2011
عامُ الحَقِيقَةِ
وَالرَّبِيعِ العَرَبِيِّ
بقلم
عبدو شامي
2012
http://abdoshami.elaphblog.com
الفهرس
المقدمة 22
كانون الثاني 2011.. شكرًا أيّها الانقلابيون! 24-86
الأزمة الحكومية مستمرة، ودخول فرنسا على مسعى احتواء التعقيدات الداخلية 24
السفيرة الأميركية توضّح أسباب تعيين سفير لبلادها في دمشق 25
نبيه بري: كانون الثاني شهر الحسم في موضوع المحكمة الدولية! 25
مواقف الأطراف من ملف ما يسمى "شهود الزور" 25
توقّف مساعي الـ"س-س"، وسوريا تطالب الحريري بإسقاط اتفاق 17 أيار! 25
الجناح المسيحي في 14 آذار يرد على النظام السوري، والمراوحة سيّدة الموقف 26
8آذار تبتز الحريري، والأخير يرد: تفاهم الـ س-س ناجز وينتظر التنفيذ 26
الحريري الى نيويورك مع اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي 27
بنود التسوية بالنسبة لكل من 8 و14 آذار 27
الاستفتاء على تقسيم السودان يخطف الأضواء 28
مشهد نيويورك ينحسر عن تأييد دولي للمحكمة، و8آذار تستنفر بأمر سوري 29
السعودية تبلّغ سوريا وصول مساعي التسوية الى طريق مسدود 29
الخليلان في سوريا يتبلّغان في دمشق قرار إسقاط الحكومة 30
من دمشق الى الرابية: جلسة حكومية لإنهاء المحكمة خلال 24 ساعة وإلا... 30
عون ينعى الـ"س-س"، والمستقبل يرد، 8 آذار تتواصل مع عمر كرامي 30
أجواء مشحونة تذكّر بعشية 7 أيار، وإشاعات حول استهداف قوى الأمن الداخلي 30
الحريري يوافق على عقد الجلسة، لكن على قاعدة التمسك بالمحكمة وبعد 48ساعة 31
8آذار تباشر تنفيذ خطتها: الحريري لن يقابل أوباما إلا رئيسًا لحكومة مستقيلة 31
حكيم ثورة الأرز يرد: الاستشارات ستعيد الحريري ولا دوحة2 ولا تنازلات 32
المعارضة تسقط حكومة الحريري بالضربة القاضية أثناء لقائه الرئيس الأميركي 32
استنفار دولي داعم للمحكمة، و14 آذار ترفض المساومة وتنتظر عودة الحريري 33
المعارضة تستعجل مراسيم رئاسة الجمهورية وتحديد موعد الاستشارات النيابية 34
لا لسعد ولا لتأخير الاستشارات، نعم لرئيس حكومة مقاوم! 34
بوانتاجات للتأكد من هوية الأكثرية، وجنبلاط بيضة القبّان في المعادلة الحالية 35
جنبلاط يزور نصر الله وينسّق موقفه مع الجانب السوري 35-36
سوريا: لا مبادرات إيجابية والأوراق كلّها في يدنا 36
بري يحدّد مع سليمان موعد الاستشارات النيابية، في سباق مع القرار الاتهامي 36
الحل الأمني يطلّ برأسه احتياطًا لتعثّر الحل ذو الوجه الدستوري 36
الحريري وصل الى بيروت والتقى جنبلاط، وجنبلاط الى دمشق 37
الحريري من بعبدا: بين السلطة وكرامة اللبنانيين، أختار كرامة اللبنانيين 38
ثورة الياسمين في تونس تطيح بزين العابدين بن علي 39
التحركات الاحتجاجية تمتد الى الأردن سيرًا على النمط التونسي 40
جنبلاط العائد من سوريا يرجئ إعلان موقفه الى يوم الاستشارات 41
مفتي الجمهورية يدعم ترشيح الحريري 42
تلفزيون الجديد يبث شهادة الحريري أمام لجنة التحقيق الدولية 43
تسجيلات لجنة التحقيق الدولية تتفاعل والمعارضة تتهم الحريري بـ"شهود الزور" 44
نصر الله: إجماع على عدم تسمية الحريري، وجنبلاط أقرب الى إعادة تسميته 44
المعارضة تضغط لتأجيل الاستشارات النيابية، وتعلن أن عمر كرامي مرشّحها 44
السفير الأميركي يصل الى سوريا، والبطريرك صفير يقدّم استقالته 46
جنبلاط لتسمية الحريري، والمعارضة تأجّل الاستشارت بعد الضغط على سليمان 47
قوى 14 آذار تشجب قرار تأجيل الاستشارات، والحكيم يسجّل موقفًا 48
قاضي المحكمة الدولية يتسلّم القرار الاتهامي في جريمة العصر 49
14 آذار تصعّد نبرتها، وتحدّد عناوين مرحلة ما بعد القرار الاتهامي 50
قمة سورية-قطرية-تركية، ووزيرا الخارجية القطري والتركي الى لبنان 50
العدوى التونسية تنتقل الى مصر وسلطنة عمان 50
تنفيذ عملية "القمصان السود" مع وصول وزيري خارجية تركيا وقطر 51
السعودية ترفع يدها عن الـ س-س، وتحذّر من تقسيم لبنان 53
قوى 14 آذار تعاهد الاستقلاليين على الدفاع في وجه الانقلاب الإيراني 54
تظاهرات في اليمن على الطريقة التونسية 55
انهيار الوساطة التركية-القطرية 56
حرب نفسية عن التحضر لعمل أمني تلقي الذعر في نفوس بعض المواطنين 56
الحريري يؤكّد ترشيحه متحدّيًا الأساليب الميليشيوية 57
تحرّك ميداني ليلي في قرى ذات تماس شيعي-درزي لتطويع جنبلاط 58
جنبلاط ينحاز الى مرشح المعارضة، ويعلن وقوفه الى جانب سوريا و"المقاومة" 59
تظاهرة عفوية لـ14آذار تزامنًا مع منع كوادرها من الاجتماع في أحد الفنادق 60
الشرعي يجدد دعمه للحريري والحكيم يطالب سليمان بإعادة الحق الى أصحابه 61
الحزب يكشف حقيقة مشروعه، ومعلومات عن استبدال سوريا كرامي بميقاتي 62
دعم إسرائيلي لمرشّح قوى 8 آذار، وإعلام المعارضة يتلقّف الدعم ويستثمره 62
14 آذار تنجح في الرد وفضح الدعم الصهيوني لـ8آذار على غير عادتها 63
المعارضة تحرق اسم عمر كرامي وتعلن ترشيحها نجيب ميقاتي، وأهداف ذلك 64
المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية يرثي كرامي ويكلّف ميقاتي تشكيل الحكومة 65
14 آذار ميقاتي ليس توافقيًا بل مرشّح "سوريا وحزب الله" 66
مجلس المفتين ومسيحيو 14 آذار يناشدون سليمان عدم تمرير المخطط الانقلابي 67
تسجيل صوتي لضابط سوري يرغم أبو عدس على تبنّي اغتيال الحريري 67
الحريري لعدم المشاركة في حكومة مرشح 8 آذار، وانفراط عقد كتلة جنبلاط 68
اليوم الأول من الاستشارات ينتهي بتقدّم ميقاتي 68
يوم غضب على وقع استشارات اليوم الثاني، واستمرار التأيد الصهيوني لـ8آذار 69
ميقاتي رئيسًا مكلّفًا تشكيل حكومة "ولاية الفقيه" في لبنان في أربعين الحسين 70
تفاصيل يوم الغضب السنّي 70
ميقاتي: أنا السنّي الأول، والحريري يرد شاعرًا بالخيانة، ويهدّئ الشارع 71
نصر الله في خطاب ذي إيحاءات طائفية: الحسين عليه السلام سمع صوتكم! 73
14آذار شبابي مصغّر في ساحة الحرية، والاتفاق على اعتصام يومي مسائي 74
ردود فعل دولية باردة على إمساك الحزب الإيراني بالرئاسات اللبنانية الثلاث 75
إنطلاق الثورة المصرية 76
لقاء خاطف بين الحريري وميقاتي، وكرامي يكذّب نصر الله، وعون يفضح ميقاتي 77
14 آذار ترفض المشاركة في حكومة الانقلابيين، ومفارقة غريبة 78
أميركا سلّمت بنتائج الانقلاب، والإعلام الإسرائيلي يُطمئن: ميقاتي صديق الأسد! 78
إعلان إيراني عن توجّه سفن حربية إيرانية لعبور قناة السويس يثير الاستغراب 79
كتلة المستقبل تعلّق مشاركتها في الحكومة بإجابة ميقاتي على أسئلة صريحة 80
فضيحة جديدة تكشف وسطية ميقاتي المزعومة: أحد مموّلي جريدة الأخبار 80
نظام حسني مبارك في مأزق أمام التظاهرات المليونية، وأميركا تعلن تخلّيها عنه 81
بوادر ثورة في سوريا، شائعات عن قطع الانترنت، وعسكري يحرق نفسه 82
بوادر إيرانية لإعادة إطلاق المعارضة الثورة الخضراء في البلاد 82
ميقاتي وسليمان يتّجهان الى حكومة اللون الواحد، والحريري: أمر عمليات خارجي 83
إسرائيل سعيدة للوضع الجديد الناشئ في لبنان، واشتداد الضغوط على مبارك 84
فرار أفراد خلية الحزب الإرهابية من السجون المصرية 84
الأسد: الشرق الأوسط مريض، وسوريا بخير لأن قيادتها قريبة جدًا من شعبها! 85
جنبلاط ينتقد الحريري ويعطيه درسًا في الجغرافيا السياسية السورية 85
شباط 2011.. العدوى التونسية تنتشر في العالم العربي 87-111
دعوة الى يوم غضب في سوريا عبر الفايسبوك 87
حالة مراوحة سياسية، 14آذر تنتظر أجوبة ميقاتي الذي يحاول المراوغة 87
الحزب يؤكد فرار قائد خليّته الإرهابية في مصر، ولا تظاهرات في سوريا 88
الأفعى الإيرانية تنفث سمّها في الجسد المصري، والثوار يظهرون مناعة قوية 89
بوادر حراك شعبي شيعي في المملكة العربية السعودية 89
الحزب يعلن تأييده للثورة المصرية متأخرًا أسبوعين، والسودان يتقسّم 91
المفاوضات مع 14 آذار لدخول الحكومة تفشل، وحمّى الاستيزار تصيب 8 آذار 92
بدء التحضيرات لذكرى 14 شباط، احتفال في البيال وتظاهرة حاشدة في 14آذار 92
القمة السنية تتبنى ثوابت 14 آذار وتحرج ميقاتي 93
انطلاق الثورة اليمنية لإسقاط علي صالح، ونجاح الثورة المصرية بتنحية مبارك 94
الجيش المصري يتولى قيادة المرحلة الانتقالية، ويتعهّد صون معاهدة كامب دايفد 96
كرامي يكشف حقيقة طرح اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة 97
14آذار تحيي ذكرى 14شباط في البيال، وتعلن رسميًا انتقالها الى ضفة المعارضة 97
المعارضة الإيرانية الى الشارع، والمعارضة الشيعية البحرينية تعلن بداية ثورتها 100
نصر الله يرد: الي بدكن ياه اعملوه، وسامي شهاب في لبنان 102
هل اقتنعت أميركا باستحالة تلزيم إيران المنطقة بكاملها، واتجهت الى الإسلاميين؟ 102
تصاعد حدّة موجة الاحتجاجات الشعبية في اليمن والبحرين، وبوادر ثورة في ليبيا 103
بشار الأسد يحاول إبعاد الموسى عن رقبته، فيخفّض بعض الرسوم الجمركية 104
انطلاق ثورة 17 فبراير في ليبيا، والنظام الإيراني يضيّق الخناق على المعارضة 104
تظاهرة صغيرة في سوريا احتجاجًا على ضرب الشرطة أحد المواطنين 105
بوادر تحرّكات شعبية في سلطة عمان والمملكة العربية السعودية 105
انطلاق ثورة 20 فبراير في المغرب 105
بشار الأسد ينظّر أمام وفد من الكونغرس الأميركي، وإيران تعبر قناة السويس 106
القذافي يعلن الحرب على شعبه 106
العاهل السعودي يغدق معونات سخيّة على شعبه تجنّبًا لأي حركة احتجاج 107
الحراك الأردني يطوّر مطالبه، وقبول الفاتيكان استقالة البطريرك صفير 108
أقطاب 14 آذار من البريستول يعلنون عدم مشاركة القوى الاستقلالية في الحكومة 108
إنشاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي، وإحالة القذافي على المحكمة الجنائية الدولية 109
سلطان عمان على خطى العاهل السعودي، ودعوات للتظاهر في المملكة 109
النظام الإيراني يعتقل زعيمَي المعارضة في محاولة لإجهاض الثورة الخضراء 109
14 آذار تصعّد خطابها تدريجيًا، والحريري يحمل على غلبة السلاح 110
آذار 2011..سوريا تنتفض لحريّتها وكرامتها 112-152
14آذار تصوّب على السلاح، وأميركا مع دعم الجيش أيًا كان انتماء الحكومة 112
ازدياد الضغوط على القذافي، وأهالي شهداء 7أيار يقاضون الحزب والحركة 113
وزراء 8 آذار يرفضون تلبية طلبات المحكمة 113
نشاط إرهابي للسفارة السورية في بيروت بمعاونة عناصر تخترق الأجهزة اللبنانية 114
الحراك الشعبي يستمر في الأردن، وتحرّكات للشيعة شرقي المملكة السعودية 114
تكريم البطريرك صفير، و14 آذار لأوسع مشاركة في تظاهرة الأحد 13آذار 114
الحريري يزور كبار المسؤولين السعوديين ويضع حدًا لما يُشاع عن خلافات معهم 115
المملكة السعودية تمنع التظاهر 115
14 آذار تعبّئ، والحريري يصعّد، وجنبلاط يتهم الاستقلاليين بالتحريض المذهبي 116
سلطان عمان يحاول امتصاص غضب المحتجين 117
عدوى الثورات تحاول التسلّل الى الكويت والإمارات 118
بكركي تقفل أبوابها لانتخاب خلف لصفير، ورد عنيف من المستقبل على بري 118
14 آذارتوجّه دعوة الى جمهورها للنزول الى ساحة الحرية في 13 آذار 118
المعارضة الاستقلالية تطلق وثيقة سياسية من البريستول 119
الحريري يرد على إشاعات المغرضين، ويخص الشيعة بفقرات عدّة 120
العالم يستنفر مع وصول كتائب القذافي الى مشارف بنغازي مهد الثورة الليبية 121
ثورة الأرز تكسر رهبة السلاح الميليشيوي، وتولد من جديد في 13 آذار 2011 121
14 آذار تعيد تصويب ميزان القوى و8 آذار تستحضر معزوفة التخوين وتنكفئ 126
لا أمر سوريًا بتشكيل الحكومة، و8آذار تحرّف وثائق ويكيليكس ردًا على 14آذار 127
درع الجزيرة يدخل البحرين لإنقاذ المملكة من الوقوع في القبضة الإيرانية 128
النظام الإيراني ينجح في قمع الثورة الخضراء، والمعارضة الإيرانية تنكفئ 128
حلم يتحقّق: انطلاق ثورة الحرية والكرامة في سوريا 128
تعريف بحكم العائلة الأسدية الإرهابي 129
موقفنا كلبنانيين من الثورة السورية 132
انتخاب المطران بشارة الراعي بطريركًا للموارنة خلفًا للبطريرك صفير 134
الجنرال يهدد بـ7 أيار جديد، والحريري يجول على المناطق شكرًا لثوّار الأرز 134
السفير السوري في بكركي ينقل للراعي تهاني الأسد ويدعوه لزيارة سوريا 134
شيعة إيران في العالم العربي يتحرّكون احتجاجًا على دخول درع الجزيرة البحرين 135
احتجاجات محدودة في الجزائر دون ظهور معارضة واضحة 135
مجلس الأمن يتدخل في ليبيا دعمًا للثوار بقرار يُجيز العمل العسكري 135
الإعلام الصهيوني يشيد بمناقب بشار الأسد ويتخوّف من زعزعة نظامه 136
درعا شرارة الثورة السورية 136
الإصلاحيون في السعودية لا يقتنعون بتقدمات الملك، والبحرين تزيل دوار اللؤلؤة 137
القذافي يواصل حربه على شعبه ولا يمتثل لتحذير مجلس الأمن 138
أكبر حشد شعبي تشهده الفيحاء تضامنًا مع الحريري ورفضًا لسرقة أصواتهم 138
نصر الله يرد على مهرجان 14 آذار، ويحمل بشدّة على نظام البحرين 139
النظام الإرهابي يرسل الفرقة الرابعة لقمع الاحتجاجات في درعا 139
الناتو يتدخل عسكريًا في ليبيا دعمًا للثوار ضد كتائب القذافي 139
استفتاء على تعديل مواد في الدستور المصري، والإخوان يحصدون نصرًا مبكرًا 140
البحرين ترد على نصر الله وتتخذ إجراءات بحق اللبنانيين القاطنين فيها 141
الرئيس سعد الحريري ينتقد سياسة الحزب ويحاول تصحيح العلاقات مع البحرين 142
آلاف المغاربة الى الشارع مطالبين بإصلاحات حقيقية، والملك يستعجل الإصلاح 142
الحراك الشعبي في الأردن يطالب الملك عبد الله أن يحذو حذو الملك المغربي 143
حزب ولاية الفقيه يمضي قدمًا في مشروعه التقسيمي للبنان 143
الاحتجاجات تتواصل لليوم الخامس في سوريا وكتائب الأسد تواصل عمليات القمع 143
معارض سوري يكشف عن إرسال الحزب الإيراني مقاتلين للدفاع عن نظام الأسد 145
جيش الأسد يقتحم المسجد العمري في درعا، وسقوط نحو 150 شهيدًا 144
النظام السوري يبتز أوربا من لبنان بخطف سوّاح أستونيين 144
الحكيم لإعداد ملف قضائي يتهم الحزب المسلّح بمخالفة نصوص قانونية ودستورية 145
حركة 24 آذار في الأردن تشرع باعتصام شعبي، والأمن يفضه بالقوة 145
اتساع رقعة التظاهرات في سورية، والنظام يسيّر مسيرات لتأييده 146
حفل تولية البطريرك الراعي،الحكيم يغمز من جهة 8آذار: سيترحّمون على صفير 146
الأسد يواجه أشد أزمة تعصف بنظامه، ودرعا تخرج عن سيطرته وتحطِّم التماثيل 146
الصحف الإسرائيلية تستكمل حملة دعم الأسد ونظامه، والتخوّف من سقوطه 147
تقارب بين فتح وحماس على خط إنهاء الانقسام 148
انفجار يستهدف كنيسة في زحلة، وتظاهرة مؤيّدة للأسد أمام السفارة السورية 148
الأسد يستجدي الإدارة الأميركية لمواجهة التظاهرات، ويتقرّب من السعودية 149
تركيا تدعو الأسد الى الاستجابة لمطالب شعبه، وأميركا تصفه بالإصلاحي 149
الأسد يستعين بعلماء دين مأجورين لتضليل السوريين وتشريع عملياته الإرهابية 150
الأسد في مسرحية استعراضية يقيل حكومته بعد أسبوعين من الاحتجاجات 150
الدعم الإسرائيلي للأسد يبلغ أشده: ديكتاتور إسرائيل المفضّل! 150
قوى 8 آذار تحاول زج تيار المستقل في الأحداث السورية 151
الأسد يتوجّه الى الشعب بخطاب مخيّب، مستقويًا بمسيرة مليونية مسيّرة عن بعد 151
نيسان 2011..الثورة السورية تثبّت أقدامها، والنظام يفقد أوراقه 153-167
المحكمة ستتهم أفرادًا لا أحزابًا، والحريري ينتقد استخدام حجة المقاومة للتسلّط 153
توتر سعودي إيراني حول حوادث البحرين وتدخّل إقليمي أميركي لحل أزمة اليمن 153
الاحتجاجات تستمر في الأردن وعمان، وتستعر في سوريا، وحرب أهلية في ليبيا 154
الحريري يصعّد لهجته ويهاجم المشروع الإيراني والتدخل في الشأن البحريني 154
الأسد القلِق يحاول التودّد الى المتديّنين، والحزب يهاجم أمل عبر ويكيليكس 155
الحريري في تصعيده الأعنف على إيران: زمن الفراغ العربي انتهى 155
الأسد في خطابه الثاني: سوريا تواجه مؤامرة إسرائيلية سنتصدى لها 156
الأسد يحاول التودد الى الأكراد عبر منحهم الجنسيات، والشعب يرد: نريد الحرية 157
إيران تخوّن الحريري وتعتبر خطابه خطرًا على استقرار المنطقة، والحريري يرد 157
الحريري يجهد لإنقاذ 400ألف لبناني يعملون في الخليج 157
آلة القتل الأسدية تستشرس، والشعب يرفض رشاوى التجنيس وهدايا الخميس 158
نصرالله يحاول رأب الصدع مع بري فيتخبّط ويقع في تناقض عجيب 158
مجزرة في بانياس، ارتفاع عدد ضحايا الثورة السورية الى 170 شهيدًا 159
مجلس التعاون الخليجي يطرح مبادرة لحل الأزمة اليمنية 159
الأمن السوري يقمع تظاهرة في جامعة دمشق، إيران: الثورة السورية مؤامرة 160
الإعلام الاستخباراتي يتهم "المستقبل" بتسليح الثوار، تظاهرة تُقمَع في جامعة حلب 160
هدايا الخميس تتواصل، والأسد يعيّن حكومته الجديدة القديمة 161
إيران تسخّر إمكانياتها لحماية النظام السوري، والأخير يهاجم الحريري وتياره 161
سوريا تسخّر أبواقها للتطاول على تيار المستقبل، وإيران للتطاول على السعودية 161
الأسد يستنكر مجازره، ويتعهد رفع حال الطوارئ، والشعب يواصل انتفاضته 162
ويكيليكس: حملة أميركية طويلة الأجل للإطاحة ببشار الأسد 163
أزلام سوريا في لبنان ينظّمون مهرجانًا خطابيًا داعمًا، وميشال سليمان يؤيّد الأسد 163
مساعي الحريري تتكلّل بالنجاح والبحرين تلغي إجراءاتها المشدّدة بحق اللبنانيين 163
النظام السوري يرسل رسالة دقيقة عبر شريط للأستونيين المخطوفين 164
هدايا الخميس تلغي الطوارئ والشعب يردّها ويطلب الحرية 164
أولى إنجازات إلغاء قانون الطوارئ 112 قتيلاً! 164
أغرب أكاذيب الإعلام السوري: القبض على النائب عقاب صقر في بانياس! 165
جيش النظام يجتاح درعا استجابة لمناشدة الأهالي بحسب الإعلام الكاذب 165
أميركا والاتحاد الأوروبي لتدخل مجلس الأمن إيقافًا لسفك الدماء في سوريا 165
إسرائيل تعمّم على سياسييها التزام الصمت حيال ما يحدث في سوريا 165
الإعلام الصهيوني يناقش مستقبل نظام الأسد ويتخوّف من سقوطه 166
حماس تتفلّت من القبضة السورية وتتفق مع فتح على التصالح في القاهرة 166
نوّاب أميركيون يطلبون من الرئيس الأميركي مطالبة الأسد بالتنحي 167
ألف وخمسمائة مواطن سوري ينزحون الى قرى شمال لبنان فرارًا من المجازر 167
إيران تواصل تهجّمها على دول الخليج، الخليج فارسي والمنطقة ملك إيران! 167
أيار 2011..نهاية معزوفة الممانعة والمقاومة 168-184
أين ملف شهود الزور يا قوى 8 آذار؟! 168
الوضع السوري يدخل مرحلة اللاعودة 168
أزمة إيرانية تكشف عن صراع محموم بين الرئيس الإيراني والولي الفقيه 169
الإعلام الصهيوني: النظام السوري الحالي هو أفضل صيغة حكم بالنسبة لإسرائيل 170
أميركا تُنهي فيلم أسطورة أسامة بن لادن 171
الأسد يستنجد بحاخام إسرائيلي 171
الأسد يخسر الورقة الفلسطينية: فتح وحماس ينهيان الانقسام بتوقيع اتفاق المصالحة 172
إجراءات دولية خجولة حيال النظام في سوريا، وألف قتيل منذ بداية الثورة 173
بلمار يوسّع القرار الاتهامي، وسوريا تستثمر في خطف الأستونيين أوربيًا 173
الصراع في رأس السلطة الإيرانية يتفاعل 174
عودة الحياة الى الاستحقاق الحكومي مع انتقاد جنبلاط فشل الأكثرية في التشكيل 174
رامي مخلوف منهيًا معزوفة الممانعة والمقاومة: أمن إسرائيل من أمن نظام الأسد 175
التعاون الخليجي يؤيّد انضمام المغرب والأردن إليه، ووزراءه يزورون الأسد 175
مصدر شريط الأستونيين دمشق، واستمرار حركة النزوح الى لبنان 176
أردوغان يحذّر من فتنة سنيّة علوية في سوريا، والانتفاضة تدخل شهرها الثاني 176
ترجمة عن إخلاص وحسن نيّة لرسالة مخلوف على حدود الجولان يوم النكبة 177
يوم النكبة في لبنان يوقع 10 قتلى فلسطينيين و119 جريحًا 178
قوى الإرهاب تمنع البريستول من استقبال لقاء تضامني مع الشعب السوري 178
ألف شهيد، وأميركا لا تزال تثق بالأسد، أوباما يغازله وكلينتون تشيد به 178
شريط جديد للأستونيين، والحزب يكرر معزوفة تخوين 14 آذار البالية 180
مخابرات الجيش تعتقل لاجئين سوريين وتسلّمهم الى النظام المجرم 180
الحريري يغادر لبنان بعد معلومات جديّة عن تعرّضه لخطر عمل أمني محتمل 180
480 مليار دولار حجم الدمار في ليبيا وحرب الثوار مع كتائب القذافي مستمرّة 180
الإعلام الإسرائيلي: الأسد استقبل مبعوثًا خاصًا من نتياهو 181
ازدياد زخم التظاهرات، وإحراق علم حزب ولاية الفقيه وإيران في حمص 181
فضيحة جديدة للمانعة والمقاومة: شركة صهيونية تبيع إيران سفينة صهريج 181
نصر الله يشيد بالأسد المصّم على الإصلاح، ويكرر كلام كلينتون بالإشادة به 182
الأسد يترجم إصلاحه بتسليم الطفل حمزة الخطيب الى أهلة جثّة ممثّلاً بها بوحشية 182
وزير عوني يرفض تسليم داتا الاتصالات لكشف هوية خاطفي الأستونيين 182
فيلتمان للساسة اللبنانيين: التيار صار عكس دمشق، وزير الاتصالات يسلّم الداتا 183
جنبلاط يدعو الى حوار في سوريا، ويتهم حلفاءه بعدم الرغبة في تشكيل الحكومة 183
الأسد يرد على العقوبات الأوربية باستهداف الكتيبة الإيطالية في جنوب لبنان 183
بري يتهم ثورة الأرز بإعادة لبنان 60عامًا الى الوراء، والحكيم يرد 183
حزيران 2011..انتحر النظام وأطل ربيع العدالة 185-211
جنبلاط يكرّر انتقاده تأخير تأليف الحكومة، ونصر الله يرد ويحذّر من تقسيم سوريا 185
قضية الطفل حمزة الخطيب تتفاعل داخليًا وأميركيًا، والمعارضة تجتمع في أنطاليا 185
أسباب تمسّك روسيا بالنظام السوري 186
أمانة الأمم المتحدة توزّع توجيهات استعداد لاقتراب موعد صدور القرار الاتهامي 187
الجيش اللبناني سيمنع أي تظاهرة قرب الشريط الحدودي يوم النكسة 187
الحرب في ليبيا تحصد نحو 15ألف قتيل، وتساؤلات حول طريقة سير المعارك 188
جمعة أطفال الحرية في سوريا، وهيومن رايتس ووتش: لم نر فظاعة كهذه من قبل 188
تأليف الحكومة يتنشّط بناء على حاجة سوريا لمساندة في المحافل العربية والدولية 188
بعد تحذيرات إسرائيلية جدية حزب ولاية الفقيه يلغي تظاهرات يوم النكسة 189
الرئيس اليمني يصاب بجروح في هجوم بقذيفة صاروخية على مسجد قصره 189
أكبر تظاهرات تشهدها سوريا ضد النظام، بداية الحملة على جسر الشغور 189
وفي 5 حزيران انتحر النظام 189
الأسد يبتز إسرائيل على حدود الجولان، والأخيرة تبدأ حملة إسقاط الشرعية عنه 191
فرنسا وبريطانيا: الأسد فقد شرعيّته، وأميركا تسعى الى تليين موقف روسيا 192
جنبلاط يلتقي الأسد، وتركيا تؤوي سكّان جسر الشغور، ولبنان يقصّر مع النازحين 193
إخوان سوريا ينتقدون نفاق نصر الله على وقوفه مع النظام ضد الشعب 193
أميركا والسعودية وفرنسا تحذّر الحريري من خطة لاغتياله 194
أردوغان يحقّق نصرًا ساحقًا في الانتخابات: انتصرت بيروت ودمشق وغزة 194
ولادة حكومة ربع الساعة الأخير في لبنان 194
أرسلان يستقيل من الحكومة يوم تشكيلها: الحريري سيعود على حصان أبيض 195
حسابات الربح والخسارة بالنسبة لمكوّنات حكومة ولاية الفقيه في لبنان 195
الأسد أول المهنّئين بتشكيل الحكومة، وأميركا تحكم على الأداء، وميقاتي يراوغ 196
14آذار:الحكومة تشكّلت نتيجة للوضع الحرج في سوريا ولمواجهة القرار الاتهامي 197
ثاني المهنّئين بعد سوريا إيران أما ثالثهم فإسرائيل! 197
رئيس الجمهورية في نكتة الموسم: الحكومة لبنانية مئة في المئة 197
قيادات 14 آذار تحذّر من العودة بلبنان الى ما قبل 14 آذار2005 198
أربعة توصيفات للحكومة الجديدة 199
العاهل الأردني يدعو الى تشكيل أحزاب سياسية في بلاده تودُدًا من المحتجين 201
إسرائيل تدعو الأسد الى التنحي 201
الأسد يسيِّر مسيرات تأييد قهرية ، ومبعوثه يسمع من أردوغان كلامًا قاسيًا 201
آلاف السوريين يغادرون معرّة النعمان، وجنود فارّون:أجبرونا على اقتراف فظائع 202
ديتليف ميليس: الأسد هو من أمر باغتيال الرئيس رفيق الحريري 202
تظاهرة مناهضة للأسد في طرابلس تخلّف اشتباكًا مسلّحة بين التبانة وبعل محسن 202
الجنرال عون يؤكّد خبر تهديد الحريري بالاغتيال: قطعنا له "وان واي تيكيت" 202
العاهل المغربي يتجاوب مع الحراك الشعبي ويعلن عن استفتاء على دسور جديد 203
السنيورة يرد على عون، وقيادات من 14 آذار الى باريس للقاء الحريري 203
الخزانة البريطانية تبدي قلقها من ارتفاع تكاليف الحملة العسكرية في ليبيا 203
1300 شهيد ضحية النظام الأسدي، بينهم 77 طفلاً، وآلاف المعتقلين والمفقودين 204
عون: نعد لهم جناحًا في رومية، والحريري يرد على أصحاب النفوس المريضة 204
وليد المعلّم يغيّر معالم كوكب الأرض ويلغي أوربا من الخارطة 204
تركيا تدخل على الملف الفلسطيني بقوة: مشعل وعباس في أنقره 204
نصر الله يعترف بأن حزبه مخترق، ويصف الثوار السوريين بالثوار الأميركيين 205
حزب ولاية الفقيه ينقل أسلحته من سوريا الى لبنان بعد قلقه من سقوط النظام 205
القضاة اللبنانيون يتوجّهون الى لاهاي، والحكيم يوصّف الوضع ويرد على الحزب 205
السعودية تقرّر سحب درع الجزيرة من البحرين في 4 تموز بعدما استتبّ الوضع 206
ربيع العدالة يخيّم على لبنان: صدور القرار الاتهامي في جريمة العصر 206
القرار يسقط على الحكومة كالصاعقة، والبيان الوزاري يشكّك بصدقية المحكمة 207
المدعي العام اللبناني يتسلّم4 مذكّرات توقيف بحق 4عناصر من حزب ولاية الفقيه 207
مسؤولو الحزب يرفضون التعليق، وقناة المنار تعيد اتهام المحكمة بالتسييس 208
ميقاتي للحفاظ على السلم الأهلي، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته 208
الحريري مرحبًا بالقرار: نهاية زمن القتلة قد بدأت وبداية زمن العدالة أوشكت 209
الجميل وجعجع يطالبان الحكومة بمواكبة عمل المحكمة ويحذّرنها من أي تملّص 209
تموز 2011..بداية أفول الهلال الشيعي 212-227
إيران حائرة، والحزب يعلن خارطة طريقه لمرحلة ما بعد القرار الاتهامي 212
الملك المغربي يجتاز قطوع الثورات العربية بنجاح:98.5% أيَّدوا الدستور الجديد 213
نصر الله: المحكمة إسرائيلية ولن تتمكن من توقيف المتهمين ولا في 300 سنة! 213
عباس لحماس: نريد أن نذهب في أيلول الى الأمم المتحدة موحّدين 214
14آذار ترد على نصر الله من مؤتمرها في البريستول:المحكمة طريقنا الى العدالة 214
النظام السوري يقتلع حنجرة منشد الثورة السورية في حماه إبراهيم قاشوش ويغتاله 215
نصف مليون متظاهر في ساحة حماه 215
ميقاتي يرد بعنف على 14 آذار والأخيرة ترد: يتقن فنون الاختباء وراء الشعارات 215
14آذار تعطي مثالاً في المعارضة، وحمادة لميقاتي: صديقك لم يستشهد مبدئيًا 216
الشيخ سامي الجميل جرأة وكفاءة وشخصية واعدة للمستقبل 216
المحكمة ترد على نصر الله في محاولته تشويه سمعة القاضي كاسيزي والمحكمة 217
تساؤلات حول سياسة البطريرك الراعي بعد موقف مثير للجدل من المحكمة 217
النظام الإرهابي يستهدف حماه بما يعيد الى الذاكرة مشاهد إبادة الـ1982 217
الأسد يؤكّد انتحاره فيقتح سفارتي أميركا وفرنسا، وكلينتون ترد: فقد شرعيّته 218
هل بدأ جنبلاط مسار العودة الى 14آذار مع بلوغ الثورة السورية مرحلة اللاعودة؟ 218
الحريري يعلن صراحة مع الثورة السورية، و300مؤتمر لن يغيّر القرار الاتهامي 219
الأستونيون السبعة الى الحرية والأجهزة الأمنية اللبنانية أبرز الغائبين 219
هجوم عنيف من حزب العمال الكردستاني على جنود أتراك وشبهات حول سوريا 221
النظام الأردني يستخدم العنف مجدّدًا مع المحتجين مستقويًا بعلاقاته مع دول القرار 221
أربعة أشهر على اندلاع الثورة السورية ولا يزال العالم يمهله لقتل شعبه 221
أميركا تشيد بالنموذج الديمقراطي التركي وتدعو لتعميمه على المنطقة 222
8آذار تجنّد إعلامها للرد على الحريري بأضاليل، والمستقبل ترد بحرفية عالية 222
جنبلاط يؤكّد شروعه بانعطافة جديدة فينتقد الحل الأمني في سوريا 222
حزب القتلة يطوّب المتهمين في جريمة العصر قدّيسين، بل أعلى مرتبة منهم! 223
المحكمة: 11 آب المقبل آخر مهلة للحكومة للقبض على المتهمين وتسليمهم 223
النظام الإرهابي يرد على باريس في صيدا فيستهدف بانفجار الكتيبة الفرنسية 223
الرئيس الإسرائيلي يصف الأسد بالسفَّاح، وأميركا بدأت تعد لمرحلة ما بعد الأسد 223
8آذار من شُكر قطر الى لعْنِها! وقطر ممتعضة من محور الشر أيضًا 224
14 آذار تولم على شرف نائب رئيس الوزراء القطري الذي انتقد 8آذار 225
إسرائيل تستبدل جدار الأسد الحدودي بجدار آخر في الجولان المحتل 225
المحكمة تنشر أسماء المتهمين الأربعة وصورهم والتهم الموجّهة إليهم 226
عشية رمضان، كتائب الأسد تقتحم حماه بالدبابات وتحصد 145 قتيلاً 226
أوباما يتعهّد تصعيد الضغط على الأسد لعزله، والثوار لتصعيد الحراك في رمضان 226
14 آذار تخرج عن صمتهاوتندّد بمجازر حماه، الحريري يستنكر، و8آذار تصمت 227
آب 2011..العالم يطالب الأسد بالتنحي 228-245
الأسد يحوّل شهر الرحمة الى شهر الجثث والدماء، مجلس الأمن ببحث قرار إدانة 228
أحد أيام العار في دار الفتوى: المفتي قباني يستقبل سفير الإرهاب السوري 228
جنبلاط يتضامن مع الشعب السوري المقهور 229
إشكال أمني بين الحزب وحركة أمل يترجم الاحتقان المزمن وضعف نظام الأسد 230
الاجتماع العلني الأول بين كلينتون ووفد من المعارضة السورية 230
حماه تحت القصف، ومجلس الأمن يصدر بيانًا يندد بالقمع، ولبنان ينأى بنفسه 230
شبّيحة السفارة السورية يطاردون المعارضين في شوارع بيروت، وجنبلاط ينتقد 231
بداية محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك 231
روسيا تحذر الأسد وعدد شهداء الحملة المستمرة على حماه 300 قتيل 232
الإخوان المسلمون ينتقدون ميقاتي بشدّة على موقف لبنان المخزي في مجلس الأمن 232
تقرير للأمم المتحدة يؤكّد ضلوع الحزب وإيران في أعمال القتل في سوريا 232
الخناق يضيق على الأسد، العاهل السعودي يستنكر القتل منهيًا فترة السماح 232
الكويت والبحرين بعد السعودية يستدعيان سفيرَيْهما من سوريا، والأزهر يتكلّم 233
الحريري للحكومة اللبنانية: الوقوف مع سوريا يعني الوقوف مع شعبها 233
العلاقات تتأزم بين جنبلاط والأسد ، ولبنان يبلغ المحكمة عدم قبضه على المتهمين 233
قدّيسان من الحزب يُقتلان مع محاولتهما زرع متفجّرة في أنطلياس 233
المحكمة تؤكد ترابط الجرائم التي طالت حمادة والمر وحاوي مع اغتيال الحريري 235
استخدام سلاح البحرية لأول مرة في قمع الاحتجاجات في سوريا 235
الحزب المحشور داخليًا وخارجيًا يصف المستقبل بالميليشيا، والمستقبل تجرد مناقبه 236
المحكمة تنشر القسم الأكبر من القرار الاتهامي في الإعلام 237
الحريري: شمس العدالة بدأت تشرق، ويدعو الحزب الى تسليم المتهمين 238
نصر الله يكرر اتهام المحكمة و14آذار بالعمالة، ويصف المتهمين بالشرفاء 239
المفتي يستقبل حزب القتلة يوم الكشف عن تفاصيل الجريمة، والمستقبل تقاطعه 239
المعارضة اليمنية تؤلّف المجلس الوطني للثورة مستبقة عودة صالح 240
محللون أتراك يربطون هجمات الحزب الكردستاني بالضغوط على النظام السوري 240
أميركا فرنسا بريطانيا ألمانيا والاتحاد الأوربي يطالبون الأسد بالتنحي 241
مجلة "تايم" تكشف عن مقابلة مع أحد المتهمين الأربعة أجرتها في بيروت 241
الثورة الليبية تطيح بالقذافي 242
الأسد يكرّر مضامين خطاباته السابقة، ويصف المتظاهرين بالإرهابيين والمندسين 243
معلومات عن تخفيض إيران تمويل حماس نتيجة لرفض الأخيرة دعم الأسد 243
العاهل السعودي يستقبل الحريري للمرة الأولى منذ انتهاء الـ س س 243
النظام الأسدي يكسر أصابع رسام الكاريكتور المعارض "علي فرزات" 244
نصر الله يهدد بإشعال المنطقة إذا استُخدِم الخيار العسكري ضد سوريا 244
أنقرة تعلن أنها فقدت الثقة بنظام الأسد، والسعودية: إيران تستهدف أمن الوطن 244
حصيلة رمضان-آب 473 شهيدًا، و 2434 عدد الشهداء منذ بداية الثورة 245
أيلول 2011..أخطأ الراعيان وأصابت الرعيّة 246-266
استحقاق تمويل المحكمة يقض مضاجع حكومة القتلة، وميقاتي يفك عزلته جزئيًا 246
الشيخ سامي الجميل يعرّي الحزب الإيراني عبر مقارنة طريقة عمله بالصهاينة 247
جنبلاط يحيّي الشعب المنتفض، وتركيا توافق على استضافة رادار للناتو 249
الاتحاد الأوربي يحظر واردات النفط من سوريا، والأسد يواصل قتل شعبه 249
الحبس سنتين فقط للعميل فايز كرم..فضيحة جديدة لجماعة "المقاومة" 249
فضائح المقاومة تتوالى: وصول 7 جثث من سوريا تعود لمقاتلين من الحزب 250
جريدة المستقبل تباشر بنشر وثائق ويكيليكس خطيرة بحق 8آذار وتركّز على بري 250
البطريرك الراعي ينقلب على ثوابت بكركي ويؤيّد حكم الأسد في سوريا 250
الحكيم يرد على الراعي، والمستقبل تتابع نشر ويكيليس مستهدفة الثنائي الشيعي 251
الجنرال في واجهة معارضة تمويل المحكمة، ومبادرة للجامعة العربية في سوريا 252
برنامج الكهرباء يكشف هشاشة الاتلاف الحكومي 252
8آذار تتجنّد للدفاع عن بري في مواجهة وكيليكس المستقبل، والأخيرة ترد 253
الراعي يواصل انقلابه فيشيد بالأسد ويدافع عن سلاح الحزب، والرعيّة ترد بحزم 253
أٍردوغان: من يؤسّس حكمه على الدم يذهب بالدم، جنبلاط مع تمويل المحكمة 258
إعلام 8 آذار يشيد بمواقف البطريرك الراعي 258
الراعي المنقلب يتّهم الإعلام باجتزاء مواقفه، وجنبلاط يرد ويغضب حزب السلاح 259
أردوغان يجول على بلدان الربيع العربي، والحكومة اللبنانية تخذل الشعب السوري 259
الراعي يواصل تلطيف مواقفه، رئيس الجمهورية يؤيّده، ونديم الجميّل ينتقدهما 260
السفير الفرنسي ينقل دهشة بلاده من مواقف الراعي، والحكيم مرتاح لتوضيحاته 260
6أشهر على انطلاق الانتفاضة السورية،القمع يتواصل، وأميركا تستدعي رعاياها 260
أردوغان سوّق النموذج التركي في تونس وليبيا ومصر، ويهاجم الأسد 261
حزب السلاح يكرّم الراعي الذي يؤكد موقفه من السلاح، وسوريا تتألم اقتصاديًا 261
الحل الأمني في اليمن يطغى على السياسي، وعلي صالح يعود من السعودية 261
الرئيس الفلسطيني يتقدّم بطلب عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة 262
القوات اللبنانية تحيي ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، وتكرّم البطريرك صفير 262
الحكيم يرد على البطريرك الراعي ويحذّر المسيحيين من الانكفاء عن الشرق 263
شيخ الأزهر يرد على مواقف الراعي، ويطالب النظام السوري بوقف آلة القتل 264
تعديلات دستورية في الأردن لم تتطرّق الى أهم مطالب المعارضة 264
العاهل السعودي يمنح المرأة حق الترشّح والتصويت في البلدية والشورى 264
أوباما بتمنّع عن استقبال البطريرك الراعي بعد استياء أميركا من مواقفه الباريسية 265
ميقاتي يعلن أمام الخارج التزامه تمويل المحكمة الدولية خلافًا لموقف من عيَّنه 265
جنبلاط ينصح الأسد بالحل السياسي ويعزو انقلابه الى أن المسدس كان في رأسه 265
خطأ تقني في بث القمة الروحية يؤكّد إصرار الراعي على مواقفه الباريسية 265
لقاء بين السنيورة والمفتي قباني لتجاوز الخلاف الناشئ بين المفتي والمستقبل 265
الأسد يرسل مفتي دمشق لشكر الراعي على مواقفه، ويواصل حملة القمع الدموية 265
نداء المطارنة يدعو الى الالتفاف حول الراعي الوثوق به، والحكيم:محاولة لإغراقه 266
مظاهرات في الأرن لإصلاح حقيقي 266
تشرين الأول 2011..نهاية القذافي تحفّز الثوار السوريين 267-283
المجلس الشرعي يدعم الربيع العربي، المعارضة السورية تؤسِّس المجلس الوطني 267
نظام الأسد يواصل إرهابه والإخوان لتدخل عسكري دولي، واغتيال نجل حسون 267
الراعي يرسل ممثلاً له في مؤتمر تجاري في طهران، والحكيم في بانوراما للوضع 268
روسيا والصين تستخدمان الفيتو لنقض قرار يدين نظام الأسد، ولبنان لا يصوّت 268
النظام السوي يعود عن قرارات جمركية سبق أن اتخذها بعد تذّمر تجّار النظام 268
توغّل مجنزرتين سوريتين في خراج بلدة عرسال والحكومة لا تحرّك ساكنًا 269
الوزير الخديعة ينال مكافأته، والجيش الأسدي يتنهك مجدّدًا الأراضي اللبنانية 269
اغتيال معارض سوري كردي بارز، وروسيا تخيّر الأسد بين الإصلاح والتنحي 270
الفتنة الطائفية تضرب مصر، وترحيب بالمجلس الوطني السوري وليبيا تعترف به 270
القاضي كاسيزي يستقيل لأسباب صحية، و8 آذار تعتبر استقالته دليل تسييس 271
البطريرك صفير ينطق بثوابت بكركي 271
مفتي النظام السوري يهدّد بعمليات استشهادية للبنانيين وسوريين إذا ضربت سوريا 271
أميركا تكشف تورّط إيرانييَن في التخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن 271
8آذار تعارض تموييل المحكمة، وضلوع السفارة السورية في خطف معارضين 272
جنبلاط: لا فتور في العلاقة مع الحزب، وسأصوّت مع تموييل المحكمة 272
انتخابات في عمان، وسوريا تخسر 3،7مليار دولار 272
لجنة عربية برئاسة قطر لوقف سيل الدماء في سوريا 273
العاهل الأردني يقيل رئيس الحكومة ومدير المخابرات بعد مطالبات نيابية وشعبية 273
إتمام صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل توحِّد الفلسطينيين في الضفة وغزة 274
توغّل سوري جديد في الأراضي اللبنانية، والحكومة تعتصم بحبل الصمت كالعادة 274
النائب سامي الجميل يصف التوغلات السورية بـ"سِفاح القربى" 275
عشرة آلاف متظاهر في الكويت لإقالة رئيس الوزراء 275
معمّر القذافي جثّة مضرّجة بالدماء تُجرُّ على الأرض 275
الإدارة الأميركة تصعّد لهجتها ضد النظام السوري بعد التخلّص من القذافي 276
الحريري يبارك للشعب الليبي و يتمنى للشعب السوري الانتصار على طاغيته 276
وفد من الحزب الإيراني يزور روسيا للبحث في مستقبل الحزب بعد سقوط الأسد 276
أهالي بلدة ترشيش يتصدّون لمحاولة الحزب مد شكبة اتصالاته عبر بلدتهم 277
الراعي يحاول تلطيف دفاعه عن سلاح الحزب،ووفاة كاسيزي تؤكد نزاهة المحكمة 277
مجلس الأمن يطالب الرئيس اليمني بالتوقيع فورًا على المبادرة الخليجية 277
لقاء سيّدة الجبل المسيحي يدعم الربيع العربي 278
الحكيم يستبعد حربًا مع إسرائيل، وإيران لن تضحي بالحزب من أجل الأسد 278
التيار الإسلامي يفوز بالانتخابات النيابية في تونس 278
علي صالح يرحّب بقرار مجلس الأمن ويصعّد أعمال العنف ضد المحتجين 279
حكومة جديدة في الأردن أقل استفزازًا للمحتجين لكنها لا تلبّي مطالبهم 279
نصر الله يكرّر رفضه تمويل المحكمة، والمعارضة تلتقي الحريري في الرياض 279
مقتل 8 طيّارين أرسلهم النظام السوري لمساندة الرئيس اليمني في قصف شعبه 279
أهالي ترشيش ينجحون في التصدي للحزب الذي يرسل عناصره لسحب الكابلات 280
محكمة التمييز العسكرية تقرّر إعادة محاكمة العميل فايز كرم 281
تركيا تستضيف الجيش السوري الحر 281
المسيرات تعمّ الأردن مطالبة بإصلاح حقيقي 281
روسيا تبلغ الحزب ضرورة تسديد حصة لبنان من تموييل المحكمة 281
جنبلاط ينهي الوراثة في حزبه وينتقد نظريات الممانعة السخيفة مقتربًا من 14آذار 282
الأسد يهدّد بإحراق المنطقة إذا ما تمّ اعتماد التدخل العسكري في سوريا 282
فلسطين تنال العضوية الكاملة في الأونيسكو 283
حلف شمال الأطلسي يعلن انتهاء الحملة على ليبيا، و"الكيب" رئيسًا للحكومة الليبية 283
تشرين الثاني 2011..القتلة يموّلون محاكمتهم 284-312
حملة عسكرية غير مسبوقة على حمص لإخماد انتفاضة أهلها 284
النظام يعلن الموافقة على المبادرة العربية، والجامعة العربية لا تزال تنتظر ردّه 284
قطر تعلن عن انتخابات لمجلس الشورى في 2013 هي الأولى في تاريخ البلاد 284
الجامعة العربية تتبلّغ رسميًا موافقة سوريا على الخطة العربية لوقف العنف 285
الحملة تستمر على حمص، وضبط شاحنة للجيش اللبناني في دمشق 286
ميقاتي يراوغ في موضوع التموييل، و14آذار ترد، وأميركا تنذر بعقوبات 286
مأساة حمص 286
الجيش السوري الحر يعلن من تركيا أنه سيكون الجناح العسكري للمعارضة 287
الحريري بنبّه من الالتفاف على المبادرة، خدّام:عندما تتحرّر سوريا يتحرّر لبنان 288
النظام الأسدي يمعن في القتل في عيد الأضحى، وقطر تدعو لاجتماع طارئ 289
الأسد يعلن استمرار حربه على شعبه، وسقوط 3500 قتيل منذ بداية الثورة 289
الحريري يتواصل مع جمهوره عبر تويتر ويعلن انتهاء حقبة بري عام 2013 289
الحكومة والأجهزة اللبنانية تفرض عزلاً على اللاجئين السوريين، وعكار تتحرّك 289
المجلس الوطني السوري يُبدي للحكومة قلقه من اختطاف معارضين في لبنان 289
تركيا تحذّر سوريا من استخدام المسلحين الأكراد ضدها 290
الكشف عن بُعد عسكري للنووي الإيراني، والبحث في تكثيف العقوبات على إيران 290
الحريري: لبنان سيكون أفضل في 2013، و14آذار للاعتراف بالمجلس الوطني 290
اقتراح ملاذ آمن للأسد مقابل تنحّيه، وإيران تكشف عن خيانتها للقضية الفلسطينية 290
جنبلاط ينصح الحزب بتمويل المحكمة: من اغتيلوا هم أيضًا من المقدّسات 291
الحريري يعلن أنه سيصوّت للحكيم رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد انتخابات 2013 291
نصر الله : المحكمة غير موجودة! 291
مجلس الأمن يحرم فلسطين من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة 292
الجامعة العربية تعاقب سوريا على مخالفة المبادرة،وتجمّدمشاركتها في الاجتماعات 292
الاتحاد الأوربي وأميركا يرحّبان بالعقوبات، والحريري يخجل من موقف لبنان 293
8آذار المصدومة من قرار الجامعة تخوّن العرب، وجنبلاط ينتقد موقف لبنان 293
14آذار تكسر الطوق الأمني والتعتيم الإعلامي عن اللاجئين السوريين 293
الحملة الدموية مستمرّة على حمص، ومعلومات عن 35ألف لاجئ في لبنان 294
البحرين تفكّك خلية إرهابية إيرانية تستهدف أمنها 294
وفاة معارض مخطوف من لبنان في سجون سوريا،و14آذار لطرد السفير السوري 294
اليوم الأكثر دموية في سوريا منذ انطلاق الانتفاضة، وعقوبات جديدة 294
العاهل الأردني يطالب الأسد بالتنحي، و8آذار القلقة تناشد العاهل السعودي بالتدخل 295
ثمانية أشهر على الانتفاضة السورية، آلاف الأرواح أزهقت والاقتصاد انهار 295
روسيا تشارك في قتل الشعب السوري، وتركيا فقدت الأمل بأي إصلاحات 296
الجامعة العربية تمهل النظام 3 أيام لتوقيع بروتوكول إرسال بعثة مراقبين 296
ضرب فرع المخابرات الجوية عند مدخل دمشق وإنشاء المجلس العسكري الموقت 296
مسؤول إسرائيلي يخالف قيادته معلنًا تمسّكه بنظام الأسد 296
متظاهرون يقتحمون مجلس الأمة في العاصمة الكويتية، والنظام السوري يناور 297
الإخوان المسلمون في ليبيا يعقدون مؤتمرهم الأول، وتوتر ومواجهات في مصر 298
انتهاء المهلة دون التوقيع على البروتوكول، إسرائيل: سقوط الأسد إيجابي 298
بوارج حربية روسية تتوجّه نحو الشواطئ السورية 299
توقيف سيف الإسلام القذافي في ليبيا، والحريري لعدم التذاكي وتمويل المحكمة 299
ميقاتي يؤجّل بند تمويل المحكمة الى جلسة 30 تشرين الثاني 299
الجامعة ترفض تعديلات النظام على البروتوكول، النظام يناور،ومهلة جديدة للقتل 299
المجلس الوطني السوري يعلن برنامجه السياسي، وحكومة البحرين تقرّ بتجاوزات 300
أمير الكويت يرفض إقالة رئيس الوزراء،واليمن:اتفاق على توقيع المبادرة الخليجية 300
الجلسة الأولى لمجلس النواب التونسي، وقبول استقالة الحكومة المصرية 301
استمرار الحملة الدموية في سوريا، وأردوغان يطالب الأسد بالتنحي 301
ميليشيا حزب ولاية الفقيه تداهم عرسال بحثًا عن لاجئين سوريين 302
وزراء جنبلاط يهدّدون بالاستقالة إذا لم تموّل المحكمة 302
الرئيس اليمني يوقّع المبادرة الخليجية ويتهيّأ للتحوّل الى رئيس سابق 302
تظاهرات في الكويت، ولجنة تقصّي الحقائق تتهم سلطات البحرية باستعمال القوة 302
ميقاتي يعلن عزمه على الاستقالة إن لم تموّل المحكمة، و14آذار تشكّك في موقفه 303
وزراء الخارجية العرب يقرّرون اللجوء الى الأمم المتحدة، ومهلة جديدة للنظام 303
حاملة طائرات أميركية قبالة المياه السورية، ومغادرة الرعايا الأميركيين 303
المجلس العسكري يعتذر عن مقتل متظاهرين ويكلّف الجنزوري تأليف الحكومة 304
الأزهر يدعم المتظاهرين في مصر، والإخوان يقاطعون تظاهرات ميدان التحرير 304
اشتباكات في المنطقة الشرقية بالسعودية بين شيعة موالين لإيران وقوى الأمن 304
اتفاقات جديدة بين فتح وحماس استكمالاً للمصالحة 304
التيار الإسلامي يفوز في انتخابات المغرب، و20 فبراير قاطعت الانتخابات 305
انتهاء مهلة التوقيع على بعثة المرقبين دون رد، عقوبات جديدة وتحذير من التدويل 305
الأسد: العرب سيأتون إلينا معتذرين، ورجائي ألا نحرق العلم التركي! 306
تحديد 21شباط2012 موعدًا لانتخابات رئاسية في اليمن 306
المستقبل تحيي مهرجان "خريف السلاح ربيع الاستقلال" في طرابلس 306
السنيورة يلقي كلمة الحريري ويدعم الثورة السورية: الشعب يريد تمويل المحكمة 307
المعلّم يعرض أفلامًا لحوادث أمنية حصلت في لبنان على أنها لإرهابيين في سوريا 308
الإخوان المسلمون يفوزون بالمرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية المصرية 308
الحكومة الكويتية تستقيل قبيل تظاهرة حاشدة لإسقاطها 309
العاهل المغربي يعيِّن زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي رئيسًا للوزراء 309
"باسندواه" رئيسًا لحكومة اليمن، عقوبات تركية على سوريا 309
صواريخ من لبنان على مستوطنة إسرائيلية، وإسرائيل تسارع الى تبرئة الحزب 309
العين قاومت المخزر: حزب القتلة يموّل المحكمة التي تتهمه بجريمة العصر 310
قوى 8آذار تحاول حفظ ماء وجهها عبر لوم ميقاتي وإلصاق قرار التمويل به وحده 311
14آذار ترحّب بالتمويل وتعتبره اعترافًا بشرعية المحكمة وتهنّئ الشعب اللبناني 312
كانون الأول 2011..بعثة مراقبين برئاسة ميليشيوي! 313-335
نصر الله: العمالة مصلحة وطنية عليا! 313
المفتي قباني يتقرّب من 8آذار بقرار عدم التجديد لمفتي عكار أسامة الرفاعي 314
واشنطن تقر بخلاف مع إسرائيل حول إيران 314
4آلاف قتيل ضحية آلة القتل الأسدية منذ بداية الثورة، وعقوبات جديدة على النظام 315
روسيا تستمر في تسليح نظام الأسد، دول الخليج تطلب من رعاياها مغادرة سوريا 315
المجلس الوطني يعترف بالجيش السوري الحر 315
حديث عن إعداد واشنطن وموسكو خطة لتنحي الأسد تعتمد النموذج اليمني 315
رشقات كتائب الأسد تصيب مواطنين داخل الأراضي اللبنانية 316
حركة أمل تخطف معمل الزهراني بعد خلاف على صفقة مع صهر الجنرال 316
الحريري لنصر الله:ألف خطاب مثل خطابك لن يلغي الاعتراف بالمحكمة وتمويلها 316
مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يندّد بانتهاكات نظام الأسد في حق المتظاهرين 317
المجلس الوطني يعلن معالم سوريا الجديدة: الابتعاد عن إيران والحزب وحماس 317
مهلة 24 ساعة من الجامعة لسوريا لتوقيع البروتوكول،إقرار عقوبات عربية جديدة 318
جنبلاط يناشد دروز جبل العرب ألا ينجروا الى قتال إخوانهم السوريين 318
5آلاف قتيل منذ بداية الثورة، وقياديو حماس في سوريا يعودون تدريجيًا الى غزة 318
دمشق ترد بعد انتهاء مهلة التوقيع بالموافقة بشروط، والجامعة تدرس قرارها 318
المجلس الوطني يتهم إيران والحزب بقتل الشعب السوري، ويحذّر من تبعات 318
الحريري متضامن مع المفتي الرفاعي وسقوط النظام السوري إيجابي للبنان 319
الأسد يتبرّأ من قتل شعبه وينفي حصيلة القتلى المرعبة، وأميركا تعتبره مجنونًا 319
الحكومة الانتقالية تتألّف في اليمن، وحكومة الجنزوري تؤدّي اليمين في مصر 319
الإخوان في مصر يتعهّدون لواشنطن احترام معاهدة السلام مع إسرائيل 320
النظام الأسدي يستهدف الكتيبة الفرنسية مجدّدًا في جنوب لبنان 320
النائب عقاب صقر لنصر الله: لا تعبّر عن الفكر الشيعي وثوّار سوريا حسينيّون 320
الأسد يواصل مجازره ويتربَّص بحمص، وأميركا تحمّله مسؤولية كل قتيل 321
فرنسا تتهم سوريا بالانفجار الذي استهدف كتيبتها، والراعي لحصر السلاح بالدولة 322
جنبلاط يتهم سوريا بانفجار الكتيبة الفرنسية، ويحيي ثوّار حمص ودرعا والصنمين 322
المرزوقي رئيسًا للجمهورية والجبالي رئيسًا للحكومة في تونس 323
العاهل البحريني يتهم سوريا وإيران بإثارة الشغب، وعلم فلسطين في الأونيسكو 323
الموسوي يتطاول على الجميّل ثم يعتذر، والأخير يهدي الاعتذار الى الشعب 323
جمعية المصارف تغطي مبلغ تموييل المحكمة عن الهيئة العليا للإغاثة 324
المفتي يتهجّم على الحريري والمستقبل يرد: يحاول محو إنجازات ثورة الأرز 325
9أشهر على الثورة، روسيا تقدّم مشروع قرار يساوي بين المجرم والضحية 325
اشتباك مسلّح في "الزيدانية" يعيد طرح مشروع بيروت منزوعة السلاح 326
منظمة التجارة توافق على عضوية روسيا،هل قبضت خلو تخلّيها عن الأسد؟ 326
200ألف متظاهر في حمص في جمعة "الجامعة العربية تقتلنا" 326
احتفالات في تونس بمناسبة مرور سنة على اشتعال الثورة 326
اشتباكات في ميدان التحرير بمصر، الجيش يبرز وحشيته، وإحراق المجمع العلمي 327
جلاء آخر جندي أميركي من العراق 327
دمشق توقّع بروتوكول المراقبين بعد شهرين من المهل، ورئيس البعثة ميليشيوي! 327
النظام يستبق وصول البعثة بحملة قتل عنيفة، والمجلس الوطني لقوات ردع عربية 328
العاهل السعودي يدعو دول الخليج الى التحوّل من مرحلة التعاون الى الاتحاد 328
وزير الدفاع يتهم عرسال بتصدير أسلحة وإرهابيين من القاعدة الى سوريا 328
المفتي قباني يواصل إساءته للشعب السوري فيستقبل مجدّدًا السفير السوري 328
الحريري يلتقي أردوغان في أنقره ويستنكر مجازر النظام السوري 329
حزب النور السلفي يؤكّد عبر الإذاعة الإسرائيلية احترام معاهدة كامب دايفيد 329
270 قتيلاً عشية وصول طلائع بعثة المراقبين الى سوريا 329
وصول بعثة المراقبين بعد سقوط 6237 قتيلاً، و21 قتيلاً يوم وصولها 329
الأسد يفجّر مقرّين أمنيَّين في دمشق، ونظامه يذكّر بتصريح وزير الدفاع اللبناني 330
الحكومة تصمت عن اتهامات الخارجية السورية لعرسال،الحريري يتهمها بالتواطؤ 330
حكومة ميقاتي تعلن عدم مشاركة لبنان في بعثة المراقبين 330
حزبا الإخوان والنور يفوزان بمعظم مقاعد المرحلة الثانية من الانتخابات المصرية 331
استمرار أعمال القتل في سوريا رغم وجود المراقبين ووصول دفعات جديدة منهم 331
الصحافة الإسرائيلية: موسكو عرضت على الشرع تولّي الرئاسة لفترة انتقالية 331
البطريرك الراعي يواصل تصحيح مواقفه 331
وصول المزيد من المراقبين والقتل يستمر خصوصًا في بابا عمرو في حمص 332
المخابرات السورية تتوغل في الأراضي اللبنانية وتقتل 3 لبنانيين 332
المراقبون يمضون يومهم الأول في حمص، والشعب يواصل التظاهر 332
حلب تبدأ بالتحرك، والنظام يحاول الاحتيال على المراقبين بتغيير أسماء المدن 332
إيران تهدّد بإقفال هرمز إذا عوقبت، والسعودية تتعهّد تعويض النفط الإيراني 332
رئيس بعثة المراقبين يكشف انحيازه: لا شيء مخيفًا في حمص، والجامعة تصوّب 333
بعثة المراقبين تتعرّض لإطلاق نار، و130 شهيدًا منذ وصولها 333
الحكومة لا تستنكر جريمة عكار، الحريري لقوات عربية تركية للتخلص من النظام 333
مواصلة محاكمة حسني مبارك، والرئيس اليمني الى الإمارات بعد أميركا 333
مجلس الدفاع يطوي صفحة كذبة وزير الدفاع: لا وجود للقاعدة في لبنان 334
المطالبة بنشر الجيش اللبناني على الحدود، وسوريا تشكو لبنان الى الأمم المتحدة 334
أوسع حراك للمعارضة السورية منذ بدأ الانتفاضة 334
النظام يواصل القتل، والمجلس الوطني يلوّح باللجوء الى السلاح 334
تظاهرات في اليمن تطالب بمعاقبة صالح تقابلها تظاهرات مؤيّدة له 335
التظاهرات تتواصل في الأردن 335
الخاتمة 336
المقدّمة
دخل العام 2011 والساحة اللبنانية متأثرة بالتركة المتفجرة والثقيلة التي خلّفها وانتهى عليها سلفه العام 2010، تلك السنة التي طَبَعَت معظم مجرياتها اللبنانية أزمة المحكمة الخاصة بلبنان والتداعيات الاستباقية لقرارها الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
فالقرار الظنّي الذي توقَّع وترقَّب الجميع صدوره عن المحكمة الدولية عام 2010 لم يبصر النور بعد، وحكومة "الدوحة الثانية" أو ما يسمى "الوحدة الوطنية" برئاسة الرئيس "سعد الحريري" ذات الثلث المعطل المضمَر والمموَّه، أثبتت عجزها في التصدّي لحل هموم الناس، فضلاً عن فشلها في بتّ العناوين الكبرى الشائكة، مثل تمويل المحكمة الدولية، والملف الفارغ الذي يُعنى بما تسمّيه قوى 8 آذار "شهود الزور"، والذي تتخذ منه القوى المذعورة من القرار الظنّي والمحكمة والتحقيق الدولي، ذريعة لشلِّ المؤسسات وتعطيل الحكومة، ضاربة عرض الحائط بهموم الناس، ورافعة الأصوات والأصابع بالتهديد والوعيد في وجه القوى الاستقلالية الرافضة رفضًا قاطعًا أيَّ مساس بالمحكمة أو تعطيل لمسار العدالة.
النائب "وليد جنبلاط" لا يزال ثابتًا على تموضعه الجديد القريب من قوى 8 آذار، منذ مؤتمر "البوريفاج" الشهير في 2آب 2009.
الرئيس "سعد الحريري"، رغم زياراته الخمس الى دمشق ونجاح الرئيس السوري "بشار الأسد" في أن ينتزع منه صكّ براءة شفهية من دم والده، أو اعتذارًا عن الاتهام السياسي الذي وجهه إليه بالضلوع في جريمة الاغتيال، لم ينل رضى "الشام وطهران"، لأنه لا يزال متمسكًا بتحالفاته خصوصًا مع حزب "القوات اللبنانية" بقيادة حكيم "ثورة الأرز" الدكتور "سمير جعجع"، إلا أن فريق 14 آذار بشكل عام، ماض في استضعاف نفسه، إذ يقوم بأداء سياسي لا يرقى إلى تطلّعات جمهور "ثورة الأرز"، وهو في هذه الظروف السياسية الحرجة بأمَسّ الحاجة الى رصّ الصفوف وَطَي الخلافات داخل الأمانة العامة، والانتقال من ردة الفعل الى صناعة الفعل، بتحضير الخطط والخطط البديلة للصمود والمواجهة، منعًا لإعادة لبنان الى ما قبل العام 2005.
فريق 8 آذار بقيادة "حزب ولاية الفقيه" يراهن على تغيّرات جذرية في التوازنات السياسية في البلاد تجعل من الأقلية أكثرية، خصوصًا بعدما نجح في تطويع النائب "وليد جنبلاط" الخائف على طائفته الدرزية ديموغرافيًا وجيوسياسيًا وأمنيًا، من أي عمل إرهابي قد يقوم به "سلاح الغدر"، كما أسماه زعيم "المختارة" يوم كان في صفوف "ثورة الأرز" المجيدة.
"حركة أمل" بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري ترزح تحت السيطرة الكاملة للقائد الأعلى والأوحد لقوى 8 آذار، وإن كانت في قرارة نفسها تتوق إلى الانعتاق والاستقلالية.
وجنرال "الرابية" "ميشال عون"، لا يزال يؤمِّن غطاءً مسيحيًا تزداد شفافيّته يومًا بعد يوم، في محاولة مكشوفة لتمويه اللون الطائفي والأجنبي الفج لمشروع الحزب الإيراني الطامع في الإمساك بكامل مفاصل الدولة اللبنانية، وتغيير تركيبتها الديموغرافية والمناطقية، ضربًا للوحدة الوطنية والعيش المشترك، كل ذلك يحاول تغطيته جنرال "التغيير والإصلاح" مقابل حفنة من المصالح الشخصية، والمناصب الوزارية، ووعد شهير كاذب برئاسة الجمهورية، ولو على حساب مصالح الطائفة المسيحية والمصلحة الوطنية العليا.
أما الحكومة اللبنانية، التي ليست في الحقيقة حكومة "وحدة وطنية" بمقدار ما هي حكومة الأضداد والمتناقضات العميقة التي أدت الى تحويلها بعد سنة على ولادتها مجرّد هيكل من دون حياة؛ فبين التحدّي الداخلي المتمثّل بالقضم المنهجي للدولة والنظام، والتحدي الخارجي المتمثل بسعي الجار المتعِب الدائم، الى استعادة وصاية ماضية على بلاد الأرز، وترقّب صدور القرار الاتهامي الذي يخوض رحلته الأخيرة فبل الرسو في قاعة المحكمة الدولية أمام القاضي... كان متوقّعًا للحكومة أن تسقط وتنهار في أي لحظة تتعثّر فيها وهي تعبر حقول الألغام التي زرعت حولها، فيودي بها لغم ما الى التفجّر من الداخل.
عبدو شامي
1/1/2012
2011
عام الحقيقة والربيع العربي
كانون الثاني 2011.. شكرًا أيّها الانقلابيون!
دخل العام 2011 تزامنًا مع اتصالات تمّهد لمسعى جديد لإنهاء حال التعطيل التي تسود الوضع الحكومي منذ نحو ستة أسابيع، وبالتالي تحديد موعد لعقد جلسة لمجلس الوزراء، إلا أن تلك الاتصالات والمحاولات كانت تصطدم تكرارًا بالمواقف الثابتة للأفرقاء من مسألة "شهود الزور"، فضلاً عن أن اقتراح تحييد القضايا العادية المتّصلة بجدول أعمال المجلس عن الخلاف على هذه المسألة، لم يلقَ استجابة من فريق 8 آذار.
شهر كانون الثاني من هذه السنة الجديدة، انطلق باستحقاقَين عالقَين على مهلة زمنيّة مبدئية، لا تتجاوز الشهر الأول من العام 2011:
فالأول يتعلق ببلورة حقيقة ما يجري على صعيد المسعى السعودي-السوري أو ما تُعُورِف على تسميته بالـ س-س، والذي يبدو واضحًا أنه يشهد تحريكًا في الفترة الأخيرة بدليل كثافة التسريبات والتوقّعات في شأنه، والتي تبدو أشبه بأفكار تجريبيّة أو بشروط تطرحها جهات معيّنة بأسلوب غير رسمي، مما يعني أن ثمة عملاً جاداً يجري على هذا المسار، وإن لم يصل بعد الى مرحلة اختراق واقعية.
وأما الاستحقاق الثاني، فيتّصل بمواكبة ذلك الجهد بمسعى داخلي لمنع تكريس حال تعطيل مجلس الوزراء، وتحويلها ورقة ضغط دائمة، من شأنها أن تعرّض البلاد لأضرار كبيرة، كما تكشف لبنان على أخطار ذات أفق إقليمي على غرار تغييبه عن مسألة التنقيب عن النفظ، والتفجيرات المتنقلة في المنطقة، والتي تستدعي استنفارًا سياسيًا وديبلوماسيًا.
في بداية العام، دخلت فرنسا على خط المساعي الجارية لاحتواء تداعيات القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، عارضة أفكارًا من أجل إيجاد مخارج للمرحلة المقبلة التي تلي صدور القرار الاتهامي، وتأمين الاستقرار الداخلي، وتمويل المحكمة، وإعادة إطلاق العمل الحكومي. هذه الأفكار لم يقدّمها الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" الى الرئيس السوري "بشار الأسد" خلال زيارة الأخير لباريس في 9/12/2010، وهي لا تمثّل صيغة حل ولا تسوية، لأن باريس متمسّكة بقوة باستمرار عمل المحكمة الدولية، وليست في وارد أي مساومة على هذا الموضوع.
من جهتها، كانت الولايات المتحدة الأميركية تؤكّد عبر سفيرتها في لبنان "مورا كونيللي" أن تعيين الرئيس "باراك أوباما" السفير "روبرت فورد" في دمشق "ليس مكافأة للحكومة السورية، إنما حماية للمصالح الأميركية والأمن في المنطقة، ولا سيّما لجهة تحسين قدرتنا على توجيه رسائل حازمة الى الحكومة السورية"، مؤكّدة أن "أي خطوة تتخذ حيال سوريا لن تكون على حساب لبنان".
وعلى الرغم من صدور بيان عن السفارة الأميركية في بيروت تبديدًا للهواجس حول تعيين سفير لأميركا في دمشق، فإن الآراء ظلّت متضاربة في تفسير أسباب التعيين وفي هذا الوقت بالذات، بحيث تجاوز فيه الرئيس "أوباما" الكونغرس الذي كان له اعتراضات وتحفّظات على هذا التعيين. فهل يمكن القول إن شهر العسل بدأ بين سوريا وأميركا مع هذا التعيين؟! وهل اللوبي الصهيوني وراء هذا التطوّر في العلاقات الأميركية-السورية بوصف نظام "الأسد" الحارس الأمين للجولان المحتل منذ نحو أربعة عقود؟
وبالعودة إلى صميم الأزمة الحكومية، كان لافتًا ما أدلى به رئيس مجلس النواب "نبيه بري" في أول كلام له أطل فيه على السنة الجديدة، حيث قال في 2/1/2011: "إن كانون الثاني الجاري هو شهر الحسم في موضوع أزمة المحكمة الدولية"، وذكر أن المسعى السعودي-السوري دخل في مرحلة نقاهة مع مرض العاهل السعودي، وتمضيته فترة نقاهة في "نيويورك".
لاقى هذا التصريح وخصوصًا شقه الأوّل، استغرابًا من الأوساط المتابعة للأزمة، ولا سيما أنه جاء وسط فشل الاتصالات في كسر المأزق المتمثل في اشتراط قوى 8آذار بت مسألة "شهود الزور" وطرحها على التصويت بندًا أولاً إلزاميًا في أي جلسة يُتَّفَق على عقدها، وهو ما حال دون إحراز أي تقدم في هذا المجال. فرئيس الجمهورية متمسّك بحصول توافق في مجلس الوزراء، وفريق 14 آذار يرفض طرح بند "شهود الزور" على التصويت، فيما يصر فريق 8 آذار على التصويت، ومجمل الأمور تبدو غامضة بما فيها المفاوضات الخارجية، فقد انحسرت موجة التسريب والتبشير بتسوية على المسار السعودي-السوري.
ولفت في هذا السياق، ما أوردته صحيفة "تشرين" الحكومية السورية في 2/1/2011، من "أن الآمال معلّقة على سعد الحريري لاتخاذ موقف جريء وشجاع يرفض اتهام حزب الله، ويُسقط مفاعيل التسييس للمحكمة (الخاصة بلبنان)". واعتبرت أن "مثل هذا الموقف كما أكّد الرئيس بشار الأسد يوازي إسقاط اتفاق 17 أيار"، مشيرة الى أن "الفرصة ما زالت متاحة لاتخاذ مثل هذا الموقف، علمًا أن مساحة الوقت بدأت تتقلص".
في غضون ذلك، برزت مجموعة مواقف من الأزمة الداخلية لكل من رئيس "حزب الكتائب" الرئيس "أمين الجميل"، ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع"، شكّلت كذلك ردًا مباشرًا على الموقف السوري. فالأول تناول الأزمة الداخلية معتبرًا أن "ما يسمّى تسويات" تطرح في شأن المحكمة الدولية "هي بالنسبة الى البعض تنازلات عن حق الشعب اللبناني في معرفة الحقيقة والعدالة، وهي غير مقبولة طبعًا"، وشدّد على أن "أي حل مستقبلي لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الحقيقة والعدالة". مؤكدًا أن "جميع القوى في حركة 14 آذار "تجمع على الموقف نفسه".
أما "الحكيم"، فشدّد على أن "المحكمة الدولية خط أحمر، وسعد الحريري رئيسًا للحكومة خط أحمر"، لكنه قال إنه "يمكن الحديث عن ترتيبات تتناول تداعيات القرار الاتهامي وتخطّي الصدمة إذا تضمّن القرار أسماء لبنانية"، مضيفًا أن " 8 آذار تريد التهويل على السعودية كي تقول للحريري إنه يجب التخلّي عن المحكمة، ومن رابع المستحيلات أن تفرض الرياض أي موقف على أحد في لبنان، وخصوصًا في ملف المحكمة". وتساءل: "ماذا تغير في النظرة السورية تجاه لبنان كي نعيد حساباتنا في النظرة إليها؟"، معتبرًا أن "النظرة السورية تتناقض كليًّا مع نظرة المسيحيين في لبنان، وسوريا لا تحتمل وجود قيادات مسيحية قوية".
إذًا، المراوحة سيّدة الموقف، والمسعى السوري-السعودي لم يتقدّم والجميع في انتظار القرار الاتهامي للمدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار، بينما تركة الشلل الحكومي الراهن بدأت تنذر بمزيد من الانعكاسات السلبية على مجمل عمل الوزارات والمؤسسات ما لم يتم تدارك هذا الوضع بسرعة، في حين لا تبدو بعد أي ملامح واقعية لأي مخرج محتمل من شأنه أن يُعيد انتظام جلسات مجلس الوزراء.
ومما زاد الأجواء شحنًا وتوتيرًا، لجوء عدد من شخصيات قوى 8 آذار إلى ضخ تصريحات عن "تغيير حكومي"، ذهب معه البعض إلى "تطيير" توقّعات استباقية في شأنه، مثل الكلام عن استبعاد قوى، وتغيير معادلات، وما إليها من "سيناريوات"! وعلى الرغم من جدية النبرة الانقلابية، بقي البعض يُدرج هذا المنحى في إطار الضغوط المعنوية والسياسية التي يجري توزيع الأدوار في صددها داخل قوى 8 آذار، والتي تصب كلها في إطالة أمد أزمة الشلل الحكومي.
لم يكن بوسع الرئيس "سعد الحريري" التزام الصمت حيال الابتزاز الممنهج الذي تمارسه عليه قوى 8 آذار والإشاعات التي تبثها حول مسعى الـ س.س، فقد جزم "الحريري" في حوار له مع "جريدة الحياة" نشر في 7/1/2011، أن تغيير الحكومة "خارج البحث كليًا"، مجدِّدًا تأكيده "عدم التخلّي عن أي حليف". وكانت المفاجأة المخالفة لجميع التحاليل، أن "الحريري" حسم اللغط حول ما يثار في شأن التفاهم السعودي السوري المتعلّق بلبنان، فكشف أنّه "ناجز وينتظر التنفيذ"، معلنًا أن "الجهود السعودية-السورية وصلت إلى نتائج محدّدة قبل أشهر عدة"، وأن هذا "الموضوع أنجز منذ فترة طويلة"، مؤكدًا أن "المسار السعودي-السوري يتطلب خطوات إيجابية عدّة لم يقم الطرف الآخر بأي منها حتى الآن"، وأضاف: "إن ما تمّ الاتفاق عليه حصل قبل شهر من الوعكة الصحية التي ألمّت بالملك عبد الله، وليكن مفهومًا بكل صراحة أن أي التزام من جانبي لن يوضع موضع التنفيذ قبل أن يقوم الطرف الآخر بتنفيذ ما التزم به، فهذه هي القاعدة الأساس في الجهود السعودية-السورية".
وتابع: "التزمت الصمت طوال أشهر والآن كسرت حلقة الصمت، فقط لأنني مسؤول ومعنيّ بحماية هذا المسار لما فيه مصلحة البلد واستقراره".
وكرر "الحريري" رداً على سؤال في شأن ما يقال عن خطوات مطلوبة منه استغرابه لهذا الكلام، أما عن الخطوات المطلوبة من الفريق الآخر فاكتفى "الحريري" بالقول: "يكفي أنها معروفة من الطرف الآخر، المطلوب خطوات محدّدة من الجهة الأخرى، ولو نفّذوا ما التزموا به لما كنّا نتحدث عن سباق مع الوقت".
وعن الأنباء بأن البحث يتناول تغيير الحكومة وإعادة توزيع الحقائب فيها بحيث يتم إخراج حزب "القوات اللبنانية" أو "الكتائب"، قال "الحريري": "من يعتقد أن بإمكان أي حكومة غير حكومة الوحدة الوطنية أن تنهض بهذا البلد عليه أن يعيد التفكير مليًا بموقفه، فلا يعتقدنّ أحد أنني متمسك بالحكم أو بالسلطة أو بالكرسي". وجدّد الإعلان بالنسبة إلى حلفائه قائلاً: "إنني قلت قبل الانتخابات النيابية وبعدها: إنني لن أتخلّى عن أيّ حليف، سواء نجح في الانتخابات أم لم ينجح".
ومع اقتراب موعد إحالة المدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي "دانيال بلمار" القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" ورفاقه على قاضي الإجراءات التمهيدية "دانيال فرانسين"، توجّه رئيس مجلس الوزراء "سعد الحريري" إلى "نيويورك" في 7/1/2011، للاجتماع مع الملك "عبدالله" للمرة الثانية خلال عشرة أيام، والتقى وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون"، دفعًا للملف اللبناني الى مرتبة متقدّمة من الاهتمام الدولي، الأمر الذي أوحى بتطورات مرتقبة ستتضح معالمها قريبًا وستظهر نتائجها داخليًا، مع عدم إغفال ما أحدثته المواقف الأخيرة للرئيس "الحريري" من اختراق في الجمود المطبق على البلاد منذ أسابيع.
فقد عُلِمَ أن الغموض الذي أحاط بما أشار اليه الرئيس "الحريري" من "التزامات" لم ينفذها "الطرف الآخر"، كان يعني به التزامات تبدأ بسحب مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء السوري في حق شخصيات عدة من قوى الأكثرية، ولاسيما من فريق عمل الرئيس "الحريري"، والتي تسبّبت بقطيعة بين الأخير والقيادة السورية منذ شهور، على أن يبادل الرئيس "الحريري" هذه الخطوة بإعلان عدم اتهامه "حزب ولاية الفقيه" بالمسؤولية عن اغتيال والده، حتى ولو صدر قرار إتهامي يكشف ضلوع أفراد من الحزب في الجريمة. ثم في الالتزامات يأتي الاستقرار العام والسلم الأهلي وضبط سلاح "الحزب" الذي تقرّر في الدوحة أن لا يُزَج به في الداخل، لكن ذلك لم يحصل بدليل اشتباكات "برج أبي حيدر" في آب2010، على أن تترك التفاصيل الى المعنيين بعد إقرار المبدأ.
في المقابل، كانت التسوية السياسية التي تروج لها قوى 8 آذار بقوة، تقضي بإعادة النظر في اتفاقي الطائف والدوحة والدستور، وصلاحيات الرئاسة، أو المناصفة والمثالثة، واضعة معادلة تخيِّر "الحريري" بين إصدار بيان يرفض فيه المحكمة الدولية أو يتنكّر لمضمون القرار الاتهامي في حال اتهام "حزب ولاية الفقيه" أو اي طرف محلّي أو عربي، في مقابل استمرار التهدئة.
وبغض النظر عن مدى دقّة هذه المعطيات، فإن هناك تساؤلات تتمحور على الخطوة الأولى في هذه الالتزامات التي يدعو الرئيس "الحريري" أن تأتي من الطرف الآخر، فيما تصدر إشارات من فريق 8 آذار تفيد أن هذه الخطوة يجب أن تأتي من رئيس الحكومة.
إزاء هذه التطورات، تبدو قوى 14 آذار مجتمعة، مرتاحة الى موقف رئيس مجلس الوزراء "سعد الحريري" لجريدة "الحياة"، وحديثه عن التفاهم السعودي-السوري المنجز منذ أشهر، وترى هذه القوى بمسيحييها ومسلميها أن ما تحدّث عنه "الحريري" لا يخرج عن ثوابت المواقف والمبادئ التي لا تراجع عنها، بدليل ما جرى في الاجتماع الأخير غير المعلن لأقطاب 14 آذار في إطار سلسلة اللقاءات التي تعقد سرًا وبعيدًا عن الإعلام لتنسيق المواقف خطوة خطوة. ففي ذلك الاجتماع بادر "الحريري" والرئيس "فؤاد السنيورة" إلى رفض أي مساومة أو تنازل بحدّة وبكلام جازم يتجاوز مواقف الرئيس "أمين الجميل" ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع" ومسيحيي 14 آذار. إلا أنه رغم ارتياح القوى الاستقلالية لأداء زعيم الأكثرية "سعد الحريري"، تبقى نقطة سلبية تسجَّل على هذه القوى، وهي أن قياداتها سوى "الحريري" لم تكن على علم بتطورات مسار الـ س.س، ولا أنه أنجز منذ أشهر، في حين كان يجدر بـ"الحريري" إطلاع القيادات على مسار ذلك المسعى والتشاور معها في المسائل التي يتناولها قبل الاتفاق على أي شيء.
من جهتها، بدت قوى 8 آذار على كثير من التوجُّس حيال اللقاءات التي عقدت بين الرئيس "الحريري" والجانب الأميركي، حيث زعمت أن الأميركيين دخلوا بقوة على خط تعطيل المبادرة السورية-السعودية، وأن هذا الأمر واكبه كلام الحريري الذي أوردته صحيفة "الحياة" أخيرًا. ووصفت المواقف الأخيرة للـ"حريري" بأنها "خطيرة جدًا، ولا تساهم في ولادة التسوية المنتظرة... لكن التعويل يبقى على حكمة القيادتين السورية والسعودية لانضاج التسوية".
في غضون ذلك، وبعيدًا عن الساحة اللبنانية وارتفاع حدّة السجال السياسي فيها، خطف الأضواء حدَثُ الاستفتاء على تقسيم السودان. ففي 9/1/2011، جرى الاستفتاء في جنوب السودان على الانفصال في موعده المحدَّد، في اقتراع نتائجه معروفة سلفًا، لأنه يجري من طرف واحد، فقد اقتصر الاستفتاء على أهالي جنوب السودان المطالبين بالانفصال وحق تقرير المصير، ولم يشمل السودان بكامله! فبعد عشر سنين من التفاوض وأكثر من نصف قرن من القتال في واحدة من أكثر الحروب الأهلية وحشية، بدأ السودانيون الجنوبيون في هذا اليوم يدلون بأصواتهم في استفتاء على الانفصال عن الحكومة المركزية في "الخرطوم"، في يوم حلمَ به كثيرون وسقط من أجله أكثر من مليوني قتيل. ومع أن الاقتراع سيستمر أسبوعًا والفرز أسابيع، فلا شك في أن كبرى الدول الافريقية ستنقسم قسمين، وأن جنوبها الذي يعتبر من أفقر مناطق العالم، وإن يكن غنيًا بالنفط، سيختار الانفصال والاستقلال بعد 55 سنة من الوحدة مع الشمال، في خطوة قد لا تقتصر تداعياتها على جنوب السودان بل قد تتعدّاها الى الدول المجاورة.
بالعودة إلى المشهد اللبناني، ما إن انجلت اجتماعات نيويورك عن تأييد دولي لفصل مسار المحكمة الخاصة بلبنان عن المسعى السعودي-السوري لتوفير الاستقرار الداخلي، حتى قُرِعَ جرسُ إنذار سوري تحرَّكت بموجبه المعارضة عاجلاً من أجل فرض موضوع المحكمة بندًا وحيدًا على جدول أعمال جلسة مستعجلة لمجلس الوزراء.
تحرّك المعارضة، جاء بعد اتصال هاتفي في ساعة متقدمة من ليل العاشر من كانون الثاني بين الرئيس "الأسد" و"نيويورك"، حيث تبلّغ من القيادة السعودية التي تواكب الملك "عبدالله" في إقامته هناك أن المطالب التي تستهدف تغيير مسار المحكمة لم تصل الى أي مكان، وهي مطالب ثلاثة تتمثل بالتالي: سحب الاتفاق اللبناني مع المحكمة، وقف التمويل، وسحب القضاة اللبنانيين. وقد ترافق الاتصال مع اجتماع ثان للملك "عبدالله" والرئيس "الحريري" إثر اللقاءين اللذين عقدهما العاهل السعودي تباعًا مع الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" ورئيس الحكومة. وتبين من حصيلة المشاورات أن الرئيس الفرنسي لم يكن في وارد ممارسة أي تأثير في الموقف الأميركي من المحكمة خلال لقائه الرئيس "أوباما". كما أن الجانب السعودي اعتبر أن الفريق الآخر هو من أخلَّ بتعهداته في مراحل المسعى السعودي-السوري وليس "الحريري". بدورها كرّرت "هيلاري كلينتون" تمسّك واشنطن بضرورة تحقيق العدالة في لبنان، وقالت إنها "تأمل في أن يدرك اللبنانيون أن المحكمة التي أُنشِئت بقرار من مجلس الأمن تهدف إلى إنهاء الحصانة للاغتيال السياسي". وقد أتى ذلك كله في وقت تواترت فيه معلومات عن أن القرار الاتهامي الذي يعده المدعي العام للمحكمة "دانيال بلمار" سيصل في غضون ساعات أو أيام الى قاضي الإجراءات التمهيدية "دانيال فرانسين".
في هذه الأثناء كان رئيس مجلس الوزراء "سعد الحريري" يواصل محادثاته في الولايات المتحدة والتي يتوجها في 12/1/2011 في واشنطن بلقاء الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، مستبقًا الاجتماع المرتقب بشكر العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبد العزيز" والرئيس السوري "بشار الأسد" على رعايتهما "الاستقرار في لبنان"، ومعلنًا عن مشاورات أجراها مع رئيس الجمهورية العماد "ميشال سليمان" في شأن محاولة حلحلة الوضع الحكومي.
أوساط قوى 8 آذار أعلنت في 11/1/2011 أن "حزب ولاية الفقيه" و"أمل" تبلّغا من سوريا أن الرئيس السوري تلقى اتصالاً من الجانب السعودي يفيد أن الوساطة لم تصل الى نتيجة. وعُلِمَ أن الخليلَين (المعاون السياسي للرئيس "نبيه بري" "علي حسن خليل" والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" "حسين الخليل") توجّها الى دمشق حيث تبلّغا من الأسد الضوء الأخضر وأمر العمليات بإسقاط الحكومة.
وعلى الأثر، توجّه وفد ضم الخليلَين بعد عودتهما من سوريا، الى "الرابية" للقاء رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب العماد "ميشال عون"، ثم انضمَّ إليهما رئيس "تيار المردة" النائب "سليمان فرنجية" والوزير "جبران باسيل". وبعدما أطلع "عون" على التطورات، تقر"ر أن يزور الوفد بعبدا بعد اتصال عاجل ناقلاً الى رئيس الجمهورية طلب المعارضة عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء يُطرَح فيها بندٌ وحيدٌ هو المحكمة الخاصة بلبنان للنظر في المخارج، وأن ثمة أفكارًا واقتراحات ستطرحها المعارضة في الجلسة ليكون الحل لبنانيًا-لبنانيًا بعد فشل الوساطة السورية-السعودية بفعل ما وصفته بالتعطيل الأميركي، وعدم استجابة "الحريري" للوساطة، وَوَعَدَ "سليمان" بإعطاء المعارضة جوابًا بعد التشاور مع "الحريري"، في حين أكّدت له قوى 8 آذار أن أي تحرّك تعتزم القيام به مرتبط بردّ رئيس الحكومة، وأن المعارضة لن تنتظر وقتًا طويلاً. وتقرَّر أن يعود المجتمعون الى اللقاء مجددًا الرابعة عصر اليوم التالي (12/1/2011) في "الرابية" على افتراض أن يكون الرئيس "سليمان" قد تحدّث مع الرئيس "الحريري" وحصل على الجواب.
وكان العماد "عون"، بعد رئاسته اجتماع كتلته النيابية، صرّح بأن "المبادرة السعودية – السورية (...) انتهت من دون نتيجة"، لأن "فريق الرئيس سعد الحريري لم يتجاوب"!!
ولوحظ أن تحرُّك "حزب ولاية الفقيه" و"أمل" في اتجاه العماد عون ليكون راعيًا لنعي مسعى "س. س"، تزامن مع تحرك مماثل لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" يرافقه عضو الكتلة النائب "حسن فضل الله" في اتجاه رئيس الحكومة السابق "عمر كرامي"، ما أعطى إشارات واضحة إلى نيّة جدية بإسقاط الحكومة، والبحث عن شخصية سنيّة معارضة لترؤسها.
في المقابل، صدر ردٌّ عن كتلة "المستقبل" عبَّر عنه عضو الكتلة النائب "عمار حوري" الذي قال: "إذا كنتم تنعون تفاهم "س. س" فمعناه أنكم تنعون التزاماتكم للخطوات التي تعهدتم القيام بها، والتي لم تنفّذوا منها شيئًا حتى الآن، كما أعلن ذلك الرئيس الحريري في مقابلته الأخيرة مع جريدة "الحياة". ونحن في المقابل، ما زلنا عند التزامنا الخطوات التي سنقوم بها بعد تنفيذكم لالتزاماتكم كما هو أساس التفاهم".
أدخلت هذه التطورات البلاد في حالة توتر وشحن سياسي شبيهة بتلك التي سبقت غزوة 7 أيار الإرهابية عام 2008، وقد تردَّدت معلومات ليلاً أن أوّل التحركات التي ستقوم بها المعارضة ميدانيًا عندما تتخذ قرارًا بذلك سيستهدف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بوصفه المؤسسة الأمنية الوحيدة الخارجة عن سلطة قوى الأمر الواقع المسلّحة.
أبلغ الرئيس "سعد الحريري" في اتصال هاتفي رئيس الجمهورية أنه لا يمانع في عقد جلسة لمجلس الوزراء كما طالبت بذلك المعارضة، إنما بعد تشاوره معه عقب عودته الى بيروت في غضون 48 ساعة. غير أنه في الوقت نفسه، رفض الرئيس الحريري وقوى 14 آذار الانصياع لأوامر وإملاءات الحزب الذي اتهم نفسه بالتورّط في "جريمة العصر"، وقرّرا عدم الاستجابة لأنواع الضغوط التي يتعرضون لها، وعدم التراجع عن التزامات لبنان حيال المحكمة الخاصة بلبنان، لأن الرضوخ يعني باختصار اغتيال الشهداء مرتَين والقضاء نهائيًا على لبنان.
بصريح العبارة، كان المطلوب انقلابًا على الدولة والعدالة ينفذه "سعد الحريري" طائعًا، فيستسلم وصحبه الاستقلاليين أمام التهويل والترهيب بالسلاح والمسلحين، وذلك بتذييله قرار لبنان التخلي عن المحكمة الدولية بتوقيعه الثمين بصفته "ولي الدم" كما سمّاه أمين عام "حزب ولاية الفقيه" ذات يوم، مع العلم أن المحكمة الدولية لا تعنيه وحده بل تعني الجمهور الاستقلالي والسيادي بأكمله.
كان المطلوب استسلاماً تامًا للجلادين والتذلّل على أعتاب "الضاحية الجنوبية" و"قصر المتاجرين" و"طهران"، طلبًا للغفران في مقابل الفوز بالسلامة الآنية. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل، لأن الاستقلاليين قرّروا أن يمضوا في طريق إحقاق الحق والعدالة وإنهاء زمن الإفلات من المحاسبة على ارتكاب الجرائم السياسية.
استتبع هذا الموقف الاستقلالي والسيادي، في اليوم التالي أن وضع الفريق السوري-الإيراني خطته موضع التنفيذ، فسُجِّل ظهور مسلّح لبعض أفراد مجموعات هامشية مختلفة المذاهب، في بعض أحياء بيروت وفي مربعات الضاحية الجنوبية، في إشارة الى أن القوى الإيرانية-السورية التي أخذت الضوء الأخضر من نظام دمشق لنشر الفوضى في البلاد تمهيدًا لضربة لطالما سعى إليها الرئيس السوري "بشار الأسد"، بهدف قلب المعادلة اللبنانية الداخلية التي بشّر بها بعد حرب 2006 من على مدرج "جامعة دمشق"، لكنه فشل حتى اليوم في تحقيقها.
وصرّح الإنقلابيون صباح 12/1/2011 وقبيل اجتماع الرئيس الحريري مع الرئيس باراك أوباما، أن "الحريري لن يقابل الرئيس أوباما إلا رئيسًا لحكومة مستقيلة".
بالنبرة العالية ذاتها وردًا على ذلك الكلام الذي بدا واضحًا أنه يتخطى التهويل إلى القرارالعملاني الحازم، صرّح رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع": "أن من يطالب بغير سعد الحريري رئيساً للحكومة يكون بذلك يسعى الى الفتنة"، مؤكِّدًا "أن الاستشارات ستُعيد الحريري رئيسًا للحكومة، إذا استقالت الحكومة". وعن احتمال استقالة وزراء المعارضة، قال حكيم "ثورة الأرز" إن "أي خطوات يقوم بها فريق 8 آذار في السياق الديموقراطي هي من حقه، حتى لو أننا لا نأسف على هذه الخطوة، ليس لأننا لا نريدهم داخل الحكومة، لكن يجب أن نرى ماذا حصل في الحكومة في الأشهر الخمسة الاخيرة". ورأى "أن لا دوحة 2، ولن تكون هناك مكاسب سياسية وراء أي ضغط. والفريق الآخر لن يصل الى أي مكان. واذا أراد التصعيد، فليصعّد بمفرده، وهناك دولة ستدافع عن نفسها هذه المرة".
نفّذ الفريق الإنقلابي ما توعّد به، فبعد 14 شهراً من تأليفها في 9 تشرين الثاني 2009 تحت اسم "حكومة الوحدة الوطنية"، وبعد تحوّلها واقعيًا منذ زهاء ثلاثة أشهر "حكومة شلل وتعطيل" بفعل احتدام الأزمة الداخلية حول موضوع "شهود الزور" المتفرّع من ملف المحكمة الخاصة بلبنان، سقطت حكومة الرئيس "سعد الحريري" بالضربة القاضية.
فقد تداعى وزراء قوى 8 آذار العشرة المعروفون الى الاجتماع في دارة العماد ميشال عون في الرابية، قبل دقائق من اجتماع الحريري-أوباما، والذي يوافق الخامسة مساء بتوقيت بيروت؛ وتزامنًا مع انعقاده، خرج المجتمعون بقرار توجيه ضربة ضربة استباقية للمحكمة قبل إصدار قرارها الاتهامي، وضربة أخرى قاضية الى حكومة الرئيس "سعد الحريري"، فأعلنوا الاستقالة الجماعية من الحكومة، ثم ما لبث أن لحق بهم بعد نحو ربع ساعة الوزير الوديعة الذي يمثل الثلث القاتل المضمر والمحسوب زورًا وخداعًا على رئيس الجمهورية "عدنان السيد حسين"، فور تلقّيه اتصالاً من المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" "حسين الخليل" الذي أبلغه تحيّات الأمين العام وتمنّيه عليه "أن يُحَكِّم ضميره وأن يأخذ الموقف المناسب إزاء هذا الواقع المأزوم". فهم الوزير الوديعة "التكليف الشرعي" فأعلن استقالته التي أفقدت الحكومة نصابها الدستوري باستقالة ثلث وزرائها زائدًا واحدًا.
تولّى الوزير "جبران باسيل" تلاوة بيان الاستقالة التي عُزِيَت فيه إلى "رضوخ الفريق الآخر للضغوط الخارجية، ولا سيما منها الأميركية وتجاهل نصائح الطرفين السعودي والسوري" .وشدّدت أوساط المجتمعين على أن أي خطوة مستقبلية ستبقى ضمن سقف القانون والمؤسسات، مستبعدة حتى تحريك الشارع أو الاعتصامات. كما لفت في هذا السياق تشديد الرئيس "بري" على أن "أي خطوة يجب أن تكون في إطار الممارسة الديموقراطية ووفق القواعد الدستورية"، وأن "الوضع الأمني ممسوك والاستقرار خط أحمر". وفور إعلان "باسيل" قرار الاستقالة، جرى إطلاق نار كثيف في مناطق "الحزب" في بيروت والبقاع والجنوب، تعبيرًا عن فرحة القوى الانقلابية بسقوط حكومة "الحريري".
مما لا شك فيه، أن الرئيس "ميشال سليمان" كان يعرف حقيقة الوزير "السيد حسين"، على الأقل من هوية الجهة المعارضة التي اقترحت توزيره ضمن حصّته، وبالتالي َقَبِلَ "سليمان" أن يكون للمعارضة وديعة عنده يستطيع قادتها استعمالها عندما يشعرون بالحاجة الى ذلك. وبذلك يكون اللبنانيون عمومًا والموالاة خصوصًا قد تعرضوا لخديعة ليس فقط من المعارضة، بل أيضًا من الرئيس الحَكَم المؤتمَن على الدستور، والداعي الى الوسطية، والتي يدّعي ممارستها من خلال دوره في مجلس الوزراء.
صحيح أن الضربة القاضية التي وجّهها الفريق الإنقلابي الى الحكومة تعتبر خطوة دستورية في الشكل، إلا أنها من حيث المبدأ والحقيقة والمضمون تمثّل انقلابًا على "اتفاق الدوحة" الذي تعهّدت فيه القوى المشكِّلة للحكومة عدم تعطيلها أو الاستقالة منها، وإذا كان من تفسير للخطوة التي أقدمت عليها القوى الإنقلابية، فهو أنها لم تُطِح بفِعلتها تلك بالحكومة وحسب، بل أطاحت كذلك بـ"اتفاق الدوحة"، اتفاق الغالب والمغلوب الذي شرّع الثلث المعطل وانتهك الدستور اللبناني كخطوة أولية لهدم "الطائف".
وعلى أي حال، بموجب المادة 69 من الدستور (الفقرة ب)، باتت الحكومة في حكم المستقيلة بعدما فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدّد في مرسوم تأليفها. وفُهِمَ أن رئيس الجمهورية ينتظر عودة الرئيس "الحريري" إلى بيروت لإصدار مراسيم اعتبار الحكومة مستقيلة حكمًا، وتكليفها بتصريف الأعمال الى حين تأليف حكومة جديدة، على أن يُدعى الى إجراء الاستشارات النيابية الملزمة من أجل تسمية رئيس للحكومة المقبلة في الظروف التي تسمح بإجراء هذه العملية.
أشعلت خطوة 8 آذار بجعل الرئيس "سعد الحريري" "رئيسًا سابقًا" للوزراء في لحظة دخوله البيت الأبيض، والتي اتخذت طابع المواجهة مع المجتمع الدولي الداعم لمسار المحكمة الخاصة بلبنان، أشعلت استنفارًا أميركيًا ودوليًا غير مسبوق، إلا ربما في حالة سابقة واحدة هي ظروف إصدار القرار 1559، علمًا أن الاستنفار الجديد للأسرة الدولية ومعظم الدول العربية والإقليمية المؤثّرة، تمحور على التشديد على المضي في دعم المحكمة الخاصة بلبنان والاستقرار الداخلي فيه، في ما يشبه رسم خطوط حمر واضحة أمام المتاهة الجديدة التي انزلق إليها لبنان.
بالنسبة لــ"رد فعل" قوى 14 آذار، ففد تحوّل في ذلك اليوم الإنقلابي اجتماع كتلة المستقبل النيابية اجتماعًا لقوى 14 آذار مع انضمام شخصيات وزارية ونيابية وسياسية إليها. تحدّث الوزير "بطرس حرب" باسم المجتمعين، فأعلن أن"هناك مساومة على مبدأ العدالة ومعرفة مصير من ارتكب الجرائم السياسية"، مؤكِّدًا رفض هذه المساومة ولكن مع الانفتاح على الحوارات التي يمكن أن توجد حلا لهذه القضية". وإذ أفاد أن قوى 14 آذار ستعقد اجتماعًا موسعًا عقب عودة "الحريري"، وصف استقالة وزراء 8 آذار بأنها "دفعت البلاد الى حال تخبط"، ودعا قوى 8 آذار الى "تحمّل مسؤوليتها في عدم دفع البلاد الى حالة من عدم الاستقرار الأمني". وتابع: "لقد تداولنا الأمر، وتمّ الاتفاق على أن نبقي اجتماعاتنا مفتوحة في قوى 14 آذار، وأن نتداول مع دولة رئيس مجلس الوزراء، كما مع فخامة رئيس الجمهورية للتشاور معه في مواجهة الأزمة التي حلّت بالبلد، منتظرين عودة الرئيس سعد الحريري لكي يُصار إلى عقد اجتماع موسع لقوى 14 آذار وإعلان موقف نهائي ورسمي مما يجري في البلاد".
وبالنسبة لموقف رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط" من الخطوة الإنقلابية، عُلِم أنه لم يكن في وارد تسهيل استقالة الحكومة بإسقاطها، إذ لم يكن مستعدًا لدعوة الوزراء الثلاثة لـ"اللقاء الديموقراطي" إلى الاستقالة.
بدا واضحًا، غداة إسقاط الحكومة باستقالة 11 وزيرًا منها، أن قوى 8 آذار وداعميها الإقليميين انتقلوا فورًا الى المرحلة الثانية من المعركة السياسية المفتوحة، ففتحت المواجهة المبكرة على التكليف التي يراد منها الدفع بدفتر الشروط الذي لم يمر عبر الوساطة السعودية-السورية ويُراد الآن فرضه تحت وطأة محاولة لتغيير الغالبية والأقلية، وإقامة أمر واقع جديد يرخي بمجمل مفاعيله السياسية والدستورية على البلاد. وإذا كانت قوى 14 آذار تنظر الى الخطة المتدرجة للمعارضة على أنها محاولة انقلابية موصوفة تتوسل ظاهرًا الوسائل الدستورية السلمية وضمنًا مختلف أساليب الضغط والتهويل، برز المناخ الضاغط في استعجال رئاسة الجمهورية إصدار بيانها باعتبار الحكومة مستقيلة، والطلب منها تصريف الأعمال الى حين تأليف الحكومة الجديدة، ومن ثم إصدار برنامج الاستشارات النيابية الملزمة يومَي الاثنين والثلثاء المقبلَين في 17 و18 كانون الثاني.
بدا "حزب ولاية الفقيه" مُبادرًا إلى التلميح بوضوح الى أن لديه مرشحًا للتكليف والتأليف غير الرئيس "الحريري"، وظهر ذلك أولاً عبر مانشيت صحيفة "الأخبار" المحسوبة والممولة من المعارضة، فعنونت صفحتها الأولى في عددها الصادر غذاة الإطاحة بالحكومة وصبيحة 13/1/2011 "المعارضة أنهت الدوحة 1: لا لسعد ولا لتأخير الاستشارات". ورأت الصحيفة أنه "ابتداءً من الخامسة من بعد ظهر أمس، دخلت البلاد مرحلة جديدة"، محمِّلة رئيس الجمهورية مسؤولية أمام ما جرى، إضافة إلى أن رئيس الحكومة الذي وصفته الصحيفة "بالمغترب، سعد الحريري، أظهر لا مبالاة تجاه التطورات الداخلية، وأصرّ على الانتقال من نيويورك إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، مع أنه كان في إمكانه قطع زيارته للولايات المتحدة والعودة إلى بيروت لمواكبة التطورات".
وقد تقاطعت معلومات تلك الصحيفة مع تصريح في اليوم نفسه لرئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب "محمد رعد" من منزل الرئيس السابق "إميل لحود"، عندما رأى أن على رئيس الحكومة الجديد أن يمتلك "مسيرة مقاومة وطنية في هذا البلد وقدرة على التصدي للمشاريع الاستكبارية". وذهب مصدر في المعارضة الى القول لصحيفة "النهار" أن "لا عودة للحريري إلا بشروط ، وإلا هناك أسماء كثيرة عندنا"، وعدّد أسماء الرئيس "عمر كرامي"، والرئيس "نجيب ميقاتي"، والوزير "محمد الصفدي"، والنائب السابق "عبد الرحيم مراد". وأضاف: "كان مطلوبًا من الحريري في المرحلة السابقة بيان، والآن بات عليه أن يُلبِّيَ دفتر شروط"!
كلام المعارضة يحمل في طيّاته تلميحًا إلى أن الموازين في مجلس النواب قد انقلبت، فهي لا تسطيع دستوريًا فرض رئيس للحكومة غير "سعد الحريري" ما دام زعيم الأكثرية النيابية، وهو لايزال كذلك بالفعل أو على الأقل باعتقاد قوى 14 آذار؛ لذلك انصرفت مختلف القوى السياسية إلى إجراء "بوانتاجات" استباقية للكتل والنواب، للوقوف على حقيقة تصاريح المعارضة، ومعرفة ما إذا كانت الأوراق خُلِطت بالفعل، أو أن المعارضة تقوم بمناورة متقدّمة لوضع شروط على ترشيح "الحريري".
تلقائيًا توجهت الأنظار إلى رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط" وبدأت ترصد حركته ومواقفه في هذا الشأن، باعتبار أنه يشكّل وسط هذه المبارزة "بيضة القبان" المرجّحة لأي كفّة في أي "مشروع انقلابي" محتمَل يُراد له أن يُوَفّر للمعارضة قلب الغالبية أو يصدَّها في هذه المحاولة.
فمعلوم أن الغالبية الحالية لا تزال معقودة اللواء لقوى 14 آذار الممثلة بـ 60 نائبًا من أصل 128 في مقابل 57 نائبًا لقوى 8 آذار، فيما يبلغ عدد أعضاء "اللقاء الديموقراطي" 11 نائبًا. وتحتاج المعارضة الى ثمانية نواب إضافيين لتتمكّن من توفير الغالبية العادية (النصف زائد واحد)، في حين "أن الأعضاء الـ 11 "للقاء الديموقراطي" منقسمون بين أعضاء حزبيين مع "جنبلاط" وآخرين ينخرطون مع قوى 14 آذار، الأمر الذي يجعل "جنبلاط" "كتلة ذهبية" مرجّحة إذا تمكّن من استمالة الأعضاء الـ 11 في حال قراره الوقوف مع المعارضة، في حين أن هذا الأمر غير مضمون إطلاقًا، ناهيك بأن "جنبلاط" لم يعطِ أي إشارة الى إمكان وقوفه ضد تسمية "الحريري". أضف إلى ذلك المخاوف الأمنية المحتملة، إذ إن فوز الموالاة في الاستشارات النيابية، أي تسمية الغالبية "سعد الحريري" لرئاسة الحكومة الجديدة، سيعني أن المعارضة لن تكتفي من أجل إنجاح انقلابها بالوسائل الدستورية، بل ستستعين بسطوة السلاح على الحياة السياسية، من أجل الحصول على أكثرية نيابية رفض اللبنانيون أن يمنحوها إياها بأصواتهم في الانتخابات النيابية.
وكشفت الأوساط أن المعارضة تجري اتصالات مع عدد من النواب المستقلّين، وخصوصًا في الشمال، وكذلك مع النائب الزحلي "نقولا فتوش"، سعيًا الى استمالتهم.
واتخذ هذا الأمر أهميته مع زيارة "جنبلاط" لقائد قوى 8 آذار "حسن نصرالله"، بعدما كان أكّد لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" أنه "من المبكر جدًا الرد على السؤال عمّن سنرشح وسنرى عندما تبدأ الاستشارات".
والخلاصة، أن مرحلة الاستشارات "التكليفية" هي الآن الأكثر أهمية، لأنها ستكون البرهان الذي يؤكّد هوية الفريق السياسي الذي يمتلك الغالبية النيابية. وفي هذا المجال يعتقد بعض العارفين أن الغالبية صارت مع 8 آذار، إذ إن كتلة "وليد جنبلاط" النيابية والحزبية لن تستطيع إلا أن تصوّت مع المعارضة، وهذا يعني إضافة 11 الى 57، فيصبح عدد المعارضين 68. علمًا أن هذا البعض يرجح عدم تجاوب اثنين على الأقل أو ثلاثة على الأرجح من كتلة "جنبلاط" مع "توجهاته". وذلك يقلّص الغالبية المعارضة "المتوقعة" لكنه لا يلغيها.
وليلاً، صرّح "جنبلاط" أنه ينسِّق موقفه مع الجانب السوري وقال: "أقوم بجولة عريضة من المشاورات وصولاً الى موضوع تسمية رئيس الوزراء للحكومة المقبلة بعدما دخلت عناصر أجهضت التسوية السورية-السعودية، خصوصًا أن الرئيس الحريري سبق له أن أعلن أن تلك المبادرة قد أنجزت".
وافادت مصادر مطلعة أن الرئاسة الفرنسية حصلت على تفويض أميركي لإيجاد حل للأزمة اللبنانية على خلفية استقالة وزراء المعارضة من حكومة الوحدة الوطنية لتأمين استمرار الاستقرار في لبنان، وإيجاد حلّ من خلال المؤسسات الدستورية. ولكن بدا من المعلومات التي سُرِّبت بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الفرنسي والسوري في شأن الملف اللبناني، أن الأجواء لم تكن إيجابية وأن ثمة رفضًا سوريًا للقيام بأي مبادرة في اتجاه حل ما، ذلك أن سوريا ترى ان الأوراق في يدها، وهي لا تريد أن تتقاسمها مع فريق آخر.
نُمِيَ الى القريق الانقلابي أن الرئيس سليمان قد يؤخر تحديد موعد بدء الاستشارات من أجل تسمية رئيس للحكومة العتيدة، باعتبار أن الدستور لا يحدّد له مهلة لبدء هذه الاستشارات. فسارع رئيس مجلس النواب إلى بعبدا، وكان الاتفاق بينه وبين رئيس الجمهورية على أن تبدأ اعتبارًا من الاثنين 17/1/2011، ويتم تسمية الرئيس الذي سيكلّف تشكيل الحكومة قبل نهاية الأسبوع، وذلك في سباق جديد بين التكليف والتأليف من جهة وصدور القرار الاتهامي من جهة أخرى.
كانت القوى الانقلابية جاهزة لجميع الاحتمالات؛ فتزامنًا مع العمل السياسي لمحاولة تأمين أكثرية نيابية والبحث عن رئيس مناسب يرأس حكومتها، كان العمل الأمني يسير على قدم وساق؛ فقد كشفت تقارير أمنية وديبلوماسية أميركية وأوروبية وعربية، خرجت من بيروت خلال الساعات الثماني والأربعين التي سبقت وأعقبت استقالة وزراء قوى 8 آذار من حكومة "سعد الحريري" في بيروت، كشفت عن وجود تحرّكات مسلّحة في عدد من شوارع بيروت الغربية وطرابلس والبقاعين الغربي والأوسط، بقيادة عناصر من "حزب ولاية الفقيه" و"حركة أمل" الشيعيّتيَن، وبعض التيارات السنّية الخاضعة لهما، ما يعني أن الحزب الإيراني باشر قُبَيل إصداره الأوامر الى "ميشال عون" بإعلان وفاة المبادرة (الأفكار) السعودية-السورية لنزع فتيل الانفجار في لبنان، استعداداته للبدء بنشر فوضى منظّمة أمنية في البلاد في حال فَشِلَ مع حلفائه السوريين خصوصًا في تغيير وجه اللعبة السياسية وانتزاع الحكم (الحكومة) من بين أصابع خصومه، بأن أخفق في استبعاد "سعد الدين الحريري" عن رئاسة الحكومة المقبلة. وعليه أعيت الأوامر لاستكمال المخطّط الانقلابي المذهبي الذي بدأ في 7 أيار2008 والهادف الى إنهاء حالة الوحدة الإسلامية المسيحية التي تجلّت منذ 14آذار2005، وضرب الطائفة السنّية بعضها ببعض، وكسر شوكة آل "الحريري" وزعامتهم الكاسحة للشارع السنّي.
وصل الرئيس "سعد الحريري" من جولته الدولية إلى بيروت في 14/1/2011، ولم تكن عودته الى واجهة المشهد الداخلي مجرد حدث عادي، بل جاءت مصحوبة بمواقف ومعطيات تؤكد أن ميزان القوى الذي أوصل الحريري الى رئاسة الحكومة الأولى في حياته السياسية لا يزال راجحًا على رغم التبدلات في التحالفات التي وضعت الأكثرية النيابية في دائرة التساؤلات، وهي أجواء دفعت بعض قوى 14 آذار كما بعض المحللين إلى الجزم بأن نجاح قوى 8 آذار في إطاحة "حكومة الوحدة الوطنية" سيكون نجاحًا موقتًا؛ لأن الاستشارات النيابية المقررة في 17/1/2011 ستعيد "الحريري" إلى منصبه.
فقبل توجُّهه للقاء الرئيس "سليمان"، عرّج الرئيس "الحريري" على "كليمنصو"، حيث التقى رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط"، وكانت أجواء اللقاء جيدة، حسبما رشح عنها. وانعقد هذا اللقاء قبل توجه النائب "جنبلاط" إلى دمشق يرافقه الوزير "غازي العريضي" للقاء المسؤولين في القيادة السورية في ذلك اليوم، وقبل الانتقال الى حلبة الاستشارات التي يفترض أن تحدِّد اتجاهات المرحلة الجديدة، سواء بالمواجهة، أم بتسوية جديدة تبدأ من رئاسة الحكومة.
اختار "الحريري" القصر الجمهوري ليوجه رسائله السياسية عشية بدء الاستشارات النيابية، وجاءت الكلمة التي ألقاها بمثابة رد محكم على الهجمات السياسية المتتالية التي انتهت باستقالة "ثلث المعارضة المعطل"، وفتح مواجهة جديدة تبدأ من رئاسة الحكومة المقبلة، ولا تنتهي مع البيان الوزاري المنتظر للحكومة العتيدة.
فبعد لقائه الرئيس "ميشال سليمان" في بعبدا، رفع الحريري سقف شروطه في وجه "دفتر الشروط" الذي تضعه المعارضة لرئاسة الحكومة المقبلة، ولم يقفل باب الحوار، واضعًا سقفًا لا يمكن أي مرشح لرئاسة الحكومة أن يقبل بأقل منه. وبقدر ما بدا الخطاب للوهلة الأولى، ثوابت غير قابلة للمساومة لرئاسته الحكومة، ترك ختامه انطباعًا أنه يعتذر سلفًا عن قبول رئاسة أي حكومة مقيّدة بالشروط كما يراها الفريق الآخر.
فـ"الحريري" في بيانه، إذ ابدى أسفه "لبلوغ المساعي السعودية السورية طريقًا مسدوداً"، دعا الى "عدم الركون الى التأويلات التي تضع الجهد السعودي تحديدًا، في خانة التراجع عن مساعدة لبنان بفعل ضغوط مزعومة". وكشف أن المبادرة التي كان يعمل عليها كانت تتضمّن التزامًا من الفريق الآخر، لم ينفذه، لتطبيق "مرتكزات الحوار الوطني ومتطلبات تعزيز سياسة الدولة". ووصف استقالة 11 وزيرًا من الحكومة بأنها تشكل "تطورًا لا سابق له"، مبديًا خشيته من أن تتحوّل الخطوة الى نموذج عن فشل اللبنانيين في تشكيل حكومات وحدة وطنية. كما عدّها "خروجًا على اتفاق الدوحة"، معلنًا رفضه إعطاء "أي كان، فرصة للالتفاف على الصلاحيات التي ناطها الدستور برئاسة مجلس الوزراء".
ثم قالها "سعد الدين رفيق الحريري" بالفم الملآن خاتمًا بيانه من قصر بعبدا: "ليكن مفهومًا للجميع، أنني ما كنت يومًا ساعيًا إلى السلطة بأي ثمن، وأنني بين السلطة وكرامة أهلي وأبناء وطني، أختار كرامة لبنان وكرامة اللبنانيين. إن كرامة كل طائفة، وكل مجموعة في لبنان، هي من كرامتي ولن يكون في مقدور أحد، دفعي الى التفريط بهذه الكرامة، كما لن يكون في مقدور أي قوى، حَمْلِي على القبول بما يمكن أن يهدِّد وحدة لبنان، أو أن يُسِيء إلى أي فئة من اللبنانيين".
ألقى "الحريري" بيانه ومضى مرفوع الرأس، ، فقبله مارس هذا المبدأ "سمير جعجع" في معتقله في اليرزة 4114 يومًا، رافضًا التفريط بكرامته وكرامة أهله ورفاقه في "القوات اللبنانية" وكرامة لبنان.
الروحية التي ختم بها "الحريري" بيانه هي روح 14 آذار وجوهر وجودها، والتي لو حافظ عليها فريق 14 آذار منذ اندلاع ثورة الأرز في 14آذار2005 لما تراجع أداؤه على وَقْعِ تقديمه التنازلات تلو التنازلات خوفًا من "الفتنة" ورضوخًا لسلاح الغدر الإرهابي المجرم. الثبات وعدم المساومة والالتزام بالمبادئ، هذا هو ما يريده أبناء "ثورة الأرز". وأما الأكثرية المركبة الهجينة التي يتم العمل على تشكيلها بإشارة من سلاح "حزب ولاية الفقيه" ومن خلفه سوريا، فستجد نفسها في مواجهة استقلاليين عقدوا العزم على منع العودة بلبنان الى ما قبل 14 شباط 2005 أيا تكن الصعاب والتحديات والتضحيات.
أثارت فضول المحلّلين معرفة حقيقة ما عناه رئيس الحكومة المستقيلة بقوله إن "الطرف الآخر لم يف بالتزاماته"، وذهب بعضهم أن الحريري لعله كان يقصد الخذلان المتكرّر الذي تلقاه المسعى السعودي من سوريا. فدمشق خذلت الرياض أولاً برد الفعل السوري الفاتر على المواقف التي أبداها "سعد الحريري" في حديثه الى "الشرق الاوسط" الذي نشر في 6 أيلول 2010، والذي اعتذر في خلاله ألأخير من سوريا عن اتهامه إياها سياسيًا باغتيال والده، كما اعترف للمعارضة بوجود "شهود زور" ضلّلوا التحقيق، والذي عُد تنازلاً موصوفًا لا يليق بمسيرة "ثورة الأزر" ما أحدث إرباكًا كبيرًا في صفوف 14 آذار. وخُذِلت الرياض ثانيًا بالطريقة التي فُجرت بها قضية "شهود الزور"، وخُذلت ثالثًا بتضخيم هذه القضية واعتبارها ذات أولوية على معرفة حقيقة الاغتيالات، وخُذلت رابعًا بصدور مذكرات التوقيف عن القضاء السوري بحق الدائرة المقربة من الرئيس "الحريري" وفريق عمله، وخُذلت خامسًا بإعطاء الأمر الى الطرف السياسي الذي طرح قضية "شهود الزور" في مجلس الوزراء، ثم بتعطيل عمل الحكومة بسبب هذا الملف، وصولاً إلى إسقاطها بإفقادها نصابها الدستوري، وخُذلت طوال الوقت بالحملة الشخصية على رئيس الحكومة وبعضها يستند الى "مصادر سورية" ولا يصار الى نفيها أو النأي عنها، وخذلت أخيرًا بسرعة الانتقال الى التصعيد السياسي رداً على الاخفاق في تأمين تفويض دولي لسوريا كي تضمن الاستقرار في لبنان، وإلا فهي لن تضمنه بل ستكون عاملا مساهمًا في زعزعته.
وأيًّا يكن تفسير عبارة الرئيس سعد الحريري، لا شك أن بعد بيانه الأخير من قصر بعبدا، حُقَّ للفريق السيادي أن يقول "شكرًا أيها الانقلابيون"! شكرًا لأنكم قدّمتم استقالتكم الجماعية من "حكومة الدوحة الثانية"، ففجرتم لغم الثلث المعطل القاتل، وأسقطتم حكومة "المساكنة القهرية والتكاذب الوطني". شكراً، لأنكم أعدتم عقارب الساعة الى تاريخ اليوم المجيد في 7حزيران2009، وأرجعتم للقوى الاستقلالية فوزها الثمين في الاستحقاق الانتخابي، بعدما نجحتم في إجهاض مفاعيله بفرض حكومة مصابة بفيروس الثلث القاتل، ولا تعكس نتائج الانتخابات النيابية. شكراً، لأنكم كشفتم عن حقيقتكم أمام الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، فأسقطتم بالضربة القاضية قناع احترام التواقيع والوفاء بالالتزامات والعهود المهزوز أصلاً، وأعلنتم أن لا قيمة عندكم لبيان وزاري، ولا لاتفاق دولي، ولا لالتزام قدمتموه على طاولة حوار وطني.
شكراً، لأنكم أطحتم باتفاق الدوحة، اتفاق "الغالب والمغلوب" غير المأسوف على وفاته، الذي حاولتم من خلاله الالتفاف على الدستور، وفرضه كبديل يزاحم اتفاق الطائف، تمهيدا لصياغة دستور جديد مفصل على مقاسكم للبلاد. شكرًا، لأنكم نسفتم اكذوبة ما سمي بـ"حكومة الوحدة الوطنية"، واكدتم فشل بدعة "الديموقراطية التوافقية".لاشكراً، لأنكم باستقالتكم وتصرفاتكم التهويلية والتعطيلية، جنّبتم اللبنانيين والرأي العام العربي والإسلامي الصدمة التي كانت ستصيبهم لحظة الاعلان عن الحقيقة المدوية.
شكراً، لأنكم جعلتم الرئيس "سعد الحريري" أكثر صلابة بتحريره من أسر وضغوط منصب أضعفه وقيّده، لأنه لم يرض إلا أن يكون فيه رئيس حكومة كل لبنان وكل اللبنانيين.
وأخيرًا والأهم من كل ماتقدّم، شكراً، لأنكم أيقظتم المارد الاستقلالي من غفوته، وأعدتم إشعال فتيل "ثورة الازر" التي لن تسمح لانقلابكم بالنجاح.
في خضم الصراع اللبناني-السعودي-السوري-الإيراني، الدائرة جولاته في الساحة البنانية، كانت تونس تسجل يومًا مشرقًا في تاريخها الحديث؛ فبعد "ثورة الأرز" في لبنان التي اندلعت على أثر اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" ورفاقه في 14 شباط 2005 مطالبة بكشف الحقيقة واستعادة الحرية والسيادة والاستقلال، وبعد "الثورة الخضراء" في إيران التي أشعل فتيلها عام 2009 الانتخابات المزوّرة التي أعادت الديكتاتور "أحمدي نجاد" الى سدّة الرئاسة بمباركة "الولي الفقيه"...ها نحن نشهد اليوم ومنذ أسبوعين سبقا نهاية العام 2010، ثورة جديدة في تونس تدعى "انتفاضة الياسمين"، وهي ثورة كسابقتَيها ولدت من رحم الظلم والقمع والقهر والطغيان، وتجرّأت على نزع يد طاغيتها التي لطالما كمّت الأفواه وأدمت الجباه، فرفعت الصوت عاليًا ونزلت بانتفاضة شعبية لاسقاط الديكتاتورية من أجل الحرية وتحسين الأوضاع المعيشية، واضعة جلادها أمام خيار واحد لا يقبل الجدال ولا الإبدال: التنحي عن السلطة والانتقال الى مزبلة التاريخ.
كانت الشرارة الأولى في 17/12/2010، عندما أقدم الشاب "محمد البوعزيزي" على إحراق نفسه في ولاية "سيدي بو زيد" يأسًا من البطالة وقمع الشرطة التي صادرت منه عربة خضار كان يسترزق منها علّه يؤمّن خبزه كفاف يومه! ولم يكن في حسبان النظام الديكتاتوري أنّ ما أقدم عليه هذا الشاب سيتحول شرارة مواجهات عمّت العاصمة ومعظم المدن التونسية الرئيسية، على خلفية تزايد أعداد العاطلين عن العمل واستشراء الفساد والمحسوبية داخل النظام وتقييد الحريات المدنية، لتتوج في 14/1/ 2011 بدفع طاغيتها زين العابدين بن علي اخيراً الى التخلي عن السلطة مرغماً، ومغادرة البلاد فرارا الى السعودية.
وحتى اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيل "بن علي" الذي حطت طائرته في مطار جدّة حيث استضافته العائلة المالكة بعدما أُغلِق في وجهه أكثر من مطار، حاول الأخير عبثًا التشبث بالسلطة عبر سلسلة من الإجراءات، فأعلن حال الطوارىء في أنحاء البلاد وأقال الحكومة ووعد بإجراء انتخابات نيابية في غضون ستة أشهر بعدما كان وعد في 12/1/2011 ألا يترشح للرئاسة سنة 4201، لكن ذلك لم يوقف موجة التظاهرات والصدامات التي ظلت مصممة على الخيار الوحيد، فاستمرت شهرا وأدت إلى سقوط 66 قتيلا على الاقل، وكانت الأكثر حشداً يوم الحسم والنصر المبين.
وبذلك أطاحت الاحتجاجات الشعبية على القمع والفقر في تونس، الرئيس زين العابدين بن علي (74 سنة) الذي لم يجد حيالها سبيلا سوى الفرار من البلاد بعدما حكمها بقبضة من حديد طوال 23 سنة، وكان يُعِدُّ نفسه للبقاء رئيسًا مدى الحياة، من غير أن يدرك أن عربة خضار قد تفقده يومًا ما القرار، وتدفعه مذلولاً الى الفرار، ليصبح أول رئيس عربي يسقط بانتفاضة شعبية، في حدث غير مسبوق عربيًا بدأت تتردد أصداؤه حتمًا في أكثر من دولة عربية، حيث تواجه أنظمة الحكم ضغوطًا مشابهة ونقمة متنامية، بسبب الديكتاتورية وقمع الحرية والمصاعب الاقتصادية، وسواها من الانتهاكات اليومية، ولا شك أن أعين وآمال اللبنانيين الاستقلاليين مُناها أن يتكرّر ذلك الحدث في سوريا.
وقد استرعى الانتباه في هذا اليوم أيضًا، وسيرًا على النمط "التونسي"، تنفيذ فعاليات شعبية أردنية مسيرات بعد صلاة الجمعة في مناطق مختلفة من المملكة، في تحرك غير مسبوق في الأردن، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة والفقر بين أبناء المجتمع، انتهت دون وقوع صدامات بالرغم من التواجد الأمني الكثيف.
صباح السبت 15/1/2011، كشف موقع "Newsmax"الإخباري الأميركي في تقرير نقلته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أنّ المحكمة الدولية ستتهم المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية "علي خامنئي" بإصدار أمر اغتيال رئيس الحكومة الراحل "رفيق الحريري"، وقالت المصادر التي لها علاقة بالمحكمة الدولية للصحيفة الأميركية: "أن المحكمة تملك الإثباتات على أن الاغتيال تم على يد القوى الإيرانية وحزب الله اللبناني"، أشار الموقع الأميركي إلى "أن الأوامر لتنفيذ عملية الاغتيال حوِّلت من إيران إلى عماد مغنية، القائد العسكري في حزب الله، الذي أقام بالتعاون مع مساعد له طاقمًا لتنفيذ عملية الاغتيال"، كما وكشف الموقع "أن المحكمة ستتهم أيضًا الرئيس السوري بشار الأسد باغتيال الحريري، الذي وقع يوم 14 فبراير من عام 2005".
كان هذا اليوم حافلاً بالمواقف والتطورات الصباحية والمسائية، فقبل 48 ساعة من انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، رسم الصورة الداخلية عنوانان أكّدا أن المحكمة الدولية التي تلقي الذعر في قلوب الفريق الانقلابي، هي مدار التطورات التي يشهدها لبنان؛ العنوان الأول تمثّل بتبّلغ المراجع العليا في بيروت من "لاهاي" أن القرار الاتهامي الذي يُعِدُّه المدعي العام للمحكمة "دانيال بلمار" سيسلَّم الاثنين 17/1/2011 أي يوم انطلاق الاستشارات النيابية إلى قاضي الإجراءات التمهيدية "دانيال فرانسين". أما العنوان الثاني فهو حذر قوى 8 آذار حتى الآن من تسمية مرشّحها على رغم أنها حدّدت برنامج عمله، ألا وهو "تبرؤ" لبنان من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فيما أكّدت قوى 14 آذار أن مرشحها هو الرئيس سعد الحريري.
في هذه الأثناء كان رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط" يلتقي الرئيس السوري "بشار الأسد" في دمشق، وأفاد بيان رئاسي مقتضب أن لقاء "الأسد" و"جنبلاط" (الذي جرت العادة أن يستقبله أولاً معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف "أبو وائل") تناول التطورات اللبنانية والوضع في المنطقة و"أهمية وعي مخاطر التدخل الخارجي، وأن تكون القرارات والحلول في أيدي أبناء المنطقة ومنطلقة من مصالحها".
أما جنبلاط فصرّح لـ"النهار": "كان لقائي مع الرئيس السوري ممتازًا. وموقفي الرسمي (من الاستشارات) سأعلنه عند الرابعة إلا ربعًا بعد ظهر الاثنين إثر لقائي رئيس الجمهورية ضمن الاستشارات لكتلة اللقاء الديموقراطي".
بهذا اللقاء وذاك الذي سقبه مع قائد الانقلاب الحكومي "حسن نصر الله"، تشاء الأقدار أن يأخذ اليوم الزعيم الاشتراكي "وليد جنبلاط" مكان الرئيس رفيق الحريري في اللقاء الشهير الذي جمعهما في 26 آب 2004. فـ"الحريري" العائد من اللقاء مع الرئيس السوري "بشار الأسد" صبيحة ذلك اليوم، روى للمقرّبين منه كيف خاطبه "الأسد" عندما هدّده في حال لم يوافق على التمديد لولاية الرئيس إميل لحود قائلاً: "سيكسر البلد فوق رؤوسنا ويحرق بيروت". وليل ذلك اليوم اجتمع "الحريري" مع "جنبلاط" في منزل الأخير في "كليمنصو" وسأله: "ماذا نفعل؟" فأجاب "جنبلاط" كما دوّن الكاتب السياسي "جورج بكاسيني" في كتابه "الطريق الى الاستقلال" قائلا: "هؤلاء خطرون يا دولة الرئيس، يقتلونك. صوّت مع التمديد وتجنّب شرّهم، فالمعركة معهم طويلة". في خلاصة الأمور أن "الحريري" صوّت مع التمديد، ثم قتل. فهل من شك في أن "جنبلاط" اليوم في الموقع نفسه؟ وهل سيعتبر مما حدث مع صديقه الرئيس الشهيد فيقدّم قناعاته على تخوّفاته مهما بلغت التهديدات؟
دخلت دار الفتوى على خط الاستشارات، فأطل مفتي الجمهورية الشيخ "محمد رشيد قباني" في مؤتمر صحافي ليؤكد "أن تأليف الرئيس سعد الحريري للحكومة الجديدة فيه مصلحة لكل لبنان"، وحذّر من أن "الفراغ في سدة الرئاسة الثالثة لن يكون مقبولاً هذه المرة. فالرئاسة الثالثة ليست يدًا ضعيفة تلوى في كل حين، كما أن رئاسة مجلس الوزراء هي عصب البلاد الحيوي، الذي يموت عند تفريغها".
ترافق موقف المفتي "قباني" مع بيان صدر عن اجتماع جمع الرئيس "نجيب ميقاتي" والوزير "محمد الصفدي" والنائبين "أحمد كرامي" و"قاسم عبد العزيز"، أكّد أن موقع رئاسة الحكومة "تتولاه الطائفة السنيّة وفقاً للتوزيع الطائفي للرئاسات، لكنه موقع وطني بامتياز". وبعد البيان زار الرئيس "ميقاتي" والوزير "الصفدي" الرئيس "الحريري" في "بيت الوسط" للتشاور.
أما رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع"، فقد توقّع عدم تشكيل حكومة لبنانية قريبًا، مؤكداً "أن فريق 14 آذار سيعيد ترشيح الرئيس الحريري، وسينال الأكثرية، رغم كل المواقف التي نسمعها"، مبيِّنًا أن هدف فريق 8 آذار هو إلغاء المحكمة الدولية، وهو فريق كبير طويل عريض، يبدأ في طهران ولا ينتهي عند حدود بيروت. وبالنسبة إليَّ شخصيًا، كنت أعتقد أن لا علاقة لأي لبناني باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولكن بعد التصرفات الأخيرة لهذا الفريق صار لدي شكوك في أن لا شيء يبرر هذه التصرفات وهذا الموقف من المحكمة، إلا تخوف من شيء في مكان ما، وهذا تفسيري حتى إشعار آخر". واعتبر أن "حزب الله هو الفريق الوحيد المتحكم بالفتنة، بإحداثها أو بعدمه"، واصفًا تحالفه مع النائب العماد ميشال عون بـ"بزواج متعة لحال الضرورة"، ومتسائلاً بأسلوب تهكّمي ساخر: "نسأل: هل ولاية الفقيه هي التي تجمعهم؟!".
وفيما بدا أن "الحريري" بدأ يستقطب تأييدًا على المستوى الشعبي في بيروت وعدد من المحافظات، كانت جوقة الشتامين السوريين والإيرانيين من حملة الجنسية اللبنانية الذي تربّوا على الركوع والتذلل لمعلميهم في سوريا وإيران، يقيمون حفل تكريم للسفير الإيراني في "خلدة"، حيث أعلن النائب طلال أرسلان أن "على أي رئيس حكومة مقبل أن يلتزم ثلاثة أمور واضحة وصريحة: أولاً، نسف المحكمة المشبوهة التي تهدد لبنان بوحدته ومؤسساته، وثانيًا وقف التمويل الفوري لهذه المحكمة، وثالثًا سحب القضاة اللبنانيين منها".
ومع بلوغ الخامس عشر من كانون الثاني ساعاته الأخيرة، اشتعلت جبهة إعلامية على خلفية شريطَين صوتيَّين بثتهما محطة "الجديد" التلفزيونية على مرحلتَين عن تحقيقات أجرتها لجنة التحقيق الدولية، ضمن برنامج بعنوان "الحقيقة ليكس"، كناية عن إعداد مخابراتي ركيك بمضمون لم يقل شيئًا بث في توقيت لا يخفى على أحد، فلبنان الآن عشية تسليم المدعي العام الدولي القرار الاتهامي إلى قاضي الاجراءات التمهيدية، وكذلك عشية الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة لأهداف معروفة.
تضمّنت التسجيلات مقاطع "مختارة" مما سمّته المحطة "اجتماعًا رباعيًا سريًا" بين الرئيس "الحريري"، والعقيد "وسام الحسن"، و"زهير الصديق"، ونائب رئيس لجنة التحقيق سابقاً "غيرهارد ليمان". واتبعته في حلقة ثانية بتسجيلات للرئيس "الحريري" وهو يدلي بشهادته في جلسة مع أحد المحققين الدوليين.
تحدث "الحريري" في شهادته أمام المحقق الدولي -والتي يُفترض أنها تتسم بالسريّة المطلقة- بصدق وصراحة عن رأيه وموقفه من بعض الشخصيات اللبنانية والعربية، ولعل أهمها الأمير "محمد بن نايف بن عبد العزيز" مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في السعودية، الذي ذكره "الحريري" في عبارة أراد معدوا التحقيق وضعها في خارج سياقها للإيقاع بين "الحريري" والمملكة، حيث قال في معرض كلامه عن آصف شوكت قائلاً: " آصف كان رجلاً سفّاحًا، وأعرف ذلك ليس فقط مما سمعته في لبنان، ولكن أيضًا أشخاص تعاملوا معه في الاستخبارات. مثلاً تعلم ما يقول السعوديون عن آصف. يقولون أنه مثل محمد بن نايف . هو رجل قوي. ويعلمون بكل أفعاله".
وإذ تضمّنت التسجيلات اتهامات لسوريا وأشخاص لبنانيين، رد المكتب الإعلامي للرئيس "الحريري" بأن التسجيلات "هي جزء من عملية مخابراتية بامتياز تطرح علامات استفهام كبرى حول كيفية الحصول عليها، والدوافع من ورائها، وإذاعتها بالطرق المثيرة التي يجري إعدادها لبعض وسائل الإعلام". ولفت الى أن المحكمة الخاصة بلبنان ومكتب المدعي العام "معنيان بتوفير سلامة التحقيق وسريّته وهذا يتطلب تشددًا في ضمان سرية الوثائق والمعلومات والإفادات". وكشف أن المحادثة التي نسبت الى "الحريري" والعقيد "الحسن" مع المدعو "زهير الصديق" في حضور "ليمان" "تمت بطلب مباشر من لجنة التحقيق الدولية التي نظمت المقابلة للوقوف على حقيقة الإفادات التي يدلي بها الصديق"، لافتًا الى أن المحطة "اقتطعت من المقابلة فقرات تطغى عليها الإثارة الإعلامية لإخراجها من سياقها العام". وأكّد أن الجهات اللبنانية سبق لها أن أبلغت لجنة التحقيق أن الإفادات التي أدلى بها الصديق "هي إفادات كاذبة". كما ردّ المكتب على التسجيل الثاني، مشيرًا الى أن الإفادة المسجلة "تعود الى سنوات عدّة، وأدلى بها في ظروف سياسية معروفة، وتناولت شخصيات ووجوهًا بارزة يعتز الرئيس الحريري بصداقتها، وبالعلاقة المتينة التي بناها معها خلال السنوات الأخيرة". ما نسب في التسجيل الى الرئيس الحريري حول "معلومات تتردد لدى الاستخبارات السعودية، مثل الامير محمد بن نايف"،
وحول ما فسِّر على أنه تعرّض للأمير "محمد بن نايف"، أوضح البيان أن الأمير "ورد اسمه في سياق يختلف جملة وتفصيلاً عن السياق الذي أرادته وعنونت عليه محطة التلفزة، فشهادة الحريري شهادة له وليست عليه، ولن يكون في وسع أيه جهة ان تضع على لسان الحريري، كلمة يمكن ان تسيء الى هذا الشخص". بيد أن علاقات الحريري مع السعودية رغم هذا التوضيح مُسّت بشيء من الاهتزاز، تجلى مع نشر صحافيان سعوديان مقالين هاجما فيهما الحريري، وقد نشرا في صحيفتين محسوبتان على السلطة الحاكمة.
أما في شأن كيفية حصول قناة "الجديد" على التسجيلات، فقد تضاربت المعلومات والتخمينات بشأنها، ففي حين اعتبر البعض أنها تسرّبت الى جهات معروفة عقب حادث الصدام الذي حصل في إحدى العيادات الطبية النسائية في الضاحية الجنوبية، حيث أمكن انتزاع جهاز كومبيوتر من فريق التحقيق الدولي يتضمن جزءًا من الإفادات...أفادت معلومات صحيفة "النهار" أن التسجيلات والمعلومات هي جزء من صفقة عمل عليها مسؤول سابق وتمكّن بموجبها من شراء مستندات وتسجيلات كثيرة من موظفين داخل المحكمة، وسلّم جزءًا منها الى جهة حزبية فاعلة (إشارة الى "حزب ولاية الفقيه")، عملت بدورها على إخراجها بوسائل وطرق مختلفة. وأن العملية ستتواصل وفق خطة سياسية غير معروفة بوضوح.
وقد اعتدّ بالتقرير التلفزيوني قادة قوى 8 آذار واعتبروه وثيقة، بل إخبارًا يستدعي محاكمة الرئيس "سعد الحريري" ومعاونيه "الذين شجعوا محمد زهير الصديق على إفاداته الكاذبة". وبدا واضحًا أن عددًا من قادة 8 آذار كانوا على علم بالتقرير قبل صدوره، واعتبروا أنه حلقة في سلسلة سيبثها "الجديد" بما يدفع في اتجاه اتهام إسلاميين بالاغتيال، ودفع التهمة عن سوريا أو الحزب الإيراني.
عشية الاستشارات النيابية، حسمت المعارضة رسميًا موقفها من عدم تسمية الرئيس "سعد الحريري" لتشكيل الحكومة الجديدة، مع الكلمة التي ألقاها الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" "حسن نصرالله"، وأعلن فيها أن "المعارضة مجمعة على عدم تسمية الحريري". فيما ظلّت الكفة راجحة لمصلحة تسميته خصوصًا مع إيفاد الوزير "غازي العريضي" إلى دمشق موفداً من رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط" عقب إرجاء اجتماع "اللقاء الديموقراطي"، وقيام" جنبلاط" بزيارة لرئيس مجلس النواب "نبيه بري"، فيما بدا أن أكثر المعطيات تشير الى أن "اللقاء" سيعيد تسمية الحريري. وأضافت أن جنبلاط صارح المراجع المعنية بأنه ماض في موقفه من تأليف حكومة توافقية على أساس المبادرة السعودية-السورية، التي سبق أن نعاها فريق 8 آذار...الأمر الذي استدعى من الفريق الإنقلابي بذل المساعي لإرجاء الاستشارات المنتظرة استمرت طوال ساعات الليل وذلك بعد أيام قليلة من ضغطها على رئيس الجمهورية لاستعجالها!
ألقى نصر الله في كلمته مساء السادس عشر من كانون الثاني تبعات فشل المسعى السعودي-السوري على الرئيس الحريري وفريقه، وأعلن: أن "المعارضة مجمعة على عدم تسمية الحريري"،وحدد ثلاثة أمور كانت مطلوبة من الحريري والحكومة وهي : "الأمر الأول: سحب القضاة اللبنانيين، الأمر الثاني: وقف التمويل اللبناني للمحكمة الدولية، الأمر الثالث هو إلغاء مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية". وتابع زاعمًا أنها من بنود الـ س.س وأن الحريري وافق عليها فقال: "إذا التزمنا بهذه البنود الثلاثة، فهذا يعني تحييد لبنان وحماية لبنان من تداعيات القرار الظني أبلغنا من الجانب السعودي أنهم موافقون على هذه البنود الثلاثة، وأن الرئيس سعد الحريري موافق على هذه البنود الثلاثة". ولم تغب عن خطابه اللهجة التهديدية حيث قال: "نحن قوم لن نسمح أن تمس سمعتنا وكرامتنا أو أن يُتآمر علينا أو أن يأتي أحد في العالم وفي الكون لِيُلَبِّسَنَا ظلما وعدوانا دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولو ظنّا ولو اتهاما". وكان لافتًا في خطابه تلميحه إلى تكرار التجربة التونسية في لبنان إذا ما جرت رياح الاستشارات بغير ما تشتهي سفن الاقلابيين، حيث اعتبر أنّ "ما جرى في هذه الأيام في تونس يجب أن يكون عبرة، ونحن نبارك لتونس ما جرى، والعبرة هي أنّ النظام هناك كان دائمًا مع فرنسا وأميركا وحتى فتح خطوطا مع "إسرائيل".
أما بالنسبة للقرار الاتهامي المرتقب، فوصف نصر الله توقيت اصداره بأنه "فضيحة جديدة وجزء من المعركة السياسية التي تستهدفنا"، معتبراً أن "المطلوب أن يعلن القرار الاتهامي يوم الاستشارات كجزء من التوظيف السياسي لمرشح معين". وفي إشارة ضمنية إلى أن لواء الأكثرية لا يزال معقودًا للحريري، قال قائد النعارضة المسلّحة: "من الممكن أن يعود الرئيس الحريري وفق الاستشارات النيابية، لكن ذلك ليس نهاية المسار إنها بداية لمسار جديد وعلى ضوء ما سيصدر عن (دانيال) بلمار في هذين اليومين سأعود وأتكلم".
أعلنت مصادر بارزة في المعارضة أن المرشح الذي توافقت عليه بديلاً من خيار التوافق على "الحريري" هو الرئيس "عمر كرامي". وقد أكد ذلك علنًا مساءً النائب "سليمان فرنجية" مؤيدًا بدوره إرجاء الاستشارات النيابية. أما رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد "ميشال عون" فرأى أن "اي نائب يقف الى جانب الحريري فهو الى جانب الفساد وسنعتبره مسؤولا". وتمنى "أن يلهم الله جنبلاط لانه لا يستطيع ان يكون في موضع الصح والخطأ معا".
أثار قرار المعارضة ترشيح "عمر كرامي" لرئاسة الحكومة الجديدة تساؤلات وتحليللات وهواجس عدّة، خصوصًا مع وجود شخصيات سنية سواه تابعة للقوى الانقلابية، فما سر تمسكها بترشيح "كرامي" على الرغم من أن عمره بات يقارب الثمانين؟ قد يقال بكل بساطة لأنه من فريق 8 آذار، وهذا صحيح، لكن حقيقة الأمر قد تكون أبعد من ذلك بكثير، وهي جزء لا يتجزأ من المخطط الانقلابي الذي تقوده قوى 8 آذار بدعم سوري وإيراني.
فعمر كرامي رئيسًا للحكومة، يعني إظاهر الانقلابيين للعالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص، انهم ليسوا طائفيين ولا مذهبيين ولا فئويين، فقد سمّوا لترؤس حكومة "ولاية الفقيه في لبنان" شخصية سنية اسمها الأول "عمر" بما لذلك الاسم من ابعاد تاريخية ودلالات عقائدية معروفة؟
واختيار شخصية من الشمال اللبناني حيث الثقل السني، ومن مدينة طرابلس تحديدًا "قلعة المسلمين" كما هو مدوّن على مدخلها، محاولة يائسة وواهمة لقلب الحقائق والتغطية على حقيقة النوايا الانقلابية في القضاء على "سعد الحريري" سياسيًا والسيطرة على الشارع السني عبر شخصية من أتباع دمشق لا تمثّل طائفتها، بل تُعَدُّ واجهة سنيّة لمشروع ولاية الفقيه، تمامًا كما استخدمت الجنرال "عون" لتأمين غطاء مسيحيي لمعارضتها مشروع الدولة، مشروع 14 آذار.
وعمر كرامي رئيسًا للحكومة الجديدة، يعني "ردة رِجْل" على إخراجه منها بقوة "انتفاضة الاستقلال" في 28/2/2005، يوم اضطر إلى تقديم استقالته على أثر كلمة مؤثرة ألقتها النائب "بهية الحريري" في الجلسة الأولى لمجلس النواب بعد جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري"، والتي واكبها هجوم عنيف تعرضت له حكومة الوصاية من نواب المعارضة الاستقلالية الذين طالبوها بالاستقالة، وآزرتهم حشود من المتظاهرين والمعتصمين في ساحة الحرية وخيمتها. لذا، يحرص الانقلابيون اليوم على افتتاح انقلابهم بعودة الرئيس كرامي الى السرايا كرد اعتبار له ولهم، لما لذلك الرجوع من رمزية تعبر عن عودة الوصاية السورية الى لبنان، لكن هذه المرة مطعّمة بالنفوذ الإيراني.
في هذه الأثناء، كان السفير الأميركي "روبرت فورد" يصل إلى سوريا ليتولى مهامهه الرسمية في السفارة الأميركية، وويملأ فراغًا مستمرًا منذ سحب السفيرة "مارغريت سكوبي" عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري" في شباط 2005.
وقد خرق أجواء الاستشارات النيابية في هذا اليوم(16/1/2011) ، نبأ أعلان وزير العمل في الحكومة المستقيلة "بطرس حرب" أن البطريرك الماروني الكاردينال "مار نصرالله بطرس صفير"، أبلغ الى الفاتيكان رغبته في الاستقالة من منصبه، إلا أن الكرسي الرسولي "متريّث في بتّ هذه المسألة". وقد أقلق قرار البطريرك الجمهور الاستقلالي، بصفته أولاً بطريركًا استثنائيًا، فهو صانع الاستقلال الثاني وصاحب الحكنكة السياسية النادرة، والمواقف الوطنية الثابتة التي تعبّر عن ثوابت الكنيسة الوطنية والتاريخية التي لم يخرج عنها يومًا، ولكونه ثانيًا قد اتخذ قرار الإستقالة في ذروة الصراع السياسي الذي يهدّد وجه لبنان وتركيبته التعددية وعيشه المشترك. غير أن البطريرك مع ذلك، وعلى نقيض مظاهر الشغف والتشبّث بالسلطة مدى الحياة السائدة لدى بعض الشخصيات في لبنان والبلدان العربية، قدّم نموذجًا فريدًا في الديموقراطية، وأعطى العالم درسًا معبّرا في تداول السلطة. فعندما شعر أن تقدّمه في السن قد يؤثّر على مهامه الرعوية، وأن وصول شخصية جديدة الى المقعد البطريركي سيعود بالخير والنفع على الكنيسة المارونية ودورها الوطني الرائد في لبنان، بادر الى تقديم استقالته التي تميّزت بطوعيتها وبتوقيتها، حيث اتخذ قراره من موقع قوة، وفي فترة عزّه ومجده وحضوره القوي على الساحة السياسية والاجتماعية اللبنانية.
دخل لبنان في الساعات الأولى لليوم المنتظر، يوم الاستشارات النيابية الموافق للاثنين 17 كانون الثاني 2011، وكان يومًا حافلاً بالحوادث المفصلية.
مع بزوغ الفجر، صدر المقال الأسبوعي لرئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب "وليد جنبلاط" في "جريدة الأنباء"، والذي رأى فيه أن "أي حل للأزمة يجب أن ينطلق من الثوابت التي أرسيت في المبادرة السورية-السعودية"، واقترح "أن نكرّر في رئاسة الحكومة تجربة خيارات طوائف معيّنة لترشيح من يُمَثِّلها"، في إشارة واضحة إلى أنه سيسمّي الحريري لرئاسة الحكومة كونه يمثّل الثقل الشعبي الأكبر في طائفته.
قطع الإنقلابيون الشك باليقين في أن الأكثرية النيابية لا تزال في يد القوى الاستقلالية، وبالتالي فنتائج الاستشارات معروفة النتائج سلفًا بتسمية "الحريري" رئيسًا مكلّفًا تشكيل الحكومة الجديدة. فمن أصل 128 نائبًا أظهر "بوانتاج" أجراه المعنيّون أن 107 نواب كانوا سيدلون بأصواتهم ويسمّون مرشحهم، بينهم كتلة "اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب "وليد جنبلاط" التي تضم 11 نائبًا.
حيال هذا المأزق الذي من شأنه أن يبدد مفاعيل انقلاب 12 كانون الثاني 2011، ويُعيد المعارضة إلى نقطة الصفر، لا بل إلى 7حزيران 2009، يوم الفوز التاريخي للقوى الاستقلالية في الاتنخابات النيابية، والتي بالتالي قد تصرّ على تشكيل حكومة أكثرية مستفيدة من نسف قوى 8 آذار لاتفاق الدوحة، حيال هذا، ما كان من الفريق الانقلابي إلا أن ضغط على رئيس الجمهورية "ميشال سليمان" لتأجيل الاستشارات النيابية أسبوعًا كاملاً عن موعدها المقرر، لعله ينجح بالحُسنى أو بالسلاح في ترجيح الكفة لمصلحة مرشحه، فصدر بيان قصر بعبدا بارجائها أسبوعًا، وفُهِم من التعليل الوارد في بيان الرئاسة أن قرار التأجيل لم يأت بعد موافقة جميع الأطراف بل "بعد تقويم موقف مختلف الأطراف اللبنانيين وتوخِّيًا لتأمين المصلحة الوطنية"، وفق ما نص عليه البيان.
وعُلِم أن "سليمان" تشاور مرارًا مع "الحريري"، غير أن الأخير وفريق 14 آذار رفضا التأجيل باعتبار أن التسمية محسومة لمصلحتهما، فضلا عن التحسّب لتعرّض "الحريري" لمزيد من الضغوط في حال التأجيل، ولكن بدا أن رئيس الجمهورية لا يستطيع رد إملاءات قوى المحور السوري-الإيراني.
وفي هذا السياق، أبدى رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أسفه لتأجيل الاستشارات النيابية "تحت وطأة الضغوط والتهديدات والتدخلات الخارجية"، ولاحظ أن "التأجيل يهدف الى دفع الرئيس الحريري الى القبول سلفًا بما سبق أن رفضه"، متهمًا الفريق الآخر بتأجيل الاستشارات، وقال: "علينا أن نسأل من مارس الضغوط لتأجيل هذه الاستشارات لنرى الى أين يتجه البلد(...)، ولولا إلغاء الاستشارات لتبيَّن أن هناك أكثرية نيابية تؤيّد عودة الحريري رئيسًا للحكومة".
أبى "الحكيم" بحسّه القيادي إلا أن يضع "ثوار الأرز" أمام مسؤولياتهم، شارحًا لهم دقة المرحلة الراهنة وخطورتها على مستقبل البلاد، فنبّه الى أهمية "وعي طبيعة الصراع ومحاولات الفريق الآخر تغليفه بشعارات لا تمتّ الى حقيقته بصلة"، داعيًا المسيحيين "الى التنبّه لمحاولات غشهم، وتصوير خطوات 8 آذار كأنها لمصلحتهم (....)، فيما نجاحها سيؤدي الى تقويض لبنان الكيان والتعددية والديموقراطية والحريات".
وردًا على تلميح وتهديد "سيد السلاح" بأن يمتد ما حصل في تونس الى لبنان، رأى الحكيم "أنه ليس من مصلحة الفريق الآخر أن يحصل في لبنان ما حصل في تونس، لأن الخاسر الأول سيكون هذا الفريق وليس فريقنا كما تحاول 8 آذار الايحاء، والدليل هو الموجة الشعبية الأساسية في لبنان، وجميعنا يذكر ما حصل في 14 آذار 2005".
وبدروه، أعلن "حزب الكتائب" في تصريح للرئيس أمين الجميل أنه "غير راضٍ عن تأجيل الاستشارات النيابية، ويعتبر الإرجاء في غير محلّه، لأنه من الصعب التلاعب بالاستحقاقات الدستورية، وهو ماض في تأييد ترشيح سعد الحريري للرئاسة الثالثة". ورأى "أن العهد الذي يعتد باحترام الاستحقاقات الدستورية، كان يجب أن يأخذ في الاعتبار أن استحقاق رئاسة الحكومة يتصل باحترام موقف طائفة رئيسية وأساسية في لبنان هي الطائفة السنية، وخصوصًا أن المعطيات المتوافرة والأرقام تشير الى أن الأكثرية كانت مع إعادة تكليف الحريري".
زاد إرجاء الاستشارات الأزمة اللبنانية تعقيدًا، وفتحها على احتمالات عديدة وخطيرة، قد تفتح الأبواب على حوادث أمنية، وربما "تصفيات" لتعديل ميزان القوى النيابية عدديًا.
الضربة التي تلقّاها الفريق الاستقلالي على مسار الاستشارات النيابية بإجهاض الفريق الانقلابي بعملية الإرجاء تكليفًا مؤكّدًا لـ"سعد رفيق الحريري"، قابلتها فرحة على مسار الحقيقة والعدالة في اليوم نفسه لمؤامرة الإرجاء، فقد أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان، أن رئيس قلم المحكمة "هرمان فون هايبل" أكد "أن المدعي العام لدى المحكمة (دانيال بلمار) قدّم قرار اتهام الى قاضي الإجراءات التمهيدية مرفقًا بالعناصر المؤيدة. وقد أودعت المستندات المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني سابقًا رفيق الحريري وآخرين لدى قلم المحكمة عند الساعة 16:35 من بعد ظهر الاثنين الواقع فيه 17 كانون الثاني 2011. وسيتولّى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين النظر فيها. ويبقى محتوى قرار الاتهام سريًا خلال هذه المرحلة".
وفي وقت لاحق بث الموقع الإلكتروني للمحكمة بيانًا لـ"بلمار"، قال فيه إن القرار الظني يشكِّل "بداية المرحلة القضائية لعمل المحكمة. وسيمضي المدعي العام وفريقه قُدُمًا في أداء المهمات المنوطة بهم على صعيد النشاطات التحقيقية المتواصلة والادعاء في قضية الحريري".
أما أبرز الخطوات التالية بعد تسليم القرار الاتهامي الى قاضي الإجراءات التمهيدية، فتتمثّل في مراجعة "فرانسين" مسوّدة القرار الاتهامي وأن يقرر ما إذا كانت ثمّة أدلة كافية لتبرير المحاكمة بتهمة واحدة أو اكثر. وفي وُسع "فرانسين" حين ينتهي من مراجعة المسوّدة أن يطلب مزيدًا من المعلومات من المدعي العام، أو يؤكّد أو يرفض تهمة أو أكثر من تلك الواردة في اللائحة. وإن قرارًا في هذا الشأن قد بحسب مصادر المحكمة، يستغرق ما بين ستة وعشرة أسابيع.
لم يصدر تعليق رسمي عن "حزب ولاية الفقيه" على تسليم القرار الاتهامي الى قاضي الإجراءات التمهيدية، غير أن محطة "المنار" الناطقة باسم الحزب اتهمت الولايات المتحدة "بدفعها بالقرار الاتهامي الى أتون الحركة لإشعال فتيل تفجير كل جسور الحل وتخريب الجهود الرامية الى حل الازمة اللبنانية"، وأضافت أن "الأميركيين يسيطرون على الاتهامات شكلاً ومضمونًا".
مع إنجاز القرار الاتهامي للمحكمة الخاصة بلبنان وتسليمه الى قاضي الإجراءات التمهيدية "دانيال فرانسين"، ولو لم يقرّ بمضمونه السري بعد، خطا لبنان بأزمته من مرحلة "ما قبل" القرار الى "ما بعده"، هي مرحلة جديدة تختلف عن سابقاتها في الأمس القريب والبعيد، بل غير مسبوقة في تاريخ لبنان، باستثناء ما قامت به إسرائيل من جرائم في اعتداءاتها على لبنان، إذ توجه فيها أصبع الاتهام الى طرف او أطراف محدّدين للشك في تورّطهم في جرائم معيّنة. هذه هي الخلاصة التي تراها قوى 14 آذار في محصلة التطورات المتعاقبة في سرعة التي اختتمت الأسبوع الفائت على استقالة وزراء 8 آذار وتطيير حكومة الرئيس "سعد الحريري الأولى".
وفي رأي قوى 14 آذار أن المرحلة الجديدة انما تنهي حقبة طويلة من التطورات بدأت العام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ولاحقاً التنكيل بأركان 14 آذار واحدًا تلو الآخر، ما ادى الى سقوط قافلة طويلة من الضحايا. وغداً عندما تعلن الحقائق من خلال القرار الاتهامي، سيرى الشعب ويدرك أسباب هذه الحرب الشعواء التي خيضت ضد الاستقلاليين والمحكمة منذ اليوم الأول لبدء الجرائم. وسيفهم الشعب سرّ هذا الحلف المقدّس الذي جمع ويجمع المطلوبين! بعد هذا كله... فليجمعوا أصواتهم وليأتوا برئيس لـ"حكومة المطلوبين"!
منذ الانقلاب الحكومي، ونبرة قوى 14 آذار بكافة أركانها آخذة في التصاعد والعودة إلى جذور وروحية انتفاضة الاستقلال، وفي هذا السياق وصف منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار "فارس سعيد" مرحلة ما بعد بدء المحكمة الدولية لإجراءاتها التمهيدية، أن الاصطفاف السياسي في لبنان بين قوى 8 و 14 آذار سيصبح بين "القتلة من جهة والضحايا من جهة أخرى". وأن على اللبنانيين مغادرة اللون الرمادي "لأن لا مجال للمفاضلة في هذه الحالة، خصوصًا أن العالم كلّه يتطلع الى لبنان ومواقف الرأي العام المحلي والعربي والاقليمي".
عناوين المرحلة الجديدة حدّدها "فارس سعيد" بثلاثة: أولاً، المحكمة الدولية التي ستباشر إدارتها ترتيب مسار الإجراءات التمهيدية تدريجًا، وصولاً الى عقد جلسات المحكمة التي ستشكّل سابقة في تاريخ لبنان. ثانياً، اتهام فريق لبناني بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري، يستلزم من قوى 14 آذار رفع شعار جديد، على قاعدة التعامل مع الوضع الجديد الناشئ بآلية وسبل مختلفة تمامًا عما سبق. أما العنوان الثالث والأبرز الذي يجب اعتماده، فهو مناقشة مسألة السلاح خارج أطر الدولة، واستطرادًا السؤال عمّا إذا كان اللبنانيون يريدون دولة تؤمن مصالحهم كمواطنين، أم أنهم يريدون الاستمرار في التعايش مع منطق الدويلة وانفلات السلاح خارج أطر الدولة المعروفة.
ونصح "سعيد" "حزب ولاية الفقيه" بأن يوفر على اللبنانيين وعلى نفسه تكرار تجربة قطاع "غزة" في بيروت، لأنها لن تؤدّي به الى أي مكان، وأضاف: "ها هم يصطدمون بواقع سني هائل يمتد من كابول وباكستان الى أنقرة والمغرب العربي، فهل يريدون أن يصبحوا في مواجهة العالم استنادًا الى الافق الإيراني المقفل؟".
تزامنًا مع تسليم "بلمار" قراره الاتهامي للقاضي "فرانسين"، كان الرئيس السوري "بشار الأسد" وأمير قطر الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" ورئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان"، يوجهون بعد اجتماعهم في دمشق دعوة الى إيجاد حل للأزمة اللبنانية، مبني على "المساعي الحميدة السورية-السعودية". وبُعيد انتهاء القمة الثلاثية، أعلن مصدر ديبلوماسي تركي أن "داود أوغلو" سيتوجه الى لبنان مع الشيخ "حمد بن جاسم" في اليوم التالي (18/1/2011)، في محاولة لمعالجة الأزمة السياسية التي يشهدها هذا البلد.
إقليميًا، بدا أن الثورة التونسية التي نجحت في الإطاح بالرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي"، بدأت فعلاً تتحوّل إلى نموذح يحتذى في الدول العربية التي ترزح شعوبها تحت قهر الحكام الديكتاتوريين، وكان جمهورية مصر العربية أول من التقط العدوى التونسية، حيث أقدم أحد المواطنين في 17/1/2011 على إحراق نفسه أمام مجلس الشعب احتجاجًا على الفساد السياسي والإداري، محاكيًا طريقة المواطن التونسي "محمد البوعزيزي". ثم تبعه أربعة مواطنين مصريين قاموا بحرق أنفسهم، ولقي أحدهم حتفه متأثرًا بحروقه البليغة. وفي مشهد نادر في "سلطنة عمان"، تظاهر نحو مئتي عماني احتجاجًا على ارتفاع الأسعار والفساد.
بالنسبة لمصر، صحيح أن لنجاح الثورة التونسية دورًا أساسيًا في بروز بوادر جدية لاندلاع ثورة مماثلة في بلاد الفراعنة، إلا أن الساحة الشعبية المصرية تعتبَر مهيّئة لالتقاط العدوى التونسية مع حالة الغليان والاحتقان الشديدين التي يعيشها الشعب المصري منذ سنوات عديدة، غير أن وفاة شاب من الاسكندرية يدعى "خالد سعيد"(28عامًا) في 7/6/2010 -بعد تعرّضه لاعتداء بالضرب الوحشي على أيدي عنصرين من الشرطة السرية في أحد مقاهي الإنترنت حتى فقد حياته، وذلك عقابًا له على نشر فيديو على شبكة الإنترنت يظهر تورّط رجال شرطة في تجارة المخدّرات- تلك الوفاة تحولت إلى الحدث الأهم في مصر طوال الأشهر السبعة الماضية، ولا شك أنها مهّدت لثورة حقيقة محتملة، حيث نُظِّمت وقفات احتجاجية ارتدى فيها المصريون الملابس السود وهم وقوف على كورنيش النيل والاسكندرية، وقد لاقت كالعادة قمعًا وحشيًا من السلطة المتذرعة بـ"قانون الطوارئ". ومع لمعان نجم الثورة التونسية أواخر عام 2010، بدأ المصريون ينظرون الى ضحية التعذيب "خالد سعيد" باعتباره "بوعزيزي" جدير بإشعال الثورة المصرية.
لبنانيًا، كانت المخاوف الأمنية لترجيح كفّة الاستشارات لمصلحة 8 آذار، قد وجدت ترجمتها الدقيقة صباح الثلاثاء 18كانون الثاني 2011، حيث شهدت العاصمة بيروت وبعض الأحياء المحيطة، وكذلك محيط زحلة، تحرّكات مشبوهة لعناصر من "8 آذار" بسترات سود وملابس موحّدة أشبه ببزات كاكيّة كشفية أو عسكرية.
وفي التفاصيل أنه اعتبارًا من الخامسة صباحًا بدأت سيّارات وفانات تنقل مجموعات من الحزب من "الضاحية الجنوبية" وتنشرها أمام بعض الحسينيات وعدد من التقاطعات الأساسية في العاصمة بيروت، وذلك في عملية انتشار واسعة لعناصر من "حزب ولاية الفقيه" و"حركة أمل" تركّزت في مناطق النويري، البسطة، بشارة الخوري، الطيونة، طريق المطار، ووسط بيروت، في مجموعات منفصلة تتكوّن كل واحدة من خمسين عنصرًا. وشُوهد عدد من عناصر "الحزب" يحمل أجهزة لاسلكية إضافة الى عدد آخر مجهزين بالعصي. وما لبث ذلك التحرّك الإرهابي أن انتهى قبل انتشار (أو السماح بانتشار) قوى الجيش والأمن بدءًا من السابعة والنصف صباحًا.
انتشار القصان السود لم يقتصر على المناطق ذات الكثافة الشيعية، فقد تمكّن الأهالي من إحباط محاولة لإشعال الاطارات في مدينة "جونيه"، وتحديدًا عند أحد التقاطعات الرئيسية، ما كان سيتسبب بقطع طريق طرابلس-بيروت ونقل التوتر أو تعميمه على سائر المناطق، ولا سيما المسيحية منها، الأمر الذي خالف كل الأجواء التي شاعت عن شبه اتفاق على عدم نقل التوتر الى المناطق ذات الكثافة المسيحية.
وقد أتى هذا التحرّك الانقلابي المافيوي غير المسبوق، قُبيل ساعات من زيارة وزيري خارجية تركيا وقطر الى بيروت، بما قد يكون "بروفا" ميدانية لـ"حزب ولاية الفقيه" وقوى "8 آذار"، انطلاقًا من تنفيذ المرحلة الأولى من العملية الأمنية المسمّاة "النقزة"، وتمهيدًا لتحركات مستقبلية أكثر تسلّحًا وإرهابًا في حال ظلّت القوى النيابية مصرّة على ترجيح الكفة الاستشارية لمصلحة "سعد الحريري".
استفاق اللبنانيون على أنباء انتشار غير مسلّح لمجموعات منظمة من القوى الانقلابية، الأمر الذي أثار في البداية ذعرًا لدى التلامذة وأوليائهم في عدد من أحياء بيروت والمناطق، فأُقفِلت مؤسسات تربوية عدة، مما دعا وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال "حسن منيمنة" الى إصدار بيان طمأن فيه الى "أن المدارس مستمرة في عملها العادي"، بينما أبلغت إدارات عدد من المدارس التلامذة أن فتح مدارسها اليوم رهن بالتطورات.
وفيما غاب أي موقف رسمي من الجهات الأمنية المعنية ولا سيما قيادة الجيش، ربما لكون قائدها "جان قهوجي" كان منشغلاً باجتماع جمعه في دمشق مع الرئيس السوري "بشار الأسد"، برز نفي لحركة "أمل" عن مشاركتها في التحرّك، كما أفادت وسائل إعلام معارضة أن "المجموعات الشبابية" كانت تستعد للقيام بـ"رحلة سياحية"!! وهو ما لم ينطل على أحد، سيّما وأننا في يوم عمل عادي، وقد تخوّفت المصادر من معلومات عن تحضير لعمليات حرق دواليب وقطع طرق في إطار "تصعيد لهجة" الرسالة السياسية التي يريد "حزب ولاية الفقيه" وحلفاؤه إيصالها الى من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج.
وقد أحدث تحرّك القصان السود حالة إرباك استثنائية في مؤسسات الدولة، التي شهدت إجراءات أمنية غير اعتيادية، اتُخذت خصوصًا في السرايا الحكومية ومحيطها، والتي طُلِبَ من عدد من الموظفين فيها عدم التوجه الى مكاتبهم موقتًا. وشملت الإجراءات القصر الجمهوري في بعبدا ومحيطه، وبيت الأمم المتحدة "الإسكوا" في وسط بيروت، ومحيط مقر "سيّار الدرك" في الأشرفية، ومراكز رسمية وحزبية عدة.
وفي أول تعليق لها على رسالة "الرحلة السياحية"، اعتبرت كتلة "المستقبل" النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، "أن التجمعات المنظمة التي قامت بها عناصر من حزب الله وحلفائه (...) صيغة مغلّفة وغير ناجحة لانقلاب مسلّح لن يسكت عليه اللبنانيون". واعتبرت الكتلة التي كرّرت تمسّكها بترشيح الرئيس "الحريري" لتأليف الحكومة المقبلة أن "لا مبرر" لتأجيل الاستشارات مما "أعطى انطباعًا سلبيًا عن حال البلاد وأسهم في خفض منسوب الثقة بالمؤسسات والنظام".
في المقابل لم يصدر عن "حزب ولاية الفقيه" أي موقف من التطور الميداني، فيما نقلت "وكالة الصحافة الفرنسية" عن مسؤول حزبي في بيروت أن "النزول إلى الشارع الذي حصل اليوم هو جس نبض أو رسالة". وأضاف: "لا نعلم بالتحديد ما الهدف، قيل للشباب انزلوا فنزلوا، ثم قيل لهم اطلعوا فانسحبوا". وأقرّ بأن ذلك "سبّب حالاً من الهلع في صفوف المواطنين، لكن كل شيء انتهى قبيل الثامنة". وسُئِل هل يتوقّع مزيدًا من هذه التحرّكات، فأجاب: "عندما يكون السيف على رقبتك، ماذا تفعل؟ هل تبقى ساكتًا؟".
حصل هذا التطوّر الأمني الذي لم يتضح مساره اللاحق، بالتزامن مع انطلاق قطارين: قطار المحكمة الخاصة بلبنان على سكة القرار الظني الذي شرحه أركان المحكمة أمس مليًا، وقطار المسعى القطري-التركي الذي بدأ في هذا اليوم وعلى وقع "النقزة" تحرُّكه في الاتصالات الواسعة التي أجراها في لبنان رئيس الوزراء وزيرا الخارجية القطري والتركي مع المرجعيات السياسية، في ترجمة للقمة الثلاثية السورية-التركية-القطرية التي انعقدت أمس في دمشق، وقد اعتصما بصمت لافت خلال كل تحركاتهما اللبنانية.
التاسع عشر من كانون الثاني 2011، كان يخبِّئ للأزمة اللبنانية سقوط معادلة الـ س.س إلى غير رجعة فيما تسعى الوساطة القطرية – التركية الى محاولة نفخ الروح فيها عبثاً من جديد!
انتقال الخلاف بين فريقي الصراع في لبنان الى طرفَي الوساطة الأم، أي السعودية وسوريا مباشرة، بات حقيقة ثابتة، مع الإعلان المدوّ الذي فجّره وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، الذي صرّح أن المملكة العربية السعودية "رفعت يدها" عن الوساطة السعودية-السورية، ذاهبًا الى التحذير من "الانفصال وتقسيم لبنان".
تسبب هذا الموقف بصدمة كبيرة أرخت بظلالها الثقيلة على مجمل المشهد الداخلي، وأثار تساؤلات جديّة عن مآل الوساطة القطرية-التركية، وقت كان مبعوثَيها يمضيان يومهما الثاني في بيروت في إطار هذه الوساطة، من غير أن تتضح آفاقها وفرص نجاحها.
في هذه الأثناء، كان الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" يوجّه من طهران تحذيرًا الى إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، داعيًا إيّاها الى "وقف التحريض على الفتنة" في لبنان إذا كانت لا تريد أن ينقلب الشعب ضدها!
أصداء تصريح نجاد، كانت تترجمها في بيروت حفلة لجوقة الشتّامين من أزلام سوريا و"حزب ولاية الفقيه"، رفضًا لإعادة تكليف الحريري... ولفت تحذير النائب السابق "ناصر قنديل" في حديث لتلفزيون الجنرال البرتقالي: "من مشروع لتهجير المسلمين السنّة من صيدا وبيروت والبقاع كأكياس لحم إلى الشمال"، مؤكدًا منع النواب من الذهاب إلى بعبدا إذا كانوا سيرشحون الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة. مهدِّدًا من أن رسالة القمصان السود "وصلت لمن يعنيهم الأمر، وهي عينّة طفيفة عما قد يتكررّ، وتأجيله حصل بانتظار المساعي القطرية-التركية"، ومتوعّدًا بأن "هناك سلّة إجراءات قد تُنفّذ، وقد نلقي القبض على بعض المحليِّين لتآمرهم على المقاومة.
تحرّكات قوى 8 آذار أصبحت تنمّ بوضوح أن الثنائي سوريا-"حزب ولاية الفقيه" يعمل اليوم بطاقة مضاعفة من أجل فرض واقع جديد على الأرض يمكنه الإنطلاق منه في أي مفاوضات جديدة إقليمًّا أو دوليًا، ولا يُرى في كل الأحداث الخطيرة الجارية منذ الاستقالة المفاجئة لوزراء 8 آذار وما تلاها، سوى فتح الأبواب على مصاريعها أمام عودة النفوذ السوري إلى لبنان، و"طرد" كل الدول الأخرى، ومنعها عن المساهمة الحقيقية في مساعدته على تجاوز أزمته... كل ذلك تحت شعار "إسقاط المآمرة" عن ما يسمى "مقاومة"، سواء عبر "أسرلة" المحكمة أو اتهام قوى 14آذار بأنها جزء من ذلك المشروع "التآمري" في لبنان.
غير أنه على الرغم من ذلك الخطاب التخويني الدعائي والتجاري والشعبوي، تبقى حقيقة راسخة في أذهان المتابعين، مفادها أن أولى الجهات المتضررة من خروج سوريا من لبنان وتنفيذ الشق المتعلّق بها في القرار 1559، هي إسرائيل نفسها، التي وقفت مع اللوبي الداعم لها في واشنطن في وجه إدارة الرئيس السابق "جورج دبليو بوش" لثَنْيِهِ عن المضي في إقرار القرار 1559، بعدما اعتبرت أنه يمسّ أمنها القومي !
في المقابل، كانت الأمانة العامة لقوى 14 آذار في الأشرفية، تتحوّل إلى خلية نحل، معاهدة الاستقلاليين على الدفاع في وجه الانقلاب الإيراني.
لقد عاد النبض إلى قوى 14آذار، فمنذ أن قام القريق الانقلابي بالاستقالة من الحكومة موجّهًا إليها الضربة القاضية، ثم الإعلان عن تسليم المدّعي العام الدولي القاضي "دانيال بلمار" قراره الظني، ومقر الأمانة العامة لقوى 14 آذار يشهد لقاءات واتصالات كثيفة لتداول التطورات المتسارعة، بعدما كانت غرقت شهورًا في رتابة وترقب مملَّين، لا سيما خلال مرحلة مفاوضات "السين – سين"، والتنازلات الإعلامية الحريرية التي انخفض معها عدد روّاد مقر الأمانة الى أقل من عدد صور شهداء "ثورة الأرز" المالئة جدران قاعة الاجتماعات الرئيسية. ذلك الأداء الانهزامي بما رافقه من مسايرة ومساومة وسكوت بدوافع مختلفة، كان من أهم العوامل المشجعة لقوى 8 آذار على قلب الطاولة عشية صدور القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، وجعلت سوريا تضرب ضربتها وتوعز لحلفائها بمباشرة الانقلاب الدستوري تمهيدًا لانقلاب أوسع وأخطر يعيد نفوذها كاملاً الى لبنان، ما يُرجع عقارب الساعة ستة أعوام إلى الوراء.
اليوم اختلف المشهد تمامًا، فبيانات الأمانة العامة أصبحت يومية واللهجة أيضًا تغيَّرت، فها هي ترفع الصوت تلو الصوت في وجه ما تعتبره "مشروعًا انقلابيًا إيرانيًا"، وتعاهد على الاستمرار في الدفاع عن لبنان والتزام المحكمة الدولية، ومبادئ الشراكة المسيحية-الإسلامية.
قرّرت القوى الاستقلالية وضع النقاط على الحروف معتمدة أسلوب الصراحة المطلقة ققالت في بيانها: "لا يسع قوى الرابع عشر من آذار إلا أن تصارح الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، بالحقائق والوقائع التالية:
أولاً: إن حقيقة الأزمة الراهنة لا تكمن في الصراع على السلطة، ولا في قصور النظام السياسي اللبناني، بل تكمن تحديدًا في تنصّل فريق سياسي، شريك في الحكم، من التزاماته حيال الدولة وحيال الإجماعات التي بلورها الحوار الوطني خلال السنوات الأربع الأخيرة. أما إسقاط الحكومة عشية صدور القرار الاتهامي، فيقدّم دليلاً إضافيًا على أن هذا الفريق لم يكن يريد من المسعى السعودي-السوري مساعدة لبنان في استيعاب تداعيات القرار الاتهامي والمحافظة على الاستقرار، بقدر ما كان يريد الحصول على كل شيء مقابل لا شيء".
وتابعت الأمانة العامة مبيّنة: "أن خلافنا مع الفريق الآخر ليس على إدارة الدولة، بل هو على طبيعة الدولة وعلى معنى لبنان، بذاته وفي محيطه العربي والدولي". معاهدة اللبنانيين على "المضي بعزيمة وثبات في: الدفاع عن لبنان في وجه مشروع انقلابي يرمي الى تحويله قاعدة ايرانية على شاطئ المتوسط...".
وقد لفت في هذا اليوم، تأكيد البطريرك صفير خبر استقالته، حيث أعلن "أننا عملنا ما في استطاعتنا ولكن لكل شيء نهاية، وصلنا الى سن التسعين وبعدها يجب أن نفكّر في أبديتنا قبل كل شيء، ولذلك رأينا ان من المناسب أن نقدّم استقالتنا الى قداسة الحبر الأعظم، وحتى الآن لم نتلق جوابًا. وعلى كل حال، نحن باقون معكم وإننا نتحمل ما تتحملون، وإذا كان هناك من أيام سعيدة سنسعد معكم كما تسعدون، ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا وأن يبقي لبنان وطن المحبة والتعاون والإخلاص لجميع أبنائه".
كما لفت أيضًا على الصعيد الإقليمي، تصعيد خطاب المعارضة اليمنية ضد نظام الرئيس "علي عبد الله صالح"، حيث نصحت النظام "بالتحرك أكثر وانتهاج المرونة، مستفيدًا مما حدث في تونس حيث إن الرئيس زين العابدين بن علي أبدى الندم في وقت لم يكن يفيده الندم. وقد تزامن ذلك النصح مع تظاهُر آلاف من أنصار الحراك الجنوبي في مناطق عدة من جنوب اليمن وخاصة محافظات لحج وأبين والضالع، وذلك تلبية لنداء وجهه أول من أمس نائب الرئيس السابق "علي سالم البيض" ليوم غضب احتجاجًا على الحصار الذي تفرضه قوات الجيش على مناطق ردفان بمحافظة لحج. أما في العاصمة صنعاء اقتحمت قوات مكافحة الشغب والأمن المركزي جامعة صنعاء لتفريق تظاهرة خرجت منها باتجاه منطقة التحرير، وسط البلاد، وهي التظاهرة الرابعة منذ إطاحة الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي".
العشرون من كانون الثاني كان حافلاً بالأحداث. على الصعيد السياسي: دخلت الأزمة الداخلية طورًا جديدًا من التعقيد بعد انسحاب السعودية من المساعي التي كانت تبذلها بهدف التوصل الى بناء جسر يمكن من خلاله العبور الى حل، فقد أُفيد عن انهيار سريع للوساطة التركية-القطرية التي انتهت فجرًا بإعلان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ "حمد بن جاسم" ووزير الخارجية التركي "أحمد داود أوغلو" "التوقف عن مساعيهما في لبنان في هذا الوقت"، ومغادرة بيروت "بسبب بعض التحفظات" عن ورقة تمّت صياغتها "تأخذ في الاعتبار المتطلبات السياسية والقانونية لحل الازمة الحالية في لبنان".
أما على الصعيد الأمني، فقد شهد هذا اليوم احتدام موجة الشائعات عن احتمال حدوث اضطرابات أمنية، وقد ترجمت ليلاً بتحرّك ميداني يستهدف تطويع النائب "وليد جنبلاط" للتصويت إلى جانب المعارضة.
ففي الصباح، شهدت بيروت موجة شائعات منظمة غير مسبوقة وخصوصاً في ساعات بعد الظهر والمساء استعادت معها العاصمة أجواء القلق والحذر الشديدين، في حرب نفسية قذرة مارسها الفريق الانقلابي على الناس، وأعدّ لها بإتقان بهدف التأثير في الوضع العام و"تصحيح" مسار الاستشارات النيابية، من خلال نشر أجواء إرهاب وخوف وتعميمها على الرأي العام اللبناني ووضعه في أجواء معيّنة، سواء عبر الرسائل القصيرة الخليوية أو ببث أخبار مقلقة على بعض المواقع الالكترونية... الأمر الذي جعل الناس يعيشون حالة من القلق والإحباط، حتى إن بعضهم بدأ يتهيّأ لمغادرة البلاد الى دولة أكثر أمانًا، والبعض الآخر بدأ "يتموَّن" كما كان يفعل زمن المواجهات العسكرية القاسية، والأغلبية حوّلت مدَّخراتها من العملة الوطنية الى الدولار.
وفي سياق تلك الشائعات، كشفت مصادر سياسية خاصة لموقع "بيروت أوبزرفر" الإلكتروني، أن "حزب ولاية الفقيه" استنفر عشرين ألف عنصر من عناصره للسيطرة على بيروت عندما تحين ساعة الصفر لموعد الانقلاب. وأن الخطة تقضي هذه المرة بإحكام السيطرة على المناطق السنية في بيروت وعكار والضنية "بغية تركيعها وإحداث تغيير في مسار الرأي العام السني"، كما كان الهدف من غزوة 7 أيار العام 2008 تركيع المناطق الدرزية وزعيمها "وليد جنبلاط" للغاية عينها. وأشارت المصادر إلى أن "استدعاء" الرئيس السوري "بشار الأسد" قائد الجيش اللبناني العماد "جان قهوجي"، أول من أمس، في هذه الظروف الحرجة جاء بهدف الطلب منه تحييد المؤسسة العسكرية في حال تحرك "حزب الله" باتجاه المناطق السنيّة، والتأكيد على أن الجيش لن يتصدى لعناصر الحزب في حال قام بهذا التحرّك، معتبرةً أن هذا الاستدعاء بمثابة ضوء أخضر سوري لأي ضربة مفاجئة ضد المناطق السنية.
وفي خضم تلك الحرب النفسية الممنهجة، كان الجنرال "عون" يؤكّد أن "المعارضة لا تريد عودة الحريري، (...) لأنه لا يمكنهم أن يفرضوا علينا شخصًا كهذا، ولو جاءت قوى الأرض كلها"... فيما بدا واضحًا أن ثمة مبارزة مكشوفة وقاسية قد تتجه إليها البلاد مع إجراء الاستشارات النيابية في جولتها المؤجلة الاثنين المقبل على قاعدة "كسر عظم" دستوري وسياسي، من شأنه أن يفضي الى واقع لم تعرفه البلاد منذ تجربة التمديد للرئيس السابق "إميل لحود".
وهذا المعنى نفسه استحضره الرئيس "سعد الحريري" الذي قرّر تأكيد ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة متحديًا الأساليب الميليشيوية التي تلجأ إليها المعارضة لمنع إعادة تكليفه.
فوسط حشد من أعضاء "كتلة المستقبل" النيابية وأعضاء المكتب السياسي لـ"تيار المستقبل" وشخصيات سياسية قاطعه مراراً بالتصفيق، اتخذ "الحريري" موقفًا جازمًا من مضيّه في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة على رغم "الضغوط". وإذ رأى "أننا أمام منعطف مصيري جديد في تاريخ لبنان"، كشف أنه قرّر "الدخول في التسوية الى أبعد مدى ممكن، وتجاوبتُ مع توجهات خادم الحرمين الشريفين، والتزمتُ كامل البنود التي توصّلَت إليها الجهود القطرية-التركية المشتركة"، وأضاف: "لكن مرّة جديدة يتوقّف قطار الحل بفعل فاعل ويعودون مع ساعات الفجر لإبلاغ الموفدَين القطري والتركي بمطلب واحد لا ثاني له: غير مقبول عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة... طالبوا فقط بإقصاء سعد الحريري عن التكليف برئاسة الحكومة""، لافتًا الى أن هذه التطورات "تستعيد تجربة العام 1998 والحملة السوداء التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتلك الأبواق التي اندلعت لتنادي باقتلاع رفيق الحريري من السلطة... الهدف من كل ذلك واحد: محاكمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإخراج سعد الحريري من المعادلة الوطنية والإعلان عن اغتياله سياسيًّا". الى أن قال: "بغضّ النظر عن مناخات الترهيب التي تحيط بالمسار الدستوري في الشارع وغير الشارع، سنذهب الى الاستشارات النيابية الاثنين المقبل، وسندلي برأينا وفقًا للأصول، ملتزمًا ترشيحي لرئاسة الحكومة." وفي ختامٍ مُعبِّر قال "الحريري": "إن الظلم لن يمنعني عن مواصلة المسيرة، طالما أراد الله سبحانه وتعالى لي أن أواصل العمل بها"، مستشهدًا بالآية القرآنية: "ولا تحسبنَّ الله غافلاً عمّا يعملُ الظالمون، إنَّما يُؤخِّرُهم ليومٍ تشخَصُ فيه الأبصار".
وعُقِدَ في وقت لاحق مساءً، اجتماع استثنائي لقيادة قوى 14 آذار في "بيت الوسط" أصدرت على أثره بيانًا نبَّهت فيه "جميع اللبنانيين الى المحاولات الجارية لوضع اليد على السلطة السياسية من طريق الضغط"، وأكّدت المشاركة في الاستشارات النيابية المقرّرة الاثنين المقبل "بموقف موحد يقضي بتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة". وقرَّرَت إبقاء اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات.
الرد الأمني على ثبات الحريري وقوى 14 آذار، لم يكن بالشائعات هذه المرة، بل جاء ليلاً بتحرك ميداني في رسالة موجهة هذه المرة الى النائب "وليد جنبلاط"، في إطار الضغط عليه لإجباره ونواب "اللقاء الديموقراطي" على عدم تسمية الرئيس "سعد الحريري" لرئاسة الحكومة العتيدة. فقد شهدت منطقة عاليه تحركات ميدانية ليل الخميس-الجمعة لـ"حزب ولاية الفقيه"، حيث نشر مجموعات له بين القماطية وعاليه –وهي قرى ذات تماس درزي-شيعي- كرسالة ميدانية تهويلية على "جنبلاط"، ما دفع بشباب من الحزب "الاشتركي" الى تنفيذ انتشار مضاد. وشهدت المنطقة طيلة الليل أجواء متشنّجة وترقّب وحذر.
وقالت مصادر بارزة في المعارضة إن "جنبلاط حسم خياره وأبلغه الى المعارضة بدعمه لمرشحها، وأنه لن يعطي أقل من سبعة نواب. كما أن المعارضة أبلغت الرئيس عمر كرامي ترشيحه، وأنه وافق على هذا الترشيح". وأضافت أن "ثمة رهاناً على ورقة بيضاء يدلي بها نائبان من طرابلس أيضًا، مما يتيح للمعارضة الحصول على الغالبية وربما أكثر من 65 صوتًا".
في المقابل، أكدت مصادر قوى 14 آذار " أن جنبلاط انحاز فعلاً الى المعارضة، لكنه لن يتمكن من توفير سوى خمسة نواب من "اللقاء الديموقراطي" بما فيهم صوته، لأن معظم أعضاء "اللقاء" يرفضون التخلّي عن تسمية "الحريري". وقالت إن الصراع يدور حول سبعة أصوات، وقد احتسبت أصوات الأكثرية في اجتماع تشاوري أمس في مكان سري وتبيّن أن قوى 14 آذار لا تزال تملك الأكثرية. ولفتت الى أن احتمال حصول تحرك في الشارع من المعارضة في الأيام المقبلة قد يكون مؤشرًا لعدم قدرتها على حسم الموقف لمصلحتها.
وفي هذا السياق، كانت صحيفة "اللواء" قد نشرت صباح ذلك اليوم معلومات خاصة بها، مفادها أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب "وليد جنبلاط" تعهّد في زيارته الدمشقية الأخيرة بتوفير 9 أصوات للمعارضة خلال الاستشارات، أو على الاقل سبعة أصوات في حال امتنع بعض كتلته عن التسمية أو كانوا خارج لبنان. وبحسب مصدر مقرّب من "جنبلاط"، فإنه اتخذ هذا الموقف لتفادي خيار الشارع، ولا سيما أنه أُبلِغ شخصيًا أن المعارضة حدّدت الساعة صفر منتصف ليل الخميس-الجمعة لبدء تحركات في الشارع في حل لم تحسم المختارة خيارها في فترة أقصاها أولى ساعات مساء الخميس. وكشف مصدر واسع الاطلاع لـ"اللواء" أنه بإنضمام الأصوات الجنبلاطية الثمانية إضافة الى صوت النائب "نقولا فتوش"، تميل كفة الرئيس "عمر كرامي" الذي ستسميه قوى الثامن من آذار بأرجحية 66 صوتًا في الاستشارات النيابية يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين. وأوضح أن "جنبلاط أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بقراره المستجد، قائلا له إنه تعرّض لتهديد مباشر بأنه في حال تخلّف عن اتخاذ القرار المناسب فإن تحركات سيشهدها الجبل، من داخله ومن خارجه، وصولاً الى المختارة، والرسالة ستكون واضحة وقاسية".
كان فريق 8 آذار يراهن على كسب أصوات كل كتلة "اللقاء الديموقراطي"، لكن جنبلاط عجز عن التسليم لأوامر القوى الانقلابية بالحُسنى، فلجأوا إلى المناورة العسكرية ومزيد من الضغط.
فالحديث عن نجاح القوى الانقلابية في تطويع النائب "وليد جنبلاط" لكي يصوّت لمصلحة مرشّحها لم يكن مجرّد كلام صحف، بل صدّقه جنبلاط نفسه في اليوم التالي صبيحة الانتشار المسلح في مناطقه، فقد أعطى فريق 8 آذار ما يرضيه قبل 72 ساعة من موعد إجراء رئيس الجمهورية العماد "ميشال سليما"ن الاستشارات النيابية الملزمة. حيث عقد في 21/1/2011 عصرًا، مؤتمرًا صحافيًا بعد رئاسته اجتماع "اللقاء الديموقراطي"، وأعلن رضوخه لتهديدات الانقلابيين قائلاً: "أرى لزامًا عليَّ ومن موقعي وموقع الحزب وسيرته التاريخية (...)، إعلان الموقف السياسي المناسب لمواجهة هذه المرحلة وتعقيداتها وحيثيّاتها، وأؤَكّد ثبات الحزب التقدمي الاشتراكي الى جانب سوريا والمقاومة، آملاً ان تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها بعيدًا من التشنجات والاصطفافات المذهبية".
ورفع جنبلاط عاليًا ورقة قال انها "ورقة التسوية" التي أنجزها "التشاور الضيّق بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد"، وزعم أنها مُصادَق عليها من الحريري والأسد ونصر الله، وقرأ منها "إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية من خلال إلغاء بروتوكول التعاون، ووقف التمويل، وسحب القضاة". لكن الصورة التي نشرتها صحيفة "النهار" في صفحاتها الداخلية تشير الى أن الورقة تضمنت بنودًا عدة تتعلّق بمطالب الحريري، أبرزها "سحب ملف شهود الزور، والاستنابات القضائية، والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتثبيت اتفاق الطائف، ومعالجة البؤر الأمنية في الداخل"، أضف أن الورقة لا تحمل أية تواقيع كما زعم "جنبلاط". ورفض ما قاله الرئيس "الحريري" من أنه "معرض لاغتيال سياسي"، كما رفض "ما قاله أحدهم في المعارضة من أن ما قبل القرار الاتهامي شيء، وما بعده شيء آخر".
وقد أفادت مصادر مطلعة في المعارضة، أن "اتفاقًا قد تمّ مع النائب وليد جنبلاط، وهو ملتزم بموجبه إعطاء سبعة أصوات من تكتّله لمرشّح المعارضة الرئيس عمر كرامي، مع العمل على تأمين النائب الثامن".
وليلاً، "توّج" النائب "جنبلاط" نشاطه الانقلابي بلقاء زعيم الانقلابيين في لبنان "حسن نصرالله". وأوضح بيان صادر عن العلاقات الإعلامية في الحزب أنه "جرى التباحث بالموقف الأخير الذي أعلنه رئيس اللقاء الديموقراطي (…)، وآفاق المرحلة المقبلة على الصعيدين الحكومي والوطني".
وَجْهُ الزعيم الدرزي المتجهِّم والمائل إلى الصفرة وهو يقرأ بيان انصياعه المكتوب، ذكّر بوجه "أحمد أبو عدس" وهو يقرأ البيان الذي أعدته الاستخبارات السورية من أحد أقبيتها، بما أوحى أن رئيس "اللقاء الديموقراطي" فعلاً مكره على اتخاذ موقفه الذي من خلاله سيتم إخراج ابن رفيقه، "رفيق الحريري" من الحكم ومعه الاستقلاليين الذين قدّموا دماءهم من أجل أن يكون وطنهم وطنًا يفتخر به اللبناني حرًا سيدًا مستقلاً، بعد إخراج الوصاية السورية سنة 2005، وكان "وليد جنبلاط" قائدًا للثورة على الوصاية آنذاك، فإذ به يشرف "مرغمًا" على الإسهام بعودتها. حتى إن الأكثرية إذا ما تشكّلت بانتقال النائب "جنبلاط"، ستكون أكثرية شبيهة بتلك التي تمَّ تكوينها في أيلول 2004، لفرض قرار التمديد المشؤوم لـ"إميل لحود" بقرار سوري مباشر.
لم يفاجَأ المتابعون المحليّون والإقليميون والدوليّون بإعلان رئيس "اللقاء الديموقراطي" وقوفه الى جانب مشروع الوصايتين الداخلية والخارجية، سوريا وما يسمى "مقاومة"، إلا أن المفاجئ كان بالتأكيد اتهام "جنبلاط" "الحريري" بأنه تراجع عن تعهده الخطي لمشروع التفاهم السوري-السعودي الذي تضمّن إلغاء بروتوكول المحكمة الدولية، وسحب القاضيَين اللبنانيَين، ووقف الحصة الرسمية من تسديد ما هو متوجّب من ميزانيتها، ثم رَفْعه وثيقة خطيّة متوافرة لديه لتعزيز اتهامه، وادعائه وجود توقيع "الحريري" عليها وهو ما تبيّن عدم صحّته، وهو ما سؤدّي الى تعكير العلاقة بين الزعيمَين.
في هذه الأثناء، أُفيد عن انفجار قذيفة "إينيرغا" في الجو بين منطقتي "باب التبانة" و"بعل محسن" في طرابلس، سبقها إلقاء قنبلة صوتية على طريق مجدليون-صيدا.
قبل 48 ساعة من الاستشارات النيابية الملزمة المقررة في 24/1/2011، لتسمية من سيُكَلَّف تأليف الحكومة الجديدة، بدا المشهد السياسي في لبنان في وضع بالغ التوتر، فالبلاد تقف عند منعطف مصيري سيقرِّر من ستكون الأكثرية التي ستحكمها.
وفي أوضح انعكاس لتلك الأجواء المتوترة، برز البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للرئيس الحريري ردًا على تجرّؤ "بري" على المحاضرة في النزاهة المالية، وانتقاده "امتطاء صهوة الطائفية والمذهبية لنيل مكاسب سياسية".
وفي انعكاس آخر للأجواء المشحونة، تحوّل لقاء مقرر لكوادر وشخصيات مؤيدة لقوى 14 آذار في 22/1/2011، تظاهرة رمزية في الأشرفية أمام مقر الأمانة لهذه القوى بعدما امتنعت إدارة فندق "لو غبريال" عن توفير قاعة لعقد اللقاء بناء على اتصالات بها من جهات معيّنة على ما ذكر المنظمون الذين حملوا بشدة في كلماتهم على "حزب الله" وحلفائه، محذرين من العودة الى ما قبل 14 آذار 2005، ومن مشروع انقلابي يبدأ بالحؤول دون تكليف الرئيس "سعد الحريري".
في التظاهرة العفوية الرمزية، طالب متكلمون بالتصدي لـ "الإنقلاب" رافعين شعار "لن يمروا". وألقيت كلمات وارتفع هتاف "من بيروت لطهران، ما منقبل بالباسداران". وناشد آخرون النواب الذين انتخبوا على أساس أنهم من قوى 14 آذار عدم التخلي عن مبادئها والإنقلاب على من انتخبوهم، ثم سمّى آخرون النواب المقصودين، أعضاء "اللقاء الديموقراطي" فردًا فردًا والنائب "نقولا فتوش". وصاحت شابة: "أين هي لائحة الشرف؟" في إشارة إلى النواب الذين صوّتوا رغم التهديدات والضغوط زمن الوصاية ضد التمديد للرئيس السابق "إميل لحود".
وانتهى اللقاء الذي تحوّل الى "هايدبارك" حقيقي، وذكّر بأجواء سبقت انتفاضة 14 آذار 2005، بتوجيه "نداء الى شعب لبنان"، من أجل الدفاع عن "الجمهورية والميثاق والسيادة".
بدوره، كان "المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى" يجدِّد دعمه لـ"الرئيس سعد الحريري بصفته رمزًا من الرموز السياسية للمسلمين والتي تمثل الطائفة وتحافط على حقوقها، وهو يحظى بأكبر مساحة من التأييد الجماهيري والنيابي"، مستنكرًا "كل تطاول على رموزنا السياسية والدينية".
من جهته، كان حكيم "ثورة الأرز" يعقد مؤتمرًا صحافيًا شافيًا وافيًا في "معراب"، أعلن في خلاله رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" "سمير جعجع" أن "فريق 8 آذار لا يريد التسوية ومطلبه الوحيد هو أن يُعلن الرئيس سعد الحريري تخلّيه عن المحكمة الدولية"، مُشدِّدًا على أن "الحريري لم يوقِّع أي ورقة تسوية". وأضاف "فلنتصور للحظة أن الرئيس كرامي كُلِّف تشكيل هذه الحكومة، من سيكلف الحكومة بربّكم؟ سيتولّى تشكيلها (اللواء السوري) رستم غزالي الذي له اليد الطولى في هذا الموضوع، وستتشكّل بينه وبين الحاج وفيق صفا مع احترامنا للرئيس كرامي".
وعلّق على موقف النائب "ميشال عون" بالقول أنه "يصوِّر أن أعداء لبنان هم المجموعة الحريرية، في السابق الرئيس رفيق الحريري، والآن سعد الحريري، وأنهم توسّعوا على حساب المسيحيين بين 1990 و2005"، سائلاً: "ماذا فعل "حزب الله" و"أمل"؟ ألم يتوسعا على حساب المسيحيين في لبنان؟". واصفًا "عون" و"كأنه يجلس على غصن شجرة وينشره".
وإذ اشار الى "أن السعوديين وضعوا ثقلهم كي لا تحصل أي "خربطة" أمنية"، شدد على أن فريق "14 آذار" ينتظر من رئيس الجمهورية إعادة الحق الى أصحابه"، مبيِّنًا أننا "عدنا الى النقطة الصفر ومعركة أصوات طاحنة، وعلى الرئيس أن يرى ماذا يجب أن يفعل لأننا كنا ضد تأجيل الاستشارات وأتكل على استقامته".
ثم حاول رفع معنويات الاستقلاليين مناشدًا عزيمتهم: "لا يا إخوان، لم يُقض الأمر ونحن في صراع كبير ومحموم على كل صوت في مجلس النواب، فبقدر ما هناك أمل بتكليف الرئيس كرامي، هناك أمل بتكليف الحريري، وسنسعى الى تأمين الأصوات الضرورية بكل قوّتنا".
وختم موجِّهًا ندائين، الأول لنواب الأمة أن "لا ينسوا لحظة أنهم نواب الأمة وأنه يتوقف على تصرّفاتهم بقاء الأمة أو زوالها، (..)وأن يتذكروا أن ما من شيء باق في هذه الدنيا سوى الاستقامة والشجاعة والموقف عند ساعة الحقيقة، ولقد دقت ساعة الحقيقة"، والنداء الثاني لشعب "14 آذار": إن "المسيرة بدأناها من تحت الأرض وربحناها، فكيف إذا كنا نستمر بها من فوق الأرض؟ وفاء لكل من هم تحت الأرض وخدمة لكل الذين هم فوق الأرض".
في المقابل كان عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب "نواف الموسوي"، يكشف المستور، عندما اعتبر أن "المعركة في لبنان هي ذاتها في غزة وفي العراق وفي أفغانستان وفي إيران". وإننا إذا تأملنا واقع الدول التي ذكرها، سنلاحظ أنها في الحقيقة الدول التي جرى تقسيمها بواسطة الخنجر الإيراني المسموم بما يتوافق و"مشروع الشرق الأوسط الجيد"، وإذا أضفنا إليها سوريا تصبح ممثلة لـ"الهلال الشيعي"، أو ما يفضل "أحمدي نجاد" و"علي خامنئي" تسميته بـ"الشرق الاوسط الإسلامي الكبير".
وانتهى هذا اليوم الصاخب على وقع كشف مصادر مطلعة أن القيادة السورية استدعت على عجل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب "نبيه بري" النائب "علي حسن خليل" ومساعد الأمين العام لـ"حزب الله" "حسين خليل"، وأبلغتهما وجود ضغط عربي ودولي كبير رفضا لتسمية الرئيس "عمر كرامي" لتشكيل الحكومة الجديدة، وأنه في حال أقدمت قوى 8 آذار على تسمية كرامي في حال تمكّنت من جمع أكثرية، فإن ذلك سيضعها وسوريا في مواجهة المجتمعين العربي والدولي. وأفادت المصادر أن السوريين أبلغوا قوى 8 آذار عن اقتراح حلّ وسط قدموه الى الجانب القطري ويقضي بتسمية الرئيس "نجيب ميقاتي" لتشكيل الحكومة الجديدة.
بدأ يوم 23/1/2011 بدعم إسرائيلي لمرشح قوى 8 آذار لرئاسة الحكومة على طريقة "التأييد الانعكاسي" التي لطالما أسعفت بها إسرائيل "عدوّها" المزعوم "حزب ولاية الفقيه" كلّما وقع في مأزق أو موقف حرج في مواجهته مع أصحاب مشروع الدولة، قوى 14آذار.
ففي القدس المحتلة، أجرى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مشاورات أمنية على نطاق مقلّص، تناولت الوضع في لبنان، وكانت الإذاعة الاسرائيلية نقلت عن مصدر سياسي اسرائيلي مسؤول لم تسمّه "أن إعلان وليد جنبلاط دعمه لقوى المعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله من شأنه أن يؤدي الى إنشاء امتداد إيراني في لبنان على غرار الوضع في قطاع غزة، مما سيزيد خطورة التهديد على الحدود الشمالية للبلاد". وحذرنائب رئيس الحكومة "سيلفان شالوم" من "أن تكليف مرشح حزب الله تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة سيكون تطورًا خطيرًا بالنسبة الى إسرائيل، وبالنسبة الى الإستقرار في العالم أجمع". وعلى الفور، تلقّف إعلام قوى 8آذار تلك التصاريح الصهيونية، ووظفتها في تقاريرها الإخبارية بما يترجم ما تريده البروباغاندا الإسرائيلية خدمة لها.
وكان لافتًا هذه المرة، نجاح قوى 14 آذار في في فضح هذا "التأييد الانعكاسي"، حيث شجب عضو تكتل "لبنان أولا" النائب "عقاب صقر"، في بيان، "الاعتداءات المتكررة من قبل إسرائيل على السيادة اللبنانية، والتي إتخذت شكلا سافرًا من خلال الدخول الوقح على خط تشكيل الحكومة اللبنانية في محاولة لدس السم في الدسم، وتحريك مكامن الفتنة التي تريد لها إسرائيل أن تستعر بين مكوّنات النسيج اللبناني"، مستنكرًا "كلام سلفان شالوم المعطوف على المسلسل الإعلامي المنظم والمرفق باجتماع أمني مصغَّر لحكومة الإرهاب المكبَّر"، وواصفًا الحديث الإسرائيلي عن "خشية الكيان العبري من تسلم المعارضة للحكومة اللبنانية" بأنه "محض كذب وتهويل، تحاول من خلاله إسرائيل بسياسييها وإعلامها أن توحي بأنها حريصة على فريق أو ربما على التنوّع، وهي التي تحلم باللحظة التي يصير فيها لبنان غزة جديدة، فينتهي النموذج اللبناني التعدُّدي الذي يشكِّل نقيضها الوجودي ويرفع أمامها سقف التحدي ليكشف من على حدودها بشاعة وجهها العنصري". مؤكِّدا في المقابل أن "ما تتخذه إسرائيل من خطوات لن يزيد قوى الرابع عشر من آذار بكل ألوانها، إلا رسوخًا في تحصين الوحدة الداخلية وتعزيز الالتفاف حول كل مكونات مواجهة الغطرسة والعنصرية الزاحفة على المنطقة من قلب الكيان العبري".
بدورها، عنونت إخبارية تلفزيون "المستقبل" في نشرتها المسائية: "إعلام حزب الله يستشهد بإعلام العدو الاسرائيلي للنيل من الحريري"، وعرضت تقريرًا يُظهر كيف يركِّز الحزب عبر قياداته ونشرة أخباره على أقوال الإسرائيليين لدعم وجهة نظره وفرضها والنيل من 14 آذار ومن الحريري في الأزمة اللبنانية الراهنة. وقارنت سلوك إعلام 8آذار مع قول "نصر الله" في أحد الأيام: "نحن لا نستشهد بما يقوله العدو، بل نعتبره معدًا للإيقاع بين اللبنانيين"!!
لم يكن الدعمُ الإسرائيلي لقوى 8 آذار حدثَ ذلك اليوم الوحيد، الذي كان يخبّئ مفاجأة مدوية؛ فقبل ساعات من بدء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة، أحرقت المعارضة ورقة مرشحها المزعوم عمر كرامي، لتعلن عن تبنيها ترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة الجديدة.
ففي ما يبدو أنه عملية تمويه مدروسة بإحكام، تكشّفت بعد ظهر الأحد 23/1/2011، تفاصيل مذهلة عن سيناريو عملت عليه القيادة السورية في الأيام الأخيرة بهدف تأمين أكبر قدر من فرص إيصال مرشح تابع لها لتأليف الحكومة الجديدة.
وفي التفاصيل المتوافرة أن طرح اسم الرئيس "عمر كرامي" في الإعلام من قبل قوى 8 آذار لتشكيل الحكومة الجديدة جاء بهدف القيام بعملية تمويه كبيرة على حقيقة الإرادة السورية، والمتمثلة بتسمية الرئيس "نجيب ميقاتي" لتشكيل الحكومة!
هكذا تمّ إحراق اسم "كرامي" الذي لاقى اعتراضات واسعة محليًا وعربيًا ودوليًا، كما كان من المستحيل تأمين أكثرية نيابية لإيصاله. فكان أن وضعت خطة إبقاء اسم "ميقاتي" مستترًا حتى الساعات الأخيرة، الى أن تمّ طرح اسمه لإحراج نواب التكتل الطرابلسي، وهم إضافة الى "ميقاتي": الوزير "محمد الصفدي"، النائب "أحمد كرامي" والنائب "قاسم عبد العزيز". فالرباعي الطرابلسي كان منقسمًا حيال ترشيح "عمر كرامي"، مما لا يسمح للمعارضة بالرهان على اختراق قوي فيه يضيف الى النواب الخمسة أو الستة من كتلة "جنبلاط" نائبًا أو نائبين، ولو امتنع واحد واثنان منهم عن تسمية أي مرشّح. أما في حال ترشيح "ميقاتي"، فإن المعارضة تراهن على أصوات الرباعي بكامله.
وبذلك تكون سوريا تعمل على ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد:
ـ تأمين ضرب الرئيس "سعد الحريري" عبر منع تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة مهما كان الثمن، وذلك بهدف القضاء عليه سياسيًا، وتأمين ضرب المحكمة الدولية، وشق صف الطائفة السنيّة الملتفة حوله عبر إشعال صراع وحساسيات بين "ميقاتي" و"الحريري" خصوصًا في الشارع الطرابلسي.
ـ تأمين إيصال المرشح السني المفضّل لديها الرئيس "نجيب ميقاتي"، والمعروف بعلاقته الشخصية الوطيدة جدًا بالرئيس السوري "بشار الأسد"، إضافة الى واقع كون أخيه "طه ميقاتي" مستشارًا شخصيًا للرئيس السوري.
ـ تحقيق انتصار سياسي لقوى 8 آذار الذين كانوا سيعانون خسارة شبه مؤكدة في حال الاستمرار بتسمية "كرامي" لتشكيل الحكومة.
وبذلك تكون سوريا أبقت قطبة مخفية حتى اللحظات الأخيرة لمحاولة قلب الطاولة مجددًا بعد التأكُّد من فشل قوى 8 آذار في تأمين الأكثرية المطلوبة رغم موقف النائب "وليد جنبلاط" المؤيّد. كما يتأكد أن تسمية "ميقاتي" أتت كورقة أخيرة لتأمين صوت أو صوتين إضافيين لمصلحة مرشحها "الجديد" -أو بوصف أدق "الأصيل"-، قبل ساعات من الاستشارات النيابية المنتظرة في موعدها الجديد، في حال لم يطرأ أي قرار جديد بتأجيلها.
وتبقى أسئلة عدة تنتظر أجوبة في الساعات القليلة المقبلة، وأهمّها: ماذا سيكون موقف الرئيس "سعد الحريري" و"تيار المستقبل" من تسمية "ميقاتي"؟ وكيف سيكون ردّ فعل الشارع السني؟ وهل يمكن لـ"ميقاتي" تحمّل نتائج السير بقرار تصفية آل "الحريري" والدخول في معركة "كسر عظم" مع "تيار المستقبل"؟
مع ساعات الليل الأولى أطل قائد الانقلاب المزعوم دستوريًا فيما هو عسكري بامتياز، وقد بدا في خطابه هذه المرة وكأنه نصّب نفسه "مرشدًا أعلى" للجمهورية اللبنانية، ووصيًّا على الطائفة السنية، يختار لها من يرأسها أو يكلّفه شرعيًا ويستدعيه ويفرضه عليها!!
أفهم الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" جميع من يهمّهم الأمر حقيقة ما جرى في لبنان منذ استقالة وزراء "8 آذار" وحتى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة.
تحدّث "نصر الله" عمليًا عن موضوعَين: المحكمة واستشارات التكليف. في الموضوع الأول قال: "الرد الأول على القرار الظني كان إسقاط الحكومة". وبالتالي أسقط "نصرالله" كل تصريحات النائب "ميشال عون" الخنفشارية حول ادعاءات إسقاطها بسبب الفساد وغيرها من عمليات التضليل الممنهجة لحقيقة الأمر. فالقرار هو بيد "نصرالله" وسوريا، ولم يكن يومًا بيد "عون" ولا رأي للأخير بأي قرار مصيري، وبالتالي فإن القرار بالاستقالة وإسقاط الحكومة اتخذه "نصرالله" كردّ مباشر على موضوع صدور القرار الظني.
أما في الموضوع الثاني المتعلق بالحكومة والتكليف، فقال :نصرالله: بوضوح بعدما شكر لجنبلاط "وقوفه إلى جانب المقاومة وسوريا": "أنا اتصلت بدولة الرئيس كرامي وجلست معه وقلت له أدبيًا نحن نحتاج إلى موافقتك إذا سارت الأمور باتجاه إمكانية الفوز والحصول على الأغلبية المطلوبة لرئاسة الحكومة". ثم ما لبث أن رثى كرامي نفسه فأثنى في شكل لافت على صفات الرئيس "عمر كرامي"، كاشفًا أن الأخير طلب إعفاءه من هذه المهمة.
قال "نصر الله": "الحقيقة كما هي بالضبط: دولة الرئيس كرامي قال لي أنا أشكر ثقتكم وثقة المعارضة وثقة كل الإخوة في هذا السياق، ولكن أنت تعرف أنني متقدم في السن وأن وضعي الصحي على ما هو عليه، والمرحلة حساسة ودقيقة، بحاجة إلى وقت، بحاجة إلى نشاط، بحاجة إلى حيوية، بحاجة الى جهد. أنا أفضّل أن تجدوا خيارًا آخر قد يكون في هذه المرحلة أفضل للبلد(...)".
وأضاف بعدما "نعى" خيار كرامي ورثاه، نتيجة للاستشارات مع سوريا ليل السبت - الأحد: "أعتقد في هذه الليلة يمكن أن نصل إلى نتيجة نهائية فيمن سترشحه المعارضة". وبالفعل اختار "نصرالله" وسوريا الرئيس "نجيب ميقاتي"، والذي أعلن ترشحه بعد تبليغه باختياره.
ففي أول حديث له بعد طرح اسمه مرشحًا للمعارضة، صرح الرئيس "نجيب ميقاتي" بأنه "مرشّح يؤمن بالتوافق وهو يعمل على هذا الأساس، انطلاقا من نهجه الاعتدالي المعروف، ومن خطابه الداعي دائمًا الى الوفاق والتوافق، فضلا عن تجربته السابقة عندما تسلّم رئاسة الحكومة في أصعب مرحلة مرّ بها لبنان. (...) برنامجي هو العمل لكل لبنان مع حكومة تمثل كل لبنان، وتعمل لكل لبنان".
من جهتها اعتبرت قوى 14 آذار أن المشاورات التي أجراها أركان هذه القوى في شأن اتجاه المعارضة الى ترشيح "ميقاتي" أفضت الى اعتباره "مرشح حزب الله"، وأن قوى 14 آذار ستتعامل معه على هذا الأساس. وأكدت أن نواب 14 آذار سيذهبون الى الاستشارات اليوم وغداً لتثبيت ترشيح "الحريري" على أساس المعركة المصيرية التي تملي الدفاع عن كل القيم والمبادئ التي تحكم مسيرة 14 آذار في مواجهة ما تعتبره انقلابًا ينفذ بوسائل ضاغطة، كان من ظواهرها الواضحة الضغط بالترهيب والترغيب على قوى معروفة.
وقد شكّل قبول ميقاتي بـ"تكليف" نصر الله "مفاجأة" جاءت بمثابة "انقلاب" على كل أسس "الوسطية" التي كان يفاخر بها، هو وبعض القيادات التي لم تنفك تُتحف اللبنانيين بـ"مواعظ" عنها، فإذ بها، عند أول مفصل، تنحاز من "الوسطية" إلى أقصى التطرف السياسي. كما أن ترشيحه "الغادر" والخالي من أي "براءة سياسية"، كان له وقع الصدمة على الرئيس "الحريري"، حيث جرى الحديث عن اجتماع جمعهما في دارة "ميقاتي" قبل ليلة عشية الإعلان المفاجئ لميقاتي، وكان "الحريري" مطْمئنًا الى أن "ميقاتي" لن يغدر به، خصوصًا أن الأخير دخل في تحالف مع الحريري في انتخابات 2009، ونجح في الانتخابات بأصوات "تيار المستقبل". ولا ريب أن ناخبي الرئيس ميقاتي لن يرحموه في أي انتخابات قادمة، بعدما خدعهم بما كان يدعيه من وسطية سرعان ما تخلّى عنها لأجل موقع، وذهب إلى أقصى التطرف السياسي، بأن يكون مرشح "حزب ولاية الفقيه" في مواجهة طائفة بكاملها، ارتضت الرئيس "الحريري" زعيماً لها، على ثلاثة مستويات، السياسية والشعبية والروحية".
وأيا يكن من أمر، فإن الرجلين ميقاتي وكرامي وجهان لعملة واحدة، لأن ترشيحهما جاء من قبل الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه"، الذي سمح لنفسه بفرض اسم رئيس الحكومة السني في لبنان، بعدما فرض رئيس مجلس النواب الشيعي، وبعدما نصّب نفسه "وليًا فقيهًا" على الدولة اللبنانية، مستقويًا بسلاحه وبالرعاع الميليشيوي الذي ينشره في الشارع متى دعت الحاجة، لترهيب الآمنين وانتزاع مكاسب سياسية.
الرجلان وجهان لعملة واحدة، لأنهما رضيا بأن يعلنا ترشيحهما ضاربَين عرض الحائط بالإرادة الشعبية والتأييد السني، اللذين عقدا لواء الزعامة السنية في هذه المرحلة للرئيس سعد الحريري، وبالتالي يكون الشخصان قد وافقا على ليِّ ذراع الرئاسة الثالثة، وكسر كلمة الطائفة التي تتبوّء منصبها، واغتيال الشخص الذي ارتضاه 95% من ابناء طائفته وفي مقدمتهم المرجعية الدينية المتمثلة بدار الفتوى والمجلس الشرعي ومجلس المفتين.
وهما وجهان لعملة واحدة، لأنهما رضيا أن يُستخدما كواجهة سنية لمشروع "ولاية الفقيه" الذي بسيطرته على الرئاسة الثالثة يكون قد وضع يده بشكل كامل على لبنان، وضمّه رسمياً الى سلسلة "الهلال الشيعي" الذي يجتاح المنطقة ويفتت دولها، أو يحولها الى دويلات طائفية أو عرقية أو مذهبية، بما يتوافق مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي انطلق من غزّة عام 2007 بتحريض إيراني واضح وليس من السودان عام 2011.
وكان ذلك اليوم شهد اجتماعًا لمجلس المفتين برئاسة مفتي الجمهورية، حذّر من "تجاهل الأكثرية السنية والأكثرية النيابية" برئاسة الرئيس الحريري، كما حذر من "مغبة الانزلاق الى مخاطر اللجوء الى حكومة مفروضة بوسائل الاستقواء والضغط والإرغام". وناشد الرئيس سليمان "عدم السماح للثأريين دعاة الإلغاء بالمضي في مخططهم".
وفي هذا الإطار، عُقد اجتماع ثان مساء، لكن هذه المرة للجناح المسيحي في قوى 14 آذار، ضمّ عددًا كبيراً من الشخصيات والفاعليات المسيحية وممثلي الأحزاب والقوى المسيحية في 14 آذار في مركز حزب الوطنيين الأحرار، وجه عقبه المجتمعون كتابًا مفتوحًا الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقعته نحو 340 شخصية. وحذر المجتمعون من "الانقلاب الذي بدأه فريق حزب الله على السلطة"، معتبرين أنه وضع رئيس الجمهورية "في موقع شديد الحرج". وإذ أعلنوا أنهم "لن يقبلوا أن تضع ميليشيا مسلّحة يدها على الدولة والبلاد، وتحويل النظام فيه الى ديكتاتورية قائمة على التعصّب الديني (...) والعودة الى نظام الوصاية"، حضّوا الرئيس "سليمان" على المبادرة الى دعوة الجامعة العربية ومجلس الأمن الى "القيام بمسؤولياتهما في حماية لبنان".
وقد أبى هذا اليوم أن يكتفي بهذا المنسوب المرتفع من الأحداث، فأضاف إليه ليلاً مفاجأة من العيار الثقيل، مع عرْض الشاهد في قضية اغتيال الرئيس الشهيد "رفيق الحريري" "محمد زهير الصديق" في اتصال مع "تلفزيون الجديد" تسجيلاً صوتيًا لحديث بين ضابطين سوريَين، يُرَجَّح أن أحدهما (الأعلى رتبة) هو اللواء "رستم غزالي"، يتحدّثان في موضوع "أبو عدس"، وكيف أنه "يرفض تسجيل فيلم الفيديو، وأن يقول فيه إنه نفّذ عملية اغتيال الحريري لأن الحريري مسلم"، ذاكرًا في المقابل أنه يقبل أن يقول إنه نفّذ عملية ضد الأميركيين.
وسأل الضابط الأعلى رتبة الضابط الذي أبلغه رفض "أبو عدس" تسجيل الفيلم: "ألم تقل له إن الحريري كافر؟"، ثم أضاف أنه "سيُطلع العقيد ماهر (الأسد) على ما جرى".
وأكد "الصدّيق" أنه يملك 7 تسجيلات مماثلة، أحدها يعرض لعملية تعذيب "أبو عدس" لإجباره على تسجيل الفيديو الذي يدّعي فيه أنه نّفذ عملية الاغتيال. كما كشف "الصدّيق" أن اللواء الراحل "غازي كنعان"، هو من سرّب إليه التسجيلات الصوتية التي بحوزته وتكشف تفاصيل متصلة بعملية الاغتيال، والتي لن يظهرها إلا في قاعة المحكمة الدولية.
دخل لبنان في الرابع والعشرين من كانون الثاني، اليوم الأول للاستشارات النيابية، وسط حقيقة مفادها أن "الولي الفقيه" المنتدب الى لبنان "حسن نصرالله" هو من بات يختار رئيس الحكومة، بعدما كان اختار رئيس مجلس نواب، ويحول دون اختيار الأكثرية رئيسًا من صفوفها لرئاسة الجمهورية... وبطبيعة الحال، بموجب "الديموقراطية" اللبنانية الجديدة، فإنه ممنوع على أي كان أن يناقش قرار "الولي الفقيه" الذي يتم فرضه بقوة السلاح والتهديد بالفتنة وإشعال الشارع والانتشار المسلح وأعمال الترهيب وترويع اللبنانيين الآمنين.
حرص المكتب الإعلامي للحريري على استباق افتتاح اليوم الأول من الاستشارات بإصدار بيان أدرج فيه العناوين العريضية لموقفه منها، فأكّد الحريري أن " أن أي كلام على وجود مرشح توافقي هو محاولة لذر الرماد في العيون، فليس هناك مرشح توافقي مطروح أمام الاستشارات النيابية اليوم، إنما هناك مرشح اسمه الرئيس سعد الحريري، ومرشح آخر لقوى الثامن من آذار، والخيار في هذا المجال واضح لا لبس فيه". وأعلن أن "تيار المستقبل يرفض من الآن المشاركة في أي حكومة يرأسها مرشح الثامن من آذار"، كما أطلق معادلة "تنطبق على الحالة المستجدة"، وهي أن "ما قبل إجراء الاستشارات النيابية شيء وما بعد الاستشارات شيء آخر".
مع بيان الحريري تسارعت التطورات التي شهدها لبنان في ذلك اليوم؛ ففي ما بدا ردًا ضمنيًا على "الحريري"، صرح "ميقاتي" من قصر بعبدا بأن "التوافق يترجم بالأداء". وقال: "اذا كلّفت تشكيل الحكومة أمد يدي الى الجميع لمصلحة لبنان من دون إقصاء أحد أو الانتقام من أحد". وأضاف: "أقول للرئيس الحريري، جميعنا يد واحدة في سبيل لبنان ولمصلحته في أي موقع كنّا". وشدد على "حرصه على لبنان ووحدته، وعلى طائفتي، وعلى سُنّيَّتي بالذات، وعلى مقام رئاسة مجلس الوزراء، والإنجازات التي حقّقتها المقاومة الوطنية، وكذلك حرصي على الحوار".
وقد استرعى الانتباه موقف لرئيس "تيار المردة" النائب "سليمان فرنجية" الذي تعهّد "للمعارضة الجديدة" إعطاءها "الثلث الضامن" قائلا: "أهلا وسهلا بكم، خذوا الثلث الضامن. نحن على مبدئنا ونحن نؤمن بالمشاركة أمس واليوم وغدًا".
وكانت فاتحة تداعيات الاستشارات النيابية، إعلان رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد "جنبلاط انفراط" عقد "اللقاء الديموقراطي" الذي انشطر تكتلين، الأول برئاسة جنبلاط مستعيدًا لتكتله "التسمية التاريخية" وهي "جبهة النضال الوطني"، ويضم سبعة نواب هم: جنبلاط، وإيلي عون، وغازي العريضي، وعلاء الدين ترو، وأكرم شهيب، ونعمة طعمة، ووائل أبو فاعور، وقد سمّوا ميقاتي. فيما ضم التكتل الآخر النواب الخمسة الآخرين، وهم: مروان حمادة، وأنطوان سعد، وهنري حلو، وفؤاد السعد، ومحمد الحجار، الذين سمّوا الحريري.
وكان اليوم الاول للاستشارات النيابية أسفر عن ترشيح 49 نائباً الرئيس "الحريري"، و59 نائباً الرئيس "ميقاتي" من أصل 108 نواب شملتهم الاستشارات. وبقي على لائحة اليوم التالي (25كانون الثاني) 20 نائبًا منقسمين بين المرشحين.
في منتصف الطريق الى تكليف الرئيس "نجيب ميقاتي" تأليف الحكومة الجديدة، وفي ضوء نتائج اليوم الأول المنصرم من الاستشارات النيابية الملزمة ودخول الثاني، برزت ملامح انتفاضة في الشارع السنّي خصوصًا، عمّت منذ بعد الظهر مناطق كثيرة في الشمال والجنوب والبقاع وإقليم الخروب وبعض مناطق بيروت، على خلفية احتقان بدا عميقًا ومؤرقًا في شأن إسقاط حكومة الرئيس "سعد الحريري" والانقلاب في ميزان القوى لمصلحة قوى 8 آذار، الأمر الذي شكّل الثمن الأول المكلف للرئيس "ميقاتي" في مواجهة هذا التطوّر.
فقد نزل أنصار "تيار المستقبل" في بيروت وطرابلس وعكار والضنية وإقليم الخروب وصيدا والبقاعين الأوسط والغربي، في موجة رفض لتكليف "ميقاتي" ودعم للـ"حريري" مردّدين هتافات حادّة ضد "حزب ولاية الفقيه". ووجهت دعوات الى اعتبار هذا النهار "يوم غضب شعبي" عبر الإضراب والاعتصام والتظاهر. وتواصلت الموجة حتى ساعات الليل وعملت قوى الأمن والجيش على إزالة الإطارات المحترقة من عشرات الطرق الرئيسية وفتحها. كما سارت تظاهرة في وسط بيروت لأنصار قوى 14 آذار الذين اعتصموا أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري، ثم اتجهوا الى حديقة الصحافي الشهيد سمير قصير.
وأعلن "تيار المستقبل" أن "ما يحصل هو عبارة عن تحركات شعبية عفوية وليست منظمة على الإطلاق"، مؤكدًا "التزامه الدستور والقوانين المرعية الإجراء". ودعا المواطنين الى "التزام القانون في التعبير عن آرائهم والتعاون مع القوى الأمنية والعسكرية الشرعية لمواجهة أي محاولة للإضرار بالأمن، لأننا ننتمي الى مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
وكان تيار المستقبل قد عقد في الشمال اجتماعًا لمجلس قيادته برئاسة منسّق التيار في طرابلس النائب السابق "مصطفى علوش"، وإنضم الى الاجتماع النائبان "خالد الضاهر" و"محمد عبد اللطيف كبارة"، اتهم عقبه في بيان ناري "حزب ولاية الفقيه" بتنفيذ انقلاب هدفه وضع رئاسة الحكومة تحت وصاية "ولاية الفقيه"، وأعلن عضو المكتب السياسي في التيار النائب السابق "مصطفى علوش" عن "احتجاجات مفتوحة الى حين عودة الحق لأصحابه، داعيًا الى التعبير عن الغضب ورفض الوصاية الفارسية".
في هذه الأثناء، كان العدو الإسرائيلي يتابع حملته الدعائية (التأييد الانعكاسي) لمصلحة قوى 8 آذار، حيث رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست "شاؤول موفاز"، أن "ما يحصل في لبنان منذ فترة هو صراع بين السنّة والشيعة تحرّكه إيران". وتوقع "سيطرة "حزب الله" على لبنان بهدف إقامة "ذراع إيرانية" في المنطقة".
انتهت الاستشارات النيابية في 25/1/2011، مظهرة فضيحة أخلاقية مع قفز 11 نائبًا من جبهة إلى جبهة بعد انتخابهم في 7 حزيران 2009 على أساس بيان حمل تواقيعهم وتسمية "تجديد العهد وقسم جبران والشهداء"، أُعلِن قبل 12 يومًا من موعد تلك الانتخابات في فندق "البريستول" الأربعاء 27 أيار. ففي ذلك البيان، عاهدوا على "التزام النضال من أجل لبنان دولة كاملة السيادة يكون فيها جيش واحد خاضع لسلطة واحدة، وله الحق الحصري في امتلاك السلاح، والدفاع عن الوطن، وتحرير الأرض، وقادر على تطبيق القرار 1701 وفرض التزام اتفاق الهدنة"، ومن أجل "أن تبلغ المحكمة الدولية غايتها في كشف الحقيقة".
ففي اليوم الموافق لإحياء "الشيعة" مراسم "أربعين الحسين"، فاز مرشح سوريا و"حزب ولاية الفقيه" نجيب ميقاتي بـ67 صوتًا ، وسط "يوم غضب" عارم لجمهور الرئيس سعد الحريري الذي نال 60 صوتًا، وبالتالي انقلبت الأكثرية النيابية من قوى 14 آذار الى قوى 8 آذار، وبالتالي بات بإمكان القوى الانقلابية بعد تأمينها تلك الأكثرية "المسروقة"، تحمّل مسؤولية تشكيل حكومة من هذه الأكثرية إذا رفضت قوى 14 آذار المشاركة فيها انسجامًا مع موقفها الرافض أي مساومة على المحكمة الدولية.
بتشكيل هذه الحكومة يُنتَظَر أن تنتقل البلاد من مرحلة تسوية الخلافات الى مرحلة تصفية الحسابات بين 8 و14 آذار كما حصل عندما اعتذر الرئيس الشهيد "رفيق الحريري" على عدم تشكيل الحكومة ببيان ضمّنه عبارة "استودع شعب لبنان الطيب". وبدأت مع الحكومة التي جاءت بعده مرحلة تصفية الحسابات مع جماعة "الحريري" باسم تطهير الإدارات العامة من الفاسدين وإحالتهم على القضاء، ثم حصل عدد منهم على أحكام بالبراءة. فهل تحمل الأيام التالية دخول البلاد في مرحلة سياسة الانتقام والكيدية من قوى 14 آذار، ومعاقبتها على طريقة إخراج حكومة "كرامي" من السرايا، ومعها قوات الاحتلال السوري من لبنان؟!
بدأ هذا اليوم المفصلي في تاريخ لبنان، على وقع "يوم الغضب" الذي أعلن "تيار المستقبل" في الشمال قبل يوم عن تنظيمه في طرابلس، فجرى اعتصام شعبي في "ساحة النور" بمشاركة نواب الشمال. وألقى النائب "خالد الضاهر" كلمة جاء فيها: "نعم للسلاح الذي وجه الى اسرائيل، وخسئ سلاحهم الغادر الذي وجه الى الاطفال والشيوخ في بيروت، والذين يكذبون باسم المقاومة يعملون على ضرب عروبة لبنان، ومع مشروع ايراني - صهيوني خنجر في صدر الامة". ودعا قوى 14 آذار الى "إعلان الاعتصام المفتوح في كل لبنان رفضا لمن يريد أن يقهر ارادة السنة والمسلمين والمسيحيين في لبنان" .
أما النائب السابق "مصطفى علوش" فقال: "يريد الجندي في ولاية الفقيه أن يفرض الرؤساء اليوم"، مسأئلاً: "هل سيصبح لبنان المقر الصيفي للولي الفقيه في الغد؟".
وبدوره قال الصحافي والمحلل السياسي "محمد سلام": "اسمعي يا سماء، استفاق المارد السنّي. اسمعني يا بشار، لن تحكم لبنان، لن تحكم لبنان، لن تحكم لبنان. فليسمع أحمدي نجاد، لن يحكم لبنان، لا هو لا وكيله في لبنان". وأضاف سلام: "نحن لا يرهبنا سلاح، نحن اخترعنا السلاح. رجالنا تقاتل على زغاريد النساء. نحن حصان عربي لا يحكمه فارسي. أقول لـ 14 آذار لا يكفينا أن لا نشارك في الحكومة، يجب أن نمنع حكومة العملاء من أن تحكم وسيمنعها شارع عمر وأبو بكر وعثمان وعلي".
وسط هذا المشهد السياسي الجديد الذي لم تعهده البلاد منذ زمن بعيد يمتد الى فترة اتفاق الطائف عام 1989، قالت مصادر مطلعة إن "ميقاتي" ما كان ليقبل بتولي رئاسة الحكومة في الاحوال الراهنة لولا توافر غطاء عربي وإقليمي! وقد كانت لـ"ميقاتي" إطلالات إعلامية عدة في ذلك اليوم من خلال ما أعلنه من على منبر قصر بعبدا حيث تبلّغ من رئيس الجمهورية "ميشال سليمان" في حضور رئيس مجلس النواب "نبيه بري" نتائج الاستشارات الملزمة، التي انتهت بتكليفه، أو في مقابلات مع وسائل الإعلام الخارجية. ففي مقابلة مع "وكالة الصحافة الفرنسية"، قال: "إن التسمية (من جانب "حزب الله") طبيعية لا تلزمني في الوقت الحاضر أي موقف سياسي يلتزمه الحزب سوى التمسّك (...) بحماية المقاومة الوطنية"! وقد بدا أن ميقاتي يتذاكى على اللبنانيين بكلامه هذا، إذ مما لا يخفى على أحد أن الحزب يعتبر المحكمة ( ولو دعائيًا) "إسرائيلية" وتريد "تشويه" ما يسمى "المقاومة" والنيل منها، وبالتالي فإن إلغاء المحكمة في مفهوم الحزب جزء لا يتجزّأ من "حماية المقاومة" التي أقرّ ميقاتي بالتزامه بها!.
وأشار رئيس الحكومة المكلّف "نجيب ميقاتي" في الحديث الصحافي، إلى أن "مجلس المفتين كان يقوم بمساعي حميدة، وطالب بإيجاد حل للموضوع فرحّبتُ بأي حل، وقلت لهم أنني لا أقبل أن يمس بسنيّتي، فأنا السنّي الأول وهذا الموضوع غير قابل للجدل، أنا سنّي بالإيمان والأداء والسياسة، أنا أكثر مَن أخذ أصوات السُنَّة في الصناديق الانتخابية، أنا السنّي الأول في لبنان، ومن يريد توزيع شهادات فليوزعها لوحده و"ليخيطوا بغير هذه المسلة"، فأنا السنّي الأوّل في لبنان" !وهنا يحاول ميقاتي مجدّدًا استغباء اللبنانيين، فالأصوات "السنيّة" وغير "السنية" التي حصل عليها في طرابلس، 65 ألف صوت منها هي أصوات القاعدة الشعبية لـ14 آذار والمستقبل، والمقياس على صعيد كل لبنان، وأصوات "الحريري" في طرابلس كافية لإنجاح لائحة بكاملها بلا "ميقاتي".
أما الرئيس "سعد الحريري"، فقد تحدّث للمرة الأولى عن شعوره بالخيانة من حلفائه السابقين، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. ووصف "الحريري" تسمية ميقاتي بأنه "انقلاب سياسي، متحدِّثًا "عن شعور عميق بالخيانة"، وواضعًا اللوم في انقلاب الأوضاع "على حلفاء سابقين". وأضاف: "من قتل رفيق الحريري لا يريد لسعد الحريري أن يكون في السلطة".
وفي إطلالته الإعلامية المتلفزة الأولى بعد خروجه من سباق التكليف، أكّد "الحريري" أن "هدفنا دائمًا أن نحمي الدولة من محاولات الهيمنة على قراراتها، وأن نحمي خطّنا السياسي من المؤامرات التي تحاك ضده، وأن نحمي السلم الأهلي من العابثين بوحدتنا الوطنية".
كلام "الحريري" جاء في"نداء محبة" وجهه إلى اللبنانيين في ذروة "يوم الغضب" الطويل الذي شهدته المدن اللبنانين، ولاسيما منها مدينة طرابلس وعدد من مدن الشمال، وصيدا، وإقليم الخروب، والبقاع، حيث نظمت تجمّعات احتجاجية كان أبرزها تظاهرة في طرابلس ضمّت الآلاف وأُلقيت فيها كلمات ندّدت بـ"التدخل الفظ" لـ"حزب ولاية الفقيه" في اختيار رئيس الحكومة، وانتهت بعد ذلك الى أعمال شغب، وتعديات على الإعلام، ومكتب الوزير السابق محمد الصفدي، ومكتب النائب أحمد كرامي، ومحاولة اقتحام مركز "جمعية العزم والسعادة" التابعة للرئيس "ميقاتي"، وذلك في نجاح باهر للخطة السورية في شق الصف السنّي وتفجيره من الداخل بترشيح "ميقاتي" واستبعاد "الحريري". لكن التدابير الأمنية التي اتخذها الجيش اللبناني حالت دون تفاقم الأمور.
وقد سجلت إصابات وخسائر في الممتلكات مع خروج المحتجّين عن التحرك السلمي الى قطع الطرق الرئيسية، استتبعت سلسلة احتكاكات مع الجيش الذي اضطر مرارًا الى إطلاق النار في الهواء لتفريقهم، وإطلاق قنابل مسيّلة للدموع من أجل اعادة فتح الشرايين الرئيسية للمدينة. وأسفرت المناوشات عن سقوط عدد من الجرحى العسكريين والمدنيين في بيروت وطرابلس والبقاع الأوسط.
حاول ا"لحريري" تهدئة الشارع وقطع الطريق على أي طابور خامس يريد تشويه الصورة الحضارية لقوى 14 آذار، فقال في ندائه الذي وجهه للبنانيين: "إن الغضب لا يكون ولا يصح أن يكون بقطع الطرقات، وإحراق الدواليب، والتعدي على حرية الآخرين، أيًّا كانت الدوافع الى ذلك". وأضاف: "إذا كان علينا أن نقتدي بشيء في هذا المجال، فلنا أن نقتدي باليوم التاريخي لقوى 14 آذار عام 2005، وبالسيرة الديموقراطية للرئيس الشهيد رفيق الحريري".
فتحت الأكثرية الجديدة أبواق نيرانها الكلامية ضد "الحريري"، فدعا الرئيس "نبيه بري" الحريري الى "ممارسة المعارضة البناءة، لا المعارضة الهدامة على غرار ما فعل أثناء وجوده في السلطة"، ناصحًا الحريري بإبعاد "هذا النوع من المستشارين من حوله في قريطم". وفي محاولة منه لتلميع صورة "ميقاتي" سنيًّا، استغرب رئيس المجلس الحملات التي يتعرّض لها "ميقاتي" والعواصف التي تلقاها في اليومين الفائتين من وجوه سياسية ودينية وإعلامية محسوبة على "تيار المستقبل"، معلّقًا: "من المعيب ممارسة هذه الطقوس من التحدي على شخصية الرئيس ميقاتي اللبناني في الصميم، والمسلم الملتزم الذي يغسل الكعبة"!!
بدوره، وصف رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب "ميشال عون" ما حصل في "يوم الغضب" بأنه "خلاف بين منطقين، منطق 5 شباط 2006 و6 شباط 2006، أي منطق يريد حرق المدينة وآخر يريد أن يبنيها". وعن الوضع الاقتصادي، قال "عليهم ان يأخذوا الحريري الى أميركا لربما يخرجهم من الأزمة المالية التي يقبعون فيها".
أما الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية "إميل لحود"، فعلّق على إخراج الحريري من السلطة بالقول متهكِّمًا: "لنتذكر أن رفيق الحريري هو الذي نقش في حجارة السرايا عبارة "لو دامت لغيرك لما آلت اليك" تعبيرًا عن الديموقراطية التي يجب أن تسود كل استحقاق تستولد سلطة جديدة".
في المقابل، عقدت كتلة "المستقبل" النيابية اجتماعها الأسبوعي في "قريطم" برئاسة الرئيس "فؤاد السنيورة" وعرضت الأوضاع في لبنان، وأصدرت بيانًا رأت فيه: "أن النتيجة التي أفضت إليها الاستشارات النيابية وأدّت الى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة المقبلة لا تعبّر عن دقّة الاختيار ولا التزام أصوله، بل تشكل طعنة خبيثة في قلب النظام الديمقراطي اللبناني الذي أفرغ من مضمونه، وانتهكت حرمته نتيجة العمل المبرمج لإحداث انقلاب في الموازين باللجوء إلى أسلوب التهويل والتهديد المباشر وغير المباشر والذي لم يكن آخره إرهاب أصحاب القمصان السود. فعلى مدى هذه السنوات الماضية حفلت ممارسات حزب الله وحلفائه بجملة من المفارقات. فساعةً كانوا ينادون بأنه ينبغي للنظام اللبناني أن يعتمد الديموقراطية التوافقية وعلى أساس ذلك قدمت الاستقالة من الحكومة، وأقفل مجلس النواب لأكثر من ثمانية عشر شهراً، وساعةً أخرى يعودون للمطالبة بالتزام النظام الديموقراطي بما يعني ذلك العودة إلى التزام عدد الأصوات محتكمًا الى معيار الأقلية والأكثرية، وكل ذلك من أجل ضمان سيطرة مصالح "حزب الله" والقوى الحليفة له ومخططاتها".
الشغب الذي عمّ مدنًا وبلدات عدة في لبنان احتجاجًا على إبعاد "الحريري"، والصدامات مع الجيش، وسقوط جرحى مدنيين وعسكريين، كل ذلك لم يكن مظهرًا حضاريًا يليق بقوى 14 آذار وجمهور "ثورة الأرز" الذي لطالما عرف بحضارة تظاهراته، وبانتقاده اللاذع لأعمال الشغب البربرية التي كانت دأبت قوى 8آذار على افتعالها في خلال السنوات الماضية. لقد أفسدت الغوغاء، ومن كان خلفها، صورة المعسكر النقية من أن 14 آذار فريق يفرض احترامه دون أن يشهر مسدسًا أو يحرق مكتبًا، يوم كان يُحرِج الفريق الآخر المدجّج بالسلاح ولغة الشتائم و"زعران" الشوارع. بعد أحداث هذا اليوم الأليم، والذي بالتأكيد استبقه "حزب ولاية الفقيه" و"حركة أمل" بتكليف شرعي لمناصريهما بعدم الرد على أي استفزاز قد يتعرّضون له من أنصار الحريري خلال "يوم الغضب" والتزام أعلى درجات ضبط النفس لأن النصر بات في الجيب والسلطة في القبضة الإيرانية-السورية، بات بعد هذا اليوم بإمكان "حسن نصر الله" أن يَخرُج فرحًا سعيدًا معلنًا للعالم: "كلنا زعران مثل بعض"، وهذا ما حدث.
فعصر اليوم الذي أمّن فيه "حزب ولاية الفقيه" فوز مرشحه بأكثرية نيابية مسروقة ومنقلبة على تفويض ناخبيها، نجح بموجبها في إحكام قبضته على لبنان برئاساته الثلاث، خرج "نصر الله" على اللبنانيين في ذكرى أربعين "الحسين" التي أحياها في احتفال كبير نظمه حزبه في "بعلبك"، بخطاب حمل في ثناياه الكثير من الإيحاءات ذات الدلالات الطائفية التي تدل على أن مشروع الحزب عقائدي بامتياز ولا علاقة له بالسياسة، فقد جعل "نصر الله" محور كلمته استحضار موضوع "الظلم اليزيدي لآل البيت"، وختم بعبارة أوحت وكأنه ينسب انتصاره بالاستيلاء على الرئاسات الثلاث في لبنان الى السيد "الحسين" حيث قال مهنئًا شعبه: "الحسين عليه السلام سمع صوتكم خلال كل السنوات الماضية واليوم في ذكرى أربعين الحسين عليه السلام نريد أن نسمعه صوتنا ونقول له: يا سيدنا وإمامنا، نحن لن نغادر الساحات، لن نبخل بالدم ولن نبخل بالعطاء، سوف يبقى صوتك هادرًا فينا وصوتنا مجلجلاً في التاريخ، لبّيك يا حسين"!!
"كلّف" نصر الله في خطابه الرئيس ميقاتي "تشكيل حكومة شركة وطنية وحكومة إنقاذ وطني"، وقال لـ"الفريق الآخر: العالم مش فاضيلكم ولديه هموم الدنيا، والدول لديها هموم كثيرة، والدول الإقليمية أيضًا لديها هموم كثيرة. تعالوا حتى لا نضيّع الوقت". واستدرك قائلاً: "(...) ومن لا يريد أن يشارك فليعط حكومة الرئيس "ميقاتي" فرصة ولو سنة واحدة وبعد ذلك فليحاكمها".
ولم يَفُتْهُ التعليق إلى حوادث الشغب المؤسفة التي شهدها ذلك اليوم، فقال ساخرًا من فريق 14 آذار: "إذا كان التظاهر والخروج الى الشارع وقطع الطرق حقًا ديموقراطيًا قانونيًا، فلماذا كنتم تدينون المعارضة؟ وإذا لم يكن حقًا قانونيًا وديموقراطيًا، فلماذا تسكتون عن غير المعارضة؟ (...) اليوم من المفترض أن كل الذين حاضروا فينا خلال 5 سنوات و6 سنوات من 2005 بالحضارة، والديموقراطية، وإرادة الغالبية، وإلى آخره، أعتقد أن اليوم انتهت هذه المحاضرات، وهناك وضع آخر".
بإسقاطه الحكومة وتعيينه رئيسًا جديدًا بقوة السلاح، انكشف "حزب ولاية الفقه" أمام الشعب اللبناني وكل المسلمين والعالم أجمع، وافتضحت فرية سلاح "المقاومة" التي يتمترس خلفها ويتستّر بها منذ تأسيسه، بعدما تحول هذا السلاح أداة للتخريب في الداخل اللبناني، ولفرض أمر واقع ضد إرادة اللبنانيين، وصولاً الى السيطرة على القرار السياسي بانقلاب عسكري مغلّف بمظهر ديموقراطي.
بفعلته الإنقلابية تلك، وكما بدا واضحًا من خلال المواقف السياسية السابقة، حرّر الفريق المسلّح الرئيس "سعد الحريري" من القيود التي كان قد فرضها عليه منصبه، واستيقظ المارد الاستقلالي المتمثّل بـ"قوى 14 آذار" من خنوعه وإذعانه وغفوته واستضعافه لنفسه، وبدأ ينظّم حملة متكاملة تستهدف سلاح الغدر والاغتيال والقهر والتهديد في لبنان، منتفضًا على وصاية السلاح.
فعند السادسة من مساء يوم التكليف(25كانون الثاني)، شهدت "ساحة الشهداء"، "ساحة الحرية"،14 آذار شبابي "مصغَّر" بالهتافات والأعلام، ولافتات تندد بالسلاح وحزبه، وأخرى تسأل "أين صوتي؟!" على طريقة "الثورة الخضراء" في إيران عام 2009، تنديدًا بالنواب الذين انقلبوا على ناخبيهم وصوّتوا لمرشح "ولاية الفقيه" نجيب ميقاتي، وقد رفعت لائحة دوّنت عليها أسماء النواب الأحد العشر الذين خانوا ناخبيهم وفي مقدمتهم "وليد جنبلاط" وقد عنونت بـ"لائحة العار". وقد انتهى المشهد الجماهيري الغاضب الى الاتفاق على اعتصام المنظمات الشبابية لقوى 14 آذار أمام ضريح الرئيس الحريري في ساحة الشهداء يوميًا، ابتداءً من السادسة مساءً مستعيدًا حركة 14 آذار 2005.
ففي اليوم الثاني على التوالي، لكن على نطاق أوسع من اليوم الأول، تجمّع مئات من الشباب والطلاب المؤيدين لقوى 14 آذار، من السادسة إلى الثامنة والنصف مساء، أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت، تلبية لنداء أصدرته المنظمات الشبابية لهذه القوى، حضّ على التعبير عن رفض إنهاء المحكمة الدولية و"هيمنة حزب الله على الدولة، وعودة الوصاية السورية"، ودعم مواقف رئيس حكومة تصريف الأعمال "سعد الحريري"، ولاقاهم عدد من النواب شدّدوا في كلماتهم على "مواجهة الإنقلاب بوسائل ديموقراطية".
وكانت "المنظمات الشبابية وكوادر قوى 14 آذار" وجّهت من الأمانة العامة لهذه القوى في الأشرفية نداء إلى اللبنانيين، جاء فيه: "من أجل مواجهة تنصيب مرشد أعلى للجمهورية اللبنانية. من أجل الحفاظ على الجمهورية ضدّ إرهاب السلاح. من أجل استرداد الإنتخابات المسروقة. من أجل تحقيق دولة الاستقلال. ورفضًا لعودة الوصاية السورية ورموزها. ورفضًا لولاية فقيه في لبنان. ندعوكم اليوم، ندعو كلَّ حريصٍ على الديمقراطية وكلَّ ضنينٍ بالحرية، وكلَّ رافضٍ للشمولية إلى الدفاع عن الجمهورية والميثاق والسيادة".
"(...)اليوم، من أجل تحرير لبنان من هيمنة الحزب الواحد، ومشاريع الديكتاتورية المستترة. من أجل تثبيت العدالة والسيادة والاستقلال. من أجل لبنان الدولة لا الدويلة. من أجل لبنان العدالة. ندعوكم إلى العودة إلى ساحة الشهداء، ساحة الحرية. لقد دقّت ساعة الإرادات والعزائم، فيا شعب لبنان، لنكن هذا المساء في الساعة السادسة على قدر الإمتحان بجانب رفيق الحريري، وسمير قصير، وجبران التويني، وبيار الجميّل، ووليد عيدو، وأنطوان غانم، وجورج حاوي، ووسام عيد، وفرنسوا الحاج، وباسل فليحان".
وختم البيان: "لنعلنها صراحة: لا لإلغاء المحكمة الدولية، لا لفرض نظامٍ أمنيّ على الدولة اللبنانية، لا لهيمنة حزب الله على الدولة، لا لعودة الوصاية السورية، نعم للدولة فقط، نعم للمحكمة وللعدالة، لن يمرّوا. لن يمرّوا. لن يمرّوا. عودوا إلى الساحة لنبدأ ونستمرّ".
على الصعيد الدولي، لم تُقِم الدول العظمى الدنيا وتُقعدها على إمساك "الحزب" بالرئاسات الثلاث، وجاء مواقفها هادئة إلى حد ما، فقد صرحت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون": "سيكون لوجود حكومة يهيمن عليها حزب الله أثر واضح على علاقاتنا الثنائية مع لبنان". وأضافت: "إن واشنطن تتابع التحركات لتأليف حكومة جديدة في لبنان بعد تكليف نجيب ميقاتي تأليفها، ونحن نراقب ما تفعله هذه الحكومة الجديدة، وسنحكم عليها تبعًا لذلك". واتهمت الحزب بمحاولة تخريب العدالة قبل الإعلان المتوقع لاتهامات للحزب في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني سابقًا رفيق الحريري.
وفي باريس، أعرب الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو عن "قلق بلاده على الاستقرار داخل لبنان". وسئل عن الموقف الفرنسي من حكومة يقودها "حزب الله" فأجاب: "من المبكر البحث في هذا الموضوع ... إننا نتحدّث عن مستقبل قريب أو بعيد، اسمحوا للبنانيين بالإجابة عن هذا السؤال... ما نأمل فيه هو أن يعربوا عن ذلك ضمن الأطر والمبادىء التي أعربت عنها".
أما إقليميًا، شهد يوم 25/1/2011 الإعلان عن الانطلاقة الرسمية للثورة المصرية في دولة يشكل نظامها حاجزًا متينًا في وجه تمدّد "ولاية الفقيه" في المنطقة، وذلك بعد دعوة أطلقها عدد من الناشطين السياسيين والحقوقيين المصريين إلى تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية واسعة في مصر في ذلك التاريخ، ضد "التعذيب والفقر والفساد" (دون التعرض الى موضوع إسقاط النظام)، وذلك بالتزامن مع الاحتفال الرسمي الذي تنظمه الدولة بمناسبة عيد الشرطة.
وفي الوقت نفسه، انتشرت دعوات عديدة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايس بوك" (مثل صفحة "كلنا خالد سعيد التي يديرها الشاب "وائل غنيم" والتي جمعت أكثر من مئة ألف مشارك) وموقع "تويتر"، تدعو المصريين إلى النزول الى الشارع للمطالبة بحقوقهم في الحرية والديمقراطية، وتوصيل رسالة إلى العالم بأن الملايين غير راضين عن أوضاع بلادهم. وكذلك وجهت "حركة شباب 6 أبريل"، الدعوة إلى الشباب من مختلف التيارات السياسية وجميع أطياف الشعب المصري للمشاركة في التظاهرات المليونية.
وقد تمّ الإعلان عن عدّة مطالب لهذه الاحتجاجات، منها: عدم ترشيح رئيس جمهورية مصر الحالي "حسني مبارك" ونجله "جمال" في الانتخابات المقبلة (المقررة في أيلول2011)، وإقالة الحكومة، وتشكيل حكومة وفاق وطني، وحل مجلسَي الشعب والشورى، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، فضلاً عن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ممّن ليس عليهم أحكام جنائية، ومحاكمة كل رموز الفساد والمستفيدين منه، إضافة إلى إلغاء قانون الطوارئ، وإجراء تعديل فوري في المواد المعيبة في الدستور المصري مثل المواد 66 و67 و5 و88 و179 لضمان انتخابات رئاسة حرّة، إلى جانب توفير حد أدنى من الأجور (1200 جنيه) لضمان حياة كريمة للمصريين.
انتهى يوم تكليف الرئيس "نحيب ميقاتي" تأليف حكومة الانقلابيين المطلوبين للعدالة الدولية، ودخل اليوم الأول لجولة الرئيس المكلّف على رؤساء الوزراء السابقين، مفتتحًا مرحلة سياسية جديدة يكتنفها الغموض، عبّر عنها كُثُر في فريقَي 8 آذار و14 آذار، من حيث كونها صفحة تطوي ما قبلها لترتسم عبرها ملامح الحكومة الجديدة والمسار الذي سيسلكه مجمل الوضع الداخلي في ظلّها.
ومع أن اللقاء الخاطف الذي جمع في بيت الوسط، للمرة الأولى بعد تكليف "ميقاتي"، رئيس الحكومة المكلّف ورئيس حكومة تصريف الأعمال "سعد الحريري"، اختصر بوجومه الظاهر -حيث لم تلتق في خلاله نظرات الرجُلين قط، وبمدّته السريعة التي استغرقت ثلاث دقائق فقط- اختصر ذيول التطورات الأخيرة وتداعياتها ومضاعفاتها، وخصوصًا على مستوى الطائفة السنيّة، خرج رئيس الحكومة السابق "عمر كرامي" عن صمته لدى إستقباله رئيس الحكومة المكلف "نجيب ميقاتي" في إطار زياراته البروتوكولية، وفضح أكاذيب أمين عام "حزب ولاية الفقيه" "حسن نصرالله"!
فقد علّق "كرامي" في 26/1/2011 على المؤتمر الصحافي لـ"نصرالله" مساء الأحد 23/1/2011، الذي قال فيه الأخير إن "كرامي" طلب منه اعفاءه من التكليف نظرًا لحالته الصحيّة وتقدّمه بالسن، وذلك تبريرًا لاستبداله بـ"ميقاتي"، قائلاً:" استمعت للسيد حسن في الخطاب الذي رثاني فيه، واليوم أنا أمامكم وأستشهد بكم كإعلاميين، أنا أمامكم فهل ترونني مريضًا؟! ولكن على كل حال، نحن لآخر نَفَس في خدمة هذا البلد". فهل يتّعظ من يتبرعون بأن يكونوا في خدمة "حزب ولاية الفقيه" من تجربة "عمر كرامي"، فيعلمون أن باستطاعة الحزب استغلال المرء ثم رميه، ثم السعي الى تبرير ذلك بأكاذيب جاهزة وعمليات تضليل إعلامي وقلب للحقائق؟
وبدوره، كان جنرال الرابية يفضح "الوسطية" أو "التوافقية" التي يزعمها "ميقاتي"، فقد قال على أثر الاجتماع البروتوكولي الذي جمعهما: "نحن رشّحناه، وهي المرة الأولى التي نرشّح فيها رئيسًا للحكومة ويُكلَّف، إذ في المرات السابقة كانت لدينا تحفّظات ولكن مع الرئيس ميقاتي لم نتحفّظ أبدًا".
في المقابل اتخذت الأمانة العامة لقوى 14 آذار موقفًا متشددًا من التطورات الأخيرة، فأعلنت أنه "لا يمكن قوى 14 آذار المشاركة في هذه الحكومة بعدما نفذ حزب الله مستقويًا بسلاحه انقلابًا موصوفًا". وأعلنت "انطلاق المرحلة بعنوانَين رئيسيَين: دعم المحكمة الدولية ونزع السلاح من طول البلاد وعرضها"، داعية الى "تجمّع سلمي كل مساء حول ضريح الرئيس رفيق الحريري". وقد باشرت المنظمات الطالبية سلسلة تحضيرات ليستمر الاعتصام المسائي اليومي وتتوسّع المشاركة فيه تدريجًا، على أن يبلغ أوجه في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط المقبل.
مضى اليوم الأول لقلب المعادلة السياسية في البلاد رسميًا (26 كانون الثاني)، وسط مفارقة سياسية بالغة الدلالة؛ فمع أن الفريق الانقلابي دأب بشكل مستمر في معرض خطابه الدعائي والتخويني على اتهام قوى 14 آذار بأنها تنفذ الأجندة الأميركية في لبنان، وأن راعيها وداعمها الأساسي هو أميركا، لم نجد الأخيرة لدى الإطاحة بالحكومة اللبنانية التي يرأسها "سعد الحريري" ومحاولة اغتياله سياسيًا وعزل قوى 14 آذار، لم نجد أميركا تُرسِل قوّاتها إلى بيروت لترهيب "الحزب الإيراني" وبقية حلفائه. لم تُصدر بيانًا تهدِّد فيه سوريا بأن عليها منع تأليف حكومة لا تكون برئاسة "سعد الحريري". لم تصدر تحذيرًا فعّالاً وتنفّذ خطوات عملية تمنع الفريق الانقلابي من القيام بما قام به. لم يتصل "أوباما" بالرئيس "نجيب ميقاتي" ويطلب منه سحب ترشحه وإلا سُحبت منه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، أو قُطِع الاتصال به، أو وُضِع اسمه على لائحة الإرهاب. لم تمارس "هيلاري كلينتون" ضغطًا على السعودية لكي تُصدر موقفًا مسبقًا رافضًا لأي رئيس للحكومة غير "سعد الحريري"...كل ذلك لم يحدث، فَحُقَّ لقوى 14 آذار أن تسأل هي الفريق الانقلابي: ما هو السبب الفعلي الذي يجعل دولاً مثل السعودية ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، غير قادرة على هزم سوريا في لبنان؟ هل لأن سوريا تحظى بدعم اللوبي الصهيوني الذي يعتبر نظام "الأسد" جزءا لا يتجزّأ من أمنه القومي، وهو الذي حال دون مضي الجمهوريين في عهد الرئيس الأميركي "بوش" الابن في معركة إسقاط النظام والاكتفاء بطلب تغيير سلوكه فقط؟ وما هو السبب الذي يجعل دولة محاصَرة ظاهريًا في العالم مثل إيران، توسِّع نفوذها في لبنان والمنطقة، وتحقِّق توحُّدًا شيعيًا غير مسبوق حول قيادة "نصر الله" وحلفائه، وتتسلّم لبنان بكافة مفاصله؟
سلّمت الولايات المتحدة بوصول "حزب ولاية الفقيه" الى السلطة، فصرّحت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" في 26/1/2011 أنه: " يعود الى اللبنانيين وليس الى سواهم أن يقرِّروا مصير بلادهم". وكذلك فعلت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة الوزيرة "سوزان رايس"، فرغم اتهامها "الحزب" وسوريا باستخدام "الترهيب والإكراه لإيصال الوضع الى ما هو عليه الآن في لبنان"، إلا أنها سارعت لإعلان تسليمها بما حدث، فحضّت على "تأليف حكومة تلتزم إنهاء الإفلات من العقاب"، داعية الى وقف "التدخّل غير المناسب" في الشؤون الداخلية اللبنانية.
أما الديبلوماسية الفرنسية، فكانت قبيل تسمية "ميقاتي" تُواصِل مشاوراتها مع الحلفاء لعقد اجتماع تشارك فيه الى فرنسا، الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وقطر وتركيا، لبحث الوضع في لبنان، إلا أن وزير الخارجية القطري "حمد بن جاسم" صرّح في 27/1/2011 بعد لقائه "ساركوزي": "أن الاجتماع الذي تنوي باريس عقده لا يقدِّم أي شيء". ودعا الرئيس الفرنسي الى "إلغائه واستبداله باجتماع لدعم الاستقرار في لبنان والمنطقة". فأُلغي الاجتماع فعلاً بجهود قطرية غير مفهومة!!
وفيما يتعلّق بالموقف الإسرائيلي، رأت صحيفة الـ"جيروزاليم بوست" في 26/1/2011 أن:" في وصول حزب الله نافذة فرصة لإسرائيل ومن شأنها أن ترغم الحزب على أن يكون أكثر تقييدا".
ومن جهتها، حاولت في اليوم نفسه صحيفة "هآرتس" قلب الحقائق معتبرة أن: "رئيس الحكومة المكلّف في لبنان نجيب ميقاتي ليس ممثلاً لحزب الله ولا لإيران بطبيعة الحال، ولكنه صديق شخصي حميم للرئيس السوري بشار الأسد"! الأمر الذي جعلنا نتساءل ما إذا كانت صداقة المقاوم والممانع الكبير "بشار الأسد" تشكل عامل اطمئنان وأمان لإسرائيل دولة وشعبًا؟!! وأشارت الصحيفة الاسرائيلية إلى أنّ ميقاتي، وفي حال أقدم على خطوة قطع علاقة لبنان بالمحكمة الدولية، "علماً أنه لم يؤكدها لغاية تاريخه، سيكون قادرَا على تبريرها بالقول أنّ سعد الحريري نفسه كان موافقًا على تجاهل المحكمة الدولية، تحت ظروف معيّنة". وخَلُصَت الصحيفة الإسرائيلية إلى أنّ لبنان لن يصبح فجأة "إيرانياً" أكثر مما كان قبل يومين ولكنه قد يصبح "سوريًا" أكثر وهنا التغيير الجوهري، فسوريا لا تريد أن تسيطر إيران على منطقة نفوذها.
وهكذا، ما لبث أن تبيّن للملأ بعد أيام قليلة على وصول "نجيب ميقاتي" الى سدة رئاسة الحكومة، أن الأخير لم يأت الى السلطة بتكليف من سوريا وإيران وحسب، بل بتفهّم وعلم وتوافق دولي وإقليمي. كما تبيّن أن "ميقاتي" ما كان ليُقدِم على خطوة القبول بالترشح لترؤس الحكومة لو لم يكن لديه معطياته الإقليمية والدولية الى جانب العوامل المحلية التي شجعته على ذلك، والتي أوحت إليه بأنها ستكون بمثابة المظلة لأي حكومة يشكِّلها، وقد أتى هذا التشجيع تحت حجة الرغبة بالحفاظ على استقرار لبنان والحؤول دون دخوله في الفراغ ومن ثم الفوضى، وهذا الأمر بالتأكيد شكل عنصرًا مساعدًا ومشجعًا للرئيس "ميقاتي" وللخطوة الإنقلابية التي أوصلته الى السلطة.
إقليميًا، لفت الانتباه خبر غريب أوردته وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية، فقد أفادت في 26/1/2011، أن "متدرّبين للبحرية على متن سفن حربية إيرانية أُرسِلوا في بعثة تدريبية لمدة سنة عبر خليج عدن الى البحر الأحمر ومنه الى البحر المتوسط عبر قناة السويس". وكان هذا الخبر مثيرًا لدهشة المراقبين، فعلاقة القاهرة بإيران متوترة منذ أكثر من 32 سنة، وبالتالي لا يمكن للنظام المصري الذي لم يهتز بعد أمام غضب الثوّار، ولا يزال ممسكًا بزمام الأمور، لا يمكن أن يسمح بذلك العبور، علمًا أنها لم تعبر سفن حربية إيرانية القناة منذ عام 1979، تاريخ قيام "الثورة الخمينية" في إيران وقطع العلاقات مع هذا البلد...الأمر الذي فسّره البعض على أن نظام "مبارك" فعلاً يعيش أيامه الأخيرة، وأن إقدام إيران على هذه الخطوة يدل على أنها على دراية بما ينتظر مصر، وينم ربما أيضًا عن تنسيق مع أميركا، بما يقوِّي نفوذ وشوكة إيران ومشروعها التقسيمي والتوسعي في المنطقة.
انتهى اليوم الأول من الاستشارات مع الكُتل النيابية التي أجراها رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي لوضع تصوّر لشكل الحكومة العتيدة، والتي شملت الجانب الأكبر من الكتل والنواب، انتهت إلى معطيات لم تنطو على مفاجآت حقيقية، فإن الخلاصة الكبيرة الرئيسية للاستشارات تمثّلت في تثبيت خروج قوى 14 آذار من السلطة الإجرائية وانتقالها الى ضفة المعارضة. وبذلك بات على رئيس الوزراء المكلف أن يشرع عمليًا في وضع صيغ تجريبية لمشروع التركيبة الحكومية العتيدة التي سيقتصر التمثيل السياسي فيها على قوى 8 آذار وحلفائها ممن أيّدوا تكليف ميقاتي، الى وزراء تكنوقراط.
ففيما اتسمت مواقف الكتل المتحالفة مع "ميقاتي" عمومًا بالمرونة وتأكيد الرغبة في تسهيل مهمته، مع التشديد بالتأكيد على معادلة "الثالوث الأخبث" المتمثّل بـ"الجيش والشعب والمقاومة"، انتهى اللقاء بين ميقاتي والوفد المصغّر لكتلة " المستقبل" برئاسة "السنيورة"، إلى أسئلة صريحة ومحدّدة وواضحة، علّقت عليها الكتلة مصير مشاركتها في الحكومة التي ستكون رهنًا بتعهد ميقاتي الالتزام بها وإدارجها في البيان الوزاري. وهي بحسب النص الذي تلاه الرئيس "فؤاد السنيورة": "أولا: هل تلتزم بعدم الموافقة على: طلب فكّ التزام لبنان المحكمة الخاصة بلبنان بما في ذلك طلب وقف تمويلها. وطلب سحب القضاة اللبنانيين. وطلب إلغاء مذكرات التفاهم التي وقّعها لبنان مع الأمم المتحدة، أو طلب تجميد المحكمة الخاصة بلبنان. وهل تلتزم عدم إدراج أي من هذه المواضيع على جدول أعمال مجلس الوزراء، وكذلك عدم الموافقة على أي مشروع أو اقتراح قانون بذلك؟
ثانيًا: هل تلتزم وضع خطة زمنية لجمع السلاح الموجه إلى صدور الناس من كل الأراضي اللبنانية ومن كل الأطراف، عدا سلاح المقاومة المواجه لإسرائيل والذي يجب أن يكون من ضمن إستراتيجية دفاعية يلتزمها اللبنانيون؟" (...)ثالثًا: هل تلتزم تنفيذ مقرّرات طاولة الحوار وفقًا لجدول زمني محدود، ولا سيما نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات من المعسكرات المنتشرة على الأراضي والحدود اللبنانية السورية، ومعالجة أمر السلاح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية؟".
لم يمض هذا اليوم دون فضيحة جديدة تصيب "وسطية" الرئيس ميقاتي" المزعومة في الصميم، فقد ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في 27كانون الثاني2011، أن الرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي هو من كبار مموّلي صحيفة "الأخبار" المقربة من "حزب الله". ودأبت صحيفة "الأخبار"، منذ صدورها على شن هجومات متتالية، على الرئيس "سعد الحريري" وعلى فريق الرابع عشر من آذار، وعلى البطريركية المارونية، وعلى المحكمة الخاصة بلبنان. كما تولّت هذه الصحيفة مهمّة المس، بأساليب غير مسبوقة في عالم الصحافة، بالرئيس "سعد الحريري" وبمنزله، فيما أفردت بابًا أسبوعيًا لشتم الصحافيين الذين لا يوالون "حزب ولاية الفقيه". وقد أخفى "ميقاتي"، كما صحيفة "الأخبار"،هذه الصلة التمويلية، التي تجعل منه من كبار حملة أسهمها.
بعد مشاورات ميقاتي مع الكتل النيابية، دخل لبنان في حالة مراوحة وانتظار للتشكيلة الحكومية التي سيعلن عنها رئيس حكومة الانقلابييين والمطلوبين للعدالة الدولية، كما هُمِّشت لأحداث السياسية اللبنانية التي احتلّت مكانها أخبار "الربيع العربي" والثورات التي اشتعلت أو تنذر بالاشتعال في بعض البلدان العربية.
وفي هذا الإطار، كان الثامن والعشرون من كانون الثاني 2011، يومًا مصريًا بامتياز، حيث دخل نظام "حسني مبارك" في مأزق كبير، مع تيقنه تخلّي حليفه الأول (أميركا) عنه وشعوره أنها غدرت به بعدما كانت تقدم له كل الدعم لتيسير مصالحها في المرحلة المنصرمة، ولمس "مبارك" ذلك في عدم تلقّيه الدعم على الصعيد الدولي، بل تعرّض لضغوطات تهدف الى منع استخدام العنف مع المتظاهرين. فعلى أثر خروج مئات آلاف الى شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس وغيرها من كبرى مدن مصر، مُتَحَدِّين النظام الذي يحكم قبضته على البلاد منذ 30 سنة، رافعين شعارات تطالب برحيله، وهم يطلقون هتافات تندد برئيسه "حسني مبارك"، في يوم غضب سالت فيه الدماء في أكثر من شارع مصري، ولم تسلم مبان حكومية وحزبية من التخريب والحرق والنهب، ومع قطع السلطات خدمات الانترنت وتضييقها على الاتصالات الهاتفية، وممارستها إجراءات قمع للمتظارهرين، أعرب "البيت الأبيض" الأميركي عن "قلقه العميق" تجاه أحداث مصر، وأعلن الرئيس الأميركي "باراك أوباما" عن أن "الوقت قد حان ليقوم الرئيس المصري حسني مبارك بإجراء إصلاحات سياسية جذرية في بلاده"، داعيًا الى "عدم ممارسة العنف ضد المتظاهرين".
فهم النظام المصري النوايا الأميركية وما تسعى الى تحقيقه في المنطقة؛ ففيما كانت الفوضى تدب في أماكن عدة من القاهرة، وخصوصًا بعد إحراق مقر "الحزب الوطني الحاكم" وامتداد النيران الى مبنى مجاور، ثم ما تعرّض له المتحف الوطني المجاور أيضًا من عمليات نهب قبل أن يتولى عدد من الفنانين المصريين فرض طوق حوله قبل أن تصل قوّة من الجيش لحراسته.... ظهر الرئيس "مبارك" في ساعة متأخرة من ليل "جمعة الغضب" 28/1/2011، من على شاشات التلفزيون المصري، معلنًا أنه أقال الحكومة، وأنه سيؤلّف حكومة جديدة غدًا للتعامل مع أولويات المرحلة المقبلة، متعهدًا "خطوات جديدة" على طريق الإصلاح. وحذّر من أن مصر يجب أن تعي ما يدور حولها من أمثلة لعدم الإستقرار.
وفيما كانت الاضطرابات تعم المدن المصرية، كانت الانظار تتجه الى واشنطن لاستطلاع الموقف الأميركي من التطورات الجارية في أكبر دولة عربية حليفة للولايات المتحدة وترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل. لكن الإدارة الأميركية كرّرت بكلمات أشد حزمًا دعوتها النظام المصري الى الإسراع في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تستجيب لمطالب المتظاهرين.
وفي ظل صمت رسمي استمر ساعات، استرعى الانتباه إعلان واشنطن أن رئيس الأركان المصري الفريق "سامي عنان" الذي كان يزور الولايات المتحدة لإجراء محادثات دورية مع نظرائه الأميركيين، قطع زيارته وعاد الى القاهرة، وتزامنت عودته مع ظهور "مبارك" لتوجيه كلمته الى الشعب، فضلاً عن انتشار كثيف للجيش في الأماكن الحساسة من العاصمة وخصوصًا مباني التلفزيون والبرلمان ومجلس الوزراء.
وقد شهد هذا اليوم "الثوري" بامتياز، رواج شائعات داخل سوريا وخارجها أن الإنترنت قُطع في سوريا أسوة بما حدث في مصر. وكان هذا الخبر مستغربًا بعض الشيء ولكن سارًا في الوقت نفسه، لأن سوريا لم تشهد حتى الآن بوادر ثورة شعبية فلا علامات فيها على وجود حالة غليان في الشارع، ورواج مثل هذه الشائعات يعني أن هناك شيء ولو ضئيل وغير مؤكّد من بوادر ثورة تلوح في الأفق. وقد سارعت الحكومة السورية الى نفي أن يكون هناك أي انقطاع لشبكة الإنترنت في أنحاء البلاد.
بيد أن ما وصف بالشائعات حول قطع الإنترنت في سوريا بدأ يتأكد شيئًا فشيئًا في اليوم التالي، مع كشف صحيفة ""الفيغارو" الفرنسية في 29/1/2011، أن عسكريًا متقاعدًا أحرق نفسه في "الحسكة"، في شمال سوريا. ولكن تلك الحادثة أحيطت بالكتمان، كالعادة. وأضافت الصحيفة (في مقال بتوقيع جورج مالبرونو): "في سوريا، لا يجد المرء علامات على وجود حالة غليان في الشارع. مع ذلك، وفي الكواليس، فإن النظام يبدو قلقًا، وينم سلوكه عن تعجّل غير مألوف من جانب سلطة اعتادت أن تأخذ وقتها قبل إظهار رد فعلها على التطوّرات.
وتتابع الصحيفة أنه "ولتهدئة الشعب، قرّر الرئيس بشّار الأسد زيادة لـ"مخصصات المازوت"، كما أنشأ على وجه السرعة صندوقًا للتأمينات الاجتماعية تستفيد منه 420 ألف عائلة، وخفّض الضرائب على السلع الغذائية لرفع القدرة الشرائية لدى المواطنين، لكن الشعب يريد الحرية قبل الطعام.
أما في الخفاء، فقد كثرت الإجتماعات بين الرئيس السوري وقادة أجهزة المخابرات، الذين أُبلغوا ما فحواه: "ليس واردًا أن نسمح بخروج الوضع عن السيطرة. أظهِرُوا وجودكم في كل مكان. ينبغي ألا يتصوّر السوريون أن بوسعهم أن يقوموا بأي شيء"!.
وبغية تأطير المجتمع المدني، استقبل الأسد كبار رجال الدين، وجميع رؤساء اتحادات العمال، والطلاب، والمهن الحرة، المسموحة في نظام البعث. وهذا، علاوة على "مثقفي" حلب، وهي مدينة ميّالة إلى التمرّد. ويقول أحد المحلّلين أن "كل هذا النشاط من جانب السلطة السورية يثير الدهشة، لأنه لا يوجد ما يؤشّر إلى استعداد الشارع السوري للتحرُّك".
في الدولة الحليفة لسوريا، والتي تشكل معها "محور الشر"، إيران، كانت تسجّل بوادر إعادة انطلاق "الثورة الخضراء" التي قمعها النظام الدموي للولي الفقيه؛ فقد قارن زعيم المعارضة الإيرانية "مير حسين موسوي" بين موجة التظاهرات في تونس ومصر وما شهدته إيران بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009، معتبرًا أن هذه الأحداث يمكن أن تؤثر في مستقبل الشرق الاوسط". ولاحظ أنه "تم قطع الشبكة الاجتماعية والصحافة والانترنت (في مصر) بالطريقة نفسها لما حصل في إيران)، وسُجن المتظاهرون". وعزا غضب المتظاهرين في شوارع المدن العربية الى "أكبر قدر من انعدام الفاعلية والفساد على الصعيد الحكومي".
لبنانيًا، كانت المؤشارات تدل الى أن الرئيس المكلف "نجيب ميقاتي" يتّجه الى الإتيان بحكومة اللون الواحد التي بدأ أفرقاء 8 آذار يتقاسمون حصصها في ما بينهم على رغم إعلان "ميقاتي" أنه في صدد الاتيان بـ"حكومة تكنوقراط مطعمة". وبدا أن رئيس الجمهورية العماد "ميشال سليمان" يستعد للتسليم بحكومة اللون الواحد من خلال ما صدر عن الاجتماع التشاوري بينه وبين الرئيس "ميقاتي". لكن التطور الأبرز جاء في البيان الصادر عن الرئيس "سعد الحريري" في 29/1/2011، الذي كشف أن خروجه من السلطة "جاء محصلة لأمر عمليات خارجي تم الإعداد له منذ أشهر ونفذ بأدوات محلية".
أثبت "الحريري" أنه كان مقيّدًا بالأغلال الغليظة والثقيلة أثناء وجوده على رأس حكومة سميّت زورًا بـ"حكومة الوحدة الوطنية"، فإصراره على أن يكون رئيسًا لحكومة كل لبنان فضلا عن "مراعاة" بعض الدول مثل السعودية وسوريا في بعض المسائل السياسية، كل ذلك كان يحول دون تعبيره عن قناعاته السيادية بحرية وهو ما انعكس ضعفًا لدى الفريق الاستقلالي وانتهى بإخراجه من السلطة.
فبعدما أجرى مشاورات موسّعة شملت قيادات الرابع عشر من آذار وشخصيات وفاعليات اقتصادية وشعبية، وترأس اجتماعًا للمكتب السياسي لـ"تيار المستقبل" صدر عن الرئيس سعد الحريري بيان جاء فيه: "سبق أن أعلنّا بعد الاستشارات النيابية، أن ما قبل الإستشارات شيء وما بعدها شيء آخر. ويبدو أن هناك لدى البعض من لا يريد أن يتعامل مع هذا الإعلان، وأن يبني على ما أعلن من هنا ومن هناك حول التسوية وما أعد فيها من أوراق(...)"، "إن كل ما يتصل بما سمي الـ س-س أصبح من الماضي، ولا وجود له في قاموس سعد الحريري أو قاموس تيار "المستقبل"، وأي بناء على ما قيل وتردّد ونشر وزوِّر أو حُرِّف أو اقتطعت اقتطاع اجزاءً منه، هو في حكم المنتهي وغير موجود، فليس هناك من ورقة أو بنود تتصل بعمل المحكمة الدولية وعلاقتها بالدولة اللبنانية، صُودِقَ عليها أو وُقِّعت". واعتبر "أن التطورات التي رافقت الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية جاءت على خلفية مخطط مدروس وضغوط خارجية شديدة الشراسة، استهدفت تغيير قوانين اللعبة الديموقراطية على صورة ما جرى عام 2004 من تمديد لرئيس الجمهورية(...). إن خروجنا من السلطة ليس وليد اللحظة التي أعلنت فيها نتائج الاستشارات النيابية، بل هو جاء محصلة لأمر عمليات خارجي، جرى الإعداد له منذ أشهر، وعملوا على تنفيذه بأدوات محليّة. وقد كنّا على بيّنة من تفاصيل أمر العمليات هذا، وتعاملنا معه منذ اللحظة الأولى، باعتباره تعبيرًا عن محاولة محكمة للعودة بعقارب الساعة الى الوراء، وفرض رؤساء الحكومات وسائر الرئاسات بقوة التدخل الخارجي والترهيب الداخلي".
وأكد البيان "أن تيار المستقبل يجد نفسه الآن في موقعه الطبيعي، أي في خط الدفاع الأول عن النظام الديموقراطي، وهو الموقع الذي اختاره الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1998 ثم عام 2004 – 2005". وشدّد على "أن الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما الشهداء الابرار (في 14 شباط المقبل) ستكون، كما في كل عام، مناسبة لوحدة اللبنانيين حول قضية العدالة والحقيقة، ورفض الجريمة السياسية المنظمة".
وفي سياق متصل، وتأكيدًا للإيحاءات الإسرائيلية التي أظهرت في مرحلة الاستشارات النيابية تأييدًا لمرشح قوى 8آذار وطعنًا بالفريق الاستقلالي والرئيس الحريري، إعتبر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ في 29/1/2011، أنّه: "بالنسبة لإسرائيل، فإنها يجب أن تكون سعيدة بالوضع الجديد الناشئ في لبنان، والذي تحول فيه نصر الله من زعيم جهادي إلى زعيم مسؤول عن الدولة، كما حدث مع حركة "حماس" في غزة". مع أنه منذ انتهاء مسرحية تموز2006، لم يطلق "الحزب" رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل.
الثلاثون من كانون الثاني، كان اليوم السادس للانتفاضة الشعبية في مصر، وعلى رغم كل الإجراءات القمعية والأمنية، كانت أعداد المتظاهرين لا تزال تحتشد في القاهرة، والإسكندرية، والسويس، ومدن أخرى، مطالبة بتغيير النظام، ليقابل ذلك اشتداد الضغوط الأميركية على "مبارك" من أجل "انتقال منظم" للسلطة.
ففي واشنطن، وفي مؤشّر لكون واشنطن باتت مقتنعة بأن حقبة الرئيس مبارك قد انتهت عمليا وأن التحدي الآن هو معالجة عملية الانتقال الى قيادة جديدة، دعت وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" الحكومة المصرية الى وجوب البدء "بعملية انتقالية منظّمة وسلميّة الى نظام ديموقراطي... يلبّي الحاجات الشرعية للشعب المصري". وكرّرت: "لقد كنا واضحين جدًا أننا نريد عملية انتقالية الى الديموقراطية... ونحن نريد أن نرى ذلك النوع من الخطوات التي تؤدّي الى ذلك. نريد عملية انتقالية سلمية".
وفي تطوّر خطير ذي صلة لبنانية-مصرية مشتركة، أفاد مصدر أمني مصري، أن آلاف السجناء تمكّنوا من الفرار بعد تمرّد في سجن "وادي النطرون" على الطريق الصحراوي بين القاهرة والاسكندرية، والذي يضم عددًا كبيرًا من الإسلاميين المحتجزين فيه منذ سنوات، إضافة الى بعض السجناء الجنائيين، من أخطرهم على الإطلاق أفراد "خلية حزب ولاية الفقيه" الإرهابية، اكتشفتها أجهزة الأمن المصرية في أواخر العام 2008 والتي جنّدها الحزب للقيام بعمليات تخريبية عدائية تمس بالأمن القومي المصري. وأوضح المصدر، أن السجناء البالغ عددهم عدة آلاف قاموا بتمرّد وتمكّنوا جميعًا من الفرار بعد أن استولوا على أسلحة رجال الأمن. وقد عرفت هذه الخلية باسم "خلية سامي شهاب"، نسبة الى قائدها "محمد يوسف منصور"، الذي دخل الأراضي المصرية باسم "سامي شهاب" (لإخفاء شهرته الشيعية "منصور" باستعمال شهرة سنية ومسيحية "شهاب")، وذلك من خلال جواز سفر مزور رسميًا، أعطي له من قبل جهاز الأمن العام اللبناني الخاضع لسيطرة الحزب الإيراني! وقد حكم عليه القضاء المصري بالسجن مدة 15 عامًا.
وبينما تواجه الدول العربية تغييرات جذرية، أقرّ الرئيس السوري "بشار الأسد" في مقابلة نشرتها في 31/1/2011 صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركية، بأن الشرق الأوسط "مريض" نتيجة عقود من الركود. وقال الأسد إن "عقودًا من الركود السياسي والاقتصادي، ووجود زعماء من ذوي إيديولوجيات ضعيفة، والتدخل الأجنبي، والحروب، أدت الى استياء الشارع في تونس ومصر. ولفت الخبير الهيدرولوجي بشار الأسد إلى أن "المياه الآسنة تسبب التلوث والجراثيم، ولأن هذا الركود استمر عقودًا فقد أصابتنا الجراثيم. إن ما ترونه الآن في هذه المنطقة هو نوع من المرض". لكن بالتأكيد بالنسبة للديكتاتور السوري سوريا بألف خير، فهو إذ رأى أن التغيير في المنطقة لم يبدأ بالأحداث في تونس ومصر بل بالثورة الإيرانية، أكّد أن الوضع في سوريا "مستقر"، لأنه "قريب جداً" من شعبه وتطلعاته ومواقفه العقائدية.
وفي ما يتعلق بلبنان، أبدى "الأسد" "ارتياحه" الى كون "الانتقال بين الحكومتَين حصل بسلاسة، لأننا كنا قلقين". وكشف أنه والعاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" كانا على وشك التوصل إلى اتفاق نهائي عندما أبلغه الأخير أن التسوية التي كانا يعملان عليها لم تنجح، و"حتى هذه اللحظة لا نعلم ما حدث بالضبط". وأشار إلى أن دولاً عدة تدعم "حزب الله"، وأن مصيره مرتبط بعملية السلام وليس بإيران.
وقد انتهى هذا الشهر المثقل والمتخم بأحداث كافية لملء عام بكامله، انتهى لبنانيًا على وقع حديث صحفي للنائب "وليد جنبلاط"، فهو إذ أكّد على وجوب "أن نعطي الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الفرصة لتشكيل حكومته كما يشاء". حاول تبرير انعطافته الأخيرة قائلاً: "لن أدخل في سجال مع الشيخ سعد الحريري، لأن هذا ليس مناسبًا، ولكن كان يمكن أن يقوم بتلك التسوية وربما الظروف منعته، وعندما رأيت ان باب التسوية أُغلق كان لا بد من هذه الانعطافة، أو بالأحرى كان لا بد من ترجمة تلك الانعطافة لمصلحة ميقاتي".
وعن تصريح الرئيس سعد الحريري أخيرًا وشعوره بالخيانة من حلفائه السابقين، أجاب: "فليعذرني الرئيس الحريري، ما من أحد يدوم. الشعور بالخيانة والاغتيال السياسي كلمات ذات طابع عاطفي. في النهاية هو اليوم خارج الحكومة، وغدًا قد يعود. هذه هي اللعبة السياسية في الأنظمة الديموقراطية، وهذه ليست نهاية العالم، الأفضل أن نتعلّم دروس الجغرافيا السياسية، والجغرافيا السياسية تعني العلاقات المميزة مع سوريا وفق اتفاق الطائف، والعدو هو اسرائيل(...). قد يقصدني، لا بأس، لن أدخل في سجال معه". وأضاف محاولاً قلب الحقائق وتلميع صورة ميقاتي: "لا يحق له (الحريري) أيضًا، إذا صح التعبير، أن يستخدم العبارات نفسها تجاه الرئيس نجيب ميقاتي، الذي له حيثية سياسية مستقلة في لبنان، وليس كما يقال في الإعلام الغربي الغبي، خصوصًا الأميركي والفرنسي، أن نجيب ميقاتي هو مرشح ولاية الفقيه. هذا ضرب من الجنون السياسي، أو ضرب من الخيال السياسي". وعن مستقبل العلاقة مع الحريري قال: "كنّا أصدقاء على المستوى الشخصي، واليوم اختلفنا سياسيًّا، وأتمنى ألا يلغي الخلاف السياسي الصداقة الشخصية".
شباط 2011.. العدوى التونسية تنتشر في العالم العربي
شهر شباط في جدول أعمال الاستقلاليين السنوي، يعني إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقة وسائر شهداء ثورة الأرز.
بدأ هذا الشهر، مع تسرّب النشاط ذو الطابع الثوري على "الفايسبوك" إلى سوريا، وذلك في تطوّر لافت أكّد أن ثمّة محاولات خجولة لحراك شعبي في هذا البلد الذي يخضع لحكم بعثي "أسدي" حديدي قمعي شمولي استبدادي إرهابي مجرم، منذ نحو أربعة عقود. فقد دعت مجموعة في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الى "يوم غضب" بعد صلاة يوم الجمعة الموافق للرابع من شباط 2011، في المدن السورية، ويوم آخر السبت. وجاء في "بيان الثورة السورية لـ"يوم الغضب": "بعد صلاة الجمعة، الرابع من شباط هو أول أيام الغضب للشعب السوري الأبي". وانضم أكثر من 2500 شخص إلى هذه الصفحة خلال يومَين، في مقابل 850 في صفحة تدعم "الأسد". ويُذكر أن "فايسبوك" محظور في سوريا، الأمر الذي يجعل الدعوة إلى التظاهر من خلاله أصعب مما كانت في تونس ومصر. فهل يمكن أن يفعلها الشعب السوري فينتفض لحريّته وكرامته؟!
لبنانيًا، لا يزال الوضع السياسي في حالة مراوحة. فالحكومة لم تشكَّل بعد، 14 آذار ترفض المشاركة ما لم يبدِّد ميقاتي مخاوفها ويجيب على أسئلتها ويتعهّد التعاون الكامل مع المحكمة الدولية وتسديد كافة التزامات الدولة اللبنانية تجاهها، فضلاً عن أن عملية إيصال رئيس الوزراء المكلف كانت غير ديموقراطية بل تخلّلها ضغوط وتهديد وترهيب. ويأتي هذا الموقف الاستقلالي، في حين كان الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، يُكرِّر أن هناك شقًا دوليًا في مسألة المحكمة "لا يمكن أن نفعل شيئًا إزاءه، أي لا يمكن إلغاؤها، والشق الداخلي يتطلّب إجماعًا وطنيًا"، وذلك في محاولة منه لتطمين قوى 14 آذار، إلا أن محاولاته الكلامية لم تنجح لسبب جوهري بديهي بسيط، وهو أن تكليفه تشكيل الحكومة جاء على أثر انقلاب مسلّح بقناع ديقمراطي دستوري ردًا على تمسّك الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار بالمحكمة الدولية، وميقاتي أعجز من أن يخالف قرارات المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية الذي عيّنه في منصب الرئاسة الثالثة.
وكتلخيص سريع للوضع السياسي، قال رئيس الهيئة التنفيذية لـ"حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع أن " الأكثرية الجديدة بالنسبة الى قوى 14 آذار هي سوريا وحزب الله وتعني عهد الوصاية". وإذ شدّد على أن "كل قوى 14 آذار لن تشارك في الحكومة العتيدة في حال لم تتم الاستجابة لمخاوفها، وسوف تلاحق سير عملها كي لا يعود الوضع الى ما كان عليه بين 1990 و 2005"، نفى رغبة الفريق الآخر في "تشكيل حكومة وحدة وطنية على خلفية التصريحات التي أطلقها بدءًا من الرئيس بشار الأسد وصولاً الى نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، وجلّ ما يريدونه هو سحب طرف من قوى 14 آذار ليتحججوا به ويجاهروا بأن حكومتهم هي حكومة وحدة وطنية".
في المقابل، بدا وكأن قوى 8 آذار نصّبت الجنرال ميشال عون رأس حربة في تبليغ الرسائل السياسية إلى الفريق الاستقلالي، بل والتفاوض الشكلي مع ميقاتي، وذلك في محاولة لتخفيف اللون الطائفي الفاقع للانقلاب ومنفّذيه. وفي هذا الصدد، قال الجنرال المعروف بلباقته العالية في الكلام والتزامه دائمًا بآداب الحوار: "أعتقد أن الحكم أصبح ثقيلاً عليهم، فـليَحِلُّوا عنَّا، إذ إن تضييع الوقت غير جيد". وإذ دعا الى "النظر في ما يحصل في مصر"، سأل: "هل يرون (14 آذار) كيف أن الأنظمة التي تساعدهم تنهار؟ إن الأنظمة الكرتونية لا تستند الى قواعد شعبية، ونأمل أن يُحقِّق الشعب المصري هدفه، وسوف يسقط هذا النظام، ولكن ليس هو فقط".
يجب ألا يبتهج أنصار سوريا وطهران في لبنان بآخر أخبار تونس ومصر، وقبلهما وبعدهما السودان واليمن والأردن. فالبقية تأتي والانتفاضات تعدي الشعوب كالأوبئة سواء أخفقت أم نجحت، والرهان على خنقها في المهد، كما كان يحصل في العقود الماضية، غير مضمون دائمًا. وإذا كان نظام الرئيس "مبارك" داعمًا لحرية وسيادة واستقلال لبنان، فلا يعني ذلك أنه إذا ما انهار سيستبدل بنظام معادٍ لتلك الثوابت الوطنية. كلا، بل قوى 8 آذار يجب أن تكون قلقة على الوضع في سوريا التي إذا ما قرر شعبها أن ينتفض لحريته وكرامته، فسيصاب محور الشر بضربة قاسمة تقطع "الهلال الشيعي" من وسطه، وتنعكس كارثة حقيقية على الحزب الإيراني في لبنان. أما "سلاسة انتقال السلطة" في لبنان التي نوّه بها الرئيس "بشار الأسد"، فقد يُسأل عنها في سوريا. والمشهد نفسه لا يستبعد تكرّره في إيران.
وأما دول الخليج العربي التي يُقال بأن لها مصلحة في حصر موجة التغيير بالجناح الأفريقي من العالم العربي لئلا تصل إليها، فقد لا تكون في منأى من وباء الديموقراطية ورياح التغيير، لأن الإصلاحات مطلوبة منها هي أيضًا.
في الثالث من شباط، برز إعلان عضو المجلس السياسي في "حزب ولاية الفقيه" "محمود قماطي" من بيروت، أن رئيس خلية "حزب ولاية الفقيه" في مصر "محمد يوسف منصور" المعروف بـ"سامي شهاب"، والذي كان موقوفًا لدى السلطات المصرية، "فرّ من السجن وهو الآن في مكان آمن".
لم تُسَجَّل في سوريا أية تظاهرات في الرابع من شباط 2011 استجابة للدعوة إلى تنظيمها في هذا اليوم كانت قد أُطلقت عبر موقع الـ"فايس بوك". غير أن الوضع على الصعيد المصري كان حافلاً.
ففي اليوم الحادي عشر من حركة الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة في مصر، والموافق ليوم الجمعة 4 شباط2011، أطلّت الأفعى الإيرانية برأسها لتنفث سمّها في الجسد المصري، فبرز إعلان السلطات الإيرانية من رأس هَرَمِها "دعمها للمطالب المشروعة للمتظاهرين في مصر الذين يتجمعون بالآلاف في ميدان التحرير في القاهرة للمطالبة بتنحّي مبارك"، وذلك في خطبة باللغة العربية لمرشد الجمهورية الإيرانية "علي خامنئي".
لم يقف "المرشد الأعلى" في تدخله السافر بالشؤون المصرية الداخلية عند هذا الحد من الوقاحة، بل تابع كلامه التحريضي متهمًا الرئيس المصري "حسني مبارك" بأنه "خادم للصهاينة والولايات المتحدة"، معتبرًا أن مصر "كانت لمدة ثلاثين عامًا بين يدي عدو للحرية (...) خادم للصهاينة". وأكد أن مبارك "عليه أن يعرف أن اليوم الذي يهرب فيه وإن شاء الله سيحدث ذلك قريبًا، سيكون الأميركيون أول من يدير ظهره له وأوّل مَن يغلق الباب في وجهه، كما فعلوا مع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وشاه إيران السابق محمد رضا بهلوي".
هذا، وتابع "الولي الفقيه" توجيهاته مستخدمًا هذه المرة أسلوب قلب الحقائق، فأشار إلى أن انتفاضة كل من مصر وتونس ستكون إيذانًا بهزيمة منكرة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قائلاً: "إذا تمكَّن (المحتجون) من المضي قُدُمًا في هذا، فإن ما سيحدث في السياسات الأميركية في المنطقة سيكون هزيمة منكرة لأميركا"!
في تلك الخطبة كشف "الولي الفقيه" جزءًا من قناع "التقيّة" الذي يتستَّر خلفه لدى إعلانه عن مواقف إيران من مختلف القضايا الحسّاسة في المنطقة، مثل الصراع العربي-الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، والخلاف العقائدي السني-الشيعي... فمجاهرته الصريحة بضرورة إسقاط "مبارك" ونظامه وتحريضه على ذلك... ليسا من قبيل الدعم للحرية والديموقراطية المفقودتَين أصلاً في نظام "الملالي" الصفوي الذي يُعتَبَر أشد صرامة من نظام مبارك بأشواط كبيرة، ولا في الرغبة بالتخلّص من نظام لا يُخفي تحالفه مع أميركا وسلامه مع إسرائل -قبل أن تتدهور علاقته بهما في السنوات الأخيرة- على عكس نظام "ولاية الفقيه" الذي يبطن ذلك التحالف والسلام متبعًا سياسة التقية والتضليل مع شعبه وشعوب المنطقة، وإنما غاية إيران الكبرى من دعم الحراك الشعبي المصري هي التخلص من مصر المناوئة لنظام طهران، طامعة في أن يفتح لها سقوط النظام المصري الباب واسعًا أمام تمدُّد الامبراطورية الفارسية، وتوسُّع نفوذها، نظرًا للأهمية الجغرافية والسياسية لمصر.
بيد أن محاولة "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية" خطْف الحركة المصرية للديمقراطية والحرية، لم تكن ناجحة (الى الآن على الأقل) بالرغم من تعمُّد الخطيب الإيراني التحوُّل من اللغة الفارسية الى اللغة العربية في خطبة أتت على شكل تعليمات فظّة وواضحة بشكل مثير للاستغراب، وجَّهَهَا الى الجيش المصري وعلماء ورجال الدين ومتظاهرين، ممنِّيًا نفسه بـ"شرق أوسط إسلامي" عاصمته طهران. ذلك، أن ما تفوّه به ذلك "المرشد" أحرج عمليًا "الإخوان المسلمين" أكبر المعارضين لنظام "مبارك" أكثر مما ساعدهم، كما أثار خطابه موجة اعتراض شديدة على جميع المستويات، وكانت المفاجئة الأولى في الردّ المصري الشعبي للشباب المحتج في "ميدان التحرير" الذي ارتفعت هتافاته ضد إيران في اليومين التاليَين بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية المصرية.
المفاجئة التالية جاءت من رجال الدين المسلمين تحديداً. فمن جهته طالب شيخ الأزهر "أحمد الطيِّب"، الشباب المتظاهرين الحفاظ على الدين والسنّة النبوية، كما حذّر "الطيِّب" الشباب من إثارة مشاعر واللعب بعواطفهم عبر الفتاوى الدينية التي صدرت بالأمس القريب من مرجعيات فقهية دعت فيها إلى فتنة أجمع المسلمون كافة على تأثيم كل من يدعو لها"، غامزًا من قناة "الخامنئي". وأدان "الطيِّب" صراحة "السياسات الإيرانية التي تستخدم مرجعياتها الدينية العليا التي تتناقض مع مبادئ الإسلام، وتخرج خروجًا سافرًا على صريح القرآن والسنّة وإجماع الأمة".
أما "جماعة الأخوان المسلمين" نفسها، فرغم تأييدها للسياسة الإيرانية الهدَّامة في المنطقة، اضطرت محرجة -وربما تقية!- الى استنكار كلام "خامنئي"، فسرعان ما أدلى مرشدها العام "محمد بديع" بتصريح لصحيفة "دير شبيغل" الألمانية قال فيه: "إنّ جماعة الإخوان المسلمين يعتبرون الثورة ثورة جميع أبناء الشعب المصري وليس الثورة الإسلامية، لأن من شاركوا بها هم مسلمون ومسيحيون بكل الاتجاهات والآراء والميول السياسية المختلفة... وليعلم خامنئي أنه ونظرًا لأن جميع فئات الشعب من المسلمين والمسيحيين شاركوا في التظاهرات فإن ثورة مصر ثورة شعبية وليست إسلامية".
أما أكثر الردود القاسية فكان مصدرها من رأس هرم السياسة الخارجية المصرية، وعلى لسان وزير الخارجيَّة المصري "أحمد أبو الغيط"، الذي انتَقَد بشدة حديث "مرشد الثورة الإيرانيَّة" واصفًا كلام "خامنئي" بأنه "يكشف عن مكنون ما يعتمل في صدر النظام الإيراني من أحقاد تجاه مصر ومواقفها السياسيّة، حيث شكَّلت دعوة الخامنئي تخطيًا لكافة الخطوط الحمراء في تناول الشأن المصري". وختم "أبو الغيط" رده على "خامنئي"، متوعّدًا بأنّ "اللحظة العصيبة لإيران لم تأت بعد، وسوف نشاهد تلك اللحظة بالكثير من الترقب والاهتمام". ولعل ذلك التصريح المشرِّف والحازم والذي ينمّ عن فهم دقيق للمشروع الإيراني وأبعاد الغطرسة الإيرانية في المنطقة، لعله التصريح الأخير الصادر عن السياسة الخارجية الصائبة خصوصًا حيال إيران والتابعة لنظام الرئيس المصري "حسني مبارك"، وهو السلوك المطلوب تغييره أميركيًا على ما يبدو، وما قد نفتقده في مرحلة ما بعد ذلك النظام.
بعيدًا عن الساحة المصرية، وفي تطوّر مفاجئ يُنذر بحراك شعبي شيعي يتحضّر في المملكة العربية السعودية، دعا في 6/2/2011، القطب الشيعي السعودي البارز الشيخ "حسن عبد الهادي بوخمسين" الحكومات العربية إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية على وجه السرعة لئلا تواجه أوضاعًا شبيهة بالمشهدين التونسي والمصري. وشدَّد في كلمة له في جموع المصلين في جامع الإمام الباقر بمدينة الهفوف في شرق السعودية، على حاجة السعودية إلى إصلاحات "عميقة وواسعة" في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعلّل دعوته قائلاً: "كي لا يبقى أحد يشعر بنوع من الضيم أو الظلم الذي يؤدي إلى الاحتقان ومن ثم عدم الاستقرار".
من جهته، وسيرًا على خطى مرشده في إيران، كان المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، حسن نصر الله، يلقي خطابًا في مهرجان حزبي حاشد نظّمه "حزب ولاية الفقيه" في السابع من شباط للتضامن مع "الثورة المصرية".
انتظرت قيادة "حزب ولاية الفقيه" نحو أسبوعين لتُفصِح عن دعمها المطلق لـ"الثورة المصرية"، واعتبرت على لسان أمينها العام وتلطيفًا لخطاب خامنئي السابق، أن " العالم أمام ثورة شعبية حقيقية مصرية وطنية، يشارك فيها المسيحيون والمسلمون وتيارات مدنية وفكرية متنوّعة وكل فئات الشعب، والعنصر الغالب عليها هو عنصر الشباب". وإذ نبّه نصر الله إلى أن "الأميركيين يحاولون استيعاب الثورة وركوب موجتها، مُحاولاً التحذير من أميركا التي أعلنت نواياها وموقفها صراحة من الثورة المصرية ليُخفي وينفي نوايا حزبه وإيران الشريرة المبيّتة، قال في الشأن التونسي، قال نصر الله: "إن من أسوأ التهم التي سمعناها وسمعناها أيضًا في ثورة تونس، أن الثورة هي صنيعة الإدارة الأميركية، وأنها هي التي حركت هؤلاء الشباب وحرضتهم، عادًا هذه الاتهامات "ظلم كبير"، قائلاً: "أي إنسان عربي أو مسلم أو حر يفكر بهذا تجاه شباب تونس أو مصر، يوجه إهانة لعقول وإرادات هذه الشعوب". والسؤال المحيِّر هنا: ماذا لو قامت ثورة شعبية في سوريا أو إيران، هل سينزهها نصر الله عن التدخل الأميركي، أم سيعتبرها مؤامرة، فـ"يوجِّه إهانة لعقول وإرادات" هذين الشعبَين؟!
وختم خطاب التقيّة متوجهًا الى الشعب المصري ومخاطبًا ثوّار مصر: "إن انتصاركم سيغيّر وجه منطقتنا بالكامل لمصلحة شعوبها كافة وخاصة في فلسطين (...)، أنتم تخوضون اليوم معركة الكرامة العربية، وإن ما قمتم به حتى اليوم لا يقل أهمية عن الصمود التاريخي للمقاومة اللبنانية في حرب تموز عام 2006 وللصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية في حرب غزة عام 2008. وأكد وضع كل الإمكانات بتصرف مصر وشبابها وقال:"ليتنا نستطيع أن نكون معكم، ويشهد الله أنني أتلهف لو أستطيع أن أكون معكم لأقدّم دمي وروحي كأيّ شاب في مصر من أجل هذه الأهداف الشريفة والنبــلة".
على الصعيد السوداني، أُعلِنَت نتائج الاستفتاء على الانفصال في 7/2/2011، وكما كان متوقّعًا، اختار 99٫57 في المئة من سكان جنوب السودان الانفصال عن الشمال، في الاستفتاء الذي كان هدفه انهاء أكثر من عقدين من الحرب الأهلية لتعم الاحتفالات جوبا عاصمة الجنوب، على أن يعترف بالدولة الأفريقية الـ54 والدولة الـ193 في الأمم المتحدة مع انضماماها إلى نادي الدول في 9 تموز.
ومن المتوقع أن يشكّل نجاح ذلك الاستفتاء بالنسبة للسياسة الصهيو-أميركية التقسيمية، نموذجًا مبهرًا بالنسبة للأقليات المضطهدة، أو التي تراودها أحلام تأسيس كيانات خاصة بها في المنطقة، وبارقة أمل ستُدَغْدِغ مشاعرها وتستفز عصبيّتها للمطالبة باستفتاءات مماثلة في البلدان التي تنوي الانفصال عنها تحت شعار "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، حيث يُستفتى فقط سكان المنطقة المطالبة بالانفصال لا الدولة المعنية بكاملها!
وبالعودة إلى الشأن اللبناني الداخلي، فقد أعلن الرئيس أمين الجميل في 7/2/2011 باسم القوى الاستقلالية، وصول المشاورات في شأن مشاركة قوى 14آذار في الحكومة الجديدة إلى طريق مسدود، قائلاً أنه "على رغم حسن نيّة الرئيس المكلف، فُرِضَت عليه من فريق 8 آذار شروط تعجيزية تتناقض وضرورات المشاركة في هذه الظروف الصعبة". وقال إن "المفاوضات وصلت الى طريق مسدود"، مضيفًا: "ستبقى يدنا ممدودة ولا يمكننا القول بأن الأبواب مغلقة في السياسة". وحذر من "السير بحكومة آحادية تفرض رأيها على الجميع وتعطل دور رئيسي الجمهورية والحكومة".
وفيما التهبت في المقابل حمى الاستيزار لدى فريق 8 آذار الذي بات استئثاره بالحكومة في حكم المنتهي، انصرف فريق 14 آذار الى الإعداد لذكرى 14 شباط، لتكون فاتحة تحوُّله الى موقع المعارضة الجديدة.
تخيّم علينا ذكرى الرابع عشر من شباط هذا العام، وقد أصيبت "ثورة الأرز" بانتكاسة كبرى، تمثلّت بنجاح الانقلاب الأسود الذي حوّل بأساليبه الميليشيوية الأكثرية أقلية، فأسقط الحكومة وأوصل مرشح سوريا وإيران الى سدّة الرئاسة الثالثة.
وفي هذا السياق، كانت الاتصالات تتلاحق داخل قوى 14 آذار كي لا تكون الذكرى السادسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط حدثًا يتيمًا، نظرًا الى دقة المرحلة وقسوة المواجهة المفروضة على الواقع السياسي، مع بروز فكرة لتنظيم لقاء سياسي ضخم وجامع في 14 شباط في مجمع "البيال" يكون بداية لتحركات تصاعدية تبلغ ذروتها في تظاهرة كبرى في ساحة الحرية يوم 14 آذار.
إعداد قوى 14 آذار لإحياء "ذكرى شهداء ثورة الأرز" في 14 شباط المقبل لم يشبه السنوات الماضية، بل رمت من خلاله أن لا يقتصر المهرجان على الذكرى السادسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل تضمينه إلى ذلك الرسالة السياسية التي ستطلقها هذه القوى في شأن وحدة مكوناتها ومُضيِّها في تأكيد ثوابتها وخصوصًا بعد التطورات الأخيرة، ولا سيّما منها رسالة الرئيس سعد الحريري، التي يُنتظَر أن تشكِّل انعطافة بارزة، مع عرضه بصراحة لكل ما جرى منذ توليه رئاسة الحكومة، مع إطلاقه مواقف مهمّة للغاية إيذانًا بانتقاله و"تيار المستقبل" وقوى 14 آذار موحّدة الى المعارضة، ليكون ما بعد الاثنين 14 شباط مختلفًا تمامًا عما قبله.
ويُرَكِّز هذا الفريق في حملته التعبيوية الشعبية، على أن الغدر السياسي الذي تعرض له الرئيس سعد الحريري وخط 14آذار لن يتوقّف عند حدود العودة الى الإمساك بالسلطة التنفيذية، بل سيتطور تدريجًا الى العودة بالبلاد الى زمن ما قبل 2005 وممارسات نظام الوصاية بكل أشكاله ومكوّناته، وأن شعار الشهيد سمير قصير "عودوا الى الشارع أيها الرفاق" هو الأفضل لهذه المرحلة، لاستيعاب تداعياتها والاستعداد لما سيجري مستقبلاً. ولا بد تاليًا من التعامل مع الوضع على قاعدة استيعاب تداعيات المرحلة والتصدي لما جرى من هجمة على 14 آذار وخسارتها للأكثرية النيابية، بالانتقال الى المعارضة الفاعلة على غرار ما فعلت قوى 8 آذار على مدى السنين الخمس الماضية، إنما من خلال المؤسسات لمنع تكرار تجربة المسيحيين عام 1990 حين اعتمدوا شعار المقاطعة لمؤسسات الدولة وللانتخابات النيابية المتتالية، فكان أن أصبح المسيحيون خارج الدولة وخارج الفعل السياسي، واستُعيض عن قواهم التمثيلية الرئيسية بشخصيات لا تتمتع بتمثيل وازن، وسارت الأمور على هذا المنوال 15 عامًا.
في العاشر من شباط، وقبل 4 أيام من مهرجان "البيال"، استطاع الرئيس سعد الحريري وضع ثوابت 14 آذار في مرمى الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي من خلال مقررات "القمة السنية"، والتي تبقى ترجمتها رهنًا بالتزام ميقاتي الجاد بها، وهو أمر مستبعد نظرًا للكيفية التي أتى بها، والجهة التي ستتحكّم بضبط إيقاع الحكومة العتيدة ووضع جدول أعمالها.
وعلى أي حال، أثارت "القمة السنية" التي انعقدت في دار الفتوى مجموعة مفاجآت بدا من الصعب التكهّن بانعكاساتها على مسار تأليف الحكومة الجديدة؛ ذلك أن هذه القمة التي جمعت الأقطاب السياسيين والدينيين للطائفة السنيّة للمرة الأولى منذ عام 1983-يوم انعقدت "قمة عرمون" بدعوة من المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد- أسفرت عن بيان شكّل في مضمونه السياسي المتصل بالتطورات الأخيرة تبنيًا لا جدل فيه لموقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وحتى لمُجمَل أدبيات قوى 14 آذار وثوابتها، وخصوصًا في الجوانب المتصلة بالمحكمة الخاصة بلبنان، والسلاح غير الشرعي، وملابسات "الانقلاب" على الأكثرية النيابية بوسائل غير ديموقراطية. وإذ عُدَّ البيان من هذه الناحية مكسبًا سياسيًا كبيرًا للحريري بعد "إقصائه" عن رئاسة الحكومة لمصلحة ميقاتي، برزت المفاجأة الثانية في حضور رئيس الوزراء المكلَّف الاجتماع وموافقته على البيان الذي صدر عنه على رغم تحفظّات له عن "القراءة السياسية" التي تضمَّنها.
ولم تقف المفاجأة عند هذا الحد، بل شملت الجانب الشخصي، مع قيام ميقاتي بزيارة للحريري في "بيت الوسط" بناء على رغبة الثاني في ما بدا تعويضا لـ"اللقاء الواجم" الذي جمعهما غداة تكليف الأول.
واعتبر المراقبون أن موازين الربح والخسارة في القمة تمثّلت بالتالي: ميقاتي كسب من "القمة السنية" تجاوزها ملابسات التكليف واعترافها برئيس الوزراء المكلَّف، في مقابل تسليمه ولو بتحفُّظ ببعض مواقفها. وفي المقابل، كسبت القوى الاستقلالية بموافقة ميقاتي على البيان "تحصينًا استباقيًا" نظريًا لموقع رئاسة الحكومة بما يملي على شاغلها الجديد التزام ثوابت الطائفة، أو تحمُّل تبعة الخروج عليها والإخلال بها.
والواقع أن الشق الأكثر أهمية في البيان تمثل في تناوله "المجريات الراهنة"، إذ أبرز "تجاوزات السنوات الست الماضية التي تتضمّن خروجًا متكرِّرًا على قواعد النظام السياسي، بدءًا بأسلوب التعامل مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهداء الآخرين، مرورًا بالتراجع عن إجماعات الحوار الوطني، واجتياح بيروت بعد حصار للحكومة وإقفال لمجلس النواب، وما حدث أخيرًا من تعطيل مبرمج لعمل حكومة الوحدة الوطنية ثم إسقاطها". ولفت الى "أن الاقصاء والظروف المحيطة بالتكليف فيهما الكثير من التجاوز والإخلال والتجاهل لإرادة الناخبين والتعدّي على خياراتهم"، محذِّرًا من أن أي "تخلٍّ سافر أو مضمَر في برنامج عمل الحكومة المنوي تشكيلها عن التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يُشعِر أهالي الشهداء والغالبية من اللبنانيين بالغلبة والقهر والتشفّي والاستفزاز والتخلي عن حقهم في العدالة". كما ندّد بـ"الإصرار على الترهيب بالسلاح واستخدامه فعلا في العمل السياسي للتعطيل أو للسيطرة".
العاشر من شباط في اليمن لم يكن أقل أهمية منه في لبنان، فقد شهد هذا اليوم الانطلاقة الرسمية للثورة اليمنية لإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وقد انطلقت تظاهرات مطالبة بالتغيير في عدة مدن يمنية متعهّدة الاستمرار حتى تحقيق هدفها.
أما مصر، فقد كانت على موعد مع يوم تاريخي مشهود في الحادي عشر من شباط2011، فقد نجحت بعد 18 يومًا الثورة التي أطلق شرارتها شباب مصر في ميدان التحرير بوسط القاهرة في 25 كانون الثاني الماضي، نجحت في طي صفحة الرئيس حسني مبارك الذي وجد نفسه مضطراً الى التنحي بعد 30 سنة أمضاها في الحكم ليصير، بعد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، ثاني زعيم عربي تطيحه ثورة شعبية. وتوجه الرئيس السابق مع أسرته الى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر.
وفي التفاصيل، أنه في ذلك اليوم التاريخي، الذي وافق تاريخه الذكرى 32 لـ"لثورة الخمينية" في إيران بما ترمز وتمثّل، خرجت الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء الجمهورية، تساندهما جحافل "الإخوان"، وظلوا يهتفون بسقوط النظام طوال النهار. لم يكن أمام "حسني مبارك" في مواجه "الإخوان المسلمين" والهجوم الأميركي الذي اشتد عنفًا في ذلك اليوم "المجيد" مصريًا وإيرانيًا، إلا اتخاذ قرار التنحي عن الحكم والرّحيل.
ففي اليوم الثامن عشر للتظاهرات المصرية، أعلن "عمر سليمان" نائب الرئيس المصري إنه: "في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرّر الرئيس مبارك تخليه عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد".
وفور إعلان "سليمان" قرار تنحي "مبارك" عن السلطة، اشتعل "ميدان التحرير" وسط القاهرة بهتافات الفرح من قبل المتظاهرين الذي يحتشدون فيه. واحتفلت مصر، و"إمارة غزة الإسلامية"، وإيران، و"حزب ولاية الفقيه"، وجميع المنظمات الإسلامية الدائرة في الفلك الإيراني، برحيل الرئيس "حسني مبارك"، ذلك الانتصار الساحق الذي حقّقته الانتفاضة التي بدأت شبابية تعددية صادقة، ثارت على الظلم وقمع الحريات وطالبت بالإصلاحات الدستورية، قبل أن يخطفها "الإخوان" من داخل معسكر "ميدان التحرير" بعدما دخلوا فيها متأخرين. وقد سقط خلال "ثورة 25 يناير" أكثر من ستة آلاف جريح وقرابة 850 قتيلاً، قضى بعضهم برصاص بنادق "لايز" لا تملكها الشرطة المصرية ولم تكشف الى اليوم هوية "الطابور الخامس" الذي استخدمها!!
انهار حكم الرئيس المصري "حسني مبارك" في ذكرى "الثورة الإيرانية". وخَلُص الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في كلمة ألقاها في الاحتفال قبل إعلان تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، الى أن "التحرك الأخير بدأ. إننا في وسط ثورة عالمية يقودها الإمام المهدي. صحوة ضخمة تحصل، ويمكن رؤية يد الإمام فيها".
ومع إعلان التنحي، بثّ التلفزيون الرسمي الإيراني خبر استقالة "مبارك" تحت عنوان "بين ثورتَين: إيران 1979 ومصر 2011". وعرضت الشاشة المقسومة إلى نصفَين وسط طهران صور الاحتجاجات ضد "مبارك" في القاهرة والاحتجاجات ضد الشاه في طهران قبل ثلاثة عقود، مع تمرير مقاطع من خطب ألقاها كل من الرئيس المصري والشاه الإيراني فيما كانا يحاولان التمسّك بالسلطة في أيامهما الأخيرة! إنها عيون إيران تحدق بمصر، إيران الخمينية الي تريد استرجاع ملكًا تظنّه لها منذ تأسيس القاهرة والجامع الأزهر في عهد العبيديين (الفاطميين)، وذراعها في هذه العمليّة رهانها على "الإخوان المسلمين" والدعم الأميركي. فهل ستكمل الرياح جريانها كما تهوى السفن الإيرانية، أم أن الإخوان سيتخلّون عن إيران إذا ما صدقت التحليلات بتسليمهم المنطقة استبدالاً للخيار الإيراني؟!
صبيحة اليوم التالي على تنحي "مبارك"، حيّا الرئيس الأميركي "باراك أوباما" "شعب مصر الذي أدّت انتفاضته الى طرد الرئيس حسني مبارك من السلطة"، وقال "أوباما" في خطاب رسمي من "البيت الابيض" بعد ساعات على استقالة "مبارك" وتسليمه السلطة الى الجيش: "إن شعب مصر قال كلمته وأسمع صوته، ومصر لن تعود أبدًا كما كانت". ودعا الجيش الى ضمان عملية انتقالية "تتصف بالصدقية" الى الديموقراطية.
رد الجيش المصري التحية الأميركية بأحسن منها، فصرّح "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الذي تولّى السلطة في مصر بعد تنحي الرئيس السابق "حسني مبارك" في البلاغ رقم 4، انه "يتطلع الى الانتقال السلمي للسلطة الذي يسمح بتولّي سلطة مدنية منتخبة لبناء الدولة الديموقراطية الحديثة"، وأكّد "التزام جمهورية مصر بكافة الالتزامات والمعاهدات الإقليمية والدولية"، في إشارة خصوصًا الى معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية المبرمة في العام 1979، وهي المعاهدة التي لو لم يكن الجيش ومن سيأتي بعده قادرًا على صيانتها، لما قامت الثورة وجرى التخلي عن "مبارك". وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"عن "الترحيب بتأكيد الجيش المصري على احترام مصر اتفاق السلام مع اسرائيل".
قد يكون التحليل التبسيطي الذي يحصر الانتفاضات الشعبية بالعامل الاقتصادي المتردّي وقمع الحريات، منطبقًا الى حد ما على بعض البلدان أو أحدها ممن شهد تلك الثورات، كـ"تونس" على وجه الحصر والتحديد، ولكنه بالتأكيد ليس كافيًا أو لا ينطبق سوى جزئيًا على بلدان أخرى شهدت تظاهرات وثورات سواء في شمال إفريقيا أو غيرها، ولعل ثورة مصر (25 يناير) أوضح نموذج يمكن أن نمثّل به على أن ما يحصل ليس بتلك البساطة والعفوية؛ وإلا، فلماذا اليوم؟! وماذا يعني تخلي أميركا وإسرائيل عن أهم حليف لهما في المنطقة العربية بهذه البساطة، ومنذ الأيام الأولى لانطلاقة التحركات الشعبية؟! لا بل كيف يمكن لأميركا أن تخاطر بدعمها الثورة المصرية بضغوط دولية صريحة مارستها على النظام المستهدف، ولا سيما أننا نتحدث عن ثورة تجري في بلد مكون من 85 مليون نسمة، تربطه بإسرائيل معاهدة سلام واتفاقيات اقتصادية متعلقة بمصادر الطاقة، فضلا عن حدود طويلة شاسعة واسعة، كان من الممكن جدًا أن يهتز أمنها مستغلا الاضطراب والاستنفار الأمني الذي واكب الثورة، ومعرّضًا الأمن القومي الإسرائيلي للخطر؟! وهل يمكن لأميركا أن تضحي بمصالحها ومصالح إسرائيل فقط لصالح إحلال الديموقراطية في مصر؟!
لا نريد ولا نسمح لأنفسنا، أن نطعن في قدرات ووطنية هذه الشعوب المنتفضة على نفسها وعلى حكامها، والتي استطاعت أن تثور وأن تسقط أنظمة لطالما عانت من تسلطها، بل نهنّئ هذه الشعوب على استعادتها حريتها، ولكننا دائمًا يجب أن ندرس الحدث من كافة جوانبه ونتعرف إلى خلفياته وأهدافه وأبعاده، لكي نستطيع أن نحكم عليه بموضوعية غير متأثرة بالعواطف الجياشة، ونتفادى الوقوع في النظرة السطحية والتبسيطية التي يعمد البعض الى تعميمها عن حسن أو سوء نية. كما يجب أن لا يفوت جميع الثوار، أن معيار نجاح الثورة ليس إسقاط الحاكم الظالم وحسب، وإنما يضاف إليها أيضًا طبيعة المرحلة الجديدة التي ستنتقل إليها البلاد، وهذا تحد كبير يُِؤمل من تلك الشعوب الحرة أن تتنبّه له وتنجح في تخطيه موصلة بلادها الى بر الأمان.
وهنا تجدر الإشارة الى أن درب الحرية قد لا يكون معبّدًا بالضرورة، وحسبنا أن نتذكّر عدد الضحايا التي سقطت في "الثورة الفرنسية"، والفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها قبل أن تنجح في تحقيق أهدافها. أضف ألى ذلك أنه عندما تساقطت الأنظمة في أوروبا الشرقية بعد انهيار الشيوعية على وقع المطالبة بالحرية والديموقراطية، لم تظهر نتيجة تلك "الفوضى الخلاقة" هناك الى الآن بعد مرور أكثر من 20 عامًا! وإذا نتأمّلنا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول مثل بولونيا وبلغاريا وسلوفاكيا وتشيكيا والمجر...أدركنا ذلك، كما تكفي معاينة حجم التزوير والفساد لإدراك حجم الخيبة عند الذين توهّموا في تلك الدول وفي ذلك الحين أن الانتقال من الديكتاتورية والقمع الى الديموقراطية والبحبوحة مجرد رحلة ممتعة. وتبقى ألمور بخواتيمها والآمال معقودة على وعي الثوار.
لبنانيًا، كان الرئيس عمر كرامي يروي حقيقة طرح اسمه لرئاسة الحكومة والغاية منها، ويفضح النفاق السياسي الذي ينتهجه "حزب ولاية الفقيه"، فقد قال في حديث إلى قناة "الجديد": "كما فعلوا معي يفعلون مع ابني فيصل، فطرح اسم فيصل هو للحرق، كما كان طرح اسمي طبعًا لحرقه، ونحن لم نطلب توزير فيصل ولم يُطرَح علينا الأمر من قبل"، موضحاً أنَّه "في حال عُرض الأمر من قبل ميقاتي، فسيُدرَس بحسب الظروف".
الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري التي أحيتها قوى 14 آذار في "اليبال"، كانت يوم التألُّق لنجله سعد الحريري، ربما لأنه تحرّر من السلطة كما قال في خطابه.
ففي الرابع عشر من شباط 2011، تقاطرت جماهير "ثورة الأرز" المحتقنة بالخيبة بعد سنوات من الإحباطات، الى مجمّع "اليبال" الذي ضاق بها فلم يستوعب الحشود التي كانت اعتادت في مثل اليوم الاحتشاد في "ساحة الحرية"، فجاءها الوعد الاستقلالي بتظاهرة مليونية حاشدة مقرّرة في 14 آذار، لإعادة انتاج المشهد المليوني عام 2005، ومحاولة تكرار مفاعيله. وقد خرجت الجماهير من المهرجان أكثر ثقة بالنفس والأيام الآتية، بفعل الخطاب المتكامل والمركّز على التمسُّك بالمحكمة بلا هوادة. تولَّت التقديم في الاحتفال، الإعلامية جيزيل خوري بمداخلات لافتة ومعبّرة، وعُرِضَت أشرطة عن الشهداء ومقابلات مع عائلاتهم على شاشة ضخمة تصدّرت القاعة، وبُثت ترانيم للفنانة تانيا قسيس والفنان محمد الشعار أشاعت الخشوع مقدِّمة للحماسة.
وفي إطلالته العامة الأولى منذ إسقاط حكومته وكل ما رافقها من احتدام وجدل وتغييرات سياسية جذرية في البلاد، استوعب رئيس حكومة تصريف الأعمال "الانقلاب" الذي تعرض له مع حلفائه في قوى 14 آذار، فألقى خطابًا عالي النبرة نابضًا بالعزم، ومتميزًا بصراحة نادرة على المنابر، ووضوح موقف. وبتعابير "ولا أقوى"، دشّن حقبة جديدة من الحياة السياسية بإعلانه الانتقال الى المعارضة و"العودة الى الجذور" أي الى زمن انتفاضة ربيع 2005، التي كان مطلوبًا منه التخلي عنها ورَفَضَ.
كشف الحريري أن مبادرة "السين – سين" كانت تعني عقد مؤتمر مصالحة شاملة بين اللبنانيين كافة في الرياض يعالج تداعيات القرار الاتهامي المرتقب، ليؤكد على الأثر أن لا عودة الى هذه المبادرة، مشدِّدًا على "أننا لا نتمسك بالسلطة ولا نتمسك بشيء سوى بنظامنا الديموقراطي ودستورنا(...). مبروك عليهم الاكثرية المخطوفة بترهيب السلاح والسلطة المسروقة من إرادة الناخبين".
وفي مقابل تصويب فريق 8 آذار على المحكمة الدولية رفع زعيم المعارضة مستوى رفض سلاح "حزب الله"، متعهداً حماية الحياة الخاصة والعامة في لبنان من "غلبته".
ركّز الحريري على التمسُّك بالمحكمة بلا هوادة، مؤكِّداً أنها "ستُنزل القصاص بإذن الله فقط بالقتلة الإرهابيين، وستوجِّه التهمة الى أفراد". مُضيفًا: "إذا أراد أحد أن يضع نفسه في خانة المتهمين فهذا خياره، أما نحن فسندعم المحكمة وقرارها وحكمها، ولن نقول يومًا إن التهمة موجهة الى طائفة أو حزب أو فئة". واستدرك: "لن نكون يومًا في معرض مواجهة مع الطائفة الشيعية".
وتناول الحقبة السابقة و"سياسة اليد الممدودة"، فلاحظ أنه "قد يكون خَطَأنا أنَّنا في كل مرة مددناها بصدق (...)، لكننا في كل مرة قوبلنا بخديعة". وشدد على "أننا لا نقبل السلاح ولا الخضوع للسلاح، عندما يوجّه الى صدور اللبنانيين واللبنانيات، ويصبح وسيلة لابتزازهم، أو عندما يصبح وسيلة ضغط على النواب ليقوموا بعكس ما كلّفهم إيّاه الناخب ولينكثوا العهود". وأعلن "أننا لن نسلِّم أبدا لبقاء السلاح مسلطًا على الحياة الوطنية في لبنان".
وشدَّد الرجل حيال "حزب ولاية الفقيه" وسلوكه "المسلح" في السياسة اللبنانية، في مقابل عدم التعرض مباشرة للقيادة السورية. وفي إشارة ضمنية الى رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، قال الحريري: "الوسطية كما نفهمها هي الاعتدال في مواجهة التطرف، ولا وسطية بين الجريمة والعدالة، ولا بين السيادة والوصاية، ولا بين الصدق والخديعة".
وخلص الى القول: "نحن اليوم في المعارضة"، وحدَّد ثلاثة مبادىء هي: "التزام الدستور، والتزام المحكمة، وحماية الحياة العامة والخاصة من غلبة السلاح(...)"، خاتمًا خطابه بموعد جديد مع الجمهور السيادي قائلاً: "إننا سنَنزِل في 14 آذار لنقول لا لتزوير إرادة الناخبين وخيانة روح العيش المشترك وتسليم القرار الوطني، ولا للوصاية الداخلية المسلّحة".
وكان سبق الحريري الى المنبر، "حكيم ثورة الأرز"، رئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، "الحكيم" الذي لا يتردّد لحظة في إجراء مراجعة كاملة وشاملة، رغم كونه من القلائل الذين بقوا ثابتين على مواقفهم، ليس منذ العام 2005 وحسب، وإنما منذ أن لمع نجمه في السياسة.
منتصب القامة صعد الى المنصّة، حكيمًا وصلبًا في آن، لم تنقصه جرأة النقد الذاتي، ولا شجاعة العزم على الاستمرار. وضع الإصبع على الجرح، فنّد أخطاء "14 آذار" مجيبًا على سؤال طرحه بنفسه عما عساه بجيب به الشهداء ورفاق النضال الذين سقطوا على درب القضية والاستقلال الثاني: "بعد تفكير جدي، صادق وعميق، قرّرت أن أقول لهم، ولكم، كما لجميع الرفاق، شهداء وأحياء، بأننا قصّرنا بحقـكم، فعلاً قصّرنا، ولم نوصلكم إلى شاطئ الأمان بعد. لقد اندفـعنا منذ ست سنوات بكل نية طيبة وإرادة حسنة لتحقيق كل ما تصبون إليه. أصبنا مرات، لكننا لم نُصِب مرات ومرات.
لم نصب عندما تسلّمنا السلطة الشرعية من فوق، وسلمنا لهم بممارسة كل السلطات غير الشرعية من تحت. لم نصب عندما حاولنا قطع نصف الطريق، في اتجاه الفريق الآخر، ولو بتضحيات كبيرة، ليتبين بأن الفريق الآخر لا يعترف ولا يقبل بأي آخر. ولم نصب أيضا عندما اعتقدنا بأن الإخوان في سوريا قد أجروا مراجعة شاملة لموقفهـم من لبنان الشعب والدولة، بعد كل الذي جرى وحصل، ليتبيّن أنهم لا يزالون عند النقطـة نفسها كما في 13 شباط 2005. نعم، لقـد أخطأنا وجل من لا يخطئ. (...)إذا كان قدر الشعوب أن تتعلم من تجاربها، فقدرنا نحن أن نتعلم من تجاربنا أيضًا، وهذا ما نحن فاعلون. هذا وعد لكم، وعهد علينا. فاقلبوا صفحة، بعضها ناصع والبعض الآخر ضبابي، وتعالوا نفتح صفحة جديدة، لن يكون فيها إلا النصاعة إن شاء الله".
وبنبرة عالية، جاهر "الحكيم" بتمسّكه بالمحكمة الدولية ، شاء من شاء وأبى من أبى، لأنها إنجاز تاريخي لشعب ثورة الأرز، "لن نرضى عبثاً بها، أو تهديدًا لوجودها".
وشدّد على "أننا لن ندع الانقلاب الأسود الذي قام به ذوو القمصان السود والذي أفرزته أكثرية وهمية سوداء ينال من عزيمتنا". وتابع: "لقد أساء خصومنا فهمنا، واعتقـدوا أن إخراج ثـورة الأرز بقوة الترهيب، من مواقعها الحكومية المشروعة، سيكون نهاية لها.(...) إذا كانت ممارسات سلطة الوصاية الأولى أدت الى ثورة أرز، فمجرد بزوغ ملامح سلطة وصاية ثانية سيؤدي الى ثَورات أرز لا نهاية لها، حتى اقتلاع المرض من أساسه هذه المرة.(...)، إن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهـم وليس في سلاحهم. هكذا علمتنا تجارب العامين 2004 و2005، وهكذا سنستمر. الآن، وقد تحررنا من أعباء الحكم، بـتنا نستطيع عيش قناعاتنا، ومبادئنا، بكل حرية، والسعي إلى ترجمتها بكل ما أوتينا من قـوة. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لبنان أولا ".
وكان مفاجأة الاحتفال، النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، الذي ألقى كلمة مسهبة انطوت على رسائل ودلالات معروفة العناوين، فنتقد "الشيعية السياسية"، محذرًا من "وقوعها في أخطاء من سبقها". واعتبر أن "عبادة الأشخاص مدخل لعسكرة الطائفة وجعلها تبدو كثكنة عسكرية". وقال: "ماذا فعلت الشيعية السياسية منذ ست سنوات وهي تتهم الآخرين بالخيانة والتآمر وتمارس أبشع انواع التصنيف؟".
وإذ رأى أن "الشيعية السياسية صنفت المواطنين، فالنصف خونة وعملاء والنصف الآخر وطنيون"، ذكّر بأن "القاعدة الأولى للعيش المشترك هي احترام مقدسات كل طرف". واستشهد بمراجع الشيعة اللبنانيين ليدعو الى الاندماج في النسيج اللبناني والسعي الى مصلحة لبنان أولاً".
بدوره أكد الرئيس أمين الجميّل في كلمته أن أي مشاركة في الحكومة لا يجوز أن تكون على حساب الشهداء والعدالة والسيادة" وقال: "إننا نعيش اليوم في ظل شريعة القوة (...)، وإذا نجحت المساعي في التوصّل الى حكومة مشاركة فننجو معًا، وإذا عاندوا فسنكون معارضة زاحفة مفتوحة ومقاومة".
وإذ وصف الاكثرية الجديدة بأنها "اكثرية مبيَّضة وتم تبييضها بالبزات السود". حذّر من : "أننا ظاهريًا أمام إسقاط حكومة، لكننا حقيقة أمام مشهد محاولة إسقاط لبنان وهويته ورسالته(...). لن نودِّعَ الديموقراطيةَ في لبنان فيما هي تَدخلُ الدولَ العربيةَ الشقيقة... هذا وعدٌ، هذا عَقدٌ، هذا عهدُ ثورةِ الأرز، للأرزِ، للشهداءِ، للشعبِ، وللبنان".
فيما كان الفريق الاستقلالي في لبنان يتعهّد عدم السماح للفريق الانقلابي بإعادة البلاد إلى خريفها، في حين تتجه البلدان العربية نحو تحقيق ربيعها، برز تطوّر مهم في إيران؛ ففي 14/2/2011، وللمرة الأولى منذ كانون الأول 2009، عادت المعارضة الإيرانية إلى الشارع، وسرعان ما تحوّل تحرّك أنصارها من عنوان مناصرة الثورتين في مصر وتونس إلى استعادة مشهد التحركات الشعبية المناهضة لإعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وسارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى انتقاد قمع المتظاهرين الذين قدر عددهم بعشرات الآلاف الذين نظّموا اجتماعًا حاشدًا في طهران.
وليس بعيدًا عن إيران، شهدت مملكة البحرين أيضًا في ذلك اليوم تظاهرات خرجت في قرى شيعية عدة فرّقتها شرطة البحرين مستخدمة قنابل الغاز المسيّل للدموع والطلقات المطاطية، وخصوصًا في شرق البلاد حيث تحدّث شهود عن إصابة اكثر من 20 شخصًا من المتظاهرين وأفراد الشرطة، في حين ظلّت العاصمة المنامة هادئة. ونُظِّمت التظاهرات بدعوة من ناشطين في موقع "فايسبوك" للمطالبة بإصلاحات سياسية وإطلاق ناشطين ووقف ما يسمونه "التجنيس السياسي". وأكد ناشطون في بيان أن" 14 فبراير ( شباط) البداية فقط. ربما يكون الطريق طويلاً، وربما تستمر التظاهرات لأيام وأسابيع، ولكن إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر".
بيد أنه على الرغم من مطالب المتظاهرين المصبوغة باللون السياسي والمحقّة في بعض جوانبها، بدا أن "ثورة البحرين" ذات لون طائفي بامتياز؛ إذ إن النَفَس الطائفي في هذه الثورة ما لبث أن أصبح طاغيًا وماثلاً للعيان، فإن الذي يجري الآن على أرض البحرين لا يمتُّ من قريب أو بعيد لما جرى في مصر وتونس، ولا يزال يجري في اليمن والأردن، وما بدأت إرهاصاته تظهر في سوريا، فهي ليست ثورة تحرير وانتفاض على الظلم والاستبداد كما وصفها كُتّاب إيران والأقلام المموَّلة إيرانيًّا، بل هي ثورة طائفية بامتياز، الهدف منها نسف الوطن وتذويبه ونقله بالكلية لصالح إيران، وبنظرة سريعة على الشعارات التي رفعها المتظاهرون في دوار اللؤلؤة بالمنامة، يتضح لنا مدى صحة ودقة هذا الوصف.
فعلى سبيل المثال وردت عدة شعارات دينية تتعلق بالمهدي وتطعن بالعرب وتمدح بالفرس وإيران. كما بدأ الوجه الطائفي يتجلّى حينما أعلن المنظمون للتظاهرة أن اللبس الموحّد لكل المتظاهرين هو اللون الأسود، مع وضع عصابة على الرأس تحمل عبارة (يا حسين)، وكذلك رفعهم إلى جانب أعلام البحرين الأعلام السوداء، وهي أعلام لا ترفع إلا في مناسبتهم الدينية.
لبنان بدوره، عاش هذا الجو الطائفي في الخامس عشر من شباط؛ فغداة مهرجان 14شباط، وتحت عنوان "لقاء علمائي"، جمع الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" حسن نصر الله في أحد فنادق بيروت مشايخ منتسبين لأهل السنة من المعروفين منذ زمن بانخراطهم في الماكينة الدعائية للحزب والعاملين في تنظيمات مرتبطة بإيران مباشرة أو بالواسطة، ليعلن بهم حربه على دار الفتوى وعلى الرئيس سعد الحريري وعلى المحكمة الدولية. فطالب هؤلاء في بيانهم الرئيس سعد الحريري باعتزال الحياة السياسية، ومفتي الجمهورية محمد رشيد قباني بالاستقالة، والرئيس فؤاد السنيورة بأن يعيد إلى دار الفتوى ما سرقه المفتي منها.
غير أن الرد الرسمي على مهرجان "البيال"، جاء بشكل مباشر من "نصر الله" بعد يومين في 16شباط2011، حيث ظهر عبر شاشة ضخمة، في مهرجان ذكرى احتفال الحزب بـ"قادته الشهداء"، وتحدّث عن المتغيرات التي تشهدها المنطقة، مشيدًا بالثورة المصرية وموافقتها الذكرى الـ32 للثورة الإسلامية في إيران، ومطلقًا مواقف اتسمت بحدة معتادة لكن مقرونة هذه المرة بالاعتداد "بالأكثرية الجديدة".
في ذلك الاحتفال، تخلّى الحزب عن تكتّمه حيال مصير أحد كوادره الذي كان موقوفًا في مصر وفرّ من سجنه خلال الأحداث الأخيرة، وكانت المفاجأة أنه بعد أن بدأ عريف الاحتفال كلامه بالإشادة بسقوط نظام "حسني مبارك"، قال: "نرحب بالأسير المحرَّر الأخ المناضل سامي شهاب"، (قائد "خلية الحزب" الإرهابية في مصر)، الذي اعتلى المنبر وسط تصفيق مئات الحاضرين المحتشدين الذين هتفوا له ولوّحوا بأعلام الحزب الإيراني والأعلام اللبنانية والمصرية والتونسية. وحمل "شهاب" علمًا للحزب على المسرح الذي برزت في خلفيته صورة ضخمة لإحدى التظاهرات المصرية الأخيرة، وحيّا الموجودين. وذلك وسط علامات استفهام وتعجّب كبيرة عن كيفية وصوله الى لبنان، هل "هُرِّب" عن طريق "غزة" ثم "تل أبيب"؟!
وفي رده على المواقف النارية للقوى الاستقلالية في "البيال"، رأى "نصر الله" أن "إصرار الفريق الآخر على خوض المعركة حول سلاح المقاومة واعتباره أحد ثلاثة بنود للمعارضة الجديدة، هو معركة خاسرة خائبة لا نتيجة منها، واللي بدكن إياه اعملوه". وتابع في عرض دعائي للعضلات لم يخل من المتاجرة بالقضية الفلسطينية، واستثمار الاحتلال الإسرائيلي، فقال: "المقاومة قد تطلب من عناصرها في الحرب المقبلة تحرير الجليل"! مع العلم أنه لو كان قادرًا على ذلك وامتنع، فتلك هي الخيانة الكبرى.
وفي موضوع المحكمة الدولية قال: "إذا كان رأيكم ان هذا الأمر يوصل الى الحقيقة فتصرفوا على ضوء هذه الحقيقة ونحن في المقابل سنتصرف على ضوء ما نعرف حكماً أنه تزوير وظلم". وخلص الى أن "الأخطاء التي يتحدَّثون عنها ليست هي الأخطاء، فما جرى أولاً هو نتيجة ما تعرَّض له المشروع الكبير في المنطقة".
في هذه الأثناء كانت التظاهرات الإيرانية المعارضة تستمر وسط قمع النظام من جهة، ودعم وتشجيع أميركيَين في بوادر تشير الى أن الولايات المتحدة ربما أعادت حساباتها في المنطقة، وإن كان من المبكر الجزم بهذا الأمر قبل انتظار مزيد من المؤشرات على ذلك.
ولعل أحد تلك البوادر، ما يحصل في مصر. ففيما يحاول المصريون استعادة حياتهم الطبيعية، توقع مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية "جيمس كلابر"، أن يكون "الإخوان المسلمون" في مصر "جزءًا من العملية السياسية في مصر، الى قوى المعارضة الأخرى". ومما لا يختلف عليه اثنان، أن "جماعة الإخوان" هي الحزب الأكثر تنظيمًا على الساحة المصرية رغم الحظر الذي كانت تفرضه سلطة "مبارك" عليهم، وقد أثبتوا ذلك بجدارة في انتخابات 2005 ثم 2010، وهي ستكون بالتالي البديل بعد "مبارك"، وهذا ما يعرفه الأميركيون الذين دعموا الثورة جيّدًا. وكذلك الأمر بالنسبة لتونس، حيث يمثل "حزب النهضة الإسلامي" المحسوب على الإخوان أيضًا ثقلاً شعبيًا بارزًا سيؤثّر بالتأكيد على الحياة السياسية بعد نظام "زين العابدين" المتطرّف في علمانيّته، وبالتالي، يبدو أن الولايات المتحدة سلّمت باستحالة إخضاع الأكثرية السنيّة في العالم العربي للحكم الفارسي-الشيعي، على قاعدة: "تريدون الإسلاميين، نعم، لكن مع الحفاظ على الخطوط الحمر العريضة، استمرار العلاقة مع أميركا، وعدم التعرّض لإسرائيل"، في تعميم للنموذج الديموقراطي التركي في الحكم، حيث التجربة الناجحة لـ"حزب التنمية والعدالة" الحاكم في تركيا منذ 11عامًا بقيادة رئيس الوزراء التركي "رجب طيّب أردوغان".وتبقى صحة هذه القاعدة أو بطلانها، رهنًا لما ستظهره التطورات في الأيام والشهور، وربما السنين القادمة.
وبالعودة إلى أخبار ثورات "الربيع العربي" التي طغت على اهتمامات الناس في العالم، ولا سيما في لبنان بعدما دخل تشكيل الحكومة في حالة مراوحة ورفع للسقف من الجنرال عون الذي طالب بـ12وزيرًا في حكومة ثلاثين، وحمل على رئيس الجمهورية لمزيد من التطويع متهمًا إياه بالانحياز الى القوى الاستقلالية في السابق... أشاع اليوم السادس من التظاهرات المطالبة بالتغيير في اليمن والسادس عشر من شباط حال توتُّر، غداة سقوط قتيلين أولين في مواجهات بين الشرطة والمحتجين المطالبين بالتغيير وتنحي الرئيس علي عبدالله صالح، مع استمرت الاشتباكات في شوارع العاصمة وبعض المحافظات بين مؤيدي الرئيس ومناهضيه وسط مخاوف من تداعيات خارجة عن السيطرة، وخصوصًا مع إعلان القائد الميداني للمسلحين الحوثيين المدعومين إيرانيًا "عبدالملك الحوثي" في صعدة، انضمامه إلى حركة الاحتجاجات وتأكيده أنه وأنصاره "سيكونون في طليعة من يسعى إلى تغيير النظام وازاحته".
أما في البحرين، فقد امتلأ في اليوم الثالث للاحتجاجات، "دوار اللؤلؤة" في وسط المنامة بالمتظاهرين الذين خيّموا فيه، في استعادة لمشهد ميدان التحرير في القاهرة. حتى إن البعض ردّد الهتاف الشهير الذي استخدمه المحتجون المصريون طوال 18 يومًا، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام". كما أقيمت منصّة للخطباء في المكان. وناشد أحد المعمّمين المصلّين البقاء في المكان "حتى لا يأخذ النظام البلاد من أيديكم. وإذا كان لا بد أن نغادر بالأكفان، فنحن مستعدون"!
هذا، ولم تنجح تعهدات الملك حمد بن عيسى آل خليفة في احتواء الأزمة، وخصوصًا مع ارتفاع سقف المطالب وتعليق نواب جمعية "الوفاق الوطني" الشيعية عضويتهم، وهم 18 من أصل 40عضوًا في مجلس النواب، الى أن تحوّل البلاد "ملكية دستورية" ذات حكومة منتخبة.
إلا أن المفاجأة الكبرى في هذا اليوم لم تكن في آسيا بل في بلاد من نصّب نفسه "ملك ملوك إفريقيا"، فقد وصلت إلى ليبيا رياح الاحتجاجات على الأنظمة المتسلّطة التي تهب على الشرق الأوسط، والتي تسبّبت إلى الآن بسقوط الرئيسين التونسي والمصري، وذلك بعدما بدا نظام العقيد "معمّر القذافي" المقفل، كأنه يتمتع بحصانة ضد خطر الاحتجاج، علمًا أن هذا الديكتاتور يمارس منذ 42 سنة سلطة لا يشاركه فيها أحد، في بلد شاسع غني بالموارد النفطية، وغير مكتظ بالسكان.
ففي هذا اليوم، فرقت الشرطة الليبية بالقوة اعتصامًا ضد السلطة في "بنغازي"، حيث ردّد المتظاهرون هتافات ضد النظام، منها: "بنغازي استيقظي، انه اليوم الذي تنتظرينه"، "دم الشهداء لم يذهب هدرًا"، و"الشعب يريد إسقاط الفساد". وقد أصيب نحو 38 شخصًا بجروح في الصدامات التي شهدتها ثانية كبرى مدن البلاد بين متظاهرين وقوى الأمن، عشية "يوم غضب" متوقع في اليوم التالي إثر دعوات أطلقت على موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي.
وسط هذا المشهد الثوري بامتياز، وللحؤول دون وصول "الموسى" إلى ذقنه، أصدر الرئيس السوري "بشار الأسد" في 16/2/2011، عددًا من المراسيم لخفض الرسوم الجمركية على عدد من السلع، في إطار سلسلة من الإجراءات ترمي الى خفض أسعار المنتجات الغذائية الرئيسية تفاديًا لحركة مطلبية محتملة في ظل تفجر الاحتجاجات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط.
على صعيد آخر، نقل موقع "محطة اخبار سوريا" عن مصادر مطلعة أن قيادة حزب البعث الحاكم، ستناقش عددًا من العناوين المتعلقة بعملية الإصلاح السياسي العريضة التي يجري تداولها قبل المؤتمر القطْري المقبل الذي لم يتحدّد بعد موعد لعقده"، مثل قانون الأحزاب وقانون الطوارئ وقانون الإعلام.
أما في لبنان الذي تتحضر فيه قوى 14 آذار لتنظيم مهرجان شعبي حاشد في ساحة الحرية في 14/3/2011، فقد بدا الرئيس الحريري ماضيًا في سياسة كسر الصمت بعد خطابه في مهرجان "البيال"، فأطلق في 17/2/2011 مزيدًا من المواقف في الاتجاه عينه. وفي رد ضمني على الكلمة الأخيرة للأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه"، أكد الحريري أنه "سيتحدث من الآن فصاعدًا بصراحة ووضوح عن كل الأمور، لأنه ليس من المصلحة الوطنية بشيء العودة الى سياسة تدوير الزوايا". وقال: "علينا ألا نخفي رؤوسنا في الرمال عندما يصبح السلاح وسيلة للضغط على الحياة السياسية في البلاد". وأضاف: "هذا الموضوع غير مقبول ولا يمكننا ان نبني وطناً على هذا النحو".
على صعيد الحراك الشعبي الليبي، شهدت مدن ليبية عدة اشتباكات ومواجهات سقط فيها عدد من الضحايا، عندما نزل المئات من الليبيين الى الشوارع استجابة لدعوة من معارضين الى "يوم غضب" احتجاجًا على نظام القذافي، لتطلق في هذا اليوم رسميًا "ثورة 17فبراير". ورد النظام على التظاهرات بانزال المئات من أنصاره في مسيرات دعم للقذافي في العاصمة طرابلس.
أما في إيران، فقد خرج في 18/2/2012 عشرات الآلاف من الإيرانيين في تظاهرة تأييد للنظام، والمطالبين بإعدام زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين اعتبرهما رجل الدين المحافظ آية الله أحمد جنتي "ميتان عمليًا"، مع التشديد على وجوب قطع كل وسائل اتصالهما بالشعب. وأحكمت السلطات الطوق الأمني حول منزل "موسوي" ومنعت بناته من زيارته.
في المقابل، دعت المعارضة أنصارها إلى العودة إلى الشارع الأحد 20شباط لإظهار "الدعم الحاسم" لموسوي وكروبي "لمواصلتهما السير على طريق الحرية والكرامة الإنسانية".
وفي مشهد غير مألوف في سوريا، تظاهر في 18/2/2011، أكثر من مئة سوري في وسط دمشق للاحتجاج على اعتداء شرطة المرور على شاب سوري في "الحريقة" بالضرب المبرح والإهانة. فعلى أثر سماع أصوات صراخ الشاب واستغاثاته، تجمّع المئات في مدخل الحريقة والدرويشية، وأُقفلت كل المحال وبدأ الناس يهتفون: "الشعب السوري ما بينذل"، و"لا إله إلا الله". عندئذ، بادر البعض الى الهتاف: بالروح بالدم نفديك يا بشار". وقد مكث المتظاهرون أكثر من ثلاث ساعات في المكان وسدّوا الشوارع المجاورة، الى أن جاء الى المنطقة ضباط عدة ذوو رتب عالية، قبل أن يصل وزير الداخلية الذي اصطحب الشاب في سيارته، واعدًا بالتحقيق في ما جرى.
مشهد آخر لم تألفه العيون كان يسجّل في "سلطنة عمان" هذه المرة، حيث تظاهر نحو 300 عماني بينهم نساء سلميًا في وسط مسقط، للمطالبة بزيادة الرواتب وبإصلاحات سياسية. وهي تظاهرة تعدّ الثانية من نوعها في السلطنة في غضون شهر واحد. ورفع متظاهر لافتة كتب فيها: "أين الديموقراطية؟"، بينما طالبت لافتة صغيرة أخرى بـ"تفعيل مجلس الشورى"، وهو هيئة منتخبة من دون صلاحيات تشريعية. إلا أن المتظاهرين أكدوا ولاءهم للسلطان، وحملوا لافتة كتب فيها: "كلنا فداك يا قابوس"!
وبالانقال الى الشمال قليلاً، أفاد ناشطو حقوق انسان في 19/2/2011، أن السلطات السعودية ألقت القبض على ناشطين عدّة، حاولوا إنشاء أول حزب سياسي في المملكة. وكان إسلاميون سعوديون وناشطو معارضة، أعلنوا هذا الشهر حزبًا سياسيًا أطلقوا عليه حزب "الأمة الاسلامي"، في تحد نادر للسلطات بإيحاء من الاضطرابات التي أدت الى تغيير النظام في كل من تونس ومصر.
الى ذلك، أفادت مصادر شيعية محلية أن شيعة سعوديين نظّموا احتجاجًا محدودًا في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط في المملكة القريبة من البحرين، وتحديدًا في بلدة العوامية قرب مدينة القطيف مركز الشيعة السعوديين على الخليج، للمطالبة بإطلاق بعض من الشيعة ممن تحتجزهم السلطات في السجون من دون محاكمة.
إفريقيًا، كان بلد جديد ينضم إلى نادي ثورات "الربيع العربي"، إذ شارك في 20/2/2011 الآلاف في تظاهرات في مدن مغربية عدة بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش هاتفين "الشعب يريد التغيير"، بعد دعوة من شبان عبر موقع "فايسبوك" على الانترنت ومنظمات غير حكومية.
هذا، وأطلقت المعارضة على نفسها اسم "حركة 20شباط (فبراير)، نسبة لانطلاقها في هذا اليوم، والحركة عبارة عن تحالف فضفاض يضم علمانيين ويساريين وإسلاميين ومستقلين. وتطالب الحركة العاهل المغربي أن يملك ولا يحكم، وتريد تقييد نفوذه الاقتصادي، وكذلك نفوذ نخبة البلاط السريّة والمؤثرة التي تعرف باسم "المخزن".
وفي رده الأول على التظاهرات التي شهدتها بلاده، قال العاهل المغربي الملك "محمد السادس" في اليوم التالي، إنه لن يُذعن لـ"الديماغوجية"، في إشارة إلى المحتجين الذين طالبوا بأن يتخلّى عن بعض سلطاته لحكومة جديدة منتخبة. وأكد أن لا تراجع عن الإصلاحات التي حرص وزير الإعلام خالد ناصري على القول إنها ستتم بـ"سرعة قصوى". وأعلن وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي أن التظاهرات تسببت بسقوط خمسة قتلى، عُثر على جثثهم متفحّمة في مصرف هاجمه محتجون، فضلا عن 115جريحًا.
وليس بعيدًا عن عدوى الثورات المتنقلة في المنطقة، كان المحلل الجيو-بوليتيكي بشار الأسد، يبحث في 22شباط مع وفد من الكونغرس الأميركي في التطورات التي تشهدها المنطقة العربية، وأثر هذه التطورات في المنطقة والعالم، شارحًا لأعضاء الكونغرس الخلفية التاريخية لهذه الأحداث". ونقل بيان رئاسي سوري عن المحادثات "تأكيد الأسد أهمية قراءتها (الأحداث) ضمن السياق التاريخي للمنطقة، وليس بشكل منعزل والتوصل الى فهم عميق لإرادة الشعوب، على أن رسم السياسات لا يمكن أن يتم بمعزل عنها"!
في غضون ذلك، كانت مصر والعالمين العربي والإسلامي على موعد مع عبور سفينتين حربيتين تابعتين للبحرية الإيرانية "قناة السويس" في اتجاه البحر المتوسط للمرة الأولى منذ قيام "الثورة الخمينية" عام 1979، وذلك بعدما وافقت السلطات المصرية في 18/2/2011 على عبورهما. ويتألف طاقم السفينة "خرج" من 250 بحارًا ويمكن أن تحمل ثلاث مروحيات، أما الثانية "الفاند"، فهي مزوّدة بطوربيدات وصواريخ مضادة للسفن، وقد توجّهتا الى سوريا حيث رستا في ميناء "اللاذقية".
وفي أول تعلق لها على عملية العبور، اكتفت "واشنطن" بالقول إنها تراقب هذه العملية وإنها على علم بالتحرّك الإيراني، وأنها لا تعتقد أن السلوك الإيراني في المنطقة يتّسم بالمسؤولية! وقد مرّت السفينتان الحربيتان الإيرانيتان بمحاذاة السواحل الإسرائيلية، دون أن تُزيلا إسرائيل عن الخارطة (الدعاية الإيرانية الكاذبة)، كما أن إسرائيل لم تعترض طريقهما، بل اكتفت بإعلان حالة التأهّب والجهوزية للرد على أي استفزاز.
أما في ليبيا التي دخلت في اليوم السابع لاندلاع شرارة الاحتجاجات ضد نظام "القذافي" الذي واجهها بالحديد والنار، فقد اتجه العقيد نحو التصعيد، متعهدًا في خطاب ألقاه من منزله المحصّن في "باب العزيزية" بطرابلس وقد سيطر عليه الغضب، القتال حتى آخر نقطة من دمه، وأمر قواته بـ"الزحف" على من وصفهم بـ"المأجورين والجرذان لتطهير ليبيا بيتًا بيتًا، وشبرًا شبرًا، وزنقة زنقة". ولفت الى أنه لم يأمر باستخدام القوة بعد، "ولكن إذا تطورت الأمور سنستخدمها". وقال "انه ليس رئيسًا كي يستقيل من منصبه، وإنما هو قائد ثوري الى الأبد".
في موازاة ذلك، وفي خطوة استرعت الانتباه، قرّر مجلس جامعة الدول العربية في ختام اجتماع عقده على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة، تعليق مشاركة ليبيا في اجتماعات الجامعة وجميع مؤسساتها احتجاجاً على استخدام العنف ضد المتظاهرين. وأوصى وزراء الخارجية العرب بدرس تعليق عضويتها في الجامعة.
وانطلقت تظاهرات في أكثر البلدان العربية دعمًا للشعب الليبي. وتزامن ذلك مع خروج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن صمته ودعوته الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي إلى وقف "حمام الدم".
الثالث والعشرون من شباط كان يوم عودة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى المملكة بعد غياب دام ثلاثة أشهر للعلاج، مصدرًا الأوامر بتخصيص إعانات للسعوديين تبلغ نحو 37 مليار دولار، لاحتواء أي ثورة من الممكن تتفجّر في المملكة التي تجنّبت حتى الآن الاحتجاجات الشعبية على الفقر والفساد والقمع، التي تفجرت في أنحاء العالم العربي، وامتدت إلى البحرين التي يربطها بالمملكة جسر الملك فهد.
فقبيل وصول الملك، أعلنت وسائل الإعلام الحكومية خطة عمل لمساعدة ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة من المواطنين في المملكة البالغ عددهم 18 مليونًا. ولم تشمل الإجراءات التي أعلنت إصلاحات سياسية، مثل إجراء انتخابات بلدية وهو ما تطالب به جماعات معارضة. مع الإشارة إلى أنه ليس لدى المملكة برلمان منتخب، كما لا تسمح بمعارضة عامة تذكر.
هذا، وأيّد مئات من الاشخاص دعوة على "الفايسبوك" لـ"يوم غضب" في السعودية الشهر المقبل للمطالبة بحاكم منتخب وحريات أكبر للمرأة وإطلاق السجناء السياسيين.
من جهته كان الديكتاتور الإيراني، محمود أحمدي نجاد، يمارس النفاق السياسي محاضرًا بالعفة؛ فهو إذ يواجه "الثورة الخضراء" التي عاد إليها النبض في بلده بأبشع أنواع القمع والتضييق، تساءل في حديثه الأول عن الثورات الشعبية في البلدان العربية: "كيف يمكن زعيمًا أن يعرّض شعبه لوابل من (نيران) الأسلحة الرشاشة والدبابات والقنابل"؟ وأضاف: "أريد جديًا من كل زعماء الدول الانتباه إلى شعوبهم، وأن يتعاونوا ويجلسوا ويتحدثوا ويستمعوا إلى كلامهم. لماذا يتصرفون بهذا الشكل السيئ الذي يجعل شعوبهم في حاجة الى الضغط من أجل الإصلاحات". وحذر الحكام من "مغبة عدم الاستجابة لمطالب شعوبهم لأن ذلك سينتهي بهم الى نتائج محسومة سلفًا"!
لبنانيًا، برز في الإطار الحكومي تأكيد النائب وليد جنبلاط في24/2/2011، أن عقدة تأليف الحكومة منطلقها "الحجز المسبق للوزارات والمحاصصة". وانتقد جنبلاط خطاب الرئيس سعد الحريري في 14 شباط قائلاً: "نحن مجروحون من الصفات التي أطلقها علينا"، ووصف مطالبه في ورقة الـ "س. س" بأنها "سخيفة مقابل تنازله عن المحكمة". غير أن ما استرعى الانتباه في كلام جنبلاط، كان كشفه أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أبلغه عبر الأمير مقرن بن عبد العزيز في اتصال بينهما "أن العلاقة معه انقطعت"، مبديًا تفهّمه لظروفه وقائلاً: "ربما حصل تشويش علي هناك".
بالانتقال الى الحراك الشعبي الأردني، طور الأردنيون مطالبهم الإصلاحية على وقع الثورات الشعبية التي تنطلق في شوارع العواصم العربية، عندما هتف أكثر من عشرة آلاف خرجوا في مسيرة أسبوعية في الخامس والعشرين من شباط وسط العاصمة عمان، مطالبين بإصلاح النظام وبحكومة منتخبة وملكية دستورية. كما طالب المحتجون بالغاء معاهدة "وادي عربة" الموقعة مع اسرائيل منذ 16 سنة، وهتفوا للثورة الليبية وانتفاضات العالم البعربي.
رتابة أجواء "الحجز المسبق للوزارات والمحاصصة"، خرقها في 26/2/2011، خبر قبول البابا بينيديكتوس السادس عشر خلال لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير استقالة رأس الكنيسة المارونية. ويفترض في ضوء الاستقالة أن يدعو كبير السن بين أعضاء مجمع المطارنة ( البطريرك صفير-91 عامًا أو من يليه إذا اعتذر) خلال 15 يومًا الى مجمع انتخابي يحدد موعده هو، لانتخاب بطريرك جديد خلفًا لصفير.
السابع والعشرون من شباط كان يومًا حافلاً بالحوادث لبنانيًا وإقليميًا. فعلى الصعيد اللبناني، حرّرت قوى 14آذار الرئيس نجيب ميقاتي من "عقدة" مشاركتها في الحكومة، واضعة إياه وجهًا لوجه أمام عقد داعميه ومؤيديه المباشرين والمستترين، ولا سيما منهم العماد ميشال عون.
فبعد لقاء جمع نواب 14 آذار في فندق "البرستول"، في حضور أقطاب هذا الفريق، وأبرزهم الرؤساء: سعد الحريري، وأمين الجميل، وفؤاد السنيورة، ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أصدرت القوى الاستقلالية بيانًا اعتبرت فيه أن "الطريقة التي تم فيها اسقاط حكومة الوحدة الوطنية (…) أكدت الشكوك في أن فريق 8 آذار ماض في تثبيت انقلابه". وقالت أنه "على رغم ذلك أبلغت (قوى 14 آذار) الرئيس المكلّف المبادئ والثوابت التي تتمسك بها (…)، إلا انه بدلاً من التفاعل الإيجابي معها تشهد البلاد ممارسات من فريق 8 آذار تشكل إمعانًا في خرق الأعراف والأحكام الدستورية وفرضًا لشروط حول شكل الحكومة وسياستها وتجاوزًا لصلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف"، وأعلنت تاليًا "رفضها المشاركة في الحكومة لأنها ترفض تشريع الانقلاب المذكور واطلاق معارضة سلمية ديموقراطية من اجل الدفاع عن الجمهورية وحماية الدستور".
لكن ما لم يقله البيان تحدث عنه الدكتور سمير جعجع الذي اختصر بـ "أن الوضع في لبنان لا يجوز أن يستمر كما هو اليوم"، موضحًا "أن قوى 14 آذار ستكون خارج الحكومة المقبلة، ولهم المباركة لتشكيل الحكومة التي يريدون، ونحن سنكون خارجها". لكنه استطرد محذرًا "فليشكلوا حكومة، وهناك البكاء وصرير الأسنان"، مؤكدًا أن "قوى المعارضة قادرة على تحريك الشارع لكنها لن تنصب الخيام لأن هدفها قيام الدولة".
أما على الصعيد الإقليمي، فبينما كان المحتجون على النظام الليبي يستعدون للدفاع عن مدينة الزاوية القريبة من طرابلس في وجه هجوم محتمل لقوات موالية للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، أُعلِنَ في مدينة بنغازي بشرق البلاد عن إنشاء مجلس وطني انتقالي ليكون النواة الأولى لسلطة بديلة من النظام الحالي الذي رأى وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني أن سقوطه بات "محتومًا". ومع محاولة قادة الاحتجاج تنظيم صفوفهم، حاول القذافي في إطلالة إعلامية مع تلفزيون صربي إعطاء صورة أن ليبيا "هادئة"، وأن الاضطرابات التي جرت هي من صنع تنظيم "القاعدة".
في المقابل، اتخذ مجلس الأمن عقوبات مشددة في حق نظام القذافي وأبنائه، وعدد من أقربائه، وقادة قواته العسكرية، وكتائبه الأمنية، ولجانه الشعبية. وقرّر إحالتهم فورًا على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهم ارتكاب أعمال "عنف منهجي واسع" حيال الشعب الليبي، مانعًا سفر القذافي وأولاده وعدد من المحيطين به، ومجمِّدًا أرصدتهم. وفرض حظر سلاح شاملاً على ليبيا.
أما في سلطنة عمان، فغداة إعلان السلطان قابوس سيرًا على طريقة العاهل السعودي عن سلسلة تقدمات اجتماعية في السلطنة، شهدت البلاد مواجهات دامية بين متظاهرين يطالبون بإيجاد فرص عمل لهم، وأفراد من قوى الامن قتل خلالها شخصان وأصيب آخرون بجروح.
في هذه الأثناء، كان الملك السعودي في سباق مع عدوى الثورات العربية التي بدأت تجد لها مؤيّدين داخل المملكة، فإذ تابع سلسلة تقدماته للشعب السعودي، محاولا تحصين المملكة من أن تمتد إليها عدوى الثورات، آمرًا بتثبيت جميع المعيَّنين بعقود حكومية موقتة، أطلق مثقفون سعوديون نداء يدعو الى تطبيق إصلاحات واسعة وتحوّل السعودية ملكية دستورية، وقت تصدر في موقع "فايسبوك" على الانترنت دعوات الى التظاهر في المملكة.
وعلى الضفة الثانية من الخليج العربي، كانت الأجهزة الأمنية الإيرانية تعتقل زعيمَي "الحركة الخضراء" مير حسين موسوي ومهدي كروبي وتنقلها مع زوجتيهما إلى سجن "حشمتية" في العاصمة طهران. وعلى الفور، ظهرت على صفحات الإنترنت دعوات للتظاهر من أجل الإفراج عن الزعيمين، باسم تجمع شباب (25 بهمن)أو (14 شباط)، تحت شعار:"إما الموت وإما الحرية". وكانت المعارضة الخضراء قد دعت مسبقًا أنصارها إلى تجديد المظاهرات بتاريخ 1 آذار مارس، للضغط على النظام الإيراني من أجل رفع الحصار عن الزعيمين الإصلاحيَين مهدي كرّوبي ومير حسين موسوي.
وكانت نهاية شهر شباط2011 استقلالية أصيلة بامتياز، مع كلمة ألقاها الرئيس سعد الحريري في "بيت الوسط" إيذانًا بتصعيد متدرِّج في خطاب 14 آذار في مسألتي المحكمة والسلاح، يرافق التحضيرات الجارية لإحياء الذكرى السادسة لـ"ثورة الارز" في 14 آذار.
ففي ما اعتُبِرَ الهجوم الأقوى للحريري بعد خطابه في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الماضي، حمل رئيس حكومة تصريف الأعمال بعنف على سلاح "حزب ولاية الفقيه" من غير أن يسمّيه، مميِّزًا بين المقاومة و"غلبة السلاح في الحياة السياسية والثقافية".
هاجم الحريري التصرّف الميليشيوي للفريق المسلّح قائلاً: "تعتقدون أن بإمكانكم أن تضعوا يدكم على البلد، أن تعلبوا الانتخابات في الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية وحيثما وجد السلاح، السلاح الجاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. أن تفرضوا من تريدون في رئاسة مجلس النواب حتى عندما تكون الأكثرية ليست في يدكم، لأن السلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم، وأن تفرضوا من تريدون في رئاسة الحكومة لأن السلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم، وأن تحاولوا تهشيم صورة فخامة رئيس الجمهورية كما تفعلون الآن لأن السلاح جاهز للاستخدام ضدا أبناء بلدكم، وأن اللبنانيين سيقولون "ماشي الحال" لأن السلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. لا "مش ماشي الحال".
وتابع: "نحن قررنا بكل بساطة أن نقول لكم ما يقوله كل لبناني وكل لبنانية في بيته كل يوم: إن هذا البلد لن يستقيم بنظامه وحياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدستورية، وحق أهله في الأمن والأمان، ما دام هذا السلاح جاهزًا للاستخدام ضد أبناء بلدكم". وأضاف: "قرَّرنا أن نقول لكم بكل بساطة "لأ مش ماشي الحال"، وأن يكون معكم سلاح فلا يعني أن معكم حق. وقد يكون السلاح غَلَبَة لكنه ليس أكثرية، الأكثرية هي التي تفرزها صناديق الاقتراع، من دون سلاح. "(...)
ثم قام الحريري بجردة لاذعة لتصرفات الحزب الميليشيوية والانقلابية منذ اجتماعات طاولة الحوار عامَي2005و2006، فقال: "المشكلة هي مع غلبة السلاح على أخيكم اللبناني العربي، وعلى الحياة في لبنان. المشكلة هي عندما تقولون إن هذا السلاح لن يستخدم في الداخل، ثم نجد هذا السلاح لا شغل ولا عمل له إلا الداخل، منذ "اليوم المجيد" في 7 أيار 2008، وكيف ننسى "اليوم المجيد"، يوم البلطجة في بيروت والجبل وبأهل بيروت والجبل. المشكلة هي عندما تقولون قبل الانتخابات النيابية الأخيرة أنكم لا تريدون دخول الحكومة إذا خسرتم الانتخابات، ثم تخسرونها وتقولون: لا يفكرَنَّ أحد بحكومة ليس لنا فيها الثلث المعطّل، وإلا فالسلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. المشكلة هي أنكم عندما ندعوكم بعد خسارتكم الانتخابات لشركة حقيقية في حكومة الوحدة الوطنية، تدخلون سلاحكم معكم الى الحكومة، وتضعونه على طاولة مجلس الوزراء، فيصبح كل قرار، خاضعًا لإرادتكم وحدكم، وإلا فالسلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. المشكلة هي أنكم توقّعون تعهّدات في الدوحة بعدم استخدام السلاح وسيلة للعنف السياسي في الداخل، وبعدم تعطيل جلسة لمجلس الوزراء، ويشهد على توقيعكم أمير قطر وقادة عرب والجامعة العربية، ثم تستهلكون نصف عمر الحكومة وأنتم تعطلون مجلس الوزراء. تمامًا كما وقَّعتم تعهدات في الدوحة، بأنكم لن تستقيلوا من الحكومة ثم استقلتم، متأكدين أن أحدًا لن يسائلكم، لأن السلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. المشكلة أنكم تطالبون فور استقالتكم باستشارات نيابية عاجلة وطارئة وعندما تكتشفون أن الاكثرية النيابية، التي نتجت عن انتخابات ديموقراطية حملت تكليفًا واضحًا من الناخبين، ستصوّت في اتجاه لا يعجبكم، تؤجِّلون الاستشارات تحت تهديد أنها ولو لم تؤجّل، فالسلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم، ثم تغيّرون الأكثرية تحت تهديد أنه لو بقي بعض النواب على رأي ناخبيهم فهذا السلاح جاهز للاستخدام ضد أبناء بلدكم. المشكلة هي عندما تشاركون في صياغة إجماع بشأن المحكمة الدولية، على طاولة الحوار الوطني وإجماع لحل مشكلة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخل المخيمات، ثم تعطِّلون تنفيذ قرارات التزمتموها، أنتم معنا، تصبح مساءلتكم اعتداء عليكم لأن السلاح جاهز للاستخدام ضد ابناء بلدكم. المشكلة هي عندما تمنعون مؤتمر المصالحة الشاملة والمسامحة الشاملة بين جميع اللبنانيين عن كل الماضي، هذه المبادرة النبيلة، السامية، العربية الاصيلة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين(...)".
وفي خطوة تنفي حصول خلاف -تشيعه قوى 8آذار- بين الحريري والقيادة السعودية، على خلفية تمسّكه بالمحكمة، وشهادته السريّة أمام لجنة التحقيق التي جرى تسريبها إلى الإعلام، واللغط الذي نشب حول ما إذا كان أساء الى الأمير محمد بن نايف في خلالها، أفيد أن الحريري أجرى اتصالاً بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز هنأه فيه بعودته سالمًا الى المملكة العربية السعودية.
وعُلِمَ أن فريق 14 آذار يجري مشاورات في شأن إحياء ذكرى 14 آذار، يميل الاتجاه فيها الى نقل موعد التجمع الشعبي الحاشد في وسط بيروت من الاثنين الذي يصادف موعد الذكرى، الى الأحد 13 آذار بما يسمح للوفود الشعبية بمشاركة أكثر كثافة في يوم عطلة نهاية الأسبوع بدل مطلع الاسبوع التالي.
التعليقات (0)