لا شك أن الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، كانت واحدة من أهم اللحظات خطورة في التاريخ المعاصر بعد الحربين العالميتين. ذلك أن هذه الضربة غير المسبوقة -التي تعرضت لها أقوى دولة في العالم- ساهمت إلى حد بعيد في تشكل معالم نظام عالمي جديد، تصححت بموجبه كثير من المفاهيم في العلاقات الدولية. و أصبح مطلب الحرب على الإرهاب عنوانا لمرحلة جديدة في هذه العلاقات مازالت ترخي بظلالها حتى اليوم، وستستمر تداعياتها لفترة طويلة.
أحداث الحادي عشر من شتنبر صدمت الرأي العام الدولي، و خلقت كثيرا من الشكوك و الأسئلة حول مستقبل الأمن العالمي. و ربما كان من الممكن أن يكون تأثيرها محدودا لو لم يتعلق الأمر بضربة موجهة إيديولوجيا. حينها أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قد دخلت فعليا مواجهة جديدة، لكنها ليست بالمعنى الذي عاشته خلال مرحلة الحرب الباردة. فقد بدا أن التنظيم الذي قام بالعملية يمتلك قدرات هائلة و مدهشة على التخطيط و التنفيذ، إذ لم يكن ليخطر على بال أي أحد أن تتعرض هذه الدولة العظمى لضربة بمثل تلك الدقة و ذلك التأثير... و في خضم الصدمة من هول ما جرى كانت القنوات الديبلوماسية في الدول الكبرى باختلاف توجهاتها قد توصلت إلى قناعة راسخة بضرورة تظافر الجهود لمواجهة هذا المارد الإرهابي الذي يهدد الأمن و الإستقرار. و هكذا خلخلت القاعدة قواعد العلاقات الدولية التي باتت تعرف تقاربا كبيرا بين أقطابها لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد تناست روسيا التي قامت على أنقاض المشروع السوفياتي خلافاتها مع الولايات المتحدة في لحظة تحتم فيها التضامن الدولي لمحاربة الإرهاب. لذلك يمكن القول أن الحسنة الوحيدة ( من باب رب ضارة نافعة) التي تسجل للقاعدة هي توحيد المجتمع الدولي ضدها.
أما اليوم و في الذكرى العاشرة لغزوة مانهاتن كما كان يحلو لزعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن أن يسميها، مازالت المخاوف الدولية قائمة، بالرغم من انحسار دور التنظيم بشكل كبير بسبب الضربات المتتالية التي تلقاها في أفغانستان و باكستان و العراق، و تحديدا بسبب المشاركة المكثفة لأغلب دول العالم في الحرب المعلنة على الإرهاب سواء على مستوى التنسيق المخابراتي أو من خلال تفعيل برامح المقاربة الأمنية و مطاردة الخلايا المشبوهة و تفكيكها في عدد من الدول الغربية و الإسلامية. و هي السياسة التي حققت نجاحات ملحوظة خصوصا خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث تراجعت العمليات التي تحمل بصمة القاعدة نسبيا. لكن هذه النجاحات المذكورة لا تجعل العالم في مأمن، لأن الأمر لا يتعلق بمجموعات منعزلة يمكن القضاء عليها في حرب مادية، بل يرتبط بثقافة مسيطرة تؤطرها إيديولوجية تستغل الدين بشكل يغذي الكراهية و ينمي العقد الهوياتية و يمنح مساحات واسعة لتفكير التكفير. و بالرغم من أن الإرهاب لا دين و لا وطن و لا لغة له، إلا أن نجاح القاعدة في استقطاب أفواج كبيرة ممن يسمون أنفسهم " جهاديين"، و تنفيذها لعدد من الهجمات التي أسقطت كثيرا من الأبرياء في عدد من مناطق العالم أثبت أن الإرهاب الإسلامي هو الخطر الذي يهدد الأمن العالمي، لأنه يقوم على قراءة موجهة للنص الديني تخاطب الإيمان الروحي للمسلمين، و تدغدغه بالعزف على مشاعر الإنتماء للإسلام و الدفاع عنه ضد الأعداء. و عندما يمتزج هذا الخطاب بمنتظرات الآخرة، يصبح من السهل الحصول على مزيد من المتطوعين للإنخراط في مشاريع إرهاب القاعدة و أخواتها.
إنها عشر سنوات، تغيرت خلالها كثير من الملامح التي ورثها العالم عند نهاية الألفية الثانية. عشر سنوات كان تاريخ الحادي عشر من شتنبر يتكرر كل يوم بمناسبة أو بدونها. و هو تاريخ سيظل نقطة سوداء أضرت بالإسلام و المسلمين إلى حد بعيد. هو تاريخ للذكرى. فهل تنفع الذكرى؟... محمد مغوتي.11/09/2011.
التعليقات (0)