حينما كان المفكر الإيراني علي شريعتي قبل الثورة يلقي أهم محاضراته حول التشيع العلوي و التشيع الصفوي في حسينية الإرشاد و هو كذلك عنوان أهم كتبه، كان يحذر المؤسسة الدينية التي كانت تقود الصراع بجانب القوى الوطنية و اليسارية ضد نظام الشاه من استحضار و استلهام تجربة الدولة الصفوية التي حكمت إيران (1501 م – 1755 م ) و انتشرت إلى البحرين و الساحل الشرقي لجزيرة العرب و أذربيجان و أرمينيا و العراق و كردستان و أجزاء من أفغانستان ، لهذا سارع إلى دق ناقوس خطر الانزلاق و الانحراف داخل المؤسسة ولجم بدل اذكاء حالة العداء و الخصام مع العالم السني مثلما حدث مع الإمبراطورية العثمانية.
اليوم حين تنقل لنا تسريبات موقع ويكيليكس المشاعر الحقيقية والجدية لأنظمة دول الخليج من الدور و الملف النووي لطهران و اعتبارها رأس الأفعى يؤكد أن نظرة عدم الثقة التي كانت قائمة منذ الثورة الخمينية لدى الأنظمة السياسية العربية تحولت بعد انهيار نظام البعث في العراق إلى إيرانوفوبيا -الخوف الشديد من إيران- على أمنها السياسي و سلمها الأهلي و انسجام نسيجها و تركيبتها الاجتماعية خصوصا بعد مجيء احمدي نجاد إلى الحكم الذي يمثل التيار الديني المحافظ و الذي يردد إحدى أهم عبارات الخميني في جلساته الخاصة " إننا لم نقم بالثورة من اجل تغيير سعر البطيخ" و هي إشارة واضحة على إحياء مبدأ تصدير الثورة و مفهوم المجال الحيوي الشيعي اللذين شكلا اهم عناوين الثورة.
لقد كان الخميني يعي عندما قدم نظرية ولاية الفقيه كإجابة عن إشكالية الدولة في الفكر السياسي الشيعي الذي كان يرى أن إقامة شكل من الحكومة هو نوع من اغتصاب السلطة الشرعية المحصورة في الإمام المنتظر و كل دولة تقوم قبل عودة الإمام هي دولة طاغوتية،كان يعي انه لا يعمل على إحداث ثورة فكرية فحسب إنما على الدفع بكل المنتمين للمذهب الشيعي إلى الخروج من دور التهميش و الانزواء و الانكفاء خاصة في العالم العربي و التطلع إلى لعب ادوار هي اقرب إلى الولاء لمشروع لا يؤمن بالحدود الجغرافية بعد حسم الصراع الذي كان بين مدرسة النجف و مدرسة قم لصالح قم كمركز لصناعة مراجع التقليد التي تعد قوة دينية و اقتصادية و سياسية و اجتماعية.
إن الايرانوفوبيا أصبحت تدق أبواب أنقرة كذلك فبعد الاعتراض التركي على نوري المالكي و جلال الطالباني على تولي السلطة مجددا من منطلق إضعاف نفوذ طهران في الساحة العراقية، جاءت زيارة رجب طيب اردوغان الأخيرة إلى لبنان خاصة إلى عكار التي تمثل رمزا للطائفة السنية و تيار المستقبل وسط احتفال شعبي كبير كرد فعل على زيارة احمدي نجاد للضاحية الجنوبية معقل حزب الله الشيعي،لقد وضعت هذه الزيارة معادلة جديدة داخل الساحة اللبنانية هي معادلة عكار/تركيا/السنة مقابل الضاحية/ايران/الشيعة و هي مؤشر على أن الصراع التاريخي الصفوي العثماني لازال يطل برأسه.
في مقال نشر في جريدة الشرق الأوسط للكاتب مأمون فندي تحت عنوان "الإيرانيون الجدد" يقول صاحبه "سؤالي واضح لأي قارئ عربي اليوم لا مواربة فيه و دون لف أو دوران : هل أنت مع المشروع الأمريكي الذي يريد إعادة رسم خريطة المنطقة العربية من الخارج؟ أم انك مع المشروع الإيراني الذي يهدف إلى تقويض العالم العربي من الداخل؟" فعلا انه سؤال يستحق الوقوف أمامه مليا.
التعليقات (0)