مواضيع اليوم

من أجل قراءة هادئة لدستور الملك

حنان بكير

2011-06-20 23:16:59

0

 


بعد مضي  ثلاثة أشهر من خطاب الملك  التاريخي يوم التاسع من مارس ، أطل الملك من جديد على الشعب، يوم الجمعة الماضي، ليكشف عن الصيغة النهائية لمشروع الدستور الذي سيُعرض على  استفتاء شعبي في فاتح يوليوز المقبل.

بين المستعدين  للتطبيل، لأن دورهم كان ولايزال هو التعبير وبكافة أشكال الفرح والبهرجة تجاه كل الرسائل الرسمية حتى دون قراءتها ، والرافضين لأي شيء، لانهم يعتقدون انهم الوحيدين الذين يفهمون حين يقرؤون، يُفضل  أن يأخذ المرء  مسافة أمان  بين الطرفين حتى يتبين قراءة موضوعية ومحايدة ويَستقل برأيه بعيدا عن تأثير المرجعيات المعارِضة ويحاول، بقليل من التبصر، تشكيل  موقف واضح   حول   ما افرزته استشارات الالية السياسية  التي عُهد لها بصياغة أسمى وثيقة تحدد شكل ونظام الحكم: إنه الدستور.

 من  الطبيعي أن تعبر الاحزاب السياسية، التي كانت مصنفة في خانة المعارضة لأي دستور ممنوح، عن ارتياحها  بل وفرحها على اثر اكتشافها لمضامين الدستور الجديد  وتحاول ان تُقنع نفسها بان الدستور المقترح لبى الجزء الاكبر من مطالبها التي طرحتها في مذكراتها، لأنها حسمت، وببساطة،  خيارها منذ مدة   وقررت أن تعمل، فيما قبل،   تحت سقف أكثر انخفاض مما هو عليه الآن و  بقواعد لم تشارك في صياغتها ، فخروجها المائل من  خيمة أحزابها  اللاديمقراطية لن يُمكِنها أبدا  من أن  تستقيم طول الطريق وترفع رأسها نحو مطالب أكثر تقدما،  ترقى الى سقف المؤسسة الحزبية الفعلية،  و التي تسمح بهامش حركة ديمقراطية  لا تُقيدها  خيوط  الاصلاحات المهترئة.

 

كما أنه لم يكن من  الوارد أن تُبدي   الاحزاب "السياحية"، التي شُكلت لتتمتع  بإقامة مريحة في "مُنتجع" البرلمان وتنعم  بمناخ سياسي  رطب يضمن  حصادا وافرا لمصالحها اللامحدودة  طيلة ايام السنة، بالرغم من  وجودها غير المشروع و"بلطجتها"  في الساحة الحزبية، رفضها لوثيقة الدستور الجديدة.

 

 

صحيح أن الملكية البرلمانية  تعتبر  شكلا متقدما من أنظمة الحكم  الديمقراطية الذي يوضح بجلاء طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم و يُوسع، بقدر كبير، من  صلاحيات الحكومة و مسؤولياتها،  دون أن  تضطر قاطرتُها إلى توخي الحذر من  الالغام التي تزرع عادة في الطرق الغير ديمقراطية.

 نستحضر في معرض قراءتنا المتأنية  الكثير من العراقيل التي يمكن أن تنشأ فجأة  وتهدد بل وتنسف كل ما يمكن أن يتحقق في مسار  تحمل المسؤولية، و تجربة عبد الرحمن  اليوسفي، الزعيم الاتحادي السابق،  في حكومة التناوب يمكن أن تتحدث لوحدها  عن نفسها بعد فشلها الكبير.

 الا انه من غير الواقعي، كذلك،  أن ننفي وجود  اصلاحات بالغة الاهمية رأت النور على الوثيقة المقترحة،  ستسهم، وبوتيرة سريعة، في تعبيد  الطريق نحو  مزيد من الخطوات المستقبلية التي ستكرس الخيار الديمقراطي المنشود.

فجهاز القضاء، الذي ظل مصابا بالكثير من الاعطاب التي شوهت وجه العدالة بالمغرب، سيتمتع باستقلالية في ضوء الدستور الجديد، وبذلك يمكن القول بأن سلطة مهمة حققت استقلالها عن نفوذ القوى المتنفذة التي طالما استخدمت القضاء للقضاء على الاصوات المزعجة التي ترفض الانخراط في جوقة التطبيل المخزني.

كما أن  دسترة المواثيق الدولية لحقوق الانسان يُعد مكسبا مهما من شأنه أن يدفع في اتجاه تكريس ثقافة حقوقية تضمن الكرامة الانسانية و تُؤمن  حرية الفرد  في التعبير و المشاركة في البناء والتغيير.

يمكن لحركة 20 فبراير أن تُعبر عن رأيها كما تشاء ومن حقها ذلك. إلا أنها لا تستطيع أن تُلغي رأي الاخرين الذين يروا أن طريق الاصلاح الذي بادر به الملك منذ مدة، وحتى قبل ان تندلع الثورات العربية، وصل اليوم،  بفعل الزخم النضالي الذي تعزز بانبعاث الحركة الاحتجاجية المغربية،  إلى محطة تاريخية  متقدمة،  قبل انعطافه  النهائي المؤمل نحو فضاء الديمقراطية الاوسع، حيث سيكون بالإمكان أن تتحمل  القوى الحية والاحزاب السياسية، بعد تأكيد جهوزيتها ، مسؤوليتها كاملة امام الله والوطن والملك.

هل يمكن لأحد من داخل حركة 20 فبراير أو من  خارجها أن يُقنعني بأن الاحزاب السياسية الحالية قادرة على جر قاطرة المسؤولية الثقيلة لوحدها ، وجلها لا يملك رخصة "القيادة الشرعية" ، دون أن تستعين بقيادة ودعم  الملك من موقعه الرمزي القوي للتعامل مع   ملفات شائكة و  ذات حساسية بالغة، كالهوية الدينية والوحدة الترابية،  تستدعي حذر جميع الفعاليات وتوحدها  من أجل الحفاظ  على توازن المغرب   المُهدد؟

 

فهل بمقدور حزب النهج الديمقراطي مثلا ، و الذي يجد في حركة  20 فبراير موجة مفضلة للبحث عن موقع مفقود في الشارع المغربي، أن  يُقنعنا بأنه لن يتنازل عن  الثوابت الراسخة لدى الشعب المغربي بكافة اطيافه، وهو الذي استضاف، خلال المؤتمر الثاني، حركة  "البوليساريو"  الانفصالية، عبر رسالة وجهها رئيسها، محمد عبد العزيز من الجزائر؟ انا اشك في ذلك.

 هل بإمكان أحزاب اليسار ، في هذا التوقيت بالذات، أن تتحمل المسؤولية كاملة دون وصاية الملك  وهي التي قدم جُلها  مذكرة إصلاح هزيلة ، بشهادة شاهد من أهلها وهو  القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد،  محمد الساسي، لا ترقى إلى المذكرة التي اقترحها حزب العدالة والتنمية ؟

وإذا كانت جماعة العدل والاحسان، التي ظل موقفها مبدئيا على طول الخط ، من حقها أن تعبر عن موقفها بكل حرية ومن خلال كل المنابر المتاحة، طالما  أن الدولة عجزت عن فتح حوار بناء معها،  إلا أن هذه الحركة،  التي تنبذ العنف و  تعتبر من  اكثر الحركات الاسلامية تنظيما في العالم، لا تملك الحق  في ممارسة الوصاية على الشعب إذا ما   قرر هذا الاخير، من خلال استفتاء شعبي توفرت فيه شروط النزاهة والديمقراطية،  الإبقاء، مرحليا،  على  وصاية  الملك التي كرسها، دون أدنى شك، مشروع الدستور الجديد.

لنكن واضحين، فالدستور الذي مَنحه الملك، و الذي  صرح علانية بكونه مواطنا لا مقدسا، أعطى الضوء الاخضر كي تمر سلسلة جديدة من الاصلاحات داخل مؤسسات مهمة، بما فيها  الحكومة والقضاء وستقود لا محالة  الى ديمقراطية كاملة وشاملة، بعد أن نكون قد مررنا بهدوء وسلاسة عبر محطات رئيسة، لعل  أهمها واكثرها الحاحا هي تكريس الديمقراطية بداخل الاحزاب السياسية حتى تستطيع وجوه كفؤة أن تصل، في نهاية المطاف، إلى قيادة الشأن العام دون أن تضطرها علامات الوقوف المتعددة الى  التوقف المفاجئ  لطلب المشورة من الملك.

 

لقد علمتني تجربتي المتواضعة في تسيير الشأن المحلي أن الجماعات المحلية، على سبيل المثال، ماتزال في حاجة ملحة الى الوصاية التي كنا نشتكي من وجودها  حين كنا خارج المسؤولية، وذلك حتى تظل هناك امكانية، على الاقل، لتصحيح الاخطاء الفادحة  لرؤساء  يصِلون، ولسوء حظنا ، الى مكان لا يناسبهم، والذين يملكون ما يكفي من الوقاحة  والجهل  لمحو تاريخ بأكمله، و بجرة قلم،   إرضاء لنزواتهم  العابرة ولمزاجهم المتقلب.

 

فإذا كانت الموضوعية تقتضي أن نرى بالعينين، لا من منظور عين المرجعية الواحدة التي تميل في الكثير من الاحيان إلى الخطأ في الرؤية والتقدير، فنحن

 مدعوون جميعا إلى المشاركة في قراءة متأنية للواقع السياسي الحالي في محاولة إدراك  مدى قابليته للاستجابة، في هذا التوقيت بالذات، الى نظام الملكية البرلمانية الذي يُلح البعض على تطبيقه هنا و الآن.

 إن التسرع في اتخاذ خطوة متسرعة، لا لشيء سوى  الرغبة في  الاستجابة الى نزوة عمياء و   الانسياق  وراء  موقف عدمي  بُني على قاعدة مرجعية بائدة،   لا ترى من   منظور رؤيتها الضيقة سوى السواد ،  سيقود حتما  إلى تجنب  الطريق الصحيح و بالتالي القفز  على الكثير من  الاصلاحات الهامة التي   أتى بها  مشروع الدستور الجديد.

أما من يحلم  بسماع  شعارات، من قبيل الشعب يريد إسقاط النظام،  تجتاح شوارع الوطن ، متوهما أن خصوصية المغرب الفريدة،  التي أُسست على ثلاث أعمدة ضمنت على مدى 12 قرنا  بناء وحدة الشعب واستقرار المذهب ووفرت غطاء آمنا  للعيش المشترك ، ستستجيب لهكذا دعوات ، فما عليه إلا أن يُمني النفس الأمارة بالسوء بأمل لن يُكتب  له التحقق.

نقول هذا  لا لأننا نقدس الملك أو نهاب نظامه،  ولكن  لأننا ندرك جيدا  أن استهداف  أحد الاعمدة الثلاث سيُعجل لامحالة بإفقاد المغرب لتوازنه و سقوط بلد الثقافات المتعددة  في أتون الانفصال والتشرذم والضياع.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !