مواضيع اليوم

الضريبة على القيمة المضافة

حنان بكير

2011-06-12 12:54:15

0

  

 فيما كان ينتظر أن ينصف القضاء طالبي العدل ويبرأ "متهما" لم تثبت إدانته، أصدر القاضي حكما في قضية سياسية يعرف الجميع أنها افتُعلت لتُجَر  نحو ردهات المحكمة، وذلك من  أجل  تصفية حسابات عالقة  مع أشهر صحافي بالمغرب،  لما استعصى عليهم إسكات صوته المزعج، بالوسائل  الاخرى. 

إن الحكم الجائر في حق مدير جريدة "المساء"، رشيد نيني، أعاد  عقارب الزمن  إلى ما وراء خطاب التاسع من مارس،  ويدفعنا الى اعادة   النظر في   أوراقنا التي علقناها على خيط الثقة المهترئ أصلا   في الوعود المعسولة، و التي توعَدت غيرَ ما مرة  بجعل القضاء وسيلة عادلة وصارمة   لمحاربة المفسدين الساهرين  من أجل ايقاظ الفتنة، والتي  نعلم جميعا أنها، ولحسن حظنا،  تظل  نائمة مالم يأتي احد ليوقظها.

ولعل المراقبين الذين عبروا عن ارتياحهم بل اندهاشهم لقرار العبور الآمن للمغرب عبر جسر إصلاحات نحو مرحلة الانتقال الديمقراطي،  أصبحوا اليوم  ينظرون بعيون الشك والريبة إلى كل تلك الاشارات الايجابية  التي التقطوها في خضم الحراك الذي يعرفه  المغرب، و الذي اصبح شارعه  اليوم مرشحا لاستقبال المزيد من المتظاهرين المقبلين على التعبير عن مشارع الغضب تجاه ما يحصل من مستجدات في ساحة القضاء، حيث لاعدل ولا إحسان، والتي  تهدد  رياح ظلمها الغادرة بتخييب وتخريب  آمال المغاربة في انتقال ديمقراطي هادئ وسلس.

فبعد الحكم الجائر على مدير يومية "المساء"، رشيد نيني، بالسجن سنة  نافذة وغرامة مالية  قدرها 1000 درهم،  من حقنا جميعا أن ننخرط في قوافل  المشككين في مصداقية الخطاب الرسمي أمام  عجزه، وهذا اضعف الايمان، عن مواجهة هذه  القوى الظالمة  التي تختفي وراء ستار الشعارات، والتي  تبدو أكبر من أن تُقزِم حجمَها وعودٌ بالمحاسبة و  الإصلاح.

إنه لمن العار أن يحاكَم صحفي بموجب القانون الجنائي عوض قانون الصحافة  وتصادر حريته في التعبير بتهمة حيازة "سلاح" الكتابة الاحمر، المفروض أن يُرحب به لتصحيح ما استجد على سجل  الخروقات الطافح، في وجه رموز الفساد في هذه المرحلة بالذات، حيث منابر  العالم كله  تزدحم لتصوب عيونها  نحو نموذج اختلف في ثورته عن باقي دول الجوار، بلد  صنع ثورته الهادئة دون أن تمسه نار الثورات الملتهبة التي أحرقت أنظمة استبداد بأكملها.

 

فاذا كان اعتقال رشيد نيني قد  مثل صدمة حقيقية للجميع، فان الحكم الجائر والصادر في حقه يعكس حقيقة وجود نوايا سيئة  تستهدف محو  الخط التحريري للمساء و الرغبة الجامحة في تحييد جريدة ذات مصداقية وموضوعية  عن مسار تنوير الرأي العام.

إن الحكم الذي صدر من محكمة عين السبع  بالدار البيضاء  لا يقل عن  كونه  قرار بإلغاء الحق في المعلومة التي يطالب بها الشعب و  يريدها  من أجل تمكين ثورته  من  اسقاط الفساد وحكما غيابيا في حق جميع  التواقين الى تنفس هواء الحرية.

فالنصيب الذي  دفعه رشيدي نيني، كجزء من ضريبة التغيير الذي ينشده الشعب،  هو بالفعل  ضريبة  على قيمة مضافة  تحظى بها "المساء"، عقب مشوراها الحافل بالنجاحات، جسد دليلا اخر على قوة و فعالية  الضغوطات التي مارسها منبر الكلمة الحرة في حقل الصحافة المستقلة.

إن تدخل أعلى سلطة بالمغرب لوقف هذه المهزلة أصبح يكتسي طابع  استعجالية لإنقاذ سمعة المغرب من خطر موث مصداقيته، وخصوصا  في هذه المرحلة الدقيقة، و حذف هذه الحلقة الدرامية في مسلسل التعسفات الذي طال وعنون  الرسائل الملغومة التي اسهمت في اختفاء الكثير من العناوين الصحفية،  ويخشى أن  تُسهم  الاخيرة منها، و التي انبعثت  من محكمة  عين السبع بالدار البيضاء، في نسف ما تبقى من  الأمل في عبور  قاطرة التغيير، التي تسير ببطء على مسار الانتقال الديمقراطي، في اتجاه  محطتها الخلاص.

لقد فهمت، كما فَهم أخرون، أن رفض تمتيع رشيد نيني بالسراح المؤقت ينم عن نية مبيتة أكد وجودها، فيما بعد، الحكم الجائر الذي أُصدر في حقه  من داخل محكمة الدار البيضاء،  اضف الى ذلك  أن  الضمانات المتوفرة للصحفي لم تشفع له أمام قضاء أُريد له أن ينطق باسم الظلم لإسكات أحد الاصوات المعبرة عن مطالب الشعب و المطالبة بتحقيق العدل.

ترى ماذا سيكون جواب المغرب ، و الذي يستعد لطي صفحة من سجل الانتهاكات والخروقات التي طبعت مرحلة طويلة من تاريخه ، على  بيانات الشجب و التنديد والادانة التي سيضطر لاستقبالها عبر مختلف الابواب الاعلامية، و القادمة  من كل جهات العالم على اثر هذا القرار الظالم في حق السلطة الرابعة ؟

وكيف سيكون للناطق الرسمي باسم الحكومة  الجرأة لمواجهة وسائل الاعلام، التي تنقل روايته الرسمية الى الرأي العام، و  التعبير عن مواقف حكومته وسياساتها،  وهو يعلم أن هامش التعبير الذي يتمتع به لم يحمي غيره بل  ضاق من جديد  على عنق الصحافة و خنق أحد الاصوات الجريئة في حقلها؟

سيكون من السذاجة أن نتوقع انتصارا قريبا على مواقع مقاومة التغيير بعد هذا الهجوم المفاجئ على أحد أبرز معاقل الدفاع عن خندق الرأي الذي يواجه  رموز الفساد ، فيبدو أن المساحة الواسعة التي  ما يزالوا يتمتعون بها تمنحهم مناورة و حركة ونفوذا  فعالا لتوجيه المزيد من الضربات   في أماكن موجعة من جسم الصحافة المنهَك.

لقد كنا على صواب حين توقعنا أن خطوات كثيرة ستتناسل لعرقلة قاطرة  الاصلاح المتحركة نحو الامام  في المغرب، اولها اطلاق  حملة  لقمع المتظاهرين وتعذيبهم  ليسقط على اثرها  كريم العماري ، أحد نشطاء حركة 20 فبراير،  شهيدا  بتهمة ممارسة حق التظاهر السلمي، ليليها النطق بالحكم في حق  رشيد نيني، الصحفي، بتهمة حق التعبير المسلح بقلم الصحافة.  ببساطة،  لأن رموز الفساد  أرادوا لهذه القاطرة  أن تبدو متحركة لكن أن تظل ساكنة  في محطة الانتظار القاتل حتى يتكفل دخان المرحلة  بتمويه الرأي العام فيما ينفع وقود الخطابات المنمقة و المحترق  في تمويل  صناديقهم المنتفخة عن آخرها.

  حكم المحكمة، يوم الخميس الماضي، هو ضربة قاسية استهدفت موقعا مهما من مواقع المراقبة الذي   كان يسهر على سلامة مسار الاصلاح  المهَدد، وها هي  قاطرة التغيير تبدو أكثر من أي وقت مضى، معرضة للنسف، بعد أن  تخلفت عن  موعدها مع التاريخ بسبب العطب الفادح   في جهاز القضاء  الذي  عطل مسيرتها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !