مواضيع اليوم

أســــــود و نعــــامات

حنان بكير

2011-08-12 11:12:25

0

 

 


 

لم يتعد موقف الحكومة المغربية، التي صامت أكثر من خمسة اشهر  عن التعبير، بشكل واضح، إزاء ما يحدث في الاراضي السورية من بطش للنظام  وقمعه الوحشي ضد الشعب السوري الاعزل،   الاعراب عن " قلقها الشديد وانشغالها العميق حيال الاحداث الاليمة التي تهز سورية"   مضيفة أنها "تعرب عن أملها الصادق في أن يتمكن الشعب السوري الشقيق من إيجاد السبيل الملموس وذي المصداقية الذي يستجيب لتطلعاته المشروعة في الديموقراطية وطموحاته الطبيعية للتقدم بعيدا عن أي لجوء مفرط للعنف أو القمع".

إن البيان الذي حررته الخارجية المغربية ، التي لم تجرأ على التنديد بالمجازر التي يتعرض لها شعب سوريا الأبي، الذي يقاوم نظام بشار البوليسي الدموي بحناجره وليس بعصابات مسلحة كما تزعم أبواق إعلامه ، كان خاليا، وللأسف، من أي مفردات تدعو إلى وقف فوري للاعتداءات التي يقف وراءها النظام دون أدنى شك.

ولأننا نتفهم العجز الكبير لحكومة عباس الفاسي، المشرفة على الرحيل هي الاخرى، عن التحدث بلهجة أكثر شدة وشجاعة كتلك التي خرجت من افواه المسؤولين الاتراك، فكان من اللائق، على الاقل، أن يبتعد البيان عن اتهام مُبَطن للجماهير السورية   المنتفضة ضد ظلم النظام.

لقد كنا ننتظر أن تخرج الحكومة  من صمتها أمام عاصفة الاحتجاجات السورية، وإذا بها، كعادتها، تدس رأسها في رمال الدبلوماسية المتحركة و تخرج ، من خلال بيان يفتقر إلى الحد الادنى من وضوح الخطاب  ، عن حدود اللياقة والاحترام المفروض التعبير عنه إزاء ثورة سلمية استعصت على الاخماد رغم شتى انواع التنكيل والارهاب الذي راح ضحيته  المئات من الضحايا  التي تراكمت جثتهم في  شوارع حماة و ادلب وصوران و حمص   وغيرها من مدن  سوريا.

إن تأخر الحكومة في رد الفعل و تنكرها  لواجبها في صياغة موقف حقيقي ومشرف  ينحاز الى  الشعب السوري، الذي يعاني من ويلات النظام وأزلامه منذ خمسين عاما، يضعها في موقع الاتهام بل الانخراط في تقديم  شهادة زور  تمنح النظام العسكري في دمشق مزيدا من المبررات للاستمرار في قتل الابرياء.

لقد كنا نعتقد حتى عهد قريب أن النظام السوري، الذي كان لا يخفي دعمه لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان، لن يفرط في هذا الموقف المشرف، الذي شفع له في الاستمرار في الحكم وجلب له احترام وتقدير الشعوب العربية، إلا أن رأسه، بشار ،  لم يكن في الحقيقة إلا نذير شؤم على السوريين و  لم يتردد في استدعاء الجيش لقمع  شعبه التواق للحرية والكرامة كباقي الشعوب العربية، و إن كان  قدومه قبل 10 سنوات من الأن قد بَشر  ببزوغ أمل في  فتح  صفحة جديدة  تضع حدا  لسجل الأب الاسود  والذي طبع مسار حُكمه بقمع شرس شكلت مجزرة  حماة ،  حيث سقط على يده ما يزيد عن 20 الف مواطن، إحدى ابرز الشهادات الدموية على وحشية نظامه.

لم يتحمل الرئيس السوري أصوات المحتجين التي اخترقت حاجز الصوت الرسمي، وعوض أن يباشر إلى عرض اصلاحات عاجلة تنقذه من استهداف لرأسه  ويفوت الفرصة على العدو الامريكي، الذي ظل  يرى في موقفه من المقاومة مصدر إزعاج وخطر على حليفه اسرائيل،  انتهج، هو الاخر، مقابل ذلك،  الاسلوب المعهود للالتفاف على نداءات الاصلاح، وذلك من خلال تبرير  اشتغال آلة قمعه الجهنمية، عبر اختلاق قضية العصابات المسلحة، في مسعى  لإخماد جذوة الاحتجاجات السلمية التي مازالت مستمرة الى اليوم في  إقضاض مضجعه.

لقد اتضح أن الموقف السوري إزاء المقاومة في فلسطين ولبنان  لم يكن في الحقيقة  موقفا يستند على احترام مبدئي للشعوب في حقها في  التمتع  بالحرية والكرامة بل كان مجرد ورقة  بين يدي النظام السوري تمكنه من القدرة على فرض شروطه و الجلوس مطمئنا حول   طاولة المفاوضات لمواجهة الضغوطات الامريكية وردعها و ضمان حماية لمصالحه الاستراتيجية.

وعلى عكس تونس، التي شكلت مهد  الانفجار الشعبي و مصر التي سارت على نهجها لاحقا ، حيث رفض الجيش إطلاق الرصاص على المحتجين، فإن الجيش السوري، الذي يعد من أكثر الجيوش العربية تسلحا ، انخرط في  معركة غير عادلة  ضد شعبه، منحازا بذلك إلى خيار القمع والارهاب.

فباستثناء فئة قليلة من الضباط الاحرار التي اختارت التمرد على نظام دمشق الديكتاتوري والتحقت بالمنتفضين المسالمين في الشوارع، فإن أركان الجيش ظلت راسخة توفر الدعم والطاعة والولاء للنظام.

إنها عقيدة الجيش السوري، الذي ينهل من قاموس البطش والقمع  الذي اشرف حافظ الاسد على ترسيخه وتصريف  مفرداته خلال  انتفاضة حماة عام 1982، التي لم تكن يوما لتنفع في دفعه للتحرك على الجبهة العسكرية وتحرير أراضي الجولان المحتلة من طرف إسرائيل. ولعل أفضل وصف لاستئساد هذا الجيش الجبان على الشعب السوري المسالم هو   قول الشاعر:

أسد علي وفي الحروب نعامة    ربداء تجفل من صفير الصافر.

ولهذا لم تشفع كل دماء الابرياء التي تدفقت بغزارة في شوارع سوريا في تأليب هذا  الجيش المُدجن و  الخانع  ضد الرئيس الفاقد للشرعية.

ولعل هذا ما دفع بعض  من الدول العربية، التي أصبحت تستشعر الخوف من انتفاضة شعبية في حال لجوئها الى الدعم المكشوف لنظام ساقط، بعد أن استوعبت الدرس الليبي، إلى التحرك على خجل، واستدعاء سفرائها للتشاور، فيما دعا البعض الاخر إلى وقف العنف كما لو أن الامر يتعلق بمعركة متكافئة، والحال أن الشعب السوري البطل هو من يكتوي يوميا بجمرة النظام الحارقة و  يواجه بصدوره العارية ما يشبه  حملة تطهير منظمة يقودها غلاة النظام العسكري.

وأمام هذا السكون العربي القاتل، الذي انضاف للموقف المخجل الذي عبرت عنه جامعة الدول العربية، ظل الوضع الانساني في تفاقم، سواء في الداخل نتيجة للنقصان الحاد في المواد الغذائية أو بالخارج  على اثر ازدياد عدد الفارين من جحيم العنف نحو  مخيمات اللاجئين في تركيا.

ولحسن الحظ فقد كسر الموقف التركي المشرف هذا السكون برسالة أكثر حزم تكفل وزير الخارجية، داوود اغلو،  بإيصالها الى المسؤولين السوريين في دمشق.

الآن، وبعد كل الرسائل التي استقبلتها دمشق، يبدو أن النظام السوري، بحكمه بنيته البعثية المنغلقة والاستئصالية،  غير قادر على  التعايش مع دعاوى الاصلاح  ، لهذا فالخيار الوحيد المتبقي لدى السوريين هو الاستمرار في ثورتهم السلمية  المباركة والزحف على هذا  النظام الديكتاتوري.

 لم  ولن تستطيع  القوات السورية على اختلاف تشكيلاتها وقف الانتفاضة  المتواصلة، فالوقت قد حان ليدرك النظام البوليسي، أينما كان، أن زمن القمع قد ولى إلى غير رجعة وما عليه، الآن، إلا أن يُعد العدة إلى رحيل غير مأسوف عليه  يعفي الشعب من نظام حَكَم سوريا لأكثر من خمسين عاما  بالحديد والنار.

  




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !