مواضيع اليوم

الطريــــــــق الاخـــــــــر

حنان بكير

2011-07-12 17:09:34

0

  

يبدأ  رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان زيارة للولايات المتحدة لاستعراض الاصلاحات الدستورية، تاركا وراءه وضعا آخر مختلف ومخالف  لما توصي به المواثيق الدولية لحقوق الانسان  في أمريكا و في غيرها من البلدان الديمقراطية التي يسود فيها القانون ولا يُحكم   بمزاج متقلب ولا أهواء  عابرة.

واذا كان المفروض أن يكون المغاربة أولى بالاقتناع  بجدوى الدستور و يطمئنوا  لتفعيل  مضامينه وتنزيلها على مختلف مناحي حياتهم اليومية، فالزيارة تعيد الى الذاكرة بأن  المغرب يُخطأ طريقه من جديد و  لا يرى ضرورة  لنقل  ترجمة فورية لخطابه الرسمي إلى سلوك ملموس، يبدأ بإطلاق  سراح غير مشروط  للكلمة والرأي الاخر،  بقدر ما  يهمه نسج خيوط جديدة  لعلاقة حب قديمة و فك عقدة نصه و  نقصه في  عواصم كبرى كواشنطن.

سيجد السيد الرئيس صعوبة كبيرة في إفهام نظرائه في العالم كله  وهو يتحدث بلغة الخشب العصية عن الفهم و  التي لا تجد لها  مكانا في قاموس  المجتمعات التي لا تتسامح مع من يدوس  "الماغنا كارتا" التي وافقوا وتوافقوا عليها  ووقفوا أمامها سواسي  كأسنان المشط.

  لقد كان على رئيس المجلس الوطني  لحقوق الانسان أن يتريث قليلا قبل ان يحزم حقائبه ويتوجه في حفظ الله ورعايته الى الديار الامريكية، وهو يدرك ان "المنتوج" الذي يحاول بيعه للأجانب غير متوفر في "السوق المحلية"  و لا يلقى اصلا اقبالا واسعا من شرائح كثيرة اهتزت ثقتها بدستور لم يعجل بفتح ملفات الفساد  الثقيلة ولم يضع حدا للاعتداء السافر على حقوق الانسان.

ففي  الوقت الذي لم تكتفي   قوى الفساد المتنفذة داخل دواليب الدولة  بنسج خيوط مؤامرة مكشوفة استهدفت اعتقال الصحافي رشيد نيني بل و سهرت على استكمال مسلسل التضييق على ابسط حريات المعتقل في زنزانته من خلال حرمانه من حق الكتابة في خرق واضح لكل المواثيق الدولية لحقوق الانسان، لازال الكثير من المفسدين ومنتهكي كرامة المواطنين يتمتعون  بالحرية المطلقة و بعيدين عن المتابعة القضائية في احتقار فعلي  للقضاء وتحقير لمقرراته.

  ان سياسة الانتقام التي تنتهجها السلطات في حق الصحافي ليست الا دليلا اخر على فشل المغرب في اختبار الالتزام بحقوق الانسان و عجزه عن ترجمة  وعوده المعلنة الى ممارسة ملموسة تستوجب الاطلاق الفوري للصحافي المعتقل.

ولهذا فغياب الكثير من الاشارات الضرورية، التي من شانها ان تعزز التفاؤل بمستقبل اكثر اشراقا، ساهمت بشكل مباشر في   تشويه الصورة الايجابية التي  يسعى المغرب الى تسويقها في الخارج،  حيث تتنافس المنظمات الحقوقية في صياغة التقارير الحقوقية  ، غير البريئة احيانا، والتي ستُسلط عليها اضواء الصحافة الكاشفة  حين  تصطف منابرها المختلفة  وتفند بوسائلها  كل الادعاءات الرسمية.

من الجميل ان يربط  حزب العدالة والتنمية موافقته على  مقترح  وزير الداخلية، والقاضي بتنظيم الانتخابية التشريعية في اكتوبر المقبل، بوجود قوانين جيدة و الافراج عن الصحافي رشيد نيني،

لكن المطلوب  ان تسعى كل الهيئات السياسية والحقوقية الى  اتخاذ الخطوات الاكثر فعالية  على مسار تفعيل مقتضيات الدستور الجديد والحرص على عدم الانشغال  بمناقشة التفاصيل التافهة من قبيل  التعجيل او التأجيل للاستحقاقات الانتخابية، فالأولية التي تكتسي الاهمية البالغة هي ان تُنتزع الضمانات الحقيقية قبل الدخول في نفق الاستحقاقات في غياب بوصلة القوانين المنظمة التي يفترض فيها ان تقود، ان لم تتعرض الى قرصنة مفاجئة، الى محطة الشرعية والمصداقية.

خطا كبير أن  يسارع البعض الخطى لمجرد رغبته في التموقع على خارطة سياسية جديدة  دون ان يكلف نفسه عناء التدخل لنزع فتيل  الالغام، التي تسكن الحقل السياسي على امتداد العقود الطويلة الماضية، والتي  اريد لها ان ترقد تحت غبار التمويه والوعود المعسولة، كي تتمكن في صمت  من نسف كل المشاريع المناهضة لتوغل لوبيات المخزن وتحكمها في صناعة القرار  الضامن لاستمرار شرود  الفساد ونفوذ الاستبداد.

لا مناص، اذن، من  أن يسبق ذلك كله  إجراءات ضرورية وعاجلة  لتفادي انزلاق آخر في آتون التزييف والتزوير.

لقد حان الوقت   أن يعي العقل السياسي المغربي أن  المرحلة الجديدة، التي يؤطرها دستور جديد وضع ترسانة حقوقية في مقدمة قافلة الاصلاح، تتطلب إدراكا عميقا باحترام ابجديات الديمقراطية التي تحتم  تقبل  الرأي الاخر وذلك باحترامه ومنحه مكانه  الطبيعي على رقعة الممارسة الديمقراطية  على ضيق حجمها.

 

 اليوم إذ  يقف المغاربة، مشاركون ومقاطعون، أمام  نتائج امتحان الدستور ، بالرغم من الخروقات التي رافقته ووضعت وزارة الداخلية في قفص الاتهام  مرة اخرى، في انتظار ما سيتمخض  عنه من اجراءات بعد اعلان دخوله حيز التنفيذ  عقب استفتاء فاتح يوليوز قبل الحكم على هذه التجربة التي ستواجه هي الاخرى تحديات جمة في مختبر الممارسة.

 

 مطالب كثيرة لا زالت عالقة على لائحة الانتظار الطويلة  و  وترقب وحذر  في أوساط الملاحظين والمراقبين لمدى قدرة المغرب على الانسلاخ عن مسار ماضي يطفح  بالانتهاكات والخروقات و مصداقية  إرادته المعلنة في تحقيق  انتقال ديمقراطي فعلي  عبر تنفيذ الوعود الرسمية وتعبيد طريق الديمقراطية بخطوات اكثر جرأة بدءا من القطع مع الممارسة النظرية والانتقال الى التطبيق بترسيخ مبدأ عدم الافلات من العقاب و مرورا بتكريس   الشفافية والوضوح لتعزيز جسر الثقة الذي يضمن عبورا آمنا الى محطات الاستحقاقات القادمة.

 

 

 

ولهذا فالصحافة، باعتبارها تجسيدا لسلطة الرقابة على مسار التسيير بمختلف تفاصيله، يجب أن تستعيد  دورها في تسليط الاضواء على القطارات التي لا تصل في موعدها ،  ودق جرس الانذار  كي تنتبه  القيادة الى الاعطاب والاسباب التي تسهم في تعطيل مسيرتها و لو على  طريق يسير في الاتجاه  الصحيح!

 

من حق المغاربة اليوم ان يطمئنوا على سلامة المسار الذي وعدهم به الملك في  خطاب التاسع من مارس التاريخي، وذلك من خلال ترسيم حدود القانون  أمام الجميع حتى لا يدوس عليها المحظوظون الذين لم يعترفوا قط بوجودها  على امتداد جغرافيا الوطن.

من حق المغاربة اليوم أن يروا اشارات واضحة منصوبة على طول طريق الاصلاح الموعودة وهي   تؤمن العبور نحو تحول ديمقراطي حقيقي عبر اطلاق سراح الصحافيين و المعتقلين السياسيين الذين زُج بهم في المعتقلات على خلفية المؤامرات والاتهامات الباطلة.

من حق المغاربة اليوم أن يروا الضوء الاحمر يشتعل أمام رموز الفساد الذين نهبوا ثروات بلدهم وتوقيفهم فورا حتى يقفوا أمام العدالة ويجيبوا عن سؤال اهم درس في الديمقراطية:  من أين لك هذا؟

من حق المغاربة اليوم أن يروا قانون انتخاب شفاف يسهل عملية مرور سلسة وذلك بحضور "شرطي مرور"  ببذلة مستقلة حتى يسهر على مراقبة الانتخابات  و يرصد الخروقات دون أن يجد نفسه مجبرا على التردد في قراره و عاجزا عن التدخل حين تتناهى الى أسماعه  صفارة تحذير من  حكم غير عادل.

إنه الطريق الاخر الذي وجب سلوكه دون تردد، غير ذاك الذي تسلكه قوافل البهرجة التافهة،  قبل أن يتيه الجميع في صحراء  الوعود   خلف سراب البحث  عن موقع زائل  في  واحة ديمقراطية قد لاتلوح في الافق.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !