مواضيع اليوم

2011..عام الحقيقة والربيع العربي(2)

عبدو شامي

2012-02-28 22:58:45

0

2011..عام الحقيقة والربيع العربي (2)

آذار 2011..سوريا تنتفض لحرّيتها وكرامتها

دخل شهر آذار لبنانيًا، على وقع إشهار قوى 14آذار سلاح الموقف في مواجهة السلاح الفئوي الذي يهدّد كل لبناني ولبنانية على امتداد الأرض اللبنانية.
فمع إعلان القوى الاستقلالية من فندق "البريستول" عدم مشاركتها في حكومة نجيب ميقاتي، وتركيز سعد الحريري في خطابه الأخير من "بيت الوسط" على مشكلة سلاح الحزب لكونه ينسف كل أسس اللعبة السياسية الداخلية والحياة الديموقراطية، ويؤسِّس لمعادلات مفروضة بالقوة أو بالتهويل بها، عادت تلك القوى إلى المجاهرة بحقيقة ثوابتها الوطنية، بصرف النظر عن شعار "المقاومة" الذي، للحقيقة، لا يقنع غالبية عظمى من اللبنانيين، لا بل يستفزّهم.
فهذه القوى بتبنّيها شعار "لا للسلاح"، إنما تؤشِّر الى لُبّ المشكلة، وترسل رسالة قوية الى "حزب السلاح"، مفادها أن سياسة الإذعان إلى غلبة السلاح التي مارستها في السابق حتى أوصلتها إلى الهاوية قد انتهت، ومن الآن فصاعدًا لا استسلام، ولا خضوع، ولا إذعان، إنما ثورة في وجه طغيان القوة وقوّة الطغيان، إلى أن يأتي التغيير في يوم من الأيام.
إن قيمة السلاح ومفعوله في رهبته، فإذا سقطت رهبته أصبح بلا مفعول. أليس هذا جزءًا مما حدث عندما أخرجنا الجيش السوري من لبنان ولم نهب سلاحه ولا أقبية استخباراته؟ ها هي شعوب المنطقة في تونس ومصر ولبييا انتصرت في ثوراتها لأنها لم تهب سلاح الدولة القمعية، لقد سقطت رهبة السلاح من قلوبهم وكسروا حاجز الخوف منه في نفوسهم، فلم تعد للسلاح جدوى، لا بل سقط وذهب الى مزبلة التاريخ من تجرّأ على توجيه السلاح الى صدور أبناء شعبه. وهذا ما نريد تكراره في لبنان.
حوادث شهر آذار2011 بدأت من السعودية، مع اعتقال السلطات السعودية رجل الدين الشيعي الشيخ توفيق العامر بناء على أمر مباشر من وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، بعدما دعا إلى ملكية دستورية والقضاء على الفساد والتمييز، في حين رفع أكثر من 70 داعية وأكاديميًا سعوديًا، في مقدمهم الشيخ الدكتور ناصر العمر، كتابًا الى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يتضمّن بعض المطالب الإصلاحية.
لبنانيًا، برز تصريح لوزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" في 2/3/2011، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، حيث قالت إنها "تدعم استمرار المساعدات الأميركية للجيش اللبناني على رغم تولي نجيب ميقاتي الذي يؤيده حزب الله منصب رئاسة الحكومة". مبدية تخوّفها "من تدهور قدرات الجيش اللبناني بسرعة في حال وقف المساعدات الأميركية، مما سيعرض أمن الحدود اللبنانية- الإسرائيلية للخطر". والى ذلك ذهب أيضًا رئيس أجهزة الاستخبارات الأميركية "جيمس كلابر"، الذي أعلن أنه يؤيد "الإبقاء على المساعدة الأميركية للجيش اللبناني حتى وإن سيطر حزب الله على الحكومة اللبنانية". علمًا أن الجيش المدعوم أميركيًا سيأتمر بأوامر حكومة "ولاية الفقيه" في لبنان.
في هذه الأثناء، ووسط التحضيرات الناشطة لإحياء الذكرى السادسة لـ 14 آذار، أطلق رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في 3/3/2011، جملة مواقف بارزة جديدة، تمحورت خصوصًا حول موضوع السلاح. فهو إذ شدَّد على أنه "ليس رجلاً يستسلم"، ذكّر بأن "الرئيس رفيق الحريري حمى المقاومة وأنا حَمَيْتُها أيضًا"، لكنه ليس مستعدًا لحمايتها بعد اليوم "بعدما تحوّلت سلاحًا في وجه اللبنانيين". وتساءل ما "إذا كان عليه أن يكون شريكًا لسلاح يُرفع في وجه اللبنانيين". وأعلن أن "لا تراجع في موضوع السلاح ولا في موضوع المحكمة، لأن لا قيامة للبلد في ظل فريق يحمل السلاح"، مضيفًا: "إما القول بأن السلاح هو للمقاومة، فكلنا مقاومون، والمقاومة الحقيقية كانت قائمة على الشعب وارادته وصموده وعلى الدولة أيضًا".
وبعيدًا عن الساحة اللبنانية، ازدادت الضغوط الدولية في هذا اليوم على على النظام الليبي، إذ دعا الرئيس الاميركيلاباراك أوباما القذافي الى التنحي فورًا. وقال المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية إنه سيخضع الزعيم الليبي وأبناءه وأفرادًا من المحيطين بهم للتحقيق في جرائم ارتكبتها قوى الأمن التابعة لهم. وقد أتى ذلك التصريح مع تعزيز الثوار الليبيين قبضتهم على مدينة "البريقة" التي تُعتبر الميناء النفطي الرئيسي في شرق البلاد، رغم القصف الجوي الذي واجهتهم به كتائب القذافي.
وعلى ذكر "المحكمة الجنائية الدولية"، فقد كشف عضو في لجنة محامين لبنانيين وفرنسيين وبلجيكيين في العاصمة السويسرية برن، أوكلتها "جمعية أهالي ضحايا مجزرة السابع من أيار من العام 2008"، لمقاضاة قيادتي الحزب الإيراني وحليفته "حركة أمل" بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، كَشَفَ النقاب عن أن لجنة المحامين هذه هي الآن بصدد تقديم دعوى جماعية بأسماء أهالي الضحايا ممن قُتلوا وعددهم يتجاوز المئة شهيد وممن جُرحوا أو أصيبوا بعاهات دائمة وهم يتجاوزون مئات من المسلمين السنة والدروز، بحق الأمين العام للحزب حسن نصرالله، ونائبه نعيم قاسم، وستة آخرين من معاونيه الكبار، أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (غير المحكمة الدولية المختصة باغتيال الحريري)، وذلك "بتهم إصدار الأوامر الى عناصرهم بتنفيذ المجزرة".
في المقابل، وفيما غاب موضوع تأليف الحكومة العتيدة عن صدارة الاهتمام في لبنان، حضر في 4/3/2011 موضوع المحكمة الخاصة بلبنان على مستويَين: الأول، صدور التقرير السنوي الثاني للمحكمة الذي قدمه رئيسها القاضي أنطونيو كاسيزي الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. والثاني، المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد للرد على طلبات المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار من عدد الوزراء، في ضوء المواقف الصادرة عن وزراء الداخلية زياد بارود، والأشغال العامة والنقل غازي العريضي، والاتصالات شربل نحاس، والطاقة جبران باسيل، الرافضة لاستجابة طلبات بلمار. وقد دعا النائب رعد الى "عدم التعاون مع طلبات المحكمة"، واصفًا طلبات بلمار بأنها "تفضي عمليًا الى استباحة الوطن وكل المواطنين"، مطالبًا بـ"تجميد العمل بمذكرات التفاهم بين كل أجهزة المحكمة ولبنان".
هذا، وقد خرق السجال حول المحكمة، ورود معلومات مؤكدة تفيد أن الملازم الأول في الأمن الداخلي اللبناني صلاح الحاج آمر مفرزة حماية السفارة السورية في بيروت، وهو نجل اللواء علي الحاج المدير السابق للأمن الداخلي، أقدم الأسبوع الماضي (24/2/2011)، على اختطاف المواطن السوري جاسم مرعي الجاسم وترحيله إلى "فرع دمشق وريفها" في المخابرات العسكرية السورية بسيارته الخاصة، أو أنه سلّمه للسفير علي عبد الكريم علي الذي لم يزل يحتجزه في "حمامات" السفارة السورية في بيروت !؟ وذلك على خلفية قيام المواطن السوري جاسم مرعي الجاسم بتوزيع مناشير مناهضة للنظام السوري في إحدى ضواحي بيروت.
في غضون ذلك، كانت عجلة الحراك الشعبي العربي لا تزال دائرة. فقد سار في الرابع من آذار نحو عشرة آلاف أردني في منطقة وسط البلد بعمان، في تظاهرة دعت إليها "الحركة الإسلامية" و"حزب الوحدة الشعبية"، مطالبين بإصلاح النظام وحل البرلمان، وحضوا الحكومة على تنفيذ وعودها الإصلاحية في أسرع وقت. وأعلنوا عن مسيرة أخرى الجمعة المقبل.
وكذلك الأمر في المملكة العربية السعودية، حيث تظاهر مئات من السعوديين في المنطقة الشرقية من المملكة حيث غالبية السكان من الشيعة، مطالبين بالإفراج عن رجل الدين توفيق العامر، غداة اعتقال نحو 20 ناشطًا.لاوكانت دعوة وجهت عبر موقع "فايسبوك" الى المشاركة في "يوم غضب" الجمعة في شرق المملكة، احتجاجا على توقيف رجل الدين الشيعي.
الخامس من آذار، كان يوم تكريم لبنان بطريرك الحرية والسيادة والاستقلال، مار نصر الله بطرس صفير، في مناسبة يوبيله البطريركي الفضي ويوبيله الأسقفي الذهبي. وذلك في لقاء لبناني جامع لمعظم الاتجاهات السياسية التأم في الاحتفال التكريمي الذي أقامه المطارنة الموارنة.
وقد دعت الأمانة العامة لقوى 14 آذار جمهورها الى أوسع مشاركة في الذكرى السادسة لـ14 آذار صباح الأحد 13 آذار لتأكيد "التزام شعب 14 آذار الدفاع عن حرية لبنان وسيادته ونظامه الديموقراطي (…)، وتأكيد التمسك بمبادئ ثورة الارز"، وفق البيان الذي تلاه منسق الأمانة العامة فارس سعيّد.
وفي نبأ من الرياض، أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري باشر لقاءاته مع كبار المسؤولين السعوديين، فضلا عن لقاء بالغ الدلالة جمع الحريري الى النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، وضع حدًا لجميع الإشاعات التي يثيرها إعلام 8آذار للإيقاع بين الحريري والسعوديين. وقد عكست أجواء اللقاءات ارتياحًا كبيرًا الى استمرار موقف الدعم السعودي الكامل للبنان وقضاياه. وقد تزامنت هذه اللقاءات مع إعلان المملكة تطبيق قرار منع التظاهر، في إشارة الى ان الاحتجاجات الصغيرة من جانب الأقلية الشيعية في شرق المملكة المنتج للنفط لن تلقى تسامحًا بعد الآن. مؤكِّدة أن التظاهرات تنتهك الشريعة وتقاليد المملكة.
شهر وعشرة أيام، مروا على تكليف مرشح المحور السوري-الإيراني الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة "ولاية الفقيه" في لبنان، ولم تؤلف الحكومة بعد.
ليس هذا مفاجئًا، فسوريا لم تتدخّل بعد لضبط عناد أولادها المشاغبين، وفض مشاكلهم، وكبح جماح المولعين منهم بالوصول الى السلطة، وتأديب الشرهين منهم والطامعين في التهام حصة الأسد من قالب الحلوى المسروقة.
ليس هذا التأخير موضع استغراب، فربما أرادت الأم اختبار قدرة أبنائها في الاعتماد على أنفسهم، ومعرفة ما إذا كانوا لا يستطيعون العيش بلا وصاية جُبِلوا عليها واستزلموا لها، حتى باتت جزءًا لا يتجزأ من نفوسهم.
بيد أن ما يلفت الانتباه ويثير التساؤلات، أن حادثًا أمنيًا أو إرهابيًا واحدًا لم يُسَجَّل الى اليوم في أي من الأحياء البيروتية، كحادثة "عائشة بكار" التي افتعلتها قوى 8آذار بواسطة ميليشيات "حركة امل" في 28/6/2009، وكانت أشبه بـ"7 أيار" مصغر، بعد أيام معدودات من تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2009، وعشية بدئه مشاوراته مع الكتل النيابية لاستخلاص تصوّراتها حول شكل الحكومة العتيدة.
شهر وعشرة أيام على تكليف الميقاتي، ولم يتدخل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو محذرًا من ولادة "حكومة إيران في لبنان"، كما فعل في 10/8/2009 عندما كان مخاض حكومة الحريري لا يزال عسيرًا، فقد قال نتنياهو يومها في معرض تحذيره من دخول الحزب الى الحكومة: "ليكن واضحاً ان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولية أي هجوم يأتي من أراضيها، إذا صار "حزب الله" رسميًا جزءا منها..."؛ بل على العكس، هذه المرة خرج علينا محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 29/1/2011، ليقول: "بالنسبة لإسرائيل، فإنها يجب أن تكون سعيدة بالوضع الجديد الناشئ في لبنان، والذي تحول فيه نصر الله من زعيم جهادي إلى زعيم مسؤول عن الدولة، كما حدث مع حركة "حماس" في غزة"!
شهر وعشرة أيام على تكليف الميقاتي، ولم يسجل الجيش اللبناني ولا قوات "اليونيفيل" سقوط أي صاروخ "مجهول الهوية" على الأراضي الفلسطينية المحتلة من الجنوب اللبناني، على نحو ما حدث في اليوم التالي على اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة نتيجة للشروط التعجيزية التي تفرضها المعارضة؛ فيومها في 11/9/2009، جرى إطلاق ثلاثة صواريخ "مجهولة الهوية" كالعادة، من سهل القليلة جنوبي مدينة صور باتجاه الشمال الفلسطيني، سقطت في منطقة نهاريا، وأعقبها سقوط قذائف اسرائيلية على المنطقة.
شهر وعشرة أيام، ولم تسقط أي قذيفة "إينيرغا" على منطقة التبانة-جبل محسن، بعدما استخدمت في فترة تشكيل "حكومتي السنيورة والحريري" وصياغة بيانهما الوزاري كصندوق بريد لفرض أوامر المعارضة، كما حدث ليل 7/10/2009، عندما أصيب 8 أشخاص بجروح بينهم 4 بإصابة طفيفة، جرّاء قذيفة "إينيرغا" أُطلقت من باب التبانة على مقهى في محلة جبل محسن.
لن نضيع وقتنا ونهدر حبرنا في الجواب على هذه المفارقات، فاللبيب من الإشارة يفهم.
في السابع من آذار2011، بدأت التعبئة السياسية والتنظيمية والإعلامية الواسعة التي تتولاها قوى 14 آذار استعدادًا ليوم التجمع الكبير الأحد المقبل في ساحة الشهداء إحياء للذكرى السادسة لانتفاضة 14 آذار 2005، تحتل الحيز الأكبر من المشهد السياسي، وسط انكفاء أي تطور ملموس متصل بعملية تأليف الحكومة الجديدة.
وفي هذا الإطار، عاود رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري فور عودته من الرياض، لقاءاته مع الوفود في "بيت الوسط"، حيث أطلق مزيدًا من المواقف. وعزا تقديم موعد التجمع الى 13 آذار بدل 14 منه الى "أننا لسنا جماعة تعطيل لا لمصالح الناس ولا لمصالح البلد، لكننا مع تعطيل الانقلابات والاغتيالات والقمع والظلم والكذب والخديعة".
وأضاف: "سنحمل العلم اللبناني في 13 آذار مجدداً للرد على كل محاولات اعادة عقارب الساعة الى الوراء."
وردّ النائب جنبلاط ضمنًا على مواقف قوى 14 آذار من غير أن يسميها ، فحمل بشدة على ما أسماها "شعارات التحريض المذهبي التي ترفع والتي تؤدي الى الفتنة"، واعتبر أن عودة الحديث عن السلاح لا يأخذ في الاعتبار "إمكان انكشاف لبنان بالمطلق أمام اسرائيل وتعريته بالكامل قبل التوافق على استراتيجية دفاعية". وأشار الى أن "الحزب التقدمي الاشتراكي لن يشارك في تظاهرة 13 آذار"، ملاحظاً أن "توجه بعض خطبائها واضح لناحية الحض على الفتنة والكراهية والتحريض على الطائفية والمذهبية".
وفي اليوم التالي، استكملت أجواء التصعيد السياسي، الذي برز جليًا مع دخول أركان قوى 8 آذار حلبة المواقف التي تستهدف كل مرتكزات حملة المعارضة على سلاح "الحزب" والدفاع عن المحكمة الخاصة بلبنان.
وفي تطور لافت في السجال الداخلي، دخل رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري على خط الرد المباشر على رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تكررت المناسبات التي انتقد فيها طروحات الحريري. فردًّا على قول بري إن 14 آذار تخلّت عن معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، قال الحريري: "نحن مع هذه المعادلة اذا كانت تحت سقف الدولة، ولن نكون معها إذا افترض البعض أن الجيش والشعب والدولة هي أدوات في يد أي سلاح". ووصف من يصور حملة "المستقبل" على "غلبة السلاح" بانها تستهدف الطائفة الشيعية بانها "أكذوبة سياسية بامتياز". وأضاف: "ان العمل الجاري على عسكرة هذه الطائفة السياسية في حياة لبنان، هو عمل يسيء إليها، والى دورها في النظام الديموقراطي اللبناني".
بدوره، قال رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع،: "وصلنا الى قناعة بأننا لا نستطيع التقدم على اي جبهة من جبهات بناء الدولة في وضع متمثّل بوجود جيش الى جانب الجيش اللبناني. وأرى أن وجود "حزب الله" المسلح يكشف لبنان أمام اسرائيل تمامًا (…). في كل مراكز القرار يعتبرون هذا السلاح على أنه إيراني سيدخل عند وقوع أي مواجهة مع إيران، فلماذا علينا أن نتحمّل هكذا مسؤولية؟". وأوضح أنه "في 13 آذار سنقول كفى، إذ يحق لنا أن نصل الى وضع ديموقراطي طبيعي، وسنصل الى ذلك عبر التعبئة المستمرة والضغط المستمر، وهذا ما حصل في مصر".
في المقابل، استعاد "حزب الله" حملته على المحكمة الخاصة بلبنان وخصوم سلاحه، فرأى بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أن المحكمة "جزء من خطة أميركية-أسرائيلية لضرب المقاومة (…) جماعة 14 آذار يريدون هذه المحكمة لاستهداف المقاومة ولا يريدونها من أجل الحقيقة".
وبالعودة غلى أخبار الثورات العربية، إتخذ سلطان عُمان قابوس بن سعيد في 7/3/2011، مزيدًا من الإجراءات التي تستهدف تهدئة المحتجين المطالبين بتوفير فرص عمل وإجراء إصلاحات سياسية في السلطنة، إذ أجرى تعديلاً وزاريًا مهمًا، هو الثالث في شهر، عهد بموجبه الى عدد من الوجوه الجديدة في مناصب وزارية رئيسية.
بيد أنه رغم التعديل الوزاري الكبير الذي أجري وشمل أكثر من ثلث الحكومة واصل مئات المحتجين الاعتصام في مسقط وصحار، وطالبوا خصوصًا بمحاكمة وزراء يتهمونهم بالفساد، على رغم ترحيبهم بالتعديل الوزاري الاكبر في السلطنة منذ نحو 40 سنة.
وفي محاولة خليجية جديدة للانضمام الى نادي الثورات، تجمّع في الثامن من آذار متظاهرون كويتيون، استجابة لدعوة جماعتي "كافي" و"السور الخامس" الشبابيتين، أمام مكاتب حكومية للمطالبة بإصلاحات سياسية والضغط من أجل إقالة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، وكذلك وقف احتكار الأسرة الحاكمة هذا المنصب.
وقد حاولت عدوى الثورات التسلل الى الإمارات العربية المتحدة، فامتدت إليها في التاسع من آذار موجة الحراك السياسي المطالب بإصلاحات، إذ وقَّع 160 ناشطًا وحقوقيًا، عريضة رفعوها الى رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، تطالب بإجراء انتخابات ديموقراطية وحرّة وبتعزيز صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان). ولكن لم يظهر أي مؤشر لتنظيم احتجاجات في شوارع البلاد على غرار ما يجري في دول عربية أخرى تشهد انتفاضات شعبية. وقد ظل هذا البلد الخليجي بمنأى عن انتفاضات "الربيع العربي"، ويعزو محللون ذلك إلى كونه يقدّْم الخدمات للمواطنين "من المهد الى اللحد".
لبنانيًا، شهد التاسع من آذار2011، إقفال أبواب بكركي إيذانًا بانعقاد المجمع الانتخابي للكنيسة المارونية لاختيار خلف للبطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، وقد باتت أنظار اللبنانيين مشدودة الى جملة استحقاقات متزامنة ومتلاحقة تبدأ محطتها الأولى مع إحياء الذكرى السادسة لانتفاضة 14 آذار الأحد، يليها عد عكسي لدخان أبيض يتصاعد من بكركي، في مقابل دخان أسود لايزال يتصاعد من عملية ولادة حكومة الانقلابيين.
وكان مميّزًا الهجوم العنيف الذي شنه نائب رئيس "تيار المستقبل" النائب السابق أنطوان اندراوس على رئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية تجرُّؤ الأخير على إعطاء الحريري درسًا في "تداول السلطة"، حيث قال إندراوس إن بري "يطعن في كل مرة بالظهر"، وإنه "بارع في الابتزاز والمراوغة وكسب المواقع وتاريخه أسود، وهو آخر شخص يحق له التحدث عن تداول السلطة، لأنه يشغل منصب رئيس المجلس منذ عشرين سنة وهو رئيس ميليشيا".
في غضون ذلك، وجهت الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدعوة الى "جمهور انتفاضة الاستقلال" للتجمع في العاشرة صباح الأحد 13 آذار "حاملين الاعلام اللبنانية فقط للتعبير عن التمسك بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية من دون غيرها". ومما جاء في الدعوة: "أيها اللبنانيون، أنتم مدعوون الى صنع يوم تاريخي جديد، يكون المدخل الى المستقبل الذي تتطلعون اليه وتؤكدون خلاله رفضكم سياسات الترهيب والتخويف والاغتيالات، ونبذكم العنف والإرهاب في إدارة الحياة السياسية، وتصديكم لمحاولات إحياء النظام الأمني الذي كان يتحكم فيكم قبل 14 آذار 2005، وتشبثكم بالمحكمة الخاصة بلبنان لكشف المجرمين الذين اغتالوا الرئيس رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز. معًا صنعنا استقلالنا الثاني في 14 آذار 2005 ومعًا نرسخ هذا الاستقلال في 13 آذار 2011 (...)".
هذا، وقد توّجت قوى 14 آذار خطواتها التحضيرية لإحياء الذكرى السادسة للانتفاضة التي تحمل هذه القوى اسمها، بإعلانها في العاشر من آذار، وثيقة سياسية بدت بمثابة برنامج مبادىء ومسلّمات للمعارضة الجديدة، في مؤتمر موسّع في "البريستول" بمشاركة أركانها ونحو 250 شخصية من نواب ووزراء وناشطين وسياسيين مستقلين، اجتمعوا في قاعة كبيرة تصدّرتها لافتة حملت شعار "سيادة 2011 – لا لوصاية السلاح".
فبعد حملة الـ "لأ" التي حدَّدت فيها قوى 14 آذار ما ترفضه (لا للسلاح، لا للترهيب، لا للكذب، لا للاغتيال، لا للظلم...)، جاء أمس وقت الـ "نعم" لتُعلن تلك القوى الاستقلالية ما تريد. فأصدرت وثيقتها السياسية الموعودة وتعهدت ألا تتراجع عنها ولا تساوم "دفاعاً عن لبنان، من أجل الحرية والعدالة والديموقراطية" كما جاء في عنوانها.
واكتسبت الوثيقة السياسية لقوى 14 آذار والتي تلاها النائب مروان حماده عقب الاجتماع الموسع بُعدًا يتجاوز موعد الثالث عشر من آذار الذي سيشهد التجمع الشعبي الكبير في ساحة الشهداء، اذ خَرَجت الوثيقة في صيغة "ميثاق" لفريق 14 آذار تضمّن ثلاثة أقسام رئيسية. فتناولت الوثيقة في القسم الأول قراءة هذا الفريق للأحداث والتطورات التي حصلت منذ ربيع 2005، تاريخ "إنهاء الوصاية الأمنية والسياسية على القرار الوطني". وما تعرض له خلالها "رموز الحركة الاستقلالية لموجات من الاغتيال والترهيب"، وصولاً الى المأزق الاخير بفعل "عودة الفريق الآخر الى الحكومة وسلاحه في يده (...)، مُخَيِّراً اللبنانيين بين الحرية والعدالة والسلم الأهلي أو الأمن". وإذ اعتبرت أن "ثورة التغيير الديموقراطي التي تجتاح العالم العربي تلتقي مع انتفاضة الحرية والاستقلال في لبنان"، قالت إنه "من غير الجائز أو المقبول أن ينكفىء شباب لبنان رواد الحرية فيسمحوا بعودة البلاد الى الوراء، والى تسلّط الرأي الواحد والحزب الحاكم".
وتناول القسم الثاني "الأخطار الجدية التي تهدد وجود لبنان وكيانه ومستقبل ابنائه، ولا سيما منها خطر خسارة استقلاله مجددًا والعودة الى الانقسامات الطائفية والمذهبية التي تسهِّل الوصايات، وخطر خنق ديموقراطيته، وتحويل نظامه بقوة السلاح الى قبضة الحزب الواحد والخطاب الواحد".
أما القسم الثالث، فتناول "الثوابت الوطنية" التي تعهدت هذه القوى الدفاع عنها، ومن أبرزها الدستور واتفاق الطائف، و"حصر الدفاع عن سيادة لبنان المهددة بالدولة وحدها، (...) وإنهاء وصاية السلاح على الحياة السياسية والاجتماعية، وإسقاط تلك البدعة التي جعلت الدفاع عن لبنان اختصاصاً حزبيًا"، وكذلك الدفاع عن العدالة والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتبني كل ما يصدر عنها من أجل وقف مسلسل القتل وتحقيق الاستقرار الفعلي في البلاد".
قبل 48 ساعة من الحدث الجماهيري المرتقب، اختار الرئيس سعد الحريري توجيه رسالة خصَّ بها الشيعة بفقرات عدَّة شكَّلت للمرة الأولى حوارًا غير مباشر مع القاعدة الشيعية، لا القيادية، تتعلَّق بالهواجس الخاصة بالمصير انطلاقًا من النقاش الدائر في شأن سلاح الحزب الذي احتكر تمثيل طائفته رغبًا ورهبًا.
فأمام حشد من الشخصيات يتقدمها رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة، وعدد من الوزراء والنواب اجتمعوا في دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قريطم، وجّه الحريري كلمة الى اللبنانيين قال فيها: "(...) قرار النزول يوم الاحد الى ساحة الحرية، لنقول جميعا بأعلى صوت: لا سلاح بعد اليوم إلا سلاح الدولة، ولا قرار حرب وسلم بعد اليوم إلا بيد الدولة، ولن يدافع عن لبنان الا الجيش اللبناني تحت إمرة الدولة". وأضاف متوجّهًا الى أبناء الطائفة الشيعية: "أريد ان أقول كلاما مباشرة ليس للذين يحرِّضون أهلنا وإخواننا في الطائفة الشيعية على 14 آذار، بل أتوجه بكلام مباشر وواضح الى أهلنا وشركائنا في الوطن، أبناء الطائفة الشيعية لأقول لهم: نحن لسنا مجرَّد شركاء في المسؤولية تجاه لبنان، لأننا كنا وسنبقى شركاء في الدم والايمان والعروبة والمصير (...). ليس من حق أحد أن يستدرج كلامنا على غلبة السلاح الى ساحة المواجهة مع الإخوان الشيعة، لأن الشيعة في لبنان هم في الأساس أول المنتفضين على غلبة السلاح. ألم يكن أهلنا في الجنوب والضاحية أول من انتفض على الفلتان المسلح في البلدات والقرى والأحياء الداخلية؟ ألم يكن أبناء الطائفة الشيعية أول من نادى بسيادة سلطة القانون وشكلوا خط الدفاع الأول عن وجود الدولة في الجنوب وكل المناطق؟".
ثم تابع مستعيدًا مواقف أعلام الشيعة في لبنان من السلاح متسائلاً: ألم يعتصم سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر في الكلية العاملية ضد الفتنة والحرب الأهلية وضد سلاح الميليشيات والفلتان الأمني؟ ألم يحرّم سماحة الإمام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين استخدام اللبناني لأي سلاح في وجه أخيه اللبناني؟". وتابع: قائلاً: "بكرا بيجي يوم بخبركن شو كان يقول لي سماحة السيد المرحوم العلامة محمد حسين فضل الله".
لم يقف زعيم القوى الاستقلالية المحرّر والمتحرّر من أغلال المنصب التي انعكست سلبًا على مسيرة 14آذار عند هذا الحد من الصراحة والمصارحة، بل أراد المضي في المنطق العالي الذي "دوزن" خطابه، فتابع مخاطبة الشيعة واضعًا أصبعه على الجرح قائلاً: "إننا بكل صدق وصراحة، نشعر بالظلم نفسه الذي وقع عليكم في يوم من الأيام، ونرفع الصوت الذي رفعتم، أنتم، في وجه غلبة السلاح، ونخوض مواجهة مع أي مشروع خارجي يطلب من الدولة اللبنانية أن تكون خادمًا أمينا لأهدافه ومصالحه. إننا نلتزم ما أعلنه الإمام شمس الدين ونعتصم بموقف الإمام الصدر رفضًا لكل استقواء بالسلاح وتمسّكًا بمسؤولية الدولة ومؤسساتها في إدارة الشأن الوطني. فلا تأخذوا بالأقاويل، وتأكدوا أن أي دولة بديلة مهما ادعت من قوة لن تعوّضنا الدولة اللبنانية ونظامنا الديموقراطي وقواعد العيش الواحد بين أبناء شعبنا".
هذا الخطاب المنطقي والرصين والواقعي والاستقلالي والسيادي بامتياز، أفقد الجنرال ميشال عون أعصابه، فما كان منه عشية التظاهرة المليونية، إلا أن لجأ على طريقة حلفائه إلى خطاب التخوين، فقال: "صارَت كلمة السّلاح التي يتاجرون بها سلعةً موسمية تُستَعمَل سياسيًا كلّما دعَت الحاجة. (...) يريدون أن يسحبوا السّلاح من يد المقاومة لمصلحة من؟ طبعاً ليس لمصلحة لبنان، ولا لمصلحة سوريا، ولا لمصلحة الفلسطينيين، بل لمصلحة إسرائيل". ولم يوفر الرئيس الشهيد رفيق الحريري من أدبه في الخطاب قائلاً: "هم قتلوه ألف مرّة ولم يعُد شهيد لبنان بل فقيد العائلة لِكثرة استغلالهم اسمه!". والمفارقة هنا، أن الجنرال بدأ كلامه منتقدًا مستوى الأدب السّياسي الذي "ينحدر شيئاً فشيئاً حتى صار في مستوى أدب الشّارع وأدب المواخير"!!
وبالانتقال من "جنرال الرابية" الى "عقيد باب العزيزية"، بات واضحًا أن العقيد معمر القذافي سيستخدم كل ما يملك من أدوات البطش للبقاء قائدًا، ولو على حطام ما يتبقى له من تلك البلاد الشاسعة. فالليبيون المنتفضون على طغيانه منذ 17 شباط الماضي يبذلون قصاراهم لإزاحته. غير أن الطريق الى أسوار "باب العزيزية" لا تزال طويلة. والخوف في الأمم المتحدة يتزايد يومًا بعد يوم من تحوّل الإنتفاضة الشعبية حربًا أهلية، ولا سيّما مع وصول كائب القذافي الى مشارف "بنغازي" عاصمة الثورة الليبية.
وقد قابلت الولايات المتحدة وأوروبا استعادة القذافي زمام المبادرة عسكريًا بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق الاحتجاجات على حكمه المستمر منذ 42 سنة، بإعلان واشنطن في 10/3/2011 أنها أقفلت السفارة الليبية لديها، وانها بدأت اتصالات مع الشخصيات المعارضة للنظام. في حين اتخذ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خطوة مفاجئة بإعلانه الاعتراف لـ"المجلس الوطني الانتقالي" الذي أنشأه المتمرّدون ممثلاً شرعيًا للشعب الليبي، وبدروه حض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في رسالة مشتركة الى الاتحاد الأوروبي الدول الاعضاء على الاعتراف بالمجلس. وأعلن مجلس التعاون الخليجي أن القذافي فقد شرعيَّته، وحض مجلس الأمن على فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا.
بعيد منتصف ليل 12-13 آذار2011، بدأت طلائع "ثوار الأرز" تصل الى ساحة التجمّع، من المناطق البعيدة والجبال، وسط تدابير أمنية مشددة اتخذت في ساحة الحرية، وعلى الطرق التي سيسلكها المشاركون، من أجل أن يُنجَز هذا الاستحقاق بصورة سلمية. وبالفعل تمّت المهمة بنجاح باهر.
كان تنظيم الاحتفال يوم الأحد في 13 الجاري بدلاً من 14 الذي يصادف الاثنين، "ضربة معلم" أتاحت ضخ حشود إضافية من الجماهير الى الساحة، التي صَحَت سماؤها وحلَّقت فوقها أسراب من طيور اللقلق المهاجر الى دفء الربيع، بعد أسبوع من الأمطار والثلوج الغزيرة، مما دفع مقدمة الحفل الإعلامية سحر الخطيب الى الإعلان: "الله مع 14 آذار، فالسماء صحت ومنّت علينا بالشمس".
فجريًا على عادتها منذ 6 سنوات، لبَّت جميع المناطق اللبنانية بحماسة دعوة قوى 14 آذار، فشاركت في الذكرى السادسة لانطلاقة "ثورة الارز"، تحت شعار "بوجه وصاية السلاح الساحة أقوى سلاح"، فضاقت الطرق بالمواكب التي رفعت أعلامًا لبنانية وأعلام قوى 14 آذار، ولافتات وشعارات، تمحورت على رفض السلاح والعنف، وتأييد للمحكمة الدولية.
زحف الجمهور الاستقلالي الى "ساحة الشهداء". نزلوا رافعين رؤوسهم وحاملين بوصلتهم المتمثلة بقسم جبران. نزلوا وفاء لشهدائهم، مقدِّمين لهم اعتذارهم، ومطالبين قواهم السياسية بإعادة تنظيم صفوفها واستبدال سياسة النعجة بسياسة الأسود التي تهابها الذئاب. نزلوا محاولين إعادة إنتاج ثورتهم بخطاب استنهاضي جديد، متبنّين منطق استكمال المواجهة السلمية المشرّفة على كلفتها الأمنية الباهظة وإن انتهت بانهزام، بدلاً من الرضوخ للحالة الميليشيوية بالتنازل المخزي مقابل العيش باستقرار ممزوج بذل واستسلام.
أكثر من مليون ثائر، كالطوفان العارم، كالسيل الجارف، كالمطر الهاطل، نزلوا الى ساحة الحرية مرفوعي الهامات. أتوا بقيمهم الحضارية، بروحهم الاستقلالية، بنفوسهم السيادية، بمبادئهم الوطنية، بأجسادهم الحامية للتنوع والتعددية، ولوطن الحريات.
جمهور نخبوي فريد، يحترم قياداته ويعتز بها، لكنه لا يرفعها من بشريتها الى مرتبة العصمة والمقدسات.
جمهور رؤيوي مفكر ومنفتح، يسير أمام زعمائه ويجعلهم يستوحون من توجّهاته، فلا ينتظر عند كل استحقاق "تكليفًا شرعيًا" ليتبناه دون إعمال فكر وتدقيق وكأنه من المسلّمات.
جمهور لا يعرف اليأس طريقًا الى نفسه، ولا يستطيع الإحباط ثنيه عن مطلبه، ولا يفلح التهديد والوعيد في تغيير قناعاته. هو جمهور لا تزيده التحديات والانتكاسات إلا صلابة وتصميمًا. نزل ليقول: كان السلاح الميليشيوي يخيفنا ولم يعد كذلك، لأن قلوبنا قرّرت أن لا تخاف. سنقلب المعادلة. لن نبقى في موقع دفاعي على المستوى النفسي، وسنخرج من سياسة النعامة ومن ردة الفعل. فلنجعل من استقوى بالسلاح يخاف منا ويبحث عمن يطمئنه، وعند ذلك فقط سينكفئ، لأننا أسقطنا رهبة السلاح فسقط معها السلاح.
استنفر السلاح "ثوار الأرز"، فصنع انتفاضتهم الثانية، لقد ولدت ثورة الأرز من جديد. خلاصة المطالب ظلّت واحدة: "الشعب يريد إسقاط السلاح". ثورتان والحشد واحد. حشد الـ2011 هتف "لاءات" على امتداد ساعات. لا لسلاح يستهدف الداخل، يوجه الى الصدور، لا لسلاح خارج على الشرعية، ويشكّل عائقًا أساسيًا أمام قيام الدولة. هي "لاءات" قوية أنكرت على السلاح "قدسيته". في هذا اليوم المجيد، أعاد "الآذاريون"، إطلاق ثورتهم، من الساحة، ساحة الحرية. هناك، في ذكراها السادسة، استحضروا غائبين كبارًا كبارًا واستذكروا شهداء، دائمًا أحياء. قال "جمهور اللاءات" كلمته في لحظة داخلية وإقليمية دقيقة، مطلقًا رسائل في أكثر من اتجاه.
الثقل الرئيسي في الحشود التي توافدت من مختلف المناطق، بدا معقودًا في صورة أساسية لـ"تيار المستقبل" وحليفَيه المسيحيَين "القوات اللبنانية" و"حزب الكتائب". وإذا كانت الذكرى افتقدت للمرة الأولى الثقل الشعبي الدرزي مع انفراط عقد التحالف نهائيًا بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وقوى 14 آذار، فإن مشاركة غير قليلة لوفود من "شباب الجبل" بدت علامة فارقة، وخصوصًا مع الشعارات التي رفعتها مثل "منحبك يا وليد وعن 14آذار ما من حيد"، في إشارة الى التزامها خط 14 آذار وعدم خروجها على زعامة النائب جنبلاط في آن واحد، علمًا أن رمز المشاركة الدرزية في قوى 14 آذار النائب مروان حماده لم يُلقِ كلمة في المهرجان، كما لم يكن بين الخطباء أي درزي.
زنّار من اللافتات التي حملت عبارات للإمام موسى الصدر، وكمال جنبلاط، والإمام محمد مهدي شمس الدين، إلتفَّ حول ساحة الاحتفال وفي محيطها، وأبرزها مقولة الإمام شمس الدين: "أوصي أبنائي الشيعة بأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعًا خاصًا". وأخرى للإمام الصدر: "لن نسمح بأن يدخل صفوف طائفتنا رجال صغار، وليذهب المأجورون ولو لبسوا لفّات وسمّوا أنفسهم أئمة...". واللافتة الأكبر كانت بالأحمر كُتِبَ عليها: "5 سنين، 55 عملية إرهابية، 850 شهيدًا وضحية". لكن الشعار الأكثر تردادًا بين الجماهير كان: "الشعب يريد إسقاط السلاح"، في استعارة للازمة العربية الأشْهَر التي تردِّدها الشعوب العربية: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ومقارنة بين تحكُّم الأنظمة في رقاب أهلها، وتَحَكُّم السلاح في رقاب اللبنانيين على ما ردّد المتظاهرون.
وعلى وقع تلك الهتافات المندِّدة بالسلاح غير الشرعي، وحامليه، وداعميه، بدأ الاحتفال الخطابي الذي تولّت تقديمه الإعلامية سحر الخطيب، وتخلّلته وصلات موسيقية، وقسم النائب الشهيد جبران تويني. وعلى المنصة التي أحيطت بزجاج مضاد للرصاص، تعاقب على الكلام 11 خطيبًا يمثِّلون معظم التلاوين السياسية داخل تجمع 14 آذار.
تعمَّد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تحويل كلمته الى "احتكام" مباشر للقواعد الشعبية، عبر توجيه أسئلة الى الحشد واصفًا إياه بأنه "مرجعية" قوى 14 آذار، فافتتح خطابه بالقول: "نحن الشباب، نحن اللبنانيين واللبنانيات، نريد أن نتنفس! نريد أن نحكي! نريد أن نرفع صوتنا! جئت أسألكم، أنتم، كل واحد وواحدة منكم، أنتم المرجعية الأولى والأخيرة، أنتم 14 آذار، أنتم ثورة الأرز، أنتم سبقتمونا الى الساحة ونحن لحقنا بكم. جئت لأسألكم وأسمع جوابكم، أريد أن يسمع العالم كله جوابكم: هل تقبلون بوصاية السلاح؟ هل تقبلون بوصاية السلاح وأن يكون في أيدي أحد غير الدولة؟ هل تقبلون بتشكيل حكومة تأتي بوصاية السلاح، لتكرّسها على حياتنا الوطنية؟ هل تقبلون أن تتشكّل حكومة مهمتها إلغاء علاقة لبنان بالمحكمة الدولية؟ هل تقبلون أن تشكل حكومة تكون مهمّتها محاولة شطب المحكمة الدولية من الوجود؟ هل تقبلون بحكومة توقف التمويل عن المحكمة الدولية؟ أنتم 14 آذار، أنتم ثوار الأرز، هل تقبلون أن يتسلّم قرار لبنان الحر السيد المستقل أحد غير الدولة اللبنانية؟".
وتابع ذاكرًا سلسلة مطالب ممكن تحقّقها، وبعض "المستحيلات": "ما كان مستحيلاً منذ ست سنوات تحقق والذين يقولون لنا إنه مستحيل، اليوم سيتحقق". وأضاف: "نحن نطلب دولة لا يحمل غيرها السلاح، وهذا ليس مستحيلاً، ونحن نطلب دولة لا يوجد فيها مواطن درجة أولى يحمل سلاحه ليستعمله عندما يخطر في باله، ومواطن درجة ثانية يضع يده على قلبه(...). وأعلن "أن المستحيل أن يبقى السلاح لعبة تُرمى على أولادنا، وأن يبقى السلاح مرفوعًا في وجه إرادة الشعب الديموقراطية، وفي وجه الحق والحقيقة.(...) والمستحيل أن يستطيعوا الاستمرار كلما قال أحد كلمة، يقولون عنه أنه خائن إسرائيلي، ويقولون أننا نحن جميعنا خونة إسرائيليين، وأن شهداءنا إسرائيليون قتلتهم إسرائيل، والآن عملت محكمة إسرائيلية! نعم، نعم، إسرائيل أيضاً. بدأ السلاح يسقط، إسرائيل تريده أن يوجّه الى بيروت والجبل، وكل لبنان، كما حصل في 7 أيار، تريده أن يوجه الى برج أبو حيدر وعائشة بكار، وسعدنايل والشويفات وبيصور، وعين الرمانة وعاليه وطرابلس وعكار، نعم إسرائيل أيضًا.
وتابع: "المستحيل هو أن ننسى أن إسرائيل عدوّتنا، وأن فلسطين قضيّتنا وأن الذي يريد أن يحرّرها يجب أن يوجه سلاحه إلى إسرائيل، وليس إلى بلده، ويعطّل دولة إسرائيل، وليس دولته، ويضعف إقتصاد إسرائيل وليس إقتصاد لبنان!
وأضاف في رد مباشر على ما تفوّه به الجنرال البرتقالي عشية الذكرى من دون أن يسمّيه: "لمن قال أن رفيق الحريري هو فقيد عائلة، نقول له، هذه هي عائلة رفيق الحريري، أنتم الموجودون هنا عائلة رفيق الحريري وهو فقيدكم أنتم".
ولم يسلم رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من نقد الحريري، ولو من دون ان يذكرهما بالاسم، فقد تابع قائلاً: "والمستحيل أن يبقى شخص واحد 20 سنة في الموضع نفسه في السلطة، ويُعطينا دروسًا في تداول السلطة (...)، وأن يقف أمامكم نائب ويتعهد لكم بأن يدافع عن المحكمة والطائف والديموقراطية، ثم يقول إنه أُجبِرَ على عمل العكس تمامًا".
بدوره، حذر الرئيس أمين الجميل من بقاء لبنان "جبهة عسكرية تخترع الحروب وتشن الفتوحات"، داعيًا الى "اتفاق جذري بل ضروري للحؤول دون بلوغ الازمات مرحلة العنف". وقال: "حزب الله" نسي إسرائيل والخط الأزرق، ولم يبق له إلا مواجهة المحكمة". وتابع: "كلُّ سلاحٍ خارجَ مؤسّساتِ الدولة هو سلاحٌ غيرُ شرعي أيًّا تكن جنسيّتُه ومصدره". محذّرًا من أن "إنجازات ثورة الأرز معرّضةٌ للخطرِ، وباتت تترنّحُ لكَثرةِ ما أصابَتها سهام. فحذارِ التعاطي باستخفاف وفئويّةٍ مع القضايا الوطنية، ومواصلةِ رميِ لبنانَ في سياسةِ المحاورِ ومشاريعَ ثوراتٍ وأنظمةٍ باتت هي نفسُها على شفيرِ الهاوية. الانقساماتُ الداخليةُ ليست قدرَنا، والمشاريعُ الإقليميةُ ليست مشاريعَنا، ولعبةُ الأمم ليست لعبتنا".
وبدوره أطل موقظ الهِمَم ورافع المعنويات، "حكيم ثورة الأرز"، رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، ليؤكِّد أننا: "لن نرضى بأن يبقى مصيرنا في أيدي غيرنا،‏ وقرارنا خارج حدودنا،‏ وبلدنا مسرحًا، وشعبنا ملهاة، ‏واقتصادنا مشلولاً.‏ لن نرضى بأن يبقى تاريخنا مشوّهًا، ومستقبلنا‎ ‎مترنّحًا‏، وحدودنا سائبة وضائعة، وللجيش اللبناني ضُرَّة".
وتابع معلنًا: "كما‎ ‎كسرنا‎ ‎القيد‎ ‎مرةً‎ ‎أولى، هكذا‎ ‎سنكسره‎ ‎مرةً‎ ‎ثانية،‎ ‎وثالثة‎ ‎ورابعة ....‏‎ ‎حتى‎ ‎قيامة‎ ‎لبنان". ولم يفته كعادته استنهاض الهمم ببيت من الشعر، فردّد قول "عنترة":"لا تسقني ماء الحياة بِذِلَّةٍ، بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل/ ماء‎ ‎الحياة‎ ‎بِذِلَّة‎ ‎كجهنم،‎ ‎وجهنم‎ ‎بالعز أطيب منزل". مردفًا: "‏سئمنا العيش بالإيديولوجيا البائدة، والشعارات الخادعة‏ والخطابات المستكبرة‏ (...). سئمنا مصادرة قرارنا،‏ وحرياتنا‏، وديموقراطيتنا،‏ وحقوقنا.‏ إننا لم نعطِ أحدًا وكالة للدفاع عنا، ولا نريد من أحد الدفاع عنا، ‏لا نرضى عن الجيش اللبناني بديلاً، ولا نريد إلا الدولة اللبنانية أمًّا"، معتبراً أنه "إذا كانت المسألة، مسألة خيار مقاومة فعلية، وعزّة وطنية، وكرامة، فهذه كلها، ميزات الشعب اللبناني ‏بأكمله، ‏فلا يزايدنَّ أحد على أحد، ولنترك الدولة تترجم خيار المقاومة، من خلال مؤسساتها الشرعية".
وإذ أشار الى أن "المسألة في الحقيقة هي تَلَطٍّ للمتلطّين وراء خيار المقاومة، للتحكّم بالبلاد والعباد، ‏وتصدير الثورة، وخدمة مشاريع الجمهورية الإسلامية في ايران"، قال جعجع: ‏"نعم للدولة وحدها تقاوم عن جميع اللبنانيين. ‏لا للتحكم بالبلاد والعباد.‏لا لتصدير الثورة.‏ لا لتسخير شعب لبنان في خدمة مشاريع إيران".
وختم مُعلنًا "ثورة أرز ثانية، لا ترتاح، ولا تستكين، حتى زوال الدويلة وقيام ‏الدولة. فلا يعتبرنّ أحد أن هذا مستحيل، ولا يغيبنّ عن بالكم لحظة بأنه: ‏"على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وبأنه تصغر في عين العظيم العظائم"‏.
لا شيء يشبه التجمع الشعبي الكبير في ساحة الشهداء والحرية في ذلك اليوم المجيد، سوى يومًا مجيدًا آخر، يوم تظاهرة 14 اذار 2005. صحيح أن التجمّع الشعبي في 13 آذار 2011 في ساحة الشهداء لم يكن بحجم تجمّع 14 آذار 2005 قطعًا، لكنه كان بلا ريب الأقرب الى استعادة هذا التجمع منذ ست سنوات، سواء في الحجم، أو في الأبعاد الاجتماعية والمناطقية الطوائفية والسياسية، التي اكتسبها الحشد.
فقد توَّج الحشد المليوني الحملات السياسية المتدرجة لقوى 14 آذار على "وصاية السلاح"، وجهودها لجعل الذكرى السادسة لـ"ثورة الارز" بمثابة "ثورة أرز ثانية"، أو "انتفاضة ثانية" متجددة. وبدا واضحًا أن قوى المعارضة الجديدة استطاعت في حملة التعبئة التي تولَّتها طوال الأسابيع الأخيرة، إعادة النصاب الى مشهد جماهيري حاشد غصّت به ساحة الشهداء، وأرادت من خلاله إعادة النصاب الى توازن سياسي اختل بقوّة قبل أقل من شهرين، وهو توازن بدا ماثلا بوضوح مع الحشود الكبيرة من جهة، ومع خطاب سياسي اعتُبِر ذروة في التركيز على سلاح "حزب ولاية الفقيه" من حيث استخدامه في الداخل. ما كسر رهبة سلاح الغدر في نفوس اللبنانيين، وأكد عدم شرعيته دستوريًا وشعبيًا، وعرّاه من أي ادعاء لوجود إجماع أو أكثرية مؤيدَين له، والأهم أنه أعاد لميزان القوى توازنه بين فريقي 14 و8 آذار.
وإذ بدا طبيعيًا ومنتظرًا أن تُسارع وسائل إعلام قوى 8 آذار الى التعتيم على التجمع الذي دعا إليه خصومها، نتوّعت ردود فعل سياسيّيها على "ثورة الأرز الثانية"، بين تكرار معزوفة التخوين الدالة على إفلاسها السياسي، ومحاولة إلصاق تهمة التحريض الطائفي بها، فضلا عن التقليل من حجم الحشود.
فمن جهته، قال رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي: "رحم الله الشهيد رفيق الحريري، لأنه لم يكن ليقبل بعض الكلام الذي يستدرج الفتنة قرب ضريحه". وأضاف: "اليوم نتأكّد أكثر من أي يوم مضى أنه شهيد وحدة لبنان".
ولم يشأ رئيس مجلس النواب نبيه بري التعليق على المهرجان واكتفى بالقول: "المشهدية كافية ولا تعليق". ودعا في المقابل الى "الإسراع في تأليف الحكومة لأنها الرد الذي ينتظره اللبنانيون". وبدا موقف بري متطابقًا مع رؤية أوساط قيادية في 8 آذار، التي كابرت بإبدائها "ارتياحها واطمئنانها" الى أعداد الحشود التي كانت في رأيها أقل من توقعاتها، ملاحظة "غياب الصوت الدرزي عن الخطباء، والحضور الشيعي الخجول". ولم يخجل أحد وزراء 8آذار من القول: "لم يبق لإسرائيل حليف في المنطقة سوى جماعة ما يسمى بـ"14 آذار" التي تريد تحقيق أمن إسرائيل عبر التصويب على سلاح المقاومة"!!
أما النائب جنبلاط فحرص على التعبير عن مآخذ وانتقادات هادئة ومباشرة لكلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في تظاهرة 13 آذار. واستغرب جنبلاط "أن توضع المستحيلات في حين أن مزارع شبعا لا تزال محتلة". وقال "إن هناك ثوابت لا مستحيلات وعلى الشيخ سعد أن يؤكد الثوابت"، مضيفًا: "كنت أتمنى لو خرج بالأمس صوت شجاع"!!
وحيا جنبلاط "أهالي الجبل الذين عبروا من خلال عدم مشاركتهم في إحتفال 13 آذار عن تفهمهم التام للخيارات السياسية التي إتخذناها، والتي تساهم في حماية السلم الأهلي والاستقرار الداخلي، وعن تمسكهم بالمصالحة التاريخية في الجبل مع البطريرك صفير وبمصالحة أيّار 2008، وكلاهما يكرّسان وحدة الجبل والعيش المشترك فيه بكل اشكاله وتنوعه".
أما التعليق السوري، فجاء عبر صحيفة الوطن التي تمثّل أحد أبواق النظام الاستخباراتي السوري. حيث أكّدت "أن الرأس المدبِّر للمعركة على قوى الأغلبية الجديدة هو عبارة عن ماكينة سياسية ودعائية ومالية تعمل بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية، تحت الإشراف المباشر للنائب فؤاد السنيورة، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، ونائب وزير الخزانة الأميركية ستيوارت ليفي، الذي استقال قبل نحو أسبوع، وكان ضرب البنك اللبناني الكندي بتهمة "تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" أولى ضحاياه بين المصارف اللبنانية".
في المقابل، تقدمت قوى 14 آذار "بالشكر العميق لكل رجل، وكل إمرأة، وكل شاب، وكل شابة، وكل طفل، حمل العلم اللبناني، وجاء إلى ساحة الحرية، وأطلق صوته عاليًا. نتقدم بالشكر إلى كل مواطن حرّ خرج من منزله رغمًا عن كل "مانع" حزبي أو طائفي أو فئوي. ونتقدم بالشكر العميق لهذه الهَبَّة التي أطلقها المجتمع المدني وعاد إلى الساحة بحيوية استثنائية". وتعهّدت "مع تجدد الثورة اللبنانية"، "بأن نظل على أمانتنا في التعبير عن تطلعاتكم وطموحاتكم من غير تنازل أو مساومة، وستظل تبادل وفاءكم بالوفاء، في كل قرار وكل فعل وقول".
بعد ذلك اليوم التاريخي المجيد الذي نجت فيه القوى الاستقلالية تعرية السلاح الميليشيوي من رهبته مسقطة إياها من نفوسها الى غير رجعة، انكفأ الحزب الإيراني بعض الشيء، وزاد إحراجه لعدم استطاعته حتى ذلك التاريخ تشكيل حكومة من فريقه السياسي التي يتناتش الحصص فيما بينه ربما لعدم وجود قرار سوري بالتشكيل في محاولة من النظام الى مقايضة التشكيل دوليًا بصفقة مربحة، على قاعدة الابتزاز القديم المتّبع، من عهد الوالد الى الولد، يبيعان هنا ليشتريا هناك، يضغطان هنا ليرفعا الضغط هناك.
إزاء هذا الواقع مأزوم، لم يجد الفريق الانقلاي المنكفئ سبيلاً للرد على سقوط رهبة سلاحه من نفوس اللبنانيين الأحرار، سوى تنظيم حملة شتم وتخوين جديدة أوكلها الى محازبيه وحلفائه. كما كلّفت صحيفة "الأخبار" المؤيِّدة لـ8آذار بنشر مجموعة من وثائق "ويكيليكس"، جرى تحريف ترجمة معظمها والتلاعب بموضونها، لكي تُظهِر فريق 14 آذار وكبار رموزه بمظهر المتواطئ مع العدو الإسرائيلي أثناء مسرحية تموز 2006!
وبالعودة الى تطورات الثورات المندلعة في المنطقة، فقد اتخذت في الرابع عشر من آذار 2011 الاحتجاجات في البحرين منحى إقليميًا مع تدخل "درع الجزيرة" على خط الأحداث لإنقاذ البحرين من الوقوع في القبضة الإيرانية، مع دخول ألف جندي سعودي و500 شرطي إماراتي من "قوات درع الجزيرة" التابعة لمجلس التعاون الخليجي الى البحرين لمساعدة المنامة على حفظ الأمن بعد شهر من التظاهرات المطالبة بالإصلاح التي تنظمها الغالبية الشيعية ضد العائلة الحاكمة التي تنتمي الى الأقلية السنية. وهذه المرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات في الدول العربية قبل ثلاثة أشهر التي يسجّل فيها اجتياز قوات من دولة حدود أخرى لسبب أمني.
وفي حين رأت المعارضة البحرينية دخول القوات السعودية بمثابة احتلال وإعلان حرب، وندَّدت طهران بما وصفته بـ"التدخل الخارجي" و"الغزو العسكري" في البحرين... جاء في بيان للقيادة العامة لقوّة دفاع البحرين: "بدأت طلائع قوات درع الجزيرة المشتركة بالوصول الى مملكة البحرين ... انطلاقًا من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول مجلس التعاون في المحافظة على الأمن والاستقرار(...)، بمقتضى اتفاقات التعاون الدفاعية المشتركة بين دول مجلس التعاون"، من أجل "ردع كل من تسوّل له نفسه الإخلال بأمنها، وزعزعة استقرارها، وبث الفرقة بين مواطنيها". وناشد المواطنين والمقيمين في المملكة "التعاون التام والترحيب بإخوانهم من قوات درع الجزيرة المشتركة" في دول مجلس التعاون الخليجي.
من جهتها، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في حديث الى قناة "سي بي اس" الأميركية للتلفزيون أن دول الخليج سلكت "الطريق الخطأ" بتدخل قواتها في البحرين للمساعدة على احتواء حركة الاحتجاج. وأضافت: "نرى ما يحدث في البحرين مثيرًا للقلق. نعتقد أنه لا إجابة أمنية عن تطلعات المحتجين ومطالبهم".
إيرانيًا، قبالة سواحل البحرين، بدا وكأن النظام الإيراني نجح في إيقاف اندفاع محتجِّي "الثورة الخضراء" باعتقاله زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي، فضلا عن قمعه الوحشي للمتظاهرين، إذ إن مواقع المعارضة لم تجدِّد دعوتها الى التظاهر، بعدما كانت أعلنت قبل نحو ثلاثة أسابيع أنها قد تدعو الى التظاهر في الخامس عشر من آذار في حال عدم رفع الإقامة الجبرية المفروضة على زعيمَيها.
غير أن انكفاء الثوّار الإيرانيين عُوِّض بضربة موجعة أصابت صميم "محور الشر"، فقد أُعلن في الخامس عشر من آذار 2011، عن انطلاق "ثورة الحرية والكرامة" في سوريا، حيث تظاهر عشرات المواطنين السوريين في قلب العاصمة دمشق منادين بالتغيير والحرية، فتصدى لهم مناصرون للنظام وفرّقوهم بالضرب، بالتزامن مع تجمّع عشرات من أبناء الجالية السورية في مصر أمام سفارة بلادهم في القاهرة مطالبين برحيل الرئيس بشار الأسد.
وظَهَرَ في شريط فيديو بثّته بعض المواقع المعارضة للنظام، عشرات المواطنين نساء ورجالا، وهم يتظاهرون في سوق الحميدية المجاور لجامع بني أمية الكبير في وسط دمشق. وهتف المتظاهرون "وينك يا سوري وينك" و"سلمية" و"الله سوريا وحرية وبس".
هذه هي التظاهرة الأولى التي يقوم بها ناشطون سوريون متأثّرين بموجة الاحتجاجات الداعية الى التغيير في الدول العربية، لكن الخوف وعوامل أخرى تكبح التحركات في دولة تراقب عن كثب وسائل الإعلام وتعتقل دوريًا معارضي النظام.
وكانت صفحة في موقع "فايسبوك" تحمل عنوان "الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011" ، جمعت نحو 40 ألف مشارك حتى ظهر ذلك اليوم المجيد في تاريخ سوريا الحديث. ودعا المنظمّون الى إجابة هذه الدعوة بتظاهرات "سلمية في كل المدن السورية وكندا وأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واوستراليا" في 15 آذار، للمطالبة بإسقاط نظام الأسد.
وكانت مجموعة لم تكشف هويّتها دعت سابقًا الى التظاهر في الرابع من شباط في كل المدن السورية ضد "أسلوب الحكم الفردي والفساد والاستبداد"، إلا انه لم تسجّل في ذلك النهار أي تظاهرات في سوريا.
الذي يجب أن يحظى بالاستغراب في شأن التظاهرات في سوريا، ليس تجرُّؤ الشعب السوري على الثورة في وجه طاغيته، إنما تأخّر اندلاع هذه الثورة الى هذا التاريخ، في بلد يرزح تحت جزمة النظام الأكثر وحشية وطغيانًا في المنطقة على الإطلاق، مقارنة مع ثورات قامت في بلدان أقل قمعًا مثل مصر مثلاً حيث كان في عهد "مبارك" معارضة معروفة، لها صحفها ووسائل إعلامها، في حين لا وجود لأي معارضة في سوريا، وإذا وجد معارض فمصيره السجن المؤبد أو الموت.
فالجمهورية العربية السورية منذ ما سمي بـ"الحركة التصحيحية" المشؤومة التي استولت على السلطة عام 1970، ترزح تحت جزمة "حزب البعث العربي الاشتراكي"، الذي عقد لواء الحكم لعائلة "الأسد الى الأبد"، وأخضع الشعب السوري ومن ثم اللبناني، لنظام استخباراتي حديدي يعيش على القمع والقتل والاغتيال، ويقتات من الظلم والفساد والاستبداد.
فالعائلة الأسدية الإرهابية القابضة على الدولة، تحكم سوريا منذ أكثر من 40 سنة، واللاعبون الرئيسون في هذه العائلة الصغيرة التي تحيط بالرئيس وتمسك بكل مفاصل الحياة في الدولة هم:
أخوه الأصغر، ماهر الأسد، الذي يترأس الحرس الجمهوري (أقوى وحدة عسكرية في الجيش). وصهره الجنرال آصف شوكت نائب رئيس أركان الجيش. وابن خاله رامي مخلوف رجل الأعمال المسيطر على الاقتصاد السوري، والمالك لشبكة الهاتف المحمول والمشغّل لأموال عائلة بشار الأسد، وهو أحد أغنى رجال العالم. وابن خاله العقيد حافظ مخلوف، رئيس قسم التحقيق في جهاز أمن الدولة (يقال أنه هو من يحكم سوريا داخليًا).
وقد قامت هذه الأسرة الإرهابية بالتسلُّط على المواطنين، وسلبت منهم المواطنة، كما نزعت منهم حقوقهم وواجباتهم. وعملت على تسمية الدولة باسمها، فأصبحت وسائل الإعلام الرسمية تسمي الدولة باسم: "سوريا الأسد"! في انتهاك صارخ للدستور وحقوق الشعب السوري.
فعلى الصعيد السياسي: الشعب السوري يشعر أنه أسير معتقل في وطنه السجين، ويتوق اليوم الى الحرية والتعددية الحزبية والديموقراطية والقضاء المستقل العادل، والعمل السياسي في النقابات والجامعات، كما يتطلع الى إعلام مستقل غير ممسوك ولا موجّه، والى صحافة حرة، فلم تعد تستهويه مشاهدة نشرات الاستقبال والتوديع، ولا قراءة صحافة الأبواق الاستخباراتية اليومية الحافلة بالشتم والتخوين....
لقد ضاق الشعب السوري ذرعًا بالحزب الواحد الحاكم أبدًا، وملّ الشعارات البالية المبرمجة على الصراخ والتصفيق، وترديد أناشيد المبايعة القهرية، واشمأز من المتاجرة بالقضية الفلسطينية والمحاضرة باسم العروبة، وهو يرفض بلا شك تصدير السلاح والعنف والتطرف والإرهاب الى الدول المجاورة، والتدخل في شؤونها الداخلية، وقمع المعارضين بالحديد والنار، وامتهان فنون التعبير وتدنيس الكرامات الإنسانية، فَسِجِلُّ النظام البعثي حافل بتقارير جمعيات حقوق الانسان العالمية حول عمليات القمع الدموية.
أما على الصعيد الاقتصادي: فالاوضاع المعيشية صعبة، ونسبة الفقر عالية وتستغلها إيران لتشييع الشعب السوري خصوصًا في القرى، وبعض الوظائف محرَّمة إلا على "الرفاق"، والعائلة الحاكمة وضعت يدها على مقدَّرات البلاد، واحتكرت الثروات، وفرضت نفسها شريكًا مساهمًا ومضاربًا إلزاميًا في الشركات والصفقات والتجارات.
وفي هذا المجال، يعتبر رجل الأعمال السوري رامي مخلوف الرجل الذي يجسّد سمة الفساد في النظام السوري، الذي استفاد من علاقة القرابة مع بشار الأسد وعلاقاته المتنوّعة داخل النظام ورعايته السياسية لعدد من الوزراء، للمضي في أعماله الخاصة على حساب مصالح الشعب السوري.
ففي قطاع الكهرباء، استخدم مخلوف نفوذه مع النظام السوري لكسب عقود مربحة في قطاع الكهرباء. وفي قطاع النفط، فإنّ المشروع النفطي الجديد والوحيد الذي يتقدّم من دون عرقلة حكومية هو مشروع "غولف ساندز" (35 في المئة بالشراكة مع شركة رامي مخلوف "وشام القابضة 65 في المئة)، وهو يعمل على تطوير حقول النفط المكتشفة حديثًا في شمال شرق سوريا. وفي قطاع الاتصالات، جنى مخلوف ملايين الدولارات من ملكيته شركة "سيريتل موبايل تيليكوم"، وهي فقط واحدة من بين شركتين لتوفير خدمة الهاتف المحمول داخل سوريا. وفي قطاع الطيران، أقيمت شراكة بين ثلاث شركات هي: شركة رامي مخلوف "شام القابضة" (40 في المئة)، والخطوط الجويّة السورية (25 في المئة) وشركة "العقيلة" الكويتية (35 في المئة)، بهدف إنشاء أوّل شركة طيران خاصة في سوريا أطلق عليها اسم "لؤلؤة الشام"، تعتزم هذه الشركة الاستيلاء على 75 في المئة من رحلات الخطوط الجوية السورية الأكثر ربحية. وفي قطاع السياحة، فإنّ رامي مخلوف وشبيحة النظام السوري، طردوا بالقوة كل رجال الأعمال السوريين الآملين في الاستثمار في قطاع السياحة، بهدف إخلاء الساحة لاحتكار كل فرصة جديدة في الاقتصاد السوري لمصلحتهم الشخصية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، اعتمدت عائلة الأسد سياسة العنصرية والتمييز الطائفي، منهجًا إسرائيليًا جديدًا في سوريا.
فبحكم انتمائها الى الطائفة العَلَوية (النُصَيريَّة) التي تشكّل اليوم الطائفة الأكبر في سوريا بعد السنّة، ويبلغ حجمها بحسب مختلف التقديرات المتباينة، ما بين 4 الى 13 في المئة من تعداد الشعب السوري، ساهمت في تقوية نفوذ العلويين في الوظائف الحساسة في البلاد على حساب بقية الطوائف ولاسيما الأكثرية السنية.
لعب العلويون دورًا مهمًا في انقلاب آذار السنة 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، حيث أبعدوا كافة القيادات غير العلوية من المراكز الحساسة في الجيش والقوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، وكرّسوا سياسة التمييز الديني والطائفي في المجتمع السوري. غير أن نفوذهم تجلّى بوضوح مع الانقلاب الذي قام به الرئيس حافظ الأسد السنة 1973، والذي شكّل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى بداية "ثورة الحرية والكرامة" اليوم.
ويُذكر في هذا السياق، أن الرئيس حافظ الأسد طلب من الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، إصدار فتوى تقول إن العلويين هم من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيسًا للجمهورية، بحجة أن الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلمًا. وقد أصدر الصدر هذه الفتوى في السنة 1974. وقد أزالت هذه الفتوى، العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد الى الرئاسة.
هذا، ولا تزال سياسة التمييز العنصري تطبَّق في سورية منذ شباط 1966، معتمدة على حالة الطوارئ المعلنة منذ أكثر من ثلاثين عامًا في سورية، وبواسطة قانون الطوارئ انتهكت الحقوق السياسية والمدنية، وتمَّ كبت الحريات العامة في البلاد.
حتى الآن، يكون الرئيس السوري بشّار الأسد قد أمضى 11 سنة في لعبة الأوراق الثلاث: لبنان، فلسطين، العراق، بعدما أراحه والده من إرث ثقلَين كبيرَين هما الجولان والإسكندرون. فالأول وضعه الأسد الأب في حالة سلم موضعي، فنال سكوت إسرائيل ورضاها الضمني عن نظامه الذي بات جزءًا لا يتجزّأ من أمنها القومي، على حد تعبير زعمائها. وأما الثاني، المتمثل بلواء الإسكندرون، فقد شطبه الأب من الذاكرة السوريّة، وسلّم الورقة الكرديّة لتركيا، قبل سنتين من رحيله، وفتح أمام وريثه حلفًا استراتيجيًا مباشرًا مع أنقرة، وتطبيعًا سياسيًا من تحت الطاولة مع إسرائيل.
ومع اطمئنان بشّار الى صداقة جارتَيه الشماليّة والجنوبيّة، استمتع بالأوراق العربيّة الثلاث، متّكئًا على حلف عسكري مالي سياسي متين مع طهران، ولاهيًا عن حاجات الداخل وآمال السوريّين وأمانيهم. وتحت شعار "الممانعة والمقاومة والعروبة" الكاذب واللمّاع، ظنّ أنّه صاحب دور إقليمي مميّز، فباع واشترى في العراق، واستثمر في غزّة، واستأسد في لبنان. وسيرًا على خطى والده، الذي كان يقايض على أوراق خارجيّة: يأخذ حريّة شعبه ويُعطيه "أمجادًا" عربيّة ودوليّة موهومة، جاء الوريث محافظًا على النهج ذاته: يمنح السوريّين "ممانعة" مزعومة ويسلبهم الحقوق والحريّات، الى أن دقّت ساعة الحريّة، التي يبدو أن عقاربها لن تعود الى الوراء.
هذا، ولا يختلف نمط تعامل النظام السوري مع لبنان عما هو الحال في سوريا: فبعدما اجتاح النظام العلوي لبنان واحتلّه سياسيًا وعسكريًا -بثلاثين ألف جندي وآلاف عناصر المخابرات من بائعي الكعك وسواهم من سياسيي مسح الأحذية في قصر المتاجرين وعنجر والبوريفاج- سَرَقَهُ وحَرَقَهُ ودمّره ونهبه واغتال خيرة رجالاته، ودعم فئة وحرضها على فئات أخرى، قبل أن يتم دحره في 26/4/2005 بواسطة "ثورة الارز"... وها هو نظام الأسد يخطّط مجددًا للعودة رسميًا الى لبنان ونيل تكليف دولي جديد يُعيد تلزيم لبنان الى سوريا من خلال إسقاط حكومة "الحريري"، وأعوان النظام السوري في لبنان يؤكدون يوميًا تورطهم وإياه في "جريمة العصر" وينفذون خيوط المؤامرة، ويحاولون تركيع وترويض وتطويع كل معارض للنهج السوري-الإيراني، أي الفريق الاستقلالي وصخرة الممانعة المسيحية في 14 آذار.
من هنا، وبناء على ما تقدّم، لا يمكن أي لبناني استقلالي وسيادي حر، إلا أن يؤيِّد الشعب السوري في انتفاضته من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية في بلاده. وبالفعل، فقد فرح اللبنانييون بنبأ بداية الحراك الشعبي في سوريا، ليس بالتأكيد عن شماتة، كتلك التي انتابت حلفاء المحور السوري-الإيراني لدى سقوط النظام المصري، بل هي مشاعر فرحة وابتهاج ممزوجة بشعور بالخلاص المنتظر والأمل بتحققه في وقت قريب، شعور بالعدالة الإلهية.
قد يتسرع البعض فيعتبر صدور هذا الكلام من مواطن لبناني تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية السورية، لكنه حقيقة، وعلى العكس تمامًا، "تدخل" مباشر في صميم الشؤون الداخلية اللبنانية وبامتياز!
فلبنان عانى سطوة النظام البعثي منذ استيلائه على الحكم في سوريا، وذلك من خلال تجربة مريرة وحقبة سوداء لم تخل من احتلال واغتيال وتسلط ونهب واستغلال واعتقال وخطف وتعذيب، وتحريض لفئات لبنانية على أخرى، وتقوية بعضها على حساب إضعاف وتهميش بعضها الآخر... حتى بعد اندلاع "ثورة الأرز" وتمكنها من دحر الاحتلال السوري عن لبنان وتفاؤلنا بـ "ربيع لبنان"، لم نشعر في وطننا بالراحة، فقد برزت ثورة مضادة موجهة من خارج الحدود لوأد "انتفاضة الاستقلال" واجهاض مفاعيل الاستقلال الثاني واغتيال خيرة رموزه وقادته، والسبب كما اختصره الصحافي الشهيد سمير قصير عائد الى "تلازم ديموقراطية سوريا مع استقلال لبنان".
تلك الفكرة التي دفع ثمنها الصحافي الحر حياته، باتت اليوم في عقول اللبنانيين الاستقلاليين اقتناعًا لا يتزعزع، ذلك أن التجربة أثبتت مجددًا خلال السنوات الست الماضية التي تلت اندلاع "ثورة الأرز" في لبنان، أن النظام السوري لا يريد أن يتخلى عن أطماعه في لبنان ولا عن عقدة "الخطأ الجغرافي"، بل يصرّ على اعتبار وصايته على هذا البلد، التوّاق الى الحرية، وصاية أبدية أبدية أبدية.
لقد قام الفريق الاستقلالي المتمثّل بقوى 14 آذار بكل شيء في سبيل تحسين العلاقات مع سوريا وجَعْلِها بحق من دولة الى دولة، وعض الرئيس سعد الحريري على جرحه فتعالى عن مشاعره وخالف توجهات قاعدته الشعبية، فزار سوريا والتقى الرئيس بشار الأسد وتمّ الاتفاق على فتح صفحة جديدة بين البلدين، وذلك ظنًّا من الفريق الاستقلالي أن سوريا ستبتعد بسياستها عن إيران وعن حزبها في لبنان، أو أن الأسد سيغيّر تعامل نظامه مع لبنان، فيتخذ القرار الأساسي والنهائي بتقبّله دولة مستقلة ذات سيادة، متخليًا نهائيًا عن حلم استعادته وإعادة ربطه بسوريا، ولو سياسيًا على الأقل... إلا أن شيئًا من تلك الظنون لم يتحقق!
صحيح أن العلاقات الديبلوماسية أنشئت بين البلدين، إلا انها بقيت مفرّغة من مضمونها، فـ"المجلس الأعلى اللبناني السوري" لا يزال قائمًا، ولا يزال النظام السوري ممتنعًا عن احترام سيادة لبنان وسلطته الشرعية، فلم يتوقف عن إرسال الأسلحة الى "حزب ولاية الفقيه" وتنظيمات فلسطينية متحالفة معه، ولم يعمد الى قفل المعسكرات الفلسطينية الموالية له على الأراضي اللبنانية، ولم يبادر الى ترسيم الحدود نهائيًا وتكريس لبنانية مزارع شبعا، ولم يكشف مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، ولم يعمل على حصر العلاقات بين البلدين في إطار المؤسسات الدستورية بما يكفل عدم التدخّل في الشؤون الداخلية...
وبما أننا نميّز بين الشعب السوري وبين نظامه الذي عانينا ونعاني منه بقدر ما يعاني منه شعبه، وبعد إصرار فريق من اللبنانيين من أتباع الوصاية على إقحام سوريا في كل التفاصيل اللبنانية، أصبحنا على اقتناع تام ويقين بصدق نظرية سمير قصير، وهذا ما جعلنا نستبشر خيرًا من هبوب رياح التغيير في سوريا. ففي النهاية، لا استقرار مع الظلم والقهر، ولا حل جذريًا لمشكلة العلاقات السورية-اللبنانية المزمنة إلا بتلازم التغيير الديموقراطي في البلدين. لذا، لا نقول إن ربيع دمشق يمر في بيروت، بل إن ربيع بيروت يمر في دمشق، فالربيع لن يزهر حقيقة في لبنان ما لم يتفتح في سوريا أولاً.
في لبنان، قُرِعَت أجراس بكركي في الخامس عشر من آذار، معلنة انتخاب المطران بشارة الراعي بطريركًا جديدًا لإنطاكية وسائر المشرق للموارنة، خلفًا للبطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
والحدث الذي أحيط باهتمام عام على كل المستويات، اكتسب حجمًا غير تقليدي، خصوصًا مع سيل الإشادات التي توالت في البطريرك الراعي، واصفة إياه بـ"رجل الوضوح والتعبير المباشر، والخط السيادي الآتي من مسلمات صفير". وهذا التوصيف انعكس تدفقًا واسع النطاق لكل المراجع الرسمية والسياسية على الصرح البطريركي، بعد الإعلان عن انتخاب الراعي، مع تميُّز لافت لحضور قيادات قوى 14 آذار، في انتظار أن تقوم قيادات 8 آذار بالواجب عينه ابتداءً من اليوم. وقد اختار البطريرك الجديد الذي هدّد عام 2009 الحنرال عون بالحرم الكنسي لدى تماديه في التظطاول على البطريرك صفير، اختار شعاراً لحبريته "شركة ومحبة".
تلك الأجواء التي خلّفت جوًا من الارتياح لدى اللبنانيين، والمسيحيين خصوصًا، كان يعكِّرها الجنرال عون بتهدّيده اللبنانيين بـ7أيار جديد، حيث قال: "7 أيار كانت جواباً على 5 أيار ومن الممكن أن تتكرر في كل مرة يتم المس بالسلاح، والمقاومة ستستخدم بالتأكيد سلاحها كما جرى في 7 أيار". ولم يفته الاستعانة بالعدو الإسرائيلي لمهاجمة تظاهرة 13آذار، قائلاً: "انظروا كيف فرحت اسرائيل بخطابهم، ومشروع نهار الأحد الى زوال"!!
في السادس عشر من آذار بدأ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري جولة على مدن الشمال لشكرهم على وقوفهم الى جانب مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال، واستعدادًا لمهرجان حاشد سيقام بعد يومَين في طرابلس. وقد أقيم للحريري استقبال شعبي في بلدة القلمون، حيث اعتبر أنه قام "بما يمليه علي ضميري وواجبي الوطني لحل الأزمة السياسة (…)، وكنت أدرك أنني أخسر سياسيًا وشعبيًا، وتحمَّلت ما لا يحتمل، ولكن عندما وصل الأمر الى حد محاولة إلغائي سياسيًا، فأنا لن أسمح لأحد بأن يلغيني سياسيًا".
على صعيد آخر، وفيما غصّت بكركي بوفود المهنّئين، برزت زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي، ناقلاً تهاني الرئيس السوري بشار الأسد الى البطريرك الراعي الذي التقاه في حضور البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. وأكد السفير علي أن البطريرك الراعي "مدعو الى زيارة دمشق ومرحب به دائمًا".
في هذه الأثناء، كان دخول "درع الجزيرة" الى البحرين يتفاعل في أوساط شيعة العالم العربي الدائرين في الفلك الإيراني.
ففي الكويت، حيث يشكل الشيعة نحو 30 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 1,2 مليون نسمة، رفعت عشر نساء تجمعن أمام سفارة البحرين لافتات تندد بتفريق المتظاهرين بالقوة في المنامة. وفي السعودية حيث يشكل الشيعة نحو عشرة في المئة من السكان البالغ عددهم 18 مليونًا ويتركّزون بشكل رئيسي في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والقريبة من البحرين، سار المئات قرب القطيف تضامنًا مع المتظاهرين في المنامة.
وفي لبنان، تحوّلت تظاهرة أمام "الإسكوا" دعت إليها مجموعة من الأحزاب المموّلة إيرانيًا، في مقدّمهم "حزب ولاية الفقيه" وملحقاته، دعمًا للمعارضة في البحرين الى اعتداء واضح على سيارات المواطنين، وتمزيق للوحات 14 آذار الإعلانية التي نصبت قبيل مهرجان الأحد، فرموها أرضًا، وداسوا عليها بسياراتهم!
وبعيدًا عن "مناصرة" تظاهرات البحرين، استخدمت الشرطة الجزائرية قنابل الغاز المسيل للدموع في تفريق عشرات الشبان خرجوا في مظاهرة في الجزائر العاصمة، احتجاجًا تردي الأوضاع المعيشية ومطالبين بمقابلة المسؤولين لعرض أوضاعهم المعيشية. وحتى الآن كانت الاحتجاجات في الجزائر محدودة وعلى نطاق محلي، ولم تكتسب محاولات الجماعات المعارضة لتشكيل حركة احتجاجات على مستوى البلاد أي زخم.
ليبيًا، كانت القوات الموالية للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي تواصل تقدمها نحو مدينة بنغازي، معقل المعارضة، وقد شنت في 17/3/2011 غارات جوية على ضواحيها حيث قالت المعارضة إنها اسقطت طائرتين عسكريتين، فيما تضاربت البيانات عن الوضع في مدينة مصراتة، ثالثة كبرى مدن البلاد، وسط توقعات أن تشن القوات الحكومية هجومًا على مدينة الزنتان في غرب البلاد.
ولكن قبل بضع ساعات من تصويت في مجلس الأمن على قرار يرمي الى وقف قمع المحتجين، أعلن الجيش الليبي أنه سيوقف عملياته العسكرية ضد "العصابات الإرهابية" لإعطائها مهلة "لتسليم السلاح والعفو العام عنها". غير أن مساعد المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة ابرهيم دباشي الذي انشق عن النظام شدّد على أن بلده في حاجة الى قرار "خلال الساعات العشر المقبلة" محذرًا من "عملية إبادة حقيقية".
لُبِّي طلب المندوب الليبي بسرعة؛ ففي سابقة منذ بدء الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح والتغيير في الدول العربية، تبنى مجلس الأمن قرارًا حمل الرقم 1973 ونص على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين الليبيين من الهجمات التي يشنها العقيد معمر القذافي لسحق المتمردين على حكمه الممتد منذ 42 سنة، وهو يذهب الى ما هو أبعد حظر الطيران ليدعو الى توجيه ضربات الى قوات القذافي التي تحاصر المدن التي يسيطر عليها المتمردون.
وفور تبني القرار الذي قدمه لبنان وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، عمّت موجة من الابتهاج بنغازي، المدينة التي كان القذافي أمر قبل ساعات من صدور القرار بمهاجمتها "بلا رحمة ابتداء من هذه الليلة(17/3/2011)". ولمح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، الذي حضر جلسة التصويت، الى أن الأعمال العسكرية ضد قوات القذافي يمكن أن تبدأ بعد تبني القرار، الذي أكد مسؤولون أميركيون أن ثلاث دول عربية على الأقل هي قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن ستشارك في تنفيذه وتمويله.
وفي تطورات "الثورة السورية"، بدأ الإعلام الصهيوني المرئي والمسموع والمكتوب، يشن حملة دعم للرئيس بشار الأسد، مشيدًا بميزاته، ومبديًا تخوّفه من سقوطه. فقد رأت على سبيل المثال صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عدد 17/3/2011، أنه "من غير المحتمل أن تسقط سوريا بزعامة بشار الاسد بفعل الاضطرابات، بل محاولات التقرب التي تقوم بها الدول المجاورة جعلت الأسد أقوى مما مضى"، لافتة الى أنه "في الأسبوع الماضي، حظي الرئيس السوري بفرصة لتعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط". وأوضحت الصحيفة أنه "بعد مقاطعة دامت ست سنوات، دعا قائد المجلس العسكري في مصر المشير محمد حسين طنطاوي السفير السوري في القاهرة، وطلب منه تسليم رسالة الى الرئيس السوري، وأتى رد الأسد على رسالة الطنطاوي سريعًا، بحيث أعرب عن تمنّيه النجاح والاستقرار لمصر، آملاً عودتها الى دورها الطبيعي في العالم العربي".
ويذكر أن العلاقات السورية المصرية قطعت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وقد عملت إسرائيل جاهدة على إخراج سوريا من عزلتها الدولية على خلفية الاشتباه القوي بوقوفها وراء عملية الاغتيال، ونجحت في مهمتها فعلاً مع فرنسا "ساركوزي" أولاً، ثم مع الولايات المتحدة، كما تحسنّت العلاقة مع المملكة السعودية، لكن بقي "مبارك" عصيًا على الاستجابة لتلك المصالحة، فكانت العلاقات بين "الأسد" والرئيس المصري تتسم بالبرودة، وخصوصًا نتيجة اختلاف وجهات نظرهما في الملف اللبناني والعلاقات مع إيران.
غير أن الشعب السوري البطل كان لأماني العدو الإسرائيلي بالمرصاد، حيث سجّلت في اليوم التالي، احتجاجات في مدن عدة في ثلاث محافظات بسوريا، وفي دمشق ودرعا خصوصًا، في ما قد يكون أخطر اضطراب في هذه الدولة منذ سنوات، والأول من نوعه منذ تولي الرئيس السوري بشار الأسد السلطة عام 2000.
هذا، ويعود اشتعال الانتفاضة الشعبية في درعا الى اعتقال أجهزة الأمن السورية أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 14سنة في السادس من آذار 2011، بعد كتابتهم على جدران المدرسة شعارات تنادي بإسقاط النظام السوري في محاكاة لما يشاهدونه من انتفاضات في العالم العربي، فكان أن قامت أجهزة الإرهاب الأسدي باعتقالهم وتعذيبهم بأبشع الصور اللاإنسانية والاأخلاقية، وصلت إلى حد نزع أظفارهم. وبعد أيام على اعتقالهم ذهب الأهالي إلى الضابط في الأمن السياسي عاطف نجيب (ابن خالة الرئيس بشار الأسد)، وطالبوه بالإفراج عن أبنائهم، لكنّه هدّدهم باعتقالهم واعتقال نسائهم، وجسّد عهر النظام الذي يمثّله قائلا: "إيتونا بنسائكم نجلب لكم أطفالاً خيرًا منهم"!!
وقد أغضب اعتقال الأطفال أهالي درعا فكانوا السبّاقين في تأجيج الثورة، حيث قاموا بتوزيع منشورات في مركز المدينة والقرى التابعة لها من أجل القيام بثورة سلمية بعد صلاة الجمعة تنطلق من المسجد العمري في المدينة. وقد حاولت السلطات المحليّة في درعا قمع المظاهرات بالقوّة وسقط عدد من القتلى، الأمر الذي وجد تعاطفًا من الشعب السوري، وجعل الانتفاضة تمتد الى بقية المدن لتكون حادثة درعا بمثابة شرارة "البوعزيزي" التي أشعلت ثورة تونس.
في السعودية، كانت جهود العاهل السعودي تتواصل لإبعاد "شبح الثورات" عن بلاده، فأقر سلسلة جديدة من المساعدات الاقتصادية والاجتماعية بعشرات المليارات من الدولارات، وحذر من "المساس بالاستقرار". لكن هذه المساعدات لم تُرضِ الإصلاحيين في المملكة الذين قالوا إن القرارات الملكية السعودية "حملت الكثير من المال والقليل من الحرية"، في بلد تهيمن فيه الأسرة المالكة على الحياة العامة، وتحظر الأحزاب السياسية، وحيث لا برلمان منتخب.
وفي الوقت عينه، بدأت السلطات البحرينية المدعومة من "درع الجزيرة"، إزالة دوّار اللؤلؤة في وسط المنامة، ودمّرت نصب اللؤلؤة الذي يتوسّطه والذي شكّل رمزًا للحركة الاحتجاجية المطالبة بالتغيير في المملكة، والذي تحوَّل مثل "ساحة رياض الصلح" في لبنان أيام اعتصام معارضة "حزب ولاية الفقيه" لأكثر من سنة ابتداءً من نهاية 2006، لكن بمظاهر أكثر تَرَفًا ورفاهة وبذخًا، سواء بالنسبة لأنواع سيارات المعارضة البحرينية، أو أنواع الأطعمة والمأكولات والفواكه والحلويات والأطايب، التي كانت تقدّم في "دوّار اللؤلؤة".
وأفادت وكالة أنباء البحرين أنه "في إطار حرص الحكومة على تحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية، بدأت أعمال تطوير تقاطع دوار مجلس التعاون، وذلك لزيادة الانسيابية في هذه المنطقة الحيوية من العاصمة".
ويُذكَر أن النُصب الذي تَحمِل فيه الأركان الستة لؤلؤة كبيرة، وُضِعَ في الميدان أوائل الثمانينات من القرن العشرين، في مناسبة قمة تأسيس مجلس التعاون الخليجي. ويمثل كل ركن من الأركان الستة دولة عضوًا في المجلس، الذي يضم البحرين والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر وعمان. وتمثل اللؤلؤة الإرث المشترك لدول الخليج التي كانت اقتصاداتها تعتمد على صيد اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط.
في الجانب الإفريقي من الكرة الأرضية، وتحت جنح الظلام، وفي ظل إعلان الحكومة الليبية التزامها وقفًا للنار بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1973، وصلت قوات العقيد معمر القذافي في 18/3/2011 إلى أبواب بنغازي المعقل الرئيسي للمتمردين في الشرق، وبدأت تشتبك مع الثوار. ودفع هذا التقدم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ودولاً عربية، إلى توجيه إنذار الى القيادة الليبية لوقف الزحف في اتجاه المدينة تحت طائلة التدخل عسكريًا لوقفه. وردَّت طرابلس على الإنذار بأنها لا تعتزم دخول بنغازي امتثالاً لقرار مجلس الأمن.
وبالعودة الى لبنان، فقد رد الشماليون في هذا اليوم من عاصمتهم الفيحاء طرابلس على الانقلاب والانقلابيين، ولاقوا رئيس حكومة تصريف الأعمال، زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري في إعلان رفض سرقة أصواتهم أو توظيفها في خانة غلبة السلاح أو وصاية على مشروع الدولة الواحدة الموحدة.
الحشد الأكبر من نوعه في تاريخ طرابلس، والذر قُدِّر بما بين 80 الفا و100 ألف مشارك، لبّى دعوة "تيار المستقبل" لملاقاة الرئيس الحريري في "معرض رشيد كرامي الدولي"، فغصّ بعشرات الألوف في قاعته الداخلية وباحاته الخارجية متمّمًا المشهد الذي سُجّل في ساحة الحرية في وسط بيروت يوم الأحد الماضي، في رسالة سياسية الى رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي الذي كان المهرجان في عقر داره، وتحت شرفة منزله في المدينة.
الحريري إذ واظب على طرح مسألة السلاح خارج سلطة الدولة، مؤكدًا أن اللبنانيين "أمام خيارين لا ثالث لهما: الدولة أو وصاية السلاح"، خصّ المدينة وأهلها بتحيّة استثنائية وقال "نعم، طرابلس أعادت لبنان كل لبنان إلى الخريطة عندما زحفت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى ساحة الحرية. وطرابلس وضعتنا على الخريطة مجددًا وأعادت الحق وكلمة الحق إلى خريطة الوطن كله عندما زحفت مع كل الشمال ومع كل اللبنانيين مجددًا إلى ساحة الحريّة يوم الأحد الماضي. في كل تاريخنا وعلى امتداد العصور كان كلّ ما له قيمة في هذا الوطن يستمد قيمته من الشمال ومن رضا طرابلس، وما تنسوا: القلب على الشمال وطرابلس قلب الشمال".
ثم خاطب الحشود قائلاً: "(...) إنني واثق من أنكم لن تَدَعوا الاستقواء بالسلاح يقرّر مصير وطنكم، ويكرّس وصاية السلاح، ويلغي العدالة، ويطمس الحقيقة، وينقل لبنان الى محور إقليمي لا هدف له إلا الاضطرابات وتغيير روح ميثاقنا الوطني المكرّس في الطائف". وشدد على أن الشعار الذي "لن يتغيّر" هو "الدولة"، وأضاف: "يقولون لنا: أنتم تصنعون الفتنة. إن غلبة السلاح هي التي تصنع الفتنة. والاستقواء بالسلاح هو الذي يصنع الفتنة. وأي كلام آخر هو من باب التهويل وقلب الحقائق وتغطية على الجهة التي تكمن فيها الأزمة".
في المقابل، كان الحزب المنكفئ على ذاته بعد نهوض المارد الاستقلالي من غفوته، يعلّق على مهرجان "ساحة الحرية" بقول أمينه العام "حسن نصر الله" في 19/3/2011، وفي كلمته في "الاحتقال التضامني مع الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن" (أي طبعًا باستثاء سوريا): "إن موضوع المقاومة لا يعالج بالتحريض (...)، وعلى رغم كل هذا الضجيج فأنا أؤكد لكم أنه لن يؤثر شيئًا على أداء المقاومة"، مؤكّداً "استمرار سلاح المقاومة"، ومضيفًا إليه وظيفة جديدة تتعلّق بـ"حماية التنقيب عن النفط". وأشار مهدِّدًا الى "أن سلاح المقاومة موجّه الى العدو، ولكن ما حدا يتحركش فيها". وتطرق في الوقت عينه الى أزمة تأليف الحكومة فقال "أن هذا تحدٍ سياسي يجب أن تتحمّله الأكثرية النيابية الجديدة"، وتعهّد النجاح في هذا التحدي. كما حمل بشدة على نظام البحرين محاولاً تلميع صورة المحتجين بنزع الصبغة الطائفية عنهم، وجعل حراكهم سلميًا خالصًا.
وكان لافتًا في كلمته، ما تعهد به من تكوين ملف قضائي من وثائق "ويكيليكس" بحق قادة 14 آذار بتهمة التآمر على مايسمى مقاومة في تموز 2006. مضيفًا: "إذاً، لدينا ملف جديد مثل ملف شهود الزور نريد أن نفتحه بالبلد".
في المقابل، أعربت مصادر من قوى 14آذار، عن اعتقادها أن العقدة الداخلية في تأليف الحكومة ليست إلا "واجهة"، وأن العقدة الحقيقية تكمن في أن قرارًا إقليميًا بتأليف الحكومة لم يصدر بعد، وأنه لا بد من ضغط سوري على قوى 8 آذار لتنظيم عملية تقاسم الحصص فيما بينها، لافتة الى أن السوري لن يتخذ قرارًا من دون التفاهم مع السعودي، وهذا ما لم يحصل بعد.
في سوريا، كثّف النظام الإرهابي في 19آذار عملياته القمعية في درعا لوأد انتفاضتها، وقد تمت حياكة الذريعة الرسمية في مدينة درعا النائية، بالحديث عن "عصابات مجرمين مسلحة دخلت سورية وعن شبيحة ذوي لهجة أجنبية بالعربية، يوزعون السلاح ومواد التخريب لتأجيج المظاهرات"!! أرسل ماهر الأسد الوحدة الممتازة من الفرقة الرابعة الى درعا لتقوم بالإرهاب المطلوب هناك. وفي لحظة ما أثناء إطلاق النار على المتظاهرين، نجحوا في التعرف عليه (ماهر) بين لابسي البزات العسكرية، وهو يمسك رشاشًا ويوجهه نحو جماعة من الشباب. ومنذ ذلك الحين ألصقوا به لقب جزّار درعا.
أما في ليبيا، فقد أطلق في هذا اليوم ائتلاف دولي واسع بدعم عربي واضح، أكبر تدخل عسكري في العالم العربي منذ غزو العراق، بإعطائه الضوء الأخضر لهجوم على قوات الزعيم الليبي العقيد معمر القذاقي التي تشن حملة دموية على المعارضة التي تطالب منذ أكثر من شهر بإنهاء حكمه، وتواجه بوسائل متواضعة هجومًا من البر والبحر والجو اضطرّها الى التقهقر، بعدما كانت اكتسحت شرق ليبيا وبعضًا من غربه.
فبعد أسابيع من التردّد، ويومين من صدور قرار مجلس الأمن رقم 1973، عقدت في باريس قمة طارئة استمرت نحو ساعتين بمشاركة نحو عشرين مسؤولاً دوليًا، أعلن بعدها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بيان تلاه، الحرب على ليبيا، مدشِّناً تدخلاً عسكريًا تقوده بلاده بالتعاون مع لندن وواشنطن وشركائها العرب، وملبيًا بذلك نداء المعارضة الليبية التي ناشدت العالم مرارًا التدخل لحمايتها.
وبينما كان ساركوزي يتحدث، أفادت مصادر عسكرية أن مقاتلات "رافال" الفرنسية تحلّق فوق الأراضي الليبية. وبعد ذلك بدقائق، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أنه "تم الاشتباك مع أول هدف وتدميره".
لكن القذافي عاد ووجّه رسائل الى الرئيسَين الأميركي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والأمين العام للأمم المتحدة قال فيها: "إن ليبيا ليست لكم، ليبيا لليبيين،(...) ليس لكم حق التدخل في شؤوننا الداخلية... ستندمون اذا تدخلتم في بلادنا". وشدّد على أن شعبه يحبه ومستعد للموت من أجله.
على الصعيد المصري، نُظّم في هذا اليوم، استفتاءً على تسعة مواد دستورية اقترحها "المجلس الاعلى للقوات المسلحة" الذي يحكم البلاد، وتتمحور حول أزالة "الشروط التعجيزية" التي وضعها "مبارك" لتقييد حق الترشح لمنصب الرئيس، أظهرت أن الصراع على صورة مصر السياسية بعد "مبارك" بدأ فعلاً، وتجلى في الاستقطاب والفرز غير المسبوقين اللذين انتهى إليهما الجدل العاصف الذي دار طوال أيام التحضير للاستفتاء حول الإجابة عن سؤال طرحته غالبية الأحزاب المصرية: هل نعدّل ونرقّع دستورًا مهترئًا حكم به "مبارك" البلاد حكمًا عائليًا بسلطات مطلقة وشبه إلهية طوال ثلاثين عامًا وعطله "المجلس الأعلى" نفسه فور توليه السلطة في 11شباط الماضي؟ أم نذهب مباشرة وبعد فترة انتقالية محدودة يحكمها إعلان دستوري مختصر الى دستور جديد ديموقراطي وعصري تضعه جمعية تأسيسية قد تأتي بالانتخاب أو بالحوار والتوافق بين قوى المجتمع وتياراته السياسية والفكرية المختلفة؟
غير أن جماعة "الإخوان المسلمين" وهي القوة السياسية الوحيدة التي تمثلت في لجنة إعداد هذه التعديلات الدستورية التي شكّلها "المجلس العسكري"، خرجت عن هذا الإجماع السياسي، فسارعت الى إعلان تفرّدها بتأييد التعديلات قبل أن ينضم إليها ما تبقى من حزب "مبارك" (الحزب الوطني) وباقي الحركات والتجمعات الإسلامية الهامشية الأخرى...وقد بدت "الجماعة" بعد انحيازها العلني لمسار التعديلات الدستورية، وكأنها دخلت في صفقة أو تحالف سافر مع "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" فضلاً عن فلول حزب "مبارك"، وباتت بمثابة قاطرة جرّت خلفها كل الجماعات والحركات الإسلامية على تنوعها بين معتدلين ومتطرفين، وبالتالي بات الاستفتاء مصبوغًا بصبغة دينية بل طائفية!
وسط هذا المناخ المشحون طائفيًا جرى الاستفتاء في موعده المحدد (19/3/2011)، وكانت النتيجة لصالح "الإخوان" و"المجلس العسكري" فقد تبيّن أن نسبة من قالوا "نعم" لهذه التعديلات بلغت أكثر من 77 في المئة بينما لم تتجاوز نسبة من قالوا "لا" نحو 23 في المئة. وأعلنت اللجنة القضائية العليا للإشراف على الانتخابات نجاح "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" في الحصول على تأييد شعبي لرؤيته في شأن مسار المرحلة الانتقالية.
وقد أزالت المواد الدستورية التسع المعدّلة "الشروط التعجيزية" التي وضعها "مبارك" لتقييد حقّ الترشح لمنصب الرئيس وجعله يكاد يكون حقًا حصريًا له ولنجله "جمال". وعلى رغم أن التعديلات لم تقترب من الاختصاصات والسلطات شبه الإلهية التي يمنحها الدستور الذي حكم به الرئيس السابق 30 عامًا، إلا أنها خفضت مدّة الولاية الرئاسية من ست سنوات إلى أربع فقط، ووضعت سقفًا لبقاء أي رئيس في السلطة بما لا يتجاوز ولايتين، كما ألزمت مادة من المواد المعدّلة مجلسَي الشعب والشورى اللذين سيُنتخبان على أساس هذه التعديلات الشروع خلال ستة أشهر في اختيار هيئة تأسيسية تضطلع بوضع دستور جديد للبلاد يجري استفتاء عليه قبل نهاية السنة المقبلة.
وبمجرد إعلان النتيجة، سادت حالة إحباط لدى النخب المصرية وشباب الثورة، حيث بدت زهور الثورة وكأناها آخذة بالذبول، فالتعديلات لم تُدخل كثيرًا من روح الديموقراطية الى النظام، وبدأت التساؤلات عن مصير أحلام شباب "ميدان التحرير"، وهل باتت مصر عالقة بين مطرقة "الإخوان المسلمين" وسندان الجيش المصري؟! فقد كان الاصطفاف الذي أسفرت عنه دعوة "المجلس العسكري" الى الاستفتاء مفاجئًا بحيث سمح -قبل الأوان- بانتصار فعلي لـ"الإخوان المسلمين" بين قوى الثورة على جميع قواها الأخرى، وهو ما أعطى صورة مسبقة لما يمكن أن تكون عليه نتائج الانتخابات القادمة. لهذا عبّرت الصدمة عن نفسها بأشكال مختلفة، إلا أن الشكل الأكثر مدعاة للقلق بينها هو ذاك الإحباط المبكر الذي أصاب العديد من النخب التي خاضت نضالاً مشرفًا في "ميدان التحرير"، بينما ما زال العرس الثوري المصري وارتداداته التفاؤلية العربية في الذروة.
في العشرين من آذار، أدانت مملكة البحرين وبشدة التصريحات التي أدلى بها "حسن نصر الله" الأمين العام لحزب ولاية الفقيه"، وحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية البحرينية فقد قالت أن نصرالله "يمثل منظمة إرهابية حافلة بسجل زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، والتي أكّد فيها تدخله في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين والتهجم مجاهرًا على رموزها وشعبها "، محمّلة "الحكومة اللبنانية تداعيات تلك التصريحات والادعاءات الكاذبة، والتي سيكون لها بلا شك تأثير على مسار العلاقات الثنائية مابين البلدين الشقيقين".
وبالفعل، طرأ تطور عربي، ذو بعد سلبي يتصل بمصالح لبنان في دول الخليج، كانت إشارته الاولى ما صدر عن حكومة البحرين من تحذير لمواطنيها من السفر الى لبنان، ودعوة الذين هم فيه الى مغادرته، في رد على الحملة التي شنها "نصر الله" على المملكة. وكذلك أعادت النظر عدّة بلدان خليجية في وضع اللبنانيين المقيمين فيها، ولا سيّما الشيعة منهم.
وكان لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري موقف لافت من حملة "حزب الله"، اذ نبّه في اليوم التالي على إجراءات البحرين، الى "مخاطر استخدام لبنان منطلقًا وورقة في تأجيج الصراعات الداخلية في البلدان العربية". وفي محاولة منه لتصحيح خطأ الحزب الإيراني الذي ورّط لبنان وأبناء الطائفة الشيعية لإجراءات مشدّدة في بلاد الخليج، اتصل الحريري هاتفيًا بملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وكرَّر له مضمون تصريحه و"استنكاره الشديد لكل ما يضرّ بمصالح اللبنانيين سواء في البحرين أو في سائر الدول العربية والخليجية". وانتقد بشدة "التصريحات اللامسؤولة لنصرالله وانعكاساتها على اللبنانيين العاملين في البحرين وعلى حركة الاستثمار والسياحة من البحرين نحو لبنان".
وفي كلمة له أمس لدى استقباله وفودًا من شباب "المستقبل" وعائلات بيروتية في "بيت الوسط"، رأى الحريري "أن الحملة التي تطاول البحرين والمملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، هي حملة أقل ما يمكن ان يقال فيها إنها أمر عمليات خارجي يعمل على توريط لبنان في مسارات اقليمية لا طائل منها ولا وظيفة لها سوى الإساءة الى مصالح اللبنانيين وعلاقاتهم التاريخية مع اشقائهم العرب". وقال: "إن فكرة تصدير الثورة بالطريقة التي وردت على لسان قيادات في حزب الله هي الوجه الآخر لفكرة تصدير الانقسام في الوطن العربي، وتصدير الفتنة الى الساحة الإسلامية. ونحن على يقين أن الجمهور اللبناني عموما، والجمهور الاسلامي تحديدًا، بجناحيه السني والشيعي (...) لن يسمح بفتح الابواب امام أية مغامرة بمصالح لبنان وعلاقاته مع اشقائه العرب".
وأضاف أن "مواقف "حزب الله" خصصت لزج لبنان، في خضم التحركات في البلدان العربية الشقيقة، وتتحرك على أساس أن هناك تحركات "بسمنة" وتحركات "بزيت". فما هو مقبول في طهران وعربستان وقمّ ومشهد، مرفوض في المنامة وما هو مرفوض في طهران مقبول في سواها". هذا، ويُذكر أن الحريري وقوى 14آذر لا تزال تلازم الصمت حيال "الثورة" المنطلقة في سوريا، في سياسة فسّرها المحلِّلون بإبعاد تهمة التحريض والتدخل في الشأن السوري عنها.
في هذه الأثناء كانت عجلة الثورات العربية لا تزال نشطة، فقد تظاهر في 20/3/2011، آلاف المغاربة في العاصمة الرباط ونادوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، بعد إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس سابقًا عن إصلاحات دستورية، اعتبرها المتظاهرون غير كافية، وليست فيها ضمانات. وانتقدوا طريقة تكوين اللجنة المكلفة إصلاح الدستور، هاتفين: "الشعب يريد دستور جديد... الشعب يرفض دستور العبيد".
وكان العاهل المغربي وعد في خطاب إلى الشعب بإصلاحات دستورية تتعلق بالقضاء ومبدأ الفصل بين السلطات، وتقوية صلاحيات الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وعيَّن لجنة لمراجعة الدستور سترفع نتيجة أعمالها إليه في حزيران المقبل.
في الأردن، اعتبرت "الحركة الاسلامية" أن على الملك عبد الله الثاني بن الحسين أن يحذو حذو العاهل المغربي الملك محمد السادس في برنامجه الإصلاحي، مؤكدة أن "لا حاجة الى لجنة حوار". وكانت الحكومة الأردنية وافقت في 14 آذار على تشكيل لجنة للحوار الوطني تتألف من 52 شخصية لتعديل قانون الانتخاب وقانون الاحزاب السياسية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر.
وبالعودة الى الساحةاللبنانية، كشفت مصادر غربية عن أن "حزب ولاية الفقيه" يسير بالتزامن مع المسار العام للأحداث في المنطقة وتفكُّك الدول المحيطة، "يسير باتجاه عملية فرز واضحة من خلال تقسيم مماثل تحت شعار إنشاء الأقاليم أو الفدراليات ما يبرّر عملية شرائه لهذا الكمّ الهائل من الأراضي وخاصة على الخط الذي يربط عمقه الجنوبي بقاعدته البقاعية".
وأضافت المصادر أن "قيادة حزب الله كانت قد وضعت في الفترة الماضية بالاتفاق مع موفدين إيرانيين وبدعم من النظام السوري مسودة للمناطق اللبنانية التي يجب السيطرة عليها لإقامة حكم شيعي مستقل فيها، حيث تعتقد أن الوضع الهش في لبنان والمنطقة يمنحها الفرصة الفريدة لتحقيق انفصال الدويلة الشيعية من جنوب لبنان حتى شمال البقاع وتخوم عكار في حال حصل اتفاق لبناني داخلي بين الطوائف الأخرى المسيحية والسنية والدرزية حول تجريد الطائفة الشيعية من سلاحها، أو إذا ما اقتضت الظروف مواجهة مع المجتمع الدولي عبر المحكمة".
كما لفتت المصادر الى أن "الحزب رسم حدود دويلته بدقّة من حيث التقارب مع الحدود الاسرائلية في الجنوب بحيث تكون أقرب نقطة لا تتجاوز العشرة كيلومترات، انطلاقًا من السفوح الغربية اللبنانية كجبل الشيخ وانتهاء بمصب الليطاني". وختم المصدر بأن مخطط الحزب "سوف يشكّل ضربة موجعة للطائفة الشيعية في لبنان على مستوى العيش المشترك".
في غضون ذلك، كانت التظاهرات تستمر لليوم الخامس تواليًا في جنوب سوريا ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، حيث هتف المئات: "حرية حرية... سلمية سلمية". وتجمع المحتجون قرب المسجد العمري القديم في درعا وبلدتي نوى والصنمين القريبتين في هضبة حوران الاستراتيجية في محاذاة الحدود مع الأردن، وكذلك في ضاحية الحجر قرب دمشق، مستلهمين موجة من الاحتجاجات في العالم العربي أطاحت حتى الآن رئيسَي تونس ومصر.
وقد شكّل المتظاهرون درعًا بشرية حول الجامع العمري في درعا جنوب دمشق خشية اقتحامه بعدما فرق الجيش وقوات الأمن تظاهرة احتجاجية، مما ادى الى مقتل ستة اشخاص على الأقل. وتحوّل المسجد العمري في درعا "مشفى ميدانيًا" لاستقبال الجرحى.
ومن المطالب الرئيسية للمحتجين انهاء ما يصفونه بالقمع من الشرطة السرية التي يرأسها في محافظة درعا أحد أقارب الأسد. وقد تجاهل الأسد مطالب متزايدة بإنهاء العمل بقانون الطوارىء، وتقييد سلطات أجهزتها الأمنية، وتعزيز حكم القانون، والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، والسماح بحرية التعبير، وكشف مصير عشرات الآلاف من المنشقين الذين اختفوا في الثمانينات.
وبرز إعلان "هيثم المالح" (80 سنة)، المحامي والقاضي السابق الذي أمضى حياته في المقاومة السلمية لاحتكار حزب البعث الحاكم السلطة، أن "الثورة أصبحت على الأبواب والنظام لا يزال يراوغ في إجراء التغيير". واعتبر المالح أنه "من الضروري إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع قانون الطوارئ المعمول به منذ 48 عامًا، وإلغاء المادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع". وأكد "أن 80 في المئة من دخل البلاد بيد قبضة واحدة".
أما المعارض السوري مأمون الحمصي، فكشف عن "إرسال حزب الله حوالي 3 آلاف من أفراده إلى سوريا لدعم النظام بوجه المظاهرات الاحتجاجية". ودعا الحمصي الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الى سحب مقاتليه من سوريا وإلا "فسيعودون في الأكفان". وبالفعل منذ ذلك التاريخ، بدأت تتوافد الى الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب وبعلبك في ظل تكتّم إعلامي، دفعات من جثث مقاتلين من الحزب قتلوا في سوريا أثناء مشاركتهم النظام الإرهابي في قتل شعبه.
في اليوم السادس لحصار درعا، تجدّدت الاشتباكات في المدينة بعد مشاركة الآلاف من أبناء المدينة في تشييع قتلى الليلة ما قبل الماضية، عندما اقتحمت قوى الأمن المسجد الذي يعتصم فيه المحتجون، وزحف الآلاف من البلدات المجاورة من أبناء بلدات الحارة وجاسم وداعل وانخل والقنية والصنمين والنعيمة وقرى أخرى محيطة بمدينة درعا، توجهوا إليها لفك الحصار عنها ونجدة المحاصرين. وقبل أن تهاجم قوى الأمن المسجد، انقطع التيار الكهربائي في المنطقة وتوقفت خدمات الهاتف. وقد تجاوزت حصيلة الضحايا 150 شهيدًا. في حين، أبدت الولايات المتحدة قلقها من العنف الذي تلجأ اليه قوى الامن السورية ضد المدنيين ونددت به، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية.
وفي حدث لبناني مترابط مع أحداث سوريا، قفز تطور أمني بالغ الخطورة الى صدارة الأحداث اللبنانية في 23/3/2011، منذرًا بمضاعفات قاتمة على صورة لبنان في الخارج، مع حادثة خطف سبعة سياح أستونيين على دراجات هوائية على طريق دير زنون بالقرب من زحلة، وسط ظروف غامضة وملتبسة، أعاد الى المشهد الأمني الداخلي للمرة الأولى منذ الثمانينات من القرن الماضي ظاهرة خطف الأجانب في لبنان مع كل ما يمكن أن يترتب على هذه الاستعادة من انعكاسات خطيرة في تعامل العالم الخارجي مع لبنان ديبلوماسياً واقتصادياً.
ولعل ما زاد طابع الخطورة الذي اكتسبه الحادث أن القوى العسكرية والأمنية والأجهزة الأمنية المختصة، لم تكن قد تمكنت من جمع أي معلومات دقيقة عن مكان احتجاز المخطوفين.
وفي استكمال لردود الفعل على خطاب "نصر الله" الأخير، تناول رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في مؤتمر صحافي عقده في 24 آذار، وثائق "ويكيليكس"، وهي "وسيلة امبريالية واستعمارية كما يسمونها"، مشيرًا الى ّأن "كل ما يقوم به الفريق الآخر بما سموه ويكيليكس هو ضغط نفسي وتهويل، وهم يعتمدون سلاحًا آخر للتهويل وتخويف من يفكر بطريقة مختلفة عنهم. أي كل شخص يتكلّم عكس ما يريدون يحاسبونه، ولا أدري من فوّضهم ومن أعطاهم السلطة ليطبقوها، ومَن نصّب حزب الله مسؤولاً عن الشعب اللبناني؟ من نصَّبهم مقاومة؟ نحن نعتبره حزبا لبنانيًا مسلّحًا".
أضاف: "اليوم يقولون إنهم سيطرحون ملفات قضائية، وسأطرح فكرة على قيادات 14 آذار والمجتمع المدني بأن نشكل ملفات قضائية بناء على مواد الدستور، ومنها المادة 95 والمادة 65 التي تتعارض مع وجود سلاح ومع الذين يقومون بصلاحيات مكان الدولة، وخصوصًا في إعلان الحرب والسلم وحال الطوارئ، والذين هم ليسوا الحكومة اللبنانية بل حزب الله". مقترحًا "تشكيل ملف قضائي لـ"حزب الله" بتهمة خرق الدستور والقوانين"، ومعددًا لائحة من القوانين التي تعدى عليها الحزب المسلّح، والتي تصلح لتكوين ملف قضائي كبير في حقه.
أردنيًا، واستكمالاً للاحتجاجات المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر والمطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية ومكافحة الفساد، بدأ في 24/3/2011، مئات الشباب من مختلف التيارات بينهم إسلاميون، اعتصامًا مفتوحًا في ميدان "عبد الناصر" الحيوي في عمان للمطالبة بـ"تعديلات دستورية" و"محاكمة رموز الفساد"، استجابة لدعوة من "شباب حركة 24 آذار"، التي أعلنت عن نفسها عبر موقع "فايسبوك" الاجتماعي، على أن ينصبوا خيامًا للمبيت في أرض خالية قرب الميدان.
وحمل هؤلاء لافتات كتب فيها: "الشعب يريد إصلاح النظام"، و"الشعب يريد تعديل الدستور"، و"نريد محاكمة رموز الفساد"، و"نعم لاجتثاث الفساد"، الى جانب رفعهم أعلامًا أردنية. وهتفوا "الشعب يريد حل البرلمان" و"الشعب يريد إصلاح الدستور" الى "الثورة بتلف وبتدور يا أردن جاييك الدور".
غير أن هذا الاعتصام لم يدم طويلاً، مع مسارعة قوات الدرك الأردنية الى فض الاعتصام بالقوة مساء اليوم التالي، حيث أصيب نحو مئة خلال العملية. وعُلم لاحقًا أن شخصَين توفّيا خلال العملية، فيما تحدّثت معلومات عن سقوط 130 جريحًا.
تزامنًا مع ذلك، اتسع نطاق التظاهرات المطالبة بإطلاق الحريات في سورية، ووقع مزيد من القتلى في محافظة درعا. وتحدثت الأنباء عن تظاهرات احتجاجية وتضامنية مع درعا في مدن عدة، خصوصًا دمشق وحمص وحلب وبانياس واللاذقية ودوما. فيما نظّمت مسيرات موازية في المحافظات تأييدًا للرئيس بشار الاسد، وذلك غداة إعلان السلطات السورية سلسلة من الإجراءات التي تراها إصلاحية بما لا يمس بسيطرة العائلة والحزب الحاكم على النظام.
على صعيد آخر، احتفل لبنان الرسمي والشعبي في 25 آذار، بتنصيب البطريرك السابع والسبعين للكنيسة المارونية بشارة بطرس الراعي، وتقدم الاحتفال رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرؤساء نبيه بري، سعد الحريري ونجيب ميقاتي، وعدد كبير من الوزراء والنواب وممثلي رؤساء الطوائف والمذاهب المسيحية والإسلامية والأحزاب والتيارات السياسية، إضافة إلى وفود رسمية رفيعة من عدد من الدول بينها سوريا.
وتميز الاحتفال الديني الكبير الذي أقيم في بكركي بكلمة ذات دلالات واضحة مفعمة بنفس الحرية والسيادة والاستقلال، ألقاها البطريرك الجديد، وجاء فيها: "(...) أُطلق على البطريرك الماروني شعار "مجد لبنان اعطي له" (...) مجد لبنان ينتقص بالانغلاق على الذات والتقوقع. لكنه ينمو ويعلو بالانفتاح على الآخر، على هذا الشرق وعلى العالم. بل يُعطى "المجد" للبنان وشعبه، إذا كنا كلنا للوطن، كما ننشد. فالوطن ليس لطائفة أو حزب أو فئة. ولن يحتكره أحد، لأن في احتكار فئة له احتقارًا لنا جميعًا، وفقدانًا لهذا "المجد"، الذي عظمته في تنوع عائلاته الروحية وغناها(...)".
وفي تعليقه على كلمة البطريرك "الراعي"، وجّه "حكيم ثورة الأرز" الدكتور سمير جعجع تحية "الى بطريركنا الدائم مار نصر الله بطرس صفير لأنه في زمن افتقارنا الى الشجاعة والرجال والكلمة الحرة، ظل صامدًا معتصمًا بالكلمة الحرة واختصر الوطن كله، فهو بطريرك الاستقلال ورفع الوصاية، ونتمنى من البطريرك الجديد مار بشارة بطرس الراعي أن يكون بشارة لنا وراعي للرعية وللبنان"، مضيفًا أن "ما سمعناه في احتفال بكركي سيجعلهم (8آذار) يترحمون على البطريرك صفير".
في السادس والعشرون من آذار، بدا واضحًا أن الرئيس السوري بشار الأسد بات يواجه أشد أزمة في 11 عامًا له في السلطة مع سيطرة محتجين مناهضين للحكومة على مدينة درعا الجنوبية، وانتشار الاضطرابات الى باقي مناطق سوريا، واستمرارها في أكثر من مدينة من أقصى الشمال السوري الى أقصى الجنوب، في حركة احتجاجات لا مثيل لها، ولم تكن لتخطر بالبال قبل شهرين فقط، في أكثر الدول العربية قيوداً على الاحتجاجات.
وكانت الاحتجاجات انتشرت في أنحاء سوريا تلبية لدعوة على موقع "فايسبوك" للسوريين الى المشاركة في "جمعة الكرامة" في تحد لحكم أسرة الأسد المستمر منذ 40 عامًا. وسقط المزيد من الضحايا بعد صلاة الجمعة، مع إعلان تقارير أن 23 شخصًا على الأقل قتلوا بما في ذلك للمرة الأولى في العاصمة دمشق.
وفي درعا التي انطلقت منها المواجهات الأسبوع الماضي، شارك عشرات الآلاف في تشييع جنازات بعض القتلى وهم يرددون "حرية". وفي ساحة في وسط المدينة أسقط محتجون تمثالا للرئيس حافظ الأسد، قبل أن يطلق رجال أمن في ملابس مدنية النار من مبان مستخدمين بنادق آلية. وبعد إسقاط التمثال في مشهد أعاد الى الأذهان إسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العراق عام 2003 على يد القوات الأميركية، سكب بعض المحتجين الوقود على التمثال المكسور وأضرموا النار فيه. وردد المتظاهرون هتافات وصفت شقيق الرئيس ماهر الاسد بأنه "جبان" وطالبته بإرسال قواته لتحرير هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
كما قتلت قوات الأمن السورية اثنين من المحتجين حاولا إحراق مقر حزب البعث الحاكم في مدينة اللاذقية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط.
وجاءت التظاهرات الجديدة على رغم إعلان القيادة السورية قبل يوم (الخميس) سلسلة إصلاحات وصفتها بأنها "تلبّي طموحات" الشعب في محاولة لاحتواء الوضع وتهدئة النفوس. ومن بين الاجراءات التي أعلن عنها على لسان مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، دراسة إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ عام 1963، وإعداد مشروع لقانون الأحزاب وزيادة رواتب الموظفين في القطاع العام.
وفيما اعتبرت المستشارة شعبان أن الأحداث التي تجري حاليًا في سوريا تندرج ضمن "مشروع طائفي" يحاك ضد سوريا ولا علاقة له بـ"التظاهر السلمي" و"المطالب المحقة والمشروعة" للشعب السوري، صرّح نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام، الذي استقال وانشق عن حزب البعث الحاكم عام 2005، "إن دماء شهدائنا ستحرق هذا النظام وإن شعبنا سيدفنه في مدافن التاريخ". وقال:"أتوجه الى القوات المسلحة مرة ثانية. أدعوها لاتخاذ خيارها الوطني وتحديد مسارها، أن تحدِّد اذا كانت مع الشعب أم مع الأسرة الحاكمة المستبدة".
في موازاة ذلك، كانت الصحف الصهيونية تستكمل حملة دعم الأسد والتخوّف من سقوطه، حيث قال الكاتب الصحافي الإسرائيلي المعروف "ألوف بين" في مقال نشر في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 26/3/2011، إنه لو فشلت الحكومة السورية في قمع الانتفاضة في درعا، وانتشرت من الجنوب إلى المدن الأخرى، فإن ذلك سينطوي على تغيير إستراتيجي عميق بالنسبة إلى إسرائيل، حيث إن درعا قريبة من مثلّث الحدود الأردنية - السورية – الإسرائيلية". وأضاف إنه "لو سقط بشار الأسد من السلطة، فسوف تواجه إسرائيل حالة من عدم اليقين: فمن سيتحكّم في مخزون صواريخ سكود التي تحمل رؤوسًا كيماوية؟، ومن سيقود الجيش السوري في جبهة الجولان؟ وهل سيكون خلفاء الأسد منفتحين أكثر على الغرب وعلى إسرائيل، أم على العكس سيحاولون زيادة حدة المواجهة من أجل الحصول على شرعية داخلية وإقليمية مثلما فعل النظام القائم؟". وأشار إلى أن "إسرائيل أدارت علاقات مُركبة مع حافظ الأسد ونجله بشار، واللذان حكما سورية طيلة 41 عامًا مضت. فقد حافظ السوريون بصرامة على اتفاق فصل القوات في الجولان، في الوقت الذي قاموا ببناء جيش قوي".
تطوّر مهم جدًا، ومرتبط بلا شك باهتزاز الوضع السوري، سجّل في هذا اليوم؛ ففي خطوة عملية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وبعد تظاهرات متأثرة بـ"الربيع العربي" شهدتها المدن الفلسطينية مطالبة بإنهاء الانقسام، بحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله مع وفد من قياديي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية، في سبل دفع مبادرته زيارة غزة. وأكد عباس في اللقاء أنه" لن يكون هناك سلام يحقق طموحات شعبنا الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، من دون إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية".
وشدد عباس على "ضرورة التمسك بالتهدئة من أجل قطع الطريق أمام إسرائيل للاستمرار في تهديداتها، ومن أجل جبه الأوضاع الصعبة التي تواجه القضية الفلسطينية، وخصوصًا استحقاقات شهر أيلول المقبل من طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، الذي لا بد أن نواجهه ونحن موحدون، الى تطوير منظمة التحرير الفلسطينية والمشاركة فيها".
وفي تطور أمني متربط يارتدادات الوضع السوري أيضًا، بدت لبنان في مواجهة سباق بين بت الاستحقاق الحكومي سريعًا، وطلائع مسلسل من الاختراقات الأمنية المثيرة للمخاوف. ذلك أن استهدافًا أمنيًا ثانيًا في أقل من أسبوع ضرب منطقة زحلة مجددًا في27/3/2011، مع تفجير عبوة ناسفة في كنيسة السيدة للسريان الأرثوذكس بزحلة، ما أشاع توجسًا من ظاهرة تعاقب الاختراقات وعودة التفجيرات وعمليات الخطف.
وفي سياق متصل، تحولت السفارة السورية في شارع الحمراء في بيروت في ذلك اليوم، ما يشبه المحجة لمئات السوريين المقيمين في لبنان، فتقاطروا إليها من ساعات الصباح رافعين صور الرئيس الأسد والأعلام السورية، ومرددين هتافات مؤيدة للنظام في سوريا. ولم يعكّر صفو تلك التظاهرات التي استمرت ساعات إلا حادثين أدّيا الى جرح أربعة، وتردَّد أن مجهولين أطلقوا عليهم النار في منطقة النبعة.
في غضون ذلك، نقلت صحيفة "الراي" الكويتيّة عن مصادر سياسية أميركية مطلعة، قولها أن الاتصالات السورية بمسؤولين في الإدارة وغيرهم من قيادات اللوبيات الضاغطة، لم تتوقف لحظة منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في مختلف المدن والمحافظات، بغية الاتفاق على مخارج للأزمة أو في الحد الأدنى تحييد التأثير الأميركي دوليًا، بما أن تأثير اللوبي الإسرائيلي مضمون الانحياز لمصلحة نظام الأسد. وأوضحت المصادر أن رسائل وصلت من موفدين سوريين و"غير سوريين" الى الإدارة الاميركية وصلت حد استعداد بشار الأسد للقبول بعودة الحريري رئيسًا للحكومة اللبنانية بدلاً من "ميقاتي"، و"استعداد مسؤولين سوريين لتسهيل عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بل وإعطاء بعض الأمنيين والسياسيين السوريين إذا استدعوا للشهادة، إفادات على احتمال تورّط عناصر لبنانية من "حزب الله" أو أخرى قريبة من الحزب متحالفة مع إيران في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري". ودلّلت المصادر على إمكان اتخاذ سوريا مسافة عن إيران بالموقف الذي أعلنه وزير الخارجية وليد المعلم في ما يتعلق بالبحرين، حين اعتبر دخول قوات "درع الجزيرة" الى المنامة، قانونيًا بموجب اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين أعضاء مجلس اتعاون الخليجي.
كان الأسد يراهن من خلال اعتباره على لسان وزير خارجيّته "دخول درع الجزيرة الى البحرين قانونيًا" على دعم السعودية له في الأزمة التي تعصف بنظامه، وبالفعل، فقد تلقى اتصالاً هاتفيًا في 28 آذار من الملك عبدالله بن عبد العزيز تخلله "عرض للعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والاطمئنان الى الأوضاع في سوريا وبحث في المستجدات في المنطقة". وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السعودية أن الأسد أبلغ الملك عبدالله أن "الأوضاع في سوريا مطمئنة"، معربًا عن شكره وتقديره للعاهل السعودي "على ما يوليه من اهتمام لسوريا وشعبها". من جهتها، نقلت "سانا" أن الملك عبدالله "أعرب عن دعم المملكة لسوريا في وجه ما يستهدفها من مؤامرة لضرب أمنها واستقرارها، ووقوفها إلى جانب قيادة وشعب سوريا لإحباط هذه المؤامرة".
في المقابل، وفيما نمّ عن تأييد تركي لمطالب المتظاهرين، أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أنقرة، أنه اتصل هاتفيًا بالأسد مرارًا في الأيام الأخيرة، ونصحه بالاستجابة لـ"المطالب التي ترفع منذ سنوات من أجل الإصلاح" كي تجري عملية إحلال الديموقراطية سلميًا في سوريا". وتابع أردوغان قائلاً: "تركيا مهتمة بما يحصل في سوريا، ولا يمكننا أن نبقى صامتين حيال ما يجري... نحن نشاطر تلك البلاد حدوداً طولها 800 كيلومتر، ولدينا علاقات قرابة مع السوريين".
أما الولايات المتحدة التي ظهرت بطلة في الدفاع عن الديموقراطية في تونس ومصر وفي ليبيا في مرحلة أولى، فقد أبدت تحفظها عما يجري في سوريا الى درجة وصفت معها "كلينتون" "الأسد " بـ"الإصلاحي"! حيث أبدت في ذلك اليوم تفاؤلا قائلة"هناك اليوم في سوريا رئيس مختلف. كثيرون من أعضاء الكونجرس الذين زاروا سوريا في الأشهر الأخيرة قالوا إنهم يعتقدون أنه إصلاحي". وتابعة مطمئنة الأسد للمضي في قمعه الوحشي للثوار: "السيناريو الليبي لن يتكرر في سوريا لأن الوضع مختلف هناك"، مخلّفة إحساسًا بعدم المساواة بين الشعب الليبي الذي قرّر المجتمع الدولي الدفاع عنه فورما شعر أن "القذافي" يتحضر لعملية إبادة في "بنغازي"، والشعب السوري الذي تمّ التخلي عنه رغم شروع آلة القتل البعثية في عملية قمع وحشية يديرها الإرهابيان "بشار وماهر الأسد"!
في هذه الأثناء، كان الأسد يحشد حوله علماء دين مأجورين للتحصّن بعباءاتهم في وجه ثورة شعبه، ولانتزاع الشرعية لعمليات القتل والقمع التي يقوم بها.
وفي هذا الإطار، نظّم النظام الاستخباراتي، لقاء جمع "علماء" و"خطباء" في جامع العثمان بدمشق، برعاية وزير الأوقاف محمد عبد الستار، وحذّروا من أن "سورية بنسيجها الوطني والديني مستهدفة بشكل رئيسي من أطراف وجهات خارجية لزعزعة اللحمة الوطنية التي تشهدها سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، لدورها الوطني والقومي الرائد في الدفاع عن حقوق الوطن والأمة، ولدعمها للمقاومة المشروعة ضد العدوان الإسرائيلي". ودعا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي "الأمة إلى عدم الانجرار وراء جهات تريد النيل من وحدة شعبنا ولحمته الوطنية، مشيرًا إلى أن الدعوات التي تأتي اليوم من وسائل إعلام مختلفة يشوبها الشك والريبة، وعلى السوريين ألا ينقادوا وراء الدعوات المجهولة التي تحاول استغلال المساجد لإثارة الفتنة والفوضى في سورية"، متسائلاً" عن "دور اسرائيل في أحداث هذه العاصفة الهوجاء التي أتت إلينا من المجهول، لكي تفرض علينا أوامرها"!! واستهزأ بالشعب الثائر الذي اختار يوم الجمعة موعدًا أسبوعيًا لانطلاق تظاهراته من المساجد قائلاً: "ما سبب تشدّد هذه القيادات في اتخاذ المساجد نقطة الانطلاق لهذه الأعمال؟"، وأضاف متهكِّمًا: "ولنفترض أن تكون هذه المساجد نقطة الانطلاق، فهل هم يعرفون شيء اسمه صلاة، ركوع، سجود، لا لا يعرفون"!!
وفي محاولة ثانية لتخفيف الاحتقان الشعبي، قرر الأسد استبدال حكومة "ناجي العطري" بأخرى أقل استفزازًا، ففي مسرحية ذو وجه ديموقراطي قبل في 29آذار استقالة حكومة ناجي عطري بعد نحو اسبوعين من الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية، في خطوة مكشوفة يستبعد أن ترضي المتظاهرين، لأن الحكومة لا تملك سوى سلطات محدودة، في حين أن السلطة الحقيقية متمركزة في أيدي الأسد وعائلته والجهاز الأمني.
وقد بلغ الدعم الإسرائيلي للأسد أشده في هذا اليوم، مع نشر صحيفة "هآرتس" تقريرًا بعنوان: "الأسد... ديكتاتور اسرائيل العربي المفضل...الأسد ملك إسرائيل"، أشارت في خلاله إلى حالة من القلق تنتاب الأوساط الإسرائيلية من احتمال سقوط نظام بشار الأسد بدمشق، مضيفة أن الكثيرين في تل أبيب يصلون من قلوبهم للرب بأن يحفظ سلامة النظام السوري الذي لم يحارب إسرائيل منذ عام 1973 رغم "شعاراته" المستمرة وعدائه "الظاهر" لها.
وأضافت الصحيفة أنه "بالرغم من تصريحات الأسد الأب والابن المعادية لإسرائيل إلا أن هذه التصريحات لم تكن إلا "شعارات خالية من المضمون وتم استخدامها لهدف واحد فقط كشهادة ضمان وصمام أمان ضد أي مطلب شعبي سوري لتحقيق حرية التعبير والديمقراطية". مشيرة في تقريرها إلى أن النظام السوري المتشدق بـ"عدائه" لتل أبيب لم يُسمِع الأخيرة ولو "صيحة خافتة واحدة" على الحدود بهضبة الجولان منذ سيطرة إسرائيل عليها عام 1973.
وقالت في تقريرها أن الإسرائيليين بلا استثناء يحبون الحكام العرب الطغاة والديكتاتوريين، لكن أكثر ديكتاتور أحبه الإسرائيليون كان حافظ الأسد الرئيس السوري السابق، لكن حينما توفي الأب وورث نجله الحكم القمعي بدمشق، انتقلت محبة الديكتاتور الأب للطاغية الابن في قلوب الإسرائيليين".
وبالعودة الى الساحة اللبنانية التي باتت أنظارها مشدودة الى الحدث السوري نظرًا لانعكاساته على لبنان ومستقبله، بدا واضحًا أن بروباغندا بدأت في اليومين الماضيين من إعلام 8 آذار، لضخ معلومات كاذبة تهدف الى تغطيس قوى 14 آذار في رمال الأحداث السورية. فعلى سيبل المثال نسبت "قناة منار" التابعة لحزب السلاح في المقدمة السياسية لنشرتها الإخبارية، نسبت الى جهات سورية أن لديها شكوكًا بتَدخّل تيار المستقبل في تحريك الاحتجاجات، والأكثر خطورة اختلاق خبر مدسوس نَفته السلطات السورية نفسها، مفاده أن قوارب مُحمّلة بالأسلحة انطلقت من طرابلس الى اللاذقية لدعم الثوار.
وفي موقف هو الأول من نوعه حيال الأحداث الجارية في سوريا، أريد منه سحب البساط من تحت القوى التي تريد زجّ 14 آذار، ولو رغمًا عنها، في أحداث سوريا، شدَّدت "كتلة المستقبل" على "ضرورة الاستجابة للمطالب المشروعة والمحقة للشباب العربي"، مشيرة الى أنه لم يعد من المفيد التأخر في إنجازها". وتوقفت "أمام محاولات بعض الأطراف ووسائل الإعلام الزج بلبنان في ما يجري في المنطقة العربية والادعاء زورًا، أن لبنان أو بعض القوى السياسية فيه تشكّل مصدرًا للسلاح أو التحريض لزعزعة الأمن والاستقرار في سوريا". وقالت "إن هذه الادعاءات عارية تمامًا من الصحة، وربما كان الغرض منها استعمالها في التجاذبات السياسة الداخلية اللبنانية، والكتلة إذ تنفيها، تتمنى للشقيقة سوريا أن تجتاز هذه المرحلة سريعاً في ظل الأمن والسلام والخير والتقدم".
سوريًا، يبدو أن الكر والفر اللذان باتا السمة الغالبة على الوضع الميداني في ليبيا، بدآ ينسحبان على الوضع في سوريا. فبعد الإنكماش والضياع اللذين طبعا حركة النظام هناك، استقوى الرئيس الأسد بالتظاهرة المليونية المسيّرة عن بعد، والتي خرجت تؤيده في 30 آذار، فظهر مزهوًا في مجلس الشعب، وتوجه إلى الأمة بكلمات مستنسخة من خطب ألقاها عام 2000 وعام 2005 توصّف حال الإدارة والوضع الإقتصادي بكثير من الدقة.
لقد خيّب الرئيس السوري في خطابه الأول بعد حركة الاحتجاج التي شهدتها بلاده، توقعات أنه سيرفع قانون الطوارئ الساري في البلاد منذ عقود ويضع جدولاً زمنيًا لإصلاحات جدية؛ ذلك أن ما كان ينتظره السوريون منه من حزمة إصلاحية في مختلف الميادين، وتحديدًا في مجال الحريات وتعدُّد الأحزاب والإعلام، لم يأت على ذكرها مشددًا على أن الإصلاح لا يأتي على قاعدة "كوني فكانت"، بل هو عمل مرحلي يتطلب وقتًا وجهدًا.
وجدد الأسد التزامه تطبيق الإصلاحات في خطابه أمام مجلس الشعب، لكنه برّر عدم التعجيل. ولفت الى أن "سوريا تتعرّض لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة ولها بعض الخيوط داخل الوطن"، وهذه المؤامرة "تعتمد في توقيتها لا في شكلها على ما يحصل في الدول العربية". وقال "إن جانبًا مما يحصل اليوم متشابه مع ما حصل في 2005"، ملمِّحًا بذلك الى المرحلة التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
ورأى الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر أن خطاب الأسد "لم يكن على مستوى الاصلاحات" التي يطالب بها السوريون. وقال: "من الواضح أن خطابه كان خاليًا من المضمون" وأنه "خيّب على ما يبدو آمال" السوريين. واضاف: "سندين بشدة أي عنف يمارس على المحتجين".


  

 

 

 

 

 

 

نيسان 2011.. الثورة السورية تثبّت أقدامها، والنظام يفقد أوراقه

بدأ شهر نيسان ولا تزال الحكومة في لبنان في حكم العدم. ومع انحسار التوقعات لقرب ولادة الحكومة الجديدة، استعادت المعارضة المبادرة التي تنطلق من اعتبار سلاح "حزب ولاية الفقيه" المشكلة الأصلية التي تعطَل الحياة السياسية الديموقراطية في البلاد، والتي من نتائجها الأزمة الوزارية الراهنة.
في غضون ذلك، اخترقت الجمود الداخلي المحادثات التي أجراها أخيراً بعيدًا من الإعلام رئيس قلم المحكمة الخاصة بلبنان بالنيابة "هرمان فون هابيل" مع المسؤولين الكبار، وطمأنهم خلالها الى أن القرار الظني الذي ستصدره المحكمة سيتضمن أسماء متهمين ولكن من دون الإشارة الى أحزاب أو أطراف سياسيين.
وعلى صعيد انعكاسات الوضع السوري على لبنان، برز كلام للرئيس الحريري في الأول من نيسان تطرق في خلاله الى تلك المسألة، في أول رد مباشر له على الحملات التي استهدفت "تيار المستقبل" تحت عنوان "تهريب السلاح" الى سوريا، حيث قال أمام وفد شمالي: "(...) كل ما تسمعونه من أكاذيب وحملات تستهدف تيار المستقبل تهدف الى ثنينا عن موقفنا في خصوص موضوع السلاح. هناك محاولات متجددة لالصاق تهمة الارهاب بطرابلس والمينا والضنية وغيرها من مناطق الشمال، لتشويه صورة هذه المناطق واستهداف تيار المستقبل، ولكن أطمئنكم الى أن كل هذه المحاولات سيكون مصيرها الفشل".
لاحظ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري "أن ما نواجهه منذ إسقاط حكومة الوحدة الوطنية ليس موضوع المحكمة والقرار الاتهامي الذي يتذرعون به، بل هو مشروع وضع اليد على لبنان والوطن العربي في إطار مشروع إقليمي تتكشف معالمه يوما بعد يوم"، مشيرًا الى أن "المشكلة الحقيقية في البلد أصبحت في منطق السلاح والاستقواء به لمصادرة القرار السياسي ووضع اليد على الدولة بحجة مقاومة إسرائيل".
وبالعودة الى أخبار الحراك الشعبي العربي، كانت ارتدادات دخول "درع الجزيرة" الى البحرين تتفاعل، فقد برز في الأول من نيسان، إصدار "لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية" في مجلس الشورى الإيراني بيانًا، أكدت فيه أن السعودية تدرك أكثر من أية دولة أن اللعب بالنار في منطقة الخليج الفارسي الحساسة ليس من مصلحتها، داعية إياها الى سحب قواتها من البحرين. وبدورها ردّت السعودية بحزم، على ما وصفته بـ"التصريح غير المسؤول"، وأكدت أنه لا يحق لإيران انتهاك سيادة مملكة البحرين أو إقحام أنفها في شؤونها أو شؤون أي دولة خليجية.
في الشأن اليمني، حلّت الديبلوماسية الإقليمية والدولية محل الجهود المحلية التي أخفقت طوال الشهرين الماضيين في حل سلمي لأزمة الاحتجاجات المطالبة بإطاحة نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وسط مؤشر لإجماع إقليمي ودولي على خطة لتنحية الرئيس مع ضمان عدم ملاحقته وأفراد عائلته. وتدور مناقشات في شأن الخطوات اللاحقة وآليات نقل الرئيس سلطاته الى نائبه، وتأليف مجلس انتقالي، وحكومة تصريف أعمال، ومجلس عسكري موقت، لا تزال موضع رفض لدى صنعاء.
وتحدثت دوائر ديبلوماسية عن تحول كبير في الموقف الأميركي من الأزمة اليمنية، بعدما كانت أميركا من أهم الداعمين لنظام علي صالح، مشيرين إلى أن تصريحات الإدارة الأميركية أكدت المضي في خيار التسوية السلمية للأزمة من طريق تنحي الرئيس في مقابل ضمانات من القيادات الجديدة لمواصلة جهود اليمن في الحرب على الإرهاب، ومواجهة خطر تنظيم "القاعدة"، واستمرار التعاون اليمني–الأميركي في هذا الإطار. وقالت إن موقف واشنطن تلا إخفاق صنعاء في احتواء حركة الاحتجاجات المتصاعدة، وانزلاقها إلى دائرة عنف في قمع هذه الحركة تسببت بسقوط 180 قتيلاً ونحو خمسة آلاف جريح، ناهيك بتسبّبها بانشقاق في صفوف الجيش، بعد إعلان قادة عسكريين كبار انحيازهم إلى مطالب الشبان المحتجين بالتغيير السلمي.
أما في الأردن، فقد نظّم في هذا اليوم المئات من انصار "حركة شباب 24 آذار" اعتصامًا سلميًا وسط العاصمة الأردنية، للمطالبة باصلاحات سياسية. وأكّد المشاركون من جديد على مطالبهم المتمثلة بمكافحة الفساد، ومحاكمة الفاسدين، وحل البرلمان، وبتبني قانون إنتخابي عادل، وبرفع القبضة الأمنية عن مختلف مؤسسات الدولة.
وفي سلطنة عُمان، اعتقلت قوات الأمن بين 50 و60 محتجًا في أعقاب اشتباكات في مدينة صحار الصناعية .
وكذلك الأمر في سوريا حيث رقعة التظاهرات تتسع يومًا بعد يوم، وعدد القتلى يتزايد بشكل مخيف. أما في ليبيا فكانت البلاد تنحدر الى "حرب أهلية" حقيقية، وسط مساندة حلف "الناتو" للثوار الليبيين في وجه كتائب القذافي.
لبنانيًا، كانت قوى 14 آذار تواصل تصعيدها في وجه الانقلابيين، وقد سجّل في السادس من نيسان إلقاء زعيم المعارضة الجديدة، سعد الحريري، خطابًا ناريًا، أطلق في خلاله جملة مواقف اتسمت بالتشدد، في كلمة ألقاها في احتفال قطاع المهندسين في "تيار المستقبل" بمجمع "البيال".
فهو إذ جدّد حملته على "فوضى الفلتان المسلّح في لبنان"، ورأى أن "السلاح في يد الطوائف والأحزاب والتنظيمات يعني تلقائيًا غياب دور الدولة والاستقواء عليها وعلى مؤسساتها وإقامة شريك مضارب لها يقبض ولا يدفع"، شدَّد على أن "جرثومة الانقسام هي السلاح غير الشرعي"، معلنًا أن الزيارات العربية والدولية التي يقوم بها "لا علاقة لها بتشكيل الحكومة".
وفيما يتعلّق بوضع اللبنانيين في الخليج، قال الحريري: "نعمل مع أشقائنا في الخليج عمومًا وفي البحرين خصوصًا لإزالة تداعيات الاصطفاف غير المسؤول وغير المبرر والذي لا علاقة له بالوطنية اللبنانية أو القومية العربية التي نفخر بانتمائنا إليها، وإنما هو انتساب للمشروع الإيراني الذي قلت عنه بوضوح وأكرّر إنه محاولة مرفوضة وغير ناجحة بإذن الله لوضع اليد على لبنان وعلى المنطقة العربية".
في سوريا، حيث تحاول السلطة التي تشهد احتجاجات غير مسبوقة كسب حلفاء الى جانبها، أقفلت في 6/4/2011 السلطات السورية الصالة الوحيدة للعب القمار في البلاد، وسمحت من جديد للمدرّسات المنقبات بالتدريس، في خطوة فُسّرت بأنها تستهدف استمالة المحافظين، إلا أنها لم تشف غليل الشعب السوري، الذي حدّد هدفه جيّدًا: "إسقاط النظام".
على الساحة اللبنانية، وفي إطار نشرِها لسلسلة من "وثائق ويكيليكس" المسرَّبة من الخارجية الأميركية، كشفت صحيفة الأخبار المحسوبة على "حزب ولاية الفقيه" في 7/4/2011، وثيقة يقوّم فيها وزير "حركة أمل" محمد جواد خليفة" "حزب ولاية الفقيه"، عكست حدّة الخلاف المستور بين الحزب والحركة، حيث وصف "خليفة" الحزب في لقاء مع السفير الأميركي "جفري فلتمان"، بعبارات شديدة وقاسية، مثل قوله" إن حزب الله يريد تحويل حياتنا الى جحيم".
وقد استدعى نشر هذه الوثيقة "الفضيحة"، ردًا من "حركة أمل" شكت فيه التآمر عليها في صحيفة الحزب. فمن دون أن تسميها، هاجمت "حركة أمل" صحيفة "الأخبار" لاعتمادها على وثائق ويكيليكس. واعتبرت أن هذه الصحيفة التي يدعمها "حزب الله" ويوفر لها الحماية وهي تبادله بالولاء المطلق، تقود مؤامرة تستهدفها. كما استهجنت استعمال مطرودين منها لينسبوا اتهامات الى رئيسها نبيه بري، (في إشارة الى نشر الصحيفة كذلك، برقية منقولة عن محمد عبيد الذي قدّر ثروة بري بملياري دولار)، وسبق لحركة "أمل" أن طردت عبيد، الذي التجأ الى العميد السوري رستم غزالة والى "حزب الله".
من جهته، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يستكمل ويصعد هجومه على إيران، غداة المواقف الواضحة التي أطلقها أمس في احتفال قطاع المهندسين في تيار "المستقبل". فقد تابع الحريري تحديد ملامح المرحلة ووضع النقاط على حروف المشهد المتأزم بكل تفاصيله وتحديد الموقف من كل ذلك، في كلمة ألقاها أمام "الملتقى السعودي-اللبناني".
فالحريري إذ أشاد بالدور الذي تلعبه المملكة في لبنان، ولا سيما من حيث استثمارها في تعزيز وحدته واستقراره، لفت إلى أن "هناك جهات ودول وقوى إقليمية، تعمل على الاستثمار في الفوضى، وتلجأ إلى تصدير مختلف وسائل الاضطراب السياسي والأهلي والأمني، في سبيل ضرب وحدة مجتمعاتنا العربية". وأشار إلى أن "المعروف أن إسرائيل هي أكبر المستثمرين في الفوضى الإقليمية(..) هذا عن العدو، فماذا عن الصديق؟"، مضيفاً أنه "لا يحق لأي كان، تصدير الفوضى إلى الأراضي اللبنانية وإلى الدول العربية. كلنا يشهد في هذه المرحلة مظاهر الاستثمار في الغرائز الطائفية والمذهبية التي تريد أن تتخذ من لبنان أو البحرين أو الخليج ساحة لبسط النفوذ السياسي والأمني".
وإذ أشار إلى أن "التدخل الإيراني السافر في الداخل العربي، يُمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، وبينها لبنان"، أكّد أننا "في لبنان لا نرضى أن نكون محمية إيرانية، بمثل ما لا نرضى لإخواننا في البحرين أو الكويت، أو أي دولة، أن يكونوا محمية إيرانية"، معلنًا أن "هذه السياسة الإيرانية لم تعد مقبولة، وأن الخطف المتدرّج للمجتمعات العربية، تحت أي شعار أمر لن يكون في مصلحة إيران ولا في مصلحة العلاقات العربية الإيرانية"، ومؤكداً أن "زمن الفراغ العربي انتهى(..)".
وقد استدعى هذا الهجوم الحاد، والذي جاء في منتدى اقتصادي اتسم بمشاركة سعودية "وازنة"، واكتسب مغزى ذا دلالة مهمة إذ بدا بمثابة الوجه الخارجي المكمِّل لحملة الحريري على سلاح الحزب في الداخل، استدعى ردًا فوريًا من "حزب ولاية الفقيه" على غير عادته، الذي دافع عن الدولة التي يدين لها بالولاء، والتي تزوّده بالمال والسلاح والإيديولوجيا.
في سوريا، بات واضحًا من خطاب بشار الأسد الثاني خلال موجة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، اعتقاده الواهم أن في إمكانه وقف موجة الاحتجاج في سوريا بخطوات إصلاحية فارغة المضمون، ومن خلال تعهدات غامضة بالإصلاح، وعبر توحيد الشعب السوري من طريق الكلام على مؤامرة إسرائيلية على سوريا، وهي العناوين الرئيسية التي أدرجها في خطابه ذاك. وإذا كان قد امتنع قبل أسبوعين عن تحديد جدول زمني للقيام بالإصلاحات، فقد تعهّد في خطابه الجديد، إلغاء قانون الطوارئ الأسبوع المقبل.
غير أن المشكلة في سوريا، والتي يعرفها كل مواطن سوري، ليست في هذه المادة أو تلك من الدستور، وإنما في جوهر النظام الذي تتحكم فيه عائلة الأسد. لقد سقط حاجز الخوف في سوريا، وبدا النظام ضعيفًا في مواجهة المتظاهرين. وإذا شاركت غالبية الشعب السوري في تظاهرات الأيام المقبلة، ولا سيما في الشام وحلب، وهما اللتان ما زالت حتى الآن تقفان موقف المتفرج، فإن ذلك سيحدّد مصير نظام بشار الأسد بلا شك.
إنها أيام صعبة بالنسبة الى النظام السوري، وكذلك بالنسبة الى الولايات المتحدة التي امتنعت حتى الآن عن المطالبة برحيل الأسد الذي بين يديه وقف النفوذ الإيراني في لبنان، والدعم لـ"حزب ولاية الفقيه" و"حماس"، وإقفال الباب أمام دخول الإرهابيين وخروجهم من العراق.
وفي إطار محاولاته الفاشلة لإصدار قوانين والقيام بإجراءات تخفّف من الاحتقان الشعبي، ظن الرئيس السوري بشار الأسد أنه أنهى خلافًا مستمرًا مع الأكراد منذ نصف قرن، بإصداره في 7/4/2011 مرسومًا يقضي بتجنيس عشرات الآلاف منهم، فيما أنهت اللجنة المكلفة الإعداد لرفع قانون الطوارئ أعمالها. أما المعارضون فدعوا الى تجمّعات لم تلق استجابة، أمام مكاتب حزب البعث في الذكرى الـ 64 لتأسيسه، ووجّهوا نداءات عبر موقع "فايسبوك" لتنظيم تظاهرات في "جمعة الصمود"، واعتصامات سلمية "حتى الحرية".
لبنانيًا، لم تكتفِ طهران بردود وكلائها في بيروت على رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي كان أعلن رفضه تدخلاتها السافرة في لبنان ودول الخليج العربي.. فتولّت مباشرة في الثامن من نيسان اعتبار ما قاله "تحريضاً(...) لا يصبّ في مصلحة لبنان ويشكل تحديًا لاستقرار المنطقة واستقلالها"، واضعة ذلك في "إطار المحور الأميركي الصهيوني"!
إلا أن المكتب الإعلامي للرئيس الحريري ردّ في بيان له مؤكداً "أن الاتهامات التخوينية الصادرة على لسان الناطق باسم الخارجية الإيرانية بشأن اندراج كلام الرئيس الحريري في إطار مصالح المحور الأميركي الصهيوني ما هي سوى هروب للأمام ومحاولة للتغطية على المشاكل الحقيقية بشعارات ممجوجة ومكرّرة بمناسبة أو من غير مناسبة. ويؤكد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري، أن المطلوب من النظام الإيراني، عوضاً عن تكريس وقته وجهده للردّ على المسؤولين في لبنان والبحرين والعراق وفلسطين والكويت ومصر واليمن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هو الكفّ عن التدخل في شؤون هذه البلدان وإثارة النعرات بين أبنائها، والعودة إلى شروط حِسن الجوار".
على أي حال، كان الرئيس الحريري يجهد لإنقاذ 400 ألف لبناني يعملون في الخليج. فقد تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال معالجة تداعيات المواقف السلبية لـ"حزب ولاية الفقيه" من الوضع في مملكة البحرين، فأجرى اتصالاً هاتفيًا بملكها حمد بن عيسى آل خليفة وبحث معه في العلاقات بين البلدين الشقيقين والتطورات على الساحة العربية، حيث أكّد للملك "وقوف الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني الى جانب سيادة مملكة البحرين واستقرارها"، مضيفاً: "إن اللبنانيين المقيمين في البحرين يقدّرون الضيافة الأخوية التي يحظون بها منذ زمن طويل، وهم شأنهم شأن جميع الجاليات اللبنانية في الانتشار عموماً والدول الشقيقة خصوصًا، يحترمون قبل كل شيء قوانين الدول التي يقطنون فيها، ولا يقحمون أنفسهم في القضايا الداخلية لهذه الدول بأي شكل من الأشكال".
وقد طلب الرئيس الحريري من الملك حمد "عدم اعتبار أي موقف من أي تشكيل سياسي في لبنان موقفًا للدولة اللبنانية أو للشعب اللبناني، اللذين يتمسّكان بأفضل العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين"، متمنيًا على القيادة البحرينية "عدم تعميم تداعيات مثل هذه المواقف المؤسفة على علاقة البحرين باللبنانيين القاطنين فيها أو بلبنان وشعبه". وشكر الملك حمد بن عيسى آل خليفة الرئيس الحريري على موقفه هذا ووعده بإيلاء المسألة عنايته. كما تم الاتفاق على زيارة يقوم بها الرئيس الحريري قريباً الى البحرين لتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين".
في هذه الأثناء، كانت آلة القتل الأسد تحصد 32 قتيلاً في "جمعة الصمود"، وسط تأكيد المتظاهرين :"لانريد هدايا الخميس، نريد الإصلاح.
إذًا، لم تفلح القرارات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة السورية في تهدئة خواطر السوريين المطالبين بالمزيد من الحريات والإصلاحات الجذرية، لا بل وسعت الحركة المطلبية الى مدن ومناطق لم تصلها من قبل.
فغداة منح عشرات الآلاف من الأكراد الجنسية السورية، وإقالة محافظ حمص، والإعداد لرفع قانون الطوارئ، خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مدن سورية وهم يهتفون "حرية حرية وحدة وحدة وطنية"، و"لا للحلول المجتزأة". واسترعى الانتباه أن مدن الحسكة والقامشلي وبلداتها التي يغلب عليها الأكراد، شهدت تظاهرات صاخبة على رغم صدور قرار التجنيس. في حين تحوّلت مدينتا درعا وحمص ما يشبه ساحات القتال، بعد سقوط أكثر من 32 قتيلاً وعشرات الجرحى ، بينهم 19 قتيلا في درعا وحدها، حيث أحرق المتظاهرون مقر شعبة "حزب البعث" في المدينة، كما حطموا تمثالاً حجريًا لباسل الأسد الشقيق الراحل للرئيس بشار الأسد، محوّلين إياه "كومة حجارة".
ليس بعيدًا عن الساحة السورية وارتدادات اهتزاز نظام الأسد على حلفائه في لبنان، كان الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" حسن نصر الله، يلقي خطابًا في التاسع من نيسان، في إطلالة تميّزت بالدفاع عن رئيس "حركة أمل" نبيه برّي، في محاولة لتلطيف الأجواء بين الحزب والحركة بعد الوثائق التي نشرتها صحيفة الأخبار، وذلك دون أن يتطرّق الى ما يجري في سوريا.
فقد طمأن "نصرالله" قيادة "حركة أمل" وجمهورها الى "أن التعاون الذي تم تكريسه خلال 20 عامًا على الأقل، وبالأخص منذ 2005 الى اليوم بين الحزبين الشيعيين، أعمق من أن ينال منه أحد". ورفض "نصرالله" تحميل رئيس مجلس النواب نبيه بري تبعة ما كشفته بعض وثائق "ويكيليكس" عن أحاديث نسبت الى وزراء ونواب مقرَّبين من "أمل" خلال عدوان تموز 2006 وبعده، مبرِّرًا أي كلام منسوب إلى الرئيس نبيه بري في الوثائق المنشورة، بدعوى أنه كان "يناور"، ومتحدثًا عن تفاهم وتوزيع الأدوار بين الحزب و"أمل" منذ الساعات الأولى للعدوان، ونافيًا أي تدخل لـحزبه في سياسة جريدة "الاخبار". ومن جهة اخرى، اعتبر أن هدف قوى 14 آذار هو "ضرب المقاومة ونزع سلاحها مقابل الحصول على السلطة".
وتناول نصرالله موقف الرئيس الحريري الأخير حيال إيران، واصفًا إياه بـ"الخطأ الكبير لأنه رئيس حكومة". وقال: "عندما نرى تطابقًا بين اتهام إيران في لبنان مع اتهام إسرائيل لها، لا يكون تخوينًا". وخاطب الحريري بالقول: "عندما تترك الحكومة قل ما تشاء"، ووصف ما قيل بأنه "تقديم أوراق اعتماد للخارج للحصول على مال"!
المهم في خطاب "نصر الله"، أنه أتى بنبرة هادئة غير مستقوية ومن موقع دفاعي، يدل على أن 14 انتقلت بعد صحوتها من ردة الفعل الى الفعل، كما يدل على انكفاء وفقدان الحجة، وكسر هيبة السلاح والترنُّح في الموقف من وثائق ويكيليكيس. فهو إذ برأ الرئيس بري ونوابه ووزراءه مما نُسب إليهم في الوثائق، كما برأ ما له علاقة بشخصيات محسوبة على العماد ميشال عون، أدان واتهم في المقابل قوى 14 آذار بمحاولة "ضرب المقاومة مقابل السلطة" استنادًا الى هذه الوثائق نفسها!! علمًا أنه سبق له في خطابه الأخير أن أشاد بوثائق ويكيليكس، ومَحَّضَها ثقته، وقرّر رفع دعاوى وتشكيل ملفات قضائية ضد 14 آذار استنادًا إليها.
في العاشر من نيسان، وبينما كان الرئيس السوري بشار الأسد يؤكد أن بلاده "ماضية في طريق الإصلاح الشامل ومنفتحة على الاستفادة من خبرات الدول الأوروبية وتجاربها"، كانت دبابات الجيش تفرض طوقًا أمنيًا حول مدينة بانياس في شمال غرب سوريا، حيث سقط خمسة قتلى و22 جريحاً بنيران قوات الأمن السورية في "مجزرة حقيقية"، ليرتفع إلى 170 قتيلاً على الأقل عدد ضحايا الاحتجاجات في سوريا التي دخلت أسبوعها الرابع، في رسالة صريحة وواضحة من النظام الى المحتجين "عقوبة من يجرؤ على طلب الحرية هي الموت".
أما في اليمن، فقد شهد هذا اليوم تصاعد الضغوط داخليًا وإقليميًا على الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للتنحي عن السلطة، إذ دعاه وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي الذين عقدوا اجتماعًا طارئًا في الرياض الى نقل السلطة الى نائبه، والسماح للمعارضة برئاسة حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات، بينما شرع مقرّبون من الرئيس اليمني في بذل جهود لاقناعه بتسليم السلطة. كذلك دعا مجلس التعاون الخليجي الى أن "يلتزم الأطراف كافة وقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تُعطى لهذا الغرض".
وفي تعليق لبعض الثوار اليمنيين على "المبادرة الخليجية"، رأوا أن التاريخ يعيد نفسه مرّتين، مرة بمأساة ومرة بمهزلة. وهذا ما يحدث في اليمن اليوم. فالمبادرة الخليجية لإيجاد حل في "اليمن غير السعيد" كان يمكن أن تكون "مشكورة" لو تركت للشعب اليمني المنتفض أن يقرّر مصيره بنفسه، وأن يختار ما يراه الأفضل لبناء مستقبله.
فالمبادرة من وجهة نظر هؤلاء، تريد ضمنًا أن تكرّر في اليمن ما حدث في هذا البلد قبل 40 سنة. ففي الستينات كان الشعب اليمني بين خيارين إثر سقوط حكم الإمامة: خيار الشباب الثائرين على الإمام الذي أغرقهم بالجاهلية، والطامحين الى جمهورية عصرية تستند الى الشعارات القومية والاشتراكية البرّاقة والسائدة في ذلك الزمان، وخيار المحافظين القبليين الذين وافقوا على مضض على إقامة جمهورية أرادوها امتدادًا للحكم الملكي. السعوديون في حينه رجّحوا كفّة الفئة الثانية الأقرب الى تقاليدهم ومصالحهم وأهوائهم السياسية. فكان اليمن الحالي المحافظ الذي بنى دولة ضعيفة هشّة وجعل مؤسساتها ملكيات شخصية للحاكم وعائلته. واليوم، يكرّر الخليجيون المحاولة السابقة وصولا الى النتيجة عينها، فخشية أن يجر الشباب الثائرون اليمن الى تغيير حقيقي وبناء ديموقراطية تؤرّق جيرانهم المحافظين وتوقظ شعوبهم من سباتها العميق، كانت هذه المبادرة التي "تُجمّل" رأس النظام في اليمن وتبقي جسمه كما هو دونما تبديل وبلا ترميم، فتتفادى وجع الرأس الناتج من "شطحات" الديموقراطية ومن "لعنة التغيير".
وبالعودة الى الشأن السوري، فقد فرّقت قوى الأمن الأسدية عشرات الطلاب الذين تجمعوا أمام كلية العلوم في جامعة دمشق في الحادي عشر من نيسان، للتضامن مع مَن قضوا في تظاهرات الاحتجاج التي تشهدها سوريا منذ 15 آذار الماضي، واعتقلت بعضهم. وكان الطلاب يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، و"الله، سوريا، وحرية وبس"، و"واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، و"بالروح بالدم، نفديك يا درعا"، وقد قابلهم تجمّع آخر هتف "بالروح بالدم نفديك يا بشار".
أما في طهران، التي كانت سخرّت جميع قدراتها الخطابية والتعبيرية والدعائية، لدعم الثورات العربية، واصفة إياها بأنها ضربة للمشروع الأميركي، وستكشف عن "شرق أوسط إسلامي" يستلهم "الثورة الخمينية" في تحركاته، فقد رأت في 12/4/2011 عبر وزارة خارجيتها، أن "التظاهرات المناهضة للحكومة في سوريا نتاج تدخل أجنبي أميركي-صهيوني، في إطار مؤامرة غربية لزعزعة حكومة تؤيّد "المقاومة" في الشرق الأوسط".
في غضون ذلك كان الإعلام السوري الموجّه استخباراتيًا، يصوّب مدافعه نحو "تيارالمستقبل"، عبر بث التلفزيون السوري ما وصفه بأنه اعترافات لأشخاص زعموا أنهم حصلوا على أموال وتجهيزات الكترونية وأسلحة من أحد الاشخاص المسؤولين في حركة "الاخوان المسلمين" الذي قيل إنه على صلة بالنائب في كتلة "المستقبل" جمال الجراح. الأمر الذي استدعى ردًا ونفيًا من الكتلة، وسط مطالبة السفير السوري في لبنان "علي عبد الكريم علي" السلطات اللبنانية بفتح تحقيق بشأن تلك المعلومات.
وقد شهد الثالث عشر من نيسان، كسر طلاب جامعة حلب الهدوء الذي ساد ثانية كبرى المدن السورية منذ بدء حركة الاحتجاجات في سوريا، حيث تجمّع بضع مئات منهم في حرم كلية الآداب وهتفوا "بالروح بالدم نفديك يا درعا"، وطالبوا بإطلاق الحريات، قبل أن يتصدى لهم رجال الأمن وأنصار حزب البعث الحاكم ويفرقوهم بالقوة ويعتقلوا عدداً منهم. وفي الوقت ذاته كان رهط من زملائهم يحذون حذوهم في حرم كلية الحقوق بجامعة دمشق.
"هدايا الخميس" التي تهدف الى مقايضة الحرية والكرامة بوعود وإصلاحات فارغة تتابعت للأسبوع الثالث على التوالي؛ فعشية تظاهرات "جمعة الإصرار" التي دعا إليها المعارضون، بث التلفزيون السوري الرسمي في 13/4/2011 أسماء أعضاء الحكومة الجديدة، التي كلف الرئيس بشار الأسد وزير الزراعة في الحكومة السابقة عادل سفر تأليفها في 3 نيسان. وضمت التشكيلة الجديدة من الحكومة السابقة وزيري الدفاع علي حبيب والخارجية وليد المعلم، بينما عين اللواء محمد ابرهيم الشعار وزيرا للداخلية. وأمر الأسد بالإفراج عن جميع المعتقلين الذين احتُجزوا في التظاهرات الأخيرة ما عدا من "ارتكبوا جرائم ضد الأمة والمواطنين". وجاءت الحكومة السورية الجديدة خالية من أي وجوه شبابية أو إصلاحية من خارج الجسم الرسمي، أو من وجوه "المعارضة الداخلية" التي أنشأها النظام نفسه بقيادة النائب الأسدي محمد حبش. وسارع الكثير من السوريين إلى وصفها بإنها "حكومة المفاجأة " التي لم تلب تشكيلتها الطموحات المنتظرة في الشارع المحتقن.
وفي واشنطن، برز خبر نقلته صحيفة "الوول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين، باتهامهم إيران بمساعدة نظام الرئيس الأسد في قمع التظاهرات المطالبة بالإصلاح من خلال تزويده معدات تستخدم في تفريق الاحتجاجات، ومراقبة الانترنت، والرسائل النصية عبر الهاتف الخليوي. في خطوة تعكس قلق إيران من فقدان حليف إقليمي وشريك عسكري في مشروعها للسيطرة على المنطقة.
بعدما اكتفت بالتصويب على"المستقبل" من خلال إعلامها، انخرطت سوريا رسميًا في 15 نيسان في تصعيد الحملة على "تيار المستقبل" على خلفية اتهامات مفبركة بالتورط في الأحداث الجارية على أراضيها، وردَّ الأخير بالعودة الى القضاء ومؤسسة مجلس النواب، باعتبارهما مرجعًا لبتّ قضية تتعلق بالنائب جمال الجراح عضو كتلة "المستقبل" التي تركزت الحملة السورية عليه.
ففي دمشق، اتهمت سوريا "تيار المستقبل" ورئيسه سعد الحريري بزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وذلك على خلفية الأحداث التي تشهدها سوريا من احتجاجات منذ 15 آذار الماضي. وبثت القناة الفضائية للتلفزيون السوري في نشرتها الإخبارية المسائية، أن تيار المستقبل وسعد الحريري، عملا على عدم الاستقرار في البلاد استنادًا الى وثائق ويكيليكس الأميركية الجديدة، وذلك عبر السفارة الأميركية في بيروت منذ عام 2006.
وقالت ان الحريري قام بزيارة السفارة الاميركية في بيروت وحاول عبر تواصله مع أطراف عرب آخرين إضافة الى "الإخوان المسلمين" ونائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، فك الارتباط السوري-الايراني الذي يشكّل عرقلة لعملية السلام في المنطقة. مضيفة أن "الحريري نصح الإدارة الاميركية بأنها في حاجة الى سياسة جديدة لعزل سوريا وفرض حصار عليها، لإخضاعها وعزلها عن ايران".
بدورها، كانت إيران في هذه الأثناء تصوّب أبواقها نحو المملكة العربية السعودية، فيما يعتبر استكمالاً لتداعيات دخول "درع الجزيرة" الأراضي البحرينية. ففيما أكّدت طهران أنها لن "تقف مكتوفة حيال تدخل درع الجزيرة في البحرين، لأن التوتر والقمع قد يؤديان الى زعزعة الاستقرار في المنطقة"، وجّهت انتقادات صريحة الى قمع الأسرة السنية الحاكمة في البحرين، من خلال رجل الدين المحافظ أحمد جنتي الذي حذّر في خطبة الجمعة، المملكة السعودية من استفزاز إيران. وقال: "كراهية السعودية تنتشر...الناس يكرهون بالفعل أولئك الوهابيين"، الأمر الذي استدعى ردًا عنيفًا من مفتي المملكة السعودية، الذي صرّح لصحيفة "عكاظ": "الواجب علينا أن نتقيهم ونحذر مكائدهم ولا نغتر بما يقولون، وادعائهم وإظهارهم الإسلام، فإن دعواهم الإسلام كله نفاق وخداع". مستنكرًا "التدخلات الإيرانية" في شؤون مجلس التعاون الخليجي، وواصفًا الإيرانيين بانهم "مجوس". ويُذكرأن الكويت، كانت طردت ثلاثة ديبلوماسيين إيرانيين لتورّطهم في شبكة للتجسس، فردت طهران بطرد ثلاثة ديبلوماسيين كويتيين.
وبالعودة الى سوريا، واستكمالاً لمحاولته وأد الاحتجاجات للبقاء في السلطة، تعهّد الرئيس السوري بشار الأسد رفع حال الطوارئ "الأسبوع المقبل" في كلمة متلفزة ومسجلة بثت في 16/4/2011، ، خلال ترؤسه أولى جلسات الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء عادل سفر، بعدما أدّت أمامه اليمين الدستورية. وشدَّد على أن أي إصلاحات يجب أن تقوم على أساس من الحفاظ على الاستقرار الداخلي. وفي مبادرة تهدئة إثر تنامي النقمة لسقوط الكثير من القتلى خلال التظاهرات في سوريا حاول الأسد الظهرور بمظهر الحمل الوديع قائلاً: "الدماء التي أهدرت في سوريا آلمتنا جميعًا، آلمت قلب كل سوري، حزنّا على كل شخص فقدناه وعلى كل جريح نزف دمًا". لكنه أغفل المطالبات الشعبية بكبح الأجهزة الأمنية وإطلاق السجناء السياسيين، في حين دعت المعارضة الى تظاهرات جديدة.
وبالفعل، تجددت تظاهرات الاحتجاج في سوريا، غداة مقتل 11 متظاهرًا برصاص قوى الأمن السورية في منطقة حمص. وتحوّل تشييع الضحايا مسيرات غضب شارك فيها آلاف، وأطلق المشاركون فيها هتافات تمجد الشهيد، وتطالب بالحرية وبإسقاط النظام، منها: "زنكة زنكة... دار دار... حنطيح بك يا بشار". ودعا معارضون في موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي الى تظاهرات جديدة الجمعة المقبل تحت عنوان "الجمعة العظيمة" لتأكيد التضامن والوحدة بين المسلمين والمسيحيين في سوريا. وكان لافتًا في التظاهرات، الشتائم والسباب ضد "الخائن"و"الكاذب" و"الفاسد"، البصق على صور الأب والابن، وإلقاء الأحذية عليها، وهي أمور لم يحلم الشعب ولا غيره أن تحدث في سوريا حتى قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، وهي تذكر بلا شك بما حصل في "ثورة الياسمين" في تونس، ولدى مبارك في الميدان.
وفيما يعود الى مرحلة الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن واللوبي الصهيوني، حول رغبة الأول الإطاحة بالنظام السوري، قبل أن تتحوّل الى الاكتفاء بمطالبته تغيير سلوكه بعد معارضة الإسرائيليين أي محاولة للمَسّ بالنظام،
نشرت صحيفة " الواشنطن بوست" الأميركية في 18 نيسان، أن وزارة الخارجية الأميركية موّلت سرًا منذ عام 2006 جماعات معارضة سورية، في إطار حملة طويلة الأجل لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. وهو ما كشفته برقيات ديبلوماسية سرّبها موقع " ويكيليكس" الالكتروني. وأضافت أن الدعم المادي استمر مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على رغم سعي هذه الإدارة إلى اعادة بناء العلاقات مع الأسد.
في غضون ازدياد الموجة الخماسينية الشعبية التي تلفح الرئيس السوري برياحها الحارة والجافة، يبدو أن أزلام سوريا في لبنان وسفرائها وصبية مخابراتها، بدأوا يشعرون بالحرّ أيضًا؛ فقد نُظِّم مهرجان "الأحزاب والقوى الوطنية والفصائل الفلسطينية" الذي أقيم في فندق "الكومودور" برعاية مباشرة للسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، تحت عنوان "لقاء تضامني مع سوريا". وقد رسم المهرجان خطًا بيانيًا قاتمًا لمنحى التصعيد الذي تظلّل بشعار دعم النظام السوري، لينطلق منه تجمع حلفاء سوريا في لبنان الى تصعيد حملته على أطراف في قوى 14 آذار، بذريعة اتهامهم بالتورّط في الاضطرابات داخل سوريا.
ومع أن المهرجان لم يفاجئ الأوساط المراقبة من حيث ارتباط القوى الحزبية والسياسية المشاركة فيه بالنظام السوري، فإن الاوساط المعنية بالهجمات التي شنّها خطباء المهرجان وقرنوها ببرقية الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لاحظوا أن هذه الخطوة بدت بمثابة الغطاء الداخلي اللبناني للاتهامات السورية التي وجهت الى "تيار المستقبل" وجهات لبنانية بالتورّط في الاضطرابات السورية من دون أي أدلّة قانونية مثبتة، وبعيدًا من الأصول والمواثيق والمعاهدات التي ترعى العلاقات بين البلدين.
وبدوره، أعلن قصر بعبدا أن الرئيس ميشال سليمان أجرى اتصالاً هاتفيًا بنظيره السوري بشار الاسد، و"تشاور معه في التطورات الراهنة والعلاقات الثنائية وفي الإصلاحات التي أعلنها الرئيس الأسد، مؤكِّدًا وقوف لبنان الى جانب استقرار سوريا وأمنها وتطورها وازدهارها".
وعلى صعيد الأزمةاللبنانية-البحرينية، تكلّلت مساعي الرئيس الحريري لإخراج اللبنانيين العاملين في الخليج من الكارثة التي تسبب بها الحزب الإيراني، مع إعلان السلطات البحرينية في 19 نيسان وقف كل الاجراءات المتخذة بحق للبنانيين بعدما كانت أبلغت 20 منهم بوجوب مغادرة البلاد، وأعادت جوازات السفر إليهم.
في العشرين من نيسان، عادت حادثة خطف الأستونيين السبعة بقوّة الى الواجهة، مع ظهورهم في شريط ويناشدون زعماء مختارين بدقة وعناية لافتة مساعدتهم، فيما يؤكّد عملية الخطف بالأحداث السورية.
ففي ما شكّل مزيدًا من الإحراج للدولة بكل أجهزتها، أورد موقع "يوتيوب" الالكتروني" شريط فيديو يظهر فيه الأستونيون السبعة المخطوفون وهم يطلبون من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ومن العاهلين السعودي والأردني، والرئيس الفرنسي، مساعدتهم على العودة الى بلدهم وعائلاتهم".
على صعيد "هدايا الخميس"، تميّز الخميس 21 نيسان بإنهاء الرئيس السوري بشار الأسد حال الطوارئ المفروضة في البلاد منذ نحو 50 سنة ، كما ألغى محكمة أمن الدولة العليا، ونظّم حق التظاهر السلمي، في محاولة لتهدئة غضب المحتجين على حكمه العائلي الشمولي.
وجاء رد المعارضة سريعًا، إذ أعلنت على موقع "فايسبوك"، أن المحتجين السوريين عازمون على مواصلة التظاهر السلمي، والسعي الى الحرية، مؤكِّدين أن رفع حال الطوارئ المعلنة منذ استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963 في انقلاب عسكري، تبقى مسألة رمزية مع وجود قوانين أخرى لا تزال تمنح أجهزة الأمن القوية سلطات واسعة، وواصفين إلغاء قانون الطوارىء بأنه عديم الجدوى، ما لم يكن هناك قضاء مستقل وقيود على سلطات الأجهزة الأمنية.
وبالتوازي مع إعلان "الأسد" عن إنهاء حال الطوارئ، كانت شاحنات تحمل جنودًا وعربات مزوّدة آلية، تسلك الطريق السريع بين دمشق وحمص، ثالثة كبرى المدن السورية والتي بدأت تتحوّل واحدًا من المراكز الجديدة للاحتجاجات في سوريا.
بيد أن يوم "الجمعة العظيمة"، كشف زيف رشاوي وادعاءات "الأسد" التي أطلقها الخميس، حيث اشتدت عمليات إرهاب النظام ضد المتظاهرين لتصبح أكثر وأشد عنفًا وإجرامًا مما كانت عليه زمن قانون لطوارئ المزعوم إلغاؤه.
ففي ذلك اليوم، حصدت آلة القتل الأسدية 112 قتيلاً في أعنف تصدٍّ للاحتجاجات في سوريا حتى الآن، وسقط أكثر الضحايا بالرصاص في ريف دمشق وأزرع وحمص، مع تلبية عشرات الآلاف من السوريين في أنحاء شتى من سوريا الدعوة الى التظاهر، مطلقين هتافات تطالب بإسقاط النظام، مما يشير الى تصاعد مستمر في سقف المطالب التي تركزت في البداية على الإصلاحات وقدر أكبر من الحريات.
وفي أول بيان مشترك منذ تفجر الاحتجاجات قبل خمسة أسابيع، طالب الناشطون الذين ينسقون الاحتجاجات بوقف احتكار حزب البعث للسلطة، وإرساء نظام سياسي ديموقراطي.
الإعلام السوري لم يوقف حملة الأكاذيب التي يحاول من خلالها التأثير على الرأي العام السوري والدولي. ولعل أغرب "كذبة"، كانت خبر اعتقال النائب اللبناني "عقاب صقر" في مدينة بانياس السورية، بعدما ضبط في منزل يضمّه الى ضباط سعوديين وأردنيين وإسرائيليين يخططون لإحداث فتنة في سوريا، وأن الشرطة تنادي عليهم بالأسماء!! وقد بُثَّ هذا النبأ الكاذب كخبر عاجل في الثالث والعشرين من نيسان، اشترك في بثه التلفزيون السوري وقناة "الدنيا" التابعة لرجل الفساد الأول في سوريا رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري.
ولم يمض وقت طويل حتى أكّد صقر في تصريحات له أن "الخبر أظهَرَ وأثبَتَ كذب هذا الإعلام". وقال "إذا أردتُ أن أزور بانياس فلكي أتبرّع بالدم للشعب السوري، لا من أجل أن أفتعل فتنة". ووضع الخبر الذي بثه التلفزيون السوري برسم الرئيس بشار الأسد، متوجّهًا إليه بالقول: "إن المندسّين في إعلامك وفي أجهزتك يجب التخلّص منهم". وكشف أنه ساعة ظهور الخبر، كان في الرياض حيث شارك في مهرجان الجنادرية الثقافي.
وإمعانًا منه في سياسة الكذب والنفاق وقلب الحقائق، اقتحم الجيش السوري في 25 نيسان أحياء درعا بالدبابات، لقمع حركة الاحتجاج فيها، مما أدى الى مقتل 25 شخصًا على الأقل وجرح العشرات، وسط ادعاء دمشق أن ألجيش نفّذ عمليته "استجابة لاستغاثات المواطنين والأهالي في درعا، ومناشدتهم القوات المسلحة ضرورة التدخل، ووضعِ حدّ لعمليات القتل والتخريب والترويع التي تمارسها المجموعات الإرهابية المتطرفة"!
وسقط 13 قتيلا أيضاً في مدينة جبلة القريبة من اللاذقية بعد اقتحام مماثل لقوى الأمن، فارتفع الى نحو 160 عدد الذين قتلوا في سوريا في غضون أربعة أيام.
ولوّحت واشنطن في ذلك اليوم بفرض عقوبات على مسؤولين عسكريين وأمنيين سوريين، وضغطت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال لإصدار ردّ فعل "قوي وحازم" من مجلس الأمن على حملة القمع التي تشنّها السلطات السورية، بينما سعى ديبلوماسيون غربيون الى إقناع روسيا والصين بتأييد موقف كهذا، مع تريّث من لبنان.
توازيًا مع التحرّك الخجول للولايات المتحدة، الذي يقابله سعي قوي من الدول الأوربية لفرض عقوبات على نظام الأسد، واستصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يضع حدًا لسفك الدماء في سوريا، كانت إسرائيل تعمِّم على سياسييها التزام الصمت حيال الوضع السوري، تاركة لصحافتها مهمة إبداء تمسّكها بـ"الأسد".
ففي 26نيسان 2011، بثت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، أوصى أعضاء حكومته بأن يلزموا الصمت حيال التطورات في سوريا". وتابعت الإذاعة "علمًا أن الغموض هو سيّد الموقف هناك، ولكن بعيدًا عن الخط الرسمي، ثمة أصوات داخل النظام السياسي الإسرائيلي تُعبِّر عن قلق من عدم الاستقرار في الدولة المجاورة". وقالت: "تتمحور المخاوف الإسرائيلية على إمكان لجوء الرئيس السوري بشار الأسد الى تصدير الصراع في بلاده الى إسرائيل، أي مواجهة إسرائيل نتيجة لحال يأس في إخماد نيران الثورة. وقد تكون المواجهة من طريق شن هجمات من غزة أو من لبنان، وبدعم إيراني". ونقلت عن مصادر إسرائيلية أنه "إذا ما اتخذ الأسد خطوة كهذه فإنها ستكون بمثابة الانتحار له. ولكن في أية حال بات واضحًا أن النظام السوري ضعفت قوّته بصورة ملحوظة. إلا أن أحدًا ليس مستعدًا للرهان على إمكان سقوطه، وإن سقط كيف ومَن سيتولى الحكم بدلا منه؟".
وفي سياق مخاوف الكيان الغاصب من زعزعة استقرار النظام السوري أو إسقاطه، كانت صحيفة "معاريف" الصهيونية نشرت في 25/4/2011، مقالاً بعنوان: "هل سقوط الأسد أمر جيد أو سيّئ بالنسبة لنا؟"، وجاء في خلاصته: "على رغم أن الأزمة التي يعانيها النظام السوري قد تخدم كلاً من واشنطن والقدس، لكن سقوط هذا النظام قد يلحق الضرر بهما. فالسيطرة الصارمة لحزب البعث على سوريا جعلت هذا النظام أكثر الأنظمة استقرارًا في الشرق الأوسط، والحدود بين سوريا وإسرائيل هي الأكثر هدوءًا، ويبقى الأسد شريكًا صعبًا للسلام، فمن يدري من سيأتي من بعده؟".
غير أن بعض المحلّلين الإسرائيليين، طرحوا سيناريوات متناقضة مع قلق سياسيي الكيان الصهيوني؛ فقد توقع الخبير الإسرائيلي في الشؤون السورية واللبنانية، وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، "أيال زيسر" "أن يصعد نظام سنّي إلى الحكم ويبتعد عن إيران وحزب الله، قائلاً "إذا تحقّق هذا السيناريو، فستتلقّى إيران ضربة شديدة للغاية، وهذا جيد لإسرائيل". وأضاف أن "أي نظام سوري آخر لن يكون صديقاً لإيران وحزب الله، وإذا تولى الحكم نظام سنّي فإن هذا يعني أن وجه المنطقة سيتغيّر، وأي نظام سوري جديد سيكون مضطرًا إلى تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة والغرب".
يبدو أن حال عدم الاستقرار التي يعيشها النظام السوري منذ الخامس عشر من آذار، أثّرت على مدى إمساكه بـ"حركة حماس" التي يقدّم لها المسكن والمأوى، مقابل استعمال ورقتها متى دعت الحاجة بالتنسيق مع إسرائيل وإيران بالتأكيد التي تقدّم بدورها المال والسلاح للحركة الفلسطينية.
لقد نجحت "حماس" في الإفلات من القبضة السورية، وكذلك من تشدد نظام "مبارك" حيالها الذي انتهى بسقوطه؛ ففي مصر، وبعد "ثورة 25 يناير" وفي رعايتها، وتحت تأثير ثورات العرب الأخرى، واستعدادًا لاستحقاق أيلول المقبل المتمثل في اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية على حدود 1967، اتفقت في 27نيسان 2011 حركتا "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس" على إجراء مصالحة شاملة، ودعوة الفصائل الفلسطينية الى توقيع الاتفاق في غضون أسبوع، في حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل.
وأعلنت الحركتان أنهما "تزفان الى شعبهما طي صفحة الانقسام، واتفاقهما على تأليف حكومة كفايات من المستقلين بالتوافق، وإجراء انتخابات عامة بعد سنة من توقيع الاتفاق وتفعيل عمل المجلس التشريعي".
أما اسرائيل التي يبدو أنها فوجئت بالخبر، فانتقدت الاتفاق، وطالب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو السلطة الفلسطينية بالاختيار بين السلام و"حماس". وردت الرئاسة الفلسطينية في بيان رسمي على "نتنياهو" مخيّرة إياه بين السلام والاستيطان.
في هذه الأثناء، كانت ردود الفعل على تلكّؤ الرئيس الأميركي في مطالبة الأسد بالتنحي تتفاعل في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، حض ثلاثة أعضاء متشدّدين في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس "باراك أوباما" في 28/4/2011 على مطالبة الأسد بالتنحي عن منصبه، كما طالب الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي" من قبل. ورأوا في بيان مشترك أن "القمع العنيف لتظاهرات الاحتجاج في سوريا والذي يشرف عليه الأسد قد وصل الى نقطة حاسمة (...)، ونحن نحض الرئيس أوباما على أن يقول بشكل لا لبس فيه -كما فعل في حال القذافي و(الرئيس المصري) مبارك- إن الوقت قد حان للأسد كي يرحل".
لبنانيًا، تراجع عدد العائلات السورية النازحة من بلدة تلكلخ والقرى المجاورة لها الى اتجاه منطقة وادي خالد على الضفة الللبنانية من النهر الكبير عبر معبر الجسر الغربي "غير الشرعي" في منطقة البقيعة، والذي شهد أخيراً حركة نزوح لمئات العائلات السورية. وسبب التراجع ليس تحسّن الأوضاع الأمنية في القرى السورية المتاخمة للحدود، بل انتشار عناصر خفر الحدود السورية "الهجانة" الذين راحوا يطلقون النار على أي نازح حاول اللجوء الى الأراضي اللبنانية لينجو بنفسه وأهله من إرهاب شبيحة الأسد الذين أخذوا يقتحمون البيوت ويحرقونها بعد نهبها واغتصاب نسائها أمام أعين آبائهن وأزواجهن!! وقدِّر مجمل عدد الأسر النازحة التي سجلت أسماءها عند القوة الأمنية المشتركة للضبط والمراقبة حتى نهاية نيسان بنحو 325 أسرة، أي حوالى 1500مواطن سوري غالبيتهم من النساء والأطفال.
وقد انتهى شهر نيسان مع تصعيد إيراني جديد ضد دول الخليج العربي، حيث ندّد رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال حسن فيروز آبادي في 30/4/2011 بـ"جبهة الديكتاتوريات العربية في الخليج، المعادية لإيران"، مؤكّدًا أن هذه المنطقة "كانت دائما ملك إيران". مضيفًا، "بدلاً من فتح جبهة لا يمكن الدفاع عنها مع إيران، على هذه الديكتاتوريات أن تتخلى عن الحكم وأن تضع حدًا لجرائمها الوحشية، وترك شعوبها تقرر مستقبلها بحرية". وشدّد على أن "الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائمًا لإيران".
  
أيار 2011..نهاية معزوفة الممانعة والمقاومة

في بداية شهر أيار 2011، يمكن ملاحظة أمرين على الصعيدين، اللبناني والسوري.
فعلى الصعيد الأول، فضلاً عن عدم تشكيل الحكومة الى الآن، استرعى الانتباه التزام قوى 8 آذار الصمت حيال ما أسموه بـ"ملف شهود الزور"، بعدما كان الرفيق الدائم والحاضر الثابت في مواقف المعارضة السابقة، لا ينقضي نهار من دون ذكره ولا تمرّ مناسبة من دون التوقف عنده، ولا تنعقد جلسة لمجلس الوزراء إذا لم يدرج بندًا وحيدًا على جدول أعمالها، ولا تسير أمور البلاد والعباد إذا لم يُبَتّ هذا الملف ويُحوَّل الى المجلس العدلي...، وصولاً الى معادلة بسيطة: "ملفّ شهود الزور يساوي كلّ لبنان، إمّا أن يُحلّ وإمّا أن تخرب في لبنان، إمّا أن تجري المحاكمات لـ"مفبركي" الشهود، وإمّا الويل واللعنة على هؤلاء ... ملفّ شهود الزور أم الحكومة...". كانت النتيجة إسقاط الحكومة، وراحت البلاد وراحت الأيام ولا من شهود ولا من يشهد إلا على الغياب والتغيير في العناوين وفق المراحل والظروف والأهواء...في وصولية بشعة ونفاق سياسي مقزّز يتأكّد يومًا بعد يوم لدى فريق 8 آذار.
الآن نسي فريق الثامن من آذار ملف المزعوم، لأنه يعلم أنه ملف فارغ، وقد نال من التذرّع به ما أراد، أسقط الحكومة، ولم تأت بعد كلمة السر من دمشق لتشكيل أخرى.
أما على الصعيد السوري، فالنظام يدخل يومًا بعد يوم، وجمعة بعد جمعة مرحلة "اللاعودة". الثوار يقسمون على السير حتى النهاية. ليس للمتظاهرين السوريين الكثير مما يخسرونه، وهم واثقون بأن الأسد بات منذ الآن مع قدم واحدة خارج القصر. ولكن خلافًا لحالتي مبارك وبن علي، فإن كبار الضباط في الجيش السوري لا يزالون مع الأسد. وأبناء طائفة الأقلية العلوية وحدهم يقبلون بإمرة الرئيس. فهم يأكلون من يد الحكم، ويعرفون بأنه إذا ما ذهب فستضيع معه مكاسبهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، ليس لأن المعارضة تريد الانتقام منهم، بل لأن نظامًا ديموقراطيًا ينبذ التمييز العنصري والطائفي سيقوم في سوريا الجديدة.
المعركة بين الشوارع وبين "قصر الشعب" لم تحسم بعد. وإذا ما عَلقَ في أزمة حُكْمٍ حقيقية، فإن للأسد حلفاء قد يتجندون: إسرائيل التي تعتبر بقاء نظامه جزءًا استراتيجيًَا من أمنها القومي، وروسيا التي تعتبر سوريا بقيادة النظام الأسدي آخر موطئ قدم لها في المنطقة في صراعها الدائم على النفوذ مع الولايات المتحدة؛ وإيران معنيّة بالذات به، والأسد معها مطيع وخانع؛ ولتركيا توجد مصلحة في حدود هادئة مع سورية بسبب المشكلة الكردية؛ و"حزب ولاية الفقيه" هو الآخر يفضل أن يبقى الأسد، لضمان استمرار تدفّق سيل الأموال والأسلحة، والمرشدين، وكل ما يخرج من طهران.
الحراك الشعبي في مدن ذات ثقل اقتصادي كحلب ودمشق، شبه معدوم باستثناء أحياء معيّنة محصورة، ولا شك أن سببه الأول فضلاً عن إرسال باصات الشبيحة الى محيط المساجد أيام الجمعة منعًا لأي تظاهرات قد تنطلق بعد الصلاة، إنما يعود الى التعاليم الصارمة المعطاة لكتائب الأسد في أكبر مدينتن سوريّتين، بإطلاق النار الفوري على أي حركة تمرّد، لأن النظام يعلم أن ثوران هاتين المدينتين فقط، أو حتى العاصمة وحدها دون بقية المدن، كفيل وححده بإسقاط النظام.
لكن مع ذلك ثمّة أسباب مساعدة للقهر الأمني في النأي بهاتين المدينتيتن عن التحرّك، ولعل مردّه في حلب إلى الدور الكبير الذي تلعبه البورجوازية السورية الحليفة للنظام، والتي تمارس ضغوطًا كبيرة على الفئات الشعبية العاملة لجهة منعها من النزول إلى الشارع، حيث يبدو حتى الآن أن المال واستمرار التجارات أهم من الحرية والكرامة ونصرة المدن التي تشهد المجازر وسفك الدماء.
أما في دمشق، فرغم وجود طبقة التجار نفسها المتحالفة مع النظام، ثمة عامل أكبر وأهم يعمل على ثني الناس عن الالتحاق في ركب ثورة الحرية والكرامة، ومحاولة تثبيط هممهم وحماستهم أمام المشاهد المروعة التي تسجّلها آلة القتل الأسدية كل يوم، ألا وهو عامل رجال الدين الموالين للإرهاب والإجرام، وهم فئة عمل النظام منذ مؤسِّسه الأول حافظ الأسد على استمالتها إليه، والمؤسف حقًا بقاء هذه الفئة وعلى رأسها مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، والشيخ البوطي، في حال دفاع شرس عن النظام وتطاول بذيء على الثوار، خصوصًا بعد الاعتداءات المتكررة على أماكن العبادة، وكان آخرها اجتياح قوات أمن النظام لجامع الرفاعي في دمشق، والاعتداء على شيخه أسامة الرفاعي ذي النفوذ الواسع في دمشق!
وبالدخول في صميم حوادث هذا شهر أيار، فقد افتتح على وقع أزمة إيرانية كشفت أو أكّدت وجود صراع خفي وحامٍ بين الولي الفقيه علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فقد انتقد في الأول من أيار الرئيسُ الإيراني السباق محمد خاتمي الرئيسَ الحالي محمود أحمدي نجاد وتيّارَه الذي وصفه (خاتمي) بـ"التيار المنحرف عن الإسلام الذي يفرض منهجه على الجمهورية الإسلامية، وسيقف يومًا بوجه قائد الثورة علي خامنئي وسيقتله"، في إشارة الى تيار المتشدّدين. فيما ترأّس أحمدي نجاد اجتماعًا لرئاسة الوزراء، حسبما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (ارنا)، مؤكِّدة بذلك معلومات تحدّثت عن قرار لأحمدي نجاد باستئناف مهمّاته الرسمية بعد عشرة أيام من الأزمة.
وكان مجلس الشورى الإيراني طلب في آخر نيسان من أحمدي نجاد قبول قرار المرشد الأعلى للجمهورية الرافض إقالة نجاد وزير الاستخبارات "حيدر مصلحي"، واستئناف مهماته بعد توقف استمر ثمانية أيام، وأدّى الى أزمة جديدة داخل القيادة الايرانية.
فمع تكاثر الخلافات، يتأكّد أن بين الرجلَين الكثير من النار تحت الرماد، ما ينذر بالمزيد من الكر والفر، الى أن تحين الانتخابات النيابية في 2 آذار 2012، ثم الانتخابات الرئاسية في 2013. وإن تكن هذه ليست المرة الأولى التي يجد الرئيس فبها نفسه في مواجهة المرشد، إذ رضخ قبلاً عام 2009، وتخلّى عن "اسفنديار رحيم مشائي" صديق إسرائيل(بحسب تصريحه في تلك الأيام) نائبًا له، ليجعله بعد أيام مديرًا لمكتبه. ومما لا شك فيه أن الانقسام والصراع الدائر داخل النظام الإيراني، موجود نفسه لكن بشكل مصغّر في كواليس "حزب ولاية الفقيه" في لبنان.
في مطلع هذا الشهر، لم تتوقّف إسرائيل عن إبداء دعمها للرئيس السوري عبر وسائل إعلامها. وفي الأول من أيار، كان بالإمكان ملاحظة وقع الدهشة التي اعترت مقدِّم الفترة الإخباريَّة الصباحيَّة في الإذاعة الإسرائيليَّة باللغة العبريّة، عندما أبدى الجنرال المتقاعد "إيفي إيتام"، رئيس حزب "الوطني الديني" سابقًا، ووزير الإسكان الأسبق، قلقه من إمكانيّة سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، فإيتام ليس فقط أحد أكثر الشخصيات تطرفًًا في اليمين الإسرائيلي، بل إنه شخصيًّا يقطن في مستوطنة "كاتسرين"، الواقعة على هضبة الجولان السوريَّة، التي احتلَّتها إسرائيل عام 1967.
كان "إيتام" قاطعًا وحاسمًا في حكمه عندما علَّق على الاضطرابات التي تجتاح سوريا حاليًا، قائلاً: "النظام السوري الحالي هو أفضل صيغة حكم بالنسبة لإسرائيل"، معتبرًا أنه على الرغم من المواقف العدائيَّة تجاه إسرائيل التي يحافظ عليها النظام السوري، إلا أنه يبقى أفضل من كل الخيارات الأخرى التي يمكن أن تحلَّ مكانه في حال سقط، وقد فاجأ "إيتام" المستمعين عندما قال: إنه لا يؤمن بأن النظام الحالي في سوريا "جاد" في مطالبته باسترداد الجولان، وحاول إيتام تقديم تفسير سياسي لحكمه هذا قائلاً: "مشكلة النظام القائم في سوريا أن شرعيّته تستند إلى تأييد الأقليّة الدينيّة العلويّة، وبالتالي فإنه معني دائمًا بوجود حالة صراع ظاهريّة مع إسرائيل تبرِّر بقاءه وديمومته، وبالتالي فإن هذا النظام غير معني باسترداد الجولان في أي تسوية سياسيّة؛ لأنه يعتقد أن التوصّل لتسوية سياسيّة يعني فتح الحوار من جديد حول شرعيّة نظام الحكم وإثارة التساؤلات على مستقبل سيطرة الأقليّة العلويّة على الأكثريّة السنيّة"، على حد تعبيره.
من جهته، رأى وزير التعليم "جدعون ساعر" أن بقاء النظام الحالي في سوريا يمثِّل مصلحة إسرائيليّة، وتابع: إن "التجربة العمليّة قد دلَّت على أن النظام السوري هو الأكثر التزامًا باتفاقات وقف إطلاق النار والهدنة، لقد التزم السوريون ووفَّوْا بتعهداتهم بشأن تأمين الحدود المشتركة، لم يكن من الفراغ أن يسمح الهدوء بتعاظم البناء في المستوطنات اليهوديَّة على هضبة الجولان، والذي أدى إلى تضاعف عدد المستوطنين فيها عدّة مرات خلال أكثر من ثلاثة عقود".
ومن ناحيته فضّل المعلِّق الإسرائيلي "أمنون أبراموفيتش" تعداد مناقب وميزات الناظم السوري قائلاً: "إن أكثر الأطراف العربيّة التي نجح في مواجهتها الردع الإسرائيلي هي سوريا، بلا شك، فقد قمنا بقصف المنشأة النووية شمال شرق سوريا في ديسمبر 2006، وتمَّ اغتيال عماد مغنية، قائد الذراع المسلَّح لحزب الله في قلب دمشق، إلى جانب قيامنا باستهداف مواقع للفصائل الفلسطينيّة داخل سوريا، دون أن يتجرّأ نظام الأسد الأب والابن على الرد". ويحذِّر "أبرامفويتش" أنه لا يمكن بالمطلق ضمان أن يسلك نظام آخر غير النظام الحالي هذا السلوك.
أميركيًا، فضّل الرئيس الأميركي باراك أوباما افتتاح حملته الانتخابية لنيل ولاية ثانية تضمن له الاستمرار في منصبه أربعة أعوام جديدة مع انتصاف مدة ولايته الأولى؛ فقد أعلن في الثاني من أيار 2011، وبعد عشر سنين من المطاردة، القضاء على زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، العدو "المصطنع" والمصنف رقم 1 لأميركا، في عملية كوماندوس أميركية استغرقت 40 دقيقة، تخلّلها نزول جنود أميركيين بالحبال من طائرتي هيليكوبتر، استهدفت منزل كان يختبئ فيه زعيم القاعدة في باكستان، حيث تمّ القضاء عليه. وقد أشرف على العملية أوباما شخصيًا من البيت الأبيض بحسب قول الأخير.
وبعد 12 ساعة من إعلانه مقتل بن لادن، قال أوباما: "اعتقد أننا جميعا متفقون على القول أنه يوم عظيم لأميركا". وأضاف أن "العالم بات أكثر أمانًا، إنه مكان أفضل بعد مقتل أسامة بن لادن... اليوم، علينا أن نتذكر كأمّة أن لا شيء لا يمكننا القيام به حين نعمل معًا".
سوريًا، وكما في كل مرة يواجه فيها الرئيس السوري بشار الأسد أوقاتًا حالكة تهدِّد استمرار حكمه، يعمل أركان نظامه على إقامة اتصال بالمسؤولين الإسرائيليين، مقدِّمِين لهم الوعود بإبرام اتفاقية سلام (علنيّة) بين الدولتين، وموجّهين إليهم الدعوات لزيارة دمشق.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية في 2/5/2011، أن السفير السوري في الولايات المتحدة عماد مصطفى وزميله المبعوث السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وجّها دعوة الى الحاخام الاسرائيلي "يوشياعو بنتو" لزيارة دمشق، ولإقامة الصلاة على ضريح أجداده في مقبرتهم في العاصمة السورية. وهو ما دفع الصحيفة الإسرائيلية الى التساؤل حول توقيت دعوة الأسد الحاخام الإسرائيلي لزيارة دمشق، في وقت يطلق فيه نظام الاسد "النار على مواطنيه في محاولة للبقاء في الحكم".
لبنانيًّا، كانت الأمانة العامة لقوى 14 آذار تعلن تضامنها مع الشعوب العربية "المنتفضة سلمًا من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية"، وقالت إنها "تتابع المخاضات العسيرة والدامية التي يُفرَض على عدد من الإنتفاضات اجتيازها"، وأكّدت أن "إرادة الشعوب لن تُكسَر". في تعبير يشمل الثورة السورية ضمنًا دون أن يخصها بالتسمية.
"الربيع العربي" الذي حرك الشعوب العربية للمطالبة بالكرامة والديموقراطية والحرية، لم يستثنِ الفلسطينيين، ولا سيّما منهم "حركة حماس" التي يشعر قادتها السنّة المقرّبون من الإخوان المسلمين، بل الذين يشكّلون فرعهم في فلسطين، بأنهم أقرب الى المعارضة السورية منهم الى النظام الأسدي العلوي.
ففي الرابع من أيار حقّق الفلسطينيون تقدّمًا استراتيجيًا في مسار قضيتهم المحقّة، إذ سقط الانقسام الفلسطيني مع توقيع الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" خالد مشعل، اتفاق المصالحة في مقر المخابرات المصرية بالقاهرة، قُبَيل الاحتفال رسميًا بإعلان هذه المصالحة الذي تمّ في حضور وزير الخارجية المصري نبيل العربي، ومدير المخابرات المصرية اللواء مراد موافي، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وديبلوماسيين عرب وإسلاميين. ورأى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "الاتفاق وجه ضربة قاصمة الى السلام".
لا شك أن زعزعة النظام السوري ونجاح حركة "حماس" جزئيًا في التحرّر من قبضته، من العوامل الأساسية لتحقيق المصالحة، لكن أيضًا ثمة عوامل أخرى لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمها، قرار "مصر الجديدة" التحرّك بشكل فاعل وحاسم لإنجاز المصالحة الفلسطينية كمؤشر لتصميمها على الإضطلاع بدور نشيط في المنطقة. وساهمت قطر وتركيا وجماعة "الإخوان المسلمين" المصرية في تشجيع "حماس" على إنجاز المصالحة بالشروط التي كانت ترفضها سابقًا.
وبذلك يكون النظام السوري، في عز المواجهة مع المحتجين، ورقته الفلسطينية التي أمسك بها بالتعاون مع النظام الإيراني، من خلال إسقاط اتفاق مكّة للمصالحة الفلسطينية الذي أنجزه ورعاه الملك عبدالله بن عبد العزيز في شباط 2007، ثم من خلال تشجيع "حماس" على تنفيد الإنقلاب والسيطرة على قطاع غزة ومساندة دولة "حماس" بمختلف الوسائل، بما يضمن تغذية الانقسام وتعميقه واستمراره. وكان واضحًا أنه كلما تعزّز الانقسام والفرقة بين القطاع والضفة، ساعد ذلك إسرائيل في توظيف هذا الانقسام في خدمة هدفَين أساسيَين: إضعاف السلطة الفلسطينية، وعزل "حماس" داخليًا ودوليًا، ومواصلة حربها عليها وحصارها لقطاع غزة.
ولعل أهم نتيجة مباشرة للمصالحة الفلسطينية في حال نفّذ المصريون قرار فتح "معبر رفح"، هو انهيار سياسة الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وفك العزلة السياسية عن "حماس" على الصعيدَين العربي والدولي.
كل هذا يشير الى أن مشكلة إسرائيل مع المصالحة الفلسطينية هي مشكلة سياسية وليست أمنية. إذ ستجد إسرائيل نفسها في أيلول أمام جبهة سياسية فلسطينية موحّدة تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود 1967، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، وتدعوه الى تصحيح الغبن الذي لحق بهم منذ أكثر منذ 63 عامًا.
وفيما كان الشعب الفلسطيني مرتاحًا لتقدّم مسار قضيته، كان الشعب السوري يجد نفسه وحيدًا في ميدان الحرية والتحرر، فالأكاذيب التي يطلقها النظام تحيط به من كل جانب، والاتحاد الأوربي لم يجرؤ رغم لهجته الحادة والمتفوّقة بمراحل كبيرة على النبرة الأميركية الخجولة في التنديد بالأعمال البربرية للنظام السوري ضد شعبه، لم يجرؤ على فرض عقوبات على الرئيس السوري مكتفيًا بسلسلة إجراءات اتخذها في السادس من أيار ضد رموز نظامه.
أما أميركا التي سارعت الى "نجدة" الشعب الليبي عندما شعرت أن "القذافي" يُعِدُّ لعملية عسكرية موسّعة في "بنغازي"، إذ بوزيرة خارجيّتها "هيلاري كلينتون" بعدما وصفت الأسد بـ"الإصلاحي" ومع مناهزة عدد القتلى السوريين الألف قتيل، تعود في السادس من أيار (عيد الشهداء في لبنان وسوريا) لتُصرِّح بلا خجل أنها "لا تزال تؤمن بمستقبل للنظام الحاكم بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد"، مؤكدة أن "الأوضاع في سوريا مختلفة عن تلك السائدة في ليبيا"!
وبالعودة الى الشأن اللبناني، عاد الاهتمام في السادس من أيار للمحكمة الدولية، حيث أودع المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال بلمار قرارًا اتهاميًا معدّلاً يحلّ محل قرار الاتهام المؤرخ في 11 آذار 2011، وذلك لإضافة عناصر أساسية جديدة إليه لم تتوافر لديه من قبل.
وعلى صعيد ترابط عملية خطف الأستونيين السبعة بالشأن السوري الداخلي، عُلِم أن استثناء الرئيس السوري بشار الأسد من العقوبات الأوروبية التي طاولت عددًا من المسؤولين السوريين، مردّه الى ضغط من أستونيا على شركائها في الاتحاد الاوروبي من أجل حماية مواطنيها السبعة الذين خطفوا في لبنان في آذار الماضي، ولا يزال مصيرهم مجهولاً على رغم أن قوى الأمن اعتقلت عددًا من المتورّطين في خطفهم، مما أوحى أنهم نُقلوا الى خارج الحدود.
في غضون ذلك، كان الصراع في رأس السلطة الإيرانية يتفاعل، مع توجيه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في السابع من أيار إنذارًا الى الرئيس محمود أحمدي نجاد لإعادة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي الى منصبه أو تقديم استقالته. مع الإشارة الى أن خامنئي لا يمتلك حقًّا دستوريًّا بالتدخل في التعيينات الوزارية، إلا أن القانون غير المكتوب يفرض على جميع المسؤولين التقيّد بأوامر الفقيه، المرشد الأعلى للثورة ونائب الإمام المنتظر، من دون إظهار أيّة معارضة.
وقد سارع أحمدي نجاد في اليوم التالي إلى تأكيد ولاءه لمرشد الجمهورية علي خامنئي في مواجهة ضغوط المحافظين في السلطة الذين يطالبونه بـ"الطاعة". غير أن إعلان الرئيس الإيراني ولاءه لم ينهِ التوتّر في أعلى هرم السلطة الإيرانية، فقد حذّرت صحيفة (جوان)، التابعة للحرس الثوري الإيراني، مما سمّته "مخططًا يُعدُّه فريق أحمدي نجاد ضد الولي الفقيه المرشد آية الله علي خامنئي". ووصفت الصحيفة في مقال لها، فريق الرئيس بالمنحرف، وأنه من خلال استراتيجية الرئيس في (التحدي المستمر) لإرادة الولي الفقيه (ومواجهته)، سينفذ فتنة كبيرة ضد القيادة. وأشارت الصحيفة بوضوح إلى أن جدار الثقة انهار بين الرئيس والمرشد، وأن شعارات أحمدي نجاد حول ولاية الفقيه ليست إلا خدعة وكذبة كبيرة، وهو يخطّط عبر تغيير وزرائه إلى فتنة كبيرة مقبلة ضد الولي الفقيه.
وكانت مصادر في المعارضة الإيرانية أكّدت في وقت سابق وقوع مصادمات دموية أمس الأول في طهران بين أنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد وأتباع المرشد الأعلى علي خامنئي أدت الى إصابة عدد منهم بجروح بالغة.
بعد سُبات عميق، عادت الحياة الى الاستحقاق الحكومي اللبناني، مع رمي النائب وليد جنبلاط في التاسع من أيار، حجرًا ثقيلاً في بركة الأكثرية الجديدة، حيث أعلن للمرة الأولى أنه "لم يعد منطقيًا استمرار الحزب التقدمي الاشتراكي وجبهة النضال الوطني في تغطية هذه الحال من المراوحة والفراغ والتعطيل ضمن ما يسمى الأكثرية الجديدة التي أثبتت أنها فشلت فشلاً ذريعًا في تأليف الحكومة الجديدة". وإذ لوحظ أن جنبلاط حرص على التأكيد أن ميقاتي "لبى معظم المطالب السياسية لمختلف الأطراف قدر المتاح"، انتقد "الترف في التعطيل ووضع العقبات تلو العقبات على رغم كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تلاحق المواطنين وتحاصرهم في كل مكان".
غير أن جنبلاط ومنعًا لأي تأوييل، سارع الى نفي كون موقفه يدخل في إطار تحوّل عن السياسات الأخيرة التي ينتهجها. وأوضح أن "ما أقدمتُ عليه هو لتثبيت التحالف الموضوعي مع ثوابت المقاومة، ودعم الخاصرة السورية، لأن أمن سوريا في مأزق ونتمنى أن تتجاوزه في أقصى سرعة، لذلك لا بد من تأليف حكومة في لبنان برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي".
العاشر من أيار، كان يوم الفضيحة الكبرى بامتياز، يوم نهاية معزوفة المقاومة والممانعة والعروبة الى غير رجعة، لكن ليس عبر الصحف الصهيونية هذه المرة، بل بشهادة أهل البيت أنفسهم وعلى أنفسهم.
فعلى أثر حالة التخبُّط والرعب التي انتابت أركانه مع سماعه عبارات "الحرية" و"الكرامة" و"الديموقراطية" و"التعددية" المفقودة في قاموسه وغير المألوفه في سياسته وفكره، اكتشف السوريون حقائق جديدة لأكاذيب المقاومة القديمة والبالية التي يردّدها نظامهم، وذلك مع قراءتهم في 10 أيار 2011 تصريح رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه رامي مخلوف لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث حذر في معرض استيائه من الضغوط الدولية على نظامه لوقف العنف والاستجابة لمطالب المتظاهرين من أنه: "إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا)، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام"!!
وفيما لم تلقَ رسالة "مخلوف" أيّ تعليق من إيران ولا من مفوَّهي حلفاء سوريا و"نظام الممانعة والمقاومة" في لبنان، لم يتأخّر الرد الإسرائيلي الذي جاء بعد يومَين عبر صحيفة "الجيروزالم بوست" التي عنونت "على إسرائيل التزام الصمت في شأن سوريا"، موضّحة "إن الرسالة التي أراد رامي مخلوف إيصالها الى إسرائيل والمجتمع الدولي(...)، مفادها أن الأسد أكثر اعتدالاً من الذين قد يحلّون محلّه. وهذا الكلام لا يشكل تهديدًا لإسرائيل بقدر ما يعكس يأسًا داخل معسكر الأسد. وتتابع الصحيفة الصهيونية: "من المهم جدًا أن تمتنع إسرائيل عن التعبير عن آرائها في ما يتعلق بالثورة في سوريا. ويجب ألا ننسى أن لا علاقة لنا بالثورة العربية لا في مصر ولا في غيرها من الأماكن. وهناك أوضاع من الأفضل أن نقلّل كلامنا عنها".
خليجًيا، وفي خطوة مفاجئة ستشكّل في حال نجاحها تغييرًا مهمًّا في المشهد السياسي في الشرق الأوسط، أعلنت الدول الخليجية الست، عقب قمة تشاورية لزعمائها في الرياض في العاشر من أيار، تأييدها انضمام المغرب والأردن الى صفوفها، واتخذت في الوقت عينه موقفًا متشدداً حيال طهران، متّهمة إياها بمواصلة التدخل في شؤونها الداخلية.
وعلى صعيد خليجي-سوري متّصل، كان وزراء خارجية دول الإمارات والبحرين وقطر يزورون على التوالي دمشق، في عزّ الاحتجاجات والاضطرابات التي عمت المدن والمحافظات السورية.
ورشحت معلومات عن مصادر خليجية، أن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ "عبد الله بن زايد"، أبلغ الأسد موقفًا لبلاده مختصره "إننا مع سوريا ونريد استقرارها، ولكن لا يجوز في الوقت نفسه الاستمرار في قمع المتظاهرين بهذه القسوة". أما وزير الخارجية البحريني "الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة" فقد شكر للأسد تأييده طلب سلطات البحرين قوة "درع الجزيرة" لإنهاء الحركة الشعبية الشيعية التي اندلعت في وجه النظام، ملمِّحًا إلى تشابه في ظروف البلدين اللذين تحكم كل منهما أقلية، وإلى أهمية التنسيق والتعاون بينهما.
وأما لقاء الأسد ورئيس الحكومة وزير الخارجية القطري "الشيخ حمد بن جاسم" فكان سيِّئُا، حيث قال الرئيس السوري لضيفه إن لبلاده قطر استثمارات في سوريا تبلغ نحو 6 مليارات دولار سوف تخسرها بسبب سياسة قناة "الجزيرة" الداعمة للثورة السورية بقوّة، مما أثار استياء "الشيخ حمد".
وعلى صعيد خطف الأستونيين السبعة، كشفت معلومات، أنه بعد تتبع مصدر الشريط الأخير الذي أرسل الى أحد المواقع الإلكترونية اللبنانية، تمّ تحديد اسم المرسِل وعنوانه والذي تبيّن أنه في دمشق.
وبالنسبة لحركة النزوح من سوريا الى لبنان، فقد سُجِّلت في الرابع عشر من أيار حركة نزوح جديدة لمئات المواطنين السوريين، معظمهم من النساء والأولاد وبينهم مصابون، من "تلكلخ" نحو منطقة وادي خالد المجاورة في شمال لبنان هربًا من أعمال العنف. ونتيجة لذلك أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري اتصالات بالجهات المعنية لتنسيق الجهود المتعلقة بمساعدة اللاجئين من سوريا.
وفي سياق متصل، أعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوفه من احتمال وقوع صدامات مذهبية في سوريا في ظل استمرار التوترات المذهبية، في إشارة الى بعض الأحداث في حمص خصوصًا التي اتخذت بُعدًا طائفيًا بين العلويين والسنّة.
مع دخول الخامس عشر من أيار، يكون قد مضى شهران على الانتفاضة السورية. فمنذ منتصف آذار2011، وبتحفيز من انتفاضات حاشدة وغير مسبوقة أيضًا في تونس ومصر، قام آلاف السوريين العاديين بما لم يكن في الحسبان ولا حتى في الخيال: نزلوا غاضبين إلى الشوارع، مطالبين أولاً بالإصلاح، لكنهم راحوا يرفعون سقف مطالبهم أكثر فأكثر حتى وصولوا الى مطلب إطاحة النظام ووضع حدٍّ لثمانية وأربعين عامًا من ديكتاتورية الحزب الواحد، حزب البعث، وحكم الأسرة وتأليه الرئيس. والاحتجاجات التي صُوِّرت في البداية بأنها مجرَّد تذمُّر محلي الطابع يعبِّر عن مشاعر غضب قبليّة في درعا، توسَّعت وعمَّت مختلف أنحاء البلاد، حتى باتت تشمل الآن حمص، ثالث أكبر مدينة في البلاد، وحتى ضواحي دمشق، ولا سيما حي الميدان. ويبدو أن المناطق الكردية في الشمال الشرقي انضمّت أيضًا بزخم كامل إلى التظاهرات. كان ردّ النظام عبر اللجوء إلى العنف، ولم يتردّد في نشر الدبّابات والقنّاصين، فقتل حتى هذا التاريخ نحو 750 مدنيًا بحسب تقديرات اللجان الإنسانية، مع العلم أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير نظرًا لوحشية النظام وصعوبة التوثيق ومنع دخول وسائل الإعلام الأجنبية، وغالب الظن أن الرقم يتجاوز الألف شهيد، وآلاف المعتقلين.
أعداد المتظاهرين الى ازدياد، ولا يزيد العنف والقتل إلا زخمًا، وهم يعلمون أن الاستسلام ممنوع، لأن معناه عودة النظام الى حكم أشد قهرًا فضلاً عن عمليات انتقام وتصفية حسابات لن تستثني أحدًا. لقد كُسر حاجز الخوف، وسقطت جدران الخنوع والإذعان.
النظام بدوره قطع وعودًا بالإصلاح السياسي كانت لتثير الحماسة في أزمنة أخرى. لكن المتظاهرين والسوريين العاديين على السواء يعرفون تمامًا أن عملية "الإصلاح" "الأزلية" في بلادهم والتي تعود إلى "الحركة التصحيحية" التي أطلقها حافظ الأسد في مطلع السبعينات، والتي أعاد ابنه بشار إحياءها وصوغها منذ عام 2000، سوف تُعيد تكوين الحكم السلطوي وإنعاشه، وستجعله أكثر قدرة على الصمود بدلاً من إطلاق تغيير فعلي. ولذلك لم تنجح "هدايا الخميس" في رشوة المنتفضين.
بيد أن ما لا يمكن التغاضي ولا السكوت عنه بعد شهرين من الثورة السورية والقمع الدموي، هو ذلك الإمهال المجرم الذي يمنحه المجتمع الدولي للرئيس السوري ونظامه، ولا سيّما الولايات المتحدة الأميركية.
الخامس عشر من أيار، وافق أيضًا الذكرى الـ 63 "للنكبة"، التي أحياها الفلسطينيون في الداخل، كما في لبنان وسوريا، بتعبئة فاجأت اسرائيل التي ردّت بإطلاق النار على آلاف المتظاهرين الذين طوَّقوها من ثلاث جبهات، في الضفة الغربية وغزة ومارون الراس اللبنانية ومرتفعات الجولان السورية المحتلّة، مما أسفر عن مقتل 15 متظاهرًا وجرح المئات ، معظمهم من الفلسطينيين، في محاولة جديدة لجعلهم "كبش" محرقة والتجارة بقضيتهم المربحة والرابحة.
وفي تحوُّل دراماتيكي للأحداث على حدود الجولان المحتل، وفيما بدا ترجمة "عن حسن نيّة وإخلاص" لرسالة "رامي مخلوف" الذي ربط استقرار إسرائيل باستقرار سوريا محذّرًا من استمرار الضغوط على الأسد، اخترق في ذلك اليوم مئات من الفلسطينيين ومؤيديهم الحدود في الجولان وصولاً الى قرية مجدل شمس حيث قطعوا جزءًا من الشريط الشائك وحاول بعضهم العبور الى الجزء المحتل، مما أثار ذعرًا في إسرائيل من هذه الخطوة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ عام 1974، تاريخ توقيع اتفاق فكّ الاشتباك بين دمشق وتل أبيب.
وسارعت إسرائيل الى توجيه التهديدات ولا سيّما من رئيس وزرائها، بأنه يجب ألا يُخطئ أحد من حيث تصميم الدولة العبرية "على الدفاع عن حدودها وسيادتها"، واصفة اختراق الحدود بأنه "عمل خطير". واتهمت دمشق وطهران بتدبير هذه العملية لتحويل الانتباه عن الاحتجاجات التي تجري في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
أما الحصيلة الدموية الكبرى، فكانت في جنوب لبنان، حيث انتهى اعتصام ألوف الفلسطينيين في مارون الراس الى مجزرة إسرائيلية ذهب ضحيّتها عشرة فلسطينيين ونحو 119 جريحًا. وقد سارعت قيادة "اليونيفيل" الى إجراء اتصالات حثيثة لاحتواء الوضع الذي يعتبر أسوأ مواجهة شهدها الجنوب منذ مسرحية حرب 2006.
وأثار العدوان الإسرائيلي على المعتصمين في مارون الراس تنديدًا لبنانيًا واسعًا، وحمل رئيس الجمهورية ميشال سليمان بشدّة على "الممارسات الإسرائيلية الإجرامية ضد المدنيين المسالمين"، كما وصف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ما حدث بأنه "عدوان إسرائيلي سافر وغير مقبول". فيما اكتفى "حزب ولاية الفقيه" بشخص أمينه العام بالتعليق على الأحداث المفتعلة ببيان مكتوب، لم يخل من الاتجار بالقضية الفلسطينة، ولم يجرؤ "نصر الله" على الظهور ولو عبر الشاشة في هذا اليوم.
في السابع عشر من أيار، حَدَث في بيروت، عاصمة الحريات والديموقراطية، أمر بالغ الخطورة يتمثل في انتصار الترهيب والتهديد على حرية الرأي والتعبير وعلى الحقوق التي كفلها الدستور اللبناني لجميع المواطنين. فقد قامت المجموعات المستقوية بالسلاح بالاعتداء على النظام الديموقراطي وخنق الحياة الحرّة استمرارًا لنهج 7 أيار الانقلابي، الذي أحال بيروت أسيرة للإرهاب، وذلك بضغطه على إدارة فندق "البريستول" بالتهديد والوعيد، لمنعها من استقبال "لقاء التضامن مع الشعب السوري"، فاعتذرت عن دعدم استقباله كما رفضت كل الفنادق التي جرى التواصل معها استقبال اللقاء، ليتبيّن أن لبنان وقع مجدّدًا في أعنف أنواع الوصاية، إذ كل الأمكنة في لبنان مقفلة في وجه مَن يريدون توجيه التفاتة إلى ضحايا "ربيع سوريا"، وكلّها مفتوحة في وجه مؤيدي النظام السوري. وقد عملت "قوى 14 آذار على استضافة المنظمين في اليوم التالي للتعويض عما حدث، وذلك في مقر أمانتها العامة تزامنًا مع اجتماعها الأسبوعي، وقد وعد المنظمون بالعمل على عقد اللقاء التضامني "المحظور" في أقرب وقت ممكن.
ألف شهيد، وآلاف الجرحى والمعتقلين من أبناء الشعب السوري المنتفض منذ شهرين لحريته وكرامته، حصيلة آلة القتل والإجرام الأسدية حتى الآن وفقًا لتقارير لجان الأمم المتحدة.
غير أنه على الرغم من هذا العدد المخيف من القتلى، وبعد اكتشاف مقابر جماعية وعمليات تعذيب وحشية على أيدي نظام شابه الإجرام الصهيوني وفاق بإرهابه الأمني النموذج المصري وحتى الليبي في التعامل مع التظاهرات الشعبية... على الرغم من ذلك كلّه، بدلاً من أن يحذو الرئيس "أوباما" مع قائد النظام السوري الدموي الأسلوب نفسه الذي اعتمده مع الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك" حين طالبه بالرحيل صراحة بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة المصرية ("الآن يعني الآن" ثم "الآن يعني الأمس") ولمَّا يتجاوز بعد عدد ضحايا التظاهرات المصرية ثلاثمئة شهيد... وبدلاً من أن تسارع أميركا الى إحالة الرئيس السوري على المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما فعلت مع القائد الليبي "معمر القذافي"، إذ بالإدارة الأميركية تعتمد مع "الأسد" أسلوب "الهجاء الغزلي" النابع عن العطف "الأوبامي" الموصى به من اللوبي الصهيوني!
فغداة فرضه عقوبات اقتصادية (غير مؤثرة) على شخص الرئيس السوري "بشار الأسد"، أشاد الرئيس الأميركي "باراك أوباما" في 19/5/2011 بشجاعة الشعب السوري، وانتقد الرئيس السوري قائلا: "أمام الرئيس الأسد الآن خيار: إما أن يقود هذه العملية الانتقالية وإما أن يخرج من الطريق"! بل كانت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" أشد وقاحة وصراحة في دعم "الأسد"، حيث سئلت في اليوم التالي لتصريح "أوباما" عن سبب عدم اتخاذ خطوات أشد قسوة حيال سوريا، فكانت إجابتها الفظة والمهينة بحق الشعب السوري: "لا شهية لذلك. لا يوجد إرادة. لم نر أي نوع من الضغط كالذي رأيناه يتراكم من حلفائنا الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية وغيرها لنفعل مثلما فعلنا في ليبيا... نحاول أن نكون أذكياء في تقويم كل حالة على حدة"، مشيرة (في إشادة ضمنية بالرئيس السوري) إلى أن "الأسد قال الكثير من الأمور التي لم نسمعها من زعماء آخرين في المنطقة عن نوع التغييرات التي يريد رؤيتها"!!
إذًا، رغم كل الجرائم التي اقترفتها يداه، لا تزال قيادة "العملية الانتقالية" مقبولة أميركيًا من الرئيس السوري، فهو غير مدعو الى الرحيل الآن بل بإمكانه أن يبقى شرط أن يحقق الإصلاحات، كما لا داعي ولا مبرّر لإحالته على المحكمة الجنائية الدولية، فيمكن لأميركا تجاوز كل تلك الجرائم وكأن شيئًا لم يكن إذا قاد "الأسد" العملية الانتقالية الى الديموقراطية!
إنه "الهجاء الغزلي"، أسلوب أدبي إنجليزي-عبري جديد، كشفه الواقع الحرج الذي يعاني منه النظام السوري منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة في 15 آذار الماضي، والذي انعكس بدوره إحراجًا لأميركا وحليفها العدو الإسرائيلي الذي يعبِّر في صحفه يوميًا عن مأزق حقيقي يعيشه بسبب اهتزاز النظام السوري حامي الحدود وحارسها الأمين.
بعد ذلك الخطاب الأميركي المعيب، مما لاشك فيه أن الشعب السوري أدرك أن الكرة لم تغادر ملعبه فهي ليست في ملعب النظام ولا في ملعب المجتمع الدولي ولا في أي ملعب آخر. الشعب وحده هو من سيقرّر مصيره ومستقبله وعليه أن "يقلّع" شوكه بيده، فإما أن يتابع انتفاضته على كلفتها الأمنية والبشرية الباهظة حتى النهاية فيُحرج المجتمع الدولي ويُجبر "أوباما" نفسه على مطالبة "الأسد" بالرحيل فورًا وإحالته على محكمة دولية ثانية تضاف الى المحكمة الأولى المختصة بلبنان، وإما أن ينكفئ الشعب فينعى الحرية ويطفئ شعلتها في سوريا.
لبنانيًا، تلقّت وزارة الخارجية الأستونية في هذا اليوم، شريطًا مصوّرًا من خاطفي الأستونيين السبعة الذين تمّ اختطفاهم في البقاع، يظهرون فيه بصحة جيّدة، لكن من دون تحديد تاريخ التصوير. ولم يتضمّن الفيديو أي شروط بشأن عملية الافراج عن المخطوفين، ولا أي مطالب ولا حتى معلومات عن هوية الخاطفين. وفي هذا الإطار، اعتبر وزير الخارجية الأستوني "أورماس باييت" أن إرسال الشريط إشارة الى أن الخاطفين مهتمّون للوصول الى حل بشأن هذه القضية.
في هذه الأثناء، كان نائب الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" الشيخ نعيم قاسم يكرّر معزوفة التخوين البالية، معتبرًا أن "لبنان والمنطقة هما اليوم أمام مشروعين: مشروع أميركي إسرائيلي، ومشروع المقاومة والاستقلال، وبكل وضوح فإن جماعة 14 آذار جزء من المشروع الأميركي الإسرائيلي".
في المقابل، كان رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، يصف تسليم لبنان فارّين سوريين لجأوا إليه هربًا من الوضع المتأزّم في بلادهم، "بالعمل غير المقبول كونه يخالف الشرعة العالمية لحقوق الانسان والاتفاقات الدولية لمعاملة الأسرى. وقد تزامن كلام "الحكيم"، مع دعوة منظمة "هيومان رايتس ووتش" قوى الأمن اللبنانية إلى "وقف اعتقال سوريين لاجئين عبروا الحدود إلى لبنان هربًا من العنف والاضطهاد في بلادهم". وقالت في بيان "ينبغي للسلطات اللبنانية بدلاً من ذلك أن تعطي هؤلاء اللاجئين على الأقل لجوءًا موقتًا، وقبل كل شيء أن تمتنع عن إعادتهم إلى سوريا". مذكّرة السلطات اللبنانية بأن عليها "التزامات دولية حيال هؤلاء اللاجئين، وهذه الالتزامات لا يمكن التلاعب بها من خلال العلاقات الثنائية الأمنية بين لبنان والقوات الأمنية السورية".
وفي سياق متصل بالأحداث في سوريا، وتكرار الإعلام السوري اتهام "تيار المستقبل" وقوى 14 آذار بتسليح المتظاهرين وتحريضهم، لوحظ غياب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن الساحة اللبنانية، الذي غادر منذ أيام الى المملكة العربية السعودية، وسط معلومات عن تهديدات جدية لأمنه الشخصي.
على صعيد الثورة الليبية، لايزال حلف "الناتو" يواكب كتائب الثوار في محاولة تحريرهم ليبيا من حكم العقيد "معمّر القذافي" الذي حوّل الثورة الى حرب أهلية طاحنة.
فحتى الحادي والعشرين من أيار 2011، بلغ حجم الدمار في ليبيا 480 مليار دولار، بحسب "محمد جبريل" مساعد رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" "مصطفى عبد الجليل"، هذا عدا عن التكاليف المادية للحملة العسكرية، إذ تنفق لندن مثلاً بحسب تصريح كبار مسؤوليها، ستة ملايين جنيه استرليني أسبوعيًا، ثمنًا للقنابل والصواريخ.
إذا سَجَّل الثاني والعشرون من أيار، تصريحًا لافتًا للرئيس الأميركي "باراك أوباما"، قال فيه: "سنتصدى لتنظيمات مثل حزب الله الذي يمارس الاغتيال السياسي، ويسعى الى فرض إرادته عبر الصواريخ والسيارات المفخخة"، فقد كان الثالث والعشرون من هذا الشهر يخبِّئ مفاجأة من العيار الثقيل، حيث فجّر التلفزيون الإسرائيلي نبَأ استقبال الأسد منذ بضعة أيام في قصره سرًا، مبعوثًا خاصًا وشخصيًا من "بنيامين نتنياهو" رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، الذي تلقّى بعد عودة المبعوث إلى واشنطن تقريرًا مفصلاً عمّا دار في الاجتماع بين الشخصَين. وقد تناول اجتماع الرجلَين، بحسب مصادر أميركية وإسرائيلية، سُبُل إحياء العملية السلمية بين تل أبيب ودمشق، وتحسين أوضاع اليهود الذين ما زالوا يعيشون في سورية.
وقال المراسل السياسي للقناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي "تشيكو مينشيه"،، إنّ الحديث يدور عن "مالكولم هونلاين"، من رؤساء التنظيمات اليهودية في الولايات المتحدة، لافتًا إلى أنّ الزيارة تمّت بشكل سريّ للغاية، حيث تلقّى الزعيم اليهودي، بحسب التلفزيون الإسرائيلي، دعوة رسمية وشخصية من الرئيس السوري، وفعلاً قام بزيارته.
وأوضح مراسل التلفزيون الإسرائيلي في واشنطن، نقلاً عن مصادر رفيعة في البيت الأبيض، أنّ الإدارة الأمريكية كانت على علم بالزيارة، وأنّها باركتها، وتلقَّت هي الأخرى تقريرًا مفصّلاً عنها بعد عودة "هونلاين" إلى بلاده.
في غضون ممارسة الأسد دوره "الممانع والمقاوم والعروبي" بامتياز مع المبعوث الإسرائيلي في قصره الرئاسي، كانت آلة قتله تمعن في تصفية المنتفضين، وسط تعاظم حجم التظاهرات، ولا سيما في حمص، حيث خرجت تظاهرات ليلية في 23/5/2011 في حي الإنشاءات وحي القصور وعدّة أحياء أخرى من المدينة، وفي منطقة تل النصر، حيث أحرق المتظاهرون، للمرة الأولى، علم "حزب ولاية الفقيه"، وهتفوا: "لا حزب الله ولا إيران"، تعبيرًا عن غضبهم من استعانة النظام السوري بقناصة من الحزب و عناصر مدربين في إيران، لوأد الاحتجاجات المندلعة في البلاد منذ 15آذار2011.
وفي فضيحة جديدة لمحور "الممانعة والمقاومة"، فرضت الولايات المتحدة في 24 أيار، عقوبات على شركة "عوفر براذرز غروب" الإسرائيلية، بتهمة بيع "الخطوط البحرية للجمهورية الإيرانية" سفينة صهريج بقيمة 8,6 ملايين دولار.
وبالعودة الى لبنان، في خطاب ألقاه خلال الاحتفال بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للانسحاب الإسرائيلي التكتيكي من جنوب لبنان العام 2000، رد الأمين العام لـ "حزب ولاية الفقيه" حسن نصرالله، في 25أيار على اتهامات الرئيس الأميركي "باراك أوباما" للحزب بممارسة الاغتيال السياسي، ودعا اللبنانيين الى رفض أي عقوبات تُفرض على سورية التي دافع عن نظامها بشدة. وحذر من "مصادرة" أميركا وإسرائيل الثورات العربية، وأكد أن الجهود ستستمر لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
تحدث نصر الله "بصراحة" عن الوضع في سورية، مشيرًا الى مجموعة معايير في التعاطي مع التطورات فيها، وقال: "نقلق مما يُعَدُّ لنظامها وشعبها"، مشدِّدًا على "أننا في لبنان وخصوصًا "حزب الله"، نملك تقديرًا عاليًا لسورية وقيادتها، والرئيس بشار الأسد، والشعب السوري الممانع والمقاوم". وأضاف: "القيادة السورية مقتنعة مع شعبها بلزوم الإصلاح وفتح آفاق جديدة في الحياة السياسية السورية وأنا شخصيًا أعتقد... بأن الرئيس بشار الأسد مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمّم... ومستعد للذهاب الى خطوات إصلاحية كبيرة جديدة، لكن بالهدوء والتأنّي"، وذلك في تكرار حرفي لكلام "وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلنتون" منذ خمسة أيام، وأكمل نصر الله عملية قلب الحقائق، داعيًا السوريين الى "الحفاظ على بلدهم ونظامهم المقاوم والممانع، وأن يعطوا المجال للقيادة السورية بالتعاون مع كل فئات شعبها لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة ويختاروا طريق الحوار وليس الصدام".
في غضون ذلك، كان النظام المصمِّم والجاد والمؤمن بالإصلاح بحسب تعابير "نصر الله"، يؤكّد كلام حليفه في لبنان، مع تسليمه الفتى "حمزة الخطيب" (13 سنة) الى أهله جثّة هامدة مشوّهة وممثّلاً بها، عليها علامات التعذيب، وذلك بعدما اختفى أثره في 29نيسان الماضي عقب تظاهرة معادية للنظام في درعا.
وبحسب الأفلام المنشورة على صفحات الإنترت وفي مختلف وسائل الإعلام، بدا الفتى مصابًا بعدّة رصاصات في ساعده الأيمن والأيسر خرجتا من الناحية الثانية ودخلتا في الصدر، كما تعرَّض لكسر الرقبة وقطع الذَكَر(عضوه التناسلي)!!! كما أظهرت صور أستاذ مدرسة قضى تعذيبًا بسلخ جلده عن عظمه!
وتزامنت هذه الفظائع التي يترفّع عن اللجوء إليها العدو الصهيوني، تزامنت مع دعوة جديدة لناشطين على صفحة "الثورة السورية" على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، الى التظاهر تضامنًا مع الفتى "حمزة الخطيب". كما وضع الناشطون صورة الخطيب على واجهة صفحة "الثورة السورية" مع عبارة "لن نسكت أبدًا". ووصفت باريس الفتى "حمزة الخطيب" بأنه "بات رمزًا" لهؤلاء المحتجين الذين يتعرضون للتعذيب.
لبنانيًا، أبدى سفير أوروبي دهشته لكتم وزير الاتصالات "شربل نحاس" التابع لحصّة الجنرال البرتقالي المتحالف مع سوريا وفريقها في لبنان، قاعدة معلومات اسمية(داتا) للاتصالات الخليوية التي حصلت بين خاطفي السياح الأستونيين السبعة من حي المدينة الصناعية في زحلة، عن جهاز فرع المعلومات اللبناني التابع لقوى الأمن الداخلي، والمكلّف التحقيق في خطفهم، بعدما كان تمكّن من توقيف عدد من الذين شاركوا في الخطف وضبط السيارات قبل نحو 48 يومًا... منبِّهًا، أن قضية المخطوفين الأستونيين لم تعد تهمّ أستونيا، بل باتت تهمّ الاتحاد الاوروبي بمجموع دوله.
بدورها، نقلت صحيفة "لوس أنجلس تايمس" في عددها الصادر في 26/5/2011، عن ديبلوماسيين ومسؤولين أميركيين أن "الولايات المتحدة تزيد الضغوط على لبنان لتقليص علاقاته مع جارته سوريا في محاولة لعزل الرئيس بشار الأسد أكثر، وقت تقمع قواته الأمنية بشكل عنيف الحركة المؤيدة للديموقراطية". وأن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان "حذّر خلال زيارته لبيروت أخيرًا المسؤولين اللبنانيين من أن التيار صار عكس نظام دمشق الأوتوقراطي، وحضّهم على أن ينأوا بأنفسهم عن سوريا التي طالما كانت لاعبًا أساسيًا في الحياة السياسية اللبنانية سنوات طويلة". وبالفعل، سلّم الوزير المعني "الداتا" المطلوبة من وزارته الى الأجهزة المعنية في اليوم التالي.
وفي سياق متصل، برز في هذا اليوم، تكرار رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط دعوته الرئيس السوري بشار الأسد إلى "التوجّه نحو حوار مع مختلف مكوّنات المجتمع السوري"، لافتًا الى أن "المجتمع السوري مليء بالكفاءات القادرة على تطوير هذا البلد". وأشار جنبلاط الى أنه أبلغ الفرنسيين خلال زيارته الأخيرة الى فرنسا، أن "حصار النظام السوري وعزله لن يؤديا إلا إلى المزيد من التأزّم".
وبالانتقال الى الملف الحكومي، رأى جنبلاط أن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي قدّم ما يجب تقديمه في المسلّمات السياسيّة، معتبرًا أن "الحلفاء في حزب الله يضعون العماد ميشال عون في الواجهة ولا يُريدون تأليف الحكومة".
إلى ذلك، شهد السابع والعشرون من أيار توجيه النظام السوري رسالة سورية جديدة الى المجتمع الدولي عبر الأراضي اللبنانية؛ فبعد رسالة خطف الأستونيين السبعة، باتت "اليونيفيل" في مرمى الانتقام، مع استهداف قافلة سيارات عسكرية للكتيبة الإيطالية عند المدخل الشمالي لصيدا، أسفر عن تحطّم سيارة منها وسقوط جرحى من الكتيبة، ما أثار قلقًا داخليًا وخارجيًا من أن يكون لبنان عاد ليكون منصَّة لتصفية حسابات إقليمية وصندوقة بريد لتوصيل الرسائل، ولا سيّما أن العقوبات الأوروبية التي اعتمدت حديثًا في حق الرئيس السوري بشار الأسد تزامنت مع تهديد سوري بأن الأوروبيين "سيندمون" على خطوتهم هذه.
وقد انتهى شهر أيار لبنانيًا، مع عودة التصعيد بين فريقي 14 آذار و8 آذار، ليبلغ أشدّه مع مبادرة رئيس مجلس النواب "نبيه بري" في 30 أيار، الى شن هجوم غير مسبوق على "ثورة الأرز"، معتبرًا أن "ثورة الأرز" أعادت لبنان قانونيًا وعلى المستوى الديموقراطي ستين عامًا الى الوراء، واستهلكت الأموال العامة، وراكمت الديون على المستقبل، وأمَّنَت المناخات للمزيد من التدخل الأجنبي في حاضر لبنان ومستقبله، وهذا هو سبب فشلها".

وفيما تلاحقت ردود قوى 14 آذار على تهجّم "بري"، كان كالعادة أهمّها على الإطلاق، رد "حكيم ثورة الأرز" سمير جعجع، الذي اعتبر"أن هذه الثورة أعادت الرئيس بري وحلفاءه ومن يهتف وراءهم 60 عامًا الى الوراء، وتقدّمت بلبنان 60 عامًا الى الأمام، ولا سيّما على صعيد الحريّات العامة ومنطق الدولة".

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 


حزيران 2011..انتحر النظام وأطل ربيع العدالة

بدأ شهر حزيران في لبنان على وقع تكرار النائب وليد جنبلاط تحميل فريق الأكثرية الجديدة مسؤولية تأخير تأليف الحكومة قائلاً: "لا نستطيع أن نكمل المشوار في هذا الطريق، الفراغ يُملأ بالفوضى أو بالاهتراء الاقتصادي". وفي ما بدا ردًّا ضمنيًا على انتقادات النائب جنبلاط، قال الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه": "نحن نعرف الصعوبات والتعقيدات ونتفهّم مخاوف بعض الحلفاء والأصدقاء وقلقهم، ولسنا في وارد التعليق وتوزيع المسؤوليات والتبعات والعتابات". محذِّرًا في الشأن السوري أنه "إذا أخذت الأمور منحى سلبيًا في سوريا فما يحضَّر لها هو التقسيم، وما كان يحضر للعراق هو التقسيم، وعندما تقسَّم هذه الدول سيصل هذا التقسيم الى السعودية، ولن يقف عند حد".
سوريًّا كانت قضية قتل الفتى "حمزة الخطيب" تتفاعل دوليًّا، بعدما غدا سوريًا علامة قوية للمتظاهرين الذين يطالبون بمزيد من الحريات، مثل "محمد البوعزيزي" في تونس. فقد توقّفت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" عند مقتل "الخطيب"، قائلة في الأول من حزيران: "أعتقد أن ما يرمز إليه ذلك في نظر كثير من السوريين هو الانهيار التام لأي جهد من الحكومة السورية للعمل مع شعبها والإصغاء إليه". وأضافت: "لا يسعني إلا الأمل ألا يكون هذا الصبي قد مات سدى، وأن تكف الحكومة السورية عن الوحشية، وتبدأ بالانتقال الى الديموقراطية الحقة".
وفي أوضح تلميح حتى اليوم الى إمكان مطالبة الإدارة الأميركية قريبًا الرئيس السوري بالتنحي، ذكرت "كلينتون" بأن الرئيس "باراك أوباما" خيّر حديثًا الأسد بين قيادة عملية الانتقال الى نظام ديموقراطي أو "الرحيل". وقالت: "كل يوم يمر، يصير الخيار تلقائيًا. هو لم يدع الى وقف العنف ضد شعبه ولم ينخرط جديًا في أي نوع من جهود الإصلاح... كل يوم يمر، يصبح تقبُّل موقف الحكومة أكثر صعوبة، ومطالب الشعب السوري بالتغيير لأكثر قوة".
توازيًا مع كلام كلينتون، دعا المشاركون في "المؤتمر السوري للتغيير" الذي تنظّمه المعارضة السورية في مدينة أنطاليا التركية، إلى إسقاط النظام في دمشق ومحاكمة الرئيس السوري بشار الأسد أمام محكمة لاهاي. بينما أصدر الأسد قرارًا جمهوريًا أنشأ بموجبه هيئة تكون مهمتها وضع الأسس لحوار وطني، وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني، ورأس فورًا اجتماعها الأول.
في غضون ذلك، كانت روسيا والصين تبديان معارضة واضحة للتصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار أعدّته أربع دول أوروبية، هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، بدعم من الولايات المتحدة، للتنديد باستخدام السلطات السورية العنف ضد المتظاهرين المسالمين.
ويعود التمسُّك الروسي بالنظام الإرهابي القابض على السلطة في سوريا لأسباب كثيرة، تدور بمجملها حول حسابات الربح والخسارة بالنسبة إلى روسيا منذ انتهاء الحرب الباردة في المنطقة.
فبعد حرب الخليج الثانية، التي قادها جورج بوش الأب عام 1991 لإخراج القوات العراقية من الكويت، فقدت روسيا دورها التاريخي في العراق مع الحصار الاقتصادي الذي فرض على نظام صدام حسين بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء. ثم أتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ليخضع العراق كاملاً للنفوذ الأميركي، ممّا قضى على أي فُرَص روسية لاستعادة دور معتبر في هذا البلد على المدى المنظور.
استمرَّت قصة الإقصاء الأميركي لروسيا عن المنطقة، الى أن جاء "الربيع العربي" فوجدت روسيا نفسها بعيدة عن التأثير في مجرياته. حتى في ليبيا حيث النفوذ الروسي أقوى بكثير من الوجود الغربي، لم تلبث موسكو أن وجدت نفسها فجأة خارج ليبيا؛ فعلى رغم أنها امتنعت عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الامن رقم 1973 الذي أجاز استخدام القوة لحماية المدنيين، فإنها اختلفت مع الغرب على تفسير القرار، وتحديدًا على التدخل العسكري الذي لم تكن ترغب به. وكي لا تخسر روسيا ليبيا كاملة، ها هي تبحث الآن عن دور من خلال الغرب نفسه، فأُرغمت على الاتصال بالـ"مجلس الوطني الانتقالي" بعد تردُّد، محاولة العودة الى هذا البلد من طريق وساطة يبدو أنها محكومة بالفشل سلفًا.
وكي لا تخسر روسيا دورها ومصالحها في الشرق الأوسط تمامًا، تجد نفسها اليوم في الموضوع السوري مضطرة الى عدم تكرار الخطأ الليبي. فالخروج من سوريا يعني جيو- سياسيًا خروجًا روسيًا كاملاً من المنطقة، أو البحث عن دور من خلال الغرب نفسه. لذلك يصير مفهومًا الاعتراض الروسي في مجلس الأمن على أي قرار يمهِّد الطريق لتدخُّل دولي، ستكون حصيلته مشابهة لما جرى في العراق، أو في أحسن الأحوال لما يجري في ليبيا.
أضف الى ما تقدّم، المصالح الاقتصادية والعسكرية، التي تربط بين روسيا وسوريا، ولذا تعمل روسيا على منع أي تغيير في النظام الأسدي لأنه سوف يكلِّفها إلغاء صفقات تسلُّح بمليارات الدولارات، واتفاقات تجارية سخيّة؛ إذ تمثِّل مبيعات الأسلحة الروسية من سوريا والجزائر نحو ثُمن طلبات الأسلحة الروسية حول العالم، والتي يقدَّر حجمها بـ 48 مليار دولار.
الى ذلك، تشكِّل قاعدة "طرطوس" موطئ القدم الوحيد لروسيا في منطقة البحر المتوسط. فبموجب اتفاق موقّع عام1197، تستخدم قوات البحرية الروسية هذه القاعدة التي شرعت موسكو في إعادة تأهيلها عام 2008، في خطوة اعتبرت قرارًا روسيًا استراتيجيًا ردًا على علاقاتها المتوترة مع أوكرانيا.
في المقابل، أدركت سوريا أهمية المحافظة على هذه العلاقة، وكانت مثلاً من الدول القليلة التي دعمت روسيا في حربها على جورجيا. من هذا المنطلق أيضاً، قد تخشى موسكو خسارة حليف أساسي لها في حال تغيير النظام في سوريا.
غير أنه مع ذلك كله، يُخطئ النظام السوري إذا قرّر تحدي العالم والإمعان في غمس يده في دماء شعبه مراهنًا على "الفيتو" الروسي"، لأنه إذا قبضت روسيا ثمن تخلّيها عن النظام السوري حلحلةً في أيٍّ من قضاياها العالقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، فلا شيء يضمن عدم إقدامها على بيع الأسد، طالما أن الموضوع تجاري بحت، ومبني على حسابات الربح والخسارة.
لبنانيًا، وفي خطوة من شأنها أن تُعيد ملف المحكمة الخاصة بلبنان إلى الواجهة في هذه المرحلة، أفادت معلومات من أروقة الأمم المتحدة، أن الأمانة العامة للمنظمة الدولية وزَّعت ما سمته "توجيهات استعداد" لإمكان أن يُصدر قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال فرانسين القرار الاتهامي الأول في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، على الأرجح مطلع تموز المقبل.
وإذ أشارت مصادر مطّلعة في الأمم المتحدة الى أن "القرار الإتهامي سيصدر في غضون أسابيع قليلة، على الأرجح مطلع الشهر المقبل"، أكدت أن "أحداً لا يعلم حتى الآن ما هو موقف قاضي الإجراءات التمهيدية من الأدلة" التي وضعها المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار. وتوقّعت أن يتضمن القرار أسماء أفراد "من رُتب متدنية في حزب الله، بالإضافة الى آخرين". وأكّدت أن "بلمار أضاف أسماء جديدة الى القرار الاتهامي الأصلي"، رافضة الإفصاح صراحة عما إذا كانت هذه الأسماء الجديدة تشمل أفراداً سوريين، وإن تكن لمّحت الى ذلك، أو عما إذا كانت هذه الأسماء ستبقى طي الكتمان أو أنها ستنشر في سياق نشر القرار. وأوضحت أن ثمة "تساؤلات" في المنظمة الدولية عن الأثر الذي سيخلّفه إعلان القرار الاتهامي خصوصًا في لبنان، مؤكدة أن الأمانة العامة للأمم المتحدة "تتحسّب لإعلان كهذا وقد أصدرت توجيهات استعداد إذا قرّرت المحكمة إعلان القرار ومباشرة المحاكمات".
على صعيد آخر، أبلغت قيادة الجيش جميع المعنيين أنها اتخذت قرارًا حاسمًا ونهائيًا بمنع المتظاهرين من تجاوز خط الليطاني جنوبًا يوم إحياء ذكرى نكسة 5 حزيران 1967، لـ"عدم إعطاء إسرائيل أي مبرّر وذريعة لشن أي اعتداء على لبنان، ومنع استهدافها المدنيين وإطلاق النار عليهم كما حصل سابقًا.
في تطوّرات "الثورة الليبية"، حيث تحوّل المشهد الليبي الى حرب أهلية تتدخل في مجرياتها قوات "حلف شمال الأطلسي" لمساندة الثوار، يُعتقد استنادًا الى تقديرات النظام والثوار ومنظمات غير حكومية، أن أعمال العنف أوقعت ما بين "10 آلاف و15 ألف قتيل" منذ 15 شباط.
والمفارقة في ليبيا، أنه ما إن يحرز الثوار تقدُّمًا عسكريًا ملحوظًا، حتى ينقلب المشهد رأسًا على عقب فيتابع "القذافي" تقدمه العسكري متغلبًا على مقاومة الثوار وقوى حلف الـ"ناتو" بشكل مدهش ومثير للعجب، فيما ينكفئ ويتراجع أحيانًا أخرى على وقع ضربات الحلف نفسه! الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل هدف الضربات الجوية إيجاد نوع من توازن القوى يؤدّي في نهاية المطاف الى رحيل "القذافي" وأبنائه؟ أم إن المطلوب استمرار النزاع بين شرق ليبيا بزعامة "بنغازي" وغربها بزعامة "طرابلس" وانخراط القبائل الليبية في هذا الصراع وتلك الحرب الأهلية؟! أم إن أميركا وحلفاءها يتريّثون في القضاء على نظام "القذافي" عسكريًا في انتظار توصلّهم الى نتائج "مُرضية" في المفاوضات التي يجرونها مع الثوار حول مستقبل ليبيا سياسيًا ونفطيًا على وجه التحديد؟!
هذا، علمًا أن ليبيا تُعتبَر من أهم المخزونات النفطية، إذ تحتوي على قرابة 3.5 في المائة من الاحتياطي العالمي للنفط، أي أكثر من ضعف المخزون الأميركي، وهي صاحبة أكبر احتياطات النفط في القارة الإفريقية، حيث تقدّر بما بين 40 و60 مليار برميل. كما أن النفط لديها سهل الاستخراج، ونوعيته مرغوبة كونها منخفضة الكبريت. وتحتل دول أوروبية على رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا المراتب الأولى على لائحة الدول المستهلكة للإنتاج الليبي من النفط، وكذلك للغاز المنقول عبر خط أنابيب يمتد على طول الحدود التونسية ويصل إيطاليا عبر مياه البحر المتوسط. وتمتد في وسط البلاد منطقة صحراوية غير مستكشفة، إلا أن الخبراء يؤكّدون أن باطنها واعد جدًا. ومن هنا يضع كثير من المحلّلين، التدخل العسكري الأميركي والأوربي في ليبيا، في خانة خصخصة البترول الليبي، ووضعه تحت تصرّف شركات النفط العالمية.
في سوريا، دعا المحتجون في الثاني من حزيران الى تظاهرات جديدة الجمعة في ما سمّوه يوم "أطفال الحرية"، في إشارة الى أولاد أضحَوا من رموز الاحتجاجات، أمثال "حمزة الخطيب" الذي عذِّب حتى الموت على أيدي أجهزة الاستخبارات في درعا.
وفي سياق متّصل، نشرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريرًا بعنوان "لم نر فظاعة كهذه من قبل"، ندّدت فيه بما سمته "جرائم ضد الإنسانية" في درعا وعمليات قتل مُمَنهجة وتعذيب.
في الثالث من حزيران، يبدو أن كلمة السر السورية أعطيت لتفعيل مساع جديّة على طريق موضوع تأليف الحكومة العالق منذ 25 كانون الثاني الماضي، فاندفعت آلة التأليف وفقًا لحسابات ترتبط بحاجة دمشق الى قيام حكومة جديدة في لبنان تساهم معها في مواجهة الضغوط الدولية المرتقبة على النظام السوري، ولا سيّما في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية.
الى ذلك أعلن الفلسطينيُّون في لبنان إرجاء تسيير تظاهرة الى الحدود اللبنانية-الإسرائيلية في الجنوب في ذكرى "النكسة". وكذلك فعل "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، صاحب اليد الطولى في قرار الجيش الصادر منذ أيام، وقرار المنظمات الفلسطينية الدائرة في فلَكه. وقد أتى هذا القرار على ما يبدو، على خلفية تصريحات جادة وعنيفة لمسؤولين إسرائيليين، حذّروا فيها من تكرار مشهد الخامس من أيار الماضي في يوم "النكبة".
على الصعيد اليمني، سُجِّل تصعيد خطير في هذا اليوم، مع إصابة الرئيس "علي عبدالله صالح" بجروح في هجوم بقذيفة صاروخية استهدفته، بينما كان يؤدي الصلاة في مسجد القصر الرئاسي، بينما قُتِل إمام المسجد الشيخ علي محسن المطري، وثلاثة من الحراس. وتوعّد الرئيس الذي منعته إصابته من الظهور علنًا، في رسالة صوتية مقتضبة بثّها التلفزيون اليمني خصومه من "آل الاحمر" زعماء قبيلة حاشد الذين ألقى عليهم تبعة محاولة اغتياله بمحاربتهم وملاحقتهم. ورشحت معلومات عن أن "علي صالح" مصاب بحروق في 40 في المئة من جسمه، فضلاً عن إصابته بنزف داخل الجمجمة، ما استدعى نقله في اليوم التالي لتلقي العلاج في السعودية، وسط تنظيم شبّان الثورة احتفالات في ساحات الحرية والاعتصام بالمحافظات ابتهاجًا بمغادرته اليمن. وقد برزت جهود إقليمية ودولية لإحياء المبادرة الخليجية التي تتضمن انتقالاً للسلطة في اليمن.
سوريًا، شارك الآلاف في مراسم تشييع نحو 53 شخصًا قُتِلوا 3 حزيران بنيران قوى الأمن في سوريا خلال أكبر تظاهرات شهدتها البلاد ضد النظام منذ منتصف آذار، بينهم 48 شهيدًا في حماه، حيث تظاهر عشرات الآلاف ضد نظام الرئيس بشار الأسد الذي يبدو مصممًا على سحق هذه الاحتجاجات بالدم. وقد شهد الرابع من حزيران، بدء جيش النظام حملته العسكرية على منطقة "جسر الشغور" شمال غرب سوريا، حيث لم تلبث حصيلة القتلى أن ارتفعت الى 35. وعلى نحو عجيب، كشَفَ التلفزيون الرسمي عن قبر جماعي تجمّعت فيه 120 جثة للابسي بزّات عسكرية من الجنود والضباط السوريين، جرى على بعضهم أعمال تنكيل. وكانت الصور ترمي الى تعزيز الرواية الرسمية عن العصابات المسلّحة التي تقتل جنودًا سوريين، مع العلم أنه لا أجانب ولا مسلّحين، والجثث التي كُشف عنها هي لجنود رفضوا الأوامر العسكرية، فتمّت تصفيتهم على الفور. وقد بدأ سكّان "الجسر" يغادرون قريتهم على وقع الإرهاب الأمني لاجئين الى الحدود التركية.
وفي 5 حزيران انتحر النظام! فبعد كلام "رامي مخلوف" الخطير عن حماية النظام السوري للاستقرار الصهيوني، الذي كشف المستور للبعض وأكد المؤكد لكثرة آخرين، كان العالم العربي على موعد مع ذكرى "النكبة" و"العودة" في 15 أيار، حيث تقرّر تنظيم تظاهرات في مختلف الدول العربية ولا سيما المتاخمة منها للحدود مع فلسطين المحتلّة، لا تقتصر فقط على فلسطينيي الشتات. يومئذ، في ترجمة دقيقة لتصريح "مخلوف" قرر النظام السوري اللعب بالنار لكن عن حُسن نيّة ومن باب تذكير إسرائيل أنه الحامي الأمين لحدودها واستقرارها، فغضّ الطرف عن تظاهرات الجولان مفسٍحًا المجال أمام مئات من الفلسطينيين ومؤيديهم لاختراق الحدود هناك وصولاً الى قرية مجدل شمس، مما أثار ذعرًا في إسرائيل من هذه الخطوة التي تُعتبر الأولى من نوعها منذ عام 1974، تاريخ توقيع اتفاق "فك الاشتباك" بين دمشق وتل أبيب.
سارعت إسرائيل الى توجيه تهديدات مفادها أنه يجب ألا يخطئ أحد من حيث تصميم الدولة العبرية "على الدفاع عن حدودها وسيادتها"، وبعثت بعدة رسائل تهديدية وتذكيرية وتنبيهية لمن يهمه الأمر ولمن يعلم أنه المعني الحقيقي بها، وذلك استعدادًا وتحسُّبًا لما يُشاع عن تحضير مظاهرات أكثر حشدًا وفاعلية في 5حزيران الموافق ليوم "النكسة".
وصلت الرسالة "البعثية" الى إسرائيل والعالم الغربي، والأهم من ذلك أنهم فهموها على حقيقتها وأدركوا على ما يبدو أن مُخاطرة النظام تلك، نابعة من الحالة الحرجة والدقيقة التي أدخلته بها الثورة، ومعبِّرة عن حُسن نيّتيه مع إسرائيل التي يريد أن يؤكِّد لها أنه يمثِّل الخيار الوحيد المتاح لحكم سوريا وحراسة الحدود. وقد أكّد تفهّم إسرائيل وأميركا للموقف السوري قول "هيلاري كلينتون" بعد خمسة أيام من تظاهرات النكبة، أي في20أيار عندما سُئلت عن سبب عدم اتخاذ خطوات أشد قسوة حيال سوريا، فكانت إجابتها الفظّة والمهينة بحق الشعب السوري: "لا شهية لذلك. لا يوجد إرادة(...) الأسد قال الكثير من الأمور التي لم نسمعها من زعماء آخرين في المنطقة عن نوع التغييرات التي يريد رؤيتها"!! فهم الشعب السوري المعادلة، فطالما أن "اللوبي الصهيوني" لا يزال متمسكًا بنظام "الأسد" لا أمل في أي تحرّك أو إجراء دولي رادع.
أصرّ الشعب السوري على المتابعة وعدم الاستسلام لآلة القتل البربرية التي تواجهه، واستطاع أن يحرج المجتمع الدولي والأوربي تحديدًا، الذي لم يستطع مجاراة أميركا في تجاهلها صور المجازر والمقابر الجماعية وعمليات التعذيب والقتل والتمثيل بجثث الأطفال، فطالب باستصدار قرار رادع عن مجلس الأمن يضع حدًا لإرهاب النظام ضد شعبه، الأمر الذي دفع نظام "الأسد" نحو اتخاذ قرار الانتحار!
عشية ذكرى "النكسة" في 3حزيان، قرّر أمين عام "حزب ولاية الفقيه" "حسن نصر الله" إلغاء التظاهرة التي كان يحضّر لها في جنوب لبنان، وكذلك فعلت حركة "حماس"، فهم جميع المعنيين الرسائل الإسرائيلية المحذّرة من اللعب بالنار في يوم "النكسة"، وتذكّر الأطراف المعنيّون حقيقتهم وحجمهم ووظيفتهم باستثناء النظام السوري الذي قرّر اتخاذ قرار الانتحار من خلال المضي في تظاهرة الجولان التي حشد لها بضع مئات من المخيّمات الفلسطينية بالتواطؤ مع الفصائل الخاضعة لسلطته، لكي تُقدَّم قرابين على مذبح القضية المُتاجَر بها في رسالة "مخلوفية-بعثية" ثانية لا نتمّ عن حُسن نيّة كسابقتها، بل اتخذت هذه المرة طابع رَفْع العصا ولَيّ الذراع بوضوح، وهنا كانت بداية النهاية؛ فعندما يشعر العميل بكينونته ويتجرّأ على التلفّظ بكلمة "لا" في وجه من صنعه، أو التفوّه أمامه بكلمة "أنا" ظنًا منه أنه يملك عصا ليهزّها، أو صوتًا ليرفعه، أو أصبعًا ليهدِّد به ويتوعّد...عندئذ وفي تلك اللحظة يكون العميل قد انتحر وكتب نهايته بيده.
ففي 5 حزيران 2011، وفي مشهد مستعاد للمواجهات التي تخللت إحياء الذكرى الـ63 للنكبة، وصلت موجات المتظاهرين -غالبيتهم من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا- الى الحدود لإحياء ذكرى مرور 44 سنة على نكسة حرب 1967. وعلى رغم التحذيرات الاسرائيلية، حاول متظاهرون سوريون ومن فلسطينيي الشتات اختراق الحدود في مرتفعات الجولان السورية المحتلّة، فردّ عليهم الجيش الإسرائيلي بالرصاص وقنابل الغاز المسيّل للدموع موقعًا 23 قتيلاً ومئات الجرحى، وقد استمرّت المواجهات حتى ساعات المساء الأولى دون تدخّل من الجيش السوري، ما أكّد أن هناك قرارًا سوريًا بالسماح لهم بذلك، مما يعكس استراتيجية مدروسة غايتها تحويل الأنظار عن التحرّكات الداخلية المعادية للنظام داخل سوريا، والأخطر من ذلك محاولة ابتزاز إسرائيل لكي تضاعف جهودها وتعمل على إحباط المساعي الأوربية الرامية الى إدانة النظام الساعي لوأد الثورة.
ألقت إسرائيل على سوريا تَبِعَة هذه الأحداث مشدّدة لهجتها هذه المرّة، وقائلة إن النظام في دمشق يسعى الى صرف الأنظار عن الاحتجاجات القائمة في الداخل السوري. ومنذ ذلك التاريخ أخذت اللهجة الدولية حيال ممارسات النظام السوري منحى جديدًا أوحى وكأن إسرائيل رفعت الفيتو والحصانة عنه وبدأت تبحث عن بديل، بل تخلّت إسرائيل عن تعليمات التزام الصمت حيال أحداث سوريا، و شرعت فعلاً بحملة دولية لإسقاط الشرعية عن "نظام الأسد"!
ففي تصريح أشبه بـ"ورقة النعوة"، ذهب وزير الدفاع الاسرائيلي "إيهود باراك" في 6حزيران2011 إلى حدّ توقّع نهاية النظام السياسي في سوريا قائلاً: "أعتقد أنه)الأسد) سيسقط. لقد فقد شرعيّته... ربما لا يزال قادرًا على الحفاظ على استقراره ستة أو تسعة أشهر أخرى، لكنه سيضعف كثيرًا... إذا توقّف اليوم عن استخدام القوّة سيُنظَر إليه على أنه ضعيف وسيُطاح. إذا استمر فسيكون القتل أعمق وستحدث انشقاقات في الجيش أيضًا... في رأيي إن مصيره قد تحدّد". وأعلن أن "إسرائيل ستواصل الدفاع عن حدودها"، وأن "الأسد لن يتمكّن من استغلال المواجهات على الحدود لتجنّب تبعات حركة الاحتجاج الواسعة التي تهز سوريا".
وفي اليوم نفسه باشرت إسرائيل بمعاملات "تجهيز الميت" استعدادًا ليوم "الدفن"، فأصدر وزير خارجيتها "أفيغدور ليبرمان" تعليماته الى بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة لتقديم شكوى ضد سوريا "لاستخدامها المتظاهرين في محاولة لانتهاك السيادة الاسرائيلية في المنطقة الحدودية".
أما فرنسا فقد قادت في 7 حزيران محاولة في مجلس الأمن لاتخاذ إجراء ضد الرئيس السوري "بشار الأسد". وأعلن وزير الخارجية الفرنسي "ألان جوبيه" أن الأسد "فقد شرعيّته"، وحض أعضاء المجلس على التصويت "في أسرع وقت ممكن" على مشروع قرار يندّد بالعنف الدامي في سوريا، قائلا إن ثمة "مجازر تتصاعد" في هذا البلد.
وفي تحوّل لافت طرأ على الموقف الروسي المنحاز كليًا تجاه النظام السوري، أعلن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة "فيتالي تشوركين "أن بلاده "مستعدة للنظر" في مشروع قرار معدّل، بعدما كانت موسكو ترفض حتى مناقشة الأمر باعتبار هذه الأحداث "شأنا داخليًا سوريًا". وقد طرأ هذا التعديل المفاجئ على الموقف الروسي عقب مشاورات ديبلوماسية واسعة النطاق بين عواصم الدول المعنية، وفي أروقة مجلس الأمن حيث اجتمعت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة "سوزان رايس" مع نظيرها الروسي، في محاولة لإقناع موسكو بعدم استخدام حق النقض، حتى لو كانت تريد الامتناع عن التصويت. وفي حال تذليل العقبة الروسية، يُتوقع أن تحذو الصين حذو روسيا.
وفي لندن، وتماشيًا مع الموقف الفرنسي، رأى وزير الخارجية البريطاني "وليم هيغ" أن "الرئيس السوري فقد شرعيته" وان عليه القيام بـ"إصلاحات او التنحي".
في العاشر من حزيران زاد الضغط الدولي على سوريا ولا سيما من تركيا، التي قال رئيسها "عبدالله غول"، بعد ساعات من اتهام رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان" النظام السوري بارتكاب "فظاعة"، إن بلاده تتابع عن كثب التطورات الاخيرة في سوريا و"إننا مستعدون لمواجهة أسوأ السيناريوات". كما جهدت الديبلوماسية البريطانية والفرنسية والألمانية والبرتغالية، مدعومة من الأميركيين، مجددًا لتليين المواقف المتصلّبة التي تتخذها خصوصًا موسكو وبيجينغ، في محاولة لتجنب استخدامهما حق النقض في حال عرض مشروع القرار على التصويت في جلسة متوقعة لمجلس الأمن خلال أيام.
وفي تطور مهم جدًا، وافقت روسيا في ذلك اليوم على استقبال وفد من المعارضة السورية وإجراء مباحثات معه. كما ندّد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بـ"المجازر في حق الأبرياء" التي يرتكبها النظام السوري، معتبرًا أن "شرعية" الرئيس بشار الأسد باتت موضع تساؤل".
لبنانيًا، اكتسبت في التاسع من حزيران صورة الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلاً في دمشق رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط والوزير غازي العريضي، أبعادًا استثنائية في وجهَيها السوري واللبناني، وسط الظروف التي يجتازها كل من البلدَين. وقد أعرب "الأسد" خلال اللقاء عن "أمله في أن يتجاوز اللبنانيون خلافاتهم وأن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية قريبًا لما فيه خير اللبنانيين ومصلحتهم". من جهته، أعرب جنبلاط عن "أمله في أن تتخطى سوريا هذه المرحلة الحساسة من تاريخها، عبر إقرار الإصلاحات التي أطلقها الرئيس الأسد، بما يعزّز وحدتها الوطنية ويحصِّن قوتها ومناعتها".
أما على صعيد المواقف الداخلية من تأليف الحكومة، فقد برز موقف لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي اعتبر أنه "من الأفضل أن يبقى البلد دون حكومة على تشكيل حكومة كالتي يفكّرون فيها". وقال إن "الحل الوحيد هو تشكيل حكومة تكنوقراط"، مشددًا على أن "حكومة اللون الواحد ستضر بمصلحة الوطن وستكون أسوأ عشر مرات مما نحن عليه".
في هذه الأثناء، وفي ظل استمرار الحملة الأمنية "الأسدية" العنيفة على "جسر الشغور"، أفيد عن فرار أكثر سكان الجسر البالغ عددهم 50 ألفًا خوفًا من القمع، ووصل الآلاف منهم في الأيام الأخيرة الى تركيا التي فتحت لهم حدودها وأقامت لهم مخيّمات اللجوء التي حرصت على أن تتأمّن فيها معظم حاجاتهم، كما فرّ الآلاف في اتجاه اللاذقية، وبعض مناطق محافظة إدلب الآمنة حتى الآن.
في المقابل، ورغم التوجيهات التي صدرت من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بإغاثة النازحين السوريين إلى لبنان، فإن الجهود الرسمية اللبنانية ما تزال "محزنة" وبطيئة، سيَّما إذا ما قارنا ما تقدّمه الدولة اللبنانية، بما تقدمه تركيا ومن قبلها الأردن للنازحين. فحتى اليوم لا توجد أماكن إيواء لائقة، ولا إغاثات غذائية كافية، ولا خدمات صحية مقبولة في مناطق النازحين في وادي خالد، ولولا همّة الأهالي الذين فتحوا بيوتهم لأهلهم السوريين، لكان الواقع بالغ الصعوبة.
الثاني عشر من حزيران، كشف عن تطوّر لافت على الصعيد اللبناني-السوري، بدأ يرسم المعالم السياسية لـ"سوريا الجديدة" حيث أشار المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا "رياض الشقفة" الى "أن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غريب عجيب"، موضحًا أنه "يدّعي الشعبية والمقاومة والحرية، ويقف ضد الشعب السوري الى جانب الديكتاتور بشار الأسد"، مشددًا على أن "هذا نوع من النفاق"، لافتًا الى أنه يعتبر نفسه زعيم شعبي فمن المفروض أن يقف الى جانب الشعب". ولفت الشقفة أنه "لو كان النظام صادقًا في الحوار لكان سحب الجيش وأوقف القتل"، مطالبًا إياه أن "يعترف بالجرائم التي ارتكبها، ويعتذر من أهالي الشهداء ويدفع فديتهم، وأن يلغي المادة الثامنة التي تنصب حزب البعث مسؤولاً عن السلطة".
في الثاني عشر من حزيران، وفيما كانت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" تعلن أن "وحدات من الجيش العربي السوري سيطرت على مدينة جسر الشغور بالكامل وهي تلاحق فلول التنظيمات الإرهابية المسلّحة في الأحراج والجبال المحيطة بها"، كانت مصادر أميركية تفيد لـصحيفة "الراي" أنها أبلغت رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري بوجود خطة لاغتياله في بيروت، "كان يفترض أن تنفَّذ في شهر أيار الماضي". وقالت المصادر الأميركية أن تحذيراتها للحريري جاءت في الوقت نفسه الذي تلقّى فيه الرجل تحذيرات مماثلة من السلطات السعودية والفرنسية.
في هذه الأثناء، كان رئيس الحكومة التركي "رجب طيب أردوغان"، يُحقّق نصرًا شعبيًا ساحقًا، عندما فاز حزبه "العدالة والتنمية"، بأكثر من خمسين في المئة من أصوات الناخبين الأتراك، لكنه مُني بانتكاسة برلمانية جدية، عندما تراجعت غالبيته النيابية من 331 مقعدًا الى 325 مقعدًا، ما خيَّب آماله بالفوز في غالبية ثلثَي مقاعد مجلس النواب الـ550 لتعديل الدستور، وتعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية.
وعقب صدور نتائج الانتخابات النيابية الثالثة التي فاز بها حزبه على التوالي، أطل "أردوغان" من شرفة مقر "العدالة والتنمية" في أنقرة، ليعلن أمام مناصريه أن "واحدًا من بين كل اثنين من مواطني تركيا قال نعم لحزب العدالة والتنمية". وفي رسالة عابرة للحدود والقارات، وذات صلة "بالربيع العربي" ومحاولة استبدال الحكّام السابقين بآخرين ينتهجون "النموذج التركي" في الديموقراطية والإسلام، شدّد "أردوغان" على أنه "بقدر ما انتصرت اسطنبول انتصرت سراييفو، وبقدر ما انتصرت إزمير انتصرت بيروت، وبقدر ما انتصرت انقرة انتصرت دمشق، وبقدر ما انتصرت ديار بكر انتصرت رام الله ونابلس وجنين والضفة الغربية والقدس وغزة، وبقدر ما انتصرت تركيا انتصر الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وأوروبا". وتابع: "في هذا اليوم انتصرت تركيا، وانتصر الشرق الأوسط وأوروبا والبلقان، وأيضًا انتصرت الحرية والديمقراطية والعدالة والسلام، فهذه الأمة وأنا أحد أبنائها أؤكد أنَّها بلا شك ستكون نموذجًا للعالم وللمنطقة، فالديمقراطية التركية أصبحت قوة لا تزعزع الآن".
اليوم المنتظر من القوى الإنقلابية، وصل بعد قرابة خمسة أشهر من التأخير. ففي الثالث عشر من حزيران 2011، وُلدت الحكومة الميقاتية بعد مخاض عسير، بدفع سوريٍ واضح وبضغط صريح من "حزب ولاية الفقيه"، وبنُكران للذات المذهبية من الرئيس بري الذي تخلى عن الشيعي السادس لمصلحة تذليل عقبة في فريق ميقاتي تمثّلت بمطالبة حليفه النائب أحمد كرامي بالتوزير إذا ما وزّر نجل عمر كرامي، فيصل، فكان أن وزّر الاثنان بإعطاء الطائفة السنيّة ظاهريًا وزيرًا سابعًا أخذ من حصة الشيعة، في حين أن التوزيع الطائفي في حكومة "حزب ولاية الفقيه" يبقى من غير قيمة تذكر، لأنه المتحكّم بقرار الجميع حتى ولو كان الوزراء الثلاثون من الطائفة السنيّة أو حتى المسيحية.
هذا، ولم تَحُل المجهودات هذه دون ظهور عيب خَلقي تجلّى سريعًا في استقالة النائب طلال إرسلان، "من الحكومة التي يرأسها المدعو نجيب ميقاتي" بحسب تعتبير أرسلان في مؤتمر صحفي عقده لإعلان استقالته، بسبب إعطائه وزارة دولة، بدلاً من حقيبة سيادية طالب بها، وتابع قائلاً "لا يشرفني أن أجلس على يمينه في الحكومة"، لافتاً إلى عملية "قرصنة في تشكيل الحكومة"، متهمًا ميقاتي بـ"الكذب"، ومضيفًا "آمل ان أكون مخطئًا، وأهنِّئ الشيخ سعد الحريري بهكذا خصم، وآمل أن أكون مخطئًا، وسيعود سعد الحريري على حصان أبيض الى الحكومة في لبنان".
في هذا الوقت كان أنصار أرسلان يقطعون الطريق الرئيسي في منطقة خلدة باتجاهي بيروت والجنوب، مشعلين الأطر المطاطية. كذلك قاموا بتحرّكات مماثلة في عاليه وحاصبيا. وجرت اتصالات بأرسلان لتغيير موقفه، ولذلك تقرّر تأخير انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء 24 ساعة حتى يوم غد، بدلاً من اليوم، لبلورة نتائج هذه الاتصالات التي إذا لم تفلح فإن اسم مروان خير الدين المقرّب من أرسلان مطروح ليحل مكانه.
وفي نظرة حسابية أشمل إلى المكوّنات الحكومية لجهة المقاعد، فالكاسب الأول حسابيًا هو العماد عون الذي نال حصة وازنة من 11 وزيرًا، والخاسر الأول هو الرئيس ميشال سليمان معنويًا وحسابيًا بنيله 3 وزراء فقط، فيما الكاسب الأول والأوحد معنويًا هو "حزب ولاية الفقيه" الذي وإن نال وزارتين (وكذلك "حركة أمل")، إلا أنه يمسك وحده داخليًا بكل خيوط اللعبة، حتى إن وزير الخارجية عدنان منصور، وإن كان من حصة الرئيس نبيه بري، فهو كان سفيرًا سابقًا في إيران. أما رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، فقد نال ثلاث وزارات.
وفيما يتعلّق بالشوائب الدستورية في عملية التشكيل، من الواضح أن أسلوب تشكيل الحكومة حصل عبر خلط بين الواقع السياسي والحقوق الدستورية، وتمّ التعرّض لرئيس الحكومة والتهديد بسحب التكليف منه دعائيًا من الجنرال عون، وغيرها من الممارسات، بهدف تحقيق بعض المكاسب على حساب الرئاسة الثانية، كما سمَّت هذه الجهات وزراءها، لاغية بذلك حق رئيس الحكومة (الذي أتى على هذا الأساس) في الاختيار بين مروحة من الأسماء، وكرَّست أعرافًا ستُضعف موقع أي رئيس حكومة مقبل في تشكيل حكومته. يضاف الى ماتقدّم نقض رئيس الجمهورية تعهّداته برفض التوقيع على حكومة من لون واحد، ولا سيّما عندما طُرِحَ الموضوع جديًا بعد اعتذار الرئيس الحريري عن عدم التأليف بعد فوز قوى 14 آذار بانتخابات 2009، وإعادة تكليفه.
بعد مفاجأة التشكيل، الشغل الصعب المحفوف بكل المخاطر بدأ الآن. فالأكثرية التي جاءت نتاج إنقلاب حقيقي أُلبِسَ رداءً ديموقراطيًا، مطلوب منها في الأساس مواجهة المحكمة الدولية ورفض الخوض بسلاح المقاومة، وقد أضيف إلى مهمّاتها الآن الوقوف إلى جانب النظام السوري في كل المحافل العربية والدولية وعلى منبرِ مجلِس الأمن، في معركتها مع معظم الدنيا.
كل هذا قبل أن تقارب الحكومة الملفات المعيشية والإقتصادية والمالية والتي تحرِّك معظم خيوطها، دول ومؤسسات ومحافل مالية واقتصادية وقانونية لا تشاطر مؤلّفي الحكومة الداخليين والإقليميين رؤيتهم إلى حاضر لبنان ومستقبله ودوره، إضافة إلى معارضة سياسية ونيابية تسيطر على حوالي نصف الشارع ونصف البرلمان. فأي بيان وزاري سيدبّج الرئيس ميقاتي وبأي حبر وإلى أي عنوان يرسله ومن يرضي ومن يزعل؟ وهو يعلم أن المسألة لا تحتمل تدوير الزوايا ولا اللون الرمادي، العزيز على رئيس الحكومة؟
أما وقد ولدت حكومة "حزب ولاية الفقيه" في لحظة التباس تمتد من بيروت إلى بغداد حيث يواصل "نوري المالكي" تشكيل حكومة تدور في المدار ذاته، فإن خيطًا رفيعًا، لكنه مكشوف، يُنظم ما يجري في سياق واحد، لكنه، للواقعية واحترام العقل، يطرح أسئلة ويثير هواجس عن حقيقة ما تريده إيران من خلال القوس(الهلال الشيعي) الذي لا تزال تتسلّل فيه، ومن خلاله لتوسيع نفوذها وبث الفرقة بين مكوّنات الدول العربية، متناسية همومها الداخلية في أوان ربيع يلفّ المنطقة بأسرها.
لم تمض دقائق على صدور مراسيم التأليف، حتى تلقّى الرئيس سليمان اتصالاً هاتفيًا من الرئيس السوري بشار الأسد هنّأه فيه بتأليف الحكومة، فيما تمنّى سليمان للأسد "عودة الهدوء والاستقرار الى سوريا في أسرع وقت". وتلقّى بري بدوره اتصالاً مماثلاً من الأسد الذي هنأه "على الخطوة المهمة التي أدت الى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والتي سيكون لها إن شاء الله انعكاسات على كل العالم العربي". وفي واشنطن، تعاملت الولايات المتحدة بحذر مع إعلان تشكيل الحكومة، معلنةً أنها ستقيّم هذا الفريق الحكومي "بناء على أفعاله"، مؤكّدة أن المهم في نظرها، "أن تلتزم الحكومة اللبنانية الجديدة الدستور في لبنان، أن تنبذ العنف، وخصوصًا محاولات الثأر من مسؤولين حكوميين آخرين، وأن تحترم التزاماتها الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والتزامها حيال المحكمة الخاصة".
وأعلن ميقاتي اختيار شعار "كلنا للوطن كلنا للعمل" لحكومته، قائلاً: "لا تحكموا على النيات أو الأشخاص، بل احكموا على الأداء والممارسة"، وأوضح أن "حصول حزب الله وحلفائه على 18 وزيراً في الحكومة لا يعني أن لبنان سيغرق في الخط المتصلّب في مواجهة المجتمع الدولي". وفي موضوع المحكمة الدولية رفض ميقاتي الإدلاء بموقف واضح، وقال: "سأسعى جاهدًا لإخراج هذا الموضوع بطريقة تعني أن لبنان يحترم القرارات الدولية، وفي الوقت نفسه نحن معنيون بالاستقرار". وأشار الى أن موضوع سلاح "حزب الله" "لا يمكن معالجته لا بالإعلام ولا بالكلام (...) نريد أن نتحدث الى الحزب بحيث لا يكون هذا السلاح موجودًا في المدن ويكون فقط للمقاومة على الحدود، وأن نبحث في الأمر بهدوء وروية".
وفي رد فعل أوّلي على تأليف الحكومة، وصفت أوساط قوى 14 آذار هذه الحكومة بأنها "حكومة حزب الله وحكومة المواجهة"، عازية تأليفها في هذا الظرف الى "الوضع الحرج الذي تمر به سوريا". وتحدثت عن "انكشاف قوى 8 آذار في ظل المتغيرات الإقليمية وتطورات الوضع المحتملة"، وملمحة الى "سعي هذه القوى الى حماية نفسها من تداعيات القرار الظني المرتقب للمحكمة الدولية".
أما مصادر "تيار المستقبل"، فوصفت الحكومة بأنها "حكومة جسر الشغور وحكومة المواجهة مع الداخل على الأقل". ولفتت الى أن تحسين التمثيل السنّي في الحكومة المائل الى طرابلس "لا يخفّف ضعف التمثيل الحقيقي"، وأن "هذا التثقيل لا يعفي الحكومة من فقدانها توازنها".
وخلص المكتب السياسي لحزب الكتائب الى أن هذه الحكومة "بتركيبتها الأحادية غير قادرة على مواجهة التطورات، وهي مشروع أزمة أكثر مما هي مشروع حل".
في اليوم التالي، هنّأ وزير الخارجية الإيراني "علي أكبر صالحي" "الشعب اللبناني المقاوم بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي"، معتبرًا "أنها خطوة مهمة في مسار إرساء الاستقرار والأمن الداخلي والإقليمي".
أما ثالث المهنّئين بتشكيل الحكومة، صدّق أو لا تصدق، بعد دمشق وطهران، تل أبيب، نعم تل أبيب ثالث المهنئين بالحكومة اللبنانية الجديدة!
ففي مفاجأة من العيار الثقيل، أطل العدو الصهيوني برأسه يوم الخامس عشر من حزيران، وخلافًا لتصاريح نتياهو وباراك العدوانية لدى تشكيل حكومة الحريري التي وصفت بالوحدة الوطنية عام 2009، أشادت إسرائيل هذه المرّة بتشكيل "حكومة اللون الواحد" حكومة"حزب ولاية الفقيه" في لبنان، حيث أعربت بلسان وزارة خارجيّتها عن "أملها في أن يُسهِم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في تعزيز الاستقرار بين البلدين". وجاء في بيان صادر عن الوزارة: "تأمل إسرائيل أن تساهم الحكومة اللبنانية الجديدة في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتطبيق القانون على طول حدودها". وأضاف: "تنتظر إسرائيل من الحكومة أن تطبّق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وخصوصًا القرار 1701، وتقوم بحلّ كل الملفات المعلّقة عن طريق المفاوضات والاحترام المتبادل".
تزامنًا مع ذلك، كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يحاول قلب الحقائق مطلقة "نكة الموسم"، فقد بادر في كلمته الأولى أمام مجلس الوزراء الجديد الى الرد مباشرة على متهمي الحكومة بأنها ولدت بتدخل سوري مباشر. قائلاً إن "الحكومة ولدت لبنانية مئة في المئة من دون أي تدخلات خارجية ووفق أجندة لبنانية". وأضاف إن "سوريا لم تتدخل وهذا هو المطلوب، وقد أثبتنا أننا قادرون على حل امورنا بين بعضنا".
في المقابل، اتخذت الأمانة العامة لقوى 14 آذار موقفًا تصعيديًا من الحكومة، إذ رأت "أن وظيفتها إعادة عقارب الساعة الى ما قبل 14 آذار 2005 الى زمن الوصاية السورية البائدة، وإدخال لبنان في منظومة اقليمية منتهية الصلاحية وفي طريقها الى الانهيار". وأعلنت أنها "ستواجه هذه الحكومة ومَن وراءها من موقع المعارضة، منعًا لأسر لبنان ودفاعًا عن الدولة".
كذلك أطلق أقطاب في قوى 14 آذار مواقف حادّة من الحكومة، فقال الرئيس أمين الجميل: "إن هناك هرطقة في تشكيلها وتوزيع الحقائب من الناحية المذهبية"، وربط ذلك بعرف توزيع الرئاسات الثلاث على الطوائف، وما حصل قد يفتح بابًا مستقبَلاً للتلاعب بالميثاق غير المكتوب، محذرًا من "التلاعب بالأمور الميثاقية".
ووصف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الحكومة بأنها "أسوأ خيار استراتيجي للبنان في الوقت الحاضر (...) وحكومة الوصاية غير المنقحة والعصر الحجري".
كثرت الأوصاف والتسميات التي أطلقتها قوى 14 آذار على الحكومة الجديدة التي أبصرت "الظلام" في 13 حزيران 2011، بعد نحو خمسة أشهر من جدالات بيزنطية وتناتشات حقائبية وصراعات مصلحية وطلبات كيدية بين مكونات الفريق الواحد المسمى "أكثرية"؛ ومن أبرز تلك التسميات الانتقادية: "حكومة الأسد وحزب الله"، "حكومة كلنا للأسد"، "حكومة المواجهة"، "حكومة الكيدية" ، "حكومة الانقلاب"، "حكومة جسر الشغور"، "حكومة مصالح الآخرين"، "حكومة التصادم مع المجتمع الدولي"، "الحكومة الميقاتية"، "حكومة العصر الحجري"... إلا أن أغرب التسميات وأعجبها كان انتقاد بعض أفرقاء قوى 14 آذار الحكومة الجديدة من خلال نعتها بـ"حكومة اللون الواحد"!
"حكومة اللون الواحد" المباحة لـ8آذار والمحرمة على 14 آذار، تسمية مديح لا تسمية ذم وهجاء، لأنها تمثل التطبيق الصحيح للديموقراطية الحقيقة التي تعني: "أكثرية تحكم وأقلية تعارض وتراقب وتحاسب". هذا ما كان ينادي به أفرقاء قوى 14 آذار أثناء حملتهم الانتخابية عام 2009، وهذا ما طرحوه بقوة بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة في آب 2009 وإعادة تكليفة ثانية بأصوات أكثرية 14 آذار، وتلك كانت ردودهم على طروحات بدعة الديموقراطية المشوّهة والممسوخة التي يطلق عليها فريق 8 آذار تسمية "الديموقراطية التوافقية"، والتي نادى بها بعد خسارته انتخابات 2009، فماذا تغير اليوم لكي نسمع بعض سياسيي 14 آذار ينتقد الحكومة الجديدة من خلال تعييرها بأنها "حكومة اللون الواحد"، مع العلم أنهم هم -وهو قرار صائب- مَن رفضوا المشاركة فيها!
إن تصويب أدق السهام وأشدّها فتكًا على الحكومة الجديدة التي لا تستحق الرأفة ولا الرحمة أمر مطلوب، لكن ليس انطلاقًا من كونها "حكومة اللون الواحد"، بل انطلاقًا من ركيزتين أساسيتين: الأولى أنها نتاج لعملية سطو مسلح أدت الى سرقة الأكثرية من مالكيها الأصليين. والثانية أنها حكومة سورية إيرانية خالصة لم تصنع في لبنان بل صنعت خارجه لضرب العدالة ومفاهيم الحرية والسيادة والاستقلال التي تنادي بها 14 آذار.
هذا، ويمكن إضافة أربعة أسماء جديدة غير مستخدمة من قبل للحكومة سيّئة الذكر:
1- "حكومة ربع الساعة الأخير": هي كذلك فعلاً، فعمرها لن يتجاوز عمر مؤسّسها وراعيها المتمثّل بالنظام السوري الذي يعيش اليوم آخر أيامه، وذلك بعدما انتفض الشعب السوري لحريّته وكرامته وصمم على إسقاط حكم "آل الأسد" البعثي من غير أن ترهبه أو تثنيه أو تفت من عضده حملات القتل والتنكيل والتعذيب والتمثيل والاغتصاب التي تشنّها ضده آلة القتل الأكثر بربرية ووحشية في المنطقة، الأمر الذي جعل ذلك النظام البائد فاقدًا للشرعية بالنسبة لبعض الدول الأوربية، ومنبوذًا ومحاصرًا من معظم دول العالم بما فيها أميركا وحليفه السابق المتمثل بالكيان الغاصب.
2-"حكومة من بأسهم بينهم شديد": فضلا عما تقدّم، ومن العوامل المساهمة في انهيار "حكومة ربع الساعة الأخير" بعد أقل من ربع ساعة على انهيار وسقوط راعيها -وربما قبل ذلك-، هو أنها حكومة تجمع بين عدة أفرقاء من ذوي المآرب والأطماع والمشاريع المختلفة والمتناقضة أحيانًا كثيرة، والتي لا يستطيع جمعها والتأليف فيما بينها إلا الراعي والوصي السوري الذي يحتضر اليوم؛ فقد حفل مخاض تأليف الحكومة بالعُقَد والمناكفات والمشاحنات التي دارت بين أكلة الجبن من أفرقاء الأكثرية الجديدة، قبل أن يتدخل الوصي السوري لفضها.
كما شاهدنا انقسام تلك الأكثرية على بعضها وفشلها في تأمين أكثريتها لكي يسمح لها النصاب بعقد جلسة مجلس النواب غير الشرعية وغير الدستورية وغير القانونية التي دعى إليها الرئيس نبيه بري في 8 حزيران الفائت في ظل وجود حكومة مستقيلة، ذلك أن مقاطعة قوى 14 آذار وحدها لم تكن كافية لمنع اكتمال النصاب، بل حصل ذلك على أيدي كتلتَين من الأكثرية نفسها، هما كتلة النائب وليد جنبلاط، وكتلة الرئيس ميقاتي وحليفَيه الطرابلسيَين.
كما سمعنا واستمتعنا بالمؤتمرات الصحافية شديدة اللهجة التي عقدها على عجل وبعد أقل من ساعة على ولادة "حكومة الانقلاب" بعض سياسي 8 آذار استنكارًا واعتراضًا وعتابًا على حلفائهم لعدم إشراكهم إياهم في التشكيلة الحكومية السورية، ومن بينهم النائب طلال أرسلان، والوزير السابق عبد الرحيم مراد، وعبد الرحمن البزري.
هذا فضلا عما كشفته وثائق "ويكيليكس" من مواقف ومكنونات تؤكد أننا أمام من "بأسهم بينهم شديد" ومن "نحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى"، مثل مواقف الرئيس ميقاتي تجاه الجنرال عون("نكتة" و"شخصية مضحكة"، "لا أحد يأخذه على محمل الجد" و"هو موجود نتيجة الألعاب السياسية المتداولة في البلاد")، ومواقفه تجاه "حزب ولاية الفقيه" وسلاحه (ورم سرطاني يجب إزالته من أجل الحفاظ على لبنان). وكذلك مواقف عون من الحزب قبل مجيئه الى لبنان بصفقة كريم بقرادوني واميل اميل لحود (لم يعد من تبرير لبقاء حزب الله مسلحاً بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، بما أن الخطر الإسرائيلي ومسألة مزارع شبعا ليسا سوى أعذار يستخدمها حزب الله)، واعتبار الجنرال كما ورد في الوثائق أن "سقوط نظام الأسد في سوريا مع احتمال وصول حكومة سنيّة هو القادر على تغيير كل شيء بما فيه وقف الدعم السوري لحزب الله". وتحفّظات واعتراض النائب العوني ابراهيم كنعان على توريط الحزب لبنان في حرب تموز 2006، وعلى ورقة التفاهم الموقعة بين الطرفين. واعتبار الوزير محمد جواد خليفة أثناء لقائه السفير الأميركي في لبنان أن "حزب الله يريد تحويل حياتنا الى جحيم"، وأن "رئيس المجلس النيابي نبيه بري خدع حزب الله" وأنه "على خلاف مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يظنّ نفسه أكبر من صلاح الدين، وأكبر منّا كلنا"، وهو التصريح الذي حرم خليفة منصبه الوزاري الثابت في الحكومة الجديدة. وذلك كله وفق ما نسبته "ويكيليكس" لهؤلاء مما نشرته الصحف اللبنانية.
3- "حكومة قائد ومرتزقة": فهي أشبه بجيش مؤلف من قائد له مشروعه العقائدي والشمولي الذي يشكل امتدادًا للمشروع الفارسي-الإيراني، يُسَخِّر لتحقيقه ألْوِيَة من المرتزقة التي نال كل منها الأجر الذي يغريه ويلائمه ويشفي أطماعه وشغفه في الوصول الى السلطة، والذي تراوح ما بين حقيبة دولة، وحقيبة سيادية، وعشرة مقاعد وزارية لتأكيد زعامة هشّة وموهومة.
4- "حكومة رعاية الإرهاب": هي كذلك مهما حاولت صبغ بيانها الوزاري بمساحيق التجميل وتبرير سياستها وقراراتها بعبارات الحفاظ على الوحدة الوطنية والعيش المشترك واعتماد أفضل العلاقات مع الدول الشقيقة، ذلك أن أي دعم لما يسمى زورًا وبهتانًا "سلاح المقاومة" الذي يتعارض مع اتفاق الطائف وقد استخدم ولا يزال يستخدم في الداخل والذي تعتبر هذه الحكومة من نتاجه، وأي مس بالمحكمة الدولية، كما أن أي معارضة لقرار دولي يدين ويعاقب النظام السوري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها ضد شعبه، إنما يعد رعاية ودعمًا للإرهاب بعينه.
قد تكون الورقة الأخيرة التي يملكها بشار الأسد في صراعه العبثي من أجل البقاء في السلطة هي استخدام الساحة اللبنانية والحكومة التي شكلها فيها. لذا فإن المرحلة الجديدة والحساسة التي دخلها لبنان مع تشكيل "حكومة ربع الساعة الأخير" يتطلب من قوى 14 آذار التركيز على المعارضة الفعالة والمراقبة الدقيقة، مع الحفاظ على نفَس وروحية "ثورة الأرز" التي ولدت من جديد في 13 آذار الماضي، وعدم ترك الفرصة لحكومة الانقلابيين كي تعبث في ما تبقى من منجزات "ثورة الأرز"، فتسخّر مؤسسات الدولة لمصلحة الدويلة وتحولها الى قطاعات مغصوبة تابعة لـ"ولاية الفقيه" وسوريا.
إن سقوط نظام الأسد سيشكل بلا شك ولا ريب كارثة استراتيجية لطهران ولتطلّعاتها في المنطقة، ذلك أن دمشق تمثّل بوّابة النفوذ الإيراني الى العالم العربي، والتي بفضل التواطؤ معها تستطيع إيران تمويل وتسليح حليفها الثاني في المنطقة وذراعها الطويلة في لبنان. وفي وقت بدأت فيه براعم الحرية والكرامة تتحضّر للتفتح في سوريا معلنة بداية الربيع السوري، من غير المقبول ولا المنطقي أن تنطفئ وتذبل أزهار ربيع "ثورة الأرز" في لبنان معلنة العودة الى خريف الوصاية المقيتة.
وبالعودة الى أخبار الثورات العربية، بدأ العاهل الأردني يتصالح مع شعبيه، لكن على طريقته الخاصّة حيث لامهم على "التقصير" في لطالما اعتبر في المملكة الأردنية من الممنوعات وبأمر من الملك نفسه!
ففي الرابع عشر من حزيران، شنَّ العاهل الأردني هجومًا لاذعًا على الأحزاب السياسية القائمة حاليًا على الساحة، معتبرًا أنها لم تثبت وجودها حتى الآن داخل الأردن، مضيفًا أن تلك الأحزاب لا تمتلك القواعد الشعبية الواسعة داخل الدولة. داعيًا كافة القطاعات الشبابية في الأردن، إلى تشكيل أحزاب سياسية لتفعيل دور الشباب في المملكة في الحياة السياسية خلال المرحلة المقبلة. جاء ذلك خلال خطاب وجّهَهُ الملك عبد الله الثاني للشباب خلال رعايته لافتتاح ملتقى "لنتحاور من أجل الأردن 2011".
أما في الشأن السوري، وفيما يؤكّد تخلّي العدو الصهيوني عن حليفه الاستراتيجي "بشار الأسد"، برز تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي "أفيجدور ليبرمان" نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر بتاريخ 15/6/2011، رفض فيه شن أي عمل عسكري ضد سورية على غرار غارات (الناتو) على ليبيا، لكنه دعا الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي على غرار الرئيس المصري حسنى مبارك، داعيًا دول الاتحاد الأوروبي إلى سحب سفرائها من دمشق، وفرض عقوبات دبلوماسية وسياسية على النظام السوري. ومشيرًا إلى أن الحل الوحيد لوقف نهر الدماء في سورية هو تنحى الأسد، مطالبًا دول العالم بألا يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين.
في غضون ذلك، تظاهر الآلاف من مؤيّدي الرئيس السوري بشار الأسد قهرًا في حي المزة السكني الراقي بغرب العاصمة، وذلك بعد إرغام النظام جميع موظّفي القطاع العام حيث الجداول مضبوطة بالأسماء، على التظاهر، كما أقلَّ كعادته أعدادًا من العسكريين بلباس مدني لتكبير حجم الحشد الشعبي. وأوفد الرئيس السوري مبعوثًا شخصيًا إلى أنقرة للقاء مسؤولين أتراك كبار، بينهم رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان الذي أسمعهم كلامًا قاسيًا عن استيائه من حملة القمع المستمرة، بينما يتصاعد التنديد الدولي بالحملة المستمرة منذ ثلاثة أشهر على المتظاهرين ضد نظام الأسد، وترتفع حصيلة القتلى، مع دفع الجيش السوري دباباته في اتجاه شمال شرق البلاد المضطرب قرب الحدود مع العراق.
وغادر آلاف من السوريين معرّة النعمان الأثرية فرارًا من الدبابات التي تتقدّم في اتجاه مدينتهم . ونادت مكبّرات للصوت في مساجد البلدة محذرة من أن "الجيش قادم ابحثوا عن الأمان لأنفسكم ولعائلاتكم". ووصف المحتجّون العملية التي يقوم بها الجيش السوري في مناطق الجبال الشمالية، بأنها حملة "الأرض المحروقة"، فيما قال جنود سوريون تركوا الخدمة العسكرية وفرّوا الى تركيا، أنهم أُجبروا على اقتراف فظائع.
لبنانيًا، بعد طول غياب، أطل الرئيس الرئيس الأسبق للجنة التحقيق الدولية (في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) "ديتليف ميليس" في السادس عشر من حزيران، ليكرِّر اتهاماته للنظام في سوريا بالتورّط في جريمة اغتيال الحريري. وجديده هذه المرة، تأكيده أن الرئيس السوري "بشار الأسد" هو من أمر بقتل الحريري، بعدما "اشتبه السوريون في أن الحريري سعى بالتعاون مع الفرنسيين والأميركيين الى إسقاط النظام في سوريا وإلى نزع سلاح حزب الله". وحدّد ميليس الدافع الأساسي لاغتيال الحريري بقرار مجلس الأمن 1559، "إذ إن هذا القرار كان موجّهًا ضدّ سوريا".
الى ذلك، خرج نحو ألف شخص في تظاهرة في ساحة التل في طرابلس "تأييدًا للشعب السوري"، وأطلقوا هتافات مناهضة للدولة اللبنانية لتسليمها هاربين من سوريا.
غير أن اليوم التالي شهد تدهورًا أمنيًا مريبًا ومفاجئًا في طرابلس، من خلال اشتباكات مسلحة دارت بين منطقتي "جبل محسن" ذات الكثافة العلوية، و"باب التبانة" السنيّة، على خلفية تظاهرتين واحدة مؤيدة للنظام السوري في بعل محسن وأخرى مناهضة له في التبّانة، حيث سُجّل توتر تطوّر الى اشتباك استخدمت فيه أنواع الأسلحة وأعمال قنص تسبّبت بمقتل شخصَين من عابري السبيل. وفي حصيلة نهائية، أسفرت حوادث طرابلس عن سبعة قتلى و50 جريحًا، وانتهت بانتشار الجيش بين الثانية والخامسة فجر اليوم التالي في منطقتي المواجهات. وقد طرح هذا الحادث الأمني الخطير جملة أسئلة في شأن ما يُحاك للبنان في الإجمال، خصوصًا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سارع الى الربط بين ما حصل ميدانيًا وبين معارضة حكومته سياسيًا، الأمر الذي استوجب ردودًا من عدد من نواب المدينة وتيار "المستقبل"، اعتبرت ذلك الربط تجنّيًا، ودعت الى "التهدئة واتقاء الله".
أثناء تلك التوترات الأمنية في الشمال، كان الجنرال عون يصب مزيد من الزيت على النار، مؤكِّدًا خبر تهديد الحريري بالاغتيال، ويعترف ضمنيًا بضلوعه فيه، حيث قال: "إن حكم الحريري كان لإفقار لبنان(...)، خطة الحريري انتهت (...)، لقد قطعنا له ورقة One Way Ticket فذهب ولن يعود"!
مغربيًا، بدا أن العاهل المغربي الملك محمد السادس مصمِّم بذكاء على النجاة بعرشه من حريق الثورات بالتجاوب الى حد بعيد مع مطالب الشعب، ومن غير المستبعد أن ينجح في نيل مراده.
فوسط حركات الاحتجاج التي تعصف بعدد من الدول العربية، أعلن العاهل المغربي في خطاب ألقاه في 17/6/2011 ووجّهه الى الأمة، مسوّدة مشروع دستور جديد يهدف الى تركيز دعائم "ملكية دستورية ديموقراطية برلمانية واجتماعية تقوم على فصل السلطات". وقال إن مشروع مراجعة الدستور المغربي سيخضع للاستفتاء الشعبي في الأول من تموز المقبل. وأضاف أن الوزير الأوّل المغربي الذي سيُسمّى "رئيس الحكومة"، سيُمنح صلاحية حل مجلس النواب، وأن الدستور المقترح سيكفل التمثيل النسبي للمعارضة في أجهزة البرلمان، مشيرًا الى أن القضاء المغربي سيكون مستقلاً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما تمنح المسودة الحكومة صلاحيات تنفيذية صراحة، على رغم أن الملك سيحتفظ بسلطته المطلقة في المجالات العسكرية والدينية، وسيختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية.
لبنانيًا، كان تصريح الجنرال البرتقالي الأخير الذي تناول فيه الرئيس الحريري يتفاعل، مع الرد العنيف لرئيس "كتلة المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة الذي قال في 19 حزيران: "سمعنا كلامًا كبيراً مليئًا بالأحقاد والكيد والتوتر، ومنه ما قاله أحدهم بأنه أعطى الرئيس سعد الحريري بطاقة سفر One Way Tiket روحة بلا رجعة". وأضاف مستدركًا: "لكن أليس من الأسهل أن يصدر هذا الشخص بطاقة سفر لنفسه فيريح ويرتاح". وسأل السنيورة الرئيس ميقاتي: "هل أنت جئت مكلَّفًا لاستئصال إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري(...)، الكل يعلم أن الحائط الذي بناه رفيق الحريري والشعب اللبناني عال كثيرًا لا يستطيع أحد أن يتسلّقه وأن يقفز فوقه".
في هذه الأثناء، توجّه بعض أقطاب المعارضة وشخصياتها الى باريس لإجراء مشاورات مع الرئيس سعد الحريري في صدد المرحلة الجديدة، والاتفاق على رسم معالم النهج الذي ستتبعه المعارضة في ضوء التطورات الجارية داخليًا وخارجيًا، وبعد تأليف الحكومة الميقاتية.
في الشأن الليبي، كشف المسؤول في الخزانة البريطانية داني ألكسندر في 21 حزيران، أن كلفة العمليات العسكرية في ليبيا بلغت مئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية. وأبدى وزير الدفاع في حكومة الظل جيم ميرفي قلقه من ارتفاعها.
أما في سوريا فكانت تقارير منظمات حقوق الإنسان تشير الى سقوط 1300 مواطن في سورية، منهم 77 ولدًا، قُتلوا في المواجهات العنيفة بين أجهزة الأمن والجيش والمتظاهرين. لكن العدد أكبر من ذلك بكثير خصوصًا مع منع النظام الإعلام غير الرسمي بتغطية الأحداث في سوريا، كما لا يزال مجهولاً مصير مئات المفقودين والمختطفين الذين حُمّلوا في سيارات عسكرية وأُخذوا الى مكان غير معلوم. كذلك اختفت آثار عشرات الجنود والضباط في القوة النظامية التي يستعملها "ماهر الأسد" شقيق بشار، في مراكز المظاهرات.
لم يكتفِ جنرال الرابية بقدر التطاول الكيدي الذي مارسه على زعيم المعارضة الوطنية والسنيَّة سعد الحريري، بل أراد المضي قدُمًا في إظهار حقده التاريخي الدفين مستقويًا ومشبعًا شبقه الآثم ذاك بسلاح الغدر.
ففي 21/6/2011، علّق عون على ردود الفعل التي أثارتها عبارته one way ticket حيال الرئيس الحريري، فقال: "سنقول لهم one way in من الآن وصاعدًا، ولن نعطيهم نعمة ترك البلد. يتم العمل على جناح كبير في سجن رومية وسيتسع لعدد كبير منهم"!
بيد أنه هذه المرّة فضّل الحريري الرد عبر مكتبه الإعلامي، وذلك في بيان أكّد : "أن الأشخاص الوحيدين الذين سيكون مصيرهم السجن، هم قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الارز، وأصحاب النفوس المريضة الذين يحمونهم. فمن يعتقد أنه يعيش تحت حماية القتلة والمجرمين، عليه أن يتبصَّر جيِّدًا بحقيقة أن الشعب اللبناني أوعى من أن ينجرَّ خلف الشعارات التحريضية الفارغة التي يطلقها باستمرار. أما في ما يتعلّق بكل التعابير التي أطلقها النائب عون أخيرًا عن بطاقات الذهاب والإياب وتوسيع الأجنحة في سجن رومية، فنحن نؤكِّد أننا بانتظار شرف التصدي لأي يد تمتد الى أي من الشرفاء في لبنان".
أمر غريب عجيب شهده الثاني والعشرون من حزيران 2011، وصل الى حد تغيّر معالم كوكب الأرض، بإزالة قارّة بأمّها وأبيها عن وجه الخارطة!! نعم، ففي ذلك اليوم "التاريخي"، سَخِرَ وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" من رفض الاتحاد الأوروبي وُعُود الرئيس "بشار الأسد" بإجراء إصلاحات، معتبرًا أن "أوروبا تريد زرع الفوضى في سوريا"، وأضاف "سننسى أن أوروبا على الخارطة وسأوصي قيادتي بتجميد عضويتنا في الاتحاد من أجل المتوسط"، و"سنتجه شرقًا وجنوبًا والى كل اتجاه يمد يده الى سوريا، العالم ليس أوروبا فقط، وسوريا ستصمد كما صمدت في 2003، وكما كسرت العزلة آنذاك وهي قادرة على تخطيها". وجوابًا على مستقبل سوريا في ظل الاحتجاجات والمواقف الدولية أكد المعلم أن "القافلة السورية ستسير مهما عَوَت الكلاب"!
وليس بعيدًا عما يحدث في سوريا وتداعياته السياسية، دخلت أنقرة على خط المصالحة الفلسطينية في 22حزيران، إذ أجرى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو محادثات مع "خالد مشعل" الذي زار تركيا لمدة يومين بالتزامن مع زيارة "محمود عباس" للعاصمة التركية. وأبدى "أوغلو" استعداد بلاده لتقديم أي مساهمة من أجل تحقيق التوافق بين حركتي "فتح" و"حماس"، موضِحًا أن تركيا كانت منخرطة بفاعلية في التوصل الى اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإنه حضر إحتفال توقيع الإتفاق في القاهرة.
وعلى الصعيد اللبناني، جدّد "حسن نصر الله" في 24حزيران دفاعه عن متظاهري البحرين، كما دافع عن النظام في سوريا بشدّة، معتبرًا: "أن هناك نظامًا عربيًا وحيدًا ممانعًا ومقاومًا هو النظام السوري"، واصفًا المتظاهرين السوريين بـ"الثوار الأميركيين"، محذِّرًا من أن : "العمل على اسقاط هذا النظام المقاوم الممانع في سوريا المستعد للإصلاح، هو خدمة جليلة لإسرائيل وخدمة جليلة لأمريكا، وخدمة جليلة للسيطرة الأميركية الإسرائيلية على منطقتنا"!
وفي الشق اللبناني من خطابه، علّق نصر الله على اقتراب موعد الإعلان عن القرار الاتهامي قائلاً: "نحن خرجنا من المحكمة ولا علاقة لنا بها". الى ذلك، أقرَّ باختراق حزبه بثلاثة عناصر، اثنان "سي آي إي" وواحد "ربما موساد"، مع العلم أنه نفى بشكل قاطع صيف 2010 أن يكون حزبه مخترقًًا، وأكد على مناعته وتحصينه، وذلك على خلفية زيارة الحريري يومها له حيث أعلمه أن المحكمة ربما تتّجه لاتهام عناصر من الحزب، وبالتأكيد هذه عناصر غير منضبطة، فانتفض "نصر الله" عندها ليؤكِّد أن كل عنصر يمثِّله شخصيًا. وقد فُسِّر إقرار "نصر الله" أنه يستبق إيجاد المخارج للتنصّل من القرار الاتهامي المرتقب إعلانه والذي بات شبه مؤكّد أنه سيشر الى ضلوع عناصر من الحزب في الجريمة.
وفي سياق متّصل، نقلت مجلة "لو فيغارو" الفرنسية في اليوم التالي، أن الحزب يقوم بنقل أسلحته المخبأة في المخازن في سوريا الى لبنان، بعد أن ساوره القلق من خسارة حليفه في دمشق، فسوريا "هي الممر الخلفي الذي تنقل منه إيران الأسلحة الى حزب الله الذي يسعى الى إخراج الحد الأقصى من أسلحته قبل أن يسقط النظام البعثي". وأكدت أن أجهزة الاستخبارات الغربية رصدت، في الأسابيع الأخيرة، "تحركات لشاحنات قرب الحدود بين سوريا وسهل البقاع في لبنان حيث يمتلك حزب الله مخازن للأسلحة".
في هذه الأثناء، وفيما يدل على أن الصدور الرسمي العلني للقرار الاتهامي لن يتعدّى الأسبوع الأول من تموز المقبل، كشفت مصادر في قصر العدل لصحيفة "الأنباء" الكويتية في 25/6/2011، عن مغادرة القضاة اللبنانيين الأعضاء في المحكمة الدولية الى لاهاي، كل بطريق مختلف، وبعيدًا عن الأضواء.
توصيف الوضع الحكومي، والرد على مواقف "نصر الله" الأخيرة، جاء هذه المرة من "حكيم ثورة الأرز" الدكتور "سمير جعجع"، الذي اعتبر في 27حزيران، أن المشكلة في الفريق الآخر أن "شلش الحياء طق"، مؤكدًا أن القوى الرئيسة الموجودة في هذه الحكومة هي سوريا من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى "وهذا ليس تجنيًا ولا سر نكشفه". وتابع: " هذه الحكومة واضحة جاءت ولديها مهمتان رئيسيتان، أولا لتشكيل خط دفاع أول عن النظام السوري في الوقت الحاضر بعد سقوط كل خطوط الدفاع الأول عن النظام تقريبًا، باستثناء روسيا، وثانيًا لمواجهة القرار الاتهامي".
وأضاف: "لقد سمعت من 5 أو 6 أشخاص أنه إذا أرادت "14 آذار" المعارضة فلتعارض، ولكن يجب أن تكون معارضتها بنّاءة"، سائلاً: "ما القصد من القول يجب أن تكون معارضة "14 آذار" بنّاءة؟ هل تكون كما عارض الفريق الآخر في 23 كانون الثاني 2007؟ أو أن نجلس في وسط المدينة ونطوّق السراي ونشل الحياة على مدى سنة ونصف؟". وعن المطالبة بإعطاء الحكومة فترة سماح، قال: "إذا رأى أحد أمامه شجرة كينا هل يمكن أن يقول للآخر انتظر من الممكن أن تثمر هذه الشجرة ببعض التفّاحات؟ كيف من الممكن أن تثمر هذه التفّاحات؟"، مشيرًا إلى أنه إذا راى أحد "علّيقة" لا يمكن أن يقول للآخر إنتظر من الممكن أن نقطف بعض الكرز منها".
وردَّ "جعجع" على كلام أمين عام "حزب ولاية الفقيه" الأخير عن المحكمة قائلاً: "بكل أسف أقول إن هناك بعضهم من حزب وازن يصرح ويقول نحن خرجنا من المحكمة ولا علاقة لنا بها"، متسائلاً: "هل المحكمة صالون "أبو كوكو" يدخل إليها ويخرج منها ساعة يشاء؟!(...)هذا الكلام غير مسؤول".
خليجيًا، وبعد أكثر من شهرين من دخول القوات السعودية البحرين للمساعدة في وضع حد لحركة الاحتجاج التي قامت بها الغالبية الشيعية مطالبة الأسرة الحاكمة بإصلاحات، أفاد مصدر في الحكومة البحرينية في 28 حزيران، أن السعودية ستسحب أكثر قوّاتها من البحرين اعتبارًا من الرابع من تموز المقبل، "لأن الوضع أصبح أكثر هدوءًا".
أخيرًا، وبعد طول انتظار تخلَّله نضال طويل عمِّد بدماء شهداء أبرار دفعوا أرواحهم ثمنًا لوطن سيد مستقل حر القرار، دقت ساعة الحقيقة، وصدر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
الثلاثون من حزيران 2011، بات يومًا تاريخيًا ومفصليًا ختم فترة زمنية دامت ست سنوات وأربعة أشهر وستة عشر يومًا مضت على جريمة العصر، لم يفوّت خلالها المجرمون أي فرصة للهروب من العدالة وإعلان الحقيقة، ابتداءً من تصفية خيرة قادة "ثورة الأرز"، مرورًا بافتعال حروب داخلية وخارجية وتوترات أمنية بالتوازي مع عرقلة إقرار المحكمة الدولية في مجلس النواب، وصولاً الى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بعدما فشلوا في انتزاع توقيعه على إهدار دم والده وسائر شهداء مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال.
أوهموا أنفسهم ومن استطاعوا أسره من شعبهم أن بإمكانهم إجهاض المحكمة الدولية وقتل قرارها الاتهامي قبل ولادته من خلال استرهانهم لبنان بقوة الحديد والنار، وعبر التهديد بالفتنة وهزّ السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار (بمواكبة إعلامية وسياسية صهيونية مريبة ولافتة)، وعبر الضغط على الرئيس سعد الحريري وابتزاز قوى 14 آذار لثنيهما عن التمسّك بالمحكمة وإرغامهما على القبول بالمساومة على دماء الشهداء والتخلّي عن العدالة مقابل الاستقرار، وبالتالي تكريس منطق الجريمة السياسية وتسييد شريعة الغاب في لبنان.
ظنُّوا أنهم يستطيعون الوقوف في وجه محكمة أنشئت بموجب قرار دولي وتحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ووصل استكبارهم الى حد وصفها بالمؤامرة وأنها "ستذهب أدراج الرياح"!
أوقعوا أنفسهم المذعورة في كثير من التخبّطات، وشابت مرافعاتهم التضليلية جملة سقطات وعثرات، ولا سيّما في صيف 2010 أثناء عرضهم مسلسلهم البوليسي ذي الخمس حلقات، الذي ابتدأ بحلقة "كاد المريب يقول خذوني" وختم بحلقة "تمخّض الجبل فولد فأرًا"، يوم حاولوا إلباس جريمة العصر للعدو الإسرائيلي، من خلال مؤتمر صحافي جمع بين الكوميديا والدراما والهزل والهراء، مستعينين بأفلام فيديو وتحقيقات وشهادات مسجلة خارجة عن السياق، ومعتمدين كما جرت العادة أسلوب الاستخفاف بالعقول واستغباء المشاهدين والقراء.
القرار الاتهامي سقط كالصاعقة على الحكومة الوليدة، وهي لم تُنهِ بعد قراءة بيانها الوزاري وإقراره.
لحظة الحقيقة هذه بينت هشاشة الفذلكات الإنشائية التي سعى واضعو البيان من خلالها للالتفاف على إلتزامات لبنان حيال المحكمة؛ ففضلاً عن تأكيده على ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، نص البند الرابع عشر من البيان الوزاري على الآتي: "إن الحكومة انطلاقًا من احترامها للقرارات الدولية، تؤكِّد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئيًا لإحقاق الحق والعدالة، بعيدًا من أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلبًا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي". وقد سجّل تسعة وزراء تحفظاتهم عن عبارة "مبدئيًا" الواردة في صلب البند، وهم الوزراء غازي العريضي، وائل أبو فاعور، علاء الدين ترو، وليد الداعوق، حسان دياب، نقولا نحاس، محمد الصفدي، سمير مقبل وأحمد كرامي.
توازيًا مع ذلك، كان المدعي العام التمييزي "سعيد ميرزا" يتبلَّغ من وفد ثلاثي من المحكمة دفعة أولى من مذكرات توقيف في حق أربعة متهمين بالتورط في "جريمة العصر"، ويتسلَّم من وفد المحكمة أربعة مظاريف مختومة يتضمّن كل منها نسخة من القرار الاتهامي لتسليمها الى المتهمين الأربعة في حال توقيفهم. ولم يتسلَّم "ميرزا" نسخة من القرار الاتهامي للاطلاع عليه، لأن "القرار الإتهامي سيبقى مختومًا" الى ان تنتهي مهلة الأيام الـ30 التي يجب أن تقدم السلطات اللبنانية خلالها ما لديها من متهمين أو معلومات عنهم وعن أماكن وجودهم.
وأفادت مصادر قضائية أن ميرزا باشر على الفور إجراءات تنفيذ مذكرات التوقيف عبر قسم المباحث الجنائية المركزية الذي يتخذ قصر العدل مقرًا له.
بيد أن أسماء المتهمين وبعض التهم المسندة إليهم ما لبثت أن تسرّبت الى الإعلام، الذي كشف أنهم عناصر قيادية من "حزب ولاية الفقيه"، وهم: "مصطفى أمين بدر الدين"، من مواليد 1961، عضو جهازي في مجلس شورى "حزب الله" وقائد العمليات الخارجية، وبحسب المذكرة فإن بدر الدين متّهم بأنه خطط وأشرف على تنفيذ عملية اغتيال الحريري، والمشرف العام على هذه العملية . "سليم جميل العياش"، من مواليد 1963، متطوع في الدفاع المدني وينتمي لـ"حزب الله"، وهو قد يكون يحمل الجنسية الأميركية. وبحسب مذكرة التوقيف، فإن عياش المسؤول عن الخلية التي نفذت عملية إغتيال الحريري، وشارك في عملية التنفيذ. "حسين حسن عنيسي"، من مواليد شحور قضاء صور عام 1994. و"أسد حسن صبرا"، من مواليد بيروت/زقاق البلاط عام 1976.
وعزت مصادر قضائية تسريب هذه الأسماء المتورطة باغتيال الحريري إلى تسلّم السفارة الهولندية في لبنان نسخة عن القرار الاتهامي قبل تسلّمه من القضاء اللبناني.
وفيما رفض المسؤولون في "حزب ولاية الفقيه" التعليق على صدور القرار والأسماء التي يشملها، جدَّدت محطة "المنار" التلفزيونية مساءً اتهام المحكمة بالتسييس، وقالت: "نطق أرباب المحكمة بقرارهم المعروف سلفًا والمطابق نصًا وروحًا لتسريبات دَرَجَت عليها صحف غربية وعربية، وحتى إسرائلية منذ سنوات خلت. اختارت دوائر القرار السياسي الممسكة بقرار المحكمة توقيتًا سياسيًا لقرارها الاتهامي على إيقاع تطورات عربية ومتغيرات لبنانية، أبرزها تشكيل الحكومة وإقرار بيانها الوزاري".
وتابع إعلام الحزب: "لا مفاجآت في قرار المحكمة الدولية الاتهامي، ولا مفاجآت في الأسماء، ولا شيء يختلف البتة عن مسلسل التسريبات المستمرة منذ سنوات. والجديد الوحيد هو توسيع دائرة الاستهداف السياسي الذي لأجله كانت المحكمة حسب النية الاميركية والرغبة الاسرائيلية".
من جهته، وفي كلمة توجه بها الى اللبنانيين على أثر صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن "الحكومة ستتابع المراحل التي ستلي صدور القرار وما يترتب عليه من إجراءات ونتائج، وهي ملتزمة العمل لتجسيد الإرادة الوطنية الجامعة التي تضمن منعة لبنان وقوته". وقال: "إننا اليوم أمام واقع مستجد يتطلَّب منا مقاربة واعية ومدركة، نضع فيها مصلحة البلاد العليا وسلمنا الأهلي ووحدتنا الوطنية وحرصنا على معرفة الحقيقة، فوق كل اعتبار، فنتعامل بمسؤولية وواقعية مع هذا الحدث انطلاقًا من أن القرارات الاتهامية، أيًّا كان مصدرها، ليست أحكامًا، وأن الاتهامات تحتاج الى أدلة دامغة لا يرقى إليها الشك، وبأن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته".
في المقابل، قوبل صدور القرار الاتهامي بترحيب واسع من قوى 14 آذار وقادتها، مقرون بتحميل الحكومة مسؤولية التعاون مع المحكمة والتحذير من أي تراجع عن التزامات لبنان حيالها.
فقد وجّه الرئيس سعد الحريري رسالة الى اللبنانيين قال فيها: "بعد أعوام طويلة من الصبر والانتظار والكفاح الوطني المتواصل، أُعلن اليوم القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. اليوم نشهد معًا للحظة تاريخية مميزة في حياة لبنان السياسية والقضائية والأمنية والأخلاقية، وأشعر بنبضات قلبي تعانق قلوب كل اللبنانيين، الذين دافعوا عن قضية العدالة، ورفضوا المساومة على دم الشهداء". وطالب الحكومة بتنفيذ التزامات لبنان حيال المحكمة قائلا: "لا حجة لأحد في الهروب من هذه المسؤولية (...) نهاية زمن القتلة قد بدأت وبداية زمن العدالة أوشكت".
وبدوره، اعتبر الرئيس "أمين الجميل" أن "لا كبير أمام العدالة"، وأن "يدها يجب ان تطال أيا يكن ومن اي مرتبة"، وأشار الى "أن الأسماء التي وردت في القرار الاتهامي قريبة من بعض أركان الحكومة"، واعدًا بقراءة القرار بتعمق لاتخاذ الموقف المناسب. وطالب الأجهزة الامنية والقضائية بالقيام بكل واجباتها لتنفيذ قرار القضاء الدولي، وليس هناك عذر لعدم تنفيذه.
أما رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، فقد شدَّد على "أن المطلوب من الحكومة مواكبة عمل المحكمة لحظة بلحظة"، معتبرًا أن "أي تملُّص يُعَدُّ خيانة بحق الشهداء وكل اللبنانيين، وخصوصًا أن المحاكمة بذاتها تعطي كل صاحب حق حقه". وقال "إن المتهم (وفقا للقرار الاتهامي) متهم بشخصه وبذاته، ولا نربط في أي شكل من الأشكال بين أي شخص متّهم والطائفة أو الحزب أو الوطن الذي ينتمي إليه"، مشدِّدا على "وجوب ألا يترك القرار الاتهامي أي تداعيات، بل يجب أن ينفِّس الأجواء، وخصوصًا إذا قامت الحكومة بعملها لجهة تنفيذ مذكرات التوقيف وسوق المتهمين الى العدالة". وطلب من "كل قواعد قوى 14 آذار وكل المعنيين مباشرة شخصيًا أو سياسيًا بالشهداء، أن يتصرّفوا بكل حكمة ورويّة وسلام، بعيدًا من أي تشنّج أو ردود فعل، ومتابعة مسار المحكمة والعملية القضائية بهدوء". وقال: "كل متهم بريء حتى إثبات العكس، وعلينا أن نتابع مسار المحكمة خطوة خطوة، والقرار الاتهامي لا يعالج إلا بمنطق القرار الاتهامي. وهناك مكتب للدفاع في المحكمة عن كل المتهمين".
صدق "الحكيم"؛ فاليوم، مع صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تضمّن بدفعته الأولى أربع مذكرات توقيف صادرة في حق أمنيين لبنانيين من "حزب ولاية الفقيه"، ينتظر أن تتبعها مذكرات أخرى تشمل متهمين آخرين من لبنان وسوريا وإيران، انتقل ملف الجريمة من مرحلة الحرب بالمناظير المستندة الى التسريبات والتكهنات والفبركات والترهات والإشاعات والاتهامات السياسية...الى مرحلة الأدلة الدامغة والحجج المقنعة والبراهين القاطعة والقرائن القوية الساطعة، التي لا ينفع معها التلطي خلف قناع ما يسمى "مقاومة" أو "ممانعة" كشفه رامي مخلوف، ولا اللجوء الى عقد مؤتمر صحافي جديد يناقش المحكمة في الشكل ويتعامى عن أدلتها، ولا إعادة اجترار مسلسل تلفزيوني مكرر مبني على فرضية تسييس المحكمة و"أسرَلتها"، كما لا يجدي حيالها "تكليف الشرعي" يحوّل في أعين متّبعيه الأسود أبيض والأبيض أسود، والأسد حملاً، والفيل طائرًا، والنملة وحشًا، والعصفور من الزواحف، والثعبان من الثدييات، والقط من الحشرات.
اليوم، دخلنا مرحلة المرافعات وغرف المحاكمات ورزم الملفات، والإعلان عن الوقائع وإبراز الأدلة والوثائق التي لا يمكن دحضها أو التشكيك في صحتها إلا من خلال مواجهتها بأدلة أخرى مضادة لا تقل عنها قوة، ذلك أن المصادقة على القرار الاتهامي تعني أن القاضي "فرانسين" مقتنع بوجود أدلة كافية ومقنعة للانتقال الى المحاكمة، فسمعة المحكمة وصدقيتها ومهنية كادرها القضائي على المحك، وكل ما سيصدر عنها خاضع لمراقبة العالم بأسره.
لا جدال في أن القرار الاتهامي ليس حكمًا بالإدانة، وأن أي متهم يعتبر بريئًا حتى تثبت إدانته في المحاكمة، لكن ذلك لا يعني أنه يمكن الفصل في هذه الجريمة وملحقاتها بين الشخص المتهم والحزب الذي ينتمي إليه كما يدعي البعض محاولا تلطيف الأجواء، فهذه أضحوكة كبرى لا قيمة لها قانونيًا ولا قضائيًا ولا منطقيًا، ولا سيما أننا أما جريمة يحتاج تنفيذها الى إمكانات دول سواء على صعيد الاستخبارات أو الاستطلاع أوالتمويل أوالتجنيد أوالتخطيط، أوالتنفيذ بعد تأمين ألفي كيلوغرام من المتفجرات!
القرار الاتهامي وما أرفق به من مذكرات جلب وتوقيف لم يفاجئ أحدًا لا من أهل السياسة ولا من عامة الناس، كما لم يُحدِث صدمة شعبية في لبنان، إلا أن سبب ذلك ليس لأن الناس لم تعد تقيم للمحكمة شأنًا بعدما صوّب عليها "حزب ولاية الفقيه" صواريخ التسييس والتخوين "ففضح أمرها" و"قوّض سمعتها" وأفرغ قرارها من مضمونه "المفبرك" كما يدعي "الحزب" اليوم، بل السبب الجوهري يكمن في أن الجهة التي دأبت طوال السنوات الماضية على محاولة تعطيل مسار العدالة وعرقلة عمل التحقيق الدولي كانت حقيقة أوّل من سرّب مضمون القرار الاتهامي موجهة أصبع الاتهام الى نفسها بنفسها، من خلال جلب الشبهات التي تؤشّر الى ضلوعها في جريمة العصر وما ارتبط بها من اغتيالات، فجاء الإعلان الرسمي عن القرار الظني بالنسبة لعموم الناس ليؤكِّد المؤكَّد ويكرر المكرَّر ويعلن ما سبق للمتهم أن أعلنه بنفسه.
وليس صحيحًا أن القرار الاتهامي كان في سباق مع تشكيل "حكومة رعاية الإرهاب" في لبنان وسوريا وإعدادها البيان الوزاري الذي اعتمد عبارات حمّالة أوجه للتنصل من التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، بل على العكس تمامًا، كان الحزب الحاكم الذي أصر على اتهام نفسه بالتورط في تلك الجرائم هو من يسابق القرار الاتهامي ابتداء من إقدامه على إسقاط حكومة الحريري وسط معلومات عن اقتراب موعد صدور القرار، مرورًا باتخاذ قرار التأليف بعد نحو خمسة أشهر من المراوحة عندما سادت الأجواء نفسها وأصبحت أكثر تأكيدًا، وصولاً الى الاتفاق على بند "النتصل" من المحكمة العالق في البيان الوزاري بعد خلاف "أكثري" صباحي ما لبث أن انتهى مساء عندما تأكد الانقلابيون أن صدور القرار بات مسألة ساعات معدودات.
إن صدور القرار الاتهامي والانتقال الى مرحلة المحاكمة إنما يعد انتصارًا لمنطق العدالة في لبنان وخطوة مهمة باتجاه وضع حد لمسلسل الاغتيالات السياسية والإفلات من العقاب الذي حكم لبنان منذ سنة 1976 حاصدًا أرواح زعماء وطنيين وسياسيين وعلماء دين وصحافيين وقادة رأي ومفكرين.
في خضم التغيّر المناخي الذي تشهده المنطقة حيث يجتاح ربيع حرية الشعوب وكرامتها خريف الأنظمة الديكتاتورية البائدة، وصل في عز الصيف ربيع العدالة وربيع الشهداء الى لبنان، الذي مع سير المحاكمات وتقدم مسارها ستتفتح أزهاره ووروده تباعًا حمراء قانية بعدما تغذت من تربة روتها دماء شهداء ماتوا ليحيا لبنان.

 

  

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !