مباشرة بعد إقرار الدستور الجديد في استفتاء فاتح يوليوز، بدأ الحديث يتنامى عن مستقبل الحراك الشعبي في المغرب. واللافت أن أكثر القراءات تداولا بهذا الخصوص، تؤكد وفاة حركة 20 فبراير التي شغلت الرأي العام و أربكت حسابات الدولة منذ الإعلان عن الطبعة المغربية لحراك " الفيسبوك ". فهل تجاوز الزمن حقا هذه الحركة الاحتجاجية؟. هل ماتت 20 فبراير؟.
من المؤكد أن بريق الحركة قد فقد الكثير من لمعانه بالمقارنة مع ما كان الأمر عليه قبل الإعلان عن التعديل الدستوري. و يمكن القول أن تعاطي الدولة مع الخرجات الاحتجاجية التي دعت إليها الحركة ساهم إلى حد بعيد في تراجع أسهم 20 فبراير، لكن العامل الداخلي المرتبط بالإطار التنظيمي لهذا الحراك الشعبي هو الذي أضعف " الفبرايريين". فقد بدا للمواطن المغربي مع مرور الوقت أن توجه هذه الحركة لا يستجيب لتطلعاته و مطالبه الملحة.... و لا يتعلق الأمر هنا بتسييس الحركة، لأن المطالب السياسية جزء أساسي من حراك الشارع المغربي في هذه المرحلة، بل يتعلق بأدلجة هذه الحركة الشعبية التي بدأت بشكل عفوي و دون مظلات، لكنها تحولت مع توالي " الإنزالات" كل أسبوع إلى منصة للعدل و الإحسان و كذا اليسار الجذري. و عندما اتضح أن الخطاب الذي يردده الفبرايريون ليس إلا نسخا مكررة من أدبيات جماعة عبد السلام ياسين في أكثر الأحيان، و شعارات اليسار الراديكالي في أحيان أخرى، تراجع مستوى التعاطف الشعبي مع هذه الحركة الاحتجاجية التي تعرضت للنقد و الاتهام بسبب مواقفها المعلنة و خلفياتها الإيديولوجية. و الواقع أن سقوط 20 فبراير في المحظور كان منتظرا، فقد نبتت هذه الحركة في مغرب يعرف عزوفا سياسيا كبيرا، و نظرا لقلة التجربة السياسية، بل و انعدامها، عند الكثيرين من متزعمي المواعيد الاحتجاجية في مختلف المدن المغربية، فإنه كان من الطبيعي جدا أن يتم استغلال هذا الحراك من طرف جهات محددة تنفذ أجنداتها الخاصة، و توجه رسائلها إلى المخزن، وتعبر عن قدرتها على تعبئة الشارع و تأطيره.
لقد خلقت 20 فبراير وضعا جديدا تسارعت فيه و تيرة الإصلاحات بشكل كبير لم تستطع كل الأحزاب السياسية أن تنجح في فرضها منذ بداية العهد الجديد. لذلك فإن ورش الإصلاح الدستوري بحسناته و سيئاته هو إنجاز محسوب لهذه الحركة التي حركت المياه الراكدة في المشهد السياسي المغربي، و خلقت دينامية اجتماعية لم يسبق لها مثيل. لذلك فإن تراجع قوتها في الآونة الأخيرة لا يمكن أن يطوي صفحتها بسهولة. فجميع المغاربة يؤمنون أن الأهداف التي خلقت من أجلها الحركة هي مطالب مشروعة و عادلة و ضرورية، و كلهم يدركون أن الطريق إلى المستقبل يمر عبر محاربة الفساد و القضاء على الرشوة، و تخليق الحياة السياسية، و تحسين الخدمات الاجتماعية، و تمكين المواطن المغربي من أسباب العيش الكريم في الشغل و الصحة و السكن و التعليم... و تلك هي الشعارات التي رفعتها الحركة لحظة ولادتها. و تحقيق هذه المطالب يقتضي إرادة سياسية حقيقية و حكومة مسؤولة و منبثقة من الإختيار الشعبي الحر و النزيه. و قبل هذا وذاك يقتضي القطع بشكل نهائي مع ممارسات الماضي التي مازالت ( للأسف الشديد) تفرض نفسها في مغرب يفترض أنه يحاول صناعة الإستثناء في المنطقة. و ما دامت هذه العقليات قائمة بالشكل الذي رأيناه خلال حملة الإستفتاء الدستوري التي لم تعبر إطلاقا عن التوجه المعلن للمغرب الجديد نحو الديموقراطية فإن أسباب بقاء حركة 20 فبراير ما زالت قائمة. و لا يبدو أنها في الطريق إلى الزوال قريبا. إذ أن إرثا ضخما خلفته ممارسة سياسية عمرت لأكثر من خمسين سنة لا يمكن تصفيته بين عشية و ضحاها. لذلك ينبغي لهذه الحركة أن تبقى كوسيلة ضغط (في إطار مقتضيات القانون طبعا) من أجل دفع دوائر القرار الرسمي إلى تحويل الأقوال إلى أفعال، فالدستور الجديد أصبح أمرا مفعولا بالرغم من اختلاف المواقف المسجلة بشأنه، لكن مقتضياته التي توصف بأنها " متقدمة " لن يكون لها أي معنى إلا من خلال تفعيل حقيقي لآليات الإصلاح بشكل ميداني...
إن القول بأن التعديل الدستوري شكل ضربة قاضية ل 20 فبراير هو حكم خاطئ و متسرع، إذ مازال الوقت مبكرا على إصدار شهادة وفاة هذه الحركة و نعيها. بل يمكن القول أنها على موعد مع ولادة جديدة تحت أي مسمى، لكنها ولادة مشروطة بتصحيح مسارها النضالي و انعتاقها من التخندق الإيديولوجي الذي يجعل الجموع تنفض من حولها. وهي مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى التعبير عن مغربيتها و انبثاقها من هموم الشارع الذي بدأ يمتلك الجرأة على الصراخ في وجه الظلم و يدعو إلى تأهيل البلد إلى انتقال ديموقراطي فعلي، ينسينا الإنتقال الذي بدأ مع حكومة التناوب الأولى، لكنه مازال يراوح مكانه حتى الآن. محمد مغوتي.17/07/2011.
التعليقات (0)