عندما نفتح موضوع ولاية الفقيه على البعض ونتكلم عن محتواه ومضمونه الرائع، أحيانا نجده قبل أن يفكر في الموضوع و يهضم القضية جيدا، يصطدم معنا بقائمة من الأسئلة، وعادة ما يفتتح استنكاره بهذا السؤال ويقول: وما الدليل؟ وبعد ذلك قد يسرد أسئلته بغية طمّ القضية برمتها متسائلا: وكيف يمكن إطاعة غير المعصوم؟ ثم حتى ولو جاز ذلك كيف نوقن بولاية هذا الرجل لا غيره من فطاحل العلماء والمراجع؟ ومن أنباك أن هذا الرجل نائب الإمام الحجة (عج)؟ وهل يمكن أن نسلك طريقا بلا حجة ودليل ونؤمن بقول بلا استماع برهان و…؟
ولعلنا نقضي الساعات ونسهر الليالي معه من أجل إثبات القضية بالبراهين العقلية والنقلية والملفقّة باحثين عنها بين زوايا وهوامش الكتب الصفراء، ثم بعد كل هذا العناء يضرب كل ما سمعه عرض الجدار ويقول: لا شك في أن كلامك وجيه ولطيف ولكن المسألة أعقد من هذا المستوى، كما في المقابل هناك شبهات قوية لا يمكن ردّها بهذه البساطة، فالقضية تحتاج إلى تحقيق أكثر وأعمق…!
ما المشكلة؟ هل إن براهيننا ضعيفة كما يزعمون؟ وهل الذين آمنوا بولاية الفقيه من دون خوض هذه الأبحاث وركنوا إلى راية الولاية باذلين دماءهم وأنفسهم، كانوا بسطاء سفهاء لم يألفوا منهج التحقيق ودراسة النظريات؟ وهل الذين لم يؤمنوا بولاية الفقيه قد عثروا على براهين أدقّ وأحكم من هذه البراهين فانتهجوا طريقا آخر؟
ليس الأمر شيئا من هذا، ولا داعي للتعب والتفتيش للحصول على براهين أعمق وأدقّ لنقنع عقول هؤلاء النوابغ الذين لن تخفى عنهم ثغرة في برهان ولا مصادرة في قياس ولا أي اعوجاج في دليل.
القضية هي أن جميع الناس بلا استثناء، عندما يواجهون النظريات وحتى الأخبار والإشاعات لا يواجهونها بأذهان خالية وأوعية فارغة، إذ لا ينفكّ الإنسان عن خلفيات ذهنه ومشاعره. فعلى سبيل المثال عندما كان يعلن نبيّ بنبوته، كان البعض يسترّ ويستبشر بهذا الخبر ويوشك أن يؤمن به، فيقوم بتحقيق يسير من أجل اطمئنان قلبه فقط، فيشتعل قلبه نورا بمشاهدة آيات الله وبيناته الواضحة الدالة على نبوة هذا الإنسان، ويوقن به يقينا لا يعتريه شك أبدا.
وأما الآخرون فيتلقون خبر نبوة هذا الإنسان كخبر سوء مزعج منذ البداية، إذ يصعب عليهم الإيمان بأي نبي، فيتمنون أن يكون الخبر كذبا وادعاء الرجل افتراء. ثم تجدهم يتفوّهون بكلام مرتّب ملمّع محاولين إخفاء ما يجري في قلبهم فيقولون: لا شك في أن من ينال مقام النبوة يجب أن يؤيد ببراهين واضحة لا يمكن إنكارها، وإلى الآن لم نشاهد هذه البراهين من هذا الرجل. أو يخاطبون نفس النبي ويقولون له: لم نراك إلا إنسانا كباقي الناس فإن كنت صادقا في ادعائك وكنت نبيا حقا فأت ببرهان واضح؛ (ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقين) [شعراء: 154]
القضية هي أن في كل زمان هناك من يفتقد روح الولاية في قلبه ويبذل كل جهده من أجل الخدش في إعجاز الأنبياء وإبطالها ليتخلص من ورطة الولاية، ولا زال أمثالهم موجودين.
الإنسان السليم الذي لم يبتل بأمراض القلب ولم يسجن في سجون النفس وزنزاناتها يجب أن يتمنى أن يقوده ولي وقائد، إذ لم يدع الله الناس في يوم من الأيام بلا هاد وقائد، كما قال الإمام الصادق أو الباقر (ع): إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. [الكافي1: 178] ومعنى ذلك هو أنه لم يستغن الإنسان في تاريخه عن القائد ويدل ذلك على أن الله قد خلق الإنسان محتاجا إلى القائد وفطره على هذه الحاجة. فنظرية ولاية الفقيه جاءت لقضاء إحدى حوائج الإنسان الفطرية، فهي تقول يا أيها الناس أبشروا وافرحوا فكما أن الله سبحانه وتعالى لم يترك الناس في يوم من الأيام بلا هاد وقائد كذلك اليوم لم يترك الأمة الإسلامية وحدها، فهو قد أرسل لنا فقيها لنطيعه ونلتف حول رايته.
إن هذه النظرية جميلة قبل أن تكون مستدلة ومبرهنة، ومن لم ير جمالها وحلاوتها لم يوفق للإيمان بها، ومن كان يتمنى بطلان هذه النظرية وخاض التحقيق فيها من أجل إبطالها لم يؤمن بها أبدا، لأنه يفتقد أهم شرط الإيمان بالولاية وهو روح الولاية والإطاعة.
التعليقات (0)