطريرك بسبب استقباله؟".
بغضّ النظر عن هوية السفير أو الشخصية التي طلبت موعدًا من المفتي، لا بد للمرجعيات الدينية من دراسة التوقيت السياسي الذي يُطلب خلاله الموعد أو يُعطى فيه، ذلك أن لدار الفتوى كما للصرح البطريركي في "بكركي" رمزيّتمها الوطنية والدينية التي من غير المسموح لأي جهة سياسية أيا كانت أن تستغلهما أو تتلطى خلف عباءتهما تحقيقًا وخدمة لمآربها الشخصية.
ومن هنا، كان ينبغي رفض استقبال السفير السوري مطلقًا ولا سيما أثناء "مجزرة حماه"، وإذا كان لا بد من قبول الزيارة، فمن السهولة بمكان طلب تأجيلها ولو قبل نصف ساعة من موعدها احترامًا للدماء البريئة المسالة في سوريا على أيدي النظام الأكثر وحشية وإجرامًا في المنطقة، ومنعًا لاستغلال الزيارة لمصلحة مآرب الزائر الخبيثة، وذلك بدلاً من أن تجرى في موعدها المحدّد -كما حصل- ويتخذ سفير النظام المجرم من منبر دار الفتوى بما يرمز ويمثّل منصّة للدفاع عن حرب الإبادة التي يمارسها على شعبه، وبوقًا لبث الأضاليل والأكاذيب محاكاة لمهزلة إعلام نظامه البائد.
ثم إنه من المفيد السؤال: هل تقصير الزعماء الموارنة في عدم انتقادهم البطريرك على استقباله السفير السوري، يستوجب تقصيرًا مماثلا من الجانب السني؟! وهل تصميم حكومة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية "حسن نصر الله" على تكريم السفير السوري وعدم طرده من لبنان، يمنعنا من مقاطعته أو طرده من مؤسساتنا؟!
الى تقلّبات مفتي الجمهورية، تميّز الأول من آب لبنانيًا بشقّين: "جنبلاطي" و جنوبي؛ إذ فيما ترقّبت الأوساط السياسية الموقف الأسبوعي لرئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب "وليد جنبلاط" غداة التطورات الدامية التي شهدتها سوريا، أصدرت مفوضية الإعلام في الحزب بيانًا ينسجم مع تطورات الموقف "الجنبلاطي" من سوريا، جاء فيه: "لأن الزمن ليس زمن إلقاء خطابات أو إعطاء دروس ونصائح وليس زمن الغرق في تفاصيل لبنانية مملّة، بل زمن التضامن، ولو المعنوي، الى جانب الشعوب المقهورة، يغيب الموقف الأسبوعي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ"الأنباء" هذا العدد".
أما الشق الجنوبي من هذا اليوم، فكان في بلدتي "العديسه" و"رب ثلاثين" اللتين "ثارت" أهاليهما على "حزب ولاية الفقيه"، مع وقوع خلاف بين عناصر تابعة لـ"حزب الله" وأخرى لحركة "أمل" على خلفية طعن عنصرٍ من "الحزب" في العديسة منذ يومين بسكين، وتطوّر الإشكال بحيث عمدت عناصر الحزب إلى قطع طريق العديسة حيث "نفوذ أمل"، بواسطة سيارات صغيرة، وتمّ ضرب عدد من المواطنين في ساحة البلدة وأصيبوا بجروح وعددهم عشرة أشخاص. وما لبث العراك أن امتد الى بلدة "رب ثلاثين" المجاورة التابعة للـ"حركة" أيضًا، حيث جرى تبادل للضرب بالعصي والسكاكين.
وعلى الرغم من أن الإشكال أوقف بفعل تدخّل الجيش، الذي أعقبه في اليوم التالي اجتماع في حسينية العديسة، وجمع فاعليات وممثلين لحركة "أمل" والحزب، حيث تمّ الاتفاق على إنهاء التوتر الذي تميّز بحوادث خطف ومواجهات وتحطيم ممتلكا وقطع طرق، إلا أنه عبّر عن تنفيس للإحتقان بين الحليفَن اللدودين، وربما لاهتزاز النظام في سوريا دور فيما حدث، لأنه ضابط الإيقاع بينهما منذ التسعينيات.
وبالعودة الى الشأن السوري، في أول اجتماع من نوعه منذ بدء الانتفاضة السورية على نظام الرئيس بشار الأسد، التقت وزيرة الخارجية الاميركية "هيلاري كلينتون" في الثاني من آب ستة معارضين سوريين مقيمين في الولايات المتحدة وبحثت معهم في الأوضاع في سوريا وما تعتزم الولايات المتحدة القيام به لمساعدة السوريين في عملية الانتقال الى نظام ديموقراطي، واستمعت الى تقويمهم للأوضاع الميدانية وتوقعاتهم من واشنطن. وحضر الاجتماع السفير الاميركي لدى دمشق "روبرت فورد"، والمسؤول عن الملف السوري "فرد هوف". وفيما يؤشّر الى أحد أسباب التمسّك الروسي بسوريا، فضلاً عن أنها آخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، نشرت صحيفة "فيدوموستي" الروسية، أن لدى روسيا عقود تسليح مع سوريا بقيمة أربعة مليارات دولار.
في غضون ذلك كان الحملة على "حماه" لاتزال مستمرّة؛ ففي الثالث من آب، توغلت الدبابات السورية إلى وسط المدينة لتتمركز في ساحة "العاصي" التي كانت طوال الأسابيع الأخيرة مكانًا لتظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، فيما تمركزت مئات الدبابات الأخرى حول المدينة وحول مدينة دير الزور.
وبعد ساعات من هذا التطور الأمني، أصدر مجلس الأمن بإجماع 14 دولة بما فيها روسيا، بيانًا رئاسيًا ندَّد فيه بعمليّات القمع التي تمارسها السلطات في حق المتظاهرين السلميين، كما ندَّد بمهاجمة المقرات الحكومية. وقد نأى لبنان العضو عن المجموعة العربية في المجلس بنفسه عن البيان، ورأى أنه لا يساعد على معالجة الوضع القائم في سوريا. كما واصلت واشنطن تشديد لهجتها حيال "الأسد"، إذ اعتبره البيت الأبيض مصدرًا لعدم الاستقرار في سوريا، وقال إن الادارة الأميركية تبحث في وسائل تصعيد الضغط عليه.
لبنانيًا، كان مسلسل الانتهاكات الأمنية يتتابع، مع الاعتداءات التي مارستها السفارة السورية وشبّيحتها على متظاهرين مناؤين للنظام تظاهروا على مقربة منها، حيث عملت على مطاردتهم في شوارع بيروت! الأمر الذي شكّل بدايات مثيرة لمخاوف من اتجاهات قمعية وجدت طريقها الى مواقف نيابية وسياسية بارزة.
ولفت النائب مروان حماده إلى أن السفارة السورية تصرفت أول من أمس حيال المتظاهرين المتضامنين مع الشعب السوري "كأنها مديرية الأمن في درعا أو حماه".
أما الموقف الأبرز من خارج الجلسة فجاء في بيان لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي أثار مسألة الحريات الإعلامية، فشدَّد على "ضرورة أن يبقى حق التظاهر السلمي محفوظاً"، محذرًا من أنّ "تحويل بعض شوارع بيروت أو أحيائها أو مناطقها الى مربعات أمنية لا يفيد أحدًا، كما أن احترام وسائل الإعلام خلال تأدية مهماتها ودورها يفترض أن يكون من المسلّمات".
الى ذلك، أثبتت الحكومة أنها حكومة رعاية الإرهاب في لبنان والدفاع عن قتلة الأطفال في سوريا، فقد بدأ الموقف اللبناني الرسمي من البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن في شأن الازمة السورية ينذر بمزيد من المضاعفات السياسية الداخلية في ظل امتناع لبنان عن التصويت. وفي هذا السياق، وصفت مصادر بارزة في قوى 14 آذار "تنصل "لبنان من التصويت على البيان على رغم إجماع الدول الـ14 الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن عليه"، بأنه موقف "معيب ومخز" وحذرت من أن الحكومة بموقفها هذا "تهدّد رصيد لبنان الدولي وتضعه في مواجهة مع العالم وتفقده إحدى أهم خصائصه ومميزاته"، منبهة الى محاذير هذا الموقف وقت يحتاج لبنان الى المجتمع الدولي وخصوصًا في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وتهديداتها. وأفاد ديبلوماسيون في الأمم المتحدة أن سوريا "رضيت مرغمة بصيغة أن ينأى لبنان بنفسه عن البيان الرئاسي من غير أن يعطل الإجماع الدولي، وذلك إثر نصيحة روسية في هذا الشأن لئلا تكون أمام خيار اتخاذ قرار"، موضحًا أن دمشق "اختارت أحلى الأمرّين". وأشار الى أن السفير السوري في بيروت علي عبدالكريم علي نقل الى وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور كلاماً بهذا المعنى من وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
كل تلك الأحداث، كان تجري وسط انشداد الأنظار نحو الجمهورية العربية المصرية، حيث بدأت محاكمة الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك". ففي أكاديمية الشرطة التي كانت تحمل اسمه والتي دخلها رئيساً لمصر في 23 كانون الثاني احتفالاً بعيد الشرطة، أي قبل "ثورة 25 يناير" بيومين، ظهر الرئيس المصري السابق حسني مبارك للمرة الأولى منذ 10 شباط حين ألقى خطابه الأخير عشية تنحيه. وبدا مبارك على سرير مستشفى في قفص الاتهام، وأمامه نجلاه جمال وعلاء واجمَين باللباس الأبيض للمسجونين احتياطيًا، وكانا يحاولان منع الكاميرات من التقاط صورة تاريخية لرئيس عربي يواجه محكمة. وقد نفى مبارك الاتهامات الموجّهة إليه، وتقرّر إبقاؤه في القاهرة الى حين موعد مثوله مجددًا أمام المحكمة في 15 آب.
وبالعودة الى الشأن السوري، غداة تأييد موسكو بيان مجلس الأمن الذي ندَّد بالحملة التي تشنّها دمشق على المحتجين، برز موقف لافت جديد للرئيس الروسي "دميتري ميدفيديف" حذّر فيه الرئيس السوري بشار الأسد من"مصير حزين ينتظره" إذا لم يطبّق إصلاحات، بينما رأى البيت الأبيض أن الرئيس السوري "في طريقه الى خارج السلطة"، وهو يأخذ سوريا ومجمل منطقة الشرق الأوسط في "طريق خطير". لكن القوات السورية شدّدت حملتها الأمنية وخصوصًا في "حماه"، حيث قُتل 45 مدنيًا في هجوم بالدبابات على المدينة، ليصبح عدد الشهداء الذين سقطوا في الهجوم المتواصل للدبابات منذ ستة أيام، 300 قتيل من المدنيين على الأقل، قضى عدد كبير منهم متأثرين بإصاباتهم التي كان يمكن أن ينجوا منها لولا نقص الدم اللازم للعمليات الجراحية، أو عدم القدرة على نقلهم إلى المستشفيات بسبب القصف العنيف للأحياء السكنية الرئيسية.
وفي شأن متّصل، كان الرئيس "ميقاتي" يتعرّض لانتقاد شديد اللهجة من "الإخوان المسلمين"، حيث وصف الناطق الرسمي باسم "جماعة "الإخوان" في سوريا "زهير سالم" في 5 آب، موقف حكومة الرئيس "ميقاتي" في مجلس الأمن بـ"الطامّة الكبرى"، وقال: "لم يكن المأمول من دولة الرئيس ميقاتي أن يقايض على كرسي الرئاسة الذي أرهقه على ما يبدو، بدماء أطفال سوريا وبحرمة الحرائر في سوريا".
الى ذلك، كشفت لجنة تابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في 6آب، عن "تورّط إيران وحزب الله في قتل الجنود السوريين الرافضين لإطلاق النار على المتظاهرين"، حسب ما نقلته الإذاعة الفرنسية. ويؤكّد التقرير أن "الجنود السوريين الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين، قُتلوا بعد اعتقالهم على يد عناصر تنتمي إلى حزب الله اللبناني، أو قوات إيرانية تابعة للحرس الثوري، المتواجدين في سوريا لمساعدة النظام السوري في قمعه للمتظاهرين" .
في السابع من آب، ضاق الخناق أكثر فأكثر على "سفّاح" سوريا؛ فبعد أسبوع من اقتحام مدينة "حماه"، وعلى وقع الأنباء المريعة عن وفاة ثمانية أطفال خدَّج إثر قطع النظام الإرهابي التيار الكهربائي عن حاضنات الأطفال في "مشفى الحوراني" في "حماه"، وعن اقتحام "كتائب الأسد" "دير الزور" وقرية في حمص موقعة عشرات القتلى... أعلن العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبد العزيز" في خطاب عن الأزمة السورية استدعاء السفير السعودي لدى دمشق للتشاور، وحذر من أن "المملكة لا يمكن أن تقبل بالأحداث الجارية"، داعيًا "القيادة السورية الى تحكيم العقل قبل فوات الأوان"، وقال: "إن مستقبل سوريا بين خيارين إما الحكمة أو الفوضى".
وسبق موقف "الملك عبدالله" بيان للأمين العام لجامعة الدول العربية "نبيل العربي"، أعرب فيه عن القلق المتزايد للجامعة مما يجري في سوريا، داعيًا الى الوقف الفوري للعنف. وكان موقف متشدد لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي قال أن "صبر بلاده قد نفد"، وأنه سيرسل وزير الخارجية "أحمد داود أوغلو" الى دمشق "حاملاً رسالة حازمة"، مؤكدًا أن "أنقرة لا يمكنها البقاء متفرّجة"، الأمر الذي ردّت عليه سوريا بأنها ستقابل الحزم التركي بإسماع الوزير التركي كلامًا سوريًا أكثر حزمًا حيال مواقف أنقرة.
ما بعد كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" إلى الشعب السوري ليس كما قبلها. انتهى زمن الصمت العربي، والترجمة السورية له بأنه "رضى ضمني يمتد على فترة سماح تنتهي بتهدئة غضب الشارع وإجراء إصلاحات جدّية مقبولة". أهمية وخطورة كلمة الملك "عبدالله،" أنّها فتحت مسارًا عربيًا بدءًا من دول الخليج العربية، عنوانها "كفى". هذا الموقف العربي، يُسقط "شبكة الأمان" الأخيرة للأسد ونظامه. أخطر مفاعيل هذا الإسقاط أنها تعرّي "النظام الأسدي" أمام المجتمع الدولي وتنتزع منه كل "دفاعاته". أصبح المجتمع الدولي وتحديدًا واشنطن وباريس أكثر حرية في الاندفاع إلى الأمام لرفع "البطاقة الحمراء" في وجه "النظام الأسدي" المتكامل والمتضامن. بعد الموقف السعودي-الخليجي الذي دفع بشار الأسد خارج "الخيمة العربية الإسلامية"، يُفترض أنه لم يعد أمام الروس والصينيين مساحة واسعة للمناورة.
هذا، وتابعت الضغوط العربية مسارها التصاعدي على النظام السوري، في اليوم التالي للكلام السعودي، بانضمام الكويت والبحرين الى المملكة العربية السعودية في استدعاء سفيريهما من دمشق للتشاور في الأحداث في سوريا. كما أطلق شيخ الأزهر "أحمد الطيب" موقفًا رأى فيه أن "الأمر قد جاوز الحد" في سوريا، فيما احتفظ الأمين العام لجامعة الدول العربية "نبيل العربي" بلهجة تصالحية، بالدعوة الى الحوار والاستفادة من درسي تونس ومصر.
بيد أن التطور السياسي البارز تمثّل في موقف للرئيس "سعد الحريري"، هو الثاني له بعد أحداث "حماه" أطلقه غداة خطاب العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبد العزيز" عن سوريا، رفع عبره وتيرة الدعم العلني للشعب السوري في مواجهة "الحل الأمني". وقد اعتبر الحريري أن "لبنان ليس أجيرًا سياسيًا وديبلوماسيًا وأمنيًا"، داعيًا الحكومة الى "ترجمة العلاقات المميزة مع الشقيقة سوريا كما يجب أن تكون في المنعطفات التاريخية". وشدَّد على أن "الوقوف مع سوريا هذه المرّة يعني الوقوف مع شعبها وعدم التنكّر لإرادته في اختيار نظامه وتحقيق حرياته وبناء مستقبله." كما رأى أن "الخطاب التاريخي" الذي وجّهه الملك السعودي الى سوريا "جاء في لحظة مفصلية من هذه التطورات ليتوّج الموقف العربي برؤية صادقة وحازمة".
الى ذلك، وفي إطار المواقف الداخلية من التطورات العربية، برز المقال الأسبوعي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب "وليد جنبلاط"، الذي وإن حصره بمحاكمة الرئيس المصري السابق "حسني مبارك"، اكتسب بعدًا ضمنيًا واضحًا إزاء الأزمة السورية تحديدًا. فقد اعتبر "جنبلاط" أن صورة الرئيس "مبارك" داخل قفص الاتهام "وحدها تعبير عن حتمية انتصار الشعوب في نضالها في سبيل الحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية". وتابع: "لقد أكدت هذه المحاكمة كذلك أن التاريخ لا يرحم، وأن كثيرين مدعوون لأن يستخلصوا العبر والدروس من هذه التجربة (...) بما يحفظ بلادهم ويحول دون انزلاقها نحو الفوضى والتشرذم والانهيار".
وسط هذه الاجواء ، نُفِّذ اعتصام مساء أمام تمثال الشهداء في وسط بيروت بدعوة من "المثقفين الديموقراطيين العلمانيين"، تضامنًا مع الشعب السوري. وضمّ الاعتصام مئات من المشاركين وتميّز بتنوع الانتماءات السياسية وبمشاركة شخصيات فنية ونقابية وفكرية.
على صعيد المحكمة الدولية، وقبل أيام من انتهاء مهلة الشهر المعطاة للسلطات اللبنانية لتبليغ المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" القرار الاتهامي للمثول أمام المحكمة الخاصة بلبنان في "لايدتسندام" بهولندا، أعلنت المحكمة أنها تلقت في 9 آب تقريرًا من النائب العام التمييزي القاضي "سعيد ميرزا" مفاده أن ايًّا من الأشخاص الأربعة المتهمين لم يعتقل حتى الآن.
العلاقات السورية-الجنبلاطية لم تعد على ما يرام، ولا سيّما بعد مواقف الزعيم الدرزي حيال الأحداث الدموية في سوريا. ففي العاشر من آب، زار النائب وليد جنبلاط برفقة وزير الأشغال العامة غازي العريضي دمشق، وقابلا معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف، ثم عادا الى بيروت. وعلى الرغم من بيان الحزب التقدمي الذي وصف اللقاء بأنه "اتسم" بالود والصراحة والتفاهم، وكانت مناسبة لتبادل وجهات النظر في آخر التطورات السياسية"، تبقى علامات استفهام كبيرة عن عدم تمكّن "جنبلاط" من لقاء "الأسد" شخصيًا كما درجت العادة، فيما يعكس امتعاضًا أكيدًا من مواقف "جنبلاط" الأخيرة.
عنصران جديدان من الحزب الإيراني سقطا على درب القداسة، إنهما قدّيسان جديدان، كانا يحاولان زرع الموت والخوف والإرهاب والذعر في حياة اللبنانيين اليومية وهز السلم الأهلي....
ففي الحادي عشر من آب، دوى انفجار ناتج عن عبوة ناسفة مزوّدة بكُرات حديدية مجّهزة للانفجار في أحد مواقف السيارات في منطقة انطلياس مقابل سنتر الحاج، ما أدى إلى مقتل شخصين وجرح آخرين وتضرُّر عدد من السيارات. ووسط تضارب المعلومات الأولية حول طبيعة الانفجار وأسبابه والجهة التي تقف وراءه، تبيّن أن القتيلين، وهما إحسان نايف نصار، وحسين علي ضيا، ملتزمان في "حزب ولاية الفقيه"و لاسيما "ضيا".
وبين انفجار ملتبس بتوقيته ومكانه وظروفه وضحيتيه في وضح النهار، ورواية حكومية يتيمة مطابقة لرواية الحزب الإرهابي على لسان وزير الداخلية "مروان شربل" غابت معها حتى المعلومات الأمنية الرسمية الأولية التي تعلنها عادة الأجهزة القضائية والأمنية المختصة، التي اكتفت بالاستخفاف بعقول اللبنانيين، عازية الانفجار الى مجرد خلاف شخصي على خلفية مالية بين القتيلين!! خطفت عملية انطلياس الاهتمامات والأولويات وأثارت موجة من الشكوك والمخاوف من عودة الاستهدافات الأمنية الى البلاد؛ ولا سيّما مع تأكيد حكومة 8 آذار الميقاتية يومًا بعد يوم، أنها جديرة بتسمية "حكومة رعاية الارهاب" في لبنان وسوريا.
فمن تغطيتها السلاح الميليشيوي في بيانها الوزاري تحت شعار ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، الى تستّرها عن إعلان هوية خاطفي الأستونيين السعبة وتخلّيها عن ملاحقة ومتابعة ملفّهم أمنيًا تاركة تلك المهام للاستخبارات الأوربية، الى تقاعسها عن تعقّب المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتسليمهم الى العدالة، مرورًا بفضحية "النأي بالنفس" في جلسة مجلس الأمن حيث خرجت الحكومة عن الإجماع الدولي في إدانة الجرائم المنظمة التي يقوم بها النظام السوري ضد شعبه بأطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه...، وأخيرًا وليس آخرًا عزوها في 11/8/2011 انفجار العبوة المحشوة بالكرات الحديدية بواضعيها الإرهابيين في "أنطلياس" الى خلاف فردي على خلفية مالية!
وقد تزامن الانفجار مع تطوّر بالغ الأهمية في مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أبلغت الوزيرين السابقين "الياس المر" و"مروان حماده"، ترابط ملفي محاولتي اغتيالهما وكذلك اغتيال الأمين العام الراحل للحزب الشيوعي الشهيد "جورج حاوي" مع ملف اغتيال الرئيس "رفيق الحريري"، فيما أبلغت المحكمة أيضًا الإعلامية "مي شدياق" مضي التحقيق في ملف محاولة اغتيالها.
وقال "المر" للصحافيين: "لنقل ان النتيجة مؤسفة بالنسبة الى الناس الذين ماتوا، ومؤسف كل ما سمعناه للبلد والسؤال لماذا حصل ذلك؟ هذا هو المؤسف". أما "حمادة" فقال: "إن المعلومات التي قُدّمت لنا مؤسفة، وتكشف حجم المؤامرة"، رافضًا الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
سوريًّا، كان "سفّاح" الشام يطوّر أساليب قمعه لانتفاضة الحرية والكرامة، مع استخدام كاتئبه المجرمة في 14 آب سلاح البحرية للمرة الأولى في سعيها الى قمع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس "بشار الأسد"، إذ شاركت زوارق في قصف حيَّين بمدينة "اللاذقية" الساحلية، بعدما كان تظاهر فيها الآلاف خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقد أسفر القصف البحري عن مقتل 26 شخصًا، وجرح العشرات، ونزوح عدد كبير من السكان.
وفي سياق متّصل، نُظِّمت في اليوم التالي تظاهرتان فلسطينيتان في كل من "رام الله" في "الضفة الغربية" و"حيفا" داخل الأراضي المحتلة منذ العام 1948، تضامنًا مع الشعب السوري ضد المجازر التي يرتكبها النظام بحقه، فيما أبدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قلقًا من قصف الجيش السوري لمخيّم للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية. في حين قال وزير الخارجية التركي "أحمد داود أوغلو" في 15آب، إن "العمليات العسكرية ضد المدنيين في سوريا ينبغي أن تتوقف على الفور ودون شروط" محذرًا الرئيس السوري من أن هذه هي "الكلمات الأخيرة" لتركيا.
في هذه الأثناء، وعلى وقع كشف مجلة "دير شبيغل" في 15 آب عن معلومات تفيد أن إيران متورطة في عملية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، مشيرة من دون الإفصاح عن مصدر معلوماتها إلى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تتتبّع بصورة مكثفة آثارًا تقود إلى إيران حيث جرى تدريب عناصر الحزب على تنفيذ العملية"... كان "حزب ولاية الفقيه" الذي يعيش مأزقًا كبيرًا مع صدور القرار الاتهامي وتزعْزُع النظام السوري، وشراسة المعارضة الاستقلالية، ولم يجد للتعبير عن وضعه الحرج والمأزوم، سوى مواصلة قصفه الكلامي على فريق 14 آذار، وتوزيع اتهامات العمالة والتخوين. فقد سأل نائب الأمين العام لحزب السلاح الشيخ "نعيم قاسم" فريق 14 آذار: "بماذا تتباهون؟ بإنجازاتكم في لبنان؟ كل الإنجازات هدر وفساد ومديونية عالية ومشاكل داخلية، وإثارات مذهبية وطائفية"، معتبراً أن "حزب المستقبل اليوم ميليشيا بكل ما للكلمة من معنى".
وقد استدعى هذا التطاول الخطير، ردًا من "كتلة المستقبل" التي رأت فيه بكل برودة أعصاب "محاولة مكشوفة من حزب السلاح ظنًا منه أنها قد تؤدي إلى تخفيف الضغط الإعلامي والسياسي عن الحزب الذي بات في زاوية القرار الإتهامي(...)، القاعدة الذهبية تقول إن من يجد نفسه في حفرة عليه ألا يستمر بالحفر، فكفاكم توسيعًا للحفرة التي أنتم فيها مما يعمق هوّة المأزق الذي أصبحتم فيه".
أما الرد الناري، فجاء على لسان عضو كتلة "المستقبل" النيابية النائب عمار "حوري حوري" ومن "دار الفتوى" بما ترمز وتمثّل، حيث قال: "خطأ وحيد ارتكبه الشيخ نعيم في كلامه هذا، هو أنَّ كل هذه الصفات ملتصقة بـ "حزب السلاح" وحلفائه حصرًا. هذا "الحزب" الذي اعتدى على الأملاك العامة والخاصة بسبب برنامج تلفزيوني، هذا "الحزب" الذي احتل وسط بيروت وخرَّب الاقتصاد لفترةٍ طويلة ولا يزال، هذا "الحزب" هو بطل الثلاثاء الأسود والخميس الأسود، هذا "الحزب" الذي اعتدى على الجيش في مار مخايل وغيرها، وقتل الضابط سامر حنا و رفض قرارات الحكومة، وارتكب 7 أيار، وانتهك الحرمات، واعتدى على الآمنين وعلى البيوت والمؤسسات والأملاك العامة والخاصة، واعتدى على الناس في جرود جبل صنين كما يعتدي يومياً على قوى الأمن الداخلي في الضاحية الجنوبية وفي كل مكان، هذا "الحزب" الذي قتل الأبرياء في عائشة بكار، وأحرق ودمر المساجد في البسطة وبرج أبي حيدر، هذا "الحزب" الذي يستقبل أنصاره بعراضات عسكرية في المطار ويعتدي على المحقّقين الدوليين، ويغطي انقلاباً دستوريًا بالقمصان والقلوب السود، وينسب انفجار الرويس إلى الغاز، ويغطي ما يحصل في لاسا بحُجَجِه المعروفة، ويحلّ مشكلاته المالية في أنطلياس بالعبوات الناسفة، هذا "الحزب" الذي يشارك في قتل الشعب السوري الشقيق من خلال تحالفه مع الشبيحة والبلطجية، والذي صادر أموال الدولة في كل مكان، هذا "الحزب" الذي يخفي المتهمين بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إنه حزب السلاح باتجاه الداخل، أمَّا الفُجور يا شيخ نعيم الذي تحدَّثتَ عنه فهو في منطقكم هذا، فَبِئسَ المنطق".
وفي السابع عشر من آب 2011، نشرت المحكمة الدولية القرار الاتهامي كاملاً في الإعلام، باستثناء بعض الأسماء والأرقام التي تؤثر على سلامة التحقيق. وقد كشف القرار المفصّل، الجزء الأكبر من "مؤامرة مجموعة الاغتيال"، وأبرز الأهمية الأساسية لدور شبكات الاتصال في تعقّب الحريري واغتياله، كما أشار الى أن المتهمين الأربعة هم "مناصرون لحزب الله"، واستنادًا الى أنهم تدرّبوا لدى الجناح العسكري للحزب "لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه (الحزب) أم لا". كما بيّن أن مجموعة الإغتيال تتألف من المتهمين الأربعة وآخرين مجهولي الهوية، وأن أعضاء مجموعة الاغتيال الأربعة اتخذوا أماكنهم لتعقّب الحريري من قريطم إلى مجلس النواب، فيما اتصل "عنيسي" أو "صبرا" بقناة "الجزيرة" بعد تنفيذ العملية، مطالبًا ببث شريط "أبو عدس" ومهددًا.
وقد شكّل نشر القرار الخطوة المنتظرة منذ إنشاء المحكمة قبل أربع سنوات لكشف أسرار الاغتيال المدوي ووقائعه من جهة، ومعاينة مستوى مهنية المحكمة المرصودة بدقة لدى مؤيديها ومعارضيها في آن واحد من جهة أخرى. ومع أن "قصة" الاغتيال في القرار تركت أجزاء قليلة أخرى طي الكتمان، فإن ما كشفه الجزء الذي رفعت عنه السرية بدا كافيًا بذاته لاستعادة فصول ما وصفه القرار بـ"مؤامرة" الاغتيال التي اتسمت وفق الوقائع التي أوردها الادعاء باحتراف مذهل.
هذا البعد المتصل بسرد الوقائع الدراماتيكية للجريمة، حصره الادعاء بالمتهمين الأربعة ومجريات اتهامهم استنادًا الى الأدلة الظرفية خصوصًا، ولا سيّما منها الاتصالات الهاتفية الخليوية التي اضطلعت بالدور الأول في تعقّب الحريري وتنفيذ الجريمة. ولم يتضمن القرار أي توسيع علني آخر للاتهام الذي اعتبر قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرنسين أنه قدّم "أدلة كافية بصورة أولية للانتقال الى مرحلة المحاكمة". لكنه أضاف أن "ذلك لا يعني أن المتهمين مسؤولون، بل يُبيِّن فقط توافر مواد كافية لمحاكمتهم، وعلى المدعي العام أن يثبت أثناء المحاكمة أن المتهمين مسؤولون من دون أدنى شك معقول".
يضاف الى ما تقدّم أن نص القرار الاتهامي الذي نشرته المحكمة يعتبر الخطوة الأكثر تقدمًا على صعيد إثبات صدقيتها في المضي بمهمتها الآيلة الى وضع حد للإفلات من العقاب، فقد أورد أدلة قوية ومنطقية ومقنعة في سياق عرضه وقائع الجريمة.
أما في سياق الأصداء الفورية التي أثارها نشر القرار، فكان رد الفعل البارز الأول للرئيس "سعد الحريري"، الذي قال إن "شمس الحقيقة والعدالة بدأت تشرق على لبنان، وما من شيء سيكون قادرًا على تعطيل هذا الفجر الجديد مهما بلغ حجم التهويل والتهديد". وأوضح الحريري أن "العدالة الدولية قرّرت اليوم ، أن تضع النقاط على الحروف وأن تكشف عن جانب مهم من الأدلة والوقائع التي تتصل بجريمة الإغتيال الإرهابية، التي أودت بحياة رمز كبير من رموز الاعتدال والوطنية والنزاهة والنجاح في لبنان والوطن العربي".
وسأل الحريري: "أي عقل شيطاني يمكن أن يكون قد استولى على عقول هؤلاء، ليرتكبوا مثل هذه الجريمة. بل أي عقل شيطاني يمكن أن يكون قد خطط وأعطى الأوامر لهؤلاء بقتل الرئيس رفيق الحريري، وبجر لبنان الى مسلسل دموي رهيب، خطف من صفوف اللبنانيين نخبة من رجالات السياسية والفكر والنضال الوطني؟". وتابع معلنًا أنه "يتطلع الى موقف تاريخي من قيادة حزب الله ومن السيد حسن نصرالله خصوصًا لوضع حد لسياسات الهروب الى الأمام"، داعيًا قيادة الحزب الى "إعلان فك الارتباط بينها وبين المتهمين، وهذا موقف سيسجله التاريخ والعرب وجميع اللبنانيين للحزب وقيادته".
أما بالنسبة للحكومة اللبنانية، فتوجّه الحريري بقول "صادق وصريح"، وقال: "إن لغة التذاكي على الرأي العام، والإعلان عن الشيء ونقيضه في آن، وسياسة توزيع الأدوار بين رئيس الحكومة وحلفائه، وإن محاولات التهرب من تحمل المسؤولية تجاه ملاحقة المتهمين وتحديد الجهات التي تعطل عملية الملاحقة وإلقاء القبض عليهم والإمتناع عن تسليمهم الى المحكمة الدولية... إن كل ذلك لم يعد يُجدي نفعًا ويحمّل الحكومة مسؤولية الاشتراك في عدم التعاون، والتخلّي عن التزامات لبنان تجاه متابعة قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه". وأكّد أن "الحقيقة أبلغ من أن يتم الالتفاف عليها. والقرار الاتهامي بكل ما تضمّنه من أدلة ووثائق وشهادات، يرسم الخط المستقيم لهذه الحقيقة"، خاتمًا بالقول: "العدالة آتية، العدالة آتية، ولبنان سيكون بخير بإذن الله".
من جهتها، وصفت الأمانة العامة لقوى 14 آذار نشر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بأنه "حدث استثنائي كبير" و"انتصار لمبدأ إنهاء سياسة الإفلات من العقاب"، داعية "حزب الله" الى تسليم المطلوبين، مكرّرة تضامنها مع الشعب السوري.

في المقابل، جاء الموقف الأول للأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" "حسن نصرالله" بعد بيان الرئيس الحريري وبيان الأمانة العامة لقوى 14 آذار، ليقفل الباب على كل تعاون مع المحكمة الدولية. وأتى موقفه من القرار الاتهامي مطابقًا لما دأب على التعبير عنه من مواقف من المحكمة، فخلص الى أن صدوره "يؤكد صحة ما قلناه خلال الأشهر الماضية من أن التحقيق غير شفّاف، وتمَّ تسريبه في "درشبيغل"، وصحف أخرى عربية وإسرائيلية، والتلفزيون الكندي". وأضاف: "لا يوجد أي دليل مباشر في النص كله، والأمر الوحيد الذي يستند إليه القرار الاتهامي هو الاتصالات الهاتفية، ويتحدث عن تزامنات وبعض التحليلات (…)، وما ذكر لا يكفي أن يكون دليلاً". وأكد أن القرار "يزيدنا اقتناعًا بأن ما يجري هو على درجة عالية جدًا من الظلم والتسييس، وأن هؤلاء المقاومين الشرفاء لا يجوز ان يُقال عنهم حتى إنهم متهمون". ولم يفت نصر الله التطرق الى معزوفة التخوين، فقال: "هناك فريق في لبنان على صلة بمشروع كبير فشل في كل شيء"، معتبرًا أن الوجوه السوداء البائسة التي رأينها في 14 آب 2006 تستطيع القيام باكثر من ذلك".
المفاجأة الثانية في هذا اليوم التاريخي، لا بل الفضيحة الثانية المخزية حقًا، تمثّلت باستقبال مفتي الجمهورية الشيخ "محمد رشيد قباني" في دار الفتوى وفدًا من "حزب ولاية الفقيه"، بعد انقطاع لمدة ستة أعوام، في خطوة أعادت الى الذاكرة مسارعة "حسن نصر الله" الى زيارة "دار الفتوى" عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري مباشرة، ولا سيّما أن الزيارة هذه المرة، حصلت بالتزامن مع الإعلان عن تفاصيل القرار الاتهامي التي تتهم عناصر من الحزب بأدلة قوية بالضلوع في الجريمة! وقال رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد ابراهيم أمين السيد، بعد اللقاء الذي أساء الى مشاعر اللبنانيين فضلا عن أبناء الطائفة السنيّة: "ناقشنا كل القضايا التي تتعلق بمصالح الوطن والأمة، وما يتهدّد لبنان أو المنطقة من أخطار، خصوصًا في ما يتعلق بالعدو الصهيوني والمؤامرات التي تحاك ضد المنطقة". وعن القرار الاتهامي قال: "نحن نعتبر أن القرار صدر في المجلات العالمية وليس في المحكمة الدولية، وهذا الموضوع لا يعنينا ولم نبحث فيه نهائيا في اللقاء".
وردًا على ذلك التصرّف غير المسؤول من مفتي الجمهورية، قرّرت "كتلة نواب المستقبل" الامتناع عن زيارة "دار الفتوى"، ومقاطعة المفتي.
هذا اللقاء المخزي شكلاً ومضمونًا وتوقيتًا، والذي سبقه لقاء "الخزي والعار" في الأول من آب مع سفير النظام المجرم، ضاعف طرح علامات الاستفاهم على خيارات المفتي "قباني" السياسية، فكل ذلك أوحى بشكل قوي الى ميله نحو قوى 8 آذار، ولا سيما مع سعيه لتمديد ولايته التي شارفت على نهايتها مدى الحياة، ولا أمل له بتحقّق مراده وتحصين موقعه بعد ما ثبتت عليه تهم الضلوع ونجله بفساد مالي في "دار الفتوى"، سوى من خلال التقرّب من قوى 8آذار وتحديدًا الحزب الممسك بالحكومة ورئيسها، فهي التي يعود إليها تعديل القانون الذي ينظّم عمل "دار الفتوى" بما يتلاءم ورغبات المفتي الحالي.
وفي ردود خجولة على مقاطعة "المستقبل"، حاولت مصادر مقرّبة من "المفتي" تبرير الزيارة "الفضيحة" بأن "الموعد كان محددًا قبل أسبوع على الأقل"(...)، ويتساءلون "هل يعني ذلك تخلي مفتي الجمهورية عن مواقفه الداعمة للمحكمة الدولية؟". ونقل هؤلاء عن المفتي قوله: "إن دار الفتوى مفتوحة أمام الجميع، وعنوان سياستها الانفتاح والحوار، (...)هل يريدونني أن استقبل سمير جعجع وأرفض استقبال "حزب الله"؟ نحن نستقبل الجميع ومن كان مدانًا تحاكمه الدولة".
صحيح أن "المفتي لا يزال يدافع عن المحكمة الدولية، إلا أن مدار انتقاد استقباله "الحزب" يعيدنا الى حيثية التوقيت السياسي للزيارة مجددًا، فالحزب أثبت أنه مخترِق لأوساط لجنة التحقيق الدولية وهيئة المحكمة، وبالتالي فهو فضلاً عن الكلام الصحفي حول موعد الكشف عن مضمون القرار الاتهامي، كان يدرك أن الموعد الذي طلبه سيوافق ذلك اليوم أو سيعقبه أو يسبقه بيوم أو يومين على أبعد تقدير، وبالتالي كان يجدر بدار الفتوى تأجيل الموعد ولو قبل حصوله بدقائق معدودات إذا كان رفضه متعذرًا لدواع طائفية بحتة لها انعكاسها على الشارعَين السني والشيعي، لا أن يُسمَح للحزب باستغلال التوقيت وقطف ثمرته سياسيًا (على نحو ما حدث عقب جريمة الاغتيال من مسارعة "نصر الله" لزيارة المفتي)، ثم الاتخاذ من منبر دار الفتوى منصة للتصويب على المحكمة لناحية تخوينها وأسرلتها والطعن في نزاهتها.
ثم إن مقارنة استقبال وفد "حزب ولاية الفقيه" باستقبال الدكتور "سمير جعجع" باطلة شكلاً ومضمونًا، لأنها من قبيل القياس مع الفارق، ففرق كبير بين استقبال من لا يزال الى اليوم يمجّد عدوانه الإرهابي في أيار 2008-الذي طال المفتي نفسه- ويهدِّد ويتوعد يوميًا موجهًا سلاحه الى صدور اللبنانيين ومخيرًا إياهم بين العدالة والاستقرار، وبين "الحكيم" الذي قبل بالطائف وسلّم سلاحه الى الدولة، وكان القائد الوحيد الذي امتلك الجرأة على الاعتراف بأخطاء ارتُكبت في الحرب، مقدّمًا اعتذارًا عميقًا عن كل جرح أو أذِيّة صدرت من جانبه، طالبا السماح والتعالي والمحبة...
وبالعودة الى أخبارالثورات العربية، استبقت المعارضة اليمنية عودة "علي صالح" من العلاج في السعودية، بتأليف "مجلس وطني للثورة" في 17آب، مكوّنًا من 143 عضوًا.
في غضون ذلك، اتهم محللون سياسيون أتراك المخابرات السورية، بأنها وراء الهجمات المستمرّة التي لا يزال يشنها "حزب العمال الكردستاني" على القوات التركية، من أجل تخفيف الضغط التركي على النظام السوري. وتساءلوا في تصريحات للصحف والفضائيات التركية: "هل من الممكن أن تقف سوريا وراء هجمات منظمة حزب العمال الكردستاني"؟ مشيرين الى أنه كلما ازدادت الضغوط التركية على الإدارة السوريةـ ازدادت في المقابل هجمات المنظمة الانفصالية.
وفي خطوة طال انتظارها، رفعت الولايات المتحدة وأوروبا المواجهة مع الرئيس السوري بشار الأسد في 18 آب الى مستوى لا سابق له، عندما طالبه الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، والرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي"، ورئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، والمستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، والاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى بالتنحي نتيجة استمراره في اللجوء الى القوة لقمع التظاهرات المطالبة بالاصلاح والتغيير.
وجاء الموقف الأميركي المتأخر جدًا، بعد اتصالات ومشاورات مكثفة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين والإقليميين، بما فيهم تركيا والمملكة العربية السعودية، وهي اتصالات شكّلت ما يمكن وصفه بجوقة إدانات وعقوبات دولية منسقة ضد نظام "الأسد" كي يكون لها وقع قوي وعملي، في يوم انعقاد مجلس الأمن للنظر في اتخاذ موقف دولي أقوى ضد ممارسات النظام السوري، وعقب تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان في جنيف اتهم النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الانسانية، داعيًا مجلس الأمن الى إحالة مسؤولين سوريين على المحكمة الجنائية الدولية.
وأرفقت الولايات المتحدة خطوتها الجديدة بالإعلان عن عقوبات لا سابق لها تشمل قطاع الطاقة لحرمان النظام تمويل حملة العنف ضد الشعب السوري. ووصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذه العقوبات بأنها تطاول "قلب النظام" السوري.
وبالعودة الى التطوّرات اللبنانية، كشفت مجلة "تايم" الأميركية في غمرة تداعيات نشر المحكمة الخاصة بلبنان قرارها الاتهامي، وفي عددها المنشور في 18آب، أن أحد المتهمين التقى مراسلها في بيروت "نيكولاس بلانفورد"، وأكد له أن "السلطات اللبنانية تعرف أين أعيش. ولو أرادوا أن يوقفوني لكانوا فعلوا ذلك منذ زمن بعيد. ببساطة، إنهم لا يستطيعون".
هذه المقابلة استدعت نفيًا من الحزب المعني، وذلك بعدما أصدر الرئيس سعد الحريري بيانًا سأل فيه: "هل سمع الرئيس ميشال سليمان بالمقابلة التي نشرتها مجلة "تايم" مع أحد المتهمين المطلوبين للعدالة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وهل يريد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه باقي الفريق الوزاري، المسؤول مبدئيًا عن التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، أن يسمع بتلك المقابلة، والإعلان الذي جاء على لسان المتهم، بعجز السلطة اللبنانية عن توقيفه، وامتناعها عن توقيفه، رغم معرفتها بمكان إقامته؟(...) فما نُقل عن أحد المتهمين في مجلة " تايم" أكثر من خطير، وأكبر من أن يكون مجرد إخبار للنيابة العامة التمييزية، لأنه إعلان واضح ومكشوف، من حزب الله بأن الدولة، برئاساتها ومؤسساتها وحكومتها وأجهزتها الأمنية والقضائية، هي مجرد ادوات وظيفتها الأساسية حماية حزب الله وتنفيذ رغباته والتستر على المخالفات والتجاوزات التي يرتكبها في حق لبنان واللبنانيين(...). التاريخ لن يرحم المتورطين في إهدار دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لكنه بالتأكيد سيلعن كل المشاركين في بيع دماء الشهداء، لقاء حفنة من مواقع السلطة".
وبدوره تساءل "حكيم ثورة الأرز" الدكتور سمير جعجع": "حزب الله اتخذ موقفًا عدائيًا من التحقيق الدولي منذ اللحظة الأولى وانسحب من الحكومة حتى قبل تقارير "الفيغارو" و"سي بي سي" و"در شبيغل"، أليس هذا الامر مدعاة للشك؟". وإذ ذكّر بأن "الأجهزة الأمنية اللبنانية تمكنت من كشف معظم شبكات العملاء الإسرائيليين عبر داتا الاتصالات"، سأل: "كيف لإسرائيل أن تخترق الداتا ولم تحم عملاءها؟". وأضاف: "مصطفى بدر الدين متهم حتى إثبات العكس، والمعروف أنه في المجلس الجهادي في "حزب الله"، ويتمتع بمسؤولية كبيرة، وبعضهم يقول أنه أحد المسؤولين العسكريين الأوائل. وثمة سؤال يطرح نفسه: هل يمكن بدر الدين أن يقوم بالعمل بمفرده؟ وخصوصًا أن ما ظهر في القرار الاتهامي يؤكد أن بدر الدين لم يتحرّك بمفرده بل مع مجموعة من 15 الى 20 فردًا، فكيف له أن يقودهم من دون علم القيادة؟ هذا الى جانب أن العملية تطلبت إمكانات هائلة، فكيف لأفراد الاستحصال على 2500 كلغ من المتفجرات ومراقبة تحركات الرئيس رفيق الحريري"؟
أردنيًا، انطلقت في 19آب مسيرات في مختلف محافظات المملكة الأردنية لتأكيد المطالب بمحاربة الفساد والإصلاح السياسي، ورفض التعديلات الدستورية التي سلّمتها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور للملك منذ أيام. كما رفض المشاركون في المسيرات المعاناة والمحنة اللتين يتعرض لهما الشعب السوري، وطالبوا بتنحي الرئيس بشار الأسد ووقف حمام الدم والقتل الموجه إلى المواطنين العزل المسالمين.
الحادي والعشرون من آب 2011، كان يومًا تاريخيًا جديدًا، في سنة استثنائية حافلة بالحوادث التاريخية، حيث شهد على سقوط ثالث زعيم عربي تطيحه ثورة شعبية. سقط "معمّر القذافي" الدكتاتور العربي الثالث، بل عميد الدكتاتوريين العرب، بعدما ربض منذ عام 1969 على صدر شعبه، حتى خُيِّل لهذا الشعب وللعالم أن التقويم الليبي الخاص الذي اخترعه "القذافي" هو التقويم الصحيح، وهو غير قابل للتغير أو التعديل. إلا أن إرادة الشعب هي التي غلبت وتضحياته والدماء التي أراقها أزهرت حرية.
في 17 شباط، ولدت الثورة الليبية بعد نجاح تجربتي تونس ومصر، وسقوط الرئيسين السابقين "زين العابدين بن علي" و"حسني مبارك". وفي 21 آب، بدا أنها بلغت ذروتها واقتربت من تحقيق هدفها بإسقاط نظام أحكم قبضته على البلاد أكثر من أربعة عقود مع دخولها العاصمة "طرابلس". وبين التاريخين مرت أشهر طويلة من الجمود والكر والفر، غير أن ساعات قليلة كانت كافية ليحرز الثوار تقدمًا كبيرًا مفاجئًا حتى لهم، إذ عبروا أكثر من 30 كيلومتراً من خارج العاصمة الليبية إلى أبوابها، ثم إلى قلبها، إلى الساحة الخضراء، على مشارف باب العزيزية، مقر الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي" الذي استسلم نجله محمد للثوار، بينما يكتنف الغموض مصيره هو وابنه "سيف الإسلام".
وللبنان مع القذافي أكثر من تجربة حزينة مأسوية، فهو الذي استباح سيادته وأغدق الأموال والسلاح والمرتزقة لإسقاط استقلاله، واشترى الذمم وبعض الإعلام وكل ما يسهّل تحويل أرضه إلى وطن بديل، خصوصًا في حرب السنتين حيث جلب المرتزقة الى لبنان، ودفع أكثر من مليار وثلاثمائة مليون دولار لتمويل الحرب. وعلى الباغي تدور الدوائر.
أما في سوريا، وبعد المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس "الأسد" في 21آب، لم يصعب على متتبعيه وعلى المحلّلين فك رموزها، إذ جاءت في مضامينها ورسائلها نسخة غير منقحة عن خطبه الثلاثة السابقة، التي ألقاها منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية منتصف آذار الماضي، والتي تتمحور خلاصتها حول اتهام المنتفضين بأنهم مندسون، وإرهابيّون وفتنويون وجزء من المؤامرة على سوريا بصفقتها ركيزة الممانعة والمقاومة والعروبة في المنطقة. وأن الإصلاح لا يحصل بسرعة وعلى وقع الاحتجاجات، بل يحتاج الى تأنّ ورويّة!!
وعلى الصعيد الفلسطيني، أفاد دبلوماسيون في 21آب، أن إيران خفضت أو حتى أوقفت تمويلها لحركة المقاومة الاسلامية "حماس"، بعد أن امتنعت الحركة التي تحكم قطاع غزة عن إبداء التأييد الشعبي للرئيس السوري بشار الأسد، من خلال تنظيم مسيرات تأييد للنظام في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بعد الانتفاضة المناهضة لحكمه.
وفي سياق متصل، برز تعليق النائب "وليد جنبلاط" على التطورات في ليبيا، حيث اعتبر أن "طاغية ثالثاً يسقط في سياق الثورة الشعبيّة العربيّة الأصيلة والمحقة، وها هي النظرية الخضراء تسقط معه، وهي النظريّة المشابهة لنظرية الحزب الواحد والزعيم الأوحد التي أثبتت فشلها التاريخي في مسيرات الشعوب وتوقها الطبيعي للحرية والكرامة والديموقراطيّة". وأشار إلى أن "التجارب يبّنت أن كل الذين ادعوا بطولات مزيفة من صدام حسين إلى زين العابدين بن علي نظّروا من أبراجهم العاجيّة لحكم شعوبهم ولاحقاً أمروا بإطلاق النار على المتظاهرين وقمعهم، وحين دنت ساعة الحقيقة، فرُّوا كالجرذان، ولم يجرؤ أحد منهم على القتال كالقذافي الذي ادعى بطولات وهمية، أو حتى على الانتحار".
وفي موازاة هذا التطوّر على مسار الثورات، برز تطور آخر تمثل في استقبال العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبد العزيز" رئيس الوزراء السابق "سعد الحريري" في 23آب. وهذا هو الاجتماع الأول بين الرجلين، منذ الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان في كانون الثاني الماضي، وأدّت الى استقالة حكومة الحريري وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة جديدة. وهي تأتي بعد انهيار المسعى المعروف بـ"س. س." للتسوية التي كانت تعمل عليها السعودية مع سوريا. ولاختيار العاهل السعودي الحريري شخصية لبنانية أولى يستقبلها بعد أشهر طويلة من بدء الأزمة، مدلولات وتترتب عليه نتائج.
في الشأن السوري، مع استمرار الاحتجاجات في عدد من المدن السورية الداعية الى إسقاط الرئيس "بشار الأسد"، تعرّض رسام الكاريكاتور السوري المعارض "علي فرزات" للخطف على أيدي رجال أمن ملثَّمين، أوسعوه ضربًا، وكسروا أصابع يده اليسرى، على غرار طريقتهم في إذابة يد "سليم اللوزي" واقتلاع حنجرة "ابراهيم قاشوش". كما شنّت قوى الأمن حملة اعتقالات واسعة في المناطق التي تشهد احتجاجات.
وبدوره، هدّد الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" بإشعال المنطقة إذا دُبّر للنظام السوري أي سيناريو عسكري قائلاً: "لبنان ليس بمنأى، التطورات في سوريا ستطال المنطقة كلها (…)".، كما وجه رسالة مكررة فحواها "إننا غير معنيين بالمحكمة الدولية". والخلاصة أن نصرالله يهدد مرة أخرى الرأي العام اللبناني.
وفي المقابل، كان لرئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة جملة مواقف على هذا الصعيد تناولت المتهمين الأربعة من الحزب ومقابلة احدهم مع مجلة "تايم" الأميركية فلفت الى أن تأكيد الحزب عدم حصول مقابلة أحد المتهمين مع مجلة "تايم" يعني "أنه على صلة ومعرفة بهؤلاء المتهمين (...) ، وهو إثبات إضافي أنهم لا يريدون التعاون وأنهم أيضًا يساهمون في عملية حماية وإخفاء هؤلاء المتهمين". أما الدكتور جعجع فتساءل عن "الاستنسابية في تأييد الثورات الشعبية في مصر وليبيا، وعدم تأييدها في سوريا"، في منطق "نصر الله".
وأما الرئيس "ميقاتي" فلم ينجح بالاجتماع بالعاهل السعودي في زيارة قام بها الى السعودية، تخلّلتها لقاءات رسمية عدة مع كبار المسؤولين السعوديين.
هذا وقد انتهى شهرا آب ورمضان على وقع تصعيدين، تركي وسعودي؛ ففي 28 آب مهّد الرئيس التركي عبدالله غول للقطيعة النهائية مع النظام السوري، عندما أعلن ان "أنقرة فقدت الثقة بهذا النظام وأن أي تغييرات سيجريها قد فات أوانها". وتبعه رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان" محذِّرًا "مسؤولي النظام السوري من أنهم قد يواجهون المصير الذي واجهه الزعماء الذين اطيحوا في العالم العربي سنة 2011". وقال ان أي "نظام لا يمكنه البقاء بالقوة والوحشية من طريق اطلاق النار وقتل اشخاص عزل ينزلون الى الشوارع. الحل الوحيد هو التخلي فورًا عن السلاح والإصغاء الى مطالب الشعب". وأضاف: "لقد شهدنا نهاية من لم يختاروا هذا النهج في تونس ومصر". وأكد أن "لا مكان في عالم اليوم ... للأنظمة الديكتاتورية والمجتمعات المغلقة". وشدد على أن تركيا "تذكر الحكومتين السورية واليمنية بهذه الحقيقة"، كما كانت ذكَرت "سابقاً الحكومتين المصرية والتونسية".
وفي اليوم التالي، برز تصعيد آخر على الجانب السعودي باتجاه إيران، حيث رأى الأمير "نايف بن عبد العزيز" النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي ووزير الداخلية، أن "السعودية تظل هدفاً للإرهاب الذي تدعمه جهات خارجية، وأن إيران دولة تستهدف أمن الوطن".
وقد أسدل شهر آب ستائره، مع إفادة المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 473 شخصًا بينهم 360 مدنيًا، و 113 عنصرًا من الجيش وقوى الأمن الداخلي، قُتلوا في مدن سورية خلال شهر رمضان-آب. وأضاف أن "عدد الشهداء الذين قتلوا منذ انطلاق الثورة السورية في منتصف آذار ارتفع إلى 2434 شهيدًا، بينهم 1975 مدنيًا موثّقين بالقوائم، و459 عنصرًا من الجيش وقوى الأمن الداخلي". وأشار المرصد إلى "أن هذا الرقم لا يشمل الشهداء الذين سقطوا في مدينة حماه من الثالث إلى العاشر من آب، بسبب صعوبة التوثيق، ولا يشمل أيضًا مئات المفقودين".
أما على صعيد الخسائر الاقتصادية خلال الأزمة، فمنذ احتدامها أوقف النظام ما يسمى الميزانية الاستثمارية، باستثناء ما له علاقة باستكمال إنجاز المشاريع القائمة، وكذلك بعض مشاريع البنية التحتية. ما هو ملموس اليوم هو انهيار القطاع السياحي بالكامل حيث الفنادق فارغة، وتراجع التبادل التجاري السوري بنحو 30%. ونظرًا الى أن العقوبات على القطاع النفطي قد دخلت حيّز التنفيذ فسوف تظهر آثارها مباشرة، وهذا ما نبّه إليه حاكم مصرف سوريا المركزي، الذي دعا السوريين إلى الاستعداد لشد الأحزمة.


  

 

 

 

 

 

أيلول 2011.. أخطأ الراعيان وأصابت الرعيّة

خطى أيلول أولى خطواته في لبنان، على وقع خناق يشتدُّ يومًا بعد يوم على الحكومة الواقعة بين سندان المجتمع الدولي ومطرقة المعارضة التي بدأت تحشد قواها للهجوم على خصم ترى أنه بدأ يفقد أوراقه الرابحة، واحدة تلو أخرى، سواء في الداخل أو في المحيط.
فبينما تعمل الحكومة على ردّ الضربات، والإيحاء بتماسكها السياسي للتفرّغ للملفات المعيشية، تنطلق المعارضة في وضع خطتها الهجومية، متسلّحة بعدالة القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية، وما يتبعه من قرارات أخرى. وهي لذلك تنكب على عقد اجتماعات على مستوى القيادات والقواعد، للتنسيق وللتعبئة استعدادًا لاستحقاق دولي جديد بدأ عدّه العكسي، ألا وهو دفع المستحقات المترتّبة على الحكومة اللبنانية للمحكمة الدولية. فالناطق الرسمي باسم المحكمة الدولية "مارتن يوسف" ذكر صراحة أن المسؤولين في المحكمة فاتحوا الحكومة اللبنانية أكثر من مرة بموضوع هذه المستحقات، ولم يتلقّوا أي إشارة سلبية ولا إيجابية حتى اليوم.
ورغم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أوحى مرارًا أن مستحقات المحكمة ستأخذ مجراها الطبيعي في إطار مشروع الموازنة، فإن هذه المتوجّبات المالية استحقّت والحكومة اللبنانية لم تحرّك ساكنًا وإن لم تكن المدّة القصوى لتسديدها قد انتهت بعد، ولذلك بدأت المعارضة تستعدّ للضغط على الحكومة، فإما أنها تلتزم وتبادر الى دفع المتوجّبات بسلفة خزينة على غرار ما فعلت الحكومة السابقة، وإلاّ فإنها ستتعامل مع أي تلكّؤ على أنه تواطؤ مع المتهمين وضد المحكمة والعدالة ودم الشهداء.
وبالدخول في صيميم حوادث أيلول 2011، تَسلَّم لبنان في مطلعه رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر في عملية إجرائية للمرة الثانية خلال ولايته لمدة سنتين، وباشرت البعثة اللبنانية الدائمة لدى الأمم المتحدة برئاسة السفير نوّاف سلام هذه المهمة.
في غضون ذلك كان الرئيس "ميقاتي" يجهد للخروج من عزلته الدولية وفكّ الحصار الدبلوماسي المفروض على الحكومة اللبنانية والذي برز بوضوح بعد صدور القرار الاتهامي والطريقة التي تعامل بها حياله الفريق الانقلابي. وفي هذا الإطار شكّلت مشاركة "ميقاتي" في المؤتمر الدولي من أجل ليبيا في باريس أول أيلول إطلالة دولية أولى له منذ توليه مهماته قبل نحو ثلاثة أشهر، وفكًا نسبيًا لعزلته، ولا سيما مع لقاءات هامشية شملت الأمين العام للأمم المتحدة، وأمير قطر، ووزراء خارجية الولايات المتحد، وفرنسا، وتركيا، والكويت، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق اللأوسط "جيفري فيلتمان".
الى ذلك، تميّزت بداية الشهر بمؤتمر صحافي لافت للشاب الواعد النائب "سامي الجميل"، تناول فيه مجمل التطورات السياسية والأمنية في البلاد، وتوقّف عند وضع "حزب ولاية الفقيه" تجاه المحكمة الدولية. ففي ما يتعلق بمقابلة صحيفة "التايم" التي أجريت مع أحد المتهمين بـ"جريمة العصر"، لفت "الجميّل" الى أن "ردّة فعل حزب الله أظهرت أنه وقع في الفخ، وقال إنها لم تحصل، أي إن الحزب يقول: أنا اتصلت بالمتهمين وأبلغوني أن المقابلة لم تحصل، أي اعترف أنه على علم بمكان إقامة المتهمين، ويمكن إدانته انطلاقًا من السيناريو الثاني، لأنه يحمي ويخبّئ المتهمين، ولا يسّهل القبض عليهم".
بيد أن ما استرعى الانتباه وكان الأبرز على الإطلاق في كلام "الشيخ سامي"، فهو تلك المقارنة الموفّقة التي عقدها بين طريقة عمل حزب السلاح وتلك التي ينتهجها الصهاينة، مظهرًا بمهارة وعلو منطق، مدى التطابق بينهما، قائلاً: "(...)الأخطر (في نهج الحزب) هو العمل الاستراتيجي والإيديولوجي، والذي لا يمكن إلا أن نعتبر أنه مقتبس عن عدو حزب الله وعدو اللبنانيين، وهو الصهاينة، فنحن ننظر ونراقب، وكلّما راقبنا نرى أن الحزب يتصرّف في لبنان كالصهاينة في اسرائيل:
1ـ من ناحية عدم الانصياع للقرارات الدولية؛ فكما يرفض الصهاينة القرارات الدولية، يرفض حزب الله المحكمة الدولية والقرار 1559، وكثير من القرارات، بحيث يعتبر الحزب أن المجتمع الدولي غير موجود ومسيّس.
2ـ الصهاينة يعتبرون أنهم شعب الله المختار "وأن الله خلقهم وكسر القالب"، وشعار الحزب "أشرف الناس"، فهو أشرف من كل الناس، وهذا يظهر أن الاستكبار موجود في المكانَين.
3 ـ حزب الله يحاول تخويف المجتمع اللبناني، وجعله يعيش في حالة ذعر دائمة ، فكما تحاول اسرائيل أن تُوهم شعبها بأنها في حالة حرب، يقوم حزب الله بإيهام اللبنانيين بخطر الحرب ليبرِّر وجوده وترسانته العسكرية.
4ـ الصهاينة يعتبرون أن الأراضي الإسرائيلية ملك اليهود منذ 3 أو 4000 سنة وعندهم الحق بالأرض، وإذا سمعنا خطابات للسيد نصرالله يقول إن بلاد جبيل هي للمسلمين، ونحن جئنا كمسيحيين، نتذكّر أنه كالصهاينة يعتبر الأرض له، ولكن المسيحيين كانوا في الشرق الأوسط قبل الإسلام.
5 ـ الصهاينة عملوا على إنشاء دولة دينية، والحزب يسعى لإنشاء دولة دينية على الأراضي اللبنانية.
6 ـ سياسة التوسُّع المتمثلة بشراء الأراضي، فقد اشترت إسرائيل الأراضي الفلسطينية، والحزب يقوم بذلك من خلال المنطق التوسّعي نفسه.
7ـ اعتماد سياسة الاستيطان، فالإسرائيليون وضعوا اليد بالقوة على الأراضي التي لم يستطيعوا شراءها، وهذه المشكلة الكبرى التي أدت الى المفاوضات، والتي ما زلنا نعيش في إطارها، وحزب الله بالتعدّي على الأملاك الخاصة يعتمد سياسة قريبة ومشابهة لسياسة الاستيطان".
أضاف الجميل: "إذا اردنا أن نكون موضوعيين نسأل: قبل 2004 كان شعار "الثورة الإسلامية في لبنان" مكتوبًا على علم حزب الله، وتمَّ استبداله في 2005 بعبارة "المقاومة الإسلامية في لبنان"، لا أفهم كيف أنها كانت ثورة وتحوّلت بعد التحرير الى مقاومة؟!". ثم أجاب على تساؤله موضّحًا أنه: "عندما خرجت سوريا وأراد حزب الله أن يشارك في الانتخابات ويمارس السياسة، استبدل الثورة بالمقاومة ليختبئ خلفها ويمارس ما يمارسه اليوم من إيديولوجية وعقائدية واضحة لجميع اللبنانيين".
في غضون ذلك اتجه الاهتمام الداخلي مجددًا نحو قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها وخصوصًا في ما يتعلق بالقرار 1701، وتمويل المحكمة الخاصة بلبنان، وكيف ستتصرف حيال الملف السوري خلال تولّي لبنان رئاسة مجلس الأمن في شهر أيلول الجاري.
وفي موقف من التطورات العربية، أبلغ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب "وليد جنبلاط" كوادر منظمة الشباب التقدمي في الثاني من آب تحيّته لهم على "الدور الطليعي الذي لطالما لعبه (الشباب التقدمي) منذ 14 آذار 2005"، وكذلك تحيّته "للشعب العربي المنتفض والثائر".
دوليًا، وفي خطوة قد تؤدي الى توتر في العلاقات بين تركيا وكل من إيران وروسيا، وافقت أنقرة على استضافة نظام رادار للإنذار المبكر لحلف شمال الأطلسي ضمن دفاعات التحالف العسكري الغربي. وتتمتّع تركيا بأهمية استراتيجية للحلف تعود إلى أيام دورها دولة من دول الخط الأمامي في ظل الحرب الباردة. لكن قيمتها لحلف شمال الأطلسي زادت، لأن دولاً من الشرق الأوسط مثل إيران التي تنتهج سياسات مناهضة للغرب طوّرت قدراتها الصاروخية، وها هي تمضي قدمًا في مشروعها النووي متخطّية كل الخطوط الحمر المتفق عليها وبالتالي باتت تستوجب رد فعل دوليًا وتحديدًا أميركيًا أو إسرائليًا، تمامًا كما جرى عام 2007 مع سوريا التي تخطّت الخط الأحمر بشروعها في بناء مفاعل نووي، فكان أن بادرت إسرائيل الى تدميره وإن كانت حليفة للنظام الأسدي، إلا أن لكل عميل "حدوده" التي يجب أن يلتزم بها جيّدًا، ولذلك لم تجرؤ سوريا على الرد على القصف الإسرائيلي.
سوريًا، تزايدت للضغوط الدولية على دمشق، بإقرار الاتحاد الأوروبي حظرًا على واردات النفط من سوريا، وأبدت فرنسا رغبتها في "تطوير" اتصالاتها مع المعارضة السورية. ومع ذلك واصلت القوات السورية استخدام القوة لِلَجم المتظاهرين الذين خرجوا الى الشوارع في مدن عدة على رغم الإجراءات الأمنية المشدّدة ممّا أدى الى مقتل 18 شخصًا في "جمعة الموت ولا المذلة". وستكون لحظر استيراد النفط السوري تداعيات أكيدة على النظام، ذلك أن الاتحاد الأوروبي يشتري 95 في المئة من النفط الذي تصدره سوريا، وهو ما يمثل ما بين الربع والثلث من عائدات البلد.
وبالعودة الى الشأن اللبناني، سجّل الثالث من أيلول حدثًا قضائيًا مثيرًا للدهشة، وتحديدًا في ما يتعلَّق بقضية الحكم على العميد المتقاعد "فايز كرم"، القيادي في "التيار الوطني الحر"، بتهمة التعامل مع إسرائيل، طغى على ما عداه من أحداث داخلية. فقد حكم القضاء العسكري على العميل "كرم" بالحبس لمدّة سنتَين فقط مع الأشغال الشاقة، وهي فترة قصيرة مقارنة مع أوضاع مماثلة لمتعاملين حُكم عليهم ما بين سبع سنوات والمؤبّد، مما يشير الى حجم الضغوط التي بدأها رئيس التيار النائب "ميشال عون" لتبرئة هذا القيادي التابع له، وبالتالي أصبحنا أمام "عميل بسمنة وعميل بزيت"، وحُقَّ لكثيرين من المدانين بالتعامل المطالبة بالمساواة في الأحكام! وعلى جميع الأحوال، ما صدر عن المحكمة العسكرية الدائمة هو تأكيد لصدقية فرع المعلومات الذي كشف عمالة "كرم".
وفي الردود على هذا الحكم "المسيّس"، رأى عضو كتلة "المستقبل" النائب "عقاب صقر" أن "الحكم الذي أصدره القضاء العسكري في حق العميل فايز كرم أظهر فضيحة"، وتساءل: "هل كرم ربع عميل أو هو عميل غير مكتمل النمو الخياني؟"، لافتًا الى "أن الحقيقة هي أن كرم عميل مدعوم الجوانب ومسنود الظهر"، معتبرًا أن "حكم المؤبّد خفّضه انتماء كرم الى التيار العوني وقربه الشديد من رأس التيار الى 3 سنوات، وتكفّلت علاقته الوثيقة بمحور المقاومة وتحديدًا "حزب الله" بحسم سنة عربون وفاء من المقاومة على عميل حليف كان يسبح في فضاء الممانعة ويعبّ من معين العمل المقاوم".
وأشار صقر الى أن "الكل ما زال يتساءل أين "حزب الله" اليوم من تصريحات قادته التي شنّفت آذان اللبنانيين بالحديث عن ضرورة إعدام العملاء كرادع للعمالة، حتى إنه تمّ التبرع بلا إذن بتقديم رؤوس العملاء الشيعة قرابين فداء أولى عن الوطن وبنيه للتدليل على تعميم الإعدام على العملاء من دون استثناء". وسأل "ما بال حزب المقاومة في هذه القضية يعتصم بصمت كصمت القبور وهو يراقب حليفه الأقرب يوفد نوابه ورجاله الى قاعات المحكمة العسكرية للتهليل والهتاف لعميل جرّمه القضاء اليوم في الظل الوارف لحكومة "حزب الله" وذلك بعدما عجزت الضغوط عن إخراجه بريئا براءة الذئب من دم يوسف؟ أين أحاديث البيئة الحاضنة وأهازيج الكرامة والوطنية والقومجية. ألم يسمع "حزب الله" مرافعات أصحاب الحمية البرتقالية نوابًا ووزراء وأعضاء ورئيسًا، عن زميلهم العميل المثبت بحكم القضاء؟ ألم ير معنا ما سطروه من ملاحم دفاع في الإعلام، أم أن مراكز رصده كانت في عطلة صيفية؟".
الى ذلك سجّل الرابع من أيلول فضيحة جديدة للحزب المقاوم والممانع بامتياز، مع صدور معلومات موثوقة، عن وصول 7 جثث لمقاتلين من "حزب ولاية الفقيه" مطلع الأسبوع الى مجمع "خاتم الأنبياء" في البسطا، ويرجّح أن يكون القتلى سقطوا خلال المواجهات التي يقودها نظام الرئيس "بشار الأسد" ضد شعبه الأعزل في سوريا. وقد تمَّ منع أهالي القتلى من إقامة مراسم عزاء لهم، حيث جرى تشييعهم بشكل هادئ في محاولة للفلفة الموضوع.
في هذه الأثناء، وفي إطار السياسة المميّزة الجديدة التي باتت تنتهجها صحيفة "المستقبل" بعد إخراج الرئيس سعد الحريري من السلطة، بدأت الصحيفة بنشر سلسلة من وثائق "ويكيليكس"، والتي تتناول هذه المرّة أركان 8 آذار، بعد موجة من الوثائق تتناول الفريق الاستقلالي سبق لصحيفة "الأخبار" اللتابعة لـ8آذار أن ركّزت على نشرها محوّرة الكثير من مضامينها.
وفي هذا الإطار، نشرت "المستقبل"في 4 أيلول إحدى البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية والمسربة عبر موقع "ويكيليكس"، تظهر رئيس مجلس النواب "نبيه بري" يعمل ضد مصلحة "حزب ولاية الفقيه" ويطعنه في الظهر، وأنه كان وصف خلال اجتماع مع فيلتمان في 17 تموز (يوليو) 2006، وفق البرقية بصورة غير مباشرة العملية الإسرائيلية التي قيل إنها تهدف الى ضرب "حزب ولاية الفقيه" عسكريًا وإضعافه سياسيًا بـ"التطور الإيجابي"، وبأنه "مثل العسل.. قليل منه جيد، لكن إذا أكلت كل ما في الجرة فسوف تصاب بالمرض"، وذلك حرفيًا كما ورد في برقية فيلتمان. وأكّد بري أن "وقف إطلاق النار يجب أن يتم بطريقة تضمن سيادة الحكومة اللبنانية على أراضيها، وضمان أن حزب الله لن يستخدم وقف النار لتعزيز موقعه وقدراته". وتابع بري: "نريد التطبيق الكامل للقرار 1559.. هذا ما أقره الحوار الوطني، أليس كذلك.. نحن نحتاج أن يُطبَّق القرار 1559 ". وينقل السفير الأميركي عن رئيس مجلس النواب اللبناني قوله: "لدى الإسرائيليين أربعة أو خمسة أيام إضافية (لإكمال مهمتهم ضرب حزب الله)، بعد ذلك الناس سوف ينقلبون عليهم".
ووفق برقية ثانية نشرتها "المستقبل"، وهي مؤرخة في 18 آب 2006، عقب لقاء بين فيلتمان ورئيس مجلس النواب اللبناني، وصف بري خطاب الأسد في 15/8/2006 بأنه "غبي وغير معقول". وانتقد بري، "المسعى السوري الواضح للتدخل بالشأن اللبناني". وبشأن إعادة البناء بعد الحرب، شرحت البرقية أن بري يريد تحويل أموال الى مجلس الجنوب كي يباشر هو بعملية الإعمار، محذرًا من أن تقاعس الحكومة سوف يمكّن "حزب الله" من شغل هذا الحيّز، مشيرًا الى أن "الناس سوف يتذكّرون من يبني السقوف فوق رؤوسهم".
وعلى صعيد آخر، بدا أن المرجعيات الروحية الكبرى في لبنان، ولا سيّما "دار الفتوى" و"بكركي" قد فقدا صوابهما وأضاعتا البوصلة! فبعد استقبال المفتي قباني رموز سوريا وحزب ولاية الفقيه في لبنان "نكاية بالمستقبل" وطمعًا بولاية مدى الحياة، ها هو البطريرك الماروني الجديد "مار بشارة بطرس الراعي" يصدم الجميع بالمواقف التي أطلقها من "باريس" حيث التقى الرئيس الفرنسي "ساركوزي"، والتي دعا فيها إلى عدم التسرّع في إسقاط الأنظمة، مدافعاً عن نظرية نظام الأسد في احتمال الوصول الى أنظمة أكثر تشدّدًا تقضي على الأقليات!
ففي مقابلة مع قناة "فرانس 24" قبيل لقائه "ساركوزي"، تجاهل "الراعي" حملة القمع الدامية المستمرة ضد الشعب السوري الثائر منذ منتصف آذار الماضي، والحملة المستمرة من النظام عينه على لبنان والمسيحيين فيه خصوصًا منذ أربعة عقود، فطالب الأسرة الدولية وفرنسا "ألا تتسرع في القرارات التي تريد فيها تغيير الأنظمة" في إشارة الى تزعّمها الجهود الدولية لإسقاط "الأسد"، متسائلاً "هل نحن ذاهبون في سورية مثلاً الى حرب أهلية سنية – علوية، فهذه إبادة شعوب وليست ديمقراطية ولا إصلاح"، في ما يبدو دعمًا لنظرية نظام دمشق بأن سقوطه سيؤدّي إلى حرب أهلية وأنه الوحيد الضامن للاستقرار وحماية الأقليات. وتابع الراعي انقلابه على "ثوابت الكنيسة المارونية التاريخية والوطنية" قائلاً: "على المجتمع الدولي وعلى فرنسا أن يفكّروا ماذا بعد؟ والى أين نحن ذاهبون؟ هل الى أنظمة متشدّدة وعنفية أكثر، أم الى تفتيت عالم عربي، وعلى كل حال فهذا ليس لمصلحة الشعوب عامة، ولا لمصلحة الأقليات".
في المقابل، وفي رد مدروس بعناية على مواقف "الراعي" الصادمة، تناول رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع موضوع الأقليات، فقال: "إذا كنا نتّكل في استمرار الوجود المسيحي على أنظمة ديكتاتورية قائمة فلماذا هذا الوجود؟ ومن قال إن أنظمة أصولية ستأتي مكان هذه الأنظمة؟ هذه الفزّاعة يحملونها منذ 50 سنة، وإذا استلمت أنظمة كهذه سنعارضها كما عارضنا بعض الأنظمة الحالية". ورأى جعجع أنه "إذا سقط النظام السوري فالتابعون لسوريا في لبنان سيلتفّون حول حزب الله أكثر فأكثر". ووجه "رسالة غاية في الصدق" الى"حزب الله" قائلاً: "عام 1990 كان حزب الله رابع او خامس ميليشيا ونشأت ظروف أدّت الى نموّه ووجوده كما نعرفه. الآن هذه المعادلة تزول وفي نهايتها، حزب الله لا يمكن أن يستمر في وضعه الحالي، ويجب عليه اتخاذ قرار استراتيجي كبير جدًا بالتخلّي عن أذرعه العسكرية، وإذا لم يقم بذلك لن يستطيع الحفاظ عليها وسيكلّف نفسه ومجتمعه ولبنان أكثر فأكثر". وكشف أن البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير سيرأس الذبيحة الإلهية في "ذكرى شهداء القوات اللبنانية" في 24 أيلول وسيكون ذلك في رعاية البطريرك "الراعي".
في غضون ذلك، تابعت صحيفة "المستقبل نشر وثائق "ويكيليكس" المتعلّقة بأركان 8 آذار، مركّزة في يبدو على محاولة "دقّ اسفين" بين الثنائي الشيعي، ناشرة في السادس من أيلول برقيات صادرة عن السفارة الأميركية تفيد أن رئيس مجلس النواب "نبيه بري" لم يكن في عجلة من أمره في ما يتعلق بمسألة وقف اطلاق النار أثناء العدوان الإسرائيلي للبنان في تموز 2006.
على صعيد آخر، ولليوم الثاني تواليًا، أُثِير مع رئيس الوزراء موضوع تمويل المحكمة. وقد فاتحه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامس في الموضوع لكي يتم التمويل ضمن المهلة المحدّدة له، فيما استمرّت أركان 8 آذار بالتصويب على المحكمة رافضة رفضًا قاطعة الموافقة على التمويل، وواضعة الجنرال "عون" رأس حربة في التطاول على المحكمة ومعارضة تمويلها "ومَن أراد أن يمولها، فليمولها من جيبه الخاص".
في الشأن السوري، برز في السادس من أيلول إقرار الجامعة العربية مبادرة لحل الأزمة السورية، مؤلفة من 13 بندا تقترح "إجراء انتخابات رئاسية تعددية مفتوحة للمرشحين كافة الذين تنطبق عليهم شروط الترشيح عام 2014، موعد نهاية الولاية الحالية للرئيس". كما تدعو "الحكومة السورية الى الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن السورية حقنًا لدماء السوريين، وتفاديًا لسقوط المزيد من الضحايا، وتجنيب سوريا الانزلاق نحو فتنة طائفية أو إعطاء مبرّرات للتدخل الأجنبي". والمبادرة تطالب بـ"تعويض المتضرّرين وجبر كل أشكال الضرر الذي لحق بالمواطنين"، وبــ"إطلاق جميع المعتقلين السياسيين أو المتهمين بتهم المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة"، كما تقترح أن "يتم فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية". غير أن الجانب السوري لم يتجاوب مع المبادرة واتبع أسلوب المماطلة والمراوغة في التعامل معها.
انتصار جديد كانت تحقّقه المعارضة الشرسة والواعية، وهذه المرة على الصعيد الكهربائي. فقد شكل إقرار حكومة الرئيس "نجيب ميقاتي" "مشروع قانون برنامج معجّل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات"، الاختبار الأصعب الذي واجهته حتى الآن، بعد مرور شهرين كاملين على نيلها الثقة في مجلس النواب، والأهم في الموضوع أن مشروع القانون أقر بملاحظات 14 آذار والتي وافهم عليها النائب "جنبلاط" ووزرائه، وكذلك "ميقاتي"، قطعًا للطريق أمام "تنفيعات" شخصية حامت حولها الشبهات بقوّة.
فبعد مخاض مكهرب طويل كشف هشاشة الائتلاف الحكومي وكاد في الساعات الأخيرة أن يطيحه، مع تهديد الجنرال بالاستقالة من الحكومة إن لم تقر خطة صهره الوزير جبران باسيل والتي تمنحه حرية التصرف بنحو مليار وثلاثمئة مليون دولار دون حسيب أو رقيب لتأمين الطاقة المطلوبة... أدت الاتصالات المكثّفة والضغط الكبير الذي مارسه "حزب ولاية الفقيه" على العماد ميشال عون إلى قبول الأخير بحل وسطي لا يكسر رئيس الحكومة وحلفاءه، ويرضي "التيار الوطني الحر"، وإن على مضض. والحل قضى بتقسيم المبلغ الأول الذي يطالب به وزير الطاقة على أربع دفعات تؤمن على شاكلة سلفات خزينة يسدّد قسطها الرابع عام 2014.
في هذه الأثناء، أثارت وثائق "ويكيليكس" التي دأبت "المستقبل" على نشر المزيد منها مع مرور الأيام، أثارت حفيظة "بري" وحلفائه الذين سخّروا طاقاتهم في حملة منظّمة للدفاع عنه ومهاجمة "الحريري" وصحيفته، بعبارات منحطة وغاية في الإسفاف وتنمّ عن إفلاس سياسي حقيقي وفقدان للحجة والمنطق في الدفاع والجدال وحتى الهجوم، خصوصًا أن هذه الوثائق لم توفّر أحدًا، بل وصلت الى جنرال الرابية وصهره ونوابه، الذين بدورهم أبدوا نقمتهم التي لا تقل عن نقمة "بري" على الحزب، وكذلك الرئيس "ميقاتي" الذي وصل به الحد في إحدى الوثائق الى وصف الحزب المسلح بالورم السرطاني الذي يجب أن يستأصل، والجنرال البرتقالي بالمجنون!!
وقد أخذت حملة الدفاع عن "بري" بُعدها الأوسع مع دخول "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" على خطّها، ومع رد غاية في الأدب، من رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" الذي اتهم مسؤولي "تيار المستقبل" ونوّابه ووسائل إعلامه باعتماد "خطاب تفوح منه رائحة الأسن ونتانة الفتن وعسس الاهتراء"! هذا مع العلم أن "نصر الله" كان أول من محّض هذه الوثائق ثقته، ووصل به الحد الى الإعلان عن تحضير حزبه ملفًا قضائيًا لمحاكمة قوى 14 آذار بتهمة التآمر على ما يسمى "مقاومة" استنادًا الى تلك الوثائق نفسها!
هذا، وردّت الصحيفة مرارًا على بيانات "بري" وحليفه اللدود "حزب ولاية الفقيه"، مبيّنة أن "نشر هذه الوثائق، هو أمر مشروع من الوجهة المهنية، علمًا أن وسائل إعلام ممانعة سبق أن أمعنت في انتقاء بعض موادها للنشر بشكل استنسابي جرى توظيفه، فبات مضمون الوثائق بمثابة مضبطة للاتهام بالعمالة تارة وبالتآمر تارة أخرى، فإذا بها، تصبح، في مقام آخر، أباطيل وضلالات وفبركات إمبريالية شريرة... فما نفعله في هذا المقام هو إعادة تصويب للمشهد، خصوصًا وأن ما يقال في هذه الدردشات يضاهي في أهميته الكثير الكثير مما يقال في العلن". وتابعت الصحيفة: "طالما أن مضمون "الويكيليكسيات" باطل وزور، لماذا يا دولة الرئيس، جرت معاقبة أحد وزرائك(محمد جواد خليفة)، وهو من أكثر الناس تميزًا، على أساس ما ورد فيها؟".
البطريرك "الراعي" الذي انتقل من باريس الى "لورد"، محطته الثانية في زيارته لفرنسا، لا يزال مصرًا على صدم اللبنانيين والمسيحيين خصوصًا، بتنكّره للدماء الزكية السائلة في سوريا وقبل ذلك لثوابت كنيسته! ففي الثامن من أيلول اتخذ "الراعي" موقفًا جديدًا أكثر صراحة من الوضع في سوريا، اعتبر فيه أنه "إذا تغيّر الحكم في سوريا، وجاء حكم للسنة، فانهم سيتحالفون مع إخوانهم السنة في لبنان مما سيؤدي الى تأزم الوضع الى أسوأ بين الشيعة والسنة". وقال أيضا: "إذا تأزم الوضع في سوريا اكثر مما هو عليه ووصلنا الى حكم أشد من الحكم الحالي، كحكم الإخوان المسلمين، فإن المسيحيين هناك هم الذين سيدفعون الثمن، سواء أكان قتلاً أم تهجيرًا، وها هي صورة العراق أمام أعيننا". والأخطر من ذلك كله تعبير "الراعي" عن أمله بأن يتم إعطاء المزيد من الفرص للإصلاحات السياسية التي بدأها الرئيس "الأسد"، قائلاً: "أريد أن أكون موضوعيًا فالرئيس الأسد بدأ بسلسلة من الإصلاحات السياسية ومن المفترض إعطاء المزيد من الفرص للحوار الداخلي ومزيد من الفرص لدعم الإصلاحات اللازمة، معربًا عن "التفهّم" لموقف الرئيس السوري "بشار الأسد" بقوله: "في سوريا، الرئيس ليس شخصًا يمكنه أن يقرر الأمور لوحده، فلديه حزب كبير حاكم هو حزب البعث، والأسد كشخص هو إنسان منفتح تابع دراسته في أوروبا وتربّى على المفاهيم الغربية، لكن لا يمكنه القيام بمعجزات لوحده".
وفي موضوع سلاح "حزب ولاية الفقيه"، دافع "الراعي" عن وجهة نظر الحزب، مشيرًا إلى أنَّ "السلاح مرتبط بشؤون عديدة"، وأضاف: "قلنا هذا للسلطة في فرنسا، فالكل يقول لماذا يحمل "حزب الله" سلاحًا، وأجبنا أن الأسرة الدولية لم تضغط على إسرائيل للخروج من الأراضي اللبنانية، وطالما هناك أراضٍ لبنانية محتلّة فـ"حزب الله" سيستمر في القول إنَّه يريد أن يحمل السلاح دفاعًا عن أرضة، فماذا نقول له حينذاك؟ ليس معك حق؟ أيضاً هناك فلسطينيون على الأراضي اللبنانية يملكون سلاحًا ويريدون حق العودة، و"حزب الله" يريد أن يساعدهم على العودة إلى أراضيهم التي خرجوا منها في العام 1949، ويجب أن يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لإعادتهم إلى أراضيهم وعندها نقول لـ"حزب الله" سلّم سلاحك فلا حاجة لك به منذ الآن".
خلّفت مواقف الراعي "الفرنسية" صدمة كبيرة في لبنان جعلت المسيحيين يتساءلون: "أهكذا تكون الشركة والمحبة؟ هذه شركة ومحبة من طرف واحد، أين مبادئ الشركة في طلب فرصة أُخرى لنظام إستغل كل الفرص للتنكيل بشعبه بعدما نكًل بشعبك، هذه شركة الشعوب في التنكيل بهم، أين المحبة في تجاهل الشعب المذبوح؟ لا يا سيدنا، موقفك غير مفهوم في السياسة وهو بالتأكيد غير مقبول في تعاليم الكنيسة التي تعلمنا أنها في نصرة الضعيف والمظلوم. اعذرنا أيها الراعي، ولكن الرعية غير راضية، وسائر اللبنانيين الذين نظروا إلى بكركي التي وقفت بوجه الوصاية السورية في أصعب الظروف على أنها المُخَلِّص هم اليوم مصدومون، اللبنانيون المغلوب على أمرهم ينظرون إلى المسيحيين على أنهم حماة الديار ويعتبرون أن لبنان بخير إذا لم نخضع".
وتابع هؤلاء ردهم بالقول: "عندما راجت أخبار حول سعيك للوصول الى سدّة رئاسة الجمهورية، قلنا إنها شائعات.عندما قلت في برنامج "مش غلط" إن مواقف رئيس "حزب القوات اللبنانية" هدّامة، اعتبرنا كلامك بريء. عندما صرّحتَ يوم انتخابك بطريركًا وصودف مع بداية ثورة الحرية والكرامة في سوريا أن لا مانع لديك من زيارة سوريا، قلنا أنها نشوة الفرحة. عندما تساهلت مع حزب ولاية الفقيه في مسألة الأراضي المغتصبة في لاسا الجبيلية، قلنا إن خبرتك أكبر وتدري أكثر منّا. أيعقل أننا دائما سيّئي النيّة و"بنفهك غلط"؟".
وسط هذه الأجواء، أطلق رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون مجموعة مواقف من قضايا الساعة تميّز أبرزها بتوافقه التام مع موقف البطريرك الماروني "مار بشارة بطرس الراعي" من الوضع في سوريا.
هذا، وقد ازدحم المشهد السياسي بتداعيات كلام البطريرك عن سوريا والحزب في باريس الذي لا تزال تردّداته تتفاعل في بيروت. ففي حين سُجّل سكوت معظم قوى الثامن من آذار، ما نمّ عن رضى ضمني وعن ارتياح الى هذا التبدل الجذري والانعطافة الحادةرفي موقف الكنيسة المارونية من الموضوعين، لفت في التاسع من أيلول تخلّي بعض القوى المسيحية في الرابع عشر من آذار عن صمتها، وردّها بوضوح وبلا مواربة على البطريرك الماروني، ما يؤشّر الى مرحلة جديدة في العلاقة بين الكنيسة المارونية وقوى الرابع عشر من آذار. والجميع بات يترقّب عودة البطريرك الراعي من رحلته لمعرفة حقيقة الأسباب التي أمْلت موقفه المستجد هذا.
واعتبر منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار "فارس سعيد" أن كلام البطريرك الماروني "مفاجئ لأنه خرج عن سياق أدبيات بكركي وخطّها المناصر للحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وكذلك عن مقرّرات السينودس والمجمع الماروني الذي ساهم البطريرك الراعي بنفسه في وضع نصوصه والذي يؤكد قيام الدولة المدنية". وقال: "لا يمكن المسيحيين أن يكونوا مع الحرية والديموقراطية وتداول السلطة في لبنان وضدّها في سوريا. والشعب السوري يقارب اليوم المبادئ التي دافع عنها المسيحيّون خلال مئات السنين".
غير أن مواقف الراعي من سوريا لم تلق تجاوبًا من السلطات الفرنسية، مع العلم أن البطريرك تناول الوضع السوري أمام الصحافيين على رغم أنه لم يكن خلال لقاءاته الموضوع الرئيسي في المحادثات. وعُلِمَ أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال أمام البطريرك خلال لقائهما الأخير: "أن نظام الرئيس السوري (بشار الاسد) انتهى".
بعد حملة كتلة "نواب المستقبل" ضد مفتي الجمهورية اللبنانية على خلفية استقباله السفير السوري ووفد من "حزب ولاية الفقيه"، ها هي المرجعية المارونية تتعرّض لحملة مماثلة من النواب الموارنة وسواهم على خلفية دفاع البطريرك "بشارة الراعي" من باريس عن "بشار الأسد" وتبنيه النظريات التضليلية التي يبثها النظام السوري وإعلامه حول ما ينتظر الأقليات في سوريا حال سقوطه، وكذلك تكراره الحجج الواهية التي يتذرع بها "حزب ولاية الفقيه" للاحتفاظ بسلاحه الميليشيوي المكدّس لوضع اليد على الدولة وتطويع كل من خالفه.
ثمة مفارقة غريبة تستحق أن نتوقف عندها بالنسبة لموقفي "بكركي" و"دار الفتوى" من النظام السوري، وهي تعيدنا الى ما قبل العام 2005 لكن مع قلب في الأدوار.
فقبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان المسيحيون سبَّاقين في المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان وإنهاء نظام الوصاية، وقد تجلى ذلك بوضوح مع نداء المطارنة الموارنة التاريخي في 20/9/2000 الذي طالب بذلك بشكل واضح وصريح، وما استتبعه من قيادة الكنيسة ورعايتها تشكيل معارضة مسيحية وطنية للاحتلال السوري عبر لقاء "قرنة شهوان".
في تلك المرحلة كانت "دار الفتوى" غائبة ومتقاعسة عن مسايرة نهج "بكركي" في توجهاتها السياسية والوطنية، حيث كانت لازمة "الشقيقة سوريا" ومعزوفة "وحدة المسار والمصير" -سيّئة الذكر- جزءًا لا يتجزّأ من البيانات والتصاريح والمواقف الصادرة عن المرجعية الإسلامية السنية، بما فيها خطبة الجمعة التي لم تكن تصح بدون ذكرها!
وظل لبنان يتخبّط في ظلمة الاحتلال السوري الأسود الى أن انضم إلى المعارضة المسيحية بعد التمديد القسري للرئيس "إيميل لحود" الرئيس رفيق الحريري والنائب "وليد جنبلاط" على قاعدة مشروع وطني تعدّدي، هزّ أركان النفوذ السوري ودعائمه، وكان كافيًا لإشعال فتيل "ثورة الأرز" عقب اغتيال الرئيس "رفيق الحريري"، حين لاقت اليد الإسلامية بعد طول تمنّع وانتظار اليد المسيحية الممدودة إليها منذ أكثر من 30 سنة على قاعدة "لبنان أولاً"، وعندها تحقّقت الأعاجيب ودُحِر الاحتلال السوري عن لبنان.
وإذا كان من درْس يُستفاد مما تقدّم، فهو أن النظام السوري كان يعلم جيدًا نقطة ضعفه وموضع مقتله في لبنان (وكذلك في سوريا)، ألا وهو الوحدة الإسلامية-المسيحية التي عمل طوال وجوده على الحؤول دون تحقّقها، سواء عبر تخويف الجانبَين من بعضهما بعضًا، وزرع بذور التفرقة فيما بينهما، وبث النظريات التضليلة والترهيبية التي تزعم أن وجوده العسكري في لبنان وحده يحول دون انقضاض إحدى الطائفتين على الأخرى (وهي الإشاعة نفسها التي يبثها اليوم في سوريا)... ولذلك كان ذلك النظام البائد يحرص على إضعاف المسيحيين وتهميشهم وتشتيت قادتهم بين نفي واعتقال واغتيال، تلازمًا مع تصفيته أي شخصية إسلامية مؤثرة ومنفتحة ومعتدلة تدعو الى الوحدة الإسلامية-المسيحية، مثل مفتي الجمهورية "حسن خالد"، ثم رجل الوحدة الوطنية والعيش المشترك الرئيس "رفيق الحريري".
المفارقة اليوم أن الآية انعكست، ففي حين تؤيّد "دار الفتوى" بقوة ثورة الشعب السوري الساعي لاستعادة حريته وكرامته من خلال إسقاط نظامه المجرم، وهو التأيد الظاهر بوضوح عبر خطب الجمعة وأدعية الخطباء والأئمة في المساجد خصوصًا في شهر رمضان الفائت، حيث كان "الأسد" ولا يزال يُلعَن في الصلوات وعلى المنابر تلميحًا وتصريحًا...ها هو البطريرك الماروني "بشارة الراعي" يصدم الجميع معلنًا تخوفه من سقوط نطام المجرم "بشار الأسد" قاتل الأطفال الخُدّج رغم كل ما فعله بالمسيحيين من قتل واعتقال واغتيال وتنكيل هو ووالده في لبنان قبل جرائمه ضد شعبه في سوريا، ومبديًا قلقه على المسيحيين من السنّة إذا ما سقط نظام "الأسد".
حقًًا، يا لها من مفارقة عجيبة، وهي لم تقف عند هذا الحد، فقد استتبع موقف البطريرك سيلاً من الردود العنيفة والصريحة في الأوساط المسيحية والتي لم تقتصر على القادة والنواب والسياسيين فحسب، بل انسحبت على الرعيّة وخصوصًا الشباب الذين اختاروا التعبير عن استيائهم من موقف "الراعي" من خلال رفع صور البطريرك السابق "مار نصر الله بطرس صفير" على صفحاتهم في "الفايسبوك"، مذكّرين من يهمه الأمر أن مجد لبنان أعطي له وحده، ومستذكرين مواقفه الوطنية الثابتة التي لم تخرج يومًا عن ثوابت الكنيسة الوطنية والتاريخية، لا بل شكّلت أحد أهم أعمدتها. وهو ما يذكرنا بحال قِسْم لا بأس به من الشارع السني قبل العام 2005، عندما كان المسلمون -ولا يزال بعضهم الى الآن- يفضلون رفع صور المفتي الشهيد "حسن خالد" ويترحمون على مواقفه الصلبة بعدما خضعت "دار الفتوى" بشكل أو بآخر الى الهيمنة السورية، حتى قيل إنها اغتِيلَت باغتيال مفتيها.
وعلى الرغم من الصدمة العنيفة التي أصيب بها الوسطان الإسلامي والمسيحي، والمشهد السوداوي اللذين سببتهما مواقف البطريرك "الراعي" واللقاءات غير المدروسة التي عقدها المفتي "قباني" وإن بقي متمسكًا بثوابته، ثمة كُوَّة مضيئة متلألئة بالأنوار الساطعة لم يلاحظها كثير من الناس، ألا وهي نوعيّة الوعي السياسي النادرة والمميّزة التي يتمتع بها جمهور "ثورة الأرز".
نقولها بكل ثقة، لا خوف على لبنان ولا على "ثورة الأرز" ما داما يُحرسان من جمهور نوعيّ طليعيّ، ليس مجرّد أعداد وأرقام وجحافل سيّارة تحرّك بالـ"ريمونت كونترول" عن بعد وتسيّر بالتكليف الشرعي. المعيار عنده هو الحق، الحق، ولا شيء سوى الحق، ففي قاموسه السياسي لا تكليف شرعيًا إسلاميًا ولا مسيحيًا عندما تعبّر مرجعياته الدينية عن آرائها السياسية فتحيد عن الحق وإن عن سوء تقدير وغير قصد.
فلا يمكن لهذا الشعب أن يصدِّق أن المجرم ابن المجرم قاتل الأطفال الخدّج والرؤساء والقادة الأحرار بات انفتاحيًا وإصلاحيًا ويستحق فرصة جديدة لتحقيق وعوده، ولو كان قائل هذا الكلام بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، كما لا يمكن أن يغيّر نظرته الى سفير الإجرام أو لمن يأوون ويحمون متهمين في جريمة العصر لمجرّد أنه وجدهم يُستقبَلون في إحدى ساعات الغفلة في "دار الفتوى"... فجمهور نخبوي كهذا يستحق كل احترام وتهنئة وتقدير.
لهذا كله نقول من صميم قلبنا للراعيان: هنيئًا لكما بهذه الرعية التي تراقب ما يصدر عن راعيها فتنصحه إذا اخطأ وتنتقده إذا أصر على خطئه، ولا تعمد كغيرها عندما يخطئ راعيها الى التصفيق له والهتاف بحياته وتصديق أقواله وتبني مواقفه وتبريرها والدفاع عنها رغم وضوح زيفها، آخذه بيده وبيدها معه نحو الهاوية. اشْكُرَا الله على هذه النعمة وحافظا عليها.
وبالعودة الى الثورة السورية، رأى رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان"، أن ظلالاً من الشك تخيّم على شرعية الأسد ونظامه. وقال: "يا سيِّد أسد عندما كنت تقصف شعبك في اللاذقية من البحر، كيف كنت تقول إنك تقصف إرهابيين... على القادة أن يؤسّسوا حكمهم على الشرعية... من يؤسس حكمه على الدم، يذهب بالدم". ورأى أنه "هو ومن حوله دخلوا طريقاً لا مخرج منه".
لبنانيًا، جدد في العاشر من أيلول النائب "وليد جنبلاط" تأييده لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مشيرًا الى أن "حزب الله" يستطيع تثبيت براءته. ففي حديث صحافي قال "جنبلاط": "أنا مع تمويل المحكمة، خاصة أن هناك شريحة من اللبنانيين تؤمن بهذه المحكمة وتعلق آمالاً عليها في إمكان الوصول الى نتيجة، وإلى كشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري وسائر الآخرين" ، مبرّرًا تأييده للتمويل بأن "المجتمع الدولي ينتظرها ويكمن لنا على الكوع، وأنا أخشى إذا ما تخلّف لبنان عن تأمين التمويل أن تفرض عقوبات علينا، لا نستطيع أن نتحملها، أنا أعتقد أن من الضروري تأمين التمويل، وبعدها لتأخذ المحكمة أو المحاكمة سنوات". وأضاف: "لا أعتقد أن حزب الله يفتقر الى محامين أو أنه بحاجة الى من يدافع عنه، لا بل أنا أعتقد أن يثبت براءته".
وأبلغ جنبلاط زواره إصراره على ضرورة التزام لبنان بتمويل المحكمة، حتى ولو كان الفريق الداعم لها يُشكّل أقلية في الحكومة الحالية، ملمِّحًا إلى أن موضوع تمويل المحكمة لا يزال يحظى بتأييد أكثرية مجلس النواب، في إشارة إلى أن نواب جبهة النضال يقفون إلى جانب نواب 14 آذار في مسألة تمويل المحكمة، ولا يزالون بالتالي يشكلون معًا الأكثرية البرلمانية حيال هذه المسألة.
في هذه الأثناء كانت مواقف البطريرك "الراعي" لا تزال تردّداتها تتوالى، وجديدها، وصف مسؤول أميركي بارز مواقف البطريرك حيال الانتفاضة الشعبية في سوريا وسلاح الحزب بأنها "غير مبررة ومتهوّرة".
داخلياً، حفلت المواقف السياسية على ضفتي 14 آذار و8 آذار بردود على تصريحات البطريرك الراعي الباريسية. وفيما كانت انتقادات 14 آذار تنهال على مواقف الراعي، كان الموقف في 8 آذار مؤيدًا للبطريرك وذلك "من غالبية المسيحيين" كما بثت قناة "أو تي في" التلفزيونية التابعة للنائب ميشال عون، فيما اعتبر السفير السوري علي عبد الكريم علي في مقابلة مع إذاعة "النور" التابعة للحزب مواقف الراعي "تعبيرًا عن رؤية وازنة ومتماسكة، رؤية فكرية ووطنية وسياسية (…)، والمسيحيون في سوريا لا يشعرون بأن لهم حقاً مغبونًا".
الواقع أن البطريرك "الراعي" لم ينتظر ما تردَّد عن رغبة كثيرين في لقائه لشرح حقيقة مواقفه، بل حرص فور عودته على "التوضيح" بأن كلامه في فرنسا "اجتُزئ وأُخرِج من إطاره، ولذلك فُهِمَ على غير محلّه أو تمّ تحويره"، فيما فسّر تراجعًا أو تلطيفًا لما بدر منه، خصوصًا أن كلامه ذاك لا يحتمل التمويل. وقد كرّر البطريرك أمام زواره هذا التوضيح، وقد سمع من شخصيات في قوى 14 آذار كلامًا صريحًا فنّد المآخذ التي خلّفتها مواقفه وإيضاحات لنظرة هذه القوى الى مسلّمات "بكركي".
على أن التطور الأبرز الذي سجل في ذلك اليوم في سياق التداعيات التي أثارتها مواقف البطريرك، تمثّل في انتقادات وجهها النائب "وليد جنبلاط" وحملت دلالات مهمة على صعيد قطعه شوطًا لا بأس به في مسار انعطافته الجديدة. ذلك، أن جنبلاط اعتبر أن "ربط مصير لبنان بتحرير مزارع شبعا وربط مستقبله بنزاعات المنطقة بأكملها مرفوض"، كما شدّد على أن "ربط السلاح بمسألة التوطين سيُبقي لبنان معلّقًا الى ما لا نهاية في إطار النزاعات الإقليمية". وقال: "إذا كانت بعض الأوساط قلقة على الوجود المسيحي في لبنان، فإن الطريقة المُثلى التي يمكن البطريرك الراعي انتهاجها، وهو الحريص والمؤتمن على هذا الوجود (...) أن يُشكّل لجنة من المتموّلين المسيحيين، للحؤول دون بيع الأراضي وربما تسييل أملاك الكنيسة لمصلحة الفقراء من المسيحيين". كما انتقد ما وصفه بـ"الكلام التخويفي الذي قيل حول صعود التيارات السلفية أو الأصولية، وهو كلام غير دقيق يستعمل كالفزاعات".
وقد أثار موقف جنبلاط انزعاجاً واستياء لدى بعض القوى البارزة في 8آذار، وخصوصًا من حيث تناوله مسألة السلاح. ولفت في هذا السياق الى أن محطة "المنار" التلفزيونية الناطقة باسم "حزب ولاية الفقيه"، تناولت كلام جنبلاط بانتقاد لاذع، إذ تحدثت عن "ثبات البعض على مواقعهم وتأرجح البعض بَين بَين، وإعادة البعض تموضعه بحسب اتجاه الرياح الإقليمية". وتحدّثت عن "اقتراب النائب جنبلاط من القوات اللبنانية ومتفرّعاتها بانضمامه الى منتقدي البطريرك، إن كان لجهة الموقف من سلاح المقاومة أو التوطين أو حتى مما وصفه جنبلاط بالكلام التخويفي عن التيارات السلفية الصاعدة".
وفي سياق محاولات تعميم النموذج التركي على المنطقة، بدأ رئيس الوزراء التركي "رجب طيب اردوغان" في 12 أيلول، جولة تقوده الى بلدان "الربيع العربي" الثلاثة مصر وتونس وليبيا، حيث لقي استقبالاً حارًا، وأطلق عدّة مواقف نارية ضد النظام السوري.
وفي الشأن السوري، أصرّت الحكومة اللبنانية في 13 أيلول على تأكيد رعايتها للإرهاب الداخلي والخارجي، مع تحفّظ لبنان عن البيان الصادر عن جامعة الدول العربية في ختام الدورة العادية لمجلس وزراء خارجية الدول العربية، على غرار ما فعلته سوريا التي رفضت البيان لأنه بزعمها "عمل عدائي وغير بنّاء في التعامل مع الأزمة، ومحاولة لإحباط مهمة الأمين العام للجامعة نبيل العربي". وهذه المرة الثانية يستعمل لبنان التحفّظ في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية بعد 27 آب الماضي خلال مناقشة الأزمة السورية. ويُشار الى أنه في ربع القرن الأخير كان موقف لبنان في اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب مع الإجماع ولم يقف مرة موقف المتحفّظ، ومما يُذكر أن سوريا لم تواجه مثل هذه الحالة. وقد نأى لبنان بنفسه عن البيان الذي صدر عن مجلس الأمن والذي دان عنف القوات الأمنية السورية ضد المدنيين المطالبين بالاصلاحات.
في غضون ذلك، كان البطريرك "الراعي" يجهد في محاولة محو مواقفه "الباريسية" من ذاكرة اللبنانيين، حيث طمأن في 13أيلول، الى عدم دخوله في "أي خلافات فئويّة لا في لبنان ولا خارج لبنان". ودعا الى نسيان "ما طلع من اجتزاءات ربما متعمدة (…)، ليس لها علاقة بمواقفي الشخصية الأساسية". علمًا أنه حظي بزيارة لرئيس الجمهورية الذي أيّد مواقف البطريرك بقوّة.
بيد أن تبريرات "الراعي لم تقنع النائب "نديم الجميل" الذي رأى في الذكرى الـ29 لاستشهاد والده "بشير الجميل":"ان استقلالنا في خطر وحريتنا ووجودنا في خطر، والوضع الذي وصلنا اليه لا يتحمل تدوير زوايا ومواقف مائعة وتبريرًا لتصريحات بعض الأشخاص مهما تكن مراكزهم مهمة". وتوجّه الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي: "موقفكما من سلاح حزب الله لا يغير الواقع أن هذا السلاح غير شرعي، وأنه استُعمل في الداخل وعند كل محطة سياسية كي يرهب اللبنانيين ويفرض عليهم دولتهم وأيديولوجيتهم".
أما سفير فرنسا في لبنان "دوني بييتون" فقد أوضح أنّه "سيزور الراعي قريبًا بطلب من الحكومة الفرنسيّة، بعدما خاب أملها من تصريحاته الأخيرة على أراضيها، وذلك لاستيضاح حقيقة مواقفه"، مشيراً إلى أن "ما قاله البطريرك بعد الزيارة شكّل لنا دهشة وخيبة أمل كونه لم يعكس في تصريحه حقيقة موقف السّلطات الفرنسيّة بغضّ النّظر عن نظرة البطريرك الخاصة للأمور وطريقة تفكيره التي هي من حقّه".
في المقابل، وفي خطوة "حكيمة" لتطرية الأجواء وعدم إقفال جميع الطرق مع البطريرك في بداية ولايته، ولا سيّما أن الثورة السورية مستمرة حتى النصر رغم مواقفه، وسلاح الحزب أيضًا الى زوال بحسب دروس التاريخ وعبره، فضل "حكيم ثورة الأرز" أن يعرب عن "ارتياحه لتوضيح البطريرك الراعي لمواقفه"، ورأى أنّ "ما حصل من لغط حولها ما هو إلا غيمة عدم وضوح قد عبرت"، مشدداً على أن البطريرك الراعي "أمين على تراث بكركي وهذا مدعاة للارتياح ولعدم الضياع في تحاليل ليست بمكانها".
الخامس عشر من أيلول، وافق ذكرى مرور 6أشهر على انطلاق حركة الاحتجاج في سوريا، حيث أعرب الناشطون السوريون عن تصميمهم على التظاهر الى حين اسقاط نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" الذي يواصل عمليات القمع. وفي تطور لافت، دعت الإدارة الأميركية رعاياها الى مغادرة سوريا فورًا، وقالت إن الحملة الحكومية العنيفة على الاحتجاجات السلمية أوجدت وضعًا متقلبًا.
وقد تزامن هذا الإنذار، مع تأكيد "أردوغان" من تونس أن "الإسلام والديموقراطية لا يتعارضان. وإنما يمكن أن يتعايشا كما هو الحال في تركيا"، وذلك في إطار تسويقه النموذج التركي في الحكم، في رسالة واضحة الى بلد يستعد لخوض انتخابات يعتبر الإسلاميون الأوفر حظاً بالفوز فيها. وانضم زعيم "حزب النهضة" "راشد الغنوشي" الى الجموع، وأشاد بأردوغان واصفًا إياه بأنه شخص عمل بدأب من أجل الإسلام.
وفي اليوم التالي، أشاد الزعيم التركي من ليبيا بـ"انتصار" الديموقراطية في هذا البلد ووجه، انتقادات حادة الى الرئيس السوري بشار الأسد خلال مخاطبته الشعب الليبي قائلا: "أنكم أثبتم للعالم أنه لا نظام يمكن أن يسير ضد إرادة شعبه، وهذا ما يجب أن يفهمه أولئك الذين يقمعون الشعب في سوريا... على هذا النوع من القادة أن يفهم أن زمنه قد ولى لأن عصر أنظمة الطغيان قد ولى".
وبالعودة الى الشأن اللبناني الداخلي، حيث لا يزال البطريرك "الراعي" محور الحدث السياسي، كانت لافتة المواقف التي أبداها في 18 أيلول، غداة زيارته الرعوية الى منطقة بعلبك، فبعدما قاله على المائدة التي أقامها على شرفه الوكيل الشرعي للولي الفقيه الشيخ "محمد يزبك" في بعلبك، تبنّى "ما جاء في كلمة الشيخ يزبك من "مطالب وثوابت وطنية" داعيًا لـ"التمسك بها كوثيقة وطنية"، علماً أن كلمة يزبك ربطت استمرار سلاح ما يسمى "المقاومة" بـ"إتمام التحرير وحماية ثرواتنا المائية والنفطية واستقلالنا وسيادتنا"، وأيّدت السياسة التي يتّبعها النظام السوري من منطلق "إصلاحات مع حقن الدماء حفاظًا على حرمة الإنسان من مخالب الذئاب الكاسرة"، وعرّفت أميركا بأنها "الشيطان الأكبر".
سوريًا، ومع فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية جديدة على سوريا في 22أيلول، بدا واضحًا أن سوريا بدأت تتألّم اقتصاديًا، فقد أعلن وزير الاقتصاد والتجارة السوري تعليق استيراد السيارات وبعض الكماليات، مبررًا ذلك برغبة الحكومة في المحافظة على احتياط العملات الصعبة. وأشار الى ان هذا القرار "لن يؤثر على استيراد المواد الخام والمواد الغذائية وكل المواد الاساسية التي يحتاج اليها المواطن في حياته المعيشية".
أما في تطوّرات الثورة اليمنية، فقد انحسرت فرص الحل السياسي في اليمن، وتلاشت مظاهر الحياة في صنعاء، مع تصاعد نقمة الشارع اليمني من الدور السعودي في تفاقم الأزمة اليمنية، وعبرت هتافات ولافتات رفعها عشرات الآلاف من المحتجين الغاضبين في المحافظات، عن رفض الشارع موقف المملكة الداعم لنظام الرئيس "علي عبدالله صالح"، متهمين الرياض بمد بقايا نظامه بالمال والسلاح لإجهاض الثورة المطالبة بالتغيير، وإغراق اليمن في حرب أهلية، ولا سيّما مع تصاعد أعمال العنف في يومها الخامس موقعة نحو 15 قتيلا وعشرات الجرحى. وقد انحسرت فرص الحل السياسي لأزمة نقل السلطة مع إنهيار الهدنة بين قوات الجيش المؤيد للثورة الشبابية والقوات الموالية للرئيس علي صالح، وتجدد القتال العنيف بين الجيش ومسلّحي الشيخ صادق الأحمر زعيم قبيلة حاشد في منطقة الحصبة، بالتوازي مع تصاعد الهجمات على المحتجين في ساحة التغيير، لترتفع حصيلة القتلى من شبان الثورة خلال خمسة أيام من أعمال العنف إلى 88 قتيلاً ومئات الجرحى.
وفي اليوم التالي، فجّرت عودة الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" الى بلاده قتالاً شرسًا في العاصمة ومناطق أخرى بين القوات الموالية له وقوات الجيش المؤيدة للثورة والمسلحين المناهضين لنظامه من رجال القبائل بالتوازي مع ارتفاع وتيرة الهجمات على شبان الثورة في ساحة التغيير حيث سقط 34 قتيلا وعشرات الجرحى في المعارك التي استخدمت فيها كل أنواع الاسلحة.
في غضون ذلك، تقدّم الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة في خطوة تاريخية دافع عنها بشغف أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية الملتئمة في نيويورك. وواكبت تقديم الطلب الذي أصر عباس على المضي به بالرغم من معارضة الولايات المتحدة واسرائيل، حملة تأييد شعبية واسعة في الضفة الغربية. أما المتحدث باسم "حركة حماس" فاعتبر أن خطاب عباس هو "خطاب عاطفي نجح في تفصيل المعاناة الفلسطينية، ولكنه فشل في تحديد وسائل المواجهة حين ربط توجهه إلى الأمم المتحدة بالتفاوض مع الاحتلال، وهو ما جعلها خطوة فارغة المضمون". ويذكر أن العضوية الكاملة بالأمم المتحدة تتطلّب الحصول على توصية مجلس الأمن بأغلبية 9 أعضاء من الـ 15 عضوًا بالمجلس، وعدم إستخدام أيٍّ من الدول دائمة العضوية حق الفيتو، ومن ثم تتسلّم الجمعية العامة الطلب حيث تتطلب الموافقة تصويت ثلثي أعضاء أعضائها لصالح العضوية.
يومًا قوّاتيًّا استقلاليًا بامتياز كان الرابع والعشرون من أيلول، مع إحياء "القوات اللبنانية" قدّاس شهدائها، في مجمع فؤاد شهاب في جونيه، حيث كان المشهد جامعًا لكل قيادات قوى 14 آذار بمشاركة مميزة للكاردينال "مار نصرالله بطرس صفير" الذي ألهب الحضور الحاشد لدى ذكر اسمه على لسان جعجع، وكذلك عندما توجه بكلمة مقتضبة أثناء احتفاله بالقداس الى الحشود سأل فيها الله "أن يبارك الشباب ويرزقهم أيامَ خيرٍ أفضل من الأيام البائسة". في حين كان البطريرك "الراعي في الجنوب بلبي دعوة "حزب ولاية الفقيه" الى مأدبة تكريمية أقيمت على شرفه في استراحة صور السياحية، حيث أشاد "الحزب" بـ"المواقف الجريئة الوطنية" للراعي، قائلاً: "نقدر هذه المواقف ونعتبرها أرضية صلبة لإعادة التواصل وبناء الموقف الوطني الموحّد والتمسّك بما ثبت بالتجربة والتضحيات والشهادة، بأنه لمناعة لبنان ولمصلحة لبنان ولأمن لبنان، معادلة الشعب والجيش والمقاومة".
وبالعودة الى وقائع الاحتفال الاستقلالي في جونيه، والذي شكّل مناسبة أيضًا لتكريم مسيرة البطريرك صفير الشخصية والسياسية، وفضله على استقلال لبنان وسيادته، كان الدكتور سمير جعجع شجاعًا بكلامه عن عدم حاجة المسيحيين الى الحماية لأنهم أصحاب دور وحق ومبدأ، كما كان شجاعًا في توصيفه الدقيق لمسيرة الربيع العربي بدءًا من فلسطين الى سوريا والى سائر الدول العربية التي تشهد ثورات. وذلك، في خطاب يجسّد خطاب 14 آذار بامتياز، بكل أطيافها السياسية والحزبية والطائفية والمستقلة.
كلمة عالية السقف ألقاها جعجع، وهي ربما الأعنف له منذ خروجه من المعتقل، وبمنزلة "خريطة طريق" للمرحلة المقبلة على وصف أوساطه. لقد أعاد "الحكيم" في الاحتفال الى أذهان اللبنانيّين، أنّ الميليشيا العسكرية القديمة الأكثر تنظيمًا في الشارع المسيحي، تمكّنت من فرض نفسها هذه المرّة أيضا على أنّها الحلقة الأقوى في الساحة المسيحيّة، والرقم الصعب في كلّ المعادلات، إنّما انطلاقًا من البُعد السياسي والتجربة الحزبية.
ففي كلمته في المناسبة، ومن شعار "حيث لا يجرؤ الآخرون"، أطل "الحكيم" على الحشد الآذاري ولا سيّما المسيحي منه والحزبي، وردّ "بشكل غير مباشر على مواقف البطريرك الراعي الباريسية، ومما قاله: "(…) إن الخوف من التطرف مبرّر ومشروع، ولكن هذا الخوف لا يُبيح المحظورات، ولا يفترض انقلابًا جذرياً على كل القيم الإنسانية والمسيحية". وأضاف: "إن دورنا الطليعي يحتّم علينا عدم الانزلاق الى قمقم التقوقع الأقلّوي الذي يحاول البعض استدراجنا إليه من خلال هواجس ليست محصورة بالمسيحيين فحسب (...)". وحذر من "التراجع أمام الربيع العربي ومخاضه"، متسائلاً: "هل مقبول أن ننكفئ نحن المسيحيين عن الشرق في اللحظة عينها التي بدأ فيها الشرق يشبهنا؟!".
وبلهجة صارمة، قال جعجع " إن المسيحيين في هذا الشرق هم بالفعل دائمًا حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون. لا نخاف أحداً ولا نريد ضمانات من أحد". وسأل الجموع منتقدًا دفاع الراعي عن النظام السوري: "من هاجمكم وقتلكم ودمّر كنائسكم؟ من فجر كنيسة سيدة النجاة وقصف الأشرفية وزحلة وعين الرمانة؟ (...) من أمعن في المسيحيين قمعًا وتنكيلاً وسجنًا وتهميشًا ونفيًا؟ أين مئات المعتقلين؟".
ورأى أنّ إثارة مسألة تحالف الأقليات في ذاتها "تقزيمٌ لدور المسيحيين التاريخي، وتنقلهم من مدافعين عن المبادئ الإنسانية السامية، إلى مجرّد أكياس رملٍ لحماية أنظمةٍ غاشمة متخلّفة". وانتقد "الانكفاء" مقرًا بأنّ الخوف من التطرّف "مبرّرٌ ومشروعٌ، لكنّه "لا يبيحُ المحظورات ولا يفترض انقلاباً جذرياً على القيم الانسانية والمسيحية". وبلهجة حازمة توجه الى الخائفين من ظهور أنظمةٍ أكثر تشدّدًا بالقول: "أيّ تشدّدٍ أخطر من الذي شهدناه في لبنان على مدى ثلاثة عقودٍ، والذي أدّى الى قصم ظهر المسيحيين؟". مجيبًا "بأنّ موقفنا منه لن يكون أقلّ حدّةً، ومواجهتنا له لن تكون أقلّ شراسةً". وبنبرة مرتفعة تلت نداء الى مسيحيي سوريا وفلسطين والعراق ومصر، وأثارت تصفيقًا حادًا، قال: "لن نكون ذمّيين"، مشددًا على "أنّ حقّنا في الحريّة والعدالة لا يتأمّن، إلاّ عبر الدولة، المدنيّة، الديموقراطية الفعليّة".
وعلى وقع موجات تصفيق حاد، بادر "الحكيم" البطريرك صفير بالقول "يكفيكم ويكفي القوات وثورة الأرز أن تحيوا ذكرى الاستشهاد هذه السنة، بطريركاً من البطاركة الموارنة التاريخيين، علّمونا أن الموت بحرية خير ألف مرة من العيش في ذمة طاغية".
وكان صفير الذي احتفل بالقداس توجه بكلمة مقتضبة الى الحشود سأل فيها الله "أن يبارك الشباب ويرزقهم أيامًا افضل من الأيام البائسة".
وبدوره، دخل شيخ الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" على خط الردود على تصريحات البطريرك الراعي التي قال فيها "ان سقوط النظام السوري الحالي سيهدد المسيحيين في المشرق"، فأكّد "أن المسيحيين في المشرق العربي هم جزء من النسيج الوطني، ولا تفرقة بين مسلم ومسيحي في دول المشرق العربي، وأن هناك حالة من التسامح والتعايش بين الجانبين". وجدد مطالبته النظام السوري "بمراعاة مصالح بلده وتلبية متطلبات الشعب السوري ووقف أعمال العنف والقتل التي يمارسها الجيش السوري ضد أبناء شعبه".
في المقابل، كان وزير "حركة أمل" "علي حسن خليل" يصف الراعي بـ"إمام البطاركة" في الشرق!
أردنيًا، صادق مجلس النواب الأردني في 24 أيلول، بغالبية 98 صوتًا من أصل 120 على مشروع التعديلات الدستورية في جلسة عقدها برئاسة فيصل الفايز وحضور رئيس الوزراء معروف البخيت. وأبرز ما تتضمنه التعديلات التي أقرت وبلغ عددها 44: إنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات النيابية والبلدية ومحاكمة الوزراء أمام القضاء المدني بدلاً من مجلس النواب، والطعن في نتائج الانتخابات أمام القضاء المدني، وتحديد صلاحيات السلطة التنفيذية بوضع قوانين موقتة. كما نصّت على أن الحكومة التي تحل مجلس النواب ينبغي أن تستقيل، ولا يحق لرئيس الحكومة أن يكلَّف تأليف الحكومة مرة ثانية. وقيّدت التعديلات أيضًا عمل محكمة أمن الدولة في جرائم محدّدة، هي الخيانة والتجسس، إلا أنها لم تتطرّق الى أحد أبرز مطالب المعارضة بتعديلات دستورية تسمح للغالبية النيابية بتشكيل الحكومة بدلاً من أن يعيّن الملك رئيس الوزراء.
أما في السعودية، وفي خطوة مفاجئة، منح العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبد العزيز" النساء السعوديات في 25 أيلول حق التصويت والترشح في الدورة المقبلة لانتخابات المجالس البلدية، وكذلك التعيين في مجلس الشورى، "وفق الضوابط الشرعية" وانطلاقًا من رفضه "تهميش دور المرأة".
داخليًا، كان الحدث اللبناني في 26أيلول أميركيًا. ففيما يستعد رئيس مجلس الوزراء "نجيب ميقاتي" لرئاسة جلسة مجلس الأمن في 27أيلول، بعدما التقى وزيرة الخارجية الاميركية "هيلاري كلينتون"، صدرت تأكيدات لبنانية وأميركية معًا أن جولة البطريرك "الراعي" الراعوية في الولايات المتحدة الشهر المقبل، لن تشمل العاصمة واشنطن، بعدما تعذّر ترتيب لقاء له والرئيس "باراك أوباما" في البيت الأبيض، نتيجة لما أثارته مواقفه في فرنسا من استياء واسع في واشنطن.
أما "رئيس حكومة الانقلاب"، فبثقة عزّ مثيلها، قدّم الالتزام تلو الالتزام أمام الخارج بخصوص تمويل المحكمة والتعاون معها، فيما حلفاؤه ورعاة حكومته في الداخل لهم حسابات أخرى، ومواقف معروفة ضدّ المحكمة، ليس أقلّها اتهامها بأنها أداة تآمرية إسرائيلية ضدّ المقاومة والممانعة.
سوريًا، أكد النائب اللبناني وليد جنبلاط في 27أيلول أنه "قابل الرئيس بشار الأسد مرتَين خلال الأيام القليلة الماضية"، ونصحه بالحل السياسي للأزمة السورية بدلاً من "الحل الأمني"، وقال له إلا "الدم" لأن الدم يؤدّي لسقوط الأنظمة. وذكّره "بما حدث مع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، ثم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ثم معمر القذافي". وأضاف جنبلاط "تقبّل الرئيس الأسد كلامي إلا أنه للأسف الشديد ما زال "الحل الأمني" مستمرا في سوريا".
وردًا عن سؤال.. لماذا تغير مواقفك مثلما تغير ملابسك..أجاب جنبلاط : "أنا لا أغيّر ملابسي كثيرًا حيث أرتدي الجينز دائمًا، أما في السياسة فكل الساسة يغيّرون مواقفهم وفقًا للظروف السياسية السائدة"، معقِّبًا "ماذا ستفعل إذا كان المسدس مشهرًا في رأسك؟".
تزامنًا مع كلام جنبلاط، كان البطريرك يكّرر مواقفه "الباريسية"، وقد برز ذلك عبر خطأ تقني، تمثّل ببث إذاعة "القرآن الكريم" التابعة لدار الفتوى على الهواء مباشرة جزءًا من مداخلة البطريرك الراعي في الجلسة المقفلة للقمة الروحية التي عقدت في "دار الفتوى"، كرّر فيها مضامين كلامه الباريسي.
على صعيد آخر، جمع لقاء الرئيس فؤاد السنيورة والمفتي قباني بمسعى من صديق مشترك، جرى خلاله عرض للوضع العام في البلاد. وقالت مصادر المجتمعين إنه تمّ تجاوز الخلاف الذي نشأ أخيرًا من خلال توضيحات متبادلة، وأن اللقاء ساهم في تبديد سوء التفاهم الذي شهدته المرحلة السابقة.
الى ذلك، وفي إطار المذبحة المفتوحة في سوريا، لفت الانتباه زيارة مفتي دمشق الدكتور "عدنان أفيوني" على رأس وفد ضمّ رجال دين مسلمين ومطران السريان الأرثوذكس في دمشق والسفير السوري في لبنان. وأفيد أن الوفد هنّأ البطريرك الراعي بمواقفه شاكرًا له هذه المواقف، مؤكدًا أن "هذه الزيارة لن تشمل إلا البطريرك الراعي". وقد أتى هذا الحدث، فيما كانت القوى الأمنية التابعة للنظام السوري تنفذ سلسلة مداهمات وإعتقالات في عدد من المناطق، لا سيما في درعا وسراقب، في وقت واصلت المعارضة تظاهراتها مطالبة بإسقاط النظام خصوصًا في دمشق وريفها، وفي عدد من أحياء حمص وحماه وإدلب واللاذقية ودير الزور ودرعا.
نداء المطارنة الموارنة الثاني عشر لم يُكتب بالموقف وبالقلم الذي كَتب سطور النداء الأول عام ألفين، فلم يقتصر نداء المطارنة على الرمادية، بل ذهب مَن كتبه في دعوة الموارنة والمسيحيين واللبنانيين الى الالتفاف حول بطريركهم والثقة بقيادته وحكمته لأن الموارنة وفق البيان، بأمس الحاجة للعودة الى هذا السلوك التاريخي. علمًا أن اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا، لم يتخلّفوا يومًا عن تلبية النداء. ولكن فات من كتب البيان أن القرارات التاريخية لـ"بكركي" كانت تنبع من عمق الوجدان المسيحي - الوطني، مما كان يجعل القرارات صائبة والتحلّق حولها تلقائيًا، وهذا ما أغنى "بكركي" دائمًا عن دعوة الناس الى الالتفاف حولها.
وفي ردّ أوّلي لقوى 14 آذار، صرّح رئيس حزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع" بأن زيارة وفد وزارة الأوقاف السورية لبكركي "جاءت في إطار محاولة إغراق البطريرك الماروني في مواقف ليست له، سواء من خلال تصريحات تطلق يمينًا ويسارًا، أو من خلال بعض الزيارات". وأضاف: "صحيح أن البطريرك أبدى بعض التعاطف من هنا وطرح بعض التساؤلات من هناك، لكن الأكيد أنه لم يصدر المواقف التي يحاولون تحميله وبكركي إياها. وأكبر دليل على أنها كانت محاولة إغراق، هو أن مفتي دمشق (الشيخ الدكتور عدنان أفيوني) تولى الكلام في حين أن البطريرك والمطارنة لم يصدر عنهم أي رد فعل حتى على كلام الثناء والإطراء".
وقد انتهى شهر أيلول أردنيًا، مع تظاهر آلاف الاشخاص في عمان وإربد والكرك وجرش، مطالبين بـ"إصلاح حقيقي" ورافضين "حماية الفساد"، ردًا على إقرار مجلس النواب قانوناً يتضمن مادة تجرّم ادعاءات الفساد من دون إثبات، وتفرض غرامات مالية مرتفعة على مدّعيها.

  

 

تشرين الأول 2011.. نهاية القذافي تحفّز الثوار السوريين

لم يستطع شهر تشرين الأول أن يبدأ في لبنان دون أن يُدلي بدلوه في الردود على مواقف البطريرك "الراعي". ففي أوّل يوم منه، أيّد "المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى"انتفاضات الربيع العربي، وشملت مناقشاته ما ورد على لسان البطريرك "الراعي" بصورة غير رسمية في القمة الروحية بسبب استمرار النقل المباشر غير المتفق عليه، فلمّح بيان "المجلس الشرعي" الى "ما يشاع خلف الكواليس، وما قيل حول مستقبل المسيحيين في العالم العربي والإسلامي"، في إشارة الى مواقف "الراعي"، وأكّد "أن هذه المخاوف هي استدراج للفتنة والى تقسيم البلاد طبقًا لمعايير ليست من طابع الحضارة الإسلامية". من جهة أخرى، أكّد المجلس في بيانه "التزام الرئيس ميقاتي في الأمم المتحدة قيام حكومته بتمويل المحكمة الخاصة بلبنان الهادفة الى تحقيق العدالة، والاقتصاص من قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه".
أما الشأن السوري، فهو الحاضر اليومي الدائم في كل شهر منذ 15آذار 2011، تاريخ انطلاق الاحتجاجات في سوريا. وفي الأول من تشرين الأول، تركّزت جهود المعارضين السوريين المجتمعين في اسطنبول لاستكمال إنشاء "المجلس الوطني الانتقالي"، على محاولة توحيد صفوف أطياف المعارضة في مواجهة نظام الرئيس "بشار الأسد" الذي واصل حملات قمع المحتجين، وسيطرت قواته العسكرية على معظم أنحاء مدينة "الرستن" بعد طرد جنود منشقين ومسلّحين منها.
وفي اليوم التالي، اتخذت المعارضة السورية أكثر الخطوات جدية حتى الآن منذ بدء الاحتجاجات قبل أكثر من ستة أشهر، عندما أعلنت من "اسطنبول" تأسيس "المجلس الوطني" "إطارًا موحّدًا للمعارضة" برئاسة المعارض السوري "برهان غليون"، وذلك في خطوة مقتبسة من النموذج الليبي، ترمي الى الحصول على اعتراف دولي بالمجلس بديلاً من النظام.
وعلى رغم أن البيان التأسيسي لـ"المجلس الوطني السوري"، الذي أتاح توحيد التيارات المعارضة الأساسية، وهي الإسلامية والقومية والليبرالية من أجل إسقاط "الأسد"، لم يتخذ موقفًا محدَّدا من مسألة التدخل الخارجي على الطريقة الليبية، فإن المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا "أحمد رياض الشقفة"، العضو في "المجلس الوطني"، دعا بطريقة غير مباشرة خلال حديث الى قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية الى تدخل دولي عسكري في سوريا على طريقة تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، أي استخدام القصف الجوي لمواقع القوات الموالية للنظام السوري من دون إرسال قوات على الأرض.
وقد تزامن ذلك، مع سيطرة الجيش السوري على مدينة "الرستن" في محافظة "حمص"، بعد أيام من القتال العنيف مع جنود منشقين يساندون حركة الاحتجاج المطالبة باسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد ساعات من هذا التطور، اغتال مسلحون "سارية حسون" (21 سنة) النجل الأصغر للمفتي العام في سوريا الشيخ "أحمد بدر الدين حسون" المؤيّد للنظام، على طريق إدلب-حلب.
لبنانيًا، بدا أن البطريرك "الراعي" مستمر بانقلابه على ثوابت "بكركي"، مع إيفاده الأب "أبو كسم" لتمثيله في مؤتمر "دعم الانتفاضة الفلسطينية" الذي عقد في إيران، لـ"يبارك" المؤتمر "التجاري" نيابة عنه، كما كان "بارك" حكومة "حزب ولاية الفقيه" في لبنان.
في المقابل، كان "حكيم ثورة الأرز" يرسم "بانوراما" تقويميّة للوضع اللبناني والإقليمي، ويضخ جرعات من المعنويات والأمل في نفوس الاستقلاليين، حيث رأى أن "حلفاء النظام السوري الحالي في لبنان هم في حالة إرباك كبيرة، إلى حد أنهم أصبحوا الآن طلاب حوار ولا يمكننا ردعهم ليل نهار عن الدعوات من أجل الحوا"، مضيفًا: "إن حلفاء سوريا يشعرون أن النظام سيسقط، لذا فهم يحاولون إتخاذ التدابير الممكنة كلّها لكي يكونوا في مأمن في حال سقط النظام، وبالتالي فإن الجميع في لبنان اليوم في حال من الترقّب وضرب الأخماس بالأسداس في انتظار المرحلة المقبلة، فلا تنتظروا في المرحلة الحاليّة أن يُقدم أي فريق". وأشار الى "أن المسار نحو الديموقراطية سيمر في صعوبات وعقبات كبيرة، ولكن لا يمكن إلا أن يتقدّم التاريخ نحو الأمام".
في الرابع من تشرين الأول، أسقطت روسيا والصين بـ"الضربة القاضية" مشروع قرار وضعته فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال أمام مجلس الأمن، يندِّد بأعمال العنف التي تمارسها السلطات السورية في حق المتظاهرين سلميًا، إذ رفع المندوبان الدائمان لدى الأمم المتحدة الروسي والصيني يدَيهما مستخدمَين امتياز حق النقض "الفيتو" على رغم "المرونة الشديدة" التي أبداها نظراؤهما الغربيون لتخفيف صيغة القرار، فيما امتنع عن التصويت كل من لبنان المخطوف من النظام السوري وحلفائه، كما امتنعت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وهذه إحدى المرات القليلة التي استخدمت فيها هاتان الدولتان امتياز النقض معًا لإسقاط مشروع قرار ما في مجلس الأمن. وهما فعلتا ذلك مرّتَين في السنين العشر الأخيرة لإسقاط مشروعَي قرارَين في شأن زيمبابوي وميانمار. ومع سقوط هذا القرار، دخلت الديبلوماسية الدولية في مأزق جدي حيال طريقة التعامل مع أوضاع تزداد دموية وتدهورًا منذ بدء الإحتجاجات في سوريا قبل أكثر من ستة أشهر.
الى ذلك، وبعد نحو أسبوعين فقط على قرار تعليق استيراد بعض الكماليات والسيارات التي يزيد رسمها الجمركي عن %5، تراجعت السلطات السورية عن قرارها تحت وطأة ارتفاع الأسعار واستياء طبقة التجار "أصحاب النفوذ" الذين يدعمون الرئيس "بشار الاسد"، خصوصًا في الشام وحلب.
وفي انتهاك "أسدي" صارخ للسيادة اللبنانية، توغّلت مجنزرتان سوريتان في الرابع من تشرين الأول من داخل الحدود الشرقية الى خراج بلدة "عرسال" في البقاع الشمالي، بالتزامن مع تحرّك أميركي في اتجاه المسؤولين من أجل حماية المعارضين السوريين في لبنان. وفيما كانت وسائل الإعلام تتداول الخرق السوري للحدود الشرقية بصورة مثيرة، غرق المسؤولون في صمت مطلق، الأمر الذي استدعى تساؤلاً من أوساط بارزة في قوى 14 آذار عن "هذا النهج الرسمي في التعامل مع السلوك السوري الأمني المكشوف حيال السيادة اللبنانية، والذي يدفن الرأس في الرمال عوض المبادرة الى إعلان المعلومات وسلوك طريق المعالجات الصحيحة".
لم تسمع "حكومة الانقلاب" بما جرى في بلدة "عرسال" البقاعية. هي متلهّية بما هو أهم..كيفية مواجهة المجتمع الدولي نيابة عن السلطات السورية، و"التصدي" لفرض عقوبات عليها جرّاء عمليات القمع المستمرة بحق أهل سوريا الأحرار. وصاحب الحكومة، "حزب ولاية الفقيه"، بدوره، مشغول عن اعتبار الخرق السوري اعتداء على السيادة الوطنية وعلى لبنانيين وأرزاقهم وممتلكاتهم، بل على الجمهورية بمجملها، باعتبار أن الخرق "الأخوي" دليل اضافي على وحدة المسار والمصير...
وكان لا بد في هذا اليوم من توجيه "مبروك" لـ"الوزير الوديعة والخديعة" "عدنان السيد حسين"، الذي نصّبه حزب السلاح رئيسًا للجامعة اللبنانية كـ"مكافأة" على الدور الحاسم الذي قام به خلال انقلاب الحزب وأتباعه على حكومة ما سمّي "الوحدة الوطنية" برئاسة الرئيس سعد الحريري، وبعدما تعذّر توزيره في الحكومة الحالية. واللافت أن أحدًا لم يعترض داخل مجلس الوزراء على العملية، رغم وجود مرشحة تفوقه في الدرجة العلمية، ما يعني أن جميع المشاركين في الحكومة موافقون ضمنيًا على السيرة الذاتية لـ"السيد حسين" ومسيرته الوطنية المشرّفة.
لم تمض 48 ساعة على التوغل العسكري السوري في منطقة "عرسال" البقاعية، حتى عاودت قوة سورية التوغل ثانية مساء السادس من هذا الشهر، وأطلقت النار على مواطن سوري فقتلته.
ووسط استنكار أزلام سوريا تشبيه الخرق السوري للحدود بالخروقات الصهيونية، كان الدكتور "سمير جعجع" يؤكّد على "أن ما تعيشه المنطقة العربية في الوقت الحاضر، مع كل أوجاعه وآلامه، ينبىء بمستقبل زاهر لشعوب المنطقة كلها كما لشعبنا اللبناني"، لافتاً الى "أن الربيع العربي هو إيذان بنهاية مرحلة قاتمة سوداء، وبداية مرحلة جديدة، عناوينها الرئيسية، الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والتعددية، والعدالة والحق والحقيقة، وإذا كان لم يُقيَّض لربيع بيروت ولثورة الأرز أن يكتملا بعد، بسحر مقاوم، فإن حرارة الربيع العربي ستؤدّي حكمًا الى اكتمالهما، باعتبار أن ما قدَّرَه الله لن يغيّره إنسان".
سوريًا، وبعد ثلاثة أيام من استخدام موسكو وبيجينغ حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لإجهاض مشروع قرار غربي يندّد بقمع السلطات السورية حركة الاحتجاج المطالبة برحيل الرئيس "بشار الاسد"، خيَّر الرئيس الروسي "دميتري ميدفيديف" القيادة السورية في 7/10/2011 بين تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها والرحيل وترك الحكم، لكنّه حذر الغرب من محاولة إقصاء الأسد عن السلطة. وتزامن الموقف الروسي مع تطورات ميدانية في "جمعة المجلس الوطني"، كان ابرزها اغتيال مسلحين مجهولين المعارض الكردي البارز "مشعل تمو" في القامشلي، الى سقوط ثمانية مدنيين برصاص الأمن خلال تظاهرات في انحاء مختلفة من البلاد.
من جهته، ندّد البيت الأبيض بشدّة بأعمال العنف الأخيرة في سوريا، ومنها اغتيال المعارض الكردي، ودعا الرئيس "بشار الأسد" الى التنحي "في الحال"، متحدِّثًا عن وضع "بالغ الخطورة".
لبنانيًا، كانت صحيفة "المستقبل" لا تزال مستمرة في نشر وثائق "ويكيليكس" المتعلّقة بأركان 8 آذار، مبيّنة مدى التنافر والتضاض بين مكوّنات هذا الفريق، والذي لولا ضابط الإيقاع السوري لما اجتمع يومًا في جبهة واحدة.
وفي هذه الأثناء، كانت مصر تشهد في التاسع من تشرين الثاني أخطر تصعيد للأحداث الطائفية منذ تنحي الرئيس المصري "حسني مبارك" في شباط الماضي، وقبل أسابيع من الانتخابات النيابية؛ فقد قتل 23 شخصًا وجرح أكثر من 184 في اشتباكات بين الجيش ومتظاهرين أقباط كانوا متجهين في مسيرة نحو مبنى الإذاعة والتلفزيون في منطقة ماسبيرو بالقاهرة، للإعراب عن غضبهم حيال إحراق متشددين إسلاميين فتنويين كنيسة في قرية بـ"أسوان". وسارع رئيس الوزراء المصري عصام شرف الى التحذير من "نار الفتنة"، وكذلك عمل الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية على تهدئة الأوضاع.
وبالعودة الى الشأن السوري، أعلن في العاشر من تشرين الأول "المجلس الوطني الانتقالي" في ليبيا الذي أطاح نظام العقيد "معمر القذافي"، أنه قرر الاعتراف بـ"المجلس الوطني السوري" المعارض وإقفال السفارة السورية في طرابلس. كما رحّب الاتحاد الأوروبي بإنشاء "المجلس الوطني السوري" الذي يضم غالبية حركات المعارضة للرئيس السوري" بشار الأسد"، مع إبداء موسكو استعدادها وبيجينغ لاقتراح مشروع قرار في مجلس الامن "أكثر توازنًا" من المشروع الذي عرضه الغرب، وتنديدها بالعنف من جهتي النظام والمعارضة.
على صعيد آخر، شغل الإعلان المفاجئ للمحكمة الخاصة بلبنان عن تعيين رئيس جديد لها، هو القاضي النيوزيلندي "ديفيد باراغوانث" خلفًا لرئيسها المستقيل القاضي الإيطالي "أنطونيو كاسيزي" لأسباب صحية، الأوساط اللبنانية، خصوصًا أن هذه الخطوة جاءت في عزّ تصاعد الجدل حول تمويل المحكمة في لبنان. وقد اتخذ فريق 8 آذار من الاستقالة أداة جديدة للطعن في نزاهة المحكمة، معتبرًا أن استقالة "كاسيزي" دليل تسييس!
وبعيدًا عن المحكمة الدولية، كشف البطريرك الماروني السابق "مار نصرالله بطرس صفير"، أن زيارته إلى سوريا حين كان يتولى سدة البطريركية كانت" تستدعي علينا السير في المسار السوري، ونحن لا نريد إلا المضي في الخيار اللبناني"، وشرح أن "سبب عدم زيارتنا إلى الجنوب هو لأن الظروف كانت تقضي بما قمنا به"، مشدِّدًا على أنه "ما زلنا على مواقفنا أن إسرائيل لا تحاربها جماعات وإنما الجيش اللبناني". وعن توجهات البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي قال :"أعتقد أن توجهات البطريرك تتطابق من توجيهات الكرسي الرسولي إذ أن البطريرك زار روما وهو من ناقش الأوضاع هناك".
وفي تطاول سوري جديد على السيادة اللبنانية، كان مفتي النظام السوري "أحمد حسون" في 10/10/2011، يتوعّد الغرب بعمليات استشهادية في حال الاعتداء على سورية أو لبنان يقوم بها اللبنانييون والسوريون! فخلال استقباله قافلة "مريم ٢" في حلب، التي ضمت ١٥١ سيدة لبنانية، قال "حسون": "مع انطلاق أول قذيفة صوب سورية أو لبنان فسينطلق كل واحد من أبناء وبنات لبنان وسورية ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين". كما نبّه اللبنانيين من أن الغرب "سيشعل معركة قريبًا" في وطنهم بعد هزيمته في سورية.
وكان الرد في اليوم التالي من مفتي جبل لبنان الشيخ "محمد علي الجوزو"، فقال: إن "حسون كان يتمرجل أمام عدد من النساء اللبنانيات. والنساء بحد ذاتهن ملهمات بالبطولة، خصوصًا أنه يريد أن يكون بطلاً، فبدأ بالتهديد والوعيد تمامًا كالتهديدات التي أطلقها وليد المعلم الذي اعتبر أنه لا توجد أوروبا". وأشار الى أنهم "الآن هم يستعملون هذا السلاح الذي لم يستخدموه ضد اسرائيل على الإطلاق في الجولان أو غيره، يستخدمونه ضد الأبرياء والعزّل وقتل الناس". وأشار الى أن "النظام السوري يمس بالسيادة اللبنانية منذ البداية، فهو أغرق لبنان بالدماء، وقتل أهم زعماء لبنان وأذل الشعب اللبناني لمدة 30 سنة".
دوليًا، فجّرت الولايات المتحدة الأميركية قنبلة من العيار الثقيل ، إن صحّت معلوماتها، مع اتهامها في 11/10/2011، إيرانيَين اثنَين بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن "عادل الجبير"، في إطار "مؤامرة خطّطت لها ونظمتها وأدارتها" إيران. لكن طهران سارعت الى نفي هذا الاتهام، واصفة الاتهامات الأميركية بأنها "مؤامرة شيطانية" على الجمهورية الإسلامية، وذلك في رسالة الى مجلس الأمن. في حين ندّدت الرياض بشدة بالمخطط لاغتيال سفيرها، ووصفته بأنه محاولة "آثمة وشنيعة"، داعية "الأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياتها أمام هذه الأعمال الإرهابية، ومحاولات تهديد استقرار الدول والأمن والسلم الدوليَين".
لبنانيًا، وفيما استمرّ مسلسل تهجّم قوى 8 آذار على المحكمة الدولية ورَفْض تمويلها، وُلد سجال جديد حول قضية قديمة-جديدة غاية في الخطورة، تتعلّق بإقدام ضبّاط وعناصر من قوى الأمن اللبنانية موضوعِين في تصرّف السفارة السورية، على خطف أشخاص سوريين معارضين للنظام في سوريا بآليات تابعة لقوى الأمن على الأراضي اللبنانية.
وفي هذا السياق، أثارت تحرّكات السفير السوري "علي عبد الكريم علي" ضد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء "أشرف ريفي" ردودًا على خلفية ما نقل عن الأخير من "مواقف مستغربة" كما قال "علي" في شأن اتهام السفارة السورية بالضلوع في خطف المعارض السوري المسن والنائب السابق للرئيس السوري "حافظ الأسد" "شبلي العيسمي" الذي يقيم في لبنان، وذلك خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان النيابية. وصرّح عضو اللجنة النائب "سامي الجميل"، بأنه طالب في الجلسة "بأن يتحرك القضاء اللبناني فورًا بناء على المعلومات التي عرضها اللواء ريفي، ويوقف كل المعنيين بهذه الارتكابات ويطبّق عليهم القانون"، مضيفًا أن "لا حصانة ديبلوماسية عندما ترتكب جريمة مشهودة على الأراضي اللبنانية".
وعلى صعيد آخر، كان النائب "وليد جنبلاط" ينفي حصول فتور بينه وبين "حزب ولاية الفقيه" على خلفية مواقفه الأخيرة ولا سيما من المحكمة والنظام السوري، حيث قال في 14/10/2011: "لست أرى من أين أتى الحديث عن فتور مع حزب الله، أمس التقيت السيد حسن نصر الله وكان اللقاء كالعادة تسوده أجواء الصراحة وتحدثنا عن الوضع الداخلي والوضع السوري وعن فلسطين". وعن تمويل المحكمة الخاصة بلبنان، قال: "أفضل التسوية حول تمويل المحكمة الدولية، وأن تترجم عمليًا، ونحن سنصوّت في الحكومة إذا وصلنا الى التصويت وإذا استحالت التسوية مع تمويل المحكمة".
وبالانتقال الى أخبار الحراك الشعبي العربي، شهدت "سلطنة عمان" حيث لا أحزاب ولا حياة سياسية، شهدت تنافسًا بين أكثر من ألف مرشح بينهم 77 امرأة، على المقاعد الـ 84 لمجلس الشوى، في انتخابات من شأنها أن تضفي مظهرًا ديموقراطيًا على الدولة الخليجية، ولكن من المستبعد أن تخفي الاستياء الذي عبر عنه محتجون في شباط استلهموا انتفاضات "الربيع العربي" التي قامت في دول أخرى.
وكان السلطان قابوس بن سعيد الذي يحكم البلاد منذ عام 1970، وعد بعد تفجر الاضطرابات التي قتل فيها خمسة أشخاص في مدينة صحار الصناعية، بأن تكون لمجلس الشورى بعض الصلاحيات الاشتراعية، كما أعلن عن برامج لتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد لتهدئة الاحتجاجات وبمساعدات مالية. وقد ساعد هذا في تهدئة الشارع، غير أن النخب المتعلّمة وبعض الفئات العمالية، تشكو من غياب تغيير سياسي حقيقي وخارطة طريق لتعزيز التمثيل الشعبي في السلطنة ذات الموقع الاستراتيجي عند مدخل الخليج، والتي لا تستطيع توفير ما يكفي من الوظائف لتلبية حاجات السكان القليلي العدد الذين يتزايدون بسرعة.
أما في سوريا، فقد أفاد تقرير نشر في 15/10/2011، وأجرته مجموعة "جيو بوليستي" الاستشارية، أن الأحداث التي شهدتها سوريا كلّفتها خسارة مالية إجمالية مقدارها(3،72)مليار دولار. كما أفاد التقرير أن الاحتجاجات في الدول العربية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كلّفت المنطقة أكثر من 55 مليار دولار. وأشار إلى أن خسارة ليبيا بلغت 2, 14 مليار دولار، ومصر 79, 9 مليار دولار، وتونس 2,52 ملياري دولار، والبحرين 09, 1 مليار دولار، واليمن 98, 0 مليار دولار. بيد أن المنطقة استفادت إجمالاً من "الربيع العربي"، مع ارتفاع أسعار النفط الذي حقّق مكاسب كبرى للدول المنتجة للنفط التي لم تصل إليها الانتفاضات، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي في كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة.
الى ذلك، قرّر مجلس جامعة الدول العربية في اجتماع طارئ عقده في 16/10/2011 بناء على دعوة من مجلس التعاون الخليجي، تأليف لجنة وزارية عربية برئاسة قطر التي تتولى الرئاسة الدورية للمجلس، من أجل الاتصال بالقيادة السورية لوقف كل أعمال العنف والاقتتال وإجراء الإتصالات اللازمة مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة، لعقد مؤتمر لحوار وطني شامل في مقر الجامعة بالقاهرة وفي رعايتها خلال 15 يومًا لتحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري والتغيير المنشود.
أردنيًا، بعدما وصلت الاحتجاجات الشعبية على الحكومة، والأجهزة الأمنية، وتباطؤ الإصلاح، والتلكّؤ في مكافحة الفساد وضعف أداء البرلمان الى حدود غير مسبوقة، إذ وجه اللوم في بعض المناطق والمناسبات الى رأس النظام، وحذر من مغبّة عدم تسلّم زمام المبادرة...دعت أغلبية نيابية قوامها 69 نائبًا، إلى رحيل حكومة د."معروف البخيت"، لـ "عدم قدرتها على إدارة الاستحقاقات والملفات الوطنية"، مطالبين الملك "عبد الله" الثاني إعفاء الحكومة من مهامها، لعدم مقدرتها على متابعة المسيرة الإصلاحية والإدارية والسياسية والاقتصادية في البلاد، وقد كان لهم ما أرادوا.
فبجرّة قلم استعاد العاهل الاردني زمام المبادرة ليؤكّد أنه اللاعب الأول في السياسة الأردنية، وليخفف احتقان الشارع الذي بلغ ذروته في الأيام الاخيرة باستقدام شخصيتين لهما مكانة وقبول في مختلف أوساط الشارع. فقد أقال الملك في 17/10/2011 رئيس الحكومة "معروف البخيت" الذي صار أمر إطاحته مطلبًا نيابيًا وشعبيًا وحزبيًا ونقابيًا، ومدير المخابرات العامة الفريق "محمد الرقاد" الذي تزايدت الانتقادات لتدخل الجهاز الذي يرأسه. وهو استبدل البخيت بالقاضي الدولي الدكتور "عون الخصاونة" (61 سنة) رئيسًا مكلفًا للحكومة، و"الرقاد" باللواء المتقاعد "فيصل الشوبكي" للمخابرات، وهما شخصيتان تلقيان احترامًا وتقديرًا في مختلف الأوساط، الأمر الذي اعتُبر خيارًا موفقًا في رأي المراقبين والقوى السياسية .
إنجاز جديد على خط القضية الفلسطينة كان يسجّل في الثامن عشر من تشرين الأول، مع إطلاق إسرائيل 477 أسيرًا فلسطينياً دفعة أولى من 1027 في مقابل أسيرها "جلعاد شاليت" المحتجز لدى "حماس". وقد كشفت صفقة تبادل الأسرى وحدة مشاعر الفلسطينيين فرحًا بإطلاق بناتهم وابنائهم، وحسرة لبقاء أكثر من خمسة ألاف منهم وراء قضبان السجون الإسرائيلية. فبعدما فرّقتهم السياسة والانقسام، جمعت مئات الألوف منهم في احتفالين في مقر الرئاسة الفلسطينية بـ"رام الله" وساحة الكتيبة بمدينة "غزة"، ضمّا أكبر تجمّعَين على فاعلية واحدة تمّ إحياؤها بالعبارات ذاتها، والرايات ذاتها، والمشاهد ذاتها، التي حُمل خلالها الأسرى المحرّرون على أكتاف زملائهم وإخوانهم وأبنائهم، في حضور الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ومن حوله قياديون من "حماس"، تبادلوا كلمات التأكيد لوحدتهم ووحدة مصيرهم، وتأييدهم صفقة التبادل، ووعدهم أبناء شعبهم بالعمل على تحرير من لا يزالون وراء القضبان، ودفع عملية المصالحة في ما بينهم.
لبنانيًا، سُجّل في ذلك اليوم توغّل سوري جديد في الأراضي اللبنانية، تمثل في دخول القوة الرابعة في الجيش السوري بلدة "الدوار" التي تقع على الحدود بين البلدين في محلة "دورة الغزال-مشاريع القاع"، حيث يقع نصف البلدة في الأراضي السورية والنصف الآخر في الأراضي اللبنانية، فقتلت مواطنَين سوريَين في الجزء اللبناني من البلدة، واعتقلت آخرين واقتادتهم الى داخل الأراضي السورية.
الحكومة اللبنانية لا تزال تعتصم بحمل الصمت، عاجزة عن التنديد بالخروقات "الأسدية" للسيادة اللبنانية، أو الطلب من الجيش اللبناني التصدي لأي توغل سوري داخل الأراضي اللبنانية.
فمنذ الإعلان عن تشكيلها، انهالت الأوصاف والتسميات التي نعتت بها تلك الحكومة سيِّئة الذكر، وكنتُ ممن اختاروا لها تسميات عدة كـ"حكومة ربع الساعة الأخير"، و"حكومة رعاية الإرهاب"، لكن آخر ما كنا نتوقعه أن تستحق يومًا ما وبجدارة تسمية "حكومة سفاح القربى"!
نعم، لقد تجاوزت "حكومة ربع الساعة الأخير" جميع الخطوط الحمر في "شذوذها"، ولم تنتظر طويلا للكشف عن أمراضها النفسية الخطيرة، التي تتمحور بمجملها حول النزعة "الساديّة" التي نتج عنها رعايتها أبشع أنواع وممارسات "العنف الأسري"، وصولاً إلى بلوغها أقذر أشكال الشذوذ المتمثل بـ"سفاح القربى".
لقد اتخذ "سفاح القربى" أوضح مظاهره، مع توغّل الجيش السوري المتكرر داخل الأراضي اللبنانية، وما رافقه من قتل ونهب وتخريب وتدمير، وسط موافقة ضمنية من الحكومة اللبنانية التي انعدم مستوى الحياء لديها الى درجة تقليل رئيس الحكومة "نجيب ميقاتي" من خطورة انتهاك السيادة اللبنانية قائلا في 6/10/2011: "ان مثل هذه الحوادث، أي دخول دبابة مسافة كيلومترين داخل الأراضي اللبنانية في منطقة الحدود فيها متداخلة ثم خروجها ليس بالأمر الجديد. إنها حوادث تحصل باستمرار"!!
وما أروع وأدق توصيف النائب الواعد الشيخ "سامي الجميّل" للوضع الراهن، حيث قال في 18/10/2011: "إذا أردنا أن نجري مقارنة بين ما تفعله سوريا وما يفعله الجيش الإسرائيلي في لبنان، نقول: إن الجيش الإسرائيلي عدو ينتهك لنا سيادتنا، وينتهك لنا أرضنا، فنأخذ موقفًا منه على هذا الأساس، أما ما يفعله الجيش السوري فبماذا سنصفه؟ أنا صنّفته بالـ"inceste" [سفاح القربى]، لأنه جيش شقيق يتعاطى بهذا الشكل مع شقيقه".
وبالعودة الى الحراك الشعبي العربي، تظاهر أكثر من عشرة آلاف شخص بينهم نواب وناشطون في 19/10/2011 في الكويت، مطالبين الأمير بإقالة رئيس الوزراء ابن أخيه الشيخ "ناصر محمد الأحمد الصباح"، المتهم بأنه المسؤول عن فساد عام في البلاد وتدهور الخدمات. وخلال هذه التظاهرة التي كانت الأضخم حتى الآن ضد الحكومة، صفّق المتظاهرون وأشادوا بصوت واحد بالخطباء الذي انتفضوا الواحد تلو الآخر على سلوك رئيس الوزراء.
المفاجأة في العشرين من تشرين الأول كانت ليبية. فبعد شهرين من سقوط "طرابلس" بأيدي "الثوار"، وثمانية أشهر من انطلاق الانتفاضة الليبية، و42 سنة من حكم ليبيا بقبضة من حديد، سقط الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي" قتيلاً، في "سرت"، المعقل الأخير لنظامه. انتهى الرجل جثة مضرّجة بالدماء تُجَرُّ على الأرض. بداية قيل إنه اعتقل، وإنه مصاب في يديه أو رجليه وبطنه، قبل أن يؤكد "المجلس الوطني الانتقالي" مقتله الذي تمّ على أيدي من اعتقلوه. وبوفاته ونجله "المعتصم" التي تزامنت مع سقوط "سرت"، يُكتب الفصل الأخير من فصول حكمه، ويكون هو الزعيم الأول الذي يقضي في "الربيع العربي"، بعد تنحي الرئيسين التونسي "زين العابدين بن علي"، والمصري "حسني مبارك".
ويُعتقد أن القذافي كان متحصنًا مع قلّة من أنصاره المسلّحين في أبنية متجاورة في "سرت". وحين اشتد القتال، خرجوا في موكب من نحو 80 سيارة استهدفته طائرات فرنسية فأوقفت تقدمه. ثم وصل ثوار إلى المكان، فطوّقوا الموكب وتبادلوا النار مع مسلحين في سيارات عدة. ووجدوا القذافي في حفرة مصابًا بطلق ناري، فأخذوه إلى سيارة إسعاف. ويبدو أن الرغبة في علاجه لم تكن جدية، فما لبث أن ظهر مقتولاً.
"سقط الديكتاتور"... للمرة الثالثة على التوالي نسمع هذه العبارة تخرج من أفواه أشقاء عرب فرحين بخروجهم من نير حاكم ظالم أذاقهم الويلات على مدى عقود من الزمن. مات "القذافي" قتلا بين أيدي مقاتلي "المجلس الانتقالي الوطني"، الحاكم في ليبيا، الذي كان أول شرعية تعترف بـ"الملجس الوطني السوري" ممثلاً شرعيًا لسوريا، وكأنه كان يحدّد بوصلة "سقوط الديكتاتور" التالي.
الولايات المتحدة وجدت في مقتل القذافي محفِّزًا لتصعيد لهجتها ضد الرئيس السوري "بشار الأسد"، فاعتبر رئيسها "باراك أوباما" أن "حكم القبضة الحديدية ينتهي حتمًا"، في تلميح إلى نظام "الأسد" أكّده المتحدّث باسم البيت الأبيض "جاي كارني" بقوله إن "الرئيس يعتقد أن الزعيم السوري فقد شرعيته للحكم".
و بدوره، اعتبر الرئيس "سعد الحريري" أن "نهاية معمر القذافي هي النهاية المحتّمة لكل الطغاة الذين يواجهون إرادة الحرية والديموقراطية عند شعوبهم بالقتل والقمع والدم(...)، فإن هذا المصير يشكّل أيضًا درسًا قاطعًا للأنظمة التي اتخذت من الاستبداد وسيلة للتحكم في شعوبها". وأضاف: "إن أي مواطن عربي لا يستطيع وهو يراقب مجريات الأحداث في ليبيا الشقيقة إلا أن يتطلع الى الحركة الشعبية الثورية التي تشهدها الساحة السورية تحديدًا. فالشعب السوري شأنه شأن أي شعب عربي آخر يستحق الفوز بجائزة الحرية والديموقراطية بعد ذلك المسلسل الطويل من القمع الذي استبد به عشرات السنين". وإذ تمنى "للشعب السوري الشقيق الانتصار على آلة القمع التي تستهدف أبناءه"، أشاد بـ"التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الليبي طوال الأشهر الماضية لتخليص ليبيا من تسلط نظام القذافي على الليبيين مدى العقود الأربعة الماضية، هذه التضحيات تكلّلت أخيرًا بانتصار الحق على الباطل، وإرادة الشعب على الطغاة".
وتحسُّبًا منه لسقوط نظام "الأسد"، توجّه وفد من "حزب ولاية الفقيه" الى روسيا بأوامر إيرانية، حيث بحث في "موسكو" عن حماية دولية ومنفذ عسكري، ما أظهر أن قيادة الحزب درست في الأشهر الأخيرة الوضع الاستراتيجي للحزب في ظل تراجع الدور الإقليمي لراعيَيْه، دمشق وطهران، الأولى بسبب الثورة السورية، والثانية بسبب ضعفها الداخلي، نتيجة نزاعات الأجنحة داخل النظام الإيراني.
وفي قراءة القيادة للمستقبل برزت علامات استفهام كثيرة عن المصير إذا ما سقط النظام السوري، وإذا ما عجزت إيران عن معالجة مشكلتها الداخلية، وفك عزلتها الخارجية. وبناء على ذلك، قررت القيادة العليا للحزب سلسلة من الخطوات اللبنانية والإقليمية لمواجهة الاحتمالات السوداء للمستقبل، ومنها على سبيل المثال قرارات تتعلق بالوضع الحكومي اللبناني بالحفاظ على الحكومة مهمها كان الثمن، والوضع العسكري داخليًا بعدم الوصول الى أي نزاع يُستعمل فيه السلاح في الداخل، وعلى "الجبهة" مع إسرائيل بالمحافظة على هدوئها وأمنها لعدم الوقوع في خطأ انتحار النظام "الأسدي" في الخامس من حزيران الماضي.
غير أن قوى 14 آذار ظلّت مصمّمة على التصدي للمشروع الانقلابي بكل الوسائل السلمية والديموقراطية المتاحة لديها. وفي هذا الإطار، كانت أمام اختبار خطير في 21/10/2011، حيث وقفت بلدة "ترشيش" موحّدة في موقفها الرافض لتمرير شبكة هاتف سلكيّة خاصة بـ"حزب ولاية الفقيه"، بعدما حضر أفراد من الحزب الى موقع أشغال تمديد شبكة الألياف البصرية لوزارة الاتصالات في البلدة، وأحضروا معهم أنابيب كابلات الاتصالات، مستغلّين عدم ردم العمال للحفريات، لتمرير خطوط الشبكة الأرضية للحزب التي سبق الأهالي والبلدية أن أوقفوها منذ شهر ونصف الشهر، إلا أن شرطة بلدية "ترشيش" تنبهت لهم ومنعتهم، ثم أحاط بهم أهالي البلدة. وحضرت دورية لقوى الأمن الداخلي الى المكان. وعلى أثر ذلك، تمّ توجيه تهديد مباشر لعناصر البلدية بالقتل والتصفية، ولكل من يقف في وجه تكملة هذا المشروع.
وكان لافتًا في هذا اليوم، موقف جديد للبطريرك الماروني "مار بشارة بطرس الراعي" بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون في "نيويورك". ففيما حض "الراعي" "بان" على "تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومنها المتعلّق بانسحاب اسرائيل مما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلّة وعودة الفلسطينيين الى أرضهم"، تطرّق الى تبريرات "حزب ولاية الفقيه" لحمله السلاح. وأضاف: "أما أن يسلّم (حزب الله) اليوم سلاحه، فسيكون ذلك عيدًا كبيرًا للجميع. الموضوع ليس في يدي".
الى ذلك، أعاد الإعلان عن وفاة الرئيس السابق للمحكمة الخاصة بلبنان "أنطونيو كاسيزي"، كما في حياته، بعضًا من صدقية للمحكمة، إذ شكّل جوابًا عن كل التشكيك الذي أحاط باستقالته منذ أقل من أسبوعين، والذي أصرّ مطلقوه على أنه لخلافات بين أهل المحكمة التي تأكل رجالها. وموت آخر أحدث حزنًا وفراغًا كبيرَين في المملكة العربية السعودية والدول الصديقة، تجلّى بوفاة ولي العهد السعودي الأمير "سلطان بن عبد العزيز".
إقليميًا، وفيما يستعد الليبيون لطي صفحة "القذافي" بإعلانهم إنجاز التحرير" في 22تشرين الأول 2011 ، والتونسيون للانتخابات العامّة، لفت كلام للرئيس الإيراني دان فيه المجازر والقتل في سوريا، معتبرًا أن ليس لأحد الحق في قتل الناس، فيما يسعى النظام إلى ضرب المعارضة لخلق واقع جديد يواجه به وفد الجامعة العربية الذي يزور دمشق بعد يومين.
يمنيًا، طالب مجلس الأمن، في قرار هو الأول من نوعه عن الوضع في اليمن، الرئيس علي عبد الله صالح بـ"أن يوقّع فورًا" المبادرة الخليجية، بغية تأمين "انتقال سياسي سلمي للسلطة من دون مزيد من الإبطاء". ودعا في قراره الصادر في 21تشرين الأول2011، الى محاسبة كل المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف وانتهاكات حقوق الانسان منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في هذا البلد مطلع السنة الجارية.
لبنانيًا، اقتصر المشهد السياسي الداخلي في 23/10/2011، على انعقاد "لقاء سيدة الجبل الثامن" الذي أصدر وثيقته وتوصياته حول "دور المسيحيين في "ربيع العرب"، بمشاركة نحو 500 مدعو. وتميّزت الوثيقة التي تلاها النائب السابق "سمير فرنجيه" بتبنّيها الكامل لـ"ربيع العرب"، وتلازمه مع "الربيع اللبناني" من منطلق عرض لثلاثة عناوين "ما نريد التذكير به" و"ما نرفضه" و"ما نريده". وإذ ذكرت "بدور الكنيسة في إطلاق ربيع لبنان الذي شكّل الإشارة الأولى لربيع العرب"، رفضت "وضع المسيحيين في مواجهة ربيع العرب الذي يرتكز على قيمتي الحرية والعدالة"، كما رفضت "ربط مصير المسيحيين بمصير أنظمة القمع والاستبداد (...)، فلا نقبل أن نكون مع الجلادين ضد الضحايا"، وشدّدت أيضا على رفض"كل المشاريع الهادفة الى ضرب الحضور المسيحي الأصيل في هذا الشرق، وتحويل المسيحيين الى مجرد أقليّة تبحث عن حماية لها". ونادت الوثيقة "بإطلاق دينامية مدنية في الوسط المسيحي قادرة على التواصل مع ديناميات مدنية اخرى شبيهة لها في الطوائف الاخرى من أجل إعادة الحياة الى ربيع لبنان". وأوصت بتنظيم لقاءات حوارية في كل المناطق و"المساهمة في تنظيم لقاء وطني حول دور لبنان في الربيع العربي".
وليس بعيدًا عن هذه الأجواء، شكّك "حكيم ثورة الأرز" في احتمال قيام النظام السوري بفتح جبهة مع إسرائيل، معتبرًا "أن إشعال المنطقة كلها لم يعد مسموحًا به، لأن الرد سيكون قاسيًا وسيسقط النظام بوتيرة أسرع". كما شكّك بإشعال المنطقة عن طريق "حزب ولاية الفقيه" قائلاً: “إن الحزب ليس بندقية بيد السوريين، كما أن الإيرانيين يحتفظون به للمواجهة النهائية، وهذه ليست مواجهتهم النهائية"، لافتًا "الى أن طهران تدافع بحدود معينة عن الأسد لكن لا تنتحر".
في الثالث والعشرين من تشرين الأول، أدلى التونسيون بأصواتهم لاختيار مجلس تأسيسي سيعمل على صوغ دستور جديد وتأليف حكومة موقتة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتوقع إجراؤها السنة المقبلة، وسط توقعات ترجّح أنّ "حزب النهضة الإسلامي" الذي كان محظورًا لوقت قريب، هو التنظيم الأوفر حظًا في أول انتخابات من هذا النوع. فقد تدفّق الناخبون التونسيّون بكثافة على مراكز الاقتراع للانتخابات الحرّة الأولى في بلادهم مسجّلين نسبة اقتراع بلغت 90%، وذلك بعد عشرة أشهر من إشعال بائع الخضر "محمد البوعزيزي" النار في نفسه في مبادرة أطلقت شرارة انتفاضات "الربيع العربي". وربما وضعت هذه الانتخابات معيارًا لدول الشرق الأوسط الاخرى التي تشهد انتفاضات.
وقد أتت النتائج الرسمية موافقة للتوقعات، حيث حصل حزب "حركة النهضة الإسلامي" بزعامة "راشد الغنوشي"، على 90 مقعدًا (41,47 في المئة) في المجلس الوطني التأسيسي المؤلف من 217 مقعدًا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد المقاعد التي فاز بها أقرب منافسيه. أما "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" العلماني، فقد حلّ في المركز الثاني بحصوله على 30 مقعدا (13,82 في المئة).
على الصعيد اليمني، قوبلت تصريحات أدلى بها الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" ورحّب فيها بقرار مجلس الأمن الصادر في الشأن اليمني بتشكيك من قوى المعارضة، خصوصًا أنها تزامنت مع تصاعد أعمال العنف في العاصمة التي تحوّلت مسرحًا لحرب شوارع بين الجيش الموالي للرئيس ومناهضيه، وكذلك في محافظة "تعز" التي تعرّض بعض أحيائها لقصف مدفعي وصاروخي كثيف أوقع قتلى وجرحى.
أما في الأردن، فقد ألّف رئيس الوزراء عون الخصاونة في 24/10/2011حكومة تكنوقراط اعتمدت الجغرافيا والتمثيل القبلي أساسًا لها، في مسعى لإرضاء القبائل التي اهتزت علاقتها بالنظام أخيرًا على وقع الحراك الإصلاحي الذي انخرط فيه كثير من أبنائها منذ عشرة أشهر. ولم تخرج الحكومة عن المنهجية النمطية في تأليف الحكومات الأردنية، سوى أنها تجاهلت التشاور مع النقابات المهنية، والحراك الإصلاحي الشعبي في الشارع، وهما أبرز اللاعبين السياسيين. وعلى رغم التقائه عددًا من الأحزاب، إلا أن الخصاونة لم يختر إلا ثلاثة سياسيين، بينهم اثنان من أعضاء "حزب التيار الوطني" القريب من النظام. واعتذرت "الحركة الإسلامية" عن المشاركة في الحكومة، وإن وعدت بدعمها إذا كانت تشكيلتها وبرنامجها مقبولَين وطنيًا ويصبّان في مسيرة الإصلاح.
لبنانيًا، كان السجال حول استحقاق دفع لبنان حصّته من تمويل المحكمة لا يزال مستمرًا، وقد دخل "نصر الله" شخصيًا على السجال في الرابع والعشرين من تشرين الأول، فقال إن "الحكومة تحسمه عندما يحين الوقت المناسب، وموقفنا لا يحتاج الى تحليل فحزب الله لا يوافق وضد تمويل المحكمة(...) ، ولكن لن يقوم بسجال، واذا أراد أحد أن يموّل المحكمة من جيبه "يصطفل"، واذا كان سيمول من خزينة الدولة فالحكومة أو مجلس النواب يتخذان القرار". وأكد "أننا نعمل للوصول الى قرار اجماعي في الحكومة، وإذا لم نصل إليه فقرار التصويت هو عند رئيس الجلسة وحينها يصوّت كل فريق".
في المقابل، شهدت "الرياض" في 26/10/2011، حشدًا سياسيًا لبنانيًا في مناسبة تقديم التعازي بولي العهد السعودي الراحل "الأمير سلطان بن عبد العزيز"، تخلّلتها محطة لـ"جَمعة" سياسية في دارة الرئيس "سعد الحريري" بالرياض، ضمّت عددًا كبيرًا من نواب 14 آذار وشخصياتها من مختلف قواها. وتحدّث "الحريري" طويلاً أمام الوفد وتناول جملة نقاط رئيسية أولاها موضوع إقامته خارج لبنان منذ الربيع الماضي موضحًا أنه "مرتبط بظرف أمني وبظروف أخرى" لم يفصح عنها. ثم تناول موضوع المحكمة الخاصة بلبنان فقال "إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يقتل من أجل ان يرضخ ابنه ويترك العمل السياسي والوطني أو من أجل ان يتخلى عن المحكمة الدولية. فهذا الموضوع مرتبط باستقلال لبنان وحريته وبمسألة العدالة والتضحيات التي قدمت، وهو لا يعني جهة بعينها أو طائفة بعينها، بل يعني جميع اللبنانيين". وأضاف: "لا يعتقدنّ أحد نفسه أنه أكبر من المحكمة والعدالة الدولية. "حزب الله" ليس أقوى من ميلوسوفيتش الذي كان يحكم صربيا".
أما في موضوع الأحداث في المنطقة وخصوصًا في سوريا، فقال "الحريري": "إننا في كل الاحوال مع الثورة السورية فوق السطح، وما يحصل في سوريا من قمع لا يمكن أن نقبل به بأي شكل".
الى ذلك، لفت الانتباه في هذا اليوم، تحدُّث الجيش المؤيد للثورة اليمنية عن تنسيق عسكري بين نظام الرئيس "علي عبدالله صالح" والنظام السوري، غداة مقتل ثمانية طيارين سوريين في تحطّم طائرة نقل قرب قاعدة العند العسكرية في محافظة "لحج" الجنوبية في عملية قال إنها فدائية. وأفاد المكتب الإعلامي للفرقة الأولى المدرّعة التي يقودها القائد العسكري المنشق عن نظام "علي صالح" اللواء "علي محسن الأحمر" أن النظام استقدم 11 طيارًا سوريًا لتنفيذ مهمات قتالية بعد رفض الطيارين اليمنيين المشاركة في عمليات حربية ضد الشعب اليمني والمواقع العسكرية للجيش المؤيّد للثورة، غير أن ثمانية منهم قتلوا في عملية تحطم طائرة نقل روسية الصنع من طراز "انطونوف".
وجاء في بيان للجيش المؤيد للثورة: "فور وصول الطيارين المرتزقة السوريين الى مطار صنعاء مساء، وبعد محاولات يائسة مع عدد من الطيارين اليمنيين الأحرار لنقلهم الى قاعدة العند الجوية لقيادة طائرات ميغ 29، والذين رفضوا نقل هؤلاء، تطوّع الثائر البطل الشهيد الطيار "عبد العزيز الشامي" لنقلهم على طائرة "أنطونوف"، وأسرّ الى زملائه أن هؤلاء المرتزقة لن يصلوا الى العند ولن يتاح لهم الاعتداء على أبناء الشعب... وقبل وصوله الى قاعدة العند أسقط الشهيد البطل الطائرة بمن فيها من الشبيحة، في عملية استشهادية بطولية نجم عنها استشهاد الطيار الحر، وجرح مساعده الى مقتل ثمانية من المرتزقة السوريين وإصابة ثلاثة نقلوا الى المستشفى في حال حرجة".
لبنانيًا، كان أهالي "ترشيش" يحقّقون إنجازًا جديدًا، حيث حضرت في 28/10/2011، قوة من جهاز أمني إلى أعالي ترشيش، وانتشر عناصرها حيث كانت توقفت ورشة تمديد شبكة الاتصالات الحزبية الخاصة فوق شبكة وزارة الإتصالات، والتي أثارت ضجة كبيرة إعلاميًا وسياسيًا. وبعد حديث مع الحرّاس الذين كلّفتهم البلدية بمنع سرقة الأنابيب المتروكة في المكان والإبلاغ عن أي محاولة لمعاودة تمديدها، حضرت الشاحنة المدنية نفسها التي كانت نقلتها إلى ترشيش، وحمّل عمّال الأنابيب وبعض الأغراض الأخرى المتروكة، ثم غادرت المكان.
الى ذلك، نقضت محكمة التمييز العسكرية، الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة في الأول من أيلول الماضي، والذي قضى بحبس العميد المتقاعد "فايز كرم" سنتين وتجريده من الحقوق المدنية، وقرّرت إعادة محاكمته. وكان كرم حوكم بتهمة الاتصال بإسرائيل.
وبالعودة الى "الثورة السورية"، في التحدي الأكبر الذي تواجهه دمشق من أنقرة، حليفتها السابقة، نشرت صحيفة "النيويورك تايمس" في 28/10/2011، أن تركيا تستضيف "جيش سوريا الحر" المجموعة المعارضة المسلحة، وتوفر مأوى لقائدها وعشرات من أفرادها، وتسمح لهم بتنسيق هجمات عبر الحدود من داخل مخيم يحرسه الجيش التركي.
ويأتي هذا الدعم للثوار السوريين في إطار الحملة التركية الأوسع لتقويض النظام السوري، مع توقّع فرض أنقرة عقوبات على سوريا قريبًا، بعد تعزيز دعمها لـ"المجلس الوطني السوري"، المظلة السياسية للمعارضة، الذي أُعلن إنشاؤه في اسطنبول. لكن إيواء قادة "الجيش السوري الحر" الذي يضم منشقّين عن القوات المسلحة السورية يعتبر التحدي الأكبر لدمشق.
أردنيًا، باستثناء عمّان، التي أجّلت اعتصامها الى اليوم التالي لتنفذه أمام الديوان الملكي، عمّت في هذا اليوم المسيرات والاعتصامات مدن المملكة، مطالبة بتنفيذ حقيقي للإصلاح، في أول حراك تشهده حكومة ّعون الخصاونةّ التي تألفت منذ أيام قليلة. وانضمت مدينة الرمثا على الحدود السورية الى الحراك الذي اطلق شعار "لم تفهمونا... عظم الله أجركم"، في إشارة الى رفض الأسلوب الذي تألّفت به الحكومة الجديدة. وشمل الحراك مدن جرش والسلط والكرك والمزار الجنوبي والطفيلة ومعان.
وركّزت المسيرات والاعتصامات على أن الإصلاح الحقيقي "لا يتمثل بتغيير الأسماء في الحكومات، وإنما بتغيير النهج السياسي جذريًا. وطالبت بحكومة إنقاذ وطني حقيقي، وشدّدت على ضرورة إجراء محاسبة حقيقية للفساد والمفسدين، وبـ"حكومة لمحاربة الفساد لا حكومة مكافأة الفساد". ودعا الحراك الشبابي والشعبي الأردني الى وضع جدول زمني للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبالعودة الى أخبار المحكمة الدولية، نقلت مصادر ديبلوماسية في 29/10/2011، أن وزارة الخارجية الروسية زوّدت أخيرًا سفيرها في بيروت "الكسندر زاسبكين" التوجيهات التي بدأ بنقلها الى المسؤولين اللبنانيين وهي: "على لبنان الإيفاء بالتزاماته حيال المحكمة، وإذا لم يفعل فإن موسكو واثقة من أن مجلس الأمن الدولي الذي أَنشأ بقرار منه المحكمة سيتخذ العقوبات بحق لبنان. أما موسكو فعلى موقفها المبدئي ولن تتراجع عنه، وهو أن تقوم المحكمة بمهماتها في أفضل الظروف، وأن يُعاقب المخطِّطون والجناة على عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكذلك سلسلة الاغتيالات التي تلته".

وأوضحت المصادر أن وفد كتلة "الوفاء للمقاومة" الذي زار العاصمة الروسية تبلّغ حرفياً الموقف الروسي من نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل باغدانوف" الذي استقبله مدة 40 دقيقة وليس ساعتين ونصف ساعة كما ذكر في بيروت. وفيما قال الوفد إن "حزب الله" والنائب عون يعارضان تمويل المحكمة، رد "باغدانوف" بالدعوة الى "استقالة الحكومة التي تضم الفريقين لتأتي حكومة جديدة تفي بالتزامات لبنان"، مشدّدًا على أن الرئيس ميقاتي "يجب أن يتخذ خطوة الاستقالة في حال فشلت حكومته في إقرار تمويل المحكمة".
وفي اليوم التالي استأثرت المواقف التي اتخذها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب "وليد جنبلاط" في الجمعية العمومية للحزب التي عقدها في عاليه بالاهتمام السياسي، خصوصًا أن هذه الجمعية أطلقت مسارًا انتقاليًا في البنية الحزبية لإحداث تغيير جذري في مهلة سنة. أما حصيلة للمواقف الداخلية والعربية التي عبر عنها "جنبلاط"، فقد جاءت بمثابة تأكيد لتموضعه الوسطي ولكن مع ميل واضح الى 14 آذار. وقد برز إعلان جنبلاط أنه سيترشح لرئاسة الحزب "للمرة الأخيرة"، منهية الوراثة في حزبه ملاقيًا بذلك "الربيع العربي"، واعتبار مجلس القيادة الجديد الذي انتخب "مجلسًا انتقاليًا" لمهلة سنة.
وفي اتقاد عنيف وصريح للمحور السوري-الإيراني، رأى جنبلاط في معرض تطرّقة للقضية الفلسطينية، أن "نظريات الممانعة السخيفة التي استأثرت بالقرار الفلسطيني كلها سقطت، ولم تكن إلا لتحسين شروط تلك الدول التي سمّت نفسها بالممانعة للتفاوض، وعندما نعود الى التاريخ نرى أن المسرح الرئيسي للتفاوض أحيانًا سلميًا وأحيانًا بالحرب كان لبنان". وفي الموضوع السوري، شدد على "ورقة الجامعة العربية والإجماع عليها".
أما على الصعيد اللبناني، فأكّد أن "تمويل المحكمة مبدأ أساسي وجوهري كمدخل للاستقرار، مع التفهّم الكامل لتحفظات الحزب (حزب الله) عن إمكان تسييس المحكمة، وكنت من أوائل الذين دانوا آنذاك التسييس عندما خرجت بعض أخبار المحكمة عبر الصحافة العالمية "ديرشبيغل" وغيرها". وفي تراجع عن وصفه بعد انقلاب الثاني من آب2009 الفترة التي أمضاها في صفوف 14 آذار بـ"أيام الغربة المقيتة"، لفت قول جنبلاط في معرض تعداده "المحطات المضيئة" في حزبه: "وأيضاً هناك صفحة مضيئة من تاريخنا هي مع 14 آذار في ثورة الاستقلال".
والى موقف "جنبلاط، برز تحذير أطلقه الرئيس السوري "بشار الأسد" في حديث الى "الصنداي تلغراف"، من "زلزال" قد "يحرق المنطقة كلها" ويحوّلها "عشرات من أفغانستان"، في حال حصول تدخل غربي في بلاده، في أقوى موقف له حتى الآن من احتمال تدخل العسكري. ووصف أن ما تشهده سوريا اليوم بأنه "صراع بين الإسلاميين والقوميين العرب العلمانيين"، مضيفًا: "نحن نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي ولانزال نقاتلهم".
وقد جاء هذا التحذير فيما قدّمت اللجنة الوزارية العربية حول الملف السوري في الدوحة ورقة لوقف العنف في سوريا، داعية القيادة السورية الى خطوات ملموسة، لتجنّب "عاصفة كبيرة" في المنطقة.
نهاية تشرين الأول 2011، كانت سعيدة، حيث صارت فلسطين في الحادي والثلاثين من هذا الشهر دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "الأونيسكو"، في خطوة تشكل انتصارًا ديبلوماسيًا رمزيًا وذا دلالات على طريق الاعتراف بها دولة، إلا أنها يمكن أن تكبد المنظمة خمس موازنتها.
وارتفعت صيحات الفرح في مقر "الاونيسكو" بعدما وافقت الدول الأعضاء في الجمعية العمومية للمنظمة على عضوية فلسطين بغالبية 107 دول، في مقابل 14 وامتناع 52 عن التصويت. وعارض القرار كل من الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، بينما أيّدته كل الدول العربية وغالبية الدول الإفريقية والأميركية اللاتينية، وامتنعت إيطاليا وبريطانيا عن التصويت. وكانت المفاجأة الرئيسية للجلسة تصويت فرنسا لصالح القرار.
ليبيًا، أعلن رسميًا عن انتهاء عملية "الحامي الموحد"، التي نفّذها حلف شمال الأطلسي طوال سبعة أشهر، وقال عنها الأمين العام للحلف "انديرس فوغ راسموسن" إنها "من أنجح العمليات في تاريخ الحلف". وخاطب الليبيين في طرابلس قائلا: "تحرّكتم لتغيير تاريخكم ومصيركم، ونجحنا معًا"، وهذا "ساهم في تغيير المنطقة".
في غضون ذلك، ومن أصل تسعة مرشحين قدّم كل منهم برنامجه وأفكاره، احتكم "المجلس الوطني الانتقالي" الليبي إلى الاقتراع لاختيار رئيس للحكومة الانتقالية. وأُعلن مساء أن الفائز هو "عبدالرحيم الكيب"، مهندس الكتروني ورجل أعمال من طرابلس، وبذلك تبدأ أولى خطوات المرحلة الانتقالية التي تلي حكم الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي". وسيؤلف حكومته بعد أيام.


  

 

 

تشرين الثاني 2011.. القتلة يموّلون محاكمتهم

بداية شهر تشرين الثاني2011 كانت دموية بشعة، مع شروع النظام "الأسدي" في شن حملة عسكرية غير مسبوقة لإخماد انتفاضة أهل حمص.
بداية الحملة الدموية على حمص، كانت عشية الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، المخصّص للبحث في الوضع السوري في ضوء الاحتجاجات المستمرة منذ سبعة أشهر ضد نظام الرئيس "بشار الأسد". وقد أعلنت دمشق التوصّل الى اتفاق مع جامعة الدول العربية على مبادرتها لإنهاء العنف في البلاد. بيد أن الجامعة قالت إنها لا تزال تنتظر الرد السوري الرسمي وأنها تتوقّع أن تحصل عليه في اجتماع مجلس الجامعة في الثاني من هذا الشهر.
وسارعت واشنطن الى التعبير عن تأييدها لأي مبادرة تؤدّي الى وقف العنف، مع عدم تخلّيها عن مطالبة الأسد بالتنحي. لكن هذا لم يكن موقف إيران التي أعلنت صراحة للمرة الأولى تأييدها الحل العربي للأزمة مع بقاء "الأسد" في منصبه. وكرّرت موسكو رفضها تكرار "المأساة" الليبية في سوريا، ودعت النظام السوري الى الموافقة على المبادرة العربية.
أما رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان"، فقال إن بلاده لا يمكنها أن تبقى مكتوفة حيال ما يجري في سوريا، وأنها ستتخذ خطوات ضد دمشق. وأضاف: "إن قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعاً، ولكن هناك ويا للأسف سلطة تقتل مئات أعتبرهم من الشهداء". ورأى أن الأسد يتعامل مع المعارضين بأسلوب ورثه عن والده الرئيس حافظ الأسد قائلاً: "تظهر البنية المميّزة التي ترجع الى أيام الأب في سوريا، فتستخدم القسوة ضد الناس في حماه وحمص ودرعا". وأضاف: "لا يمكننا التزام الصمت في وجه هذه العملية. إننا ملتزمون اتخاذ الموقف الضروري وسنفعل ذلك"، معربًا عن "اعتقاده أن الشعب السوري سيحصل على مردود مقاومته المجيدة".
وفي إطار إجراءات إصلاحية عمدت إليها عدة دول خليجية، من بينها مملكة البحرين وسلطنة عُمان، بعد أن امتدت إلى عواصمها احتجاجات التغيير التي تتردّد أصداؤها في كثير من العواصم العربية، في انعكاس لأجواء "الربيع العربي" على دولة قطر، بعد تظاهرات متفرّقة أحيطت بالتعتيم الإعلامي، أعلن أمير قطر الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" إجراء انتخابات أولى لمجلس الشورى في تاريخ بلاده في النصف الثاني من 2013. وقطر والسعودية هما البلدان الخليجيان الوحيدان اللذان لم ينظّما انتخابات كاملة أو جزئية.
في غضون ذلك، كانت الحملة على حمص تزداد عنفًا وحصدًا لأرواح الأحرار من الشعب السوري. وفي تطوّر ميداني هو الأسوأ منذ تفجّر حركة الاحتجاجات المطالبة بإطاحة الرئيس السوري "بشار الأسد" قبل سبعة أشهر، حصلت في الثاني من تشرين الثاني أعمال قتل طائفي بين السنّة والعلويين في منطقة حمص التي لا تزال تعتبر من أقوى معاقل المعارضة، ما أسفر عن مقتل 34 شخصًا في سوريا بينهم على الأقل 20 في حوادث قتل طائفية بريف حمص بين السنّة والعلويين، فضلاً عن مقتل 15 جنديًا في هجومين لجنود منشقين في ريف حماه.
وقد تزامن هذا التطور، مع تحقيق النظام "نصف مفاجأة"، عندما أبلغ مندوبه الدائم لدى جامعة الدول العربية وزراء الخارجية العرب في مستهل اجتماعهم الطارئ الموافقة "من دون تحفظ" على خطة تمهيدية من أربعة بنود كانت سلّمتها لجنة وزارية عربية الى وزير الخارجية السوري "وليد المعلم"، تفتح الطريق أمام تنفيذ باقي بنود المبادرة التي أقرّها مجلس الجامعة في الأسبوع الأول من أيلول الماضي لحل الأزمة السورية المتفاقمة والمستمرة منذ سبعة أشهر.
وبعد اجتماع مغلق استغرق ساعتين، صرح رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للمجلس الوزاري للجامعة واللجنة الوزارية المكلّفة متابعة ملف الازمة بأن "الحكومة السورية وافقت" على الخطة العربية لوقف العنف. وعدّد القرار بنود الخطة العربية لإنهاء الأزمة التي وزّعها على مرحلتَين، الأولى منها تتضمّن الإجراءات التي يتعيّن على السلطات السورية تنفيذها فورًا وهي:

-1 وقف كل أنواع العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين.
-2 الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة.
-3 اخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلّحة.
-4 فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث.
أما المرحلة الثانية للخطة، بموجب القرار، فتقضي بأنه "مع إحراز تقدُّم ملموس في تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها بتنفيذ (البنود السابقة) تباشر اللجنة الوزارية العربية القيام بالاتصالات والمشاورات اللازمة مع الحكومة ومختلف أطراف المعارضة السورية من أجل الاعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني خلال فترة اسبوعين من تاريخه".
وفيما لقيت خطة الجامعة ترحيبًا من المعارضة السورية في الداخل، بدت معارضة الخارج التي يمثّلها أساسًا "المجلس الوطني السوري" في موقف المتشكّك، إذ دعت الى تعليق عضوية سوريا في الجامعة. أما واشنطن، فجددت مطالبتها بتنحي الرئيس "بشار الأسد" عن السلطة.
بيد أن النظام السوري، تابع حملته الشرسة على حمص في اليوم التالي لإعلانه الموافقة على "الخطة العربية"، فأوقعت أعمال القمع في سوريا نحو 20 قتيلا ، ما أثار شكوك المعارضين.
الى ذلك، كشف الثالث من تشرين الثاني معطيات جديدة حول مشاركة "حزب ولاية الفقيه" في قمع الانتفاضة السورية، لكن هذه المرّة مستخدمًا على ما يبدو شاحنات الجيش اللبناني! فقد بث أحد المواقع الإلكترونية صورة قال إنها لشاحنة للجيش اللبناني التقطها معارضون سوريون في "حي الشاغور" في دمشق، تقوم بمهمة مساعدة النظام في حربه على معارضيه، يسألون فيها عن سبب وجود شاحنات تابعة لفوج النقل العسكري اللبناني في سوريا، وعن المهام التي يقوم بها، خاصة وأن شاحنات الفوج شوهدت أكثر من مرة داخل سوريا في الإسبوعَين المنصرمَين. إلا أن الجيش اللبناني سارع الى الرد، معتبرًا أن الاستنتاج بوجود دور له بالأحداث الجارية في سوريا هو من نسج خيال البعض. وأوضح أن دخول الشاحنات العسكرية التابعة لها إلى الأراضي السورية هو أمر طبيعي يحصل بين الحين والآخر، وذلك بهدف تأمين قطع غيار للآليات العسكرية وأعتدة لوجيستية أخرى لصالح الجيش، وفقاً لاتفاقيات التعاون والتنسيق بين البلدين.
وفي متابعة للشأن اللبناني، كان الرئيس "ميقاتي يطلق "نكة الموسم"، معتبرًا أن "نصر الله لم يقل لا لتمويل المحكمة"، لأنه "عندما يقال إذا أردتم التمويل من جيبكم الخاص، ألا يعني ذلك القبول بمبدأ التمويل؟". وأفاد أن "موقفه الثابت هو وجوب التعاون مع القرارات الدولية تعاونًا كاملاً"، معلنًا أنه اذا لم ينجح في تأمين تمويل المحكمة "سأتخذ الموقف المناسب في حينه".
في المقابل، شنّت أوساط قوى 14 آذار حملة عنيفة على "ميقاتي"، معتبرة أن "قيمة الحكومة الميقاتية، الوحيدة، تكمن في أنها تظهر الخداع بأعلى درجات الرصانة المزيفة، فالرئيس نجيب ميقاتي يخدع اللبنانيين حين ينتحل صفة بطل حماية تمويل المحكمة الدولية، ناسيًا أو متناسيًا أن أمر التمويل ليس منّة من أحد، بل واجب وطني لبناني". أما مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير "جيفري فيلتمان" فحذّر من أنه "إذا أخفق لبنان في دفع حصته من تمويل المحكمة، عندها علينا أن نتخذ بعض القرارات القاسية" .
سوريًا، عشية عيد الأضحى، استمرت عمليات قمع المحتجين بنيران الدبابات ولا سيّما في مدينة حمص المحاصرة، ليرتفع الى 82 عدد المدنيين الذين سقطوا في حمص منذ بداية الشهر بأيدي القوات السورية.
في حمص، مبان بأكملها احترقت بنيران الدبابات. الخبز نفد والأشخاص الذين يصابون في الشوارع يموتون تأثّرًا بجروحهم في المكان، لأنه لا يمكن أحدًا أن يصل إليهم. الوضع الإنساني في (حي) بابا عمرو (في حمص) صار مروّعًا. حصار كامل، وتناقص في إمدادات الطعام والأدوية. في حمص التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة.
الحياة اليومية معطّلة تمامًا في مدينة "حمص". تستحيل سيطرة الأمن والجيش على الحارات والأحياء وأزقتها. بعض الأهالي الميسورين غادروا الى دمشق وبيروت والقاهرة. منظمات دولية غير حكومية استطاعت تجهيز حوالى 15 مستشفى ميدانيًا في الحارات. أثناء اقتحام الجيش "بابا عمرو" حطّم رجال الأمن المستشفى الميداني، واعتقلوا حوالى 50 جريحًا وأربعة أطباء.
المستشفيات موجودة في المساجد الداخلية، أو في بعض البيوت التي حُطِّمت جدرانها وأُزيلَت لتتسع لتجهيزات المستشفى. أعداد فرق الأمن والجيش هائلة جدًا.
ما حصل في "بابا عمرو" لا يوصف. التحرّك والتنقل في الحي مستحيل تقريبًا. مداهمات للبيوت واعتقالات. يدخلون الى البيوت ويقودون المعتقلين الى الشاحنات التي تنقل أثاثات البيوت التي يسرقونها. عبثًا يحاول بعض الأهالي إدخال الإسعافات والخبز الى "بابا عمرو"، ولا يستطيعون، إلا بصعوبة.
الكهرباء مقطوعة. لا أحد يخرج من المنازل إلا نادرًا. القنّاصون منتشرون على السطوح. الكل ينتظر خائفًا من الدهم وإصابته برصاص القنص. الشاحنات لا تتسع لأعداد المعتقلين. يحتجزونهم في المساجد، ويعذبونهم، وينقلونهم تباعًا بالشاحنات، ولا من يدري الى أين.
الخدمات معطّلة، لا حليب للأطفال. الساعة الرابعة تتحوّل حمص مدينة أشباح. المدارس معطلة إلا الخاصة منها في الأحياء الجديدة على تخوم حمص القديمة. بعض الثوّار أخذوا بتنشيط دورات على الإسعافات الأوليّة استعدادًا لحرب. هم يعيشون بدايات حرب فعلية، لا بل باتوا في صميم المعركة.
الجرحى يتطبّبون في المستشفيات الميدانية التي يريد شبيحة النظام اعتقال طواقمها وتخريبها. بعض الجرحى ينزفون حتى الموت في الشوارع. الحواجز الأمنية تخطف الجرحى ومن يُسعفهم. التنقّل بين الأحياء صار مغامرة والليل مخيف. الناس يلتفون بالبطانيات في البيوت، فلا غاز ولا مازوت متوافرًا في المدينة، إلا نادرًا. من يحصل على ربطة خبز يحسب أنه ربح جائزة كبرى.
شبّان الأحياء يتداورون على التظاهر في الساحات الداخلية. الإدارات العامة معطّلة. عمّال المصانع نادرًا ما يذهبون الى أعمالهم، ولا يقبضون مرتباتهم المالية. معظم الشبان عاطلون عن العمل، بسبب تهديدهم بالاعتقال. كثيرة هي المتاجر التي نُهبت وأُحرقت. أجهزة الأمن أعادت تجنيد رجالها المسنين والمتقاعدين، وهؤلاء شديدو البأس والقسوة، وقد شاركوا في مذابح الثمانينات، عندما كانوا شبانًا.
وسط تلك الحرب المفتوحة، صرّح العقيد "رياض الأسعد" بأن "الجيش السوري الحر" الذي يقوده سيكون الجناح العسكري للمعارضة السورية، وينسّق عملياته من تركيا لتحدي نظام "الرئيس الأسد". وقال في مقابلة مع صحيفة "الدايلي تلغراف": "سنكون جيش المستقبل لسوريا الجديدة، ونحن لا ننتمي إلى أي طائفة أو دين و حزب سياسي، ونعمل على حماية جميع عناصر المجتمع السوري". وأضاف أن جيشه "يضم عناصر انشقوا عن جيش النظام السوري، ويجري مقاتلوه عمليات نوعية عالية ضد جنود الحكومة ورجال الأمن". وناشد المجتمع الدولي "فرض منطقة حظر جوي أو منطقة حظر بحري في سوريا (...)، نحن لا نملك القدرة على شراء الأسلحة، لكنّنا في حاجة إلى حماية المدنيين، ونريد إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا وإقامة منطقة عازلة يمكن أن يديرها الجيش السوري الحر".
من جهته، كان الرئيس "سعد الحريري" في معرض تهنئته بعيد الأضحى المبارك، يشدِّد على أهمية "التضامن مع الشعوب العربية التي تنادي بالحرية، ولا سيما مع الشعب السوري الشقيق الذي يواجه آلة القمع العسكرية بكل بسالة، ويسعى للانتقال إلى نظام ديموقراطي حر". ونبّه الى "محاولات الالتفاف على مضمون المبادرة العربية بوسائل وأساليب ملتوية، تتعارض كليًا مع نصوص هذه المبادرة لوقف مسلسل العنف وقتل المتظاهرين والتملّص من موجبات إطلاق المعتقلين السياسيين تحت ذرائع وحجج واهية لن تنطلي على الشعب السوري".
أما النائب السابق للرئيس السوري "عبد الحليم خدام" فرأى في الخامس من تشرين الثاني، أن مصير لبنان مرتبط بمصير سوريا "فاذا سقط النظام في سوريا تحرر لبنان". وأضاف: "لبنان اليوم محتل، انه محتل من ايران. واذا استمر هذا النظام في سوريا سيبقى الاحتلال يمسك اللبنانيين من رقابهم". واعتبر أن "لا دولة في لبنان اليوم والسلطة هي لحزب الله، وتاليًا لا يمكن التكلّم عن الدولة اللبنانية وما هي الدولة اللبنانية؟ رئيس الجمهورية تحت مظلّة حزب الله، وقائد الجيش ورئيس الوزراء وكل المؤسسات تحت هذه المظلة". وكرّر أن "لبنان محتل اليوم ولا يستطيع التحرر إلا إذا تحررت سوريا، وهنا الرباط والتوأمة بين البلدين".
لم يأبه النظام السوري لعيد الأضحى المبارك، فأمعن في قتل المدنيين وقمعهم واعتقالهم ضاربًا بعرض الحائط الخطة العربية لوقف حمام الدم، الأمر الذي استدعى دعوة قطرية لعقد اجتماع طارئ السبت المقبل للبحث في عدم التزام سوريا تنفيذ المبادرة العربية لإنهاء أعمال العنف، بعدما اتهمت الجامعة العربية النظام بعدم تنفيذ خطتها، فيما حصدت آلة القتل مزيدًا من القتلى الذين سقطوا خلال تظاهرات ضخمة عمت العديد من المدن السورية.
ووسط عمليات القتل والدم، قال "الأسد" في كلمة أمام حشود شعبية كانت في استقباله أمام مبنى محافظة الرقّة، في السادس من تشرين الثاني، إن وقوف الشعب السوري ضد الفتنة والإرهاب والتدخل الخارجي هو أساس صمود بلاده في وجه ما يُحاك ضدّها، مشدّدًا على أن لا خيار أمامنا سوى أن ننتصر في أي معركة "تستهدف سيادتنا وقرارنا الوطني". ويُذكر أن أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص -بحسب تقديرات الأمم المتحدة- بينهم ما لا يقل عن 187 طفلا، لقوا حتفهم في سوريا منذ بدء الاحتجاجات منتصف آذار الماضي.
تميّز شهر تشرين الأول لبنانيًا، بتواصل الرئيس "سعد الحريري" مع مؤيديه عبر صفحته على موقع "تويتر"، وبرز إعلانه في 6/11/2011، أنه في حال فوز فريقه السياسي في الانتخابات النيابية المقبلة، فهو لن يصوّت لرئيس مجلس النواب نبيه بري رئيسًا للمجلس النيابي، مؤكدًا أن هذا وعد، مضيفًا، أنه سيعود الى لبنان في الأحوال كافة وحين يقرّر هو ذلك. وتعليقًا على ما يشاع عن خطف معارضين سوريّين في لبنان، اعتبر الحريري أن هذا أكبر "ضرب غباء قد يقوم به أي فريق أو أي حزب، وسيدفعون الثمن أيًّا كانوا، وسنحاسبهم من خلال المجلس النيابي". وردًا على سؤال "هل تندم على خيارات اتخذتها منذ العام 2005"، أجاب:" نعم كثيرًا، كان يجب أن نكمل طريقنا حتى القصر الجمهوري".
الى ذلك، وردت معلومات غير مستبعدة أو مستغربة في 8/11/2011، أظهرت أن رئيس الحكومة "نجيب ميقاتي" طلب الى الهيئة العليا للإغاثة بوقف التغطية الطبية والإيعاز الى المستشفيات بعدم استقبال الجرحى والمرضى من اللاجئين السوريين، ما يعدُّ خرقًا لكل قواعد معاملة اللاجئين التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان والاتفاقات وقوانين الأمم المتحدة، كما أنه يعرّض عشرات من اللاجئين الى خطر الموت من جرّاء تفاقم حالاتهم الطبية في ظل عدم قدرتهم العودة الى بلادهم وتلقّي العلاج اللازم. وقد حذّّر مفتى عكار الشيخ أسامة الرفاعي من "أن استمرار هذا الوضع سيؤدي بنا إلى تصعيد تحرّكاتنا، واتخاذ قرار التظاهر في كل مناطق الشمال، ولا سيما في عكار ووادي خالد، حيث يعاني اللاجئون حصارًا وعزلاً كاملاً فرض عليهم من قبل القوى الأمنية التي تمنع خروجهم ودخول الإعلام إليهم لنقل معاناتهم، الأمر الذي جعلهم مقتنعون بأنهم عرضة في أي وقت لأي اجتياح قد يقوم به الجيش السوري عليهم".
بالتزامن مع ذلك، أبدى "المجلس الوطني السوري" المعارض في رسالة وجهها رئيسه "برهان غليون" الى رئيس الوزراء اللبناني "نجيب ميقاتي" قلقه من حصول "13 عملية خطف" طاولت معارضين سوريين في لبنان خلال الأشهر الأخيرة، مطالباً السلطات اللبنانية بتحمّل مسؤولياتها حيال سلامة المقيمين على أرضها. بما فيها حادثة خطف السياسي المعارض "شبلي العيسمي" في 24 أيار". وأضاف: "هناك قلق كبير من حدوث عمليات تسليم مخطوفين معارضين الى أجهزة امن النظام السوري، مما يعرّضهم لخطر التصفية".
وفي سياق متّصل بالشأن السوري، حذّر الرئيس التركي "عبد الله غول" سوريا من استخدام المسلّحين الأكراد ضد بلاده. وقال إن سوريا استضافت في وقت سابق أعضاء من "حزب العمال الكردستاني"، وحضّها على "عدم القيام بذلك مرة أخرى".
إقليميًا، ظهر في هذا اليوم تقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، متحدثًا للمرة الأولى عن جانب عسكري قد يكون لا يزال مستمراً للبرنامج النووي الإيراني، في أكثر تقاريرها تفصيلاً حتى الآن عن الجوانب العسكرية للبرنامج النووي الإيراني، مشيرة إلى أن طهران عملت على وضع تصميم لسلاح نووي، وهي قد تكون لا تزال تجري أبحاثًا في هذا المجال. وقد سارعت طهران إلى رفض التقرير ذي الدوافع السياسية، بينما تريّثت واشنطن في اتخاذ موقف، وتحدث مسؤولون في تل أبيب عن "حدّة لا سابق" لها في لهجة التقرير ستؤخّر سيناريوات الحرب، على رغم كل التصعيد الذي سبق صدور التقرير. وتحدّث مسؤلوون أميركيون عن إمكان تكثيف العقوبات، وتوقّع مصدران في إسرائيل تراجع خيار الحسم العسكري "أسابيع وربما أشهرًا"، لاتخاذ عقوبات "تشل" الاقتصاد الإيراني.
وعلى صعيد آخر، بدأ المناخ السياسي في لبنان يشهد حماوة متصاعدة، في ظل اشتداد حملة المعارضة على الحكومة وبعض الأجهزة الأمنية، في شأن ملف خطف معارضين سوريين أو تسليمهم الى السلطات السورية. وقد أرفقت المعارضة حملتها، بدعوة أطلقتها الأمانة العامة لقوى 14 آذار إلى "التعجيل في الإعتراف العربي والدولي بالمجلس الوطني السوري ودعمه بوصفه ممثلاً للشعب السوري"، محذرة من "نهج السلطة اللبنانية القائم على التبعيّة للنظام السوري وتقديم الخدمات إليه".
أما الرئيس "الحريري" فكان يتابع إطلاق موافقه عبر صفحته في "تويتر"، حيث كتب أنه يرى "لبنان في حال أفضل جداً من الآن بعد انتخابات 2013"، مشيرًا الى أن "بعض مشاكلنا ستحل إذا سقط النظام السوري، لكن إعادة بناء لبنان مهمة لبنانية"، مشدّدًا أنه "يجب أن يحصل السوريون على مساعدة من المجتمع الدولي لأن المجازر لم تعد مقبولة"، آملاً أن "يأتي التغيير قريبًا الى سوريا".
من جهتها، أفادت واشنطن في التاسع من تشرين الثاني، أن زعماء عربًا يعرضون على الرئيس السوري بشار الأسد "ملاذاً آمناً لتشجيعه على الرحيل بسرعة".
في غضون ذلك، كانت إيران تكشف عن جانب كبير من خيانتها للقضية الفلسطينية ومتاجرتها بها، وأنها قادرة على إزالة إسرائيل عن الخارطة وإراحة العالم من شرّها إلا أنها تمتنع عن ذلك، وتلك هي الخيانة العظمى!! فقد توعّد في هذا اليوم مساعد رئيس أركان القوات الإيرانية الجنرال "مسعود جزايري بـ"تدمير" اسرائيل، مشيراً إلى أن "محطة ديمونا (النووية) هي أسهل موقع قد نستهدفه" ولا يزال لدينا المزيد من القدرات، وإذا حصل أدنى تحرك للكيان الإسرائيلي (ضد إيران)، فإننا سنشهد تدميره". وذلك في رد على تحضير المجتمع الدولي لمزيد من العقوبات على إيران نتيجة المعطيات الدقيقة التي قدّمها تقرير الوكالة الذرية بشأن البعد العسكري لمشروعها النووي.
لبنانيًا، كان النائب "وليد جنبلاط" يتابع مسيرة اقترابه من قوى 14 آذار، قاطعًا في 10/11/2011 شوطًا كبيرًا للوصل الى الهدف المنشود، وذلك مع انتقاده زيارات رؤساء أجهزة أمنية لدمشق، معتبرًا أنه "لا يحق للجيش أو لأي جهاز أمني أن يذهب الى سوريا فرادى من دون إطلاع السلطات". ورأى أن "المطلوب توحيد عمل الأجهزة الأمنية تحت قيادة الرئيس ميشال سليمان للتحقيق في ما يحصل مع المعارضين السوريين". ودعا الى "إقالة (الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني – السوري) نصري خوري، لأننا نحتاج الى محترف يسجل الشكاوى، وليس الى حزبي". وقال أنه "إذا كان حزب الله لا يريد لتمويل المحكمة أن يمر، فسيسقط بالتصويت، ولكن هذا خطأ سياسي"، ناصحًا الحزب بتمرير التمويل، وبالتعامل مع المحكمة قائلاً: "ليعرف حزب الله أن من استشهدوا هم من المقدسات أيضًا". وأردف: أتفهم تحفظات حزب الله، ولكن عليه أن يعرف أنه إذا كان المتهمون هم من المقدسات لديه، فمن استشهدوا هم أيضًا من المقدسات، وأنصح الحزب أن يمرّر التمويل، وإلا، لماذا لا يذهب ويدافع عن نفسه؟!". كما دعا جنبلاط الأسد الى القبول بمبادرة الجامعة العربية، قائلا: "مررنا بالتجربة في لبنان عندما أطلقت النار على الحافلة في عين الرمانة، ولذلك أتوجه للأسد بأن يقبل عمليًا بمبادرة الجامعة العربية".
مفاجأة أخرى كان يفجّرها الرئيس "سعد الحريري" في ذلك اليوم، في إطار "الإطلالات" التي دأب عليها في الأيام الاخيرة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث لفت في أجوبته تأكيده أنه سيصوّت لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لرئاسة الجمهورية في حال فوز المعارضة في انتخابات سنة 2013، قائلا: "بكل تأكيد نعم".
وعلى صعيد المحكمة الدولية، التي لا تزال تتطلع الى مثول المتهمين الأربعة الذين ينتمون الى "حزب ولاية الفقيه" أمامها وجاهيًا عوض محاكمتهم غيابيًا، كان الأمين العام لحزب القتلة يقول إنه يتصرّف مع هذه المحكمة على أنها "غير موجودة ولن نضيع وقتهم".
فلسطينيًا، وصل طلب فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة أمس الى حائط مسدود عمليًا في 11/11/2011، بعدما أخفقت لجنة قبول الأعضاء الجدد في إصدار توصية لا غنى عنها في مجلس الأمن لهذه الغاية، من غير أن يُعرف ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ولجنة المتابعة العربية ستمضيان في هذا الخيار، مع العلم أن الأصوات التسعة الضرورية له غير متوافرة، أم أنهما ستتجهان الى الجمعية العمومية، حيث ثمة غالبية ساحقة لرفع مستوى التمثيل الفلسطيني الى دولة مراقبة.
الثاني عشر من تشرين الثاني2011، كان يومًا مشهودًا وتاريخيًا في مسيرة "جامعة الدول العربية"، فبعد ثمانية أشهر على بدء الانتفاضة السورية، الجامعة العربية قالت كلمتها، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أيَّدا.
فبعد اجتماع استثنائي عقده مجلس وزراء الخارجية العرب في مقرّ جامعة الدول العربية، ووسط سَيل من الشتائم والاتهامات القاسية خصَّ بها مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة "يوسف أحمد" كلاًّ من رئيس الدورة الحالية للمجلس رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ "حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني" والأمين العام للجامعة "نبيل العربي"، خرج الاثنان من قاعة الاجتماع ليعلنا أمام حشود الصحافيين أن الوزراء العرب قرّروا الرد على عدم تنفيذ حكومة "الأسد" بنود المبادرة العربية لحل الأزمة، بتجميد مشاركة وفدها الرسمي في اجتماعات الجامعة ومنظماتها المختلفة ابتداء من 16 تشرين الثاني الجاري الى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية.
كما لوّح القرار الذي صدر بغالبية كبيرة (18 من أصل 21) بالاعتراف بالمعارضة ممثلاً للشعب السوري، إذ أشار بيان الوزراء إلى دعوة "جميع أطراف" هذه المعارضة الى الاجتماع في مقر الجامعة خلال ثلاثة أيام "للاتفاق على رؤية موحّدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سوريا"، موضحًا أن مجلس الجامعة "سينظر في نتائج أعمال هذا الاجتماع ويقرّر ما يراه مناسبًا في شأن الاعتراف بالمعارضة السورية". وتعتبر الدعوة بحدّ ذاتها اعترافًا ضمنيًا بالمعارضة السورية.
وقرر المجلس العمل على توفير الحماية للمدنيين السوريين وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وهدّد بأنه "في حال عدم توقف أعمال العنف والقتل" فإن الأمين العام للجامعة "سيجري اتصالات بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما فيها الأمم المتحدة، وسيُجري مشاورات مع أطياف المعارضة السورية لوضع تصوّر في شأن الإجراءات المناسبة لوقف هذا النزيف، وعرضها على مجلس الجامعة" في اجتماعه المقرّر عقده قريبًا.
وأشار القرار الى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة السورية لم يُذكر منها سوى دعوة الدول الأعضاء في الجامعة، الى سحب سفرائها من دمشق "مع اعتباره قرارًا سياديًا (اختياريًا) لكل دولة". وناشد الوزراء العرب "الجيش العربي السوري عدم التورّط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين"، ووعدوا بـ "اللقاء مع كل أطراف المعارضة السورية" بعد أن يتوصل هؤلاء الى اتفاق.
بإسقاط الجامعة العربية الحصانة عن "نظام الأسد"، انزلق الأخير بشدّة نحو هوّة عزلة عربية رسمية، قد تشرّع الأبواب أمام "تدويل" الأزمة التي تتفاقم وتضرب بنيان الحكم في دمشق منذ ثمانية أشهر.
وفي ردود الفعل الدولية، رحّب كل من الاتحاد الأوربي وأميركا بقرار الجامعة. أما الرئيس "الحريري" فأعرب عن خجله من موقف الحكومة اللبنانية في جامعة الدول العربية، التي لم تؤيّد القرار، مطالباً "الشعب السوري بألاّ يعتبر هذا الموقف معبّرًا عن إرادة اللبنانيين"، مؤكّدًا أن "موقف جامعة الدول العربية هو نصر ودليل على أن العرب باستطاعتهم اتخاذ مواقف على الساحة الدولية انطلاقًا من مواقعهم"، مضيفاً: "أخيرًا اتخذ العرب موقفًا تجاه الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والديموقراطية والكرامة".
في المقابل، بانت على قيادات 8 آذار آثار الصدمة، ورفعوا من منسوب التخوين لسائر العرب. بخلاف النائب" وليد جنبلاط" الذي أعرب عن رأيه في موقف لبنان من قرار الجامعة، فأجاب: "لم نكن في حاجة الى موقف شبيه بموقف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في جامعة الدول العربية". وأضاف: "كان من الأفضل التمسّك بالمبادرة العربية(...)، وهذه المبادرة هي خشبة الخلاص للمحنة السورية".
في غضون ذلك، كانت قوى41آذار من أقاصي الجمهورية اللبنانية شمالاً، "تعيش الثورة السورية" ، وتكسر الطوق الأمني والتعتيم الإعلامي على أوضاعهم.
فللمرة الأولى منذ نشوئها، ذهبت قيادة قوى 14 آذار مجتمعة في وفد يمثلها إلى "وادي خالد" في 11/11/2011، لمؤازرة النازحين السوريين، ولكشف التقصير الرسمي حيالهم، والتحذير من مغبة التضييق عليهم أمنيًا. فمع نواب المنطقة، وهم جميعًا من "تيار المستقبل" الأساس في تلك البقعة من لبنان ومن الحركة السيادية، وعلى مرأى من جنود النظام السوري، توزّعت مواقف وفد 14 آذار غير العادية في ثلاثة اتجاهات:
أولاً- إلى خلف الحدود، على مرمى حجر منها، اختصرتها عبارات الختام في كلمة منسق الأمانة العامة فارس سعيد خلال لقاء فاعليات وادي خالد: "... عاش الربيع العربي، عاشت الثورة السورية، عاش وادي خالد".
ثانياً - إلى رئيس الحكومة "نجيب ميقاتي"، الذي ترد"د اسمه تكرارًا في كلمات السياسيين وكذلك كلمات ممثّلي العائلات السورية النازحة، بالعتاب واللوم مع الاتهامات بالتضييق والتغطية على مساعي ملاحقة الهاربين والتنكيل بهم حتى في لبنان.
ثالثاً – إلى الأجهزة الأمنية، كي يتبصّر المسؤولون عنها قبل التعاون مع أجهزة الأمن السورية في التعامل مع النازحين.
لكن أبرز ما يستدعي التأمّل، كان موقف أهالي "وادي خالد" والنازحين أيضًا من النائب "نديم الجميّل". فعلى رغم أن الوفد الزائر ضم نحو 50 شخصية من بيروت والشمال بينهم عدد كبير من النواب والنواب والوزراء السابقين، كان الناس عند كل المحطات يُخبِر بعضهم بعضًا أن "الشيخ نديم الجميّل هنا"، ويتهافتون لرؤيته والسلام عليه، وبعضهم -وللمفارقة التاريخية- كان يهتف "الله يرحم أبوك".
وفي سياق متصل، كان يسقط أكثر من مئة قتيل خلال يومَين في حمص. ونُقل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، "الأونروا" في 12/11/2011، أنه "يوجد في لبنان 35 ألف لاجىء سوري الآن، الى زهاء سبعة آلاف لاجىء في تركيا". ولفت الى "إطلاق نار من الجهة السورية في اتجاه لبنان"، والى أن "هناك تقارير عن تهريب أسلحة خفيفة من لبنان ودول الجوار الى سوريا". وأكد أن "هناك اثباتات عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان على يد النظام السوري والشبيحة الذين يستهدفون المدنيين بصورة خاصة".
فضيحة جديدة لإيران كان تسجّل في هذا اليوم، لكن في البحرين هذه المرّة، حيث قالت وزارة الداخلية البحرينية، إنها فككت "خلية إرهابية" مكوّنة من خمسة أفراد كانوا يخططون لاستهداف جسر الملك "فهد" الذي يربط البلاد بالسعودية، ومبنى وزارة الداخلية، والسفارة السعودية وأشخاصًا آخرين. وأشار المتحدث باسم وزارة الداخلية إلى العثور على "حجوزات طيران إلى سوريا، ومبالغ مالية بالدولار الأميركي والتومان الإيراني، مع المتّهمين. وأشار الى أن التحقيقات "توصّلت كذلك الى بدء قياديي الجماعة بالفعل بتنفيذ مخطّطهم وذلك بإيفاد أعضائها إلى إيران لتلقي التدريب العسكري على دفعات".
لبنانيًا، كشف مدير "المؤسسة اللبنانية للديموقراطية وحقوق الانسان" نبيل حلبي في 13 تشرين الثاني، وفاة "جاسم مرعي الجاسم" في معتقلات سورية، بعد خطفه من بيروت ونقله بواسطة سيارة تابعة للسفارة السورية في بيروت هو وثلاثة من أشقائه منتصف شباط الماضي، بعد اتهامه بتوزيع منشورات تحض على التظاهر ضد النظام السوري.
من جهة ثانية، أشار "الحريري"، في دردشة عبر موقع تويتر" للتواصل الاجتماعي، الى أن النظام السوري فقد شرعيته. وقال "إذا زرت سوريا في المستقبل فإن ذلك يعني أن النظام السوري قد سقط".
من جهتها، كانت قوى 14 آذار تشنّ هجومًا عنيفًا على وزير الخارجية "عدنان منصور"، داعية الى طرد السفير السوري وسحب السفير اللبناني من سوريا، فيما كانت سوريا تشهد اليوم الأكثر دموية منذ بدء الاحتجاجات.
ففي الرابع عشر من تشرين الثاني، سقط أكثر من سبعين قتيلا من المحتجين على برصاص "كتائب الأسد"، كما تعرضت سوريا لمزيد من الضغوط الدولية والإقليمية، إذ قالت واشنطن ان كل الخيارات مطروحة لإسقاط النظام السوري بما فيها الخيار العسكري، لكنها لم تصل الى "هذا الحد بعد". وأضاف الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لوزراء الخارجية لدوله في بروكسيل، 18 مسؤولاً جديداً على علاقة بقمع التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الى لائحة العقوبات، وأعلنت أنقرة التي يجتمع وزير خارجيتها انها ستتخذ أشد المواقف حزمًا في حق دمشق بعدما اقتربت أكثر من "المجلس الوطني السوري" المعارض، واتخذ العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني بن الحسين"، موقفاً مفاجئًا بدعوته الرئيس السوري "بشار الأسد" الى التنحي، قائلاً: "لو كنت مكان الرئيس السوري بشار الأسد لتنحيت عن الحكم"، لتنتقل بذلك الأردن من المنطقة الرمادية إلى اتخاذ موقف واضح حيال سوريا.
مع اشتداد الضغوط على "الأسد"، بدا واضحًا أن قوى 8آذار باتت تشعر بالتفاف الحبل حول رقبتها. وفي ترجمة لحالة القلق على المصير التي تنتابها، بعث "نبيه بري" رئيس"حركة "أمل" ببرقيّة الى العاهل السعودي، ناشده فيها التدخل وإجراء مصالحة، ليس بين السوريين فحسب، إنما بين العرب أنفسهم. وفي اليوم التالي، قام "جنرال الرابية" بخطوة مماثلة، مع إعلانه في 15/11/2011، أن "شخصًا يستطيع إنقاذ الموقف في سوريا إذا وضع كل جهده، هو الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز".
هذا التاريخ وافق ذكرى مرور ثمانية أشهر من حركة الاحتجاجات في سوريا، التي فضلاً عن حصدها أرواح الآلاف، ألحقت ضررًا فادحًا بالاقتصاد السوري. فالناس تنقصهم الأموال ويعيشون في الفقر، والعائلات تعاني من نقص في مازوت التدفئة، لأن الفيول تستخدمه الدبابات السورية المنتشرة في كافة أرجاء البلاد. الأماكن التي تشهد أعتى حركات الاحتجاج حيث تُقمع التظاهرات بصورة شبه يومية لا تشهد نشاطًا تجاريًا طبيعيًا"، والعائلات تؤمّن بقاءها بفضل تضامن الأقرباء. والناس في "جبل الزاوية"، وفي "إدلب" (شمال غرب)، وبعض أحياء "حمص" و"بانياس" و"اللاذقية"، تنقصهم الأموال ويعيشون في الفقر.
حركة شراء السلع الاستهلاكية في أدنى مستوياتها، والفنادق خالية. وقد ألحقت أعمال العنف الضرر بالقطاع السياحي الذي كان يستخدم 11% من اليد العاملة وجنى أكثر من 7,6 مليارات دولار في 2010، أي 12% من إجمالي الناتج الداخلي، وانخفضت عائداته بواقع 90 في المئة اليوم.
التجارة الخارجية انخفضت أكثر من خمسين في المئة والاستثمارات الأجنبية توقفت، وتسارعت وتيرة هروب الرساميل" وخصوصاً نحو دبي. ويتحدّث خبراء اقتصاديون ورجال أعمال سوريون، عن تحويلات تفوق قيمتها أربعة مليارات دولار الى خارج سوريا منذ بدء حركة الاحتجاج في آذار، في حين فقدت الليرة السورية 10% من قيمتها أمام الدولار الأميركي حتى الآن.
وقد فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات تجارية قاسية ضد النظام السوري للتنديد بالقمع، وبلغ الربح الفائت قرابة 450 مليون دولار شهرياً منذ الحظر الأوروبي الذي تقرر في أيلول الماضي، على شحنات النفط السوري الذي يشكل مصدرًا رئيسياً للعائدات.
هذا، ولا تزال روسيا تزوّد حليفتها القديمة سوريا الأسلحة، وتدعمها في مجلس الأمن، وقد اعترضت حتى الآن كل مقترحات الدول الغربية لفرض عقوبات على سوريا والتي تطالب بتنحي الرئيس "الأسد".
في المقابل، دخل قرار جامعة الدول العربية تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة حيّز التنفيذ اليوم الذي يصادف أيضًا مرور ثمانية أشهر على تفجر الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام "الأسدي". كما صر"ح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بأن تركيا فقدت كل أمل في أن يلبي النظام السوري برئاسة بشار الأسد مطالب الأسرة الدولية ببدء إصلاحات ديموقراطية ووقف العنف. وهدّدت أنقرة بوقف إمداد سوريا بالكهرباء، وأوقفت التعاون معها في مجال التنقيب عن النفط.
وفيما كان "الأسد" يرد على مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، والمغرب، الحازمة من الأزمة السورية في الجامعة العربية، من خلال إراسله شبّيحته للاعتداء على سفارات تلك الدول في دمشق، كان وزراء الخارجية العرب يعقدون الاجتماع الطارىء الذي في الرباط في 16/11/2011، على هامش اجتماع منتدى التعاون العربي - التركي، ويمهلون دمشق ثلاثة أيام لتوقيع بروتوكول إرسال بعثة من المراقبين العرب الى سوريا لحماية المدنيين، تحت طائلة فرض عقوبات اقتصادية عليها.
وأعطيت هذه المهلة في ظل وضع ميداني متفجر ووسط تزايد الضغوط الإقليمية والدولية التي كان آخرها استدعاء فرنسا لسفيرها في دمشق، وتصاعد لعمليات "الجيش السوري الحر" الذي انشقت عناصره عن الجيش السوري النظامي، والذي ضرب في هذا اليوم مقر فرع المخابرات الجوية الذي يقع عند مدخل دمشق بصواريخ وبقذائف آر بي جي، وتلا الهجوم اشتباك مسلح وحلقت طائرات هليكوبتر فوق المجمع الواقع على الطريق السريع بين دمشق وحلب. ولم تتطرق وسائل الإعلام الرسمية السورية الى هذا الهجوم. وفي تطوّر لافت على المستوى التنظيمي، أعلن هذا الجيش إنه شكل ما يعرف باسم "المجلس العسكري الموقت"، ويضم تسعة ضباط منشقين عن الجيش بقيادة العقيد "رياض الاسعد"، ومقره جنوب تركيا. وجاء في بيان له أنه يهدف إلى إسقاط النظام وحماية المدنيين من القمع ومنع حدوث فوضى بمجرد سقوط النظام. وأضاف أنه سينشئ محكمة عسكرية لمحاكمة أعضاء النظام الذين يثبت تورطهم في عمليات قتل.
وفي سياق متصل، وخلافًا للمواقف المعلنة من الخارية الإسرائلية ورئيس وزراء العدو الصهيوني "نتياهو"، والتي تؤكّد تخلّي إسرائيل عن "الأسد" بعد 5 حزيران2011، بدا أن بعض السياسيين الإسرائيليين لا يزالون متمسّكين برمز "المقاومة والممانعة والعروبة" ويبدون تخوّفهم من سقوطه! وفي هذا الإطار، قال رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال "عاموس جلعاد" في 16/11/2011، أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد "سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في الشرق الأوسط بقيادة الإخوان المسلمين فى مصر والأردن وسورية".
هذا، وقد بدّت الصورة بعد تصريح "جلعاد" محيّرة بعض الشيء بالنسبة إلى بعض المحلّلين، والذين فضّلوا البناء على موقف "جلعاد" دون التعرّض للتصاريح الرسمية الصادرة عن رئيس الحكومة "نتياهو" وووزير الدفاع "باراك"، ووزير الخارجية "ليبرمان"، والتي تصب كلها في إنهاء حقبة "الأسد"، فخلصوا الى أن ما يدور في واشنطن، هو معركة سياسية دعائية يقودها الإسرائيليون من المقعد الخلفي لتخفيف انخراط الإدارة الاميركية في معركة إسقاط "بشار الأسد". ولذلك تبدو الإدارة الأميركية الحالية أكثر حذرًا من الأوروبيين في الموضوع السوري.
كويتيًا، اقتحم آلاف المتظاهرين مساء ذلك اليوم، مبنى "مجلس الأمة" في العاصمة الكويتية، بعد إقدام قوات الشرطة على ضرب متظاهرين كانوا يشاركون في مسيرة احتجاج تطالب باستقالة رئيس الوزراء الشيخ "ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح". وكان المتظاهرون متوجهين في مسيرة الى مقر رئيس الوزراء القريب وهم يهتفون: "الشعب يريد إقالة الرئيس"، عندما اعترضتهم قوات الشرطة واستخدمت الهراوات لمنعهم من التوجه الى المقر بعدما نظموا تظاهرة حاشدة أمام مجلس النواب. هذا، وقد تصاعدت حدّة التوتر أخيرًا إثر إطلاق المعارضة حركة احتجاج بعد فضيحة فساد لا سابق لها اتهم بالضلوع فيها نحو 15 نائباً (من أصل 50 في مجلس الامة)، وعلى الأرجح مسؤولين في الحكومة. ولم تكف تنظيمات المعارضة عن ممارسة الضغط لرحيل الشيخ "ناصر" الذي عيِّن رئيسًا للوزراء في شباط2006 .وقد نجا مرات عدة من حجب الثقة في مجلس الأمة.
النظام "الأسدي" في سباق مع مهلة الأيام الثلاثة التي منحته إياها "الجامعة العربية" للموافقة على "بروتوكول بعثة المراقبين"، ويبدو أنه حدّد معالم المرحلة المقبلة على النحو التالي: إصرار على المواجهة في الداخل، واستمرار في المناورة في الخارج. وبين الإصرار والاستمرار يسقط المزيد من الضحايا وتتعمّق المشكلة السورية مع الجامعة العربية.
ففي مناورة خبيثة من النظام، كسبًا لمزيد من الوقت والمهل لمحاولة وأد الثورة وحصد أكبر عدد من الحتجين، أعلنت سوريا في 18/11/2011، عبر وزير خارجيّتها "وليد المعلم"، أنها ردّت على مطلب وزراء الخارجية العرب بالموافقة على بروتوكول بعثة المراقبين العرب بمشروع معدل. ومن شأن هذه المناورة أن تكسر مهلة الثلاثة أيام التي منحتها إياها الجامعة، وستلزمها التداول في التعديلات لتقبلها أو ترفضها مما يمنح النظام وقتًا ثمينًا مستقطعًا سيتفرّغ فيه إلى متابعة اصطياد معارضيه. إلا أن أوساط الجامعة تفيد التمسّك بالمهلة المعطاة دون تعديل.
وفي جولة على أجواء "الربيع العربي" في المنطقة، للمرّة الأولى منذ 25 سنة، افتتحت جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا، التي تعرضت لقمع شديد من نظام الزعيم الليبي الراحل العقيد "معمر القذافي"، مؤتمرها العلني الأول في "بنغازي"، معقل الثوار في شرق البلاد. وقال زعيم الجماعة سليمان عبد القادر: "انه يوم تاريخي بالنسبة إلينا والى الشعب الليبي".
أما في مصر بعد "ثورة 25يناير"، فالتوتر والمواجهات سيّدة الموقف قبل عشرة أيام من أول انتخابات تشريعية بعد تنحي الرئيس السابق "حسني مبارك". وفي هذا الإطار، تجمّع أكثر من 50 ألفًا من المصريين في 18/11/2011 في ميدان التحرير بوسط القاهرة، وألوف منهم في مدن أخرى، لمطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد بتسليم السلطة في نيسان، والاحتجاج على مبادئ دستورية اقترحتها الحكومة تتيح للمجلس حصانة من رقابة البرلمان على موازنة الجيش. وبعد صلاة الجمعة، هتف المحتشدون في ميدان التحرير ومعظمهم ملتحون ومنقّبات: "واحد اتنين تسليم السلطة فين"، وحَمَلَت لافتات في الميدان عبارات منها: "لا للالتفاف على إرادة الشعب" و"جدول زمني لتسليم السلطة". ورفعت حركة "كفاية" لافتة تقول: "لا للتمديد لنظام مبارك... لا لتوريث المجلس العسكري".
ومثلت هتافات أطلقت من فوق منصّة أقامتها جماعة "الإخوان المسلمين" تصعيدًا في اللهجة ضد المجلس العسكري وحكومته ومنها "باطل باطل... علي السلمي باطل... حكم العسكر باطل... وزير الإعلام باطل" و"يسقط يسقط حكم العسكر" و"هو يمشي مش هنمشي". وما لبث الأمر أن تحوّل الى مواجهات عنيفة بين المحتجين والقوى الأمنية، فيما لوحظ انسحاب جماعة "الإخوان المسلمين" من الميدان استعدادًا للجولة الانتخابية التي ينون حصد أكثر مقاعدها.
انتهت مساء التاسع عشر من تشرين الثاني، المهلة التي حدّدتها جامعة الدول العربية للنظام السوري ليوقف أعمال العنف، والقبول بمراقبين عرب، من دون أن تتوقف عمليات القتل، إذ سقط في اليوم الأخير من مهلة الثلاثة أيام أكثر من 20 شخصًا، بينهم سبعة مدنيين ومنشقان برصاص القوات السورية.
وفي انتظار صدور موقف عن الجامعة العربية في شأن المرحلة المقبلة بعد انتهاء المهلة المحدّدة للقبول بحل والرد على التحفظات السورية في شأن البروتوكول الخاص بالمراقبين، وما إذا كانت الجامعة العربية ستنفذ العقوبات الاقتصادية والسياسية التي لوّحت بها، استمرت الضغوط الدولية على نظام الرئيس "بشار الأسد".
فمن جهتها، أنقرة بدأت تعد كل حساباتها السياسية لفترة ما بعد تغيير "نظام الأسد"، مؤكدة أن جميع دول العالم بدأت تتعامل وفق هذا المبدأ، ومنها إدارة طهران أيضًا. أما وزير الحرب الإسرائيلي "إيهود باراك" فأعلن أن النظام السوري الحالي لن يستمر طويلاً، وأن سقوطه المتوقع خلال أشهر سينعكس إيجابيًا على الوضع في الشرق الأوسط". وأشار "باراك" الى أن "الأسد تجاوز نقطة اللاعودة، وسيواجه المصير نفسه للزعيمين السابقين الليبي معمر القذافي والعراقي صدام حسين".
وفي دعم روسي جديد لإرهاب النظام "الأسدي"، أوردت صحيفة "الوطن" السورية، أن بوارج حربية روسية تحركت نحو الشاطئ السوري، في المياه الإقليمية التي لا تقاربها الدول الكبرى إلا إذا كان في الأفق وضع خطير أو موقف استراتيجي من ذلك الوضع وتداعياته المفترضة، مشيرة إلى أنها خطوة سياسية وعسكرية بالغة الدلالة.
وفي ذلك اليوم أيضًا، علت هتافات "الله أكبر"، وأطلقت أبواق السيارات والعيارات النارية في الهواء فرحًا، في العاصمة الليبية "طرابلس" ومدينة "بنغازي" مهد الثورة الليبية، عند تلقيهما نبأ توقيف "سيف الإسلام"، آخر أبناء الزعيم الليبي الراحل العقيد "معمر القذافي" الفارين، والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، وقد اعتقله "الثوار" لدى انتقاله في قافلة في الصحراء جنوب البلاد.
وبالعودة الى الشأن اللبناني، وفيما يتهيّأ "تيار المستقبل" لإحياء مهرجان حاشد بعد أيّام في طرابلس في ذكرى الاستقلال، قال الرئيس سعد الحريري في 20/11/2011، في دردشته اليومية عبر موقع "تويتر": "جميعنا نعرف ماذا قال نصر الله (في إشارة الى رفضه تمويل المحكمة)، ولهذا فإن التذاكي على الأذكياء لن ينجح، فإذا أرادوا تمويل المحكمة حقًا فليبادروا إذاً الى تحويل الأموال الى المحكمة". وأضاف: "لا أعتقد أننا قد نواجه 7 أيار جديدًا، وإذا فعلوا هذا مرة أخرى سيكونون كمن ينتحرون". واعتبر أن الحكومة الحالية "لا تمثل إرادة الشعب، لقد عيّنها (الرئيس السوري بشار) الأسد وشركاؤه لتقف معهم في كل شيء، وإذا استقال ميقاتي فهذا سيكون فقط لأنه شعر بأن معلّمه سيسقط قريبًا".
وفي السياق نفسه، بدا أن التعقيدات التي تواجه رئيس مجلس الوزراء "نجيب ميقاتي" في طرح موضوع دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة فرضت تأجيل إدراج الموضوع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة هذا الأسبوع الى جدول أعمال الجلسة المقررة الأربعاء 30 تشرين الثاني الجاري .
بلغت العلاقة بين الجامعة العربية وسوريا طريقًا مسدودًا، مع رفض الجامعة في 20/11/2011 التعديلات التي اقترحتها دمشق على البروتوكول الذي أقرّه وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ بالرباط، من أجل إرسال بعثة من 500 مراقب لتسهر على تطبيق المبادرة العربية الرامية الى الخروج من الأزمة السورية المستمرة منذ ثمانية أشهر. وذكرت الجامعة أن "الإضافات التي اقترح الجانب السوري إدخالها على وثيقة البروتوكول، تمس بجوهر الوثيقة وتغير بشكل جذري طبيعة مهمة البعثة". لكن دمشق حرصت على عدم قطع التواصل مع الجامعة، إذ قال وزير الخارجية وليد المعلم أنه طلب من الأمانة العامة للجامعة "استفسارات" في شأن البعثة بعدما وصف البروتوكول بأنه بمثابة تعد على السيادة السورية. واتهم واشنطن وتركيا بالدفع نحو حرب أهلية في سوريا. وفي مهلة جديدة لقتل الشعب السوري، حدّدت الجامعة موعداً لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب للبحث في الوضع السوري، يعقد بعد أربعة أيام.
ومع تصاعد التوتر بين سوريا والجامعة، مضت المعارضة السورية في المزيد من تنظيم عملها، فأعلن "المجلس الوطني السوري" الذي يضم معظم تيارات المعارضة مشروع برنامجه السياسي، الذي يشمل "آلية إسقاط النظام"، وإجراء انتخابات لجمعية مهمتها وضع دستور جديد.
الى ذلك، كرر "إيهود باراك" تخلي إسرائيل عن "الأسد"، معتبرًا أن "انهيار النظام السوري لن يكون جيدًا لاسرائيل وحدهاـ بل للشرق الأوسط بأكمله".
خليجيًا، أقرّت الحكومة البحرينية بارتكاب تجاوزات في حق المتظاهرين والمعتقلين "وحالات استخدام مفرط للقوة"، وذلك قبل يومين من صدور تقرير لجنة تقصّي الحقائق المستقلة، مؤكدة أنه لن تكون هناك حصانة للمتجاوزين. وتقول الحكومة أن أعمال القمع أسفرت عن مقتل 24 شخصًا بينهم أربعة شرطيين، فيما تؤكد المعارضة أن الحصيلة هي 30 قتيلا. كما اعتقل مئات الناشطين الشيعة وأطباء ومدرّسون.
أما في الكويت، فرأى أميرها الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح"، أن ما حصل من اقتحام متظاهرين يرافقهم نواب معارضون مبنى مجلس الأمة للمطالبة باقالة رئيس الوزراء، كان "يومًا أسود" في تاريخ البلاد، مؤكدًا انه لن يقيل رئيس الوزراء وسيطبق القانون بلا هوادة.
وفي الشأن اليمني، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن في 22/11/2011، عن توصل الأطراف السياسية اليمنية لاتفاق حول آلية تنفيذ المبادرة الخليجية، مشيرًا إلى وجود ترتيبات يتم التحضير لها للتوقيع عليه من قبل "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم وأحزاب المعارضة "اللقاء المشترك". وتنص المبادرة الخليجية التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي وانسحبت منها قطر، على انتقال السلطة من الرئيس الى نائبه عبد ربه منصور هادي، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإدارة مرحلة انتقالية يتم خلالها الحوار من أجل حل المشاكل الرئيسية في اليمن. وتمنح المبادرة الرئيس اليمني حصانة من الملاحقة القانونية، الأمر الذي يرفضه المحتجون الذين ينظمون اعتصامات وتظاهرات مناهضة للنظام منذ مطلع السنة.
وكانت المفاوضات حول "الآلية التنفيذية المزمنة" كما تسمى في اليمن، تصطدم بحسب مصادر سياسية بميل الرئيس اليمني الى تسليم سلطاته الى نائبه مع البقاء رئيسًا ولو شرفيًا الى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما كان يتحفّظ على أي إعادة هيكلة جذرية للقوات المسلحة التي يتولى أقاربه فيها مناصب حساسة.
إفريقيًا، كانت تونس بعد "ثورة الياسمين"، تفتتح في هذا اليوم أولى جلسات المجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات 23 تشرين الأول، بعد أقل من عام من فرار الرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي"، في لحظة تاريخية تضع حجر الأساس للجمهورية الثانية، من أجل دولة يسودها العدل والحرية والكرامة.
بيد أن نتائج "ثورة 25 يناير" لا تزال متعثّرة في مصر، مع خوض الشرطة المصرية اشتباكات مع محتجين يطالبون بإنهاء الحكم العسكري للبلاد لليوم الثالث تواليًا من العنف الذي أوقع 24 قتيلاً حتى الآن. وفي ظل صخب الاحتجاج، توجّه رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير "محمد حسين طنطاوي" في كلمة نادرة الى الشعب في 22/11/2011، تضمنت قبول استقالة حكومة "عصام شرف" وتأليف حكومة جديدة "ذات اختصاصات"، الى تعهد واضح وقطعي لترك الحكم وتسليم مقاليد السلطة الى الحكومة ورئيس منتخبين قبل نهاية حزيران 2012. إلا أن الحشود في ميدان التحرير في القاهرة ردّت عليه بهتافات: "ارحل... ارحل" و"الشعب يريد إسقاط المشير".
وكان الجيش تعهد في البداية العودة الى ثكنه في غضون ستة أشهر من تاريخ تنحي الرئيس حسني مبارك. لكن إحجامه لاحقًا عن التنازل عن السلطة أذكى مشاعر الاستياء بين المصريين الذين يخشون ألا تغيّر ثورتهم شيئًا. ويبدو أن جماعة "الإخوان المسلمين" التي ساهمت في تنظيم احتجاج كبير ضد المجلس العسكري قبل أيام من غير أن تشارك في التظاهرات التي تلته، مستعدة لتسوية مع الجيش لضمان وضع قوي لنفسها في البرلمان الجديد.
أما ثورة الحرية والكرامة وسوريا، فكانت تشهد في الثاني والعشرين من تشرين الثاني، سقوط 35 قتيلاً برصاص قوات النظام، بينهم أطفال. الأمر الذي جعل رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" يوجّه أقوى انتقاد حتى الآن "للأسد"، حيث سخر من الرئيس السوري لوعده في مقابلة لصحيفة "صنداي تايمز" بأنه "مستعد للموت من أجل سوريا إذا اضطر لمواجهة تدخل أجنبي"، مشيرًا الى أن "الأسد" "لم يُبد الاستعداد نفسه للتضحية بحياته لاستعادة مرتفعات الجولان المحتلة من أيدي الإسرائيليين". وتابع مخاطبًا الرئيس السوري: "القتال ضد شعبك .. ليس بطولة بل هو جبن. (...) تنح عن السلطة قبل أن يراق مزيد من الدماء.. ومن أجل سلام شعبك وبلادك والمنطقة". ورغم توجيهه الانتقادات المتزايدة للرئيس السوري منذ اسابيع، إلا أن هذه المرة الأولى التي يدعو "أردوغان" الرئيس السوري للتنحي، ليكون ثاني زعيم يدعو الى ذلك بعد العاهل الاردني الملك "عبد الله الثاني".
وبالعودة الى الشأن اللبناني، في وقت احتفل لبنان بعيد استقلاله الثامن والستين بعرض عسكري في وسط بيروت، برزت في منطقة "عرسال" البقاعية محاولة لإعادة تذكير اللبنانيين بأن استقلالهم لايزال معرضًا لأشنع الأخطار من النظام السوري وأتباعه المحليين. فقد أقدمت في 22/11/2011، قوّة مؤلفة من ثلاث سيارات مدنية تحمل عناصر بلباس مدني ملتحية ومسلّحة من ميليشيا حزب السلاح، على مداهمة أحد الأحياء في بلدة "عرسال" بحثًا عن لاجئين سوريين، حيث قامت بتوقيف اثنين منهم، إلا أن الأهالي اعترضوا الدورية ومنعوا عناصرها من إتمام مهمتهم، وعملوا على إخلاء سبيل اللاجئين.
وتضامنًا مع "عرسال"، شنّت قوى 14 آذار حملة عنيفة على الحكومة والحزب الحاكم، مستنكرة الاعتداء الذي تعرّضت له البلدة، مؤكّدة أن "عرسال" "ليست بلدة سائبة، والجيش الذي نحب ونقدر ونحترم ليس كتائب الأسد"، لافتة إلى أن " كل من يعتدي على عرسال أو على أي بلدة لبنانية، هو حتمًا يخدم العدو الصهيوني وكتائب الأسد".
وعلى صعيد موضوع تمويل المحكمة الدولية، كشف أحد وزراء "جبهة النضال الوطني" التي يرأسها النائب "وليد جنبلاط" أن الرئيس "ميقاتي" حدّد جلسة 30 تشرين الثاني الجاري "حداً فاصلا لتمويل المحكمة، ولا خيار أمامه اذا لم يتم إقرار التمويل سوى الاستقالة". غير أن الأبرز في الموضوع كان إرداف الوزير نفسه قائلاً: "سواء استقال الرئيس ميقاتي أم لم يستقل، فإن ورزاء جبهة النضال الوطني سيستقيلون من الحكومة اذا لم تموّل المحكمة". وعُلم ان المساعي والمشاورات مستمرة بين الرئيس "ميقاتي" وكل من "حزب ولاية الفقيه" ورئيس مجلس النواب "نبيه بري"، بحثًا عن تسوية تنقذ الحكومة من جهة وتراعي موقف الحزب الحاكم والمتهم من جهة أخرى.
في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 2011، كان اليمن على موعد مع يوم تاريخي وكذلك "الربيع العربي"، فقد وقّع الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" أخيرًا وبعد أشهر من المناورة، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض، ليكون بذلك أول زعيم عربي من الحكام الذين أطاحتهم ثورات "الربيع العربي" يحظى باتفاق مشهود يحوّله رئيسًا سابقًا لليمن، ويمنحه ضمانات وحصانة مدى الحياة، استنادًا الى الآلية التنفيذية للمبادرة التي وضعها مبعوث الأمين العام للامم المتحدة "جمال بن عمر". وهي نصت في بندها الأول على تنحيه، ونقل سلطاته الى نائبه "عبد ربه منصور هادي"، في غضون 30 يومًا.
خليجيًا، تظاهر آلاف من الكويتيين المؤيدين والمعارضين للحكومة في الكويت، التي تشهد أزمة سياسية بعد فضيحة فساد يجري التحقيق فيها وتشمل عددًا من النواب.
أما في البحرين، فقد صدر تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة، ليفيد أن السلطات الأمنية استعملت القوة المفرطة وغير المبرّرة ضد المحتجين، كما مارست التعذيب عمدًا في حق معتقلين مما تسبب بحالات وفاة، مشيرًا الى أن لا دليل على علاقة واضحة لإيران في الاحتجاجات، أو على ضلوع القوات الخليجية التي أرسلت الى المملكة في أي تجاوزات تمس بحقوق الإنسان. وتقبّل عاهل البحرين الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" هذا التقرير، ووعد بإصلاحات ترضي "أطياف المجتمع كافة" وبمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات، لكنه ندَّد بـ"الهجمة الإعلامية" من قنوات إيرانية التي "يلاحظها كل من يفهم اللغة العربية، وهي تشكل ليس فقط تحديًا مباشرًا لاستقرار وسيادة وطننا فحسب، بل تهديدًا لأمن واستقرار كل دول مجلس التعاون". وأمل أن "تعيد القيادة الإيرانية النظر في مواقفها بترك السياسات التي تؤدي الى العداء والفرقة".
لبنانيًا، بلغ مأزق تمويل المحكمة الخاصة بلبنان ذروة أبعاده ودلالاته الجدية على الصعيدين الحكومي والسياسي، مع إعلان رئيس مجلس الوزراء "نجيب ميقاتي"، للمرة الأولى بصراحة ومباشرة، اعتزامه الاستقالة في حال إسقاط مجلس الوزراء بند التمويل الذي أدرجه على جدول أعمال جلسة الثلاثين من تشرين الثاني. من جهتها، قوى 14 آذار ظلّت تحذّر من عدم وفاء لبنان بالتزاماته الدولية، مشكّكة في مواقف وتعهّدات "ميقاتي" لأنه ببساطة لا يملك قراره، وإن كانت لا تستبعد أن يموّل "حزب ولاية الفقيه" بـ "براغماتيته" المحكمة، فقط من باب الحفاظ على حكومته من أية إجراءات دولية، وتفاديًا لفرض مزيد من العقوبات على النظام السوري.
وفي أخبار المهل المعطاة للنظام السوري، والتي يستغلها ويستثمرها في دماء شعبه، بلهجة هي الى الإنذار أقرب، قرّر وزراء الخارجية العرب اللجوء الى الأمم المتحدة للمساعدة في تسوية الأزمة السورية، وأمهلوا دمشق حتى الساعة 1:00 من بعد ظهر الخامس والعشرين من الجاري لتوقيع بروتوكول بعثة المراقبين لحماية المدنيين، تحت طائلة فرض عقوبات قاسية عليها تشمل التعاملات المالية معها، وتجميد الودائع، ووقف رحلات الطيران. وقرّروا "إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة" بقرارهم هذا، "والطلب منه اتخاذ الإجراءات اللازمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة لدعم جهود الجامعة العربية في تسوية الوضع المتأزم في سوريا"، كما جاء في نص القرار الذي أصدروه. ذلك، فيما تصاعدت الاشتباكات بين الجيش السوري ومنشقين عنه، وخلّفت أكثر من 50 قتيلاً بينهم سبعة طيارين في حمص.
في واشنطن حضّت السفارة الأميركية في دمشق، في مؤشر آخر لتدهور العلاقات بين البلدين، الرعايا الأميركيين الموجودين في سوريا على مغادرة البلاد "فورًا"، وقت تحدثت فيه تقارير صحافية عن أن حاملة الطائرات الأميركية "جورج هربرت ووكر بوش"، قد وصلت الى مياه البحر المتوسط من منطقة بحر العرب، حيث ستقوم بتدريبات عسكرية قبالة السواحل السورية.
وقال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشي يعالون في براغ: "الوضع في سوريا بلغ على ما يبدو نقطة اللاعودة، لأن الرئيس بشار الأسد يفقد الشرعية بقتل المعارضين... أكثر من ثلاثة آلاف قتيل إلى الآن. يقترب على ما يبدو من نهايته زعيمًا لسوريا".
على الصعيد المصري، قدّم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 24/11/2011، اعتذارًا غير مألوف عن مقتل عشرات المتظاهرين في ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية، إلا أنه رفض النداءات لتسليم السلطة الى حكم مدني فورًا، معتبرًا أن المطالبين بإنهاء الحكم العسكري "لا يمثّلون كل الشعب المصري"، وتمسّك ببدء الانتخابات النيابية الأولى التي تشهدها البلاد منذ تنحي الرئيس "حسني مبارك"، في موعدها المحدّد. الى ذلك،
كلّف المجلس العسكري رئيس الوزراء سابقًا "كمال الجنزوري" (79سنة) تأليف حكومة جديدة خلفًا "لعصام شرف". وتولى "الجنزوري" منصب رئيس الوزراء بين عامي 1996 و1999 قبل أن يغضب عليه "مبارك" ويقيله بشكل اعتبرته الصحف المصرية آنذاك مهينًا. وقبل ذلك كان "الجنزوري" وزيرًا للتخطيط. وقد لقي خبر تكليفه استياء من المتظاهرين في ميدان التحرير، لأنه محسوب على حقبة "مبارك"، ولأن المعتصمين يريودن عناصر شابّة أفرزتها الثورة، لا شخصيات طاعنة في السن ومن مخلّفات النظام السابق.
وفيما قاطعت جماعة "الإخوان المسلمين"، كبرى الحركات الإسلامية في البلاد وأكثر القوى السياسية تنظيمًا، تظاهرة ميدان التحرير في اليوم التالي، اكتسب المتظاهرون دعمًا معنويًا بإلقاء الإمام الأكبر للأزهر بثقله خلفهم؛ فوسط هتافات مدوية "الشعب يريد إسقاط المشير"، ألقى رئيس المكتب الفني لمشيخة الازهر خطابًا قال فيه إن "الإمام الأكبر يشارككم موقفكم ويدعو لكم بالتوفيق". وذلك في في خطوة استثنائية في الحياة السياسية في مصر، إذ هي المرة الأولى منذ عقود يتبنّى الأزهر، الذي يعيِّن رئيس الجمهورية إمامَه، موقفًا معارضًا للسلطة في البلاد. كذلك شدّد البيت الأبيض خطابه حيال المجلس العسكري، داعيًا الجيش المصري الى أن يفسح في المجال "في أقرب وقت" لحكم مدني كامل.
في هذه الأثناء كانت المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، تشهد منذ أربعة أيام اشتباكات بين قوى الأمن ومسلحين يخدمون إيران؛ فقد قتل شخصان وجرح ثلاثة في تبادل للنار في محافظة القطيف بشرق السعودية بين قوى الأمن ومن سمّتهم وزارة الداخلية "عناصر مأجورة" و"مسلحين يخدمون قوى خارجية" في إشارة الى إيران، فارتفع عدد القتلى إلى أربعة على الأقل منذ أربعة أيام. وأدّت هذه الأحداث الى تفاقم التوتر والى تحذيرات متبادلة بين السلطات السعودية وبعض المراجع الشيعية مع اقتراب موعد إحياء ذكرى عاشوراء.
وفي تطوّرات "المصالحة الفلسطينية"، اتفق الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس حركة المقاومة الاسلامية "حماس" "خالد مشعل" في 25/11/2011، بعد اجتماع جمعهما في القاهرة، على إجراء انتخابات رئاسية ونيابية للمجلسين الوطني والتشريعي. وصرح الرئيس عباس عقب اللقاء: "اتفقنا على العمل شركاء بمسؤولية واحدة تجاه شعبنا وقضيتنا". وأضاف: "بحثنا في المصالحة بكل تفاصيلها، ونحب أن نقول لكم أنه لا خلافات إطلاقًا حول أي موضوع، وكل هذه الأمور سترونها في الأيام والأسابيع المقبلة إن شاء الله".
أما في المغرب، في انتخابات هي التاسعة في تاريخ البلاد والأولى بعد التعديلات الدستورية في الأول من تموز الماضي الذي صار يتيح للحزب الفائز تأليف الحكومة، توجّه الناخبون المغاربة إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجلس نواب جديد يتولّى الحزب الأول فيه تأليف حكومة، وسط تنافس قوي بين "حزب العدالة والتنمية الإسلامي" الذي يرغب في تكرار تجربة "حزب حركة النهضة" في تونس، وائتلاف من ثمانية أحزاب مقرّبة من القصر، بزعامة وزير الاقتصاد والمال "صلاح الدين مزوار". أما ناشطو "حركة 20 فبراير"، فقد دعو الى مقاطعة الانتخابات، ما عزّز حظوظ فوز الإسلاميين.
وكما كانت التوقعات، أعلن "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل فوزه في الانتخابات النيابية، وحصوله على نحو 80 مقعداً من 288 حسمت نتائجها من مجموع 395، وسط نسبة مشاركة بلغت 45 في المئة، وذلك في انتصار، سيخوّل هذا الحزب الاسلامي من أن يسمّي رئيس الوزراء المقبل، والذي تعززت صلاحياته بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة.
ويأتي فوز الإسلاميين المعتدلين، بعيد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، والتي حقّق فيها الإسلاميون أيضًا فوزًا كبيرًا، وقُبَيل انتخابات تشريعية مقرّرة في مصر بعد يومين، ويتوقّع فيها أيضا فوز الإسلاميين.
انتهت المهلة التي حدّدتها جامعة الدول العربية لسوريا كي توقّع اتفاقًا يسمح بنشر مراقبين في أراضيها، من غير أن توافق دمشق عليها، الأمر الذي جعل الجامعة في 27/11/2011، أي بعد يومين من انتهاء المهلة، وفي اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة حضره وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، يقرّون مجموعة من العقوبات الاقتصادية على الحكومة السورية بسبّب القمع الذي تمارسه ضد المتظاهرين المطالبين بتنحي الرئيس "بشار الأسد"، مثل منع المسؤولين السوريين الكبار من السفر الى الدول العربية، وتجميد أرصدتهم، ووقف المبادلات التجارية معها، وتجميد إقامة المشاريع العربية فى سوريا للضغط عليها من أجل الموافقة على وقف العنف وتوقيع برتوكول بعثة المراقبين العرب.
وعقب الاجتماع، حذّر رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ "حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني" الذي رأس الاجتماع، من أن تدويل الأزمة السورية أمر وارد إذا استمرت الأزمة. وقال أن "العراق تحفّظ عن القرار ولن ينفذه"، في حين أن "لبنان امتنع".
من جهته أكد الرئيس السوري "بشار الأسد" في تصريحات نقلها عنه موقع "عربي برس"، أن "من يتحاملون علينا الآن من إخوتنا العرب سترونهم في دمشق معتذرين عمّا بدر منهم بعد الأزمة". وردًّا على سؤال عن تركيا، قال: "لا يزال حلم الإمبراطورية العثمانية حيًّا لدى البعض، مع معرفتهم بعدم القدرة على تحقيق ما يحلمون به، فهم يحاولون الآن استغلال بعض الأحزاب التي ترفع شعارات دينية لتوسيع نفوذهم في العالم العربي". وأضاف متهكّمًا: "رجائي ألا نحرق العلم التركي، فالشعب التركي يعتز به جدًا".
وبالانتقال الى اليمن بعد توقيع المبادرة الخليجية، لم تخل عودة "علي عبد الله صالح" الذي صار رئيسًا فخريا لليمن لفترة انتقالية مدتها 90 يومًا بموجب اتفاق التسوية الخليجي من مفاجآت، إذ قطع رحلته العلاجية في الرياض بعد ساعات قليلة من إصدار الرئيس الموقت الفريق عبد ربه منصور هادي مرسومًا رئاسيًا بدعوة اليمنيين الى انتخابات رئاسية مبكرة في 21 شباط 2012. وفوجئ اليمنيون بعلي صالح يمارس صلاحياته كاملة رئيسًا للجمهورية في اجتماع رسمي عقده في القصر الجمهوري وحضره نائبه الفريق "هادي"، بعد أيام من توقيعه المبادرة الخليجية التي جرّدته من مناصبه المدنية والعسكرية.
أما في لبنان، فشهد السابع والعشرون من تشرين الثاني، مهرجان "تيار المستقبل" في طرابلس الذي أقيم تحت شعار "خريف السلاح، ربيع الاستقلال"، والذي بدا أكبر عرض للقوة الشعبية من عاصمة الشمال تحديدًا منذ نشوب الأزمة السورية، وشاء عبره زعيم "تيار المستقبل" الرئيس "سعد الحريري" وقوى 14 آذار توجيه الرسالة الأكثر وضوحًا في شأن مساندة الثورة السورية، الأمر الذي برز بقوة في كلمات الخطباء وكذلك في رفع صور "الحريري" الى جانب أعلام سورية ولبنانية عملاقة في معرض الرئيس "رشيد كرامي" الدولي وباحته.
وقد جاء هذا المهرجان بحجمه الحاشد، كما بمضمون الرسائل السياسية لخطبائه من أركان قوى 14 آذار، ليُحكم الحصار السياسي على أطراف الأزمة، سواء في مسألة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان، أم في الموقف من التطورات السورية وتداعياتها على لبنان.
توافد المشاركون من كل المناطق، رُفعت أعلام الدول العربية، كما رُفع علم الثورة السورية، مع شعارات "الحرية لأبطال سوريا"، "خريف الأسد، ربيع سوريا"، "شكرا لقطر وآل حمد"، "الأسد ونصرالله اللعبة انتهت"، و"بشار الأسد القذافي بانتظارك". كما حمل مشاركون أعلام تركيا، وجابوا بها في شوارع طرابلس تقديرًا للموقف التركي. علا التصفيق عندما ذَكَر النائب بطرس حرب في كلمته اسم النائب "وليد جنبلاط" ووزراء جبهة النضال مشيدًا بمواقفهم. لقد فاق عدد المشاركين كل التوقّعات.

ووسط احتشاد عشرات الألوف من مناطق مختلفة وخصوصًا مناطق الشمال، اعتبر الرئيس "فؤاد السنيورة" في الكلمة التي ألقاها باسم الرئيس الحريري أنه "ليس من الجائز في هذا الزمان حيث الشعب يريد (...) أن نخاف التغيير لأننا نخاف الديكتاتوريات والديكتاتوريين"، مؤكدًا "أن ساعة الحقيقة العربية دقّت حيث لن يبقى لبنان وحده بلد الديموقراطية، بل ينضم اليه أخوة يتّبعون طريقه". مذكِّرًا بقول حافظ ابرهيم :
"لمصرَ أم لربوع الشام تنتسبُ/ هنا العُلى وهناك المجدُ والحَسَبُ/ رُكْنانِ للعُرْب لا زالَتْ رُبُوعُهُما/ قَلْبُ الهِلالِ عليها خافِقٌ يَجِبُ".
ومما قاله "السنيورة": "نحن في صدد الحديث عن ثورة الشعب السوري، دعوني أقول لكم، إن الشعب السوري هو الذي يصنع التغيير في سوريا، وليس أحدًا سواه، أبطال سوريا وثوارها أدرى بشعاب بلدهم، وأبطال سوريا يصنعون تجربتهم وليسوا في حاجة الى من يعلّمهم ويدلّهم على الطريق. السوريون سيقرّرون ماذا سيكون نظامهم وكيف يتم تغييره وتطويره، لكننا نقول لهم قلوبنا معكم نحن أبناء الحرية في لبنان، ننتظركم نراقبكم وأنتم تعبرون جسر صنع التاريخ المجيد".
وتوجّه مباشرة الى الرئيس ميقاتي سائلاً: "ألست مع ما يريده شعب طرابلس وأبناء الشمال؟ (...) نفّذ ما يريده هذا الشعب الأبي، المحكمة الدولية والتعاون معها وتمويلها ليست منّة من أحد، إنها حق وواجب لأن الشعب يريد المحكمة. ويسأل لماذا حماية المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
وختم: "اطمئنوا ولا تخافوا ولا تقلقوا، ستطول يد العدالة القتلة والمجرمين، وستتم محاسبة المتواطئين، سنحمي استقلالنا وحريّتنا ونحافظ عليهما، وسندافع عن بلدنا وعيشنا الواحد، أتى زمن الحرية، أتى زمن الشعب، أتى زمن الشباب، أتى زمن العروبة الديموقراطية والمنفتحة التي تضم الجميع وتقبل الجميع وتعيش بالجميع ومع الجميع، أتى زمن طرابلس، أتى زمن حمص توأم طرابلس، أتى زمنُكُم أنتم، فليبق زمنُ شباب العرب، وليبق ربيع العرب، وليبق لبنان، وسيبقى لبنان".
واعتبر الرئيس "الحريري" في بيان عقب المهرجان أن المشاركين فيه "أظهروا أنهم لن يتهاونوا على الإطلاق أمام محاولات استهداف مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال والالتفاف على المحكمة الدولية". وقال: "عزّ عليّ ألا أكون بينكم في هذا اليوم الوطني المجيد الذي شهدته طرابلس، وعهدي إليكم دائمًا أن أبقى معكم، وفيًّا للمبادئ والقيم التي نؤمن بها جميعًا. قلبي سيبقى مع طرابلس والشمال وكل لبنان، وإلى لقاء قريب، نجدِّد عبره العهد لقيام الدولة العادلة وتوفير مقوّمات الاستقرار لوطننا الغالي".
بعد هذا المهرجان الحاشد، وما قيل فيه من كلمات وسُجِّل فيه من مواقف، لم نعد أمام "حزب ولاية الفقيه" كما ظهر في إثر حرب تمّوز، ولا كما ظهر في لحظة احتلال وسط بيروت، أو في لحظة اجتياحه لبيروت، ولا حتى أمام الحزب كما ظهر، أو لم يظهر، في صبيحة "القمصان السود". نحن أمام حزب في خريف العمر، غزاه الشيب بسرعة منقطعة النظير في الأشهر العشرة الماضية، وصار كلام قيادته طقسيًا محضًا تخوين وشتم وكذب وتطاول وافتراء، وهو لن يستطيع بشجرة واحدة يابسة ميتة أن يخفي كل ربيع العرب.
حال الحزب، من حال حليفه السوري، ذعر السقوط يجعله يدافع عن نفسه مختلقًا الأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد. وفي هذا الإطار، كذب وليد "المعلّك" كما سمّاه الناشطون السوريون في تعليقاتهم على "فايسبوك"، فالكذب ملح النظام وديدنه. قرّر "المعلّك" أن يدين شبان سوريا وأهلها فعرض صورًا مؤسفة حصلت في لبنان! يفعل أي شيء ليقول إن نظامه مُحِقّ في حربه على شعبه. يعرض افتراءاته على اللبنانيين والسوريين ويعيد نبش المآسي مصرًّا على الكذب.
إذا لم تستح فاكذب ما شئت. هذا هو حال رئيس الديبلوماسية السورية الوزير "وليد المعلم" الذي عرض في مؤتمره الصحافي في 28/11/2011، أفلامًا مصوّرة يقول إنها لمقاتلين لبنانيين في سوريا، بينما هي في الواقع تنقل مشاهد للمعارك التي حدثت بين "باب التبانة" و"جبل محسن" في العام 2008 في شمال لبنان، وهي موجودة على موقع "يوتيوب" منذ ذلك التاريخ!
كما عرض أيضًا صورة لأحد الأشخاص معلَّقًا على عمود كهربائي، ومن ثم يُسحَب على الأرض لاحقًا، زاعمًا أن من يقوم بهذا هم مسلّحون (إرهابيون) في سوريا، فيتبيَّن أن الصورة موجودة على موقع "يوتيوب" منذ العام 2010، وهي لواقعة قتل العامل المصري الذي نفّذ جريمة "كترمايا" في لبنان أيضًا.
في غضون ذلك، وبعيداً من الفوضى والعنف والتجاوزات التي كانت تشوب الانتخابات المصرية مدى عقود خلت، وقف الناخبون المصريون في هذا اليوم صفوفًا طويلة منظمة أمام مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى للانتخابات النيابية الأولى منذ تنحي الرئيس "حسني مبارك"، في عملية شكّلت استمرارًا للنضال الديموقراطي الذي أطلقته "ثورة 25 يناير"، وإن تكن أثارت شكوكًا في النتيجة النهائية للثورة. وتشير كل التقديرات في مصر الى أن "الإخوان المسلمين" القوة السياسية الأكثر تنظيمًا في البلاد، ستفوز بأكبر عدد من المقاعد الـ 498. وبموجب الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، ستلي انتخابات مجلس الشعب عمليات الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس الشورى بدءًا من 29 كانون الثاني حتى 12 آذار .وبعد ذلك، يختار مجلس الشعب خلال مهلة لا تتجاوز ستة أشهر لجنة من 100 عضو لوضع دستور جديد للبلاد، على أن تنهي مهمتها خلال الأشهر الستة التالية.
وقد شهدت المرحلة الأولى من الانتخابات نسبة مقترعين تاريخية، بلغت 62 في المئة، وفاقت توقعات المصريين قبل الأجانب، لتنتهي المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية بفوز كبير لـ"الإخوان المسلمين" الذين حصلوا على أكثر من 40 في المئة من المقاعد. أما حزب "النور السلفي" الذي حصلت قوائمه على 24 في المئة من أصوات الناخبين فشكّل مفاجأة الانتخابات. بيد أن ملامح مجلس الشعب المقبل لن تكتمل إلا في كانون الثاني 2012، عندما تنتهي جميع مراحل الانتخابات.
كويتيًا، تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية التي دخلت منعطفًا جديدًا باقتحام مبنى مجلس الأمة في 16 تشرين الثاني، استقالت الحكومة الكويتية قبيل تظاهرة ضخمة للمعارضة تطالب بإسقاطها، وسط أنباء عن احتمال حل مجلس الأمة.
وفي المغرب، عيّن العاهل المغربي الملك "محمد السادس" في 29/11/2011، زعيم "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل الفائز في الانتخابات النيابية "عبد الإله بن كيران" رئيسًا للوزراء. وحصل "حزب العدالة والتنمية" على 107 مقاعد في الانتخابات النيابية المبكرة التي أجريت في 25 تشرين الثاني من أصل 395 مقعدًا. وسيتولى للمرة الأولى رئاسة حكومة ائتلافية تحت أنظار الملك كما هو العرف في المملكة المغربية.
أما في اليمن، فقد وعد رئيس الوزراء اليمني المكلف "محمد باسندوه" بإعلان حكومته خلال أيام. وقال إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ستساعدان بلاده بالنفط والكهرباء. وبموجب اتفاق سلام توسط فيه مجلس التعاون الخليجي، كلِّف "باسندوه"، وهو وزير سابق للخارجية، تأليف حكومة انتقالية بعدما نقل الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" سلطاته إلى نائبه الفريق عبد ربه منصور هادي بعد احتجاجات بدأت قبل نحو عشرة أشهر مطالبة بإطاحة "علي صالح".
سوريًا، انضمت تركيا الى جامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية على سوريا، في خطوة لقيت ترحيبًا أميركيًا. القرار التركي الذي اتخذ في 29/11/2011، شمل خصوصًا تجميد الصفقات التجارية مع الحكومة السورية، وكذلك بين المصرفين المركزيين السوري والتركي. وبعد ساعات من إعلان العقوبات التركية، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء عن مصادر إعلامية، أن التهديدات التي تتعرّض لها سوريا جعلت المسؤولين السوريين يتخذون قرارًا بنشر صواريخ "سكود" على الحدود مع تركيا والعراق موجهة نحو الأراضي التركية .
أما في لبنان، فقد سُجِّل منتصف ليل ذلك اليوم، إطلاق صاروخين "غراد" سقطا في محيط "بيرانيت" قبالة "عيتا الشعب" و"رميش". وردَّت المدفعية الإسرائيلية بإطلاق ست قذائف مدفعية على "محلة الشحار" في خراج "عيتا الشعب" و"دبل" و"حانين".
وفيما أعتبرت مصادر قيادية في قوى 14 آذار أن صواريخ الجنوب "جاءت بعد تحذير وزير خارجية سوريا وليد المعلم من تأثير الموقع الجغرافي لبلاده على الجوار في سياق الأحداث السورية". سارعت إسرائيل الى تبرئة "حزب ولاية الفقيه"، مع نقل إذاعة الجيش الاسرائيلي عن مسؤولين في الجيش أن الحزب "ليس مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ على ما يبدو"، موضّحين أن "جماعات فلسطينية أو إسلامية صغيرة قد تكون وراء هذه العملية". وأكدوا أنهم "لا يريدون التصعيد مع الحزب"، وأن الردود على هذه الصواريخ ظلت "محدودة وانتقائية".
ربما، صدق الإسرائيليون هذه المرة؛ فـ"سيّد السلاح"، يدرك جيِّدا أن القضاء على ترسانة حزبه العسكرية لن يستغرق أكثر ساعات معدودات في حال اندلاع أي حرب جديّة، فهو يعلم أن لدى الجيش الصهيوني معلومات وافية ودقيقة عن كافة تشكيلات "حزبه" وأماكن تخزين ونصب صواريخه، وطرق القيادة، وأماكن القياديين... فكل ذللك يتم أصلا تحت إشراف الأقمار الصناعية وطائرات العدو الاستطلاعية التي لا تفارق الأجواء اللبنانية، ولذلك لم يقتنع كثيرون بما سمّي "حرب تموز 2006" التي بقي الحزب فيها يطلق صواريخه (التي لم تصب سوى التلال والوديان وأحياء العرب في حيفا) حتى ساعة وقف إطلاق النار، خصوصًا بعدما تبيّن أن "تصفية منصات صواريخ الحزب لم تتقرّر كهدف مركزي للقتال في لبنان"، كما ورد في شهادات جنود إسرائيليين أدلوا بها أمام لجنة الخارجية والأمن في "الكنيست"، ونشرتها صحيفة "معاريف" الاسرائيلية في30/10/2006.
فهل سيُقدم "سيد السلاح" على الانتحار من خلال فتح جبهة الجنوب اللبناني على إسرائيل في حال استُعمل الخيار العسكري ضد سوريا أو إيران؟ أم أنه سيَعتبر من "خطأ" حليفه "بشار الأسد"؟
لا شك أن "حزب ولاية الفقيه" يعيش اليوم أسوأ أيامه، فالمكابرة لم تعد تفيده، وخطابه عفا عليه الزمن، وهو خاسر في كلا الحالتين ما لم يتصالح مع شعبه ويذعن لمنطق الدولة وينخرط في جو الربيع العربي.
قاومت العين المخرز، وأكلت النعجة الذئب، وفر الأسد من الغزال...نعم، كل ذلك ممكن وقد حدث في لبنان سنة 2011، وتحديدًا في آخر يوم من تشرين الثاني.
بعد الضغوط الدولية الجادة والمنذرة بعقوبات مؤلمة ستطال لبنان إن لم يدفع الحصة المتوجبة عليه للمحكمة الدولية، وبعد الزلزال الكبير الذي لا يزال يزعزع أركان النظام "الأسدي" المتهاوي في سوريا، لم يجد فريق 8 آذار مفرًا من سداد حصة لبنان من تمويل المحكمة حتى آخر "سَنْتٍ" منها، لكن بعد مماطلة طويلة لم تخلُ من عراضات وعنجهيات وهوبرات تولّى أمرها الجنرال ميشال عون. إلا أن بطل المسرحية الكبرى بلا منازع، كان رئيس حكومة "ربع الساعة الأخير" "نجيب ميقاتي"، وقد تمّ توزيع الأدوار على الشكل التالي:
حملة مركّزة من جنرال "الرابية" ترفض تمويل المحكمة رفضًا قاطعًا وتطعن في قانونيتها وشرعيّتها، قابلها تهديد دعائي بالاستقالة من الرئيس "ميقاتي" في حال لم يتمّ تمويل المحكمة، رافقه موقف صادق داعم للتمويل من وزراء "جبهة النضال الوطني" التي تخطو بقيادة النائب "وليد جنبلاط" بانتباه وتأنٍ نحو قوى 14 آذار. واكب ذلك دعوة إلى إيجاد الحلول المناسبة وعدم التضحية بالحكومة من رئيس مجلس النواب "نبيه بري". كل ذلك، وسط صمت "مدوٍ" من "حزب ولاية الفقيه"، قائد الأوركسترا الحقيقي، وموزّع الأدوار الوحيد، وكاتب السيناريو والمخرج، في آن معًا.
أعطى "حزب ولاية الفقيه" رئيس الحكومة الضوء الأخضر لتمويل المحكمة الدولية، فأعلن نجيب ميقاتي عن تحويل المبالغ المستحقة على لبنان عن طريق "الهيئة العليا للإغاثة"، بعدما لجأ إلى حاكم مصرف لبنان الذي أمن قرضًا سريعًا للهيئة لكي لا يقال إنها موّلت من ميزانية الدولة وبموافقة الحكومة، مع العلم أن الحكومة لا تستطيع قبول ليرة لبنانية واحدة إلا عبر مرورها في مجلس الوزراء.
النائب ميشال عون مسح بدوره كل مواقفه المعلنة ضد المحكمة الدولية وتمويلها وقرر مشاركة "حزب ولاية الفقيه" والرئيس "نبيه بري" في خيار تغطية التمويل، ومع إعلان "ميقاتي" تحويل التمويل، سجّل الحزب المتهم خطوة في اتجاه الاعتراف بالمحكمة، وإن كان التمويل مجرّد خطوة يريدها لمنع انهيار هيكل الحكومة.
هنيئا للمحكمة شرعيّتها المنتزعة من الأيدي المرتفعة والحناجر المزمجرة النافية لوجودها. أما الخاسرون فكُثُر: الخاسر الأول رئيس الحكومة، لأنه اضطر إلى تهريب قرار التمويل في دلالة على عجزه عن السيطرة على مجلس وزارئه. الخاسر الثاني "حزب ولاية الفقيه" الذي صرف الريق والحبر والمطالعات والصدقية، قبل أن يأتيه القرار السيادي من خارج الحدود، فصارت المحكمة غير إسرائيلية ولا أميركية. والخاسر الثالث العماد "عون" الذي ما انفك يزايد على كل حلفائه وذهب إلى حد "قطع اليد" قبل التوقيع على التمويل.
وبالنسبة لميقاتي، ليس تمويل حصة لبنان من المحكمة الخاصة بلبنان بهذه الطريقة الالتفافية، وكأنها تهريبة مخدرات، بالانجاز الكبير الذي يُسجَّل لرئيس الحكومة، بل إن الإنجاز، بصرف النظر عن الطريقة التي تشي بحقيقة أصحابها، يُسجل للشعب اللبناني الحر الذي كانت مطالبته بمعرفة الحقيقة وطلب العدالة منذ 2005 الى اليوم، الصخرة التي وقفت عليها كل مواقف 14 آذار، والتي ما دانت مرة لمنطق القتلة.
حاولت قوى 8 آذار قلب الحقائق والدخول في مسرحية جديدة لإيهام الرأي العام وجمهورها تحديدًا، وحفظًا لماء الوجه، فصبّت مواقفها في اتجاه لصق "التمويل" بميقاتي، على أنه اجتهاد فردي وشخصي منه، وتحميله مسؤوليته، وإظهار الامتعاض من الخطوة التي أقدم عليها.
وفي هذا السياق، قال الوزير "جبران باسيلّ، في أول تعليق لعضو في "التكتل العَوني"، إنه "إذا صح ما حصل شكلا، فهذا يعني أنه يضيف مخالفة الى سجل من وقَّع عليها. أما مضمونًا فهو لا يغيّر واقع كون لبنان مخطوفًا ومقرصنًا ويدفع ثمن خطفه".
وفي المقابل، وصف "تيار المستقبل" تحويل حصة لبنان في تمويل المحكمة بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح ونتيجة حتمية لنضال اللبنانيين في سبيل المحكمة وتحقيق العدالة". ورأى أن هذا الإجراء "هو إقرار من جميع أعضاء الحكومة وفي طليعتهم "حزب الله" بأهمية المحكمة التي نريدها سبيلا لتوفير مقومات الاستقرار"". وأضاف أن "حزب الله" مسؤول عن متابعة المسار الذي بدأه لتغطية تمويل المحكمة عبر المساعدة في تسليم المتهمين الأربعة الى السلطات اللبنانية (…)، وحزب الله اعترف اليوم بشرعية المحكمة عبر تمويلها من غير أن يلجأ الى الاستقالة من الحكومة".
وانتقدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار "صيغة تهريب التمويل"، رافضة "الشكل الذي يجعل قضية وطنية بحجم العدالة للبنان وشهدائه موازية لحادث من فعل الطبيعة يعالج من خارج مجلس الوزراء".
وبدوره رحّب "حكيم ثورة الأرز" سمير جعجع بقرار تمويل المحكمة الدولية. ورأى أن موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "جاء بصفته الرسمية كرئيس للحكومة اللبنانية، لذا شِئنا أم أبينا فان حزب الله وحلفاءه اعترفوا بالمحكمة الدولية باعتبار أنهم الأكثرية في الحكومة، من هنا لا ينبغي بعد اليوم لحزب الله وحلفائه الادعاء أن هذه المحكمة أميركية - إسرائيلية. والخطوة الثانية المطلوبة من حزب الله هي تسليم المتهمين الى المحكمة، فيما الخطوة الثالثة تكمن في متابعة إجراءات المحكمة وفقاً للمنطق القانوني".
وفي إطار الردود الدولية، رحّبت الولايات المتحدة بقرار لبنان دفع حصّته من تمويل المحكمة. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، بأن عمل المحكمة "فرصة للبنان لتجاوز تاريخه الطويل في الإفلات من العقاب بسبب العنف السياسي". كما حيّت الخارجية الفرنسية القرار، وهنّأت الرئيس ميقاتي عليه، مؤكِّدة أن "القرار يسمح للبنان بالتقيّد بالتزاماته الدولية".

  

 


كانون الأول 2011.. بعثة مراقبين برئاسة ميليشيوي!

الأول من كانون الأول 2011، كان أشبه بالأول من نيسان الذي يمكن وصفه باليوم العالمي للكذب، ويدرك ذلك جيدًا من استمع الى خطاب أمين عام "حزب ولاية الفقيه" حسن نصر الله، في خطابه الأول بعد تمويل المحكمة.
ظهرالأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" في الأول من كانون الأول وكأنه يعلِن إفلاسه الفكري والسياسي والمنطقي، استعدادًا للحظة التي سيعلن فيها إفلاسه الشعبي عندما سيضطر إلى رفع يده عن "حركة أمل" وعن الطائفة الشيعية التي ستستعيد حرية قرارها مع سقوط النظام السوري، وسيُتاح لها حرية العمل السياسي.
عندما نرى "حزب ولاية الفقيه" ممثلاً برئيس وزراء حكومته -الذي اعترف شخصيًا أنه هو من قام بتعيينه- يموِّل محكمة تدينه بأدلة قوية، ولطالما وصفها "بالأميركية والإسرائيلية والظالمة" وأنها "ستذهب أدراج الرياح"، ندرك يقينًا أن هذا الحزب يعيش اليوم ومنذ 15 آذار2011 أسوأ أيامه وربما آخرها، وأكثرها إحراجًا بلا شك؛ فهو يرى من زاوية أولى محور "الشر" الذي ينتحل صفة "المقاومة" و"الممانعة" قد افتضح أمره وهو آخذ في الانهيار، ومن زاوية ثانية يرى قوى 14 آذار تستعيد تألّقها وقوّتها وتماسكها، فلم يعد السلاح الميليشيوي يُخيفها ولا الإصبع المرفوع يرهبها.
لم يلجأ "نصر الله" في مرافعته إلى منطق "عنزة ولو طارت" فقط والذي دأب على استخدامه في خطبه متذاكيًا ومستغبيًا سامعيه، بل طعمّه هذه المرة بمنطق "اللا منطق"، ليخلص في النهاية إلى التملّص من مسؤوليته الكاملة عن قرارتمويل المحكمة الدولية، وهو ما دفعنا الى التساؤل حقيقة ما إذا كنا في 1كانون الأول أم في 1 نيسان؟!
فبعدما قام بشنّ هجوم حاد على "تيار المستقبل" وزعيمه الرئيس "سعد الحريري"، متّهمًا "التيار" باتباع "سياسة التحريض الطائفي والمذهبي، واستغلال حوادث وتوجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة لإحداث فتن مذهبية في مناطق معينة"، أكّد أن "موقفنا من المحكمة هو أنها غير دستورية وغير شرعية، وهي محكمة أميركية إسرائيلية ومسيّسة وظالمة، ولو عقدت الجلسة (مجلس الوزراء) وعرض التمويل كنا سنصوّت ضد"! والعجيب أن "نصر الله" تابع بعدما ذكّر بأن ميقاتي "أخذ القرار على مسؤوليته"، مضيفًا: "مع تأكيدنا الثابت لرفض شرعية المحكمة ودستوريتها، إلا اننا لن نوجد مشكلة في البلد وسنقدّم المصلحة الوطنية العليا"!!!
قبل يوم واحد من كلامه هذا كنا نقول: إذا سلّمنا جدلاً أن التمويل تمّ بخطوة فردية من الرئيس "ميقاتي"، فهذا اعتراف ضمني من "نصر الله" بالقبول به، وبالتالي بشرعية المحكمة ذاتها، وهو ما يعني أيضًا أن المحكمة نزيهة، وأن "سيد السلاح" خدع جمهوره وحاول خداع كافّة اللبنانين بزعمه أن المحكمة إسرائيلية أميركية، وإلا -كما قال حكيم "ثورة الأرز" الدكتور "سمير جعجع"-"فلو كانت المحكمة كما تدّعون أميركية-إسرائيلية ومسيّسة، ألم يكن من المفترض أن تستقيل أكثريّتكم فيُصبح الرئيس ميقاتي مستقيلاً وبالتالي لا يعد بإمكانه تمويلها، إلا اذا كان موقفكم من المحكمة تجاري ووفقاً لمصالحكم؟".
وأما بعد كلام "السيد" الأخير، فقد بات عليه أن يسلّم نفسه إلى محاكم حزبه أو محاكم الدولة اللبنانية إذا كان يعترف بها، لكي يحاكم بتهمة العمالة، أو على الأقل بتهمة تغطية العملاء، إن سلّمنا بأن "ميقاتي" أقدم على التمويل بغير علم الحزب. فبعدما زعم "نصر الله" أن ميقاتي "أخذ القرار (قرار التمويل) على مسؤوليته"، وأكّد أن "موقفنا من المحكمة هو أنها غير دستورية وغير شرعية، وهي محكمة أميركية إسرائيلية ومسيّسة وظالمة"، طمأن "أننا لن نوجد مشكلة في البلد وسنقدّم المصلحة الوطنية العليا"! فهل أصبح في قاموس "الحزب" القبول بالعمالة لإسرائيل وأميركا وتغطية العملاء الذين يموِّلون مصالح العدو، كلاهما مصلحة وطنية عليا؟!
وكأننا بعد هذا الكلام بـ"خريف السلاح" يعاتب "سيِّده" قائلاً: "ليتك لم تموِّل ولم تتكلّم، فالأول كان مصيبة، أما في الثاني فالمصيبة أعظم".
على هامش موضوع تمويل المحكمة الدولية الذي طغى على الشارع السياسي، كانت منطقة "عكار" مصدومة بقرار مفتي الجمهورية "محمد رشيد قباني"، عدم التجديد لمفتي عكار الشيخ "أسامة الرفاعي"، المعروف بتأييده لـ"ثورة الأرز" ولـ"تيار المستقبل". وقد أثارت هذه الخطوة المفاجئة، والتي تحمل مدلولات ذات أبعاد سياسية واضحة، ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والشعبية على السواء، حيث تداعى نواب "عكار" إلى عقد اجتماع عاجل للبحث في الخطوات الواجب اتخاذها تجاه "دار الفتوى" للتراجع عن هذا القرار، فيما غصّ منزل المفتي "الرفاعي" بوفود شعبية من مختلف قرى "عكار" و"المنية" و"الضنية"، تأييدًا لاستمراره في منصبه•
وفيما عُلم أنه تمّ إحاطة الرؤساء "نجيب ميقاتي" و"سعد الحريري" و"فؤاد السنيورة" بالأمر لإجراء المقتضى، أكّد الرفاعي بأن الذي حصل من قبل مفتي الجمهورية اللبنانية مقصود وكيدي، وبأنه انتقام سياسي، وقال: "المفتي قباني للأسف إرتمى بأحضان الآخرين، أحضان الضاحية و8 آذار"، وأضاف: "إن الفساد في دار الإفتاء قد بلغ ذروته من سرقة وإختلاسات من قبل المفتي قباني ونجله"، وأسف "الرفاعي" لقرار المفتي "قباني" المخزي الذي ترك سياسة أهل السنة، واتبع سياسة الضاحية وحلفائها".
دوليًا، برز إقرار واشنطن بخلاف مع إسرائيل على إيران. فقد قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال "مارتن ديمبسي" إنه لا يعلم ما إذا كانت إسرائيل ستخطر الولايات المتحدة سلفًا إذا قرّرت القيام بعمل عسكري ضد إيران. وأقر أيضًا باختلاف الرؤى بين الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن أفضل السبل للتعامل مع إيران وبرنامجها النووي.
أما في الكويت، فقد عيّن أمير الكويت الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح" وزير الدفاع الشيخ "جابر مبارك الصباح" (69 سنة) رئيسًا جديدًا للوزراء، خلفًا للشيخ "ناصر المحمد الأحمد"، الذي تتهمه المعارضة بالفشل في محاربة الفساد.
مطلع كانون الأول 2011، زادت واشنطن والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، عقوباتها على سوريا، في محاولة لثنيها عن المضي في القمع الدامي لحركة الاحتجاج المطالبة باسقاط الرئيس "بشار الأسد"، فيما ردّت دمشق بتعليق اتفاق التجارة الحرة مع تركيا، وبتعليق عضويتها في "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي تأسس عام 2008 بمبادرة فرنسية. وأعلنت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أنّ عدد قتلى الاحتجاجات المستمرة منذ ثمانية بلغ أكثر من أربعة آلاف شخص، منهم 307 أطفال، وأن عشرات الآلاف من الأشخاص اعتقلوا، وأن أكثر من 14 ألفًا موقوفون في ما يتصل بعمليات القمع. ولجأ 12400 شخص على الأقل الى البلدان المجاورة، وأن البلاد على شفا حرب أهلية.
أما موسكو فرأت إرسال حاملة طائرات أميركية لإجراء مناورات قبالة السواحل السورية، خطوة من شأنها عرقلة التوصل الى حل سياسي للأزمة، وأعلنت أنها سلّمت سوريا منظومة متحركة للدفاع عن السواحل، تشمل صواريخ عابرة مضادة للسفن في إطار عقد وقع عام 2007.
وبعد المملكة العربية السعودية، والبحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، دعت الإدارة القنصلية في وزارة الخارجية الكويتية المواطنين الموجودين حالياً في الجمهورية العربية السورية، الى مغادرتها حفاظًا على سلامتهم.
وعلى صعيد تحركات المعارضة، التقى وفد من "المجلس الوطني السوري" للمرة الأولى قيادة "الجيش السوري الحر"، الذي تشكّل من جنود انشقوا عن الجيش السوري. فاعترف المجلس بالجيش السوري الحر على أنه حقيقة، فيما اعترف هذا الجيش بالمجلس ممثلاً سياسيًا للمعارضة.
أما إسرائيليًا، فكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تتحدّث عن إعداد واشنطن وموسكو منذ أسابيع خطة تستند الى النموذج اليمني، وتقضي بأن ينقل الرئيس السوري "بشار الأسد" الحكم إلى شخص آخر في دمشق في مقابل حصوله على "منفى مريح" في روسيا. وادعت أن "حزب الله ينقل أسلحة من سوريا إلى لبنان تحسبًا لسقوط الأسد، ووقف إمداد الحزب بالسلاح". وقالت إن "إسرائيل تتخوّف من أن يشمل ذلك أسلحة امتنع الأسد حتى الآن عن نقلها إلى الحزب"، وأن مقاطعة الغرب له جعلته يغير موقفه.
في لبنان، كان الثاني من كانون الأول حافلاً بالحوادث، شمالاً وجنوبًا. فبينما لا يزال قرار تمويل حصة لبنان في المحكمة الخاصة يثير تردُّداته بين القوى السياسية، تطورت الأوضاع الأمنية على الحدود الشمالية على نحو دراماتيكي، إثر بلوغ رشقات الرصاص من الجهة السورية عددًا من المنازل في قريتَي "بني صخر" و"البقيعة" اللبنانيّتين قرب الجسر الغربي في "وادي خالد"، مما تسبّب بإصابة أربعة مواطنين وسوري بجروح.
أما في الجنوب، فجاء توقيف عناصر ميليشيوية تنتمي الى "حركة أمل" "معمل الزهراني" لتوليد الكهرباء عن العمل، ليُخَفِّضَ إنتاج الكهرباء بنسبة 37 في المئة في لبنان، وذلك في انعكاس لجو التوتر بين الجنرال "عون" الذي يتولّى صهره "جبران باسيل" وزارة الطاقة، وبين رئيس "حركة أمل" "نبيه بري"!
وفي التفاصيل، أن "باسيل" أعطى "حزب ولاية الفقيه" التلزيم في البقاع، وحركة "أمل" في الجنوب بقيمة 130 مليون دولار. وتقضي شروط المناقصة بأن يضع مقدمو الخدمة مبالغ في مصرف لبنان، على أن يقبضوا في المقابل بعد ثلاثة أشهر. ما حصل أن جماعة "الحركة" طلبوا ضمانًا وأداروا ظهورهم للصفقة موقتًا، لكن "باسيل" لم ينتظر، بل تطلّع إلى غيرهم لتلزيمهم الصفقة. ورد الفعل جاء عاجلاً وصاعقًا: احتلال معمل كهرباء الزهراني وفصله عن الشبكة، في حدث غير مسبوق في تاريخ لبنان، حتى في غز فصول الحرب الأهلية!
على صعيد آخر، ردّ الرئيس "سعد الحريري" على مواقف "نصر الله" الأخيرة، ببيان جاء فيه:"(...) السؤال الذي يتبادر الى ذهن أي مواطن لبناني عادي، وخصوصًا الى ذهن جمهور "حزب الله": كيف تغطّي قيادة الحزب وأمينه العام ومجلس الشورى فيه، تمويل محكمة يقولون إنها إسرائيلية؟ (...) والحقيقة تبقى أن المحكمة الدولية حصلت على التمويل وألف خطاب من مثل هذا الخطاب لن يلغي اعتراف الدولة اللبنانية بالمحكمة ومسارها".
وتابع البيان: "إن السيد حسن بدا منزعجًا جدًا من تيار المستقبل ومن الحملات السياسية لنواب تيار المستقبل التي حاول أن يضفي عليها لباسًا طائفيًا ومذهبيًا، حاجبًا حقيقة أنها خلاصة لمواقف وطنية تعبّر عن رفض فئة كبيرة من اللبنانيين لهيمنة سلطة السلاح. إن تركيزه على ما يزعم أنه مذهبية التحركات الشعبية والسياسية(...)، إنما هو كلام مردود إلى صاحبه وبضاعة فاسدة لن تجد من يشتريها في الربيع العربي".
وقال: "عبّر الخطاب أيضًا، بمرارة وبحرقة غير مسبوقتَين، عن انزعاجه غير المحدود من الرئيس سعد الحريري، حتى بدا من تفاصيل الخطاب أن كلمتَي سعد الحريري عالقتان في حلق السيد حسن وقد ردّدهما في كل طالعة ونازلة من خطابه(...)،وهو يقول إن الرئيس سعد الحريري عمل ليل نهار لتعطيل المبادرة السعودية – السورية، ثم يردف قائلا أنه هو شخصيًا المسؤول عن تعطيل المبادرة، وهو شخصيًا أيضا من أبلغ رئيس وزراء قطر ووزير خارجية تركيا بالرفض!(...) والرئيس الحريري لن ينحدر إلى سجال المزايدة في كشف أوراق تصونها أخلاقية رجال الدولة في سعيهم مع ملوك ورؤساء ومسؤولين كبار للوصول إلى مصالحة ومسامحة حقيقية لحماية لبنان".
كما وافق هذا اليوم الذكرى الـ22 للرئيس الشهيد "رينه معوض"، حيث قال نجله "ميشال": "البعث يسقط، والعسكريتاريا العربية انتهت، وحلم رينه معوض يتحرّر"، وحض رئيس "حركة الاستقلال" 14 آذار على حزم أمرها والشروع في محاورة" المجلس الوطني السوري" من أجل بناء علاقة نديّة وسليمة بين البلدين. كما ذهب الى تجديد الدعوة الى المسيحيين" لعدم الخوف من الربيع العربي وأن يكونوا رواد الديموقراطية والعروبة"."إن البعث يسقط والعسكريتاريا العربية كذلك".
وتحت عنوان "لن ننسى"، سرد مواجهات جرت بين الجيش السوري واللبنانيين في زحلة، والأشرفية، وعين الرمّانة، والشمال، وعدّد أسماء"شهداء سقطوا على درب جلجلة لبنان، معتبرًا أن "كل ذلك تمّ تحت عنوان الممانعة والصمود، ومرحبا جولان". ولم ينس لازمة التذكير برفض سلاح "الحزب" والدويلة الموازية للدولة، وانتزع تصفيقًا حارًا من الحضور.
أما في الشأن السوري، فقد ندّد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان، في قرار اتخذه في جلسة طارئة، بـ"الانتهاكات الواسعة والمنهجية والجسيمة" التي تمارسها السلطات السورية في حق المتظاهرين المطالبين بإسقاط الرئيس السوري "بشار الأسد". وتبنّى القرار بغالبية 37 صوتًا وامتناع ست دول عن التصويت ومعارضة روسيا والصين وكوبا والاكوادور.
ووقت يواصل الغرب ضغوطه لإسقاط النظام السوري، برز تطوّر لافت يخصّ لبنان ومستقبله تحديدًا، حيث حدّد رئيس "المجلس الوطني السوري" المعارض "برهان غليون" بعض ملامح السياسة الخارجية التي ستنتجها المعارضة عندما تتولّى الحكم، وفي مقدّمها "فك العلاقات العسكرية مع إيران، وقطع الإمدادات لـ"حزب الله" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والتفاوض مع إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة". وقال إن حكومة سورية بقيادة "المجلس الوطني السوري" ستنهي إمدادات الأسلحة للمجموعات المسلحة في الشرق الأوسط مثل "حزب الله" و"حماس"، موضحًا أن هذا الأمر سيكون جزءًا من عملية أوسع لإعادة توجيه السياسة السورية نحو تحالف مع القوى العربية الأساسية. وأضاف إن حكومة سورية جديدة برئاسة المجلس، ستعمل على "اقامة علاقات طبيعية مع لبنان بعد عقود من الهيمنة عليه عبر الجيش والقنوات المخابراتية". ورأى أن "حزب الله" لن يبقى كما هو الآن".
مهلة جديدة لقتل الشعب السوري، مدتها 24 ساعة، أعطتها جامعة الدول العربية في الثالث من كانون الأول للرئيس السوري، للتوقيع على بروتوكول إرسال بعثة من المراقبين الى سوريا للتحقّق من الأحداث الجارية على الأرض، وقد صادقت على حزمة من العقوبات الاقتصادية، كحظر توريد جميع أنواع الأسلحة إلى سوريا من الدول العربية، وخفض الرحلات الجوية الفعلية "من وإلى" سوريا بمعدل 50 في المئة، بما فيها الطيران السوري، على أن يبدأ التنفيذ اعتبارا من 15 كانون الأول 2011 إلى نهاية الشهر. الى ذلك، حذَّرت الجامعة من خروج الوضع من الأيدي العربية، في إشارة واضحة الى احتمال التدويل.
"جنبلاط" لا يزال ينفّذ خطة انسحابه التدريجي من المحور السوري-الإيراني؛ ففي الرابع من هذا الشهر، وبعدما تقدّمه مسيرة الى ضريح والده الذي قضى علىّ أيدي النظام البعثي المجرم، ناشد "الزعيم الدرزي" دروز "جبل العرب" في سوريا "ألا تنجرُّوا الى قتال إخوانكم في حمص أو حماه أو درعا وغيرها من المناطق، لأن الفتنة قد تطال مناطقكم نتيجة تورّط البعض في الدخول مع قسم من الشبيحة، وإرسال السلطة المجندين الى مناطق أخرى ليُقتلوا".
في هذه الأثناء، انقضت المهلة الأخيرة التي حدّدتها جامعة الدول العربية لدمشق كي توقع البروتوكول المتعلق بإرسال بعثة من المراقبين الى سوريا، دون حصول التوقيع، لكن وزارة الخارجية السورية أفادت أنها لا تزال تتفاوض مع الجامعة للاتفاق على "رؤية معينة" لتسهيل مهمة المراقبين والحفاظ على مصالح سوريا وسيادتها. وأعلن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا أن حصيلة قتلى الثورة السورية منذ نشوبها بلغ 5000 قتيل على الأقل بينهم 1700 قتيل في مدينة حمص وحدها!
وفي سياق متّصل، أفاد ديبلوماسيون أن عشرات من الناشطين في حركة المقاومة الاسلامية "حماس"، عادوا بهدوء من دمشق الى قطاع غزة، مع إقدام الحركة الاسلامية على تخفيف وجودها في سوريا تحسُّبًا للمستقبل الغامض للرئيس السوري "بشار الأسد".
في اليوم التالي، أعلنت دمشق أنها ردّت بـ"ايجابية" على جامعة الدول العربية في ما يتعلق بتوقيع بروتوكول نشر مراقبين في البلاد "وفق الاطار الذي يستند الى الفهم السوري لهذا البروتوكول"، واشترطت أن يتلازم التوقيع مع رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجامعة على سوريا، وأن يُلغى قرار تعليق مشاركة دمشق في الاجتماعات التي تعقدها الهيئات التابعة للجامعة. ووقت قال الأمين العام للجامعة نبيل العربي إن مشاورات تجري في شأن الرد السوري، سقط العشرات من القتلى في تصاعد لموجة العنف الطائفي في مدينة حمص. وفي تطور أمني خطير، نقلت الى المستشفيات في حمص أكثر من 60 جثة.
وفي مزيد لتوضيح المعالم السياسية لسوريا "الجديدة" وانفصالها عن "محور الشر" الذي سينهار على أثر ذلك، قال "برهان غليون" في 6/12/2011، إن إيران "تشارك في قمع الشعب السوري"، من خلال دعمها للأسد، الذي عمل نظام أسرته، على مدى نحو 40 عامًا، كحليف طويل الأمد لإيران. وأعرب عن أمله في أن "يدرك الإيرانيون أهمية عدم الإضرار بالعلاقات السورية ـ الإيرانية، من خلال الدفاع عن نظام بات من الواضح أن شعبه يرفضه، بل أصبح نظاماً لتعذيب شعبه". وتابع: إن على طهران أن تفهم أن "هذه هي الفرصة الأخيرة لتجنب مصير لا نرغبه للعلاقات السورية ـ الإيرانية". وبالنسبة لـ"حزب ولاية الفقيه" في لبنان"، قال "غليون": إن "الشعب السوري وقف يومًا ما إلى جانب حزب الله بشكل كامل، ولكنهم اليوم متفاجئون من أن حزب الله لم يرد الجميل ويدعم نضال الشعب السوري من أجل الحرية".
وقد لاقى الرئيس "سعد الحريري" رئيس المجلس الوطني السوري على الموجة نفسها، في اليوم التالي، فهو إذ أكّد أن أيام الأسد "معدودة"، لفت إلى أنّ "سقوط النظام السوري لن يؤثر في لبنان إلا إيجابًا، ويجب كسر جدار الخوف كما كسرتموه في العام 2005". وأكد أن "هذه الحكومة ستسقط عاجلاً أم آجلاً، وسنعمل على ذلك، فنحن معارضة ديموقراطية، ولسنا معارضة مسلحة". ولفت من جهة أخرى إلى أن قرار المفتي "قباني" بحق مفتي عكار "أسامة الرفاعي" لم يكن عادلاً، مضيفًا "أنا من دعاة أن يكون الدكتور الرفاعي مفتيًا لعكار بالأصالة".
في غضون ذلك، كان طاغية الشام "بشار الأسد"، يطلق بعض الأكاذيب في مقابلة له مع شبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية للتلفزيون، حيث نفى أن يكون أصدر أوامر بقتل متظاهرين يطالبون بإسقاطه، معتبرًا أنه لا يمكن أي شخص أن يفعل ذلك إلا اذا كان مجنونًا. بيد أن الإدارة الأميركية سارعت الى استغراب هذا التصريح قائلة: إما أن الأسد منفصل عن الواقع"، وإما أنه مجنون". ورفض الأسد في المقابلة محصّلة القتلى التي أعلنتها الأمم المتحدة، قائلا: "من قال إن الامم المتحدة مؤسسة تحظى بصدقية؟"، وتحدث عن مقتل 1100 جندي وشرطي. وفي موضوع قتل الطفل "حمزة الخطيب" تعذيبًا، رد "الأسد" على ما يتردّد عن تعذيب أولاد: "أنا لا أصدق هذا... كل فعل وحشي اقترفه فرد، وليس مؤسسة، هذا ما يجب أن تعرفوه... هناك فارق بين وجود سياسة قمع، وارتكاب بعض المسؤولين بعض الأخطاء. هناك فارق كبير"!!
وفي جولة على بلدان "الربيع العربي" بعد سوريا، تجاوز اليمن في 7/12/2011 مخاض تأليف الحكومة الانتقالية، بعد إصدار نائب الرئيس اليمني المكلف مهمات الرئيس الفريق "عبد ربه منصور هادي" ورئيس الحكومة المكلف "محمد سالم باسندوه"، قرارًا جمهوريًا قضى بتأليف الحكومة من 35 وزيرًا موزعين مناصفة بين "حزب المؤتمر" الحاكم وقوى المعارضة في "المجلس الوطني لقوى الثورة".
أما في مصر، فقد أدّى أعضاء الحكومة المصرية الجديدة اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير "محمد حسين طنطاوي"، الذي طلب منهم "رعاية الفقراء ومكافحة الفساد"، وفوّض الى رئيسهم "كمال الجنزوري" صلاحيات رئيس الجمهورية، عدا تلك الخاصة بالجيش والقضاء.
وفي سياق متّصل، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن "جيفرى فيلتمان" أحد مستشاري إدارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" قوله، إن جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر تعهّدت لواشنطن باحترام اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 بمنتجع "كامب ديفيد" بالولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف "فيلتمان" الذي يشغل أيضًا منصب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط: "نحن نجري حوارًا مع قيادة الإخوان المسلمين فى القاهرة، وهذا جزء من حراكنا السياسى فى مصر". وأكد المسؤول الأميركي البارز أن الإدارة الأميركية توصّلت إلى تفاهمات مع الجماعة بموجبها يتمّ احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل.
في التاسع من كانون الأول، كان الحدث في لبنان، حيث استخدم النظام السوري مجدّدًا الجنوب اللبناني صندوقة بريد للغرب، مع انفجار جديد استهدف دورية فرنسية من جنود "اليونيفيل" قرب صور، ما أسفر أوقع خمسة جرحى.
وإذ رأى النائب "مروان حماده" أن الاعتداء على الكتيبة الفرنسية هو "رسالة واضحة من السوريين، وساعي البريد هو حزب الله"، ندّد وزير الخارجية الفرنسية "ألان جوبيه" "بشدة" بالانفجار، وقال: "إن فرنسا مصممة على مواصلة التزاماتها في اليونيفيل ولن ترهبها أعمال مثل التفجير" الذي استهدف الدورية الفرنسية.
حدث آخر شدّ الاهتمام في هذا اليوم، وكان من نصيب النائب "عقاب صقر"، الذي يقيم منذ أشهر خارج لبنان نتيجة معلومات أمنية عن إمكانية استهدافه، والذي بعد غياب إعلامي طويل، أطل في مقابلة تلفزيونية بخطاب ناري لم يوفّر أي طرف من مكوّنات 8 آذاروسوريا وإيران.
رأى عضو تكتل "لبنان أولاً" النائب "عقاب صقر" أن: "الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله تحول من معبود الجماهير العربية الى مبغوض الجماهير، ونزل بسرعة الصاروخ في شعبيته وتحوّل الى زعيم شيعي فارسي". وسأل: "من المسؤول عن هذا التحوّل؟ أليس سلوك "حزب الله" وخطابه أدّيا الى سقوط موقعه وتحوّله الى شخص يتعرّض لهجمات عنيفة في سوريا تحديدًا"؟
وتوجّه الى ما يسمّى بـ "محور الممانعة" بالقول: "صدقيّتكم تحوّلت الى صفر، ومحوركم أصبح مضحكًا وسقط أخلاقيًا، قبل أن يسقط سياسيًا، وإذا أردتم الخروج من الحفرة لا تحفروا فيها أكثر". منبّهًا على أنه "في حال استمر محور الممانعة في سياسته القائمة ربما يكون من يُطلق شرارة الفتنة في المنطقة".
ووصف نفسه بـ "التلميذ في الثورة السورية التي تؤكد يومًا بعد يوم أنّها سلميّة"، معربًا عن اعتقاده أنها "أعطت دروسًا كبيرة للعالم". وأوضح أن هدف وجوده في أوروبا "هو العمل على مشروع بناء الربيع العربي وقيام اتصالات واستشراف مستقبل المنطقة ولبنان وننسج علاقات مع الاتحاد الاوروبي، وهناك سبب آخر، هو أنّني لست راغبًا في أن أنخرط في صراع سني شيعي أعادنا 1500 عام إلى الوراء".
وأوضح أن "قطر تحوّلت من إمارة المقاومة كما قال عنها فريق 8 آذار، وبعد أن كان نواب "حزب الله" حراسًا للأمير القطري، الى متآمِرة وعميلة وتتعرّض للشتائم، و(رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان الذي أشاد به نصرالله وسمّاه "الطيب طيب أردوغان" تحوّل فجأة الى شيطان. وعون بعدما أتت التعليمة أصبح يناشد الملك (السعودي) عبدالله بن عبد العزيز بعدما كانوا يشتموه، فصدقيّتهم تحوّلت إلى صفر ومحورهم أصبح مضحكاً".
وعما أورده نصرالله من أوراق قال إن "الـ"س ـ س" والمبادرة التركية القطرية طرحتها، قال: "أذكر السيد نصرالله بأن كل ما كان يدور في الكواليس كان القول للحريري ان "حزب الله" قتل والدك هل ستحرق البلد أم تذهب لمصالحة وطنية؟ والحريري كان بين خياري الحرب والمصالحة والمسامحة اختار المصالحة، إلا أن السيد رفض". متسائلاً: "هل نفهم من نصرالله أنه أطاح الحريري وأتى برئيس حكومة موّل المحكمة التي يقول عنها اسرائيلية ـ أميركية؟، هل أتيت برئيس حكومة يزرع الفتنة أم أردت أن تطيح زعيم السنة وتأتي بموظف"؟
وذكّر صقر "السيّد نصرالله بما قاله في خطاب عاشوراء مؤخّرًا عن لسان الإمام الحسين "بين السلّة والذلّة هيهات منّا الذلة"، مضيفًا: "لا نقبل من السيد نصرالله أن يقول عن الشعب السوري إنّه مجرم وإرهابي في وقت يرفع شعار الموت لا المذلّة، وما قاله السيّد نصرالله لا يعبّر عن الفكر الشيعي والمتظاهرون السوريون المسالمون هم أفضل من 100 ألف شيعي يؤيدون بالقول ما يقوله الإمام الحسين ولا يطبّقون ما يعتقدون".
في غضون ذلك كانت آلة القتل "الأسدية" تضاعف نشاطها الإرهابي، حاصدة 44 قتيلاً في حمص وحدها، فيما حذّرت واشنطن السلطات السورية من شن هجوم واسع على حمص المدينة الأكثر اشتعالاً في وجه النظام. وصدر التحذير الأميركي عقب تحذير تركي من أن أنقرة لن تقف مكتوفة إذا هددت حملة قمع الاحتجاجات في سوريا الأمن الإقليمي. وأعلنت وزارة الخارجية السورية انها "تدرس" رد جامعة الدول العربية على طلبها رفع العقوبات في مقابل استقبال مراقبين.
وصرّحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند بأن الرئيس السوري بشار الأسد سيعتبر مسؤولاً عن كل شخص تقتله القوات السورية. وقد أتت تلك التحذيرات على خلفية، الدلائل الواردة عبر التقارير الاخبارية المتوالية ومقاطع الفيديو المصورة والمعلومات المستقاة من الناشطين على الارض في مدينة حمص تشير الى أن النظام يمهّد لارتكاب مجزرة جماعية، بهدف إخماد جذور الثورة في المدينة، وتأديب باقي المدن السورية المنتفضة من خلالها.
وفي ردود الفعل على استهداف الكتيبة الفرنسية في لبنان، وجّهه وزير الخارجية الفرنسية "آلان جوبيه" اتهامًا مباشرًا الى سوريا بالوقوف وراء التفجير، معتبرًا أن دمشق تستخدم "حزب الله" في هذا النوع من الهجمات. إلا أن جوبيه تدارك "ليس لدي أدلة، إلا أنه (حزب الله) ذراعها (سوريا) المسلحة إذا صح القول، وقد دعونا مجددًا الحكومة اللبنانية الى حماية قوة "اليونيفيل".
ولم تمرّ ساعات قليلة على اتهام جوبيه لدمشق بحادث التفجير، حتى حصل تطور جديد تمثل في إطلاق صاروخ كاتيوشا من "وادي القيسية" في خراج بلدة "مجدل سلم" في قضاء "مرجعيون"، سقط خطأ على ما يبدو في بلدة "حولا".
هذا، ولم تقتصر مضاعفات الاعتداء على الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن "اليونيفيل" على التطور في الموقف الفرنسي وحده، إذ سُجِّل على الصعيد الداخلي موقف تصعيدي لافت للبطريرك "مار بشارة بطرس الراعي" من الاعتداء ومسألة السلاح غير الشرعي كلاً، فإذ دان بشدّة الاعتداء على الكتيبة الفرنسية، وجّه نداء الى المسؤولين اللبنانيين "للعمل الجدي على جمع السلاح وحصره بالقوى الشرعية اللبنانية وإخضاع كل المهمات الدفاعية والأمنية لقرار السلطة السياسية". وقال: "لم يعد مقبولا على الاطلاق أن يظل أمن البلاد رهينة في أيدي أحد تحت أي شعار أو ادعاء".
كانون الأول كان يخبّئ في طيّاته مسافات جديدة قطعها النائب "وليد جنبلاط" للوصول من الضاحية الجنوبية الى جادة 14 آذار التي تعمّ جميع الأراضي اللبنانية. فقد برزت في الثاني عشر من كانون الأول، القنبلة السياسية الثقيلة التي فجّرها رئيس "جبهة النضال الوطني" إذ اتخذ مواقف حادّة وجازمة مما جرى في الجنوب، وصولاً الى تطورات الأزمة السورية التي بدا حيالها كأنه قطع شعرة معاوية مع النظام السوري.
قال "جنبلاط": "وصلتنا بالأمس رسالة الصواريخ، وهذه رسالة خطيرة قد تكون من الجيران (السوريين) الى فرنسا على الأراضي اللبنانية، وعلى حساب الاستقرار اللبناني، وعلى حساب الجنوب وكل لبنان". وإذ استذكر قول "الاستاذ غسان تويني لا نريد حروب الآخرين على ارضنا"، سخر من تحميل "القاعدة" مسؤولية "هذه الرسائل" لافتًا الى "أن هناك من يريد محليًا وإقليميًا وعربيًا ودوليًا أن يُخرج القوات الدولية من لبنان كي نعود الى المواجهة". وتمنى على "قيادة المقاومة أن تدرك خطورة الوضع، وتؤكّد أن المصلحة اللبنانية فوق كل شيء". واذ حيّا "كل الشعب السوري، في درعا والصنمين وحمص وكل هذا الشعب السوري البطل الجبار"، أضاف:"يا حيف على الذين يتخاذلون أو يتواطأون يا حيف".
تونسيًا، انتخب المجلس التأسيسي التونسي في هذا اليوم، زعيم "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" "المنصف المرزوقي" (66 سنة)، المعارض الشرس للرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي" رئيسًا للجمهورية، وذلك بغالبية 153 صوتًا من مجموع 202 من أعضاء المجلس البالغ عددهم 217. وستكون مهمته الأولى اختيار رئيس الحكومة. وتعهّد "المرزوقي" في اليوم التالي بعد أدائه اليمين الدستورية أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وتسلّم مهماته في القصر الرئاسي بـ"قرطاج" في خضم الذكرى الأولى لتفجر الثورة التي أطاحت نظام الرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي"...تعهّد أن يكون "رئيساً لكل التونسيين"، وأن "لا يوفّر أي جهد" من أجل تحسين مستوى عيش مواطنيه".
كما كلّف الرئيس التونسي الجديد الأمين العام "لحزب حركة النهضة الإسلامي" "حمادي الجبالي" (64 سنة) تاليف الحكومة الجديدة، ووعد "الجبالي" بإنجاز المهمة سريعًا للتصدي لظرف اقتصادي واجتماعي صعب.
أما في البحرين، فكان الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" يتهم في 13/12/2011 سوريا وإيران بإثارة الشغب في بلاده، وقال إن حكومته تملك أدلة على أن دمشق كانت تدرّب شبانًا بحرينيين لإسقاط الأسرة الحاكمة. وصرّح في مقابلة مع صحيفة "الدايلي تلغراف" بأن "ما بدأ على انه احتجاج لتحسين مستويات المعيشة، سرعان ما تحوّل دعوة لتغيير النظام في البحرين، وكانت هذه محاولة لنقل الانتباه بعيدًا عن المشاكل في سوريا وإيران، وجعل الناس ينظرون بدلاً من ذلك إلى البحرين والسعودية والكويت".
أما في "الأونيسكو"، فكان الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، يرفع العلم الفلسطيني على مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في باريس، في خطوة رمزية وصفها بأنها الخطوة الأولى لنيل الاعتراف الدولي بفلسطين.
الرابع عشر من كانون الأول، كان شاهدًا جديدًا على المأزق المصيري لا بل الوجودي، الذي يعيشه "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، منذ اندلاع الثورة السورية. ففي هجوم كلامي حاد وخارج عن أبسط أصول الحوار وأخلاقياته، توجّه به النائب عن "كتلة الوفاء للمقاومة" "نواف الموسوي" في جلسة الأسئلة النيابية للحكومة على النائب في كتلة "حزب الكتائب" "سامي الجميل"، حيث لم يتورّع أحد أبرز جماعة "أشرف الناس، وأطهر الناس" عن استعمال عبارات مقذعة ونابية وشتائم خارجة عن كل المقبول في مجلس النواب، فاتهم "الجميل" بالعمالة وقال له: "صبّاطي محترم أكثر منك"!!!
فعندما سأل الشيخ "سامي" عن مد الحزب شبكة اتصالاته في "ترشيش"، معبِّرًا عن خشيته من هذه الشبكات التي تُمَد "للكشف عن العملاء وباسم محاربة العملاء في حين أننا نحن من يُراقَب، ونحن من يُغتال، ونحن من يجلس في منازله. فإذا كان تبرير الشبكات هو ضبط لبنان أمنيًا فإن ما يجري هو استباحة للبنان". هنا، استوقفه الموسوي معترضًا في معرض استخدامه عبارات أكثر من نابية: "صباطنا بيشرّفكن ومحترم أكثر منكن".
واللافت، أن ما صدر عن "مطوِّب المجرمين قدّيسين"، لم يكن تصرفًا فرديًا ولا ردًا انفعاليًا، ما دامت كتلته تبنت هذا الهجوم وأيّدته وأكّدته، مما يعني، في رأي المعارضة، أن ما جرى في الجلسة شكّل محاولة ترهيب موصوفة فشلت أمام رد "الجميلّ ونواب المعارضة الآخرين، وأفهم عبره "حزب ولاية الفقيه" أن محاولات الاستقواء هذه لن تنجح إلا بزيادة التوترات في البلاد.
بيد أن النائب "نواف الموسوي" اعتذر في اليوم التالي. والنائب "سامي الجميل" تصرّف بأخلاق عالية وكرجل جدير بحمل المسؤولية بكل ما للكلمة من معنى، حيث جيَّر القبول للشعب، وأصرّ على الحصول على جواب عن تجسّس المجموعات الأمنية.
فقد أصدر "الموسوي" تصريحًا قال فيه: "التزامًا مني بقيم الحزب وأدبياته، أتقدّم من دولة رئيس مجلس النواب الموقّر نبيه بري ومن الزملاء النواب بالاعتذار عن الكلمة النابية التي وردت في سياق ردّي، مؤكدًا المضمون السياسي الكامل لما ورد فيه". ليعقد "الجميّل" بعد ذلك مؤتمرًا صحافيًا في المجلس، استهلّه بالقول: "نحب أن نهدي اعتذار السيد نواف الموسوي الى الشعب والديموقراطية في لبنان، ونعتبر أن ما حصل لم يحصل في حق نائب، ونحن لسنا موجودين في المجلس بصفتنا الشخصية، إنما عن الشعب اللبناني، وبالتالي هذا الاعتذار اليوم هو للشعب اللبناني". وأضاف أن "الاعتذار خطوة أولى لنزول حزب الله الى مستوى سائر اللبنانيين، ونتمنى أن تكون هذه الخطوة الأولى وليست الأخيرة لاعتراف حزب الله بالرأي الآخر، وأن يتقبّل الرأي الآخر ويسمع له، ويعتبر أن من يقول له الحقيقة هو الذي يريد بالفعل مصلحة لبنان، والذي يقول ما في قلبه يجب ألا يخاف منه، بل يجب الخوف ممن يضمر شيئًا للآخرين. وما دمنا "ردّينا الصبّاط" الى المحل، ولم يعد من أحذية في المجلس، أصبح بإمكاننا العودة الى الموضوع الأساسي والأهم، وهو لماذا حصل هذا السجال. نحن نعتبر أن ما قلناه هو عن حق، وكنا نسأل الحكومة بأي حق وتطبيقًا لاي قانون يحق لمجموعة غير رسمية مد شبكات اتصالات وحفر الطرق العامة، وخلق مجموعة أمنية متنقلة لتراقب جميع اللبنانيين من دون أي وكالة من الدولة، وتتخطى صلاحيات كل الأجهزة الأمنية؟".
على صعيد آخر، عاد في هذا اليوم موضوع تمويل المحكمة الى الواجهة، مع إعلان جمعية مصارف لبنان أنها قرّرت تغطية قيمة المبلغ الذي دفع من جانب الهيئة العليا للإغاثة، والذي يناهز 32 مليون دولار، تسديدًا لحصة لبنان في تمويل المحكمة. وقد اعتبر الرئيس "سعد الحريري" في حوار عبر موقع "تويتر"، أن خطوة جمعية المصارف "جيدة"، ووصفها بـ"القرار المسؤول". وقال: "ما دام تمويل المحكمة يسير فأنا أكون سعيدًا"، لافتًا إلى أن "أي أموال تذهب إلى الهيئة العليا للإغاثة هي للحكومة، وهذا يعني أن حزب الله موّل المحكمة".
"سعد الحريري" وتيّاره، لم يسلما من انتقادات مفتي الجمهورية اللبنانية، الذي لا يزال يؤكّد يومًا بعد يوم تموضعه في خانة 8 آذار المتحالفة مع النظام السوري. وفي هذا السياق، كابر المفتي "قباني" رافضًا الاعتراف بخطأ كبير ارتكبه باستقباله السفير السوري فضلاً عن وفد الحزب الإيراني يوم صدور القرار الاتهامي، واستقبالات لاحقة لرموز سوريا في لبنان مثل "فايز شكر" رئيس أمين حزب البعث في لبنان، فقرّر أن يصب جام غضبه على "تيار المستقبل" مبيِّنًا أن ما وصفه بـ"الدكتاتورية والاستبداد اللذَين يمارسهما تيار المستقبل لا يقبل بهما حر"!! مع العلم أن "قباني" يمارس أقسى أنواع الديكتاتوريات في المؤسسة التي هو على رأسها!! ولفت إلى أن "قيامة تيار المستقبل قامت عليه لمجرد استقباله السفير السوري في لبنان "علي عبد الكريم علي" ووفد من حزب الله"، مشيرًا الى "أي مدى من السفاهة والحضيضة وصل بعض النواب في كتلة المستقبل بقولهم إن قباني لم يعد مفتيًا للجمهورية".
وأكّد المفتي "قباني" الذي بدأ يجاهر بانتقاد الرئيس "سعد الحريري" في مجالسه، أن "الجنون السياسي هو المرض الأساسي في تصرفات البعض"، وتابع: "لا أقبل أن يقولوا لي من أستقبل ومن لا أستقبل". وفيما أوضح أن "عدم تكليف قاضي عكار الشرعي الشيخ أسامة الرفاعي بمهام الإفتاء قرار إداري محض بسسب خلل في أدائه"، تساءل البعض عن أداء "قباني" نفسه، وما إذا كان يستحق عليه الإكمال في منصبه أم لا. كما اعتبر الأمين العام لـ"تيار المستقبل" "أحمد الحريري" خلال لقاء أقيم في دارة المفتي "الرفاعي"، أن قرار عدم تجديد تكليفه مهمات الإفتاء في عكار "يدخل ضمن سلسلة القرارات التي تبغي محو إنجازات الثورة التي قامت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
في مناورة روسية للتخفيف من انتقادات المجتمع الدولي حيال دعمها النظام المجرم في سوريا، وبشكل مدروس بعناية لا تمس بشرعية ذلك النظام، فاجأت روسيا في 15/12/2011 (تاريخ مرور تسعة أشهر على انطلاق الثورة السورية) الدول الأعضاء في مجلس الأمن بمواقف جديدة من الأوضاع المتدهورة في سوريا، إذ قدمت مع الصين مشروع قرار معدلاً وقويًا من حيث التعابير، يؤيد جزئيًا مبادرة جامعة الدول العربية، إلا أنه لا يشير الى العقوبات العربية، وانتهاكات حقوق الإنسان، لا بل يساوي بين السلطات السورية المجرمة والمحتجين الشرفاء ضدّها.
وفي واشنطن، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع روسيا حول مشروع القرار. لكنها أضافت أن المشروع بنصه الحالي "يتضمّن عناصر لا نستطيع دعمها... يا للأسف يبدو أن الحكومة والمتظاهرين السلميين وُضعوا على ما يبدو على قدم المساواة" في المسؤولية عن العنف.
في السادس عشر من كانون الأول، عاد موضوع السلاح غير الشرعي الى الواجهة، مع انتشار مسلّح تخلله إطلاق نار كثيف في منطقة "الزيدانية" و"عائشة بكار" في بيروت، تبيّن أنه اشتباك مسلّح بين مجموعات تابعة لأحد المحسوبين على الأجهزة الأمنيّة السورية سابقًا في لبنان و"حركة أمل". وقد سقط في هذه الجولة التي نشبت على خلفية احتقان طويل انفجر بخلاف على "ركن سيّارة"، جريحَين أحدهما من آل سلطان والآخر من "حركة أمل". وفي ضوء ذلك الاشتباك، قرّر نوّاب بيروت إعادة طرح مشروع "بيروت منزوعة السلاح".
أما دوليًا، وفي مسألة مرتبطة بالوضع في سوريا، وذات صلة بتحرّك روسيا الخجول البارحة في مجلس الأمن، ظهر سؤال الإجابة عليه بالإيجاب، كفيلة بالإطاحة بالنظام السوري، ألا وهو: هل قبضت روسيا "الخلو" الذي تتطلّع إليه للتخلّي عن النظام السوري؟
ذلك، أنه في هذا اليوم الذي وافق اليوم الثاني من الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في جنيف، وافق الوزراء على انضمام روسيا الى هذا النادي التجاري الدولي بعد 18 عامًا من المفاوضات. ومعلوم أن روسيا أكبر اقتصاد خارج المنظمة التي تضم 153 عضوًا. وقد استغرقت مفاوضات انضمامها مدّة أطول مقارنة بأي دولة أخرى. وأمامها الآن ستة أشهر للمصادقة على اتفاق العضوية لتصير بعدها بشهر عضوًا في المنظمة. واعتبر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في بيان أن "نتيجة هذه المحادثات الطويلة والمعقدة جيدة لكل من روسيا وشركائنا المستقبليين".
الى ذلك، شارك 200 ألف شخص في مسيرة احتجاجية في حمص، حمل فيها المحتجون خمس دمى على ما يشبه المشانق بينها دمية "للأسد" وأخرى لأبيه "حافظ"، وذلك في أكبر التظاهرات منذ أسابيع، والتي نظمت في مختلف مدن الاحتجاج السورية تحت شعار "الجامعة العربية تقتلنا"، في إشارة الى امتعاض الثوار من المهل التي تغدقها الجامعة على النظام للتجاوب مع قراراتها.
سنة مرّت على شرارة "الفوضى الخلاّقة" التي أشعلت "الربيع العربي" من تونس. ففي السابع عشر من كانون الأول، احتشد الآلاف من التونسيين، يتقدّمهم الرئيس "المنصف المرزوقي" في مدينة "سيدي بوزيد" بوسط غرب البلاد، لإحياء ذكرى مرور سنة على اندلاع الشرارة الأولى للثورة التونسية التي انطلقت من هذه المدينة لتطيح نظام الرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي"، وذلك بعدما أحرق البائع المتجوّل محمد البوعزيزي، جسده أمام مقر الولاية احتجاجًا على إهانته ومنعه من إيصال شكواه الى المسؤولين في المنطقة إثر مصادرة بضاعته التي كان يبيعها على عربته بحجة عدم امتلاك التراخيص اللازمة. وما لبث أن توفي "البوعزيزي" في 4/1/2011 متأثرًا بجروحه، قبل أن يشاهد بلاده تتحرّر من طاغيتها.
خطوات جديدة قطعها النائب "وليد جنبلاط" باتجاه "ثورة الأرز"، وابتعادًا عن "الثورة التصحيحية"، فقد تمنى في 18/12/2011، النجاح للمبادرة العربية، وأن يُخرج الموقف الروسي سوريا من محنتها "حتى لو تطلّب الأمر فترة انتقالية، من أجل وحدة سوريا وسلامتها ووقف حمام الدم فيها، وتقويتها في الخط الممانع الأساسي، قبل أن تغرق سوريا وتنفجر وننفجر معها".
في القاهرة، ولليوم الثالث، تجدّدت الاشتباكات بين محتجين وقوات الأمن، وتحوّلت الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير ساحات لمواجهات مستمرة، كاشفة عمق الأزمة السياسية بعد سقوط عشرة قتلى و441 جريحاً. وفي حين وصف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المواجهات بأنها "مؤامرة"، اتهم المحتجون الجيش والحكومة بـ"الكذب". ورفع العديد من المتظاهرين في "شارع الريحان" المتفرّع من الميدان نسخًا من صحيفة "التحرير" المستقلة التي صدرت صباح ذلك اليوم، وفيها صورة كبيرة لمتظاهرة محجبة جُرّدت من ردائها العلوي فظهرت ملابسها الداخلية أثناء قيام جنود بسَحْلِها. وفي لقطات فيديو ظهر رجال الشرطة يقومون بذلك، ويجرّون امرأة أخرى من شعرها، ويضربون متظاهرين بقسوة بعصي طويلة بعد جرهم على الأرض. وأدت المواجهات الى احتراق جزء كبير من محتويات مبنى المجمع العلمي المطل على ميدان التحرير، والذي يحوي مخطوطات ووثائق لتاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية، وتبادل الجيش والمتظاهرون الاتهامات. وأوردت صحيفة "الأخبار" الحكومية أن حريق المجمع العلمي أدى الى "تدمير 200 ألف كتاب نادر، أهمها وصف مصر".
أما في العراق، فقد جلا في الثامن عشر من كانون الأول2011، آخر جندي أميركي عن البلاد بعد نحو 9 سنوات على الحرب التي راح ضحيتها 125 ألف مدني عراقي و4500 جندي أميركي.
بعد شهرين من المفاوضات والإنذارات والمهل، وقّعت دمشق مع جامعة الدول العربية في القاهرة بتاريخ 19/12/2012، بروتوكول إرسال بعثة من المراقبين الى سوريا للإشراف على تنفيذ المبادرة العربية لإنهاء الأزمة المستمرة منذ عشرة أشهر، على أن تصل طلائع البعثة بعد ثلاثة أيام، والتي ستكون برئاسة الجنرال السوداني "محمد أحمد مصطفى الدابي". هذا وقد أثار اختيار "الدابي" لرئاسة بعثة المراقبين استياءً وتشكيكًا في نزاهة البعثة من قبل المعارضين السوريين، خصوصًا أن "الدابي" قاد "ميليشيا الجنجاويجد" التي اركتبت مجازر في السودان، ومعلوم أن السودان من الدول التي تدور في فلك محور الشر السوري-الإيراني، فكيف يمكن للبعثة بقيادة شخصية كهذه أن تصدر تقريرًا نزيهًا وشفّافًا وغير منحاز الى جهة النظام؟!
وعلى أي حال، فيما أعلن وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" أن بلاده وافقت على توقيع البروتوكول بناء على نصيحة روسية، وبعد إدخال تعديلات طلبتها السلطات السورية، شكّك "المجلس الوطني السوري" الذي يضم أطيافًا واسعة من المعارضة في الموقف السوري، واصفًا إياه بأنه "مراوغ" من أجل شراء الوقت، وطالب بتدخل قوات ردع عربية في المناطق الساخنة، وكان "المجلس الوطني السوري" عقد في تونس مؤتمره في جلسات مغلقة، وشارك فيه 200 معارض.
وبعد ساعات من توقيع البروتوكول استبق النظام وصول طلائع "بعثة المراقبين" بحملة قتل عنيفة، حيث سجّل مقتل نحو مئة سوري، منهم ما بين 60 و72 منشقًا عن الجيش في منطقة "جبل الزاوية" المحاذية للحدود التركية لدى محاولتهم الفرار من مراكزهم، في حين قتل 30 مدنيًا في هجمات لقوى الأمن في مدن سورية عدة.
خليجيًا، وفي "ضربة معلّم" لإنقاذ البحرين من الوقوع في القبضة الإيرانية التي بالتأكيد ستمتد الى المنطقة الشرقية في السعودية، دعا العاهل السعودي الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، في الجلسة الافتتاحية لقمة دول مجلس التعاون في الرياض التي عقدت في 19/12/2012، دعا دول الخليج الى "تجاوز مرحلة التعاون الى الاتحاد في كيان واحد". وحذر من أن الخليج مستهدف في أمنه واستقراره. وتجدر الإشارة، أنه في حال تمّ هذا الاتحاد، فالشيعة في البحرين سيتحوّلون من أكثرية الى أقلية وسيتلاشى زخم تحرّكاتهم المعارضة، نظرًا لكون غالبية مواطني "الاتحاد الخليجي" المنتظر هم من أهل السنة والجماعة.
وبالعودة الى الشأن اللبناني، لفت الانتباه تصريح مشبوه وغير مسؤول عن وزير الدفاع في الحكومة الانقلابية "فايز غصن"، الذي كشف أمام وفد من كبار ضباط الجيش اللبناني عن معلومات تتحدّث عن عمليات تحصل على بعض المعابر غير الشرعية، لا سيما في "عرسال"، بحيث يتمّ تهريب أسلحة ودخول بعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة" تحت ستار أنهم من المعارضة السورية.
وعلى الفور، شنّت قوى المعارضة اللبنانية، وفعاليات بلدة "عرسال" البقاعية، حملة ردود عنيفة على وزير الدفاع، التي اعتبروها مندرجة في خانة "سعي قوى 8 آذار لتسعير كرة النار في سوريا لنقلها إلى لبنان"، مستغرببين "كيف يخرج غصن إلى الإعلام لينوح ويتهم شعبه ومناطق لبنانية بإيواء إرهابيين وعناصر من (القاعدة)، بدل الخروج للإعلان عن إلقاء القبض على هؤلاء العناصر".
وعلى صعيد "انقلاب" مفتي الجمهورية، فبعد أكثر من خمسة آلاف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين والمعتقلين، استقبل "قباني" مجدّدًا السفير السوري "علي علي"، الذي صرّح من "منزل الإفتاء"، أن "الرابح، بعد موافقة سوريا على توقيع البروتوكول لإرسال بعثة المراقبين العرب إليها هو دائمًا السلم الأهلي والوئام وسوريا"، مؤكدًا أن "سوريا بخير وهي تقوم بإصلاحات مستمرة وبحوار داخلي سيثمر وفاقًا أكثر وقوة أكثر".
من جهته، وبعيدًا عن الإنقلابيين، لا يزال الرئيس "سعد الحريري" ثابتًا على مواقفه القوية والمشرّفة الآخذة في الصعود مع مرور الأيام، خاصة فيما يختص بالنظام المجرم في سوريا. وفي هذا الإطار، أجرى الرئيس "الحريري" محادثات مطوّلة مع رئيس الحكومة التركية "رجب طيب أردوغان" والوزير "داود أوغلو" في مقر رئيس الحكومة في أ"نقرة"، حيث استنكر تزامن توقيع سوريا على مبادرة الجامعة العربية أو البروتوكول، مع تسريع آلة القتل، موضحًا أن التوقيع على المبادرة "هو توقيع على بنودها جميعًا أكان المتعلقة منها بوقف القتل أو إطلاق المعتقلين وغيرها، حينها تكون هناك فعليًا خطوات إيجابية، ولكننا لا نرى هذه الخطوات".
مصريًا، عاد الهدوء النسبي إلى شوارع القاهرة، وسط استكمال المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية، غير أن ما استرعى الانتباه، موقف لا سابق له لـ"حزب النور السلفي"، اختار إعلانه عبر أثير "إذاعة الجيش الاسرائيلي" في مقابلة من القاهرة في 21/12/2011. فلِطمأنة الرأي العام العالمي، صرح الناطق باسم الحزب "يسري حماد": "نحن لا نعارض الاتفاق (للسلام مع اسرائيل الموقّع في كامب ديفيد)، ولكن نحن نتكلّم أن مصر ملتزمة المعاهدات التي وقّعتها الحكومات السابقة. إذا كانت هناك بعض البنود التي يريد شعب مصر أن يعدّلها في الاتفاق، فهذه مكانها طاولة المفاوضات والتحاور. نحن نحترم جميع المعاهدات".
عشية وصول "بعثة المراقبين" العرب الى سوريا، حصدت آلة القتل "ألأسدية" 270 قتيلاً من المعارضين بينهم منشقون عن الجيش السوري، وخصوصًا في "جبل الزاوية" بمحافظة "إدلب" المحاذية للحدود التركية ومدينة "حمص"، في تصعيد استدعى رد فعل أميركي عنيف، حيث شدّدت واشنطن حملتها على الرئيس السوري "الأسد" معتبرة أنه "لا يستحق أن يحكم سوريا"، وأنه لا يمكن تحقيق التغيير الديموقراطي ما دام في الحكم.
تزامنًا مع صدور تقرير عن جماعة "أفاز" المدافعة عن حقوق الإنسان، يعلن عن مقتل أكثر من 6237 مدنيًا ومن قوى الأمن، 617 منهم قتلوا خلال التعذيب، و400 قتيل على الأقل من الأطفال!! وصلت في الثاني والعشرين من كانون الأول، الى دمشق طليعة بعثة المراقبين، في خطوة تنفيذية أولى لإجراء الترتيبات من أجل تنفيذ البروتوكول الذي وقعته السلطات السورية مع جامعة الدول العربية لمعاينة الأوضاع على الأرض في البلاد.
وبالتزامن مع وصول بعثة المراقبين، تواصلت أعمال العنف، في إجراء يؤكّد أن "الأسد" لا يقيم شأنًا للبعثة، إنما يراوغ ويناور ويراهن على خيار وحيد لوأد الاحتجاجات، ألا وهو القتل، القتل، ولا شيء سوى القتل. فقد استقبل "قاتل الأطفال" البعثة العربية بـ21 قتيلاً بينهم 14 مدنيًا معظمهم في "حي بابا عمرو" بـ"حمص".
الترحيب الحقيقي ببعثة المراقبين كان بخبّئه النظام الإرهابي الى اليوم التالي(22كانون الأول)، حيث أراد أن يظهر نفسه بمظهر الضحية، وأن الثوار المنتفضين لحرّيتهم وكرامتهم هم الإرهابيون الذين يُمعنون في سفك دماء الشعب السوري!
فللمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الرئيس السوري، استهدف انتحاريان بسيارتين مفخّختين مقرّ جهاز أمن الدولة، ومبنى المخابرات، في حي "كفرسوسة" بدمشق، فتسببا بمقتل 44 شخصًا وإصابة أكثر من 150 بجروح بينهم عسكريون ومدنيون.
واتهمت السلطات السورية "القاعدة" بتنفيذ الهجومَين اللذين أتيا غداة وصول طلائع بعثة المراقبين العرب الى سوريا. وفي خطوة ذات صلة وثيقة بتصريح وزير الدفاع اللبناني الأخير، صرّح الناطق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي أنه سبق للبنان أن حذر سوريا قبل يومين من تسلّل عناصر من تنظيم "القاعدة" إلى داخل الأراضي السورية عبر بلدة "عرسال". وأضاف أنه "بعد يومين من هذا التحذير والمعلومات اللبنانية، تم استهداف المقار الأمنية".
إذًا، اتضح سيناريو النظام الاستخباراتي "الغبي" في سوريا، جرى التنسيق مع وزير الدفاع اللبناني بإطلاقه تحذيرًا من "القاعدة" تمهيدًا لظهورها المرتقب في التوقيت الاستخباراتي المناسب، الذي يخدم مصالح النظام المجرم. وانسجامًا مع هذا التحليل، قال "المجلس الوطني السوري" الذي يضم أطيافًا واسعة من المعارضة، أن التفجيرين من تدبير السلطات السورية كي توجه رسالة الى المراقبين بعدم الاقتراب من المقار الأمنية خلال المهمة التي أوكلتها اليهم جامعة الدول العربية. وندّدت واشنطن بالانفجارين قائلة إنهما يجب ألا يعوقا مهمة المراقبين. واعتبرت أن لا شيء يبرّر الإرهاب.
دوي تفجيري دمشق خلّف أصداء قوية في بيروت؛ ففيما سارع رئيس الجمهورية "ميشال سليمان" ورئيس مجلس النواب "نبيه بري" الى الاتصال بالرئيس السوري "بشار الأسد" مستنكرين التفجيرين، لم يصدر موقف رسمي يفنّد ما ذهبت إليه الخارجية السورية من ربط هذين التفجيرين بتنظيم "القاعدة" انطلاقًا من بلدة "عرسال" البقاعية، استنادًا الى تصريح سابق لوزير الدفاع "فايز غصن".
في المقابل، سارع الرئيس "سعد الحريري" الى الرد بأن "هناك من يعمل في الحكومة اللبنانية على زج لبنان في مسار الإرهاب، للتغطية على جرائم النظام السوري". وقال عبر موقعه في "تويتر": "إن كلام الخارجية مردود إليها، وهو مفبرك مع بعض أدواتها في لبنان". ورأى أن كلام غصن "فاتورة من الحكومة للنظام السوري".
الى ذلك، وانطلاقًا من أن المجرم لا يمكن أن يراقب نفسه للإبلاغ عنها عند اقترافها الجرائم، أعلن وزير الخارجية اللبناني "عدنان منصور" أن رئيس الحكومة "نجيب ميقاتي" اتخذ قرارًا بعدم مشاركة لبنان في لجنة المراقبين العرب المكلّفة من قبل جامعة الدول العربية معاينة الوضع على الأرض في سورية، مشيراً إلى أن "ميقاتي وجد أن الأمر غير ضروري، لذلك نأى بلبنان عن المشاركة باللجنة، وهو بالتأكيد اتخذ هذا القرار بالتوافق مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان".
مصريًا، أعلنت في 24/12/2011، نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية التي جرت بين 14 و22 كانون الأول ، حيث أكّد أكبر حزبَين إسلاميين تفوّقهما بحصولهما على أكثر من 65% من الأصوات؛ فقد حصل "حزب الحرية والعدالة"، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين"، على 36,5% من الأصوات فيما حصل "حزب النور" السلفي على28,7% من الأصوات، في هذه المرحلة التي شملت ثلث المحافظات المصرية. وبحصوله على ثلثي الأصوات في المرحلتين الأولين، يبدو أن التيار الإسلامي سيكون القوّة المهينة على مجلس الشعب المقبل الذي سيعقد أول اجتماع له في 23 كانون الثاني 2012.
من جهة ثانية، أعلن "حزب النور" رسميًا موقفه من الجدل بشأن معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، مؤكًدا أن الحزب لن يعمل على إلغاء هذه الاتفاقية، ولكنه سيحاول تعديل ما وصفه بـ"بنودها الجائرة" بكل السبل المشروعة.
في غضون ذلك، ورغم وجود الطلائع الأولى لبعثة المراقبين العرب في سوريا، استمرّ النظام في إعمال الحديد والنار في جسد شعبه بشيوخه ونسائه وشبابه وأطفاله، ولاسيّما في "حمص" المهدّدة بمجزرة حقيقية؛ وفي هذا السياق، دعا المجلس الوطني السوري، الجامعة العربية التي يفترض أن تصل بعثة جديدة من مراقبيها الى دمشق في اليوم التالي، الى التوجه الى حمص حيث يحاصر آلاف الجنود "حي بابا عمرو" المتمرّد.
وفي سياق متّصل، ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في 25/12/2011، أن موسكو اقترحت على نائب الرئيس السوري "فاروق الشرع" أن يتولى مهام الرئيس "بشار الأسد" لفترة انتقالية، وإلى حين إجراء انتخابات، على أن يحصل "الأسد" على لجوء سياسي في روسيا، كاشفة أن "الشرع" زار موسكو سرًّا في 16 كانون الأول الجاري، والتقى وزير الخارجية الروسي ومسؤولين آخرين. وقالت "معاريف": "إن الوضع الصعب في سوريا والتخوف من صعود الإخوان المسلمين الى الحكم يثير قلقا في روسيا، التي تعتبر سوريا حليفة لها في المنطقة، كما أن حقيقة أن الشرع ينتمي إلى الأغلبية السنية في سوريا من شأنها أن تسهّل تعيينه خلفًا للأسد الذي ينتمي إلى الأقلية العلوية الحاكمة".
لبنانيًا، وفيما اعتبره بعض السياسيين والمحلّلين كلامًا مفصليًا للبطريرك "الراعي"، وعودة الى ثوابت بكركي، أكّد البطريرك الماروني في 25/12/2011 أن "من واجب الدولة المؤتمنة وحدها على أمن المواطنين والسلام في البلاد، أن تجمع السلاح، وتحصره بالقوى الشرعية اللبنانية"، معتبرًا أن "لا أحد يستطيع أن يوقف العدالة أو يعطّلها بالتهديد، أو يسيّسها لغايات شخصية".
وصلت دفعة من 50 مراقبًا عربيًا الى دمشق في إطار البروتوكول الموقع بين جامعة الدول العربية وسوريا، على أن يبدأوا في اليوم التالي (27كانون الأول) الانتشار في الأماكن الساخنة. وقبل وصولهم بساعات سقط 23 شخصًا قتلوا في هجوم واسع للقوات السورية على حي "بابا عمرو" في مدينة "حمص" ثالث كبرى مدن سوريا، والتي تعتبر أكثر المناطق سخونة في البلاد منذ تفجر الاحتجاجات قبل عشرة أشهر.
في لبنان، بينما انشغل المسؤولون برواية "القاعدة" على الحدود الشرقية، والتي أطلقها وزير الدفاع "فايز غصن" خدمة للنظام المجرم القابع في دمشق، انهمر رصاص المخابرات السورية بعد توغلها في الأراضي اللبنانية مساء السابع والعشرين من كانون الأول، ليقتل ثلاثة لبنانيين على الحدود الشمالية في "وادي خالد". وبهـــذا انجلى المشهد الكلامي الذي أثاره وزير الدفاع عن تطور ميداني جديد سالت فيه الدماء، فيما زار وفد من البلدة رئيس الحكومة وأبلغه معطيات مغايرة كليًّا لطروحات وزير الدفاع.
في غضون ذلك، كان المراقبون العرب في سوريا يمضون يومهم الأول في "حمص" أشد المدن تفجّرًا على الإطلاق، وقوبل المراقبون بتظاهرات للمعارضة ضمّت 70 ألف شخص طالبوا بحماية دولية، وقت انسحبت الدبابات من "حي بابا عمرو" في ما اعتبرته المعارضة "خدعة" خلال وجود المراقبين. كذلك التقى المراقبون محافظ حمص اللواء غسان عبد العال وشهدوا تظاهرة مؤيّدة للنظام. وفي الإجمال، بلغ عدد القتلى برصاص الأمن السوري في اليوم الأول لعمل المراقبين العرب 15، بينهم ستة في حلب التي بدأ يبلغها الحراك الشعبي لكن ببطئ شديد. كما عُلم أن النظام الدموي، عمل على تغيير أسماء مدن وقرى لم تشهد خرابًا يذكر بأسماء مدن وقرى التي حفر فيها معالم إرهابه، وذلك من خلال استبدال اللوحات المنتصبة على مداخلها بأخرى، لإيهام المراقبين أن كل مايشاع في الإعلام عن دمار وقتل مإما مضخّم وإما لا أساس له من الصحّة!
ليس بعيدًا عن محور الشر الذي يعيش أسوأ أيّامه، وفي تهديد استباقي لأي عقوبات جديدة تفرض عليها ردًّا على مضيّها قدمًا في محاولة الحصول عالى السلاح النووي، حذّرت إيران من أنها لن تسمح بمرور النفط من مضيق هرمز الذي يعبره 40 في المئة من النفط العالمي المنقول بحرًا، في حال فرض عقوبات على صادراتها النفطية.
في المقابل، أفادت مصادر في صناعة النفط إن السعودية ودولاً خليجية أخرى في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبيك"، مستعدّة لتعويض إمدادات النفط الإيراني في حال فرض عقوبات جديدة تحظر استيراد الخام الإيراني في أوروبا، وذلك في خطوة تبزر تصميم الخليج تطويق إيران وكبح جماحها، والتخلّص من عنجهيتهال وعربدتها واستكبارها في المنطقة.
انحياز رئيس بعثة المراقبين الجنرال "محمد الدابي" الى النظام السوري ما لبث أن ظهر في اليوم الثاني لعمل بعثته، حيث صرّح في 28/12/2011، أن "لا شيء مخيفًا في حمص"، الأمر الذي أثار غضب أهالي المدينة فضلا عن المعارضة السورية بكاملها. ومع ذلك، ظلت آلة القتل "البعثية" تضرب الشعب بلا هوادة، فقد سقط نحو 15 شهيدًا في هذا اليوم، بينهم طفلان وخمسة شهداء في "حمص" حيث "لا شيء يدعو الى الخوف"!!
بيد أن الجامعة العربية سعت في اليوم التالي إلى تصويب كلام رئيس بعثة المراقبين المشبوه بشأن الوضع في "حمص"، مشيرة إلى أنه كان يشير عندما قال إن الأمور تسير بشكل جيد هناك، الى تعاون السلطات السورية، وليس الواقع على الأرض.
الى ذلك، تعرّض فريق من المراقبين لإطلاق نار خلال إحدى جولاتهم، فيما كان رصاص قوات نظام "بشار الأسد" يواصل حصد أرواح المواطنين، مسقطًا أكثر من 33 شهيدًا بينهم نساء، ليرتفع بذلك عدد الشهداء الذين سقطوا منذ دخول لجنة المراقبة إلى سوريا الى 130 شهيدًا، بينهم ستة أطفال، وأربعة شهداء قضوا تحت التعذيب.
أما في لبنان، فلم يصدر أي استنكار رسمي ضد إقدام "شبيحة نظام بشار الأسد" على إنتهاك السيادة الوطنية وقتل ثلاثة لبنانيين بـ"دم بارد"، رغم انعاقد جلسة لمجلس الوزراء، بل مرّ الحادث الإرهابي كأن شيئًا لم يكن، عملاً بـ"قاعدة" رئيس مجلس الوزراء "نجيب ميقاتي" حليف "الأسد": "يا جاري .. إنت بدارك وأنا بداري"!
في المقابل، دان الرئيس سعد الحريري "جريمة شبيحة نظام بشار الأسد في عكار"، محمّلاً "الحكومة اللبنانيّة مسؤوليّة ما يتعرّض له المواطنون اللبنانيون والسيادة اللبنانية جراء الاختراقات السورية المتكررة للمناطق الحدوديّة". وتطرق الحريري إلى الوضع في سوريا، ودعا إلى "تشكيل قوة مشتركة عربية ـ تركية للتخلص من النظام السوري الحالي"، معربًا عن قلقه من "الفظاعات التي يرتكبها النظام السوري في حق شعبه والتي يجب أن تتوقف على الفور". وقال: "إن إتخاذ قرار في مجلس الأمن ضد سوريا سيكون إما نتيجة تحول كبير في هذا الملف أو مفاجأة. وفي كل الأحوال ليساعد الله الشعب السوري".
وبالعودة الى أخبار الثورة المصرية، عاودت في 28/12/2011، محكمة جنايات القاهرة محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك (83 سنة)، بعد توقف استمر ثلاثة أشهر، وقرّرت بعد جلسة إجرائية مواصلة النظر في القضية في جلسة لاحقة. هذا، ويواجه الرئيس السابق المحبوس في مستشفى عسكري بضاحية القاهرة، اتهامات بقتل المتظاهرين وبالفساد المالي. كما يحاكم في القضية عينها وزير الداخلية "حبيب العادلي" وستة من معاونيه بتهمة قتل المتظاهرين. ويمثل أمام المحكمة أيضًا بتهمة الفساد المالي، نجلا مبارك "جمال" و"علاء"، المحبوسان احتياطًا في سجن "طرّة".
أما على الصعيد اليمني، ، فقد حسم الرئيس اليمني المنتهية ولايته "علي عبدالله صالح" قرار إقامته الدائمة مع أفراد عائلته في الفترة المقبلة، واختار لهذا الغرض دولة الامارات العربية المتحدة، بعد عودته من زيارة مقرّرة للولايات المتحدة لإجراء فحوص طبية.
وبالعودة الى موضوع "كذبة" وزير الدفاع في لبنان، طوى "مجلس الدفاع" صفحة المزاعم عن "القاعدة" في 29/12/2011؛ فعلى رغم خلو بيانه من أي اشارة الى قضية عرسال والبيان الذي أصدره وزير الدفاع "فايز غصن" عن معلومات تتعلق بتسلل عناصر من تنظيم "القاعدة" الى سوريا، وضع المجلس الأعلى للدفاع حدًا للسجالات التي شهدتها الأيام الأخيرة حول وجود هذا التنظيم الإرهابي في لبنان، ذلك أن مجمل المعلومات التي رشحت عن مناقشاته، والتي استندت الى تقارير قادة الأجهزة الأمنية المشاركين في الاجتماع، أثبتت أن لا وجود لتنظيم "القاعدة" في لبنان.
على صعيد آخر، أُعلن في ذروة التوتر الأميركي - الإيراني على خلفية البرنامج النووي الإيراني وتلويح طهران بإقفال مضيق هرمز، عن توقيع الولايات المتحدة والسعودية عقًدا لبيع الرياض 84 مقاتلة من طراز "ف 15" تصنعها شركة "بوينغ" وتحديث 70 مقاتلة أخرى، في صفقة قيمتها 29,4 مليار دولار.
هذا، وقد انتهى عام 2011 الذي ظل حافلاً بالحوادث المهمة حتى آخر ثانية منه على النحو التالي:
في لبنان، طالب نوّاب المعارضة من الحكومة إرسال الجيش اللبناني الى "وادي خالد" في الشمال، والى "عرسال" في البقاع لوضع حد للإعتداءات السورية المتكرّرة. وقد أتي ذلك الطلب على وقع تبلّغ وزارة الخارجية من بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة رسالة سورية موجّهة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون مؤرّخة في 24 كانون الأول الجاري، تشرح تعرّض دمشق لانفجارين وصفتهما بأنهما "عمل ارهابي". واستندت الرسالة الى تصريح وزير الدفاع "فايز غصن"، فأثبتته في متن الرسالة، مع التذكير بأنه كان أفاد فيه أن عناصر من "القاعدة" تسللت من بلدة "عرسال" الى الأراضي السورية.
أما سوريا، فقد شهدت أوسع حراك للمعارضة السورية منذ بدء احتجاجاتها ضد الرئيس السوري "بشار الأسد" قبل عشرة أشهر، مع تظاهر مئات الآلاف في "جمعة الزحف على ساحات الحرية"، في مدن كان المراقبون العرب فيها، لكن ذلك لم يمنع قوى الأمن من التصدي لهذه التظاهرات بعنف، مما أسفر عن مقتل 32 مدنيًا. وزار المراقبون إدلب وحماه وحمص ودرعا، وذلك وسط تلويح "المجلس الوطني السوري" الذي يضم طيفًا واسعًا من المعارضة، باللجوء الى السلاح إذا أخفق المراقبون في تسليط الضوء على ما وصفه بالقتل الجماعي للمحتجين.
وفي حلب التي ظلت حتى الآن في منأى نسبي من الحركة الاحتجاجية، سجّل انطلاق تظاهرة من مسجد "عروة" في حي "هنانو"، وتمّ قمعها بوحشية من قبل موالين للنظام، كما قمعت تظاهرة أخرى خرجت في حي "صلاح الدين" من قبل موالين.
أما ثوّار اليمن، فقد ودّعوا عام الربيع العربي بتظاهرات مليونية نظمت في 18 محافظة، وشارك فيها مئات الآلاف من المناهضين للرئيس المنتهية ولايته "علي عبد الله صالح"، الذين احتشدوا في ساحات التغيير والتحرير والحرية ضمن تظاهرات "معاً لتحقيق أهداف الثورة" لتأكيد تلاحم الثوار، والمطالبة بمحاكمة "علي صالح" وأركان نظامه، ورفض منحهم الحصانة القانونية، فيما احتشد الآلاف من أنصار الرئيس في تظاهرات "جمعة وإن عدتم عدنا"، لتأكيد تمسكهم بالمبادرة الخليجية، ودعوة قوى المعارضة إلى تنفيذ التزاماتها في اتفاق التسوية.
وكان الختمام في الأردن، حيث خرجت مسيرة حاشدة ضمت نحو عشرة آلاف متظاهر في عمان، ومسيرات واعتصامات عمت المدن الرئيسية في المحافظات. وهتف المتظاهرون في إربد: "عهد الخوف ولّى وراح... يا بتصلّح يا بترتاح"، و"يا نظام ارتاح ارتاح... ما انت ناوي عالإصلاح"، وفي الكرك: "يا كرك هيجي هيجي... والإصلاح بدو ييجي".
وندّدت التظاهرات بتلكؤ النظام في تنفيذ الإصلاحات، وحذرت من عدم الجدية في مكافحة الفساد، وطالبت بفتح جميع ملفاته، وخصوصًا ملف خصخصة الشركات والمؤسسات الحكومية، ومحاكمة المتورّطين فيها.

 

  

 

 

الخاتمة

طوى اللبنانيون صفحة العام 2011 واحتفلوا بالسنة الجديدة 2012 آملين أن تحمل أيامها انتصارًا لمسيرة بناء الدولة التي تعثّرت في عام الانقلاب على ربيع لبنان وثورة الحرية والديموقراطية والسيادة والاستقلال الثاني، متطلّعين الى انتصار الربيع العربي وثورة شعوبه المنتفضة على نظم الاستبداد والقتل، والساعية الى الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.
ومع وداع العام 2011 غير المأسوف على أيامه السود محليًّا، في ظل حكومة نأت بنفسها عن الوطن وهموم ناسه، ونأت بنفسها عن الوقوف الى جانب الشعب الذي يُباد في سوريا، تطلُّ سنة 2012 ولبنان يرزح تحت عبء حكومة مرتهنة لنظام سوري يتهاوى، مستقيلة من مسؤولياتها الوطنية، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، مشرّعة الوطن، حدودًا مستباحة لكتائب الأسد، من "عرسال" الى "وادي خالد"، وداخلاً محكومًا بسلاح متفلّت وفلتان أمن حوّل لبنان الى ساحة رسائل عابرة للحدود عبر عمليات مشبوهة واستهداف لـ"اليونيفيل" وخطف أجانب ولبنانيين ومعارضين سوريين، في وقت يكتوي فيه المواطنون بنار الغلاء والبطالة، ويعيشون العتمة، وهزال الدولة، والخدمات، وتخبّط الوزارات، وارتجال القرارات والمراسيم، وتراجع الاقتصاد، وتدهور صورة لبنان في المجتمع الدولي.
بيد أنه إذا كانت سنة 2011 قد أسدلت ستارها على هذا الواقع الأليم، فإن المنتظر والمأمول، وهذه المرّة بناء على معطيات جادة لا مجرّد تمنيات، أن يُعيد العام 2012 الى لبنان ربيعه المسلوب، وذلك مع سقوط النظام السوري "الأسدي" الذي ستسقط معه "حكومة ربع الساعة الأخير" على خلفية تفكّك قوى 8 آذار التي أعطت أكثر من مؤشّر على ذلك خلال العام 2011، تلك القوى الانقلابية التي سطت على الحكم في لبنان بقمصان سود وانتشار ليلي مسلّح على محور "القماطية-عاليه".
لقد بات من نافلة القول إن الشرق الأوسط بعد عاصفة الثورات الشعبية التي اجتاحته ولا تزال تعصف في بعض أنحائه وربما تتحضّر للهبوب على مناطق أخرى منه، مُقبل على خارطة توازنات وتحالفات سياسية جديدة (وربما جغرافية) سواء على الصعيد الدولي الإقليمي أو الداخلي الخاص بكل دولة "طار" حاكمها وسقط نظامه، أو لا يزال يترنح محاولا عبثًا الصمود في وجه العاصفة الجماهيرية التي تأبى أن تهدأ حتى تقتلعه عن بكرة أبيه.
ثمة مؤشرات قوية على تحضير تركيا لقيادة المنطقة من خلال نقل "نموذجها الديموقراطي" الى الدول العربية الباحثة عن ربيعها، وهوما ينبئ بأفول "الهلال الشيعي" وصعود "البدر السني"... نعم، يدخل "الهلال الشيعي" اليوم طور المُحاق السياسي، تتلبّد الغيوم في أفقه، تتعاظم الضغوط الدولية على إيران، ضربة قاسمة ستلحق بمحور الشر عند سقوط النظام "الأسدي"، "حزب ولاية الفقيه" يواجه نتائج خياراته الخاطئة والمتهوّرة في لبنان، ويستشعر حبل الضعف والذبول والخريف يلتف حول عنقه. أما "حماس" ففرّت من قبضة النظام السوري، وذهبت الى المصالحة وإنهاء الانقسام، وها هي تسحب قيادييها تدريجيًا من دمشق نحو غزة وربما نحو قطر فيما بعد.
ما يهمّنا كلبنانيين هو كيفية انعكاس الربيع السوري على الوضع اللبناني الداخلي؛ ذلك، إنه لم يعد من قيمة أو أهمّية للّعبة السياسيّة الداخلية في ظلّ التحوّلات التاريخيّة الجارية، ومن هنا فإن المعيار للحكم على هذا الطرف أو ذاك هو موقفه من الثورات العربية التي ستُخرج المنطقة، واستطرادًا لبنان، من الستاتيكو القاتل الذي دخل فيه اعتبارًا من العام 1969، وبالتالي، كلّ من هو ضدّ التغيير في سوريا هو مع إبقاء الدولة اللبنانيّة مفكّكة والوطن ساحة، وكلّ من هو مع التغيير في دمشق هو مع خيار "العبور إلى الدولة".
فبعدما كان (فعل ماض ناقص) النظام السوري يمثل في آن واحد ركيزة أساسية في المشروع الإيراني الفتنوي التوسعي، وجزءًا استراتيجيًا من الأمن القومي الإسرائيلي، ها هو اليوم يهوي ويعيش لحظاته الأخيرة بعدما انتفض عليه الشعب السوري من أجل استرجاع حريّته وكرامته متحديًا آلة القتل الأكثر بربرية ووحشية في العالم، فإذا بهذا الشعب البطل يحرج العالم ويجبر السياسة الصهيو-أميركية على التخلي عن حليفها "بشار الأسد" بعد شهرين وعشرين يومًا من التظاهرات التي انطلقت في 15/3/2011، وذلك تحديدًا بعدما فقد "الأسد" أعصابه على وقع التصعيد الجماهيري فحرّك "جبهة" الجولان المحتل في 5 حزيران 2011 برشقات من الحجارة، رافقها قطع للشريط الحدودي الشائك، في خطوة انتحارية لتذكير إسرائيل أنه حامي حدودها الوفي، ما كان كفيلاً بتخلّي حليفه الإسرائيلي عنه وتصاعد حدّة اللهجة الأميركية حياله، الى حد مطالبته بالتنحي.
أما بالنسبة لتصلّب الموقف الروسي حيال أي قرار يمس بالنظام السوري، فليس مبنيًا على مبادئ وأخلاقيات، بل على مصالح ماديّة بحتة، فعندما تنال روسيا "الخلو" الذي يرضيها ستتخلّى عن "الأسد" ونظامه. والمفارقة هنا، أنه بعدما كانت سوريا تلعب بالأوراق في المنطقة (العراق فلسطين لبنان) لاتنزاع مكاسب من القوى العظمى، ها قد أصبحت اليوم هي نفسها ورقة في يد روسيا، تلعب بها الأخيرة لتنال مكاسب مقابل موطئ قدمها الأخير في الشرق الأوسط.
وفي استشراف مختصر لانعكاسات التغيير القادم في سوريا على الساحة اللبنانية السياسية والأمنية الداخلية، يمكن تسجيل الاستنتاجات والنقاط التالية:
أولاً- على الصعيد الأمني: يمكن القول إنه بعد تشكيل "حكومة رعاية الإرهاب" الميقاتية، لم تعد حسابات حقل نظام "الأسد" البائد تتطابق مع حسابات بيدر "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، بمعنى أن الحزب المسيطر على تلك الحكومة البائسة لن يستجيب هذه المرة الى رغبة النظام السوري إذا ما أراد استخدام الساحة اللبنانية أمنيًا كورقة أخيرة في ضغطه المضاد على المجتمع الدولي، ذلك أن الحزب الإيراني الذي دأب في السنوات الست الماضية على توتير وزعزعة الأمن الداخلي في لبنان، إنما كان يقوم بذلك بشكل منظّم ومدروس في وجه الحكومات المحسوبة على قوى 14 آذار، أما اليوم فمن الحماقة بمكان أن يقوم بتوتير الساحة الداخلية في وجه حكومته، خصوصًا وأن الشارع اللبناني في حالة احتقان نتيجة لعملية السطو على السلطة التي قام بها الحزب فضلاً عن تورّط عناصر منه في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإرساله "أشرف ناسه" لقنص الأبرياء في سوريا دفاعًا عن نظام الأسد، وبالتالي فإنه يدرك جيدًا أن أي توتير أمني قد يفتعله بطلب سوري من المعلوم أين وكيف يبتدئ، لكنه لا يعلم بالتأكيد كيف وأين سينتهي.
هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن "حزب ولاية الفقيه" بات متأكدًا من زوال نظام حليفه "بشار الأسد" وإن اعتمد أسلوب المكابرة في خطابه، ولعل التقارير التي تتحدّث عن نقل الحزب ترسانته العسكرية المخزّنة في الأراضي السورية الى مخازنه في لبنان، مؤشر واضح على مانقول.
ثانيًا- على الصعيد السياسي: يمكن التحدّث عن ضربة قاسمة ستصيب قوى 8 آذار بسقوط النظام السوري، وهي ضربة ستفضي بالتأكيد الى سقوط مماثل لـ "حكومة رعاية الإرهاب" أو "حكومة ربع الساعة الأخير" التي شكّلها في لبنان.
ففي لبنان فريقان سياسيان أساسيان هما 14 و8 آذار، الأول ربط نفسه ووجوده بلبنان الدولة رافعًا شعار "لبنان أولا" فهو باق ببقاء الدولة، أما الثاني فقد ربط نفسه عضويًا ووجوديًا منذ لحظة تأسيسه بالنظام السوري، وذلك عندما رفع شعار "شكرًا سوريا" في تظاهرة 8 آذار 2005، ما يعني أنه زائل بزوال ذلك النظام.
أضف أن قوى 8 آذار مؤلّفة من مكونات متنافرة ومتناقضة في المشروع السياسي والعقائدي والقومي، لا يمكن جمعها في بوتقة واحدة إلا بواسطة الـ"كاتاليزور" أي المادة المحفزة كيميائيًا والمتمثلة بالنظام السوري، لكونه القاسم الوحيد المشترك فيما بينها؛ فهو من أنشأ بعضها وساعد على "تفريخ" بعضها الآخر، وهو من رعاها وخبر تركيبتها وكيفية توزيع حصص الجبنة عليها بما يرضي نهمها وشغفها وشهوتها...
فهذا لديه شبق بالسلطة وبالرئاسة الأولى وبتزعم طائفته، فيعده السوري بالرئاسة ويغدق عليه المناصب الوزارية وينصبه بطريركًا على مسيحيي المشرق انطلاقًا من "براد". وذاك يطمح الى "مجد سياسي" وعينه على الرئاسة الثالثة التي ينافق ويخادع منتظرًا شاغلها على "الكوع"، فيعيّنه السوري في ذلك المنصب بعد الإطاحة بصاحب الحق فيه. وآخر يشفي غليله ويحفظ ماء وجهه تطويب وتأبيد منصب الرئاسة الثانية باسمه وحركته بعدما تعرّض لمصادرة شعبيته وقوته العسكرية ونفوذه السياسي من قبل حزب إقليمي احتكر تمثيل طائفته على جميع الصعد. والأخير الذي يقتات وينام ويعيش على السلاح، يهمه بدوره توسيع نفوذه وقبضته على الدولة اللبنانية بكافة مفاصلها لإخضاعها الى مشروعه العقائدي الذي لا أمل بتحقّقه إلا عن طريق غلبة السلاح، وبالتالي يمكن كسب ودّه سوريًا عن طريق تخصيص الأراضي السورية لنقل وتخزين سلاحه الأسود الذي ينتحل صفة "المقاومة" فيما وجهته الحقيقية الداخل اللبناني وصدور اللبنانيين.
وإذا كان الوضع بين هذه المكونات على هذا التعقيد والتنافر (راجع طعنهم في بعضهم بعضا في وثائق ويكيليكس)، فمن المرجح أن يترتب على زوال المادة "البعثية" المحفِّزة كيميائيًا النتائج التالية:
1- "حزب ولاية الفقيه": سقوط النظام السوري سيحرمه من امتداده الإقليمي وعمقه الاستراتيجي المتمثل بإيران، ولا سيما من ناحية المال الطاهر والسلاح الغادر، ما سينعكس تضعضعًا في قدرته على الإمساك بالساحة اللبنانية وبالطائفة التي يحتكر تمثيلها. ومن شأن هذا التضعضع أن يُخرِج الى العلن صراع الأجنحة الداخلي المكتوم داخل الحزب نفسه، والذي يشكِّل امتدادًا طبيعيًا للصراع الحاصل في بلد المنشَأ إيران بين "الولي الفقيه" وفريق "أحمدي نجاد"، هذا فضلاً عن اعتراضات داخلية على أداء القيادة الحزبية في عدد من المواضيع، وفي طليعتها قضية الفساد الداخلي وعلى أعلى المستويات الحزبية... وإذا كان هذا الصراع مضبوطًا حتى الآن بفضل تدخلات سورية إيرانية وبسبب شخصية "حسن نصر الله" القوية القادرة على احتواء الخلاف، فمن الصعوبة بمكان بعد السقوط المدوي المرتقب أن يبقى الجمر مختبئًا تحت الرماد. ونتيجة لذلك كله، سيرفع "الفيتو" الإحتكاري تلقائيًا، ما سيتيح حرية ولادة أحزاب جديدة من رحم الطائفة الشيعية (وربما الحزب نفسه) تزاحِم الثنائي الشيعي.
2- "حركة أمل": بعد سقوط النظام السوري سيحاول الرئيس "نبيه بري" الخروج من عباءة أمين عام "حزب ولاية الفقيه" "حسن نصر الله" بعدما أجبر سوريًا على التعايش معها والانضواء تحتها، فخضع سياسيًا وأمنيًا لسطوة الحزب الذي قضم شيئًا فشيئًا شعبية "أمل" وسيطر بالمال "الطاهر" والمؤسسات الاجتماعية و"الخيرية" والتعليمية على معظم الساحة الشيعية.
تحرُّر "بري" قد يبدأ بتمايزه في الخطاب السياسي عن الحزب "المتضعضع"، كأن يقترب مثلاً من توجّهات قوى 14 آذار ربما طمعًا في ولاية جديدة بعد انتخابات 2013 تبقيه في سدة الرئاسة الثانية، لكن من المؤكّد أن دافعه الأول هو الرغبة في التخلّص من أسر "الحزب" واستعادة حجمه وحجم حركته التي ابتلعها الحزب بدعم من سوريا وإيران وصادر قرارها وأنقص شعبيتها. ومع ذلك، ثمة احتمال لا يمكن تجاهله، وهو أن تُفضي محاولة التحرّر تلك الى حساسيات بين الثنائي الشيعي قد تجد ترجمتها في نزاع أمني مسلّح بينهما، فالماضي الدموي بين الطرفَين كما الاشتباكات التي تندلع بينهما بين الحين والآخر والتي زادت وتيرتها وحدتها مؤخرًا في "عديسة" و"المصيطبة-حي اللجا"، أمر لا يبشّر بالخير.
3- "الحزب التقدمي الاشتركي": إن المتتبع لمواقف النائب "وليد جنبلاط" خصوصًا في الشهرين الأخيرين، يستنتج أن الزعيم الدرزي قطع أشواطًا متقدّمة في مراجعة حساباته السياسية والشعبية لناحية تموضعه السياسي بعد سقوط النظام السوري وضعف "حزب ولاية الفقيه"، وكأنّه يمهّد الطريق لانعطافة جديدة نحو استقلالية تامة أو عودة الى صفوف 14 آذار لاعتبارات كثيرة أهمها انتخابات 2013 التي لا بد لنجاحه فيها من التحالف مع "تيار المستقبل" ومسيحيي 14آذار.
ولا شك أن مواقف "جنبلاط" الأخيرة ولقاءاته واتصالاته وتحرّكاته تصبُّ في كَسر التباعُد الذي وقع بين الزعيم الدرزي ومكونات 14 آذار، خصوصًا بعد مساهمته في إسقاط الحكومة وترجيح كفة 8 على 14 آذار وتأمين الأصوات اللازمة لتكليف الرئيس "نجيب ميقاتي".
ومع ذلك كلّه تبقى الجملة الأكثر تعبيرًا عما يدور في نفس "جنبلاط" قوله في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 11/7/2011:"أجلس على ضفة النهر وأنتظر، ولا بد أن يومًا ما أن تمرّ جثة عدوي من أمامي"، فهي تعبر في الواقع عن قناعاته الحقيقية في مجريات الساحة اللبنانية في السابق وما يتمنى أن يحصل في المستقبل.
إن ما يجمع 14 آذار قيم ومبادئ وثوابت، وفي طليعتها الحرّية التي يرفع الشباب العربيّ لواءها، وبالتالي أهمّية "جنبلاط" تكمن في عودته إلى "ثورة الأرز" وربيع لبنان، وليس بعودته إلى الحركة التنظيميّة لـ 14 آذار أو عدمها؛ هذا ما يتحقّق اليوم مع الزعيم الدرزي، فهو لا يزال من حيث الشكل مشاركًا في حكومة الإنقلابيين، إلا أنه في المضمون والموقف السياسي أقرب إلى القوى الاستقلالية.
لقد نجح "جنبلاط" في الربط مع الربيع العربي، كما نجح مسيحيّو 14 آذار في هذا الربط أيضًا بدءًا من خطاب الدكتور "سمير جعجع" في قدّاس "شهداء القوّات" إلى لقاء "سيّدة الجبل"، وما بينهما تيّار "المستقبل" الذي تشكّل هذه الثورات استكمالاً للنهج الذي أرساه في لبنان بمنح الأولويّة للخيارات الإسلاميّة الوطنيّة المنفتحة على محيطها، على الخيارات القوميّة المنغلقة على الحداثة والتغيير برفعها خطابًا خشبيًّا عفى عليه الزمن.
4- "التيار الوطني الحر": إن ما يجمع بين الجنرال "ميشال عون" و"حزب ولاية الفقيه" ليس بالتأكيد "ورقة تفاهم"، بل "ورقة مصالح وإشباع رغبات"؛ فالجنرال صاحب شبق سلطوي رئاسي وهو يخوض منذ الثمانينات معركة "كسر عظم" مع مختلف الأحزاب المسيحية وخصوصًا "القوات اللبنانية" طمعًا في فرض نفسه زعيمًا أوحدًا على الطائفة. كما أن القاعدة الشعبية للجنرال في تناقص مستمر بشهادة صناديق الاقتراع، خصوصًا أنها لا تجد أي جامع عقائدي ولا وطني ولا حتى على صعيد المشروع السياسي يجعلها تتحالف مع الحزب الإيراني، إلا أن الجنرال ضحى بذلك كله مقابل وعد كاذب بالرئاسة وحفنة من المناصب الوزارية والنيابية و"كنفشات" و"نفخات" سياسية قدمها له النظام السوري والحزب الإيراني مقابل رعايته المصالح السورية في شق فريق 14 آذار وإعطائه غطاء مسيحيًا يلطّف صبغة الحزب الطائفية والفئوية الفاقعة في مشروعه للسيطرة على لبنان وتغيير وجهه.
وإذا كانت المعادلة على هذا النحو، فإن سقوط النظام السوري وضعف "حزب ولاية الفقيه" وما سيستتبعه من تغيير في الخارطة السياسية في لبنان، سيطال بالتأكيد "التيار الوطني الحر"، على الأقل حفاظًا على ما تبقى من شعبية الجنرال بعدما انكشفت فرية "استرجاع حقوق المسيحيين" التي رفع لواءها منذ عودته من المنفى.
5- فيما يتعلق بمختلف الشخصيات والأحزاب والجمعيات الكثيرة الدائرة في الفلك السوري والإيراني، لا شك أنها بعد سقوط نظام "بشار الأسد" ستصاب باليُتم والتشرّد السياسي، وفي مقدمها: "حزب البعث العربي الإشتراكي" متعدّد الأجنحة والانقسامات، و"الحزب السوري القومي الاجتماعي". كما أن الخلافات الحادّة بين الأطراف السياسية الدرزية ستفقد ضابط إيقاعها، وبالتالي يمكن أن يحتدم الخلاف بين النائب "طلال إرسلان" رئيس "الحزب الديموقراطي" والنائب السابق "وئام وهاب" وكذلك النائب "وليد جنبلاط" الذي سيكون الرابح الأكبر من هذا التشرذم. ويشار أيضًا الى احتمال انفراط عقد التاحلف بين "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" و"حزب ولاية الفقيه"، والكل يذكر كيف تمّ استدعاء قياديي الطرفين الى سوريا عقب "حرب برج أبي حيدر" التي دارت بينهما في آب 2010، لإبرام المصالحة بينهما برعاية سورية وتأكيد "الأحباش" على دعم خط ما يسمى "المقاومة".
باختصار، قد تكون الفترة الأولى التي ستعقب سقوط النظام السوري صعبة على الداخل اللبناني، لكن من المؤكد أن فريق 8 آذار مقبل على انهيار دراماتيكي سيزعزع أركانه ويجعل بنيته السياسية أثرًا بعد عَين. ويبقى الامتحان في بقاء فريق 14 آذار موحدًا بعد تفكك وتشرذم خصمه السياسي، تأكيدًا على مبدأ "لبنان أولاً" واستكمالاً لمسيرة الحرية والسيادة والاستقلال التي ستمضي بخطى سريعة نحو تحقيق مرادها بعد سقوط النظام السوري وتفرُّق حلفائه من أصحاب مشروع الدويلة. ذلك، على أمل أن تثبت انتخابات 2013 أن المستقبل للبنان الحر والسيد والمستقل، والوحدة الوطنية والعيش المشترك، فالربيع لن يُزهر في لبنان قبل أن يزهر أولا في سوريا، والمال الحرام لا يدوم، ولا بدَّ للحق أن يعود لأصحابه مهما طال الزمن.
عبدو شامي
27شباط2012

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !