الخطاب السياسي الذي ظهر في التصريحات الأخيرة لحزب الله يشي أن الحزب يعيش مأزقا حقيقيا و أزمة قيادة بعد تراجع الدور التنفيذي و الصورة الكاريزماتية للامين العام حسن نصرالله و غياب السيد محمد حسين فضل الله الذي شكل شبكة أمان للشيعة العرب عامة و شيعة لبنان خاصة في وجه نظرية الولي الفقيه التي تروم إلى ربط شيعة العالم بطهران و قم. و كذا إلى المعادلة الإقليمية الجديدة التي عرفت تقاربا سوريا سعوديا انسحب في محاربة دمشق و محاصرة النفوذ الشيعي الإيراني في بناء و تأسيس الحوزات الدينية و المراكز الثقافية في عاصمة الامويين .
إن تصريحات نعيم قاسم و نواف موسوي و هاشم صفي الدين و محمد يزبك ذات المضمون التهديدي و الانقلابي من ملفات شهود الزور و المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري هي خروج عن المسار السياسي الذي عرف به الحزب منذ انطلاقته سنة 1983 هذا المسار الذي كان يحمل في طياته خطابا ينأى عن الصراعات الداخلية و يمد جسور التواصل و الالتقاء مباشرة أو مداورة مع كل الطوائف و المذاهب و باقي مكونات الشعب اللبناني في سبيل القضية الأساس التي وجد من أجلها الحزب و هي الدفاع عن الأرض و حماية العرض في وجه المحتل الإسرائيلي.حتى إن دخول الحزب في أتون الحرب الأهلية و حمل السلاح في وجه شركاء العقيدة و المذهب – حركة أمل – كان من بوابة الدفاع عن الإنسان الفلسطيني خلال حرب المخيمات التي قادتها سوريا و الحزب التقدمي الاشتراكي و حركة أمل ضد منظمة التحرير الفلسطينية.
لا شك أن فائض القوة التي يتمتع به الحزب اليوم خاصة بعد أن استطاع إثبات وجوده كقوة إقليمية بعد حرب تموز 2006 تجعله قادرا على اكتساح البلد خلال ساعات و فرض شروطه السياسية و أجندته الإقليمية لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع إعادة سيناريو 7 أيار في ظل تململ المعارضة و أجواء عدم الثقة التي تسود بين أطرافها بعد اهتزاز اتفاق كنيسة مار مخايل بين حسن نصر الله و العماد ميشال عون على ضوء ملف العملاء و التجسس لصالح إسرائيل الذي لحق بالتيار الوطني الحر بعد سقوط ابرز الوجوه المؤسسة للتيار فايز كرم. كما أن الحليف المسيحي الثاني سليمان فرنجية أظهر تمايزا في مقاربة ملف اللواء جميل السيد.و لعل حادثة برج أبي حيدر و التي شهدت اشتباكات بين الحزب و جمعية الأحباش الدراع السوري السني تظهر مدى التخبط الذي يعانيه و الذي بالتأكيد يتجاوز صراع حول مرأب للسيارات بل يؤشر على الشك و التوجس التي أصبح يخيم بين حارة حريك و دمشق بعد اغتيال عماد مغنية في كفرسوسة معقل المخابرات السورية.
إن استعراض القوة الذي ظهر في مطار بيروت بعد عودة جميل السيد عجل بوفاة الوثيقة السياسية التي طرحها الحزب خلال هذه السنة و التي تتحدث عن مفهوم الدولة و بناءها, بالمقابل فان هذا المشهد كرس منطق القوة و الغلبة و استعمال السلاح في الداخل.بيد أن أخطاء سياسة طهران و تدخلها و تهديدها للاستقرار الداخلي للبلدان العربية في البحرين و اليمن و الكويت و العراق بجانب سوء ادراة الحزب لعدوان غزة و ما نجم عن ذلك من احتراب و صدام سياسي بينه وبين القاهرة من خلال دعوة نصر الله للجيش المصري الخروج عن القيادة السياسية جعلت صورة الحزب في الشارع السني تتراجع و يتراجع منسوب التعاطف و التأييد الذي غمر الشارع في حرب تموز. و على هذا فإذا كان اتفاق القاهرة 69 و الذي شرع السلاح الفلسطيني في لبنان دفع الشارع المسيحي و قواه إلى التحالف مع إسرائيل فهل يدفع سلاح حزب الله الشارع السني اللبناني وقواه إلى التحالف مجددا مع إسرائيل ؟
التعليقات (0)