بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
أعتذر من أخوتي وأخواتي الكرام عن التأخير في تكملة الحوار… ونعود لنكمل ما انتهينا إليه في الحوار السابق.
لقد التقيت مرة أخرى بصديقي العزيز وكان لا زال مقتنعا ومغتبطا بالاستدلال الذي طرحته له في إثبات ولاية الإمام الخامنئي (حفظه الله). ولكن لم يجرأ أن يطرحه على بعض المنكرين من أصدقائه حيث كان يتوقع أن يسمع منهم إشكالا ما كان يعرف جوابه. وقد طرحه في نهاية حوارنا السابق ولكن امتنعت عن الإجابة، إذ قد شعرت بالتعب آنذاك مضافا إلى أني كنت أريد أن ينشغل ذهنه بهذه المسألة فترة، لكي يصل بنفسه إلى الجواب…
قال: لقد سألتك في آخر الحوار إذا اعتبر أحد أن كل هذه القرائن والشواهد التي اختص بها الإمام الخامنئي (حفظه الله) ليست سوى امتحان للناس، فما الجواب؟
قلت: ماذا تقصد من الامتحان؟
قال: يعني إن اعتبرها من قبيل العلم الذي يحمله المنافق ـ والعياذ بالله ـ أو من قبيل فصاحة اللسان الذي يحظى به الإنسان الضال المضل… فكأنما لم يرد الله أن يجعل جميع المنحرفين أناسا قبيحين و أميّين لا يعرفون شيئا ولا يحسنون أمرا. فكل المذاهب المنحرفة والأفكار المضلة قد طرحت على يد أناس أذكياء ذات لسان وكفاءات وقابليات. فإن ذكرت القرائن التي تفضلت به سابقا وذكرت تأييد العلماء للإمام الخامنئي وخصاله ومواصفاته الرائعة، لعله يجيبني بأن شأن هذه الخصال والقرائن كشأن نبوغ جميع رؤساء المذاهب ومبدعي الأفكار المنحرفة في العالم. فقد أتاح الله له الفرصة ليمتحن به الناس ويرى مدى بصيرتهم وعدم انخداعهم به. فما الجواب إن طرح هذه الشبهة؟
قلت: جيد. طبعا في البداية يجب أن نعرف أن لو جاء أمير المؤمنين بنفسه وأشار للإمام الخامنئي بالبنان لما اقتنع به البعض كما لم يقتنع عدد كبير من المسلمين الحاضرين في واقعة الغدير بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام). فنحن نعيش في زمن لم يستأصل فيه مرض العناد. فلا تتعب نفسك مع المعاند الجاحد. ولكن بشكل عام يجب أن نتباحث فيما بيننا في هذه المسائل العقائدية لنزداد يقينا ونتسلح على رد الشبهة وإقناع من يطلب الحق.
قال: طيب، ارجع إلى السؤال وجاوبني عليه وأوكل المنبر إلى إشعار آخر. هههههه
قلت: هل وصلت إلى جواب خلال هذه الفترة.
قال: لا. لقد فكرت فيه كثيرا ولكني لم أجد حلا له.
قلت: دعني أقرّبك للجواب. فلو كنت في زمن موسى وأشكل عليك جاحد بمثل هذا الإشكال، فكيف كنت تجيبه؟
فكر وتأمل قليلا وقال: لا شك في أن الأرض لا تخلو من الحجة فعندما يشكك هذا الإنسان بنبوة موسى، يجب أن نسأله من نبيك إذن ومن هو حجة الله عليك؟ لابد له من أن يذكر اسم أحد ويقول إني قد آمنت بنبوة فلان. فعند ذلك نقارن بين مواصفات وقرائن النبي موسى، وبين ذلك الإنسان، ولا شك في أنه سوف تكون مواصفات وشواهد النبي موسى على نبوته أكثر بكثير من مواصفات ذلك الإنسان.
قلت: أحسنت. هذا هو الجواب الصحيح، فما المشكلة عندك إذن ولماذا قلت: لم أصل إلى جواب.
قال: لأن إشكالي ليس في نبوة النبي موسى (عليه السلام) بل في ولاية الإمام الخامنئي (حفظه الله).
قلت: لا حبيبي ليس إشكالك هنا. إشكالك هو أنك لا زلت تفرّق بين زمن الغيبة عن باقي الأزمنة، ولا زلت لا تطبق السنن الإلهية العامة الشاملة على زمن الغيبة، فاعتبرت الشبهات المطروحة في هذا الزمان شبهات جديدة تختلف بجوهرها عن شبهات زمن الأنبياء، ولذلك احتجت إلى أجوبة جديدة.
قال: كيف نطبق هذا الجواب على هذا الزمن؟
قلت: بكل بساطة. نسأله إذن من هو الولي الفقيه عندك؟ فليس له بد إلا أن يأتي باسم عالم من العلماء. فما إن ذكر اسما من الأسماء يظهر بطلان رأيه.
قال: كيف؟
قلت: إن أنكرنا ولاية الإمام الخامنئي (حفظه الله) لابد من أن نعتبر جميع القرائن والمواصفات التي يمتاز بها السيد امتحانا لكشف مدى بصيرة الناس. فتصبح ظاهرة ولاية الإمام الخامنئي (حفظه الله) امتحانا شديدا صعبا زلّ فيه كثير من العلماء والعرفاء والأخيار والمجاهدين والمؤمنين الذين قضوا عمرهم جهادا لخدمة الإسلام. ولا شك في أنه عندما يصعب الامتحان ويشتدّ على الناس، يجب أن تكون الحجة قوية وشديدة الوضوح أيضا. وهذه حقيقة يشهد لها التاريخ.
من الفتن العظيمة في التاريخ هي فتنة السامريّ حيث استطاعت أن تخدع الكثير ولكن كيف سمح الله للسامري أن يخدع الناس بتلك الطريقة؟ لأنه قد أتم حجته بموسى ومعاجزه الغريبة العجيبة التي لولا القرآن لما صدقها أحد! ومن الفتن العظيمة التي مرت على المسلمين هي فتنة معركة الجمل إذ تقاتل فيها كبار الصحابة وجاءت أم المؤمنين بنفسها تقود جيش الفتنة، ولكن لا نعذر أحدا من الذين نصروها إذ قد أتمّ الله الحجة وأظهر الحق بأمير المؤمنين (عليه السلام).
فقد يسمح الله سبحانه لأئمة الضلال أن يتحلوا ببعض المظاهر ليخدعوا الناس ويوقعوهم في الفتنة، ولكن قبل ذلك لابد من أن يتم الحجة بإظهار الحق بكل وضوح. هذا هو أسلوب الله.
الآن، هناك مئات العلماء من المراجع والمجتهدين قد أقروا بولاية الإمام الخامنئي (حفظه الله) ودعموا ولايته. فإن كانت هذه الظاهرة مجرد فتنة وامتحان، لكان المفروض أن يكون الولي الفقيه الحقيقيّ يحصل على أضعاف هذا التأييد، وأنت تعرف أنه ليس هناك عالم ادّعى الولاية وأيّده وبايعه عشر هذا المقدار، فضلا عن أضعاف ذلك.
وهكذا بالنسبة إلى باقي الخصال التي امتاز بها الإمام الخامنئي (حفظه الله)، فإن أردنا أن نعتبرها امتحانا وفتنة للناس لكان المفروض أن نجد عالما آخر ونرى فيه أضعاف هذه الخصال، وهذا ما لا وجود له.
طبعا لا أقصد من هذا الكلام التنقيص من باقي العلماء العظام (حفظهم الله) ولكن عندما يريد الله أن يتم الحجة على ولاية أحدهم، يميزه بامتيازات خاصة ليسهل تشخيصه على المؤمنين وطالبي الحق.
قال: نعم واضح قصدك وأشكرك على هذا الجواب الكافي. ولكن اسمح لي أشكل إشكالا آخرا. وهو أني أسمع من البعض أن هذا التأييد الذي نراه من العلماء إنما هو تأييد جبري فإن لم يظهروا تأييدهم للسيد القائد قد يواجهون شتى أنواع التضييق والأذى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. فأكثر هذا التأييد إنما هو تأييد عن تقية ليس إلا، فما الجواب؟
قلت: لقد حان وقت الصلاة. فلنؤجل الحوار إلى إشعار آخر.
التعليقات (0)