لا يختلف اثنان بشأن الدور الكبير الذي لعبته حركة 20 فبراير في توجيه المشهد السياسي و الاجتماعي في المغرب خلال الأشهر الأخيرة، فقد استأثرت باهتمام إعلامي كبير منذ تدشينها لأول موعد احتجاجي بجرأة لم يعهدها بلدنا قبل ذلك. لكن الصعود الكبير للحركة عرف انتكاسة حقيقية منذ تاريخ 22 ماي. و هو ما أفقد هذه الحركة كثيرا من بريقها و تأثيرها. لكن تراجع أسهم 20 فبراير ارتبط بأسباب موضوعية و أخرى ذاتية، تتطلب وقفة لتصحيح المسار إذا أريد لهذه الحركة أن تلعب أي دور في المستقبل القريب.
صحيح جدا أن مطالب الحركة الاحتجاجية تجد قبولا واسعا لدى فئات عريضة من أفراد الشعب المغربي. و ذلك حينما يتم الإعلان عنها في شكل عناوين كبرى من قبيل: الكرامة و الحرية و الديموقراطية و العدالة و محاربة الفساد و غيرها...و هي على هذا المستوى تتحدث و تنطق باسم هذا الشعب. و ذلك ما يفسر المشاركة العفوية من طرف فئات و أطياف مختلفة في خرجاتها الاحتجاجية السابقة. لكن هذه المشاركة، و إن غطت أغلب المدن و المراكز القروية، لم تتمكن من تحقيق حشد جماهيري مؤثر. بل إن استمرار المواعيد الاحتجاجية أدى إلى نوع من الفتور الشعبي الذي أخمد جذوة الحماس لدى الكثيرين خصوصا بعد موقف الحركة من قرار التعديل الدستوري. إذ بدا واضحا أن الخط المهيمن على الحركة هو التيار الراديكالي الذي تبلور في شكل زواج سياسي غير معلن بين إيديولوجيتين متباعدتين هما اليسار الجذري المتمثل في " النهج الديموقراطي" من جهة، و الإسلام السياسي الذي تتبناه جماعة " العدل و الإحسان" من جهة ثانية. و كانت تلك هي السقطة الرئيسية ل20 فبراير، و التي أفقدتها عفويتها و براءتها، حيث تحولت مواعيد الحركة إلى "إنزالات" سياسية كان الهدف منها هو توسيع دائرة نفوذ جماعة عبد السلام ياسين بالدرجة الأولى. و هكذا وجدت الحركة نفسها في مواجهة مباشرة مع الدولة التي عادت إلى رفع العصا في وجه المتظاهرين يوم 22 ماي و بعد ذلك في 29 ماي كذلك في عدد من المدن المغربية، وذلك على خلفية عدم التزام الحركة بقرار منع التظاهر الذي سبق الموعدين المذكورين.
نفاذ صبر الدولة الذي توجه العنف الذي أبدته القوى الأمنية في مواجهة المحتجين، أعاد إلى الواجهة سؤال الاستثناء المغربي. و زرع كثيرا من الشك لدى المراقبين في حقيقة نوايا الإصلاح. لكن اشتداد الخناق على الحركة لم يكن مقتصرا على هذا التعاطي الأمني العنيف من طرف الدولة فحسب، بل امتد إلى الشارع نفسه. و هكذا ظهر جليا أن المظاهرات المتكررة التي تدعو إليها الحركة أفقدت صبر شريحة واسعة من أفراد المجتمع. و هكذا تعالت كثير من الأصوات التي ضاقت ذرعا بخرجات 20 فبراير. و اعتبرت أن هذه المسيرات و الوقفات الاحتجاجية أصبحت مصدر قلق للمواطنين، بالنظر إلى أنها تعيق السير العادي للحياة اليومية. و هو ما رأيناه في 29 ماي مثلا عندما نظمت" شبكة تجار و مهنيي الرباط" وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان، ردد خلالها المتظاهرون شعارات تدعو إلى " رحيل" الحركة و ترفض أسلوبها في الاحتجاج، كما رفعوا لافتات تقول: " ما تقيسش رزق اولادي" في إشارة إلى أن التحركات الاحتجاجية المستمرة في الشوارع و الساحات الكبرى أدت إلى تراجع معاملاتهم التجارية، و في ذلك تهديد لرزقهم اليومي. هذا الموقف السلبي من الحركة بدأ يتنامى ليتبلور في شكل" ثورة مضادة " يبدو أن جمعية " ما تهضرش بسميتي" التي تأسست بالناظور هي مقدمة لهذا الموقف الجديد... و هكذا تجد حركة 20 فبراير نفسها في موقف حرج يعزز استراتيجية الدولة في تحجيمها و محاصرتها.
هذا الوضع الذي بلغته الحركة يدعو إلى طرح أسئلة ملحة عن دورها المستقبلي. لذلك فإن الحفاظ على مكتسبات هذاالحراك الشعبي الذي يحسب ل 20 فبراير يقتضي وقفة جديدة لتصحيح المسار. و الخروج من عباءة " العدل و الإحسان" و " النهج" بات أمرا ملحا في هذه المرحلة، لأن الأهداف التي من أجلها خلقت الحركة تم تجاوزها. فقد أصبحت 20 فبراير في أغلب المدن المغربية بمثابة بوق دعائي يسوق أطروحات هذين التنظيمين، و يستغل الاحتقان الاجتماعي لتمرير خطابات لا يفهمها أغلب البسطاء الذين يشاركون في المظاهرات بعفوية و حسن نية... و عندما اكتشف الشارع أن مطالبها أصبحت تتخذ طابعا راديكاليا معلنا بدأ يتراجع عن دعمها. فالمغاربة ينظرون إلى التعديل الدستوري نظرة إيجابية، بينما تؤكد الحركة في كل المناسبات على الرفض القاطع لهذا الإجراء الذي ليس إلا تكريسا لسياسة " الدساتير الممنوحة"... و هكذا أصبحت 20 فبراير تغرد خارج السرب. و قد كان من الأجدر أن تنخرط الحركة في النقاش السياسي المطروح، و تستعد للمرحلة المقبلة بشكل يؤهلها لتقديم بديل ممكن يستمد شرعيته من العمق الشعبي الذي انطلقت منه، و يسحب البساط من تحت أقدام كل الانتهازيين و المتسلقين. لذلك فإن الوفاء للحركة يقتضي وقفة حقيقية لتأطير أبناء هذا الشعب، و دعوتهم إلى الانخراط الفعلي في بناء مستقبل هذا البلد عبر المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات المقبلة، لأن الإصلاح الدستوري لن يكون العصا السحرية التي تقلب الأوضاع رأسا على عقب بين عشية و ضحاها. فالمطلوب هو تغيير العقليات و تفعيل المشاركة السياسية الواسعة لأفراد الشعب، و خصوصا لدى فئة الشباب. و تلك مسؤولية ينبغي على الحركة أن تتحملها في المرحلة المقبلة حتى تفوت الفرصة على كل الذين يريدون إبقاء المغرب على ماهو عليه. محمد مغوتي.07/06/2011.
التعليقات (0)