انزعج بعض من المنتمين إلى شجرة "اركانة"، غير المباركة على هذه البلدة، التي اقتلعت رياحُ الغرور جذورها من قلوب الجماهير التي اعتقدت أن تجربة جديدة و فريدة في التسيير الجماعي سترى النور على يد مرشحيها ، من مقالي الأخير، وانبرى للهجوم عوض الدفاع المشروع عن التجربة، التي ينتمي اليها بالقرابة العائلية، من خلال تقديم أدلة ملموسة تُفند وجهة نظري المتواضعة. ولأن عزيز الوحداني هو أخ الرئيس، و عضو في الكتابة الاقليمية للحزب الاشتراكي، أضف الى كونه عضو في منتدى "افني آيت باعمران" ، الجمعية التي أسست لتشرف على تنظيم المهرجان الذي يتزامن مع ذكرى استقلال مدينة سيدي افني، فقد سارع الى التعبير عما يخالجه من مشاعر صدمة غير متوقعة، متجاوزا الضوء الأحمر المفروض أن يحترم إشارته وهو الذي يعمل في مدرسة تعليم السياقة.
إنني اتفهم الدوافع النفسية التي تقف وراء هذا الموقف المندفع، و لهذا فلن أخصص المقال كله للتعليق على كلماته، فدفاعه المترهل، الذي لم يصل حتى الا مستوى الاستفزاز المطلوب، لا يعدو أن يكون ردة فعل يائسة ورفض سيكولوجي منتظر لفكرة فشل تجربة "اركانة" في تسيير بلدية سيدي افني التي يترأسها أخوه، محمد الوحداني.
إن عضو الكآبة، عفوا، الكتابة الاقليمية، عزيز الوحداني، وعضو العائلة المقيمة في حزب "اركانة" منذ ما يقارب العامين ، يتوقع أن الكلمات التافهة التي خربشها تعليقا على مقالي الاخير تستطيع أن تلوي عنق الحقيقة التي ستلاحقه هو ومن يقفون أمامه من الذين ساهموا في الانقلاب على المشروعية الديمقراطية وشرعنوا العبث داخل مؤسسة المجلس البلدي.
فلا أعتقد أن الذاكرة ستخونه إذا ما أراد تذكر شيئا من ماضيه القريب، حين آتى إلى ساحة "لبياسون" ليتسلم الجائزة، باسم رئيس المجلس البلدي الذي كان غائبا حينها، وهو الذي لا يحمل أي صفة بداخل هذه المؤسسة، الأمر الذي لقي استهجانا من الكاتب الاقليمي للحزب الاشتراكي الذي عاين الواقعة بأم عينيه.
وإذا كنت لا أود أن أُستدرج إلى الدخول إلى بيت المزايدات الضيق من باب الكتابة الواسع ، إلا انني، وفي نفس الوقت، أعترف بأنني لا أمتلك الاستعداد المرضي للسكون دون أن تتحرك أناملي و أرمي ببعض من الأحجار الكثيرة و المتراكمة في طريقي، على مدى السنين الطويلة الماضية، في وجه بعض من الذين يصرخون بأعلى الأصوات من داخل بيت بُنيت كل واجهاته من زجاج.
إنني أكرر هنا والآن، و دون ملل، أن تجربة "اركانة" قد فشلت في إعطاء النموذج الذي يحتذى في تحمل مسؤولية تسيير الشأن المحلي، وعجزت عن حماية مكاسب الانتصار المدوي الذي خلفته أحداث السبت الاسود التي تحل ذكراها اليوم. فالآمال العريضة التي وضعتها الساكنة على كاهلها تبخرت فوق نار الكولسة والاستبداد والفوضى التي طبعت مسار التسيير طول العامين الماضيين، ولم تنفع كل الخطوات التي قمت بها الى جانب مستشارين آخرين في وقف زحف العبث الذي ظل العنوان العريض لهذه التجربة و الذي جرها إلى حيث تئن الآن.
لقد قدم حزب "اركانة" نموذجا مصغرا لطبيعة حكم الانظمة العربية المتخلفة، التي ترفض الرأي الآخر وتحاربه لنَفيِه، و التي خرجت عليها الجماهير الى الشارع مطالبة بإسقاطها. وهذا بالضبط ما ينتظر "اركانة" في أقرب محطة مقبلة حيث ستُجبر على النزول من قاطرة التسيير التي عجزت عن قيادتها على مسار الاصلاح و التغيير الحقيقي.
الم تمتلأ كراسي الكتابة الاقليمية بالعائلة والاقربين، ولهذا لم يكن من الصعب اتخاذ قرار إقالتي من الحزب بالأغلبية الساحقة، قبل ما يزيد على العام، في خطوة أرادوها أن تكون مقدمة لسحب النيابة الاولى، ردا على قرار تجميد العضوية، الموقع من طرف النائب الرابع كذلك، احتجاجا على انحياز الحزب الواضح والفاضح الى جانب الرئيس ؟
اليس من العيب أن يستفيد مقاول، عضو بالكتابة الاقليمية للحزب المسَيِر ، بصفقة شراء سيارة الرئيس و مشروع إصلاح البلدية و كذا صفقة ما لذ وطاب من المأكولات ، و هو الرجل نفسه الذي مُنح التزكية باسم "اركانة" خلال انتخابات غرفة التجارة والخدمات؟
اليس صِهرُ الرئيس هو نفسه المحامي المعتمد لدى البلدية و عضو الكتابة الاقليمية للحزب الاشتراكي و رئيس "منتدى افني آيت باعمران" الذي يُعد هذه الايام النسخة الثانية لمهرجان قوافل ؟
لهذا فمن المفيد أن يتحلى المرء بالشجاعة ويُقِر، على الأقل، بأن التصور الذي حكم تجربة "اركانة" منذ البداية هو ملأ الفراغ، الذي تخشاه طبيعة حزبهم، بذوي القربى، وإن كان بما لا يناسب منهم، فالرغبة في أن تتعزز سلطة العائلة على المواقع المتقدمة كانت هي الهم المشترك ل"مجلس الظل" ، بحيث اكتشفت بعض الأسماء ، كالأخ الآخر للرئيس، رئيس لجنة البيئة والمرافق العامة، نفسها على اللائحة الانتخابية للمجلس الاقليمي، دون أن تدرك دورها المطلوب على رقعة اللعبة التي تُحركها الخيوط من بعيد.
واذا كانت "اركانة" قد فشلت في تحقيق الفوز في العبور الى المجلس الاقليمي، في وجود أغلبية مريحة للناخبين من المستشارين الجماعيين، إلا أنها لم تستوعب درس الوضوح والشفافية ، الذي يعزز ويميز بناء مدرسة الديمقراطية، وظلت تمارس نفس السلوك الإقصائي أحيانا والعُنصري أحيانا أخرى، و الذي أفضى في النهاية إلى مزيد من الانشقاقات حيث فقدت المزيد من أعضائها الذين أسسوا فيما بعد الحركة المحلية لتصحيح المسار، معلنين تشكيل فريق مستقل بمواقفه عن قرارات الحزب العائلية.
لقد تحولت سيارات الخدمة إلى وسائل نقل للأشخاص والبضائع، ووُضعت تحت تصرف أعضاء الحزب و بعض من خدامه الاوفياء الذين لا يغادرون مقر البلدية إلا ليعودوا إليها ، ولعل الانكى في ذلك كله هو أنها ما انفكت تغادر المجال الحضري، بالرغم من التنبيه الى خطورة الفعل خلال المجلس التداولي، وتُقِلُ النائب ومن معه خلال نزهته الاسبوعية أمام أعين السلطات الوصية.
مع كل هذا يجد البعض من "ذوي السوابق" الشجاعة الكافية ليُطوِل لسانه ويلوك كلمات يعتقد، عن جهل كبير بمعانيها، أنها ستواري سوءة التسيير العارية.
لقد أهدرَت "اركانة" فرصة ثمينة لم تمنح لغيرها كي تعيد الثقة إلى جدوى الممارسة السياسية، لو أنها ترفعت عن الذاتية المقيتة وترجمت خطاب الشعارات إلى ممارسة فعلية.
فالشعارات التي رُفِعت في وجه الدولة المغربية في أكثر من محطة نضالية وحَبلت بمختلف رسائل الإدانة والمطالبة باحترام القانون ، ثبت أنها مجرد وسيلة تعبئة بمدة صلاحية محدودة، سرعان ما تولد عنها سلوك استبدادي اقصائي، يرفض القانون، أسقط خريفُ التسيير ورقة التوت عن شجرته العارية!.
وأما آيت باعمران، عنوان الملاحم التاريخية ووعاء الثقافات الوطنية، التي حولها البعض إلى مجرد أغنية لاستمالة القلوب واستدرار العطف، فعليه أن يستفيق من حلمه الذي يبدو أنه طال كي يدرك أن شمس واقع جديد قد اخترقت ظلام الاكاذيب والاشاعات، وأن الجماهير لم تعد تترنم على أغنية أفقدتها أوركسترا المستعارين إيقاعها الشدي ودلالاتها العميقة.
التعليقات (0)