تثير ثورة الإنقاذ الوطني التي تمت في السودان في 30 يونيو 1989 بعد تحالف الجبهة القومية الإسلامية المنبثقة من حركة الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور حسن الترابي و المؤسسة العسكرية بزعامة العميد عمر حسن احمد البشير عدة علامات استفهام و تطرح تساؤلات جوهرية حول تجربة الثورة في الحفاظ على وحدة البلد بعد أن كان هذا العنوان احد أهم الأسباب للإطاحة بالحكومة الديمقراطية حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي بعد أن دخل في محادثات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان أنتجت اتفاقا لوقف إطلاق النار
و إلغاء قانون الشريعة و حالة الطوارئ.
لقد كان بوسع الحكومة السودانية الحالية تدارك احتمالات انفصال الجنوب بعد توقيع اتفاقيتي نيفاشا و نيروبي باعتماد سياسة تنموية قائمة على إخراج المنطقة من مخلفات عقود الحرب حتى تستطيع استمالة أصوات الجنوبيين في استفتاء تقرير المصير لكن بيروقراطية المركز و الخلفية الدينية لرموز الثورة جعلت استفتاء 9 يناير القادم تحصيل حاصل و إعلان رسمي على الانفصال فتصريحات المسؤولين و إجراءات و ترتيبات أرض الواقع رغم الضجة الإعلامية حول منطقة آبيي البترولية و التلويح يالعودة الى السلاح إضافة إلى التدخلات الخارجية خاصة الأمريكية بعد زيارة السيناتور جون كيري و الحديث عن صفقة ابرز عناوينها رفع تهم جرائم ضد الإنسانية على الرئيس عمر البشير مؤشرات و معطيات تؤكد أن قرار دولة السودان الجنوبية بات قناعة محلية و دولية.
إن أخطاء الحكومة السودانية في كيفية تدبير ملف الجنوب و الذي أدى إلى حتمية الانفصال يعاد إنتاج تكرارها مع أزمة دار فور فمقاربة الأزمة من طرف الخرطوم تتحكم فيها الغرائز القبلية و العرقية و دعم طرف ضد أخر رغم أن الجميع أبناء وطن واحد و كان من المفروض على المسؤولين و الساسة العمل على إدارتها بعقلية الدولة و مساواة الجميع أمام النظام العام لكن الإصرار و التشبث بنفس أدوات معالجة الملف يجعله مرشحا للتدويل أكثر ما بعد 9 يناير عوض أن تنخرط الدولة في إجراء مصالحة حقيقية و فعلية و سياسة إنمائية و تنموية تخرج المنطقة من قرونها الوسطى.
إذن ماذا قدمت ثورة الإنقاذ؟ التي تحولت اليوم إلى ثورة للتفتيت و التمزيق و الانفصال.
كان يمكن أن يكون سودان الصادق المهدي و أحمد الميرغني مختلفا عن سودان عمر البشير و حسن الترابي لو بقي الجيش في ثكناته العسكرية و اهتم رجال الدين بالدعوة و الوعظ و الإرشاد في المساجد.فقد أضاع تحالف الإسلاميين و العسكر جهود الوحدة التي قام بها الصادق المهدي بعد توقيعه معاهدة السلام مع الضابط السوداني جون قرنق مؤسس الحركة الشعبية الذي أرسله الرئيس جعفر النميري سنة 1983 إلى الجنوب للتفاوض مع المتمردين في صفوف الجيش ردا على قرارات الرئيس بإلغاء اتفاقية أديس أبابا و تطبيق الشريعة الإسلامية فتحول إلى رمز التمرد لكن رغم ذلك فجون قرنق كان دائما ذا نزعة وحدوية في رؤيته لملف الجنوب و يتغيا تفكيك قبضة المركز على الأقاليم دون المطالبة بالانفصال بل إن حلم الوحدة ظل قائما إلى غاية جريمة الاغتيال التي تعرض لها مؤسس الحركة في تحطم طائرته بعد ثلاثة أسابيع من أداءه اليمين الدستورية كنائب أول لرئيس الجمهورية في 9 يوليو 2005 أي شهور قليلة على اتفاقية نيروبي للسلام.
إن معادلة الصادق المهدي/ جون قرنق كانت تدفع إلى تحصين الوحدة و العمل على إحلال السلام و الانسجام بين مكونات الوطن الواحد و الاعتلاء فوق التمايزات الدينية و العرقية في حين أن معادلة عمر البشير/سيلفا كير الانفصالية ستخبئ للأجيال القادمة المزيد من الاحتقان و التوتر بين دولة شمالية إسلامية و دولة جنوبية مسيحية.
التعليقات (0)