......شهقة .......
___________
تزوجت روحانا ، بلا مهر ، بلا عقد ، وشاهِدنا الرب .. جمعنا سر اللحظة ، وعبق التاريخ .. اشهدي يا قلعة ارابيلا ... فسحرك اغفى كل العيون ... واوقف الزمن كي نلتقي في احضانك ... يا اعتق من الازل … تحت تر ابك يا ارابيلا ترقد اجيال ، واجيال ، سحيقة البعد ،وقبل ان يخلق التقويم .. بين جدرانك عاشت وماتت الآف من قصص حب .. قفزت احداها هاربة من سجن الاسطورة كي تكتب ميلادها من جديد فوق اسمي ...الليلة...
قضي الامر .. وتجسدت روحين لعاشقين عتيقين في جسدينا ،التصقت مساحاتنا ،امتزج شهيقنا ، تلون عرقنا بعطر الاخر ،واشتبكت سوائلنا الحارة بقتال شوارع تعجز عن ايقافه كل المفاوضات .. تجمدت الكلمات على حافات الشفاه مندهشة .. متلعثمة من رؤية مشهد التحام مخلوقين رائعين جمعهما ألق أرابيلا وسحرها الخالد الذي رسم مصيره قبل نزول الرسالات ..قبل ولادة الحضارات ،لتغزل اول خيوط قدرنا عندما قضمتُ التفاحة ومزقتُ عذريتك ..ولونت صفحات اعوامك الثلاثين البيض التي لم يكتب فوقها باحمر شفاه لامرأة ...لفتاة …. قبلاتك اليتيمة منحتها لوالدتك ، وقبلها .... وبعدها .... لا انوثة سال لها لعاب ذكورتك الدفينة ، ولا قوام داعب مخيلتك …. حتى التقيتك … .
اعترف بكل الصدق الذي انقرض من عالمنا الداعر بأن تجربتي قبلك قاسية …وملوحتها اغتالت خصوبة ارضي ،صبها زوج اختصر همجية بداوة الصحراء في كينونته باسم العرف الغبي .
سبع سنوات عجاف معه .. مزق ثياب عرسي بخنجره ... شدني من ضفائري المعجونة بالنرجس ... لفني بعباءته المتربة ...مزق عذريتي ، وحملني من خضرة الجبال الى جدب الجنوب … سبع سنوات عجاف .. وانا مصلوبة باوتاد خيمته .... وسبع سنوات خصب ونماء اراها في سهول عينيك .. يا آخر الرجال …
الطريق الى ارابيلا طويل ... حذرونا من الارهايين ..قبل يومين ذبحوا تسعة من المدنيين ، وجدوا مكفنين باكياس قمامة على الطريق ، والاغنية في الحافلة تدور ... وتدور اغنية... ( عينيك كذابين ).....
وانا اقرأ الأدعية ... وأُسبح بمسبحة امي الغالية تسعة وتسعون مرة (لا صدق الا في عينيك ) يا رجلا ستكتب لي الشهادة بين ذراعيه في تلك الليلة المسحورة .. عاهرة المغنية تنطق بالكفر ، ورفيقة السفر تردد (عينيك كذابين) وانا اتلو اسمك صلوات.. يا اصدق النبوءات .. واتقى النساك ..سبع سنوا ت خصب ستولد خيرات فوق جسدي …ستغرس اكفك اشجار الصنوبرفوق سفوحي ...
الطريق طويلة...تقطعه مقبر ة ... اعتصر الهم قلبي
، تهلل وجهه بالبشر وهمس بالدعاء لارواح الراقدين انتظارا للبعث .. نظر الينا قائلا استبشروا ... أهل هذه الديار يرحبون بنا.
سألته :
- الا تخاف المقابر ؟
ابتسم بوسامة ابهجتني:
- كان جدي لأمي شيخ جليل خافه الجن .. وفك طلاسم السحر.. وشفى ممسوسين .. كنت اقطع المقبرة قافزا فوق القبور في الخامسة صباحا كي اصل المدرسة في مدينتي الغافية منذ مئات السنين على النهر ، وعيوني ترنو نحو الجبال ... داعيا الرب لأستعجل رجولتي بسرعة كي اتسلقها ..هناك كان محرابي الاول ..وارواح الموتى اعز رفاقي .. يرحبون كل فجر بوقع خطواتي الصغيرة فوق تراب اجسادهم .
عرفت حينها كيف سحرني ...كيف تلبسني وادخلني اسيرة لمملكته لأتعبد في محراب .. حفيد الشيوخ والزهاد .. والى أيّ عوالم غيبية قادتني عينيه الآسرتين فوق الجمر .. لا الم ...لا لسعة نار .. لانه عمدني بحبه..
وصلنا متأخرين الى الفندق بعد عناء .. غصت القاعة بالوفود ، اجراءات التفتيش مملة بحثا عن سلاح ، او متفجرات .. نجحت في اخفاء قلبي عن الكاشف فقلبي قنبلة موقوتة بحبك .. لم نجد غرفة لنا .. فقدتُ زمام الامور .. ثرتُ .. هددتُ موظف الاستقبال بالشكوى لدى مديره الذي حضر على عجالة ،عرض علينا ببراءة المشاركة في غرفة واحدة .. ارعبني العر ض وفار الدم في عروقي لهذه الاهانة ..سحبني من يدي .. التقت عيناي بعينيه .. شددت حجابي بعصبية .. رد على عرض المدير بالايجاب .. فكرة النوم في غرفة واحدة مع غريب تودي بي الى الجحيم ، مالت بي الارض ... صرختُ في وجهه:
- ايها الوقح كيف تجرؤ ..
قاربت انفاسه انفاسي وتقابل وجهينا بحوار مكتوم.. أباحت عينيه بكل دواخله ، والتصقت رغباته المحرمة برفضي ، داخلي يتوسل القبول ويدخل في سجال دموي مع كل ما تعلمته في حياتي وانا ارقب قريباتي يفقدن ازواجهن في الحروب ليعشن ناسكات ،ويهبن اجمل زهرات شبابهن للنسيان.. بلا رجال .. بلا قلب .. بلا رغبات .. فكل زوج يموت تدفن معه انوثة امرأة تجبر على الانتحار وفاء لذكرى زوج ، سواء اكان صالحا ام خسيسا .. هذا ديدن عائلتي ..
بهمس مذبوح قطع عاصفة افكاري قائلا:
سوف اترك الفندق و هذه الضيافة الغادرة واذهب الى المدينة ..
- لكن الوقت متأخر ولن تجد من يقلك .
- هل تأتين معي .
- سؤاله اغواني .. كذب التأريخ العابث بعقولنا بان حواء اغوت أدم … ها هو أدم الجبلي يغوي حواء لوثت روحها البداوة … قطع شجرة التفاح كلها ورماها تحت قدمي لأحبل باول ذريتي هذه الليلة …
بدأ الرجال يرمون شباكهم القذرة بدعوتي للمشاركة في غرفهم او التخلي عنها لاجلي ،في عرض ذكوري مخصي .
احاطتني عيونهم كمقابر فاغرة الافواه تصرخ لابتلاعي .. فاحت رائحة عفن من كل الزوايا .
لحقت به دون تفكير كي اغادر معه هذا الحفرة الملئ بالديدان .
الطريق نحو الشارع الرئيسي ترابي ، ينحدر بشدة تتخلله انحناءات ملتوية ، كدتُ اسقط مرتين .. امسك بيدي وحمل حقيبتي سفري .
بدت السماء صافية كانها رفعت توا لتبد أ الاكوان ، النجوم تصطلي ببريق ضوء مسروق من شمس بعيدة تنير الجانب الاخر من العالم..
رفعت اكفي للسماء في محاولة طفولية لامسك النجوم ،التي بدت في متناول يدي ...الليل يتملكني ... عبق الربيع يهيج مشاعر منسية بدأت تستيقظ امام سحر ارابيلا.. ضحك من محاولتي ..
اغلقت باب غرفتي ورميت حقيبة سفري , بعثرت ثيابي على السرير .. والسرير المجاور يرمقني بعتاب يسأل عن صاحبه .. حتى في هذه الغرفة النائية سريران ..كأن القدر يبذرني لأتبرعم وانتظرخصب ربيع يوسف القادم من الغرفة المجاورة … فتحت النوافذ وقلعة ارابيلا تتنصب امامي شامخة ، عصية .. تمنيت الموت كي ادفن تحت ترابك ويعلق عبر الزمن رماد جسدي في احجارك .. لأتوحد معك واخلد للابد .. ارابيلا .. امرأة انا مثلك .. تحلم بأن تحبل بأجيال .. واجيال كي تُخلد البشرية هل سأحبل الليلة وتكتمل انوثتي على ارضك البهية ؟؟؟ …
طقوس التطهر بماءك انعشتني وغسلت عني تعب الطريق ... انصتُ لتراتيل كهنتك ، يجوبون المدينة ، ينثرون الزهور في الطرقات ... اغمضت عيناي انتظر وصولهم كي يباركوني الليلة ، ويشهدون عرسي القادم... بللت خطواتي ارضية الغرفة ،ونسيم عليل تسلل من النافذة ، قرص جلدي بلذة غامضة .. ارتديت ملابسي على عجل واحتضنت الفراش .....نبوءة يوسف تدنو وتدنو …
، التراتيل تصدح ... تعلو .. وطرقات على الباب وعلى جدار قلبي ، ويوسف يستأذن القدر ليوقد نبوءة العشق في اعماق روحي المنطفئة ..
انتصب الرجل الاله شامخا امامي .. هل يستأذن الاله كي يمسح بيديه المباركتين جسد العابدة ؟؟ هل يستأذن الاله العابدة كي يباركها .. ويحتضنها ، ويقبلها ، ويحملها ، ويرميها فوق بساط من السحب ليقودها نحو الخلود…دعوتهُ للدخول ... تردد..الرغبة فيّ طبول بدائية , تطلب الاضاحي احتفاء به . .. كل شئ يرسم الخطط لالتهامه .. لكني خجلة من كتابة اول السطر في نبوءة يوسف .. لن اصلي لك ايها الرجل الاله ... لن اطلب الرحمة ، كي تداوي جروحي المزمنة الممتدة من مراهقتي لعمري المتبقي ..لن ادعوك لتشفي جنوني ... بل دعني ارقب عريك الالهي ... فنادرا ما تزورنا الالهة ... اليوم سأعلن الحادي ، وسأسلخ تقواك على اسوار انوثتي المخبولة بسحرك .
جلست على حافة السرير ..ركع امامي الرجل الاله ...هل يسجد اله لعابدة ؟؟ أ يصلي اله لي ؟؟ قبل قدميّ وباركت اصابعه ملمسي .. دفن رأسه في صدري وانطلق باحثا عن قمتين في جبالي ... وضاع في بياض ندف جلدي …. نام .... نام طويلا يرتشف من هذه العين ويقظم تلك القمة … همس في اذني:
_ ( يا معبودتي )…
ما أحلى ان يدللني رجل مثله ..يلمسني اله مثله..
انا التي حلمت بكل الرجال في سنوات الحرمان ولم اطل سوى نفسي اخر الليل .. دوى صراخي في اجواء الغرفة اشهد ان لا رجل الا انتَ ..
مدّ الفجر رأسه من النافذة وارابيلا تنفض عنها خدر النوم … نبوءة يوسف انتهت من كتابة ولادتي ... اخر السطر ... رميت سجادة صلاتي ... نزعت حجابي لا تدثر بعباءة ذكورته … قهرت الليلة اقدار النساء في عائلتي فلن تحترق بعد الان امرأة وفاء لزوج غادر الحياة ، كسرتُ القواعد ، وكنتُ الاستثناء الاوحد .. سأسحقُ يد كل من يحاول وأدي ..سأقتل ضعفي ، وأكف عن التمني بانني لو لم أوجد … و لولم اصرخ مرحبة بالحياة … ولو لم يقطع حبل امي السري عني .. ولو لم اشهق بانفاس الواقع....
الليلة دنست الاله …التهمت الاله …مات الاله على مذبح جوعي …
كي يبعث يوسف و تسمو زليخة من جديد .
التعليقات (0)