يعد ابو لؤلؤة اول من قام بعملية اغتيال سياسي في بدايات الدولة الاسلامية حين قتل الخليفة عمر بن الخطاب، و هو مجوسي سباه المسلمون في معركة نهاوند و ينظر اليه الشيعة بكثير من الفخر و التعظيم و لا يخفون فرحهم بصنيعه لذا اقاموا له مزارا في مدينة كاشان الايرانية يتوجه اليه الزوار سنويا بالملايين ، اما دوار اللؤلؤة فهي الساحة التي اعتصمت فيها المعارضة الشيعية البحرينية التي انتقلت مطالبها من الاصلاح الاجتماعي الى الاصلاح السياسي لكن مع مرور الايام اتضح ان مليشيات الولي الفقيه كانت ترمي الى الاطاحة بالنظام و ليس فتح قنوات الحوار.
لا نعرف ان كان اعتصام الشيعة البحرينيين في دوار اللؤلؤة و اسم ابو لؤلؤة محض صدفة ليس الا ،ام ان الامر يتعلق بالتحركات الشيعية التي تمور بها الساحة حاليا في كثير من بلدان المنطقة خاصة الخليجية و هي تتويج للزخم الذي اعطته نجاح نظرية الولي الفقيه في ايران عام 79 في بعث الحياة للتجمعات الشيعية المتناثرة في المنطقة العربية و هي نظرية ظهرت خلال القرن 8 الهجري في جبل عامل بلبنان مع محمد بن مكي الجزيني الملقب بالشهيد الاول و التي ذكرها في كتابه " اللمعة الدمشقية " اذ رأى ان كل فقيه اجتمعت فيه اوصاف محددة هو نائب عن الامام و يحق له جمع الخمس الذي عطل مند زمن الغيبة الكبرى.
لقد شكلت الثورة الخمينية بداية خروج الشيعة من حالة التقوقع و الانكفاء الذي تعرفه المجموعات الشيعية العربية كنسيج اجتماعي منغلق على ذاته و هو الانغلاق الذي يرجع الى النظرية السياسية التي تقول انه لا يجوز اقامة الدولة او ممارسة الحكم اثناء غيبة الامام المنتظر و ان كل نظام سياسي قبل عودة الامام هو نظام طاغوتي لا يجوز اتباعه و يعد اغتصابا للسلطة الشرعية المحصورة في الامام رغم ان نظرية الولي الفقيه التي جاء بها الامام الخميني لم تكن محل اجماع عند العديد من المراجع الشيعية مثل الامام محمد مهدي شمس الدين و المرجع محمد جواد مغنية و المرجع محمد حسين فضل الله و رغم انها كذلك من بين مجموعة من الاجتهادات المختلفة التي تحاول تنظيم العلاقة بين الدولة و الفقهاء في المجتمعات الشيعية اذ نجد اضافة الى الولاية المطلقة التي اصلها الخميني ولاية الفقيه المقيدة بالانتخاب الشعبي التي جاء بها الامام حسين منتظري اضافة الى اجتهاد الامام باقر الصدر الذي يرى ان خلافة الناس تكون تحت اشراف اية الله العظمى او ما يسمى بالمرجعية الموضوعية، لكن هذه الاجتهادات لم تصمد امام الطرح الذي قدمه الامام الخميني و الذي لقي تجاوبا عند معظم الشيعة العرب.
لعل اخطر ما جاء به العمائم بعد استلام السلطة في ايران هو مبدأ تصدير الثورة و هو ليس من قبيل نشر الفكر الثوري كما في الشيوعية او الناصرية او البعث بل يرادف مصطلح الفتح في المفهوم الاسلامي اي اعادة فتح بلاد الاسلام و اخضاعها لزوما و ليس اختيارا لحكم الولي الفقيه فبدأت اولى اجراءاته العملية في تأسيس مجموعات حزب الله في لبنان و السعودية و البحرين و العراق و الامارات العربية كوعاء و استقطاب لشيعة العرب للثورة ضد الانظمة العربية و اسقاطها غير ان نظام صدام حسين عمل على وقف التمدد الفارسي بدخوله في حرب الثماني سنوات لكن ما لبث مبدأ تصدير الثورة ان يبعث مجددا و بقوة و زخم كبيرين بعد سقوط نظام البعث في العراق في 2003 مستغلا كذلك الصورة الايجابية الذي خلفها حزب الله اللبناني لدى الشعوب العربية في تحرير جنوب لبنان في ايار 2000 و وقوفه كمعادلة ردع لإسرائيل بعدما عجزت الانظمة الرسمية في فرض قوتها على تل ابيب.
ان الصورة التي حاول محمد خاتمي المتأثر بالأفكار الاصلاحية لعلي شريعتي و عبد الكريم سروش تسويقها عن ايران و الثورة و ان ساهمت الى حد ما في حدوث تقارب مع العالم العربي السني لم تستطع هذه الصورة ان تصمد بعد مجيء احمدي نجاد الى السلطة كمرشح للتيار الديني المحافظ الممسك بكل خيوط اللعبة الداخلية و مفاصل السلطة فعادت من جديد المخاوف التي اثيرت خلال ثورة 79 .
ليس من باب التهويل بل من باب الاهتمام و تحليل تفاصيل مجريات الاحداث و الحقائق ان نقول ان البصمات الايرانية و مليشيات الحرس الثوري حاضرة في الاحداث التي عرفتها مصر و تونس و ليبيا و تظهر اكثر قوة في اليمن و البحرين و سلطنة عمان و السعودية و لبنان و العراق.
في مصر شكلت حادثة محاولة اغتيال اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق و تهريب خلية سامي شهاب احد كوادر حزب الله اللبناني اشارة واضحة على التغلغل و التنسيق الايراني مع بعض الاطراف المصرية في زعزعة الاستقرار الداخلي و من المعروف العلاقات الخاصة التي تربط بين الاخوان المسلمين و طهران و التي تعود الى أربعينيات و خمسينيات القرن الماضي حين فتح حسن البنا قنوات الاتصال مع الامام الكاشاني احد ابرز وجوه المؤسسة الدينية اذ تم تدارس اقامة الدولة الاسلامية و تنسيق السبل لتحقيق المبتغى. التدخل الايراني لم يقتصر فقط على ربط العلاقات مع الاطراف الداخلية بل العمل على نشر المذهب الشيعي و الذي يتم اليوم بعد سقوط نظام حسني مبارك بصورة مكثفة و كبيرة وسط مختلف الفئات الاجتماعية خاصة ان بعض المناطق لازالت تحافظ على عادات و اعراف و تقاليد الدولة الفاطمية الشيعية التي حكمت ارض الكنانة سابقا.
حينما قطع المغرب العلاقات الديبلوماسية مع طهران ظهر جليا عمق الازمة التي نشبت بين العاصمتين و التي تتجاوز التصريحات التي عبر عنها بعض المراجع الدينية في مدينة قم في اعتبار البحرين جزء من الاراضي التاريخية للدولة الفارسية بل ان قطع العلاقات جاء كرد فعل على نشر المذهب الشيعي في شمال افريقيا التي كانت توصف بمنطقة سنية خالصة، و في تحليلنا لمنحى الاحتجاجات التي انطلقت في تونس نجد ان المنطقة الجنوبية التي بدأت فيها شرارة الزحف على قصر قرطاج تتواجد بها جماعات شيعية ساهمت بشكل فعال في الدفع بالأمور الى التصعيد و الدخول في مواجهات مع الاجهزة الامنية و لعل التحركات الشيعية في اقليم برقة بليبيا تعطينا مدى التحرك الشيعي في تفجير الاحداث في دول المغرب العربي و نعرف جيدا العلاقات المتوترة بين حركة امل و حزب الله من جهة و نظام العقيد القذافي من جهة اخرى على خلفية اختفاء الامام موسى الصدر في 31 غشت 1978 بمناسبة حضور احتفالات ثورة الفاتح دفعت هذه الاحزاب الى اقامة علاقات متميزة مع المعارضة الليبية و هي اليوم اكثر تنسيقا اذ تؤكد المعطيات القادمة من المنطقة الشرقية – اقليم برقة - وجود كوادر عسكرية تنتمي لأمل و حزب الله تعمل على تدريب الانفصاليين و تنظيم صفوفهم.
ان التدخل الايراني في شمال افريقيا لا يمكن ان يحقق نتائج كبيرة الا في حالة سقوط منطقة الشرق الاوسط بكاملها في المشروع الفارسي الذي هو اليوم يحقق اختراقات كبيرة في العراق و سوريا و لبنان اصبحت معه هذه الدول قاعدة امامية لتسويق المشروع في انتظار سقوط باقي دول المنطقة كقطع الدومينو.
في 10 تموز / يوليو 2002 صدر تقرير للباحث لورانت مرافييك من معهد هودسن المتخصص في الدراسات المستقبلية ذات البعد الاستشرافي يظهر سبل و كيفية تفكيك المملكة العربية السعودية و انشاء امارة مستقلة في الاحساء و هو تقرير خلف موجة استياء في العالم السني على اعتبار ان الامارة المزمع انشاءها في الاحساء- المنطقة الشرقية للمملكة- ستكون عبارة عن دولة شيعية و التي كانت تعرف قديما ببلاد البحرين الكبرى التي كانت تشمل شرق السعودية و البحرين و قطر و اجزاء من الامارات العربية و جزء من الكويت ، منطقة الاحساء تعد الاصل في التواجد الشيعي العربي في الجزيرة من ايام دولة القرامطة الشيعية ( الاسماعيلية ) خلال القرن الثالث الهجري و من المثبت تاريخيا ان القرامطة عملوا على دخول مكة المكرمة و الفتك بالحجاج و سرقة الحجر الاسود.
ما بين تصريح علي سلمان الامين العام لجمعية الوفاق الشيعية البحرينية بعد احتلال دوار اللؤلؤة من ان الوضع اصبح غير قابل للاستمرار حيث ان عائلة الخليفة تتحكم في كل شيء و تحركات اهم مراجع الشيعة السعودية نمر باقر النمر في منطقة الاحساء الذي ينادي بدولة البحرين الكبرى اضافة الى التمرد الحوثي باليمن جنوب السعودية و الذي يعد انقلابا فقهيا داخل المذهب الزيدي بعد ان وقع خلاف كبير بين العالم بدر الدين الحوثي و باقي علماء الزيدية على رأسهم المرجع مجد الدين المؤيدي حول شرط النسب الهاشمي للإمامة و معلوم ان الحوثي ينتمي الى فرقة الجارودية و هي احدى فرق الزيدية و الجارودية تتقارب في افكارها مع المذهب الاثنى عشري الذي ينتشر في ايران و قد استقر بدر الدين الحوثي في مدينة قم لسنوات اصدر خلاله احد اهم كتبه " الزيدية في اليمن " حيث شرح فيه اوجه التقارب بين الزيدية و الاثنى عشرية و قد رأى في نظرية الولي الفقيه اطارا لتجميع صفوف الشيعة تحت امامة المرشد الاعلى، ما بين كل هذه التصريحات و التحركات الشيعية التي تتم اليوم في منطقة الخليج العربي يؤكد بالملموس ان دولة شيعية عربية في مرحلة التأسيس وفق الية التفكيك و البناء التي تقوم عليها نظرية الفوضى الخلاقة.
يرى الايراني والي نصر الاكاديمي في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ( المجلس يعد بمثابة مخزن افكارلللسياسة الخارجية الامريكية) ان الصحوة الشيعية هي السد المنيع في مواجهة التطرف السني في المنطقة فهي صحوة مضادة لها و للتطرف بشكل عام و تهدف الى تغيير المنطقة بشكل ديمقراطي لذا يجب التعامل معها من طرف الغرب كحليف و ليس عدوا و ذلك لمواجهة التطرف السني و قد عمل على تأكيد هذا الطرح في كتاب اصدره بعنوان " الصحوة الشيعية "، و هذه الرؤية يجب على الدارسين الاهتمام بها جيدا لان الاوضاع التي تفجرت في منطقتنا العربية فجأة تطرح علامات استفهام كبيرة و كثيرة و ان كنا على يقين من وجود صفقة سرية تعمل على تفتيت المنطقة تحت عنوان الثورات الشعبية و حتى لا تردد مستقبلا الكثير من الاقلام و الاصوات التي اندفعت في غمرة الحماسة و صدقت ما تمور بها الكثير من البلدان من حراك اجتماعي بعد فوات الاوان تصريح الشاه من منفاه من مصر " انني الان ارى كل شيء بوضوح لقد صدقت الغرب كالأعمى و انني اخدت قضية صداقة الغرب شيئا مسلما به...... لقد كنت اعمى "
ما يحدث اليوم في دوار اللؤلؤة هو ناقوس خطر ان ابو لؤلؤة قد بعث من جديد و بأسلحة اكثر تطورا من الخنجر الذي طعن في جسد الفاروق عمر و لا يسعنا الا ان نردد بعض من مقاطع احدى قصائد الشاعر العراقي مظفر النواب :
اقسمت بتاريخ الجوع و يوم
السغبة
لن يبقى عربي واحد ان
بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الحسبة
القدس عروس عروبتكم
فلماذا ادخلتم كل زناة
الليل الى حجرتها ؟؟
و وقفتم تسمعون وراء
الباب لصرخات بكارتها
و سحبتم كل حناجركم
و تنافحتم شرفا
و صرختم فيها ان تسكت
صونا للعرض
فما اشرفكم
اولاد الق.....هل تسكت
مغتصبة؟؟
التعليقات (0)