قبل أن يتذوق العالم العربي كله طعم الحرية و نعمة الخروج الى الشارع للتنفيس عن غضبه وتصريف فعل الاحتجاج في حاضر أمة مزقها التشرذم والاختلاف القاتل، خرجت مبادرة العمل التنسيقي الى الوجود بعد ميلاد السكرتارية المحلية، يومه الخامس والعشرين من ابريل، في مدينة صغيرة جنوب المغرب، تحمل اسم سيدي افني.
واذا كان اتجاه التفكير الذي ارتكز أساسا على أساس قناعة تلزم ضرورة التحرك لرفض حالة الاقصاء والتهميش، الذي تعرفها المنطقة، ومطالبة الدولة بالإستجابة لمطالب عاجلة ستسهم في إحداث تنمية مفقودة، فان حركة السكرتارية المحلية، التي كانت الجماهير قوتها الدافعة، زرعت في الطريق نحو الاهداف المتوخاة ثقافة احتجاج منتجة تتأسس على فعل تنسيقي كان هو الاول من نوعه في معادلة الاحتجاج، وعبدت شارعا طويلا عريضا سيقود في نهاية المطاف الى حصد قيم الكرامة التي تعتبر الشرط اللازم لتحرر العباد من قبضة الاستبداد.
لقد كانت مسيرة 22 ماي 2005، التي تحل ذكراها اليوم، صورة مشرقة ضمن مشهد سياسي غلب عيه طابع البلقنة التي فتت الجهود وسطرت الحدود التي وفقت مانعا امام مرور حركة موحدة تسعى لوضع معالم في الطريق نحو التغيير.
هكذا رسمت الالاف من الجماهير التي زحفت خلف قيادات السكرتارية رسالة فريدة وجديدة تحمل بين طياتها سطور التحدي والإجماع من خلال صوت موحد دوى كالزلزال في سماء ظلت قاتمة، لعقود طويلة، بسحب اليأس التي منعت تسلل أشعة الحلم والأمل.
لقد كُسرت حينها قيود الخوف وانهارت بعدها حواجز الخلافات أمام الجماهير، لتكتشف في لحظة من لحظات يقظتها قيمة شارع يحتضن الجميع على اختلاف مشاربهم
وانتماءاتهم وتنعم بنسيم حرية انتزعتها بقوة الحق من أنياب واقع ظُلم مُورس على الجميع دون اعتبار لموقع سياسي أو موقف إيديولوجي.
واذا كانت الأمواج البشرية التي تحدثت بلغة التحدي في أولى فصول الصراع، قد أغرقت الرهان على التفرقة كي تسود سياسة الاستعباد و أثبتت أن الانتفاضة هي السبيل الوحيد للتخلص من عبء التهميش والاستبداد، الذي وفر المجال الخصب لنمو الفساد وانتشاره كالفطر، فان السكرتارية المحلية، على الرغم من اخطائها التي ما انفكت تتناسل بحكم طبيعتها غير العادية التي جسدتها القيادة الجماعية، نجحت في تحويل الشارع الى مختبر لصناعة نخبة وجعلها تكتشف الشارع كأداة لا يصال صوتها الذي ظل مبحوحا لا يسمعه احد!
فمسيرة 22 ماي كانت محطة انطلاق اختصرت طريقا طويلا ومملا من الملتمسات والمناشدات لم يفض في أي وقت لنهاية لوضع مؤلم، و شقت مقابل ذلك منعطفا تاريخيا في اتجاه تطوير وتثوير العمل الاحتجاجي القادر على صناعة التغيير، و قلبت الموازين المفروضة بعد دخول الرقم الأصعب، وهو الشارع، إلى معادلتها.
تأسست مدرسة جديدة في سيدي افني على إثرها ليخرج درس العمل التنسيقي المشترك ويؤسس لفصول أخرى من النضال ستعرفه الشوارع العربية، التي كانت في أمس الحاجة لتصريف غضبها بفعل انتجته السكرتارية المحلية قبل 6 سنوات من الآن.
عجزت السلطة عن افشال دعوة السكرتارية لمسيرة 22 ماي 2005 ،عبر التشهير ومحاولات زرع الاشاعات لتفتيت وحدتها وتأليب الشارع ضدها، لأن الجماهير تلقفت النداء الجديد واستوعبت مضامينه، واستجابت غير مبالية بما قيل، لفهمها رسالة كان يجب أن تصل في موعد قد حان، وأن ساعة الارادة قد دقت لكي يستفيق الضمير و يستجيب القدر.
ونحن اليوم نذكر بخط من التلاحم والتضامن، الذي سطرته الجماهير بمداد من الفخر والعزة، لا نهدف إلى تلميع وجوه أفل بريقها، بعد أن اختارت التراجع عن ضوء الحقيقة والإلتزام بالميثاق الجماهيري، كما تعتقد بعض النكرات التي تبحث في هذه الأيام عن مكان لها تحت الاضواء، بقدر ما يهمنا استحضار لإحدى محطات مجيدة قادت نحو طريق الكرامة قبل 6 سنوات، طريق سار عليه بعد ذلك آخرون في تونس ومصر وليبيا وسوريا، لم يقف عند حدود العالم العربي فحسب، بل وصل الى ما وراء البحار لتتعرف عليه حركة احتجاجية ظهرت للتو في اسبانيا، استنشقت نَفَس العمل الجماعي والتنسيقي الموَحِد و تتبع الاسلوب نفسه و تنادي بتصحيح مسار لا يوحي بانبلاج ضوء التغيير في نهاية لنفق الازمة الخانقة.
إنه استلهام لتجربة سيدي افني التي نجحت في مختبر الواقع، حيث مزجت مختلف الميولات السياسية والجمعوية في إطار واحد أذاب عنصر الزعامة على نار النقد البناء، والتي لم تعول على خيوط الانترنت للتواصل لإنجاح مهمتها بقدر ما كانت التعبئة المضاعفة سبيلها والتوكل على الله تغطيتها لإرسال رسائل الوحدة و التحدي والصمود نحو قلوب الجماهير المفتوحة.
بعد ما يزيد على 6 سنوات كاملة عن مسيرة 22 ماي 2005، نفهم اليوم اكثر من أي وقت مضى أن التاريخ، الذي شهد على انتفاضة أعادت سلطة الشارع و منحته القدرة على صنع المستحيل يعيد نفسه فعلا، دون أن يمل، متى وفرت الذات أهم شروطها وهي تغيير ما بالنفس كي يغير الله ما بالقوم من إذلال و خنوع.
التعليقات (0)