كان الخطاب الملكي ليوم 9 مارس مناسبة فارقة في تاريخ المغرب الحديث. فقد دشن لمرحلة جديدة تؤهل هذا البلد لانتقال ديموقراطي حقيقي. و كان من الطبيعي أن يلقى هذا الخطاب نقاشا واسعا لم يقتصر على فقهاء القانون وحدهم، بل امتد إلى كل أوساط المجتمع. و هكذا أصبح الإصلاح الدستوري حديث الساعة في الشارع المغربي بمختلف مستوياته. و اللافت أن كل وجهات النظر أصبحت تعلن عن نفسها بدون تحفظ أو خوف. و ذلك مؤشر على التحرر من عقدة لازمت الرأي العام المغربي طويلا كلما تعلق الأمر بشأن يمس السياسة من قريب أو بعيد.
من المؤكد أن المغرب يتحرك على كل المستويات ( و إن كانت حركة بطيئة ). و من المؤكد أيضا أن هذا النقاش العمومي المفتوح حول الإصلاح الدستوري يعبر بشكل من الأشكال عن هذه الحركية. و عندما يجد الإنسان العادي نفسه قادرا على الحديث بصوت مرتفع في المقاهي و في المنتديات العامة و الخاصة عن أمور كانت إلى وقت قريب مصنفة في خانة الممنوعات، فإن ذلك يعني أن جدار الصمت السميك قد بدأ في السقوط. و أن الشعب قد أصبح فاعلا في المشهد السياسي. هذه الفاعلية التي عبر عنها شباب 20 فبراير عندما استلهموا من التجربتين التونسية و المصرية روح الإحتجاج الحضاري و المطالبة بالتغيير في مستوى السقف الذي يناسب الحالة المغربية. لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفي دور هذا الحراك في النقاش الدستوري الذي يعرفه بلدنا. و من الواضح أن المؤسسة الملكية قد التقطت جيدا الإشارات التي أرسلها حراك 20 فبراير. و هذا التجاوب الإيجابي مع مطالب الشارع يعبر عن رغبة حقيقية في النهوض بالمغرب إلى آفاق أفضل... لكن كثيرا من الأسئلة مازالت تطرح نفسها بإلحاح. و لا يجد لها الشارع المغربي إجابات محددة. فالرغبة في التغيير تحتم على الدولة أن تعبر بشكل لا لبس فيه عن حسن النية. و لا معنى للنوايا إلا إذا تحولت إلى أفعال و إجراءات ملموسة. غير أن ما حدث في الدار البيضاء يوم 13 مارس أسال الكثير من المداد على هذا المستوى، و أعاد النقاش إلى نقطة كان بالإمكان تجنب العودة إليها في هذه المرحلة.
التغيير يعني القطع مع ممارسات الماضي. و ارتفاع مؤشر الثقة لدى الشعب المغربي نتيجة الخطاب الملكي يجب أن يستمر من خلال ترجمة الأقوال إلى أفعال. لذلك كان تعيين اللجنة الإستشارية لمراجعة الدستور بداية لتحقيق هذا المطلب عمليا. لكن اشتغال اللجنة يجب أن يوازيه عمل ميداني يواكب هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي فتحه خطاب 09 مارس. و في هذه المرحلة بالتحديد يحضر المستوى الحقوقي كمحك حقيقي لجس نبض الدولة المغربية. إذ لا يمكن أن نتحدث عن مغرب ما بعد 09 مارس إلا إذا ترجمت الدولة نواياها الحسنة ميدانيا من خلال صيانة و حفظ كرامة و حقوق الإنسان بالشكل الذي يتناغم مع النهضة الحقوقية التي يعرفها المغرب هذه الأيام على المستوى المؤسساتي. و تأتي محطة 20 مارس لتشكل امتحانا فعليا للخيار الأمني الذي دأبت وزارة الداخلية على اللجوء إليه. لذلك فإن الأجهزة الأمنية مطالبة بالتعامل مع الأمر بما تقتضيه طبيعة المرحلة. و ذلك بالسماح للمحتجين للتعبير عن مطالبهم و انشغالاتهم في الحدود التي يقتضيها القانون طبعا. أما اللجوء إلى العنف و المنع فذلك خيار ينبغي أن يدفن مع الماضي. و هذا يعني أن الكرة في مرمى الدولة. و لابد أن القائمين على الشأن الأمني يدركون جيدا حساسية المرحلة، خصوصا و أن أعين الجميع ستراقب ردود الفعل التي ستلجأ إليها الدولة خلال المسيرات المنتظرة يوم 20 مارس. و في المقابل ينبغي على جميع الذين سينزلون إلى الشارع خلال هذا اليوم الإلتزام بأساليب الإحتجاج الحضاري و السلمي التي تقدم صورة مثالية عن المغرب و المغاربة.
هكذا إذن سيكون تاريخ 20 مارس مناسبة لامتحان النوايا. و الثقة التي زرعها الإعلان عن التعديل الدستوري المرتقب في نفوس أبناء الشعب المغربي، يجب أن تصان بكل أمانة و مسؤولية من أجل الغد الذي ننشده جميعا. محمد مغوتي. 18/03/2011.
التعليقات (0)